ملخص الويبينار: توثيق الآثار الناجمة عن النزاعات المسلحة على البيئة في الشرق الأوسط

في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، نظم "برنامج السياسات البيئية" التابع لمبادرة الإصلاح العربي، بالتعاون مع شركة الاستشارات "أورينت ماترز" ومؤسسة "روبرت بوش ستيفتونغ"، ويبينار بعنوان "توثيق الآثار الناجمة عن النزاعات المسلحة على البيئة في الشرق الأوسط: سدّ الثغرات" الذي بحث آثار النزاعات في مناطق غرب آسيا وشمال أفريقيا على البيئة، مع التركيز على فلسطين وسوريا والعراق والسودان. وقد سعينا من خلال هذا الويبينار إلى وضع إطار للقضايا المتعلقة بكيفية تأثير النزاعات المسلحة على البيئة وكيفية معالجتها، وكذلك كيف ساهمت تلك القضايا البيئية في النزاعات، وكيف يمكن للجهود الإنسانية ومبادرات إعادة الإعمار وبناء السلام والعدالة الانتقالية إدراج الاعتبارات البيئية في أنشطتها وكيف ينبغي لها ذلك؟ وما الدور الذي يمكن أن يضطلع به الناشطون البيئيون في بناء السلام؟

وقد شارك ثلاثة متحدثين من خلفيات مختلفة تماماً بوجهات نظرهم في المناقشة. الدكتور يونس أبويوب، مدير شعبة الحوكمة وبناء الدولة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمم المتحدة، ونتاشا كارمي، خبيرة رئيسية في مجال المياه، ملتقى المياه في جنيف، وويم زوايننبورغ، مدير برنامج نزع الأسلحة الإنساني التابع لمنظمة "باكس"، وأدارت الجلسة سارين كراجرجيان، مديرة برنامج السياسات البيئية في "مبادرة الإصلاح العربي".

بدأ الدكتور يونس أبويوب الويبينار بالحديث حول العوامل البيئية وكيف تشكل جزءاً لا يتجزأ من ديناميات النزاع، قائلاً إنه: "لا يمكننا القول إن التدهور البيئي أو الاحتباس الحراري هو العامل الرئيسي الكامن وراء نشوب النزاعات المسلحة العدوانية. لكنها باتت إحدى الدوافع الرئيسية. عادةً، من بين المحركات الرئيسية للنزاع، نتفق جميعاً على أن الأمر يتعلق بالظلم والظلم الاجتماعي والاقتصادي والتهميش السياسي وعدم المساواة (...)، والتدهور البيئي يُشكل عاملاً مضاعفاً للمخاطر. إذ إنه يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعرضة بالفعل لتصاعد النزاعات العدوانية". ولتوضيح هذه النقطة، أثار الدكتور يونس أبويوب قضية النزاع في دارفور، الذي لا يزال مستمراً منذ عام 2003. على الرغم من أنه غالباً ما يوصف بأنه نزاع عرقي، فإن الواقع أكثر تعقيداً نظراً إلى أنه بدأ كنزاع  بين المزارعين ورعاة الماشية الذين تنافسوا على الأراضي في أعقاب موجات الجفاف الشديد المتكررة في الثمانينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين. ونظراً إلى السمات الخاصة التي يتميز بها الهيكل المؤسسي للسودان، وعلى وجه التحديد السياسات الحكومية التي تحابي بعض المجموعات العرقية أكثر من غيرها، طور النزاع ديناميات وخصائص معينة تجاوزت نطاق الطبيعة الأصلية للقتال. "تؤدي النزاعات العدوانية إلى إضعاف هذه المجتمعات والبلدان بحيث تصبح في وضع لا يمكنها من التكيف مع العالم المتغير من حولها".

بعد ذلك، أوضحت نتاشا كارمي جهود ملتقى المياه في جنيف، الذي تأسس عام 2014؛ وفي عام 2015، أطلقت 15 دولة مشاركة في الاجتماع هيئة أوصت بأفضل الطرق لاستخدام المياه لبناء سلام مستدام ومنصف وطويل الأمد. وفي الواقع، أثناء النزاعات المسلحة، تُعد "المياه وسيلة وضحية في آن واحد"، أي أنها تُشكل سلاحاً من أسلحة الحرب، وأحد أسباب النزاع، وفي الوقت نفسه ضحية من ضحايا النزاع، ووسيلة لتحقيق سلام عادل ومستدام. وأضافت أن البنية التحتية للمياه تعد مؤشراً على الاستقرار السياسي، بمعنى أن جودة المياه عامل حاسم على القدر نفسه من الأهمية يجب أخذه في الاعتبار عند تقييم العلاقة بين النزاعات والبيئة. ولزيادة تعزيز استخدام المياه كأداة ووسيلة لتحقيق السلام، أنشأ ملتقى المياه في جنيف المرصد العالمي للمياه والسلام عام 2018، بوصفه مساحة تتشارك فيها الأصوات المحلية، جنباً إلى جنب مع الشركاء الآخرين، وتفكر في كيفية استخدام المياه كوسيلة لتعزيز السلام. والواقع أنه يتيح الفرصة "للأصوات المحلية من الشباب، والنساء، ووسائل الإعلام، فضلاً عن المراكز البحثية ومؤسسات صنع السياسات، للالتقاء معاً والتعبير عن آرائهم وتبادل خبراتهم".

قدم ويم زوايننبورغ عمله الذي يركز على فهم كيفية استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد والتصوير بالأقمار الصناعية لكشف وتوثيق الآثار المدمرة للنزاعات على البيئة. ولتسليط الضوء على ذلك، عرض صوراً مختلفة التقطتها الأقمار الصناعية فوق سوريا تظهر كيف أن التلوث النفطي الناجم عن الإهمال في البنية التحتية نتيجة النزاع قد ألحق الضرر بالساحل السوري. وعرض صوراً التقطتها الأقمار الصناعية تظهر الأضرار التي ألحقها القطع الجائر للأشجار على نطاق واسع بالغابات السورية. وعلى حد قوله، "أدت زيادة أسعار الوقود إلى الكثير من عمليات إزالة الغابات، ومنذ عام 2015 تفاقمت هذه الظاهرة على نحو متزايد أدت إلى فقدان أكثر من 30% أو ما يقرب من 40% من الغابات في جميع أنحاء سوريا". وأكد على أن السبب الذي يدفع الباحثين إلى استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد هو السماح لهم برصد التأثير المباشر للنزاعات وسدّ بعض الثغرات المعرفية، إلا أنها تميل إلى تكوين منظور ضيق وسطحي، نظراً إلى أنها لا تستطيع تفسير الديناميات الاجتماعية والاقتصادية القائمة بالفعل، ومن هنا تأتي أهمية السفر والتحقق على أرض الواقع مع الأشخاص المتضررين. وقال "نحن بحاجة إلى إشراك المجتمعات المحلية في هذا النقاش (...)، لأن ما نراه ليس دائماً هو ما يعانون منه بشكل مباشر أو يعتبرونه أولوية".

وعقب مداخلات المتحدثين، أُتيح المجال أمام طرح الأسئلة، حيث سأل الحضور عن الكيفية التي يمكن بها للمنظمات غير الحكومية أن تفهم الاحتياجات الإنسانية وتُحدد سياقها والتحول من المساعدات الاقتصادية الخطية إلى المساعدات الاقتصادية الدائرية، وكيف ينبغي لها ذلك؟ ورد الدكتور يونس أبويوب على هذا السؤال بأن هذه تُمثل مشكلة جماعية في حاجة إلى حل جماعي. وبالتالي، ثمة مشكلة منهجية، بمعنى أن هناك ضرورة لإعادة النظر في "نموذجنا الإنمائي، ونظامنا للحوكمة الدولية، واتخاذ إجراءات جدية (...) ولذا يتعلق الأمر بالمسائل الهيكلية، التي لا بد من معالجتها على الصعيد الوطني، والأهم من ذلك، على الصعيد الدولي".

وطُرح سؤال آخر بشأن عمليات التقييم، حول ما هي المؤشرات التي يمكن استخدامها لقياس الآثار البيئية على السلام والحرب؟ وأجابت نتاشا كارمي على هذا السؤال بأن هناك حاجة أيضاً لتحديد ما يعنيه السلام. وعلى حد تعبيرها "هل هو غياب النزاعات المسلحة؟ أم أن الأمر يتعلق بقضية أكبر تتمثل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟" ويتطلب كل تعريف مؤشرات مختلفة وسيؤدي إلى توصيات مختلفة إلى حد كبير متعلقة بالسياسات العامة.

وثمة سؤال أخير يتعلق بالمسؤولية عن الحماية، والالتزام بحماية المدنيين في أوقات النزاعات، ومدى ارتباط ذلك بالتدهور البيئي الناجم عن النزاعات. بحسب ويم زوايننبورغ، فإن أثر النزاع على البيئة متعدد الأوجه ومعقد للغاية، ولا توجد آليات خاصة ضمن الأطر الدولية بشأن كيفية التعامل معه. وصرح قائلاً، "ينبغي لنا أن نتطلع إلى إطار عمل راسخ بالاستعانة بأموال إضافية قادرة على التعامل مع جهود إزالة التلوث والإصلاح الخطيرة من حيث الاستجابة والمعالجة". وأكد أيضاً على أن المجتمع المدني يجب أن ينخرط في تلك العمليات ويمكن أن يكون شريكاً في جهود الاستجابة وإعادة الإعمار.

شكَّلت الموضوعات التي نوقشت خلال الويبينار حجر الأساس للمؤتمر الدولي المقرر عقده في الفترة من الثلاثاء 31 كانون الثاني/يناير حتى الخميس 2 شباط/فبراير 2023 في فندق "جفينور روتانا"، في بيروت، وسيتألف من 6 ندوات تناقش مختلف أوجه الترابط بين النزاعات والبيئة وتغير المناخ. ومن المتوقع أن ينضم إلينا أكثر من 25 متحدثاً للإسهام بأفكارهم ووجهات نظرهم الفريدة  فيما نأمل أن يكون مؤتمراً محفزاً ومثرياً.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.