تحديات العراق في تأمين الموصل

الأمن في السياق الانتقالي وفي حالة النزاع
قوات الجيش العراقي تتموقع غرب الموصل، شمال العراق، سوريا آذار/ مارس 2013 © Omar Alhayali / EPA

تبدو مدينة الموصل بعد مرور ستة أشهر تقريباً على بداية المعركة فيها - التي وصفها خبراء عسكريون غربيون كثر بأنها الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية - كأنها على وشك السقوط بأيدي القوات المسلحة العراقية المدعومة من قبل التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة. وبعد المرحلة الأولى الشاملة، سقط الشطر الواقع شرقي دجلة بأيدي القوات الأمنية في كانون الثاني/يناير 2017. والآن تبدو استعادة السيطرة على الجزء الغربي من المدينة مسألة وقت فقط، ربما بضعة أسابيع إن لم تكن بضعة أيام. يأتي ذلك بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً على هجوم تنظيم الدولة الخاطف عليها، ويبدو الأمل اليوم كبيراً بين أهالي المدينة، الذين عانوا كثيراً وتمّ تشريدهم بعشرات الألوف وربما مئات الألوف منذ 2014.

ويتوقع المتفائلون أن النصر -الذي كُنّي لتوه باسم "أم المعارك"- سينهي أكثر من عقد من الزمان من العنف، ويسمح في النهاية للعراق أن يعيد بناء نفسه كدولة وكمجتمع على حد سواء. بيد أن عدم اليقين الذي يحيط بكل مجريات فترة ما بعد الدولة الإسلامية لا يزال حياً منذ إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدء العمليات العسكرية في خريف 2016. إذ كيف يمكن استعادة الأمن المستدام في مدينة محررة ولكن مدمّرة كالموصل؟ وتحت أي صيغة وعلى يد أي القوات سيحدث ذلك؟ وأخيراً، كيف يمكن ترجمة النجاح العسكري إلى أمن دائم وتقدم مؤسسي؟

من دون تأمين الموصل لا يمكن لأي حكم محلي أن يتشكل، ولا لأي استقرار أن يحدث. وأيضاً، لا يمكن أن تتم إعادة البناء إذ يصعب على أي نظام مؤسسي أن يعيد تأسيس نفسه حيث انهار. ومن وجهة النظر هذه، لم يكن لبغداد على الإطلاق أي خطة فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الدولة الإسلامية سواء في الموصل أم في غيرها. ولم تنشأ ترتيبات الأشهر الأخيرة بين مختلف القوى المعبأة إلا من خلال هذه المعركة الأخيرة. ومن بين هذه القوى الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب التابعة له، والتي كان لواؤها الأول في خطوط القتال الأمامية لمواجهة المجموعات الجهادية، وهو الذي تمّ تدريبه على يد الولايات المتحدة الأمريكية.

وتمثل هذه "الفرقة الذهبية" الشهيرة، التي تضم عشرة آلاف مقاتل من كل الأطراف، بالنسبة للعراقيين الأملَ في إعادة الأسس القومية، وقد لقي أعضاؤها الترحاب باعتبارهم محرِّرين أصيلين. وقد سمحت المثابرة والمهنية والنزاهة التي تتمتع بها هذه الفرقة للحكومة المركزية أن تستعيد شرعيتها في بعض أوساط السكان السنّة، الذين كانوا قد استُبعِدوا في مراحل سابقة من القوات المسلحة المركزية، التي كان يُنظر إليها باعتبارها طائفية وفاسدة وغير مؤهلة.

إلا أن قدرة الجيش على تهدئة الأمور في بلد مفتت لا تزال تتعثر على مستويين اثنين على الأقل:
المستوى الأول عسكري، فإذا كان عود القوات الأمنية العراقية قد تصلّب بفضل النضال الشرس من أجل الموصل، وقبل ذلك في أماكن مثل الرمادي وهيت والفلوجة؛ فإن الدولة الإسلامية لم تقل بعدُ كلمتها الفصل وهي تضاعف هجماتها الانتقامية (مثل التفجيرات الانتحارية والاغتيال المستهدف) في المناطق السنية كما في بغداد. وبهذا المعنى، فإن مفهوم "التحرير" سيغدو مخادعاً إذا لم يترافق مع إستراتيجية أمنية واضحة ومتفق عليها. فمن دون قضية مشتركة، ستعود خطوط التقسيم التي كانت سائدة قبل الدولة الإسلامية إلى الظهور على السطح، بل قد تظهر أيضاً تقسيمات إضافية. ولا تزال حكومة إقليم كردستان تعمل مع الجيش العراقي، وهي ترسل قوات البيشمركة إلى الجبهات الشمالية والشمالية-الشرقية، ولكن من دون أن تدخل الموصل نفسها. ولم يترك الأكراد أي مجال للشك في عزمهم ضمّ أي منطقة يستولون عليها إلى منطقة حكمهم الذاتي بشكل منفرد، بما في ذلك المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية، حيث كان يعيش الكرد والعرب والأقليات الأخرى سوية لزمن طويل.

وثمة لاعب آخر يتنافس أيضاً مع القوات النظامية، وخاصة تلك التي لم يخترقها بعد، وهو "الحشد الشعبي"، الذي يضم آلاف الرجال المنتمين في معظمهم إلى الميليشيات الشيعية والذين يفترض أن أوامرهم تصدر من العبادي، بيد أن شخصيتهم التي يصعب التحكم بها وعلاقاتهم بطهران أدت إلى أعمال انتقامية طالت المجتمعات السنية. وكما هي الحال، فإن الجيش العراقي لا يستطيع المناورة لمنع حدوث حرب أهلية جديدة. أضف إلى ذلك أن أحداً لا يمكنه التكهن كيف ستستطيع الحكومة فرض سيطرتها على الفصائل المسلحة، وبخاصة عشائر الأنبار العربية السنية والحشد الوطني الذي يتبع محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي المدعوم من قبل الجيش التركي، وأيضاً الميليشيات المسيحية والإزيدية التي تدعمها حكومة إقليم كردستان.

المستوى الثاني سياسي، حيث تختلف الأطراف الرئيسية المعنية في رؤيتها لمرحلة ما بعد الدولة الإسلامية. بالنسبة لبغداد، فإن المسألة كانت على الدوام غسل الإهانة التي أصابتها في 2014 عندما تبعثرت القوات المسلحة في الموصل وهربت، مُسلِّمة المدينة إلى الدولة الإسلامية. ولكن الموصل بالنسبة للعبادي هي أيضاً أداة سياسية لتعزيز موقعه في مواجهة حكومة إقليم كردستان وقادة الميليشيات (مثل هادي العامري رئيس منظمة بدر وغيره من الأشخاص المؤثرين للغاية)، والقوى الإقليمية كإيران وتركيا، وبدرجة أقل العربية السعودية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، شرّع البرلمان العراقي الحشد الشعبي باعتباره هيئة رسمية إلى جانب الجيش.

أما على الجانب السني، فقد أثارت التطورات الأخيرة المخاوف من عودة الحال التي كانت قائمة من قبل، وزيادة الإفلات من المسؤولية للميليشيات الشيعية. ويدّعي أثيل النجيفي، الذي تكرهه الحكومة وتحمّله دوماً مسؤولية أحداث 2014، تشكيل الإقليم السني ذي الحكم الذاتي. وتدعمه في ذلك أنقرة التي تقاتل قواتها حالياً في العراق ضدّ وجود قوات حزب العمال الكردي PKK وتخطط لاجتياح الأرض بعملية عسكرية تحت اسم: "درع دجلة".

باختصار، من المؤكد أن التوترات والتناقضات القديمة أو المستجدّة على الهيمنة على المناطق المحررة والسلطة السياسية والموارد لا تزال بعيدة عن الحل.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.