تقييم ما يبدو عليه الإدماجُ الهادف للشباب السوري في عملية بناء السلام من الناحية العملية: تقرير حوار السياسات

تقرير عن حوار السياسات العامة الذي عُقد في 30 أيلول/سبتمبر 2021

رسمة ملهمة من فلم ماثيو فان دايك حول سوريا © Flickr/andres musta

مقدمة

على الرغم من تبنّي أجندة الأمم المتحدة في مجال "الشباب والسلام والأمن"، في العام 2015، التي تعترف بالدور الأساسي للشباب باعتبارهم قوة إيجابية في منع نشوب النزاعات وفي حلها، إضافة إلى بناء سلام مستدام – على الرغم من هذا يغيب الشباب السوري اليوم بشكل واضح، بعد 10 سنوات من الصراع، عن العمليات السياسية الرسمية ومفاوضات السلام. إلا أن الشباب، في الوقت نفسه، منخرط في طائفة من جهود بناء السلام النابعة من المجتمع، وفي أنشطة التنمية المجتمعية لتقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية؛ وكلها تُسهم في عملية بناء السلام والمصالحة على المستوى الجزئي. ولكن دوام مشاركتهم ليس بالأمر اليقيني، إذ يعتمد جزئياً على الأقل على مسائل أمنية وأيضاً على احتياجاتهم المعيشية، وكلا الأمرين قد يؤثر سلباً على مشاركة الشباب في العمل الشعبي. علاوةً على ذلك، كشفت أبحاث أنه بالنسبة لكثير من الشباب السوري هناك تصور واضح لضياع الإرادة السياسية بعد عشر سنوات من الصراع، إضافة إلى فهم أن عملية بناء السلام تقتصر إلى حد كبير على عمليات التفاوض الرسمي فحسب.

لكلّ هذا آثار مهمة على تنفيذ أجندة فعالة للشباب والسلام والأمن يديرها الشباب السوري. لتقديم مشاركة شبابية هادفة في عملية بناء السلام في سوريا، من الضروري أن نفهم المعنى الحقيقي لمفهومَي "السلام" و"المشاركة" لدى الشباب، وما يبدوان عليه في الواقع العملي. قد يكون الاعتمادُ على الأفعال القائمة للشباب لمواجهة النزاعات وبناء السلام اليومي وإعادة بناء التعايش أحدَ أهم الخطوات في تطوير أجندة للشباب والسلام والأمن في سوريا تكون قادرة على الاستجابة لأفكار الشباب المتعلقة بالسلام والأمن وأيضاً ضمان أن تلك الأفعال مشبعة بشعور من الإرادة.

في نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2021، عقدت "مبادرة الإصلاح العربي" حوار مغلقاً حول السياسات، وتم إجراؤه تحت مظلة قاعدة تشاتام هاوس، وجمعت فيه نُشطاء سلام من الشباب السوري مع منظمات للمجتمع المدني ومستشاري السياسات والباحثين، لمناقشة الفرص والقيود أمام مشاركة الشباب في عملية بناء السلام في سوريا. ومن خلال النقاش استكشف المشاركون كيف أثّرت تجربة عِقد من الصراع والإقصاء على تطلّعات الشباب السوري وتفاهماتهم وتصوراتهم (ويُحدَّد سن الشباب هنا بين 18-28 سنة). وناقش المشاركون أيضاً الآثار العملية لتكييف أجندة للشباب والسلام والأمن مع خصوصيات السياق السوري، واستعرضوا التحديات والممارسات النافعة في أنشطة بناء السلام التي تجريها مجموعات النشطاء بقيادة الشباب إضافة إلى منظمات المجتمع المدني التي تقدم برامج محددة للشباب. ومن خلال جمع الممارسين والباحثين ومستشاري السياسات، استطاع حوار السياسات الإسهام في تكوين معارف جمعية حول تعزيز دور الشباب في عملية بناء السلام في سوريا، من جهة النهج والسياسات والبرامج.

ملاحظات افتتاحيّة: المعنى العابر للإرادة السياسية

كان الشباب فاعلاً أساسياً في تعزيز التغيير السياسي العميق في سوريا منذ العام 2011. فقد تطورت على مدار العقد الماضي تلك الحركة الاجتماعية التي يقودها الشباب، والتي بدأت في 2011، وبينما لم تعد الحركة الثورية نفسها قائمة على ذلك النحو، لم ينحسر نشاط الشباب ومشاركتهم بشكل تام. بل على العكس، انتقل بعض النشطاء الشباب إلى أشكال مختلفة من المشاركة، كالمشاركة في المجالس المحلية في شمال شرق سوريا. ولكن مع هذه الأشكال المتنوعة للمشاركة السياسية، تُبيّن الأبحاث أن الشباب السوري يشعر بفقدان الإرادة السياسية وعدم القدرة على أن يكونوا فاعلين في بناء السلام. وهذا نابع من أمرين: إحساسهم بعدم كفاية الخبرة والمعرفة التطبيقية في مجال بناء السلام، إضافة إلى غياب فرص المشاركة الرسمية، نتيجة عسكرة الصراع وكون عملية التفاوض تجري في أماكن بعيدة وبين نُخب مختارة.

إضافة إلى ذلك، توضح الأبحاث أن طول أمد الصراع عموماً، مع العديد من الديناميات الخاصة في الموقف السوري، أدى إلى ظهور سلسلة من الحواجز أمام المشاركة الشبابية. وبصورة أدق، فإن انعدام فرص العمل والمعيشة أمام الشباب الناتج عن تدمير الاقتصاد السوري، يعني أن الشباب يسعى إلى منح الأولوية لحاجاتهم اليومية بتحصيل الدخل على الأشكال الأخرى للمشاركة المدنية أو السياسية. وبالمثل، يشكل انعدامُ الأمن الجسدي وخطرُ التجنيد الإجباري للشباب حواجزَ أمام الأشكال المختلفة من المشاركة في المجال العام.

ومع ذلك، تكشف الأبحاث أيضاً أن الشباب السوري يرى في عمليات المصالحة وإعادة البناء ضرورة، والأهم أنهم يرون لهم دوراً فيها. ولكن في الوقت نفسه يرفضون مفهوم "بناء السلام" باعتباره شكلاً من أشكال صنع النفوذ السياسي المنفصل كثيراً عن الجهود الشعبية أو الحقائق على الأرض. وإضافة إلى هذا، يعمل الوضع المتوتر في البلاد كقوة ردع، نظراً لكون الشباب غير مستعدين لاتخاذ خطوات من شأنها إلحاق الضرر بهم أو بمستقبل البلاد. ومن هذه الأبحاث، يمكن استنباط أن الشباب لا يرون أنفسهم بالضرورة من جهات بناء السلام، كما قد يتصور صناع السياسات، بل يرون لأنفسهم دوراً محتملاً في عملية إعادة الإعمار عند رفع الضغوط الاقتصادية والسياسية عن كواهلهم.

حلقة النقاش الأولى: تقييم تصوّرات الشباب وتفاهماتهم وقيمهم فيما يتصل بالسلام وبنائه

الجهود الشعبية لتعزيز إسهام الشباب السوري في بناء السلام: شهادات من مشارِكين

ماذا تعني أجندة "الشباب والسلام والأمن" بالنسبة إلى الشباب السوري عموماً؟ وكيف يمكن للمنخرطين في التحركات لبناء السلام على مستوى القاعدة الشعبية المشاركة في عمليات بناء السلام الرسمية؟ وكيف يرى الشبابُ أنفسَهم كجهات فاعلة في بناء السلام؟ وما هي دوافع المشاركة الشبابية في سوريا؟

تشير الدلائل المستقاة من التحركات لبناء السلام على مستوى القاعدة الشعبية إلى أنّ العوامل التي تشجع و/أو تقوّض المشاركة السياسية للشباب تختلف تبعاً للبيئة والزمان والمكان والثقافة السياسية التي يعيش فيها وينحدر منها أولئك الشباب. وفي الحالة السورية، وبعد مضيّ أكثر من عقد من الصراع وفشل العديد من جهود التسوية، ومنها اتفاقيات وقف إطلاق النار وجهود الوساطة الدولية، يبدو بالإمكان ملاحظة اتجاهات معينة حين يتعلق الأمر بالمشاركة الشبابية في عمليات بناء السلام في البلاد.

فمن ناحية، يبدو أن الشباب لا يُبالي بالمشاركة السياسية الرسمية وعمليات بناء السلام على مستوى النخبة، ويرجع ذلك أساساً إلى أنّهم يواجهون طائفة من مسائل أكثر إلحاحاً تتعلق بنقص فرص العمل والتعليم، والافتقار إلى مقومات الرفاهية. وقد كان هذا صحيحاً بشكل خاص منذ العام 2015، حين تفاقمت الأزمة في سوريا، وفرّ الملايين من البلاد. لتحفيز الشباب على المشاركة، طرحت بعض المنظمات الشعبية مزيداً من البرامج المصممة لمعالجة أسباب انفصال الشباب عن المشاركة السياسية وتعزيز جهود بناء السلام؛ وهي برامج صُمّمت لبناء المهارات، من قبيل التدريب على المناظرات والتدريب القيادي. ومع ذلك، ربما الأهم أن الجهود الشعبية لتعزيز إدماج الشباب في عمليات بناء السلام تسعى أيضاً إلى معالجة كيفية فهم الشباب لمفاهيم مثل "السلام" و"الأمن"، وكيف يمكن تفعيل مثل هذه التصورات الجماعية عملياً. وبالنظر إلى نقص التعليم والبنية التحتية في البلاد، واجه كثير من الشباب صعوبة في صياغة أفكارهم الخاصة المتعلقة بتحقيق السلام والأمن عملياً، ناهيك عن تنفيذها.

بيد أن ثمة تحدياً آخر أمام مشاركة الشباب في بناء السلام على مستوى القاعدة الشعبية ينبع من حالة انعدام الأمن السائدة. فالشباب الذين يريدون المشاركة في العمليات السياسية ويقررون ذلك يجب أن يحصلوا على ضمانات بأن من الآمن القيام بذلك. وعلى هذا النحو، يصبح إيجاد مساحات آمنة هو الهدف الأساسي للمنظمات الشعبية التي تشجع الشباب على الاندماج السياسي. غير أنه لكي تنجح هذه المنظمات في توفير هذه المساحات الآمنة، فإنها تحتاج إلى أن تحظى بالقبول على المستوى المحلي والوطني والدولي فضلاً عن عقد الشراكات المؤسسية.

وعلى نطاق أوسع، يدرك الشبابُ المشاركون في بناء السلام على مستوى القاعدة الشعبية ذلك الترددَ من جانب المضطلعين بشؤون السياسة حين يتعلق الأمر بإشراك الشباب في عمليات بناء السلام الرسمية. إذ إنهم يعتقدون أن الشباب لا يُعتبرون حتى الآن أطرافاً فاعلة رسمية يُمكن أن يساهموا في عمليات تحقيق السلام والمحافظة عليه في مناطق الصراع. غير أن هذا يؤدي في نهاية المطاف إلى طريق مسدود، يجد فيه الشباب أنفسهم لا يحرمون من فرص العمل والتعليم والمساحات الآمنة فحسب، بل أيضاً من تلقي الرعاية والمشورة والشراكات لتحقيق إدماج هادف في بناء السلام على المستويين الرسمي والشعبي.

مفهوم السلام المتعدد الأبعاد

من أجل تعزيز أجندة "الشباب والسلام والأمن" بطريقة هادفة، فإن فهم تصورات الشباب تجاه السلام والأمن لا يقل أهمية عن التصدي للتحديات التي يواجهونها في المشاركة. عند عرض مختلف نتائج البحوث المتعلقة بالقيم والمفاهيم السياسية للشباب، تبرز عدة مواضيع متكررة. فمن ناحية، لدى الشباب السوري فهم متعدد الأبعاد للسلام، يتألف من السلام الأهلي، الذي يشير إلى السلام طويل الأجل الذي ينطلق من القاعدة إلى القمة وينبع من المستوى الشعبي، بالإضافة إلى المصالحة، التي يرون أنها الجهود المبذولة بين الحكومة والجماعات المعارضة بوساطة من المنظمات الدولية. واستناداً إلى ذلك، يُضفي الشباب السوري سمات مختلفة على معنى تحقيق السلام على أرض الواقع. وتشمل هذه السمات السلامة والأمن؛ والتعايش والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص؛ ووجود حكومة نزيهة وحكم ديمقراطي تتوفر لهما أدوات المساءلة لتقديم الدعم للمظلومين ومحاسبة الظالمين.

وعلى المدى القصير، يرى الشباب السوري أن السلام هو وجود الاستقرار. وفي ضوء ذلك، تحاول المنظمات التي يقودها الشباب توفير الاستقرار على أرض الواقع، على أمل أن يؤدي المزيد من الاستقرار إلى تعزيز فرص المشاركة. وبالنظر إلى الواقع السياسي الراهن في سوريا، فإن برامج الاستقرار التي تحاول هذه المنظمات تنفيذها تتسم بأنها محلية ومحدودة النطاق، وتهدف إلى تلبية احتياجات الشباب لا بناء استقرار شامل.

فضلاً عن أن الميل إلى استحسان المبادرات محدودة النطاق والمشاركة فيها ينبثق أيضاً من تصور الشباب بأنهم يفتقرون إلى الكفاءة للمشاركة في المحافل الوطنية والدولية. وفي ضوء ذلك، فإن الجهات الفاعلة الدولية لها دور هام يتعين عليها الاضطلاع به. إذ إن الانقطاع عن التعليم ونقص الوعي من الأسباب التي تكمن وراء عزوف الشباب عن المشاركة السياسية؛ ويمكن للجهات الفاعلة الدولية، التي تعمل مع المنظمات الشعبية التي يقودها الشباب، أن توفر أدوات لتثقيف الشباب العاديين في سوريا وزيادة فهمهم لشرعية العمليات السياسية.

مناقشة

استناداً إلى نتائج هذه البحوث، أسفرت المناقشة عن تحديد المشاركين لعدة احتياجات وتحديات فيما يتعلق بتعزيز مشاركة الشباب في أنشطة بناء السلام. أولاً، تقع على عاتق المنظمات المهتمة بوضع برامج للشباب في عمليات بناء السلام مسؤوليةُ تزويد الشباب، لا سيما أولئك الذين لا يزالون يعيشون في سوريا، بمساحة آمنة يمكن أن يشاركوا فيها دون الكشف عن هويتهم. والواقع أن المشاركين المحتملين في عمليات بناء السلام لا يسعون إلى إيجاد مساحة آمنة من الجهات الفاعلة السياسية فحسب، بل أيضاً من المشاركين الشباب الآخرين. فقد أوجدت الأزمة التي تشهدها البلاد بيئة تنعدم فيها الثقة إلى حد كبير وينتقي فيها الشباب مشاركتهم وانخراطهم في المجال العام قدر الإمكان. وفي ضوء هذا السياق، فإن المشاركة دون الكشف عن الهوية ضرورية بيد أنها ممكنة بالفعل فقط على المنصات الافتراضية.

ولكن في الوقت نفسه، فيما يتعلق بالوضع في سوريا، فإن الأدوات المتاحة على شبكة الإنترنت التي تضمن عدم الكشف الكامل عن الهوية على نحو شبه مؤكد لا تؤدي إلى زيادة اتساع المشاركة السياسية. بل على العكس من ذلك، وخاصة بالنسبة للأشخاص القادمين من مناطق معينة في سوريا، يمكن أن تكون المساحات الافتراضية تمييزية، إذ لا يستطيع الجميع الوصول إلى البرمجيات الرقمية والأدوات والأجهزة الإلكترونية. ومن ثم، فإن استخدام المساحات الآمنة على شبكة الإنترنت في برامج الشباب لبناء السلام يُمكن أن يؤدي إلى أشكال مختلفة من الإقصاء. وفي حين تدرك المنظمات الشعبية التي يقودها الشباب هذه المعضلة، فإنها للأسف لا تملك خيارات أخرى آمنة بنفس القدر. ومع أن معظم النشطاء يدركون أن خيارات المشاركة الأخرى متاحة نظرياً، فإنهم غير مستعدين لخوض المجازفة دون ضمان كامل لسلامة المشاركين.

ثمة تحدٍّ آخر يواجه زيادة مشاركة الشباب السوري في بناء السلام يتعلق بما إذا كانت الجهات الفاعلة الخارجية تنصت فعلاً إلى وجهات نظر الشباب وتعمل على إدماجها. وهل تدرك الحكومات والمنظمات الدولية المشاعر المحلية وخصوصية السياق بشكل كافٍ؟ هل هناك تعاون كاف مع الجهات الفاعلة المحلية، وهل لدى المنظمات الوطنية والدولية الأدوات اللازمة للمشاركة معهم بكفاءة؟ وفقاً للمنظمات السورية التي يقودها الشباب، والتي تعمل على أرض الواقع، فإن الحكومات لا تهتم بتنفيذ أجندة "الشباب والسلام والأمن" إلا من أجل تعزيز مشاركتها في الحوار والصراع المعنيّ. وبينما أدى إصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراره رقم 2250 إلى زيادة الاهتمام بالمشاركة مع الشباب في مناطق الصراع، ولا سيما في سوريا، فإن تنفيذ الأجندة لم يتم بعد بصورة ملموسة.

ومن منظور نشطاء السلام الشباب، لا يستمر الاهتمام الدولي إلا لمرحلة معينة، يزول بعدها اهتمام رعاة أنشطة الشباب لبناء السلام على المستوى الشعبي ويسحبون الدعم في مرحلة مبكرة للغاية من العملية، وذلك لأنهم ينظرون أساساً إلى الشباب على أنهم أدوات للتعبير عن الاستياء ولكن ليس بالضرورة جهات شرعية في بناء السلام. وعادة ما تهيمن استراتيجيات الدولة والحكومة على السردية الدولية، وليس بالضرورة الواقع الذي يواجهه الشباب ورؤاهم الخاصة للسلام والاستقرار.

وربما على نطاق أوسع، تشكل محاولة وضع جميع الشباب تحت مظلة واحدة مشكلة حتماً، لأن الشباب ليسوا فئة متجانسة. كيف تبدو المشاركة المجدية للشباب بصفة عامة، وليس النشطاء الشباب الذين يقومون بالفعل بأنشطة بناء السلام سواء في المحافل الرسمية أو غير الرسمية؟ هل تختلف أفكار السلام والمشاركة التي يتبناها صناع السياسات والجهات الفاعلة الخارجية عن أفكار الشباب السوري العادي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن للجهات الفاعلة الوطنية والدولية سد الفجوة وجعل مشاركة الشباب أكثر شمولاً؟ للبدء في الإجابة على هذه الأسئلة ومعالجة هذه القضايا، ينبغي الاعتراف منذ البداية بأن لكل شخص، سواء كان ناشطاً أو مواطناً عادياً، الحق في المشاركة في العمليات السياسية.

حلقة النقاش الثانية: الدروس المستفادة على أرض الواقع - تنفيذ أجندة "الشباب والسلام والأمن" في سوريا

لا تقتصر عملية بناء آلية لسد الفجوة بين ممارسات السلام اليومية ومعتقدات الشباب وجدول بناء السلام الرسمي فقط على تنفيذ المشاريع. إذ من الضروري أيضاً توفير مساحات لمشاركة الشباب في المجال العام إلى حد بعيد وبشكل كبير. ففي سوريا، حيث لا يزال الشباب مهمشين وغير ممثلين تمثيلاً كافياً في جميع المجالات، يتسم هذا الأمر بصعوبة بالغة بشكل خاص، بل يتفاقم بسبب الانقسامات السياسية والاجتماعية العميقة في البلاد. ومن الاستراتيجيات التي تم تحديدها للتغلب على هذه التحديات دعمُ مشاركة الشباب في المجال العام من خلال حملات التوعية والمناصرة المشتركة. فمن خلال الجمع أولاً بين الشباب المحليين، ثم الانتقال إلى الصعيد الوطني، وفي نهاية المطاف إلى الصعيد الدولي، يصبح من الممكن تمهيد الطريق للدعوة إلى السلام من أجل الشباب ومن خلالهم.

غير أن تنفيذ مثل تلك الاستراتيجية يعد أمراً عسيراً، فنادراً ما يتفق الشباب في سوريا -أو أي دولة أخرى- في الرؤية السياسية نظراً لتباين خلفياتهم، مما يخلق حالة من التردد وانعدام الثقة عندما يأتي الأمر للمشاركة السياسة على المستوى المحلي ناهيك عن المستويين الوطني أو الدولي. وعلاوة على ذلك لا يمكن معالجة مسألة إشراك الشباب في العمليات السياسية بصفتها مشروع بل يجب اعتبارها عملية طويلة الأمد تتطلب وقتاً طويلاً، فالعمل مع الشباب يتطلب هياكل وآليات محددة ينبغي على المجتمع المدني وغيره من الجهات الفاعلة الخارجية بنائها وتكييفها. إضافة لذلك تحتاج برامج الشباب أن تصبح مستدامة، وهو ما يمكن تحقيقه عبر جعل حوارات الشباب أكثر طبيعية وطواعية، فإن تدعيم العلاقات القوية والاستراتيجيات المحلية السليمة أمر ضروري لزيادة تأثير الشباب على المستويين الوطني والدولي.

ولكن ماذا سيحدث عندما يستطيع الشباب الوصول لتلك المستويات الدولية ويُدعَون للمشاركة في جهود بناء السلام الرسمية؟ يمكن تحديد أربعة عوامل في السياق السوري تعوق مشاركة الشباب في عملية صنع السلام على النطاق الدولي، وتشمل تلك العوامل تعدد مواقع صنع السلام مما يؤدي للتشتت، وتعذر الوصول لجهود صنع السلام الحالية نتيجة البروتوكولات والممارسات الاجتماعية المسيّسة، وتفكك المجتمع المدني بل وأيضاً الميل لمعاملة الشباب كجماعة واحدة دون إدراك لتباين الأصوات الشبابية، إضافة لتغير المخططات الزمنية الدولية والاعتبارات الجيوسياسية في سوريا.

أخيراً، فعلى الرغم من وجود مشاركة شبابية في جهود بناء السلام المتكامل، تنحصر هذه المشاركة في المستوى المحلي في سوريا، والمفارقة أن ذلك يجعل الجهات الحكومية تُصنف المنظمات الشبابية على أنها جهات فاعلة محلية فقط، مصعبة على الشباب ارتقاء السلم والمشاركة في الصورة الأكبر على المستوى الدولي. هذا بدوره يخلق فجوة كبيرة بين جهود بناء السلام الحالية وعمليات صنع السياسات الدولية، مثل الكثير من اتفاقيات وقف إطلاق النار ومحاولات إنهاء الأعمال العدائية التي حدثت في سوريا دون دعوة الشباب للمشاركة في طاولة المفاوضات. وعلى النقيض من ذلك، ثمّة ميل متزايد منذ 2011 لربط مشاركة الشباب بالتعبير عن الاستياء والاحتجاج، ورؤية أن هذا التأثير في عملية صنع القرار لا يمكن تحقيقه إلا من خلال العمليات الرسمية الخارجية، وهي طريقة تفكير خاطئة وخطيرة ليس فقط لأنها تستثني مجموعة مهمة من عمليات بناء السلام، بل لأنها أيضاً تنسب تلك القضايا للشباب فحسب وليس للمجتمع بأكمله.

مناقشة

تعتبر التوعية بالاحتياجات الأساسية للمجتمعات المحلية والمشاكل التي تواجهها هي نقطة التدخل المناسبة لتعزيز مشاركة الشباب عندما يتعلق الأمر ببرامج الشباب المحلية، لكن يظل التحدي الأكبر هو تأسيس برامج مستدامة نظراً لأن معظم التمويل يُمنح للمشروعات قصيرة المدى بينما يتطلب تشجيع مشاركة الشباب في العمليات السياسية تدريباً مستمراً وإجراءات متطورة، وهناك أيضاً حاجة لإشراك الشباب في العمليات المحلية الرسمية وهو ما يحتاج وقتاً أيضاً. ويمكن استخدام التحول الذي مرت به منظمات المجتمع المدني في شمال شرق سوريا كنموذج تحتذي به المبادرات المشابهة في المستقبل.

أما بالنسبة لبرامج الشباب الدولية، فيتمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجهها في نهج الجهات الفاعلة الدولية تجاه المنظمات الشعبية الشبابية التي يُنظر لها بعين الشك ولا تُمنح سوى تمويلات محدودة للغاية. فهناك مشكلة مستمرة تتعلق بالثقة وتمتد على أكثر من مستوى وقد لا يتم حلها إلا بنجاح الشباب في إثبات شرعيتهم السياسية وملاءمتهم عندما يتعلق الأمر بعمليات بناء السلام.

ومع ذلك، يظل تغيير طبيعة النهج التنازلية وتنفيذها لتعزيز مشاركة الشباب في بناء السلام أسهل من محاولة تغيير تصور جيل كامل عن الشباب، فالأدوات التي تخول الشباب للمشاركة هي التي تحتاج للتغيير، مثل الحاجة لإتاحة آليات تمويل مبتكرة للشباب سواء توفرت عبر مبادرات محلية أو وطنية أو إقليمية أو دولية. وتقع مسؤولية تلك التغييرات على عاتق أصحاب الامتيازات الذين يستطيعون الوصول للعمليات، وهم في أغلب الأمر الحكومات والمنظمات الدولية، وليس المنظمات والمبادرات الشبابية نفسها. وبالمثل، ونظراً للطبيعة غير المتجانسة للشباب، وحقيقة أن الآراء قد لا تتوافق دوماً مع المنفذين لأجندة "الشباب والسلام والأمن" بطريقة تنازلية، قد يعاني الشباب من ممارسات للسيطرة على مشاركتهم من قِبل الأطراف الفاعلة والمؤسسات والنخب الخارجية.

ومع ذلك، وبغض النظر عن هذه العوائق التي تحول دون زيادة مشاركة الشباب، لا يمكن الاستهانة بمسألة الاحتياجات المعيشية والحاجة الملحة لدر الدخل. فقد أثبتت الأبحاث أن البطالة والبحث عن عمل من أهم المعوقات التي تحول دون مشاركة معظم الشباب في سوريا اليوم. وبالمثل فإن الفقر يمنعهم من الانخراط في الشؤون العامة، فبالتأكيد الربط بين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمشاركة الشبابية مهم للغاية، حتى أن بعض الشباب السوري يتكهن أن الحكومة تفرض متعمدة وضعاً من الاحتياج المالي الدائم كاستراتيجية لاستنزاف وقت الشباب وطاقتهم ومواردهم وإبعادهم عن زيادة المشاركة في العمليات السياسية.

وأخيراً، تعتبر الوقائع الثقافية السورية أحد التحديات التي تواجه زيادة مشاركة الشباب في بناء السلام. بالنسبة لبعض النشطاء، ثمة افتقار لثقافة المشاركة السياسية للشباب السوري. وبينما كسرت انتفاضات 2011 الأنماط التقليدية للمشاركة الشبابية، فشلت لحظة الحشد الشعبي تلك في التطور لتكون آليات مشاركة سياسية ملموسة. وبالرغم من ذلك، وبعد عقد من الصراع، يزداد الوعي بضرورة المشاركة الواسعة لتأمين مستقبل البلاد. ومع ذلك، فإن فاعلية أجندة "الشباب والسلام والأمن" في المنطقة العربية لم تُثبت بعد. ويثبت النموذج التونسي أنه، من ناحية، لا تزال هناك آليات سيطرة حكومية لاحتواء الشباب، مستغلة شعار "الشباب والسلام والأمن" كأداة ملزمة لإبقائهم تحت المراقبة ومنع حدوث موجة أخرى من الحشد الشعبي الجماهيري. ومن ناحية أخرى، يظل انعدام الاستقرار والأمن حاجزاً أمام مشاركة الشباب السياسية من خلال تغيير أولوياتهم. بعبارة أخرى، وبغض النظر عن درجة اندماج الشباب في عمليات بناء السلام الرسمية، يتوقع أن تظل أولوياتهم العاجلة كما هي حتى انتهاء الأعمال العدائية.

يشير هذا إلى ضرورة استمرار الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني، وغيرها من المنظمات الوطنية والدولية التي توفر برامج للشباب، في العمل على تعزيز مشاركة الشباب السياسية عندما ينتهي الصراع؛ أو بعبارة أخرى لا ينبغي أن تقتصر جهود إشراك الشباب على صنع السلام، بل يجب أن تمتد لسياق حفظ السلام. فهذا الأمر ضروري، لا سيما أن الشباب السوري يمثلون مجموعة تشمل غير المشاركين حالياً إضافة لمجتمع الشتات.

تعليقات ختامية

يتطلب التنفيذ الناجح لأجندة "الشباب والسلام والأمن" في سوريا فهماً جماعياً للأطراف الفردية والمحلية والوطنية والدولية في المعادلة، ولا يزال يتعين القيام بالكثير من العمل فيما يتعلق بالتنفيذ الحقيقي للأجندة. إلا أن تعزيز المشاركة الهادفة للشباب في بناء السلام والسياسة يعني في جوهره الانخراط في عمليات طويلة الأمد لتزويد الشباب بالقدرات اللازمة وآليات القيادة والمساعدة المالية لتحويل قيَمهم ومُثلهم إلى عمل سياسي فعال. فالشباب هم جزء دائم من المجتمع، وأي استثمار مستدام فيهم هو استثمار في الحاضر بقدر ما هو استثمار في المستقبل.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.