تجارب التمثيل والتهميش السياسي الخاصة بالنساء في المغرب: تقييم وتحديد مسارات المستقبل

أعضاء البرلمان المغربي يشاركون في مناقشات خلال تشكيل البرلمان في الرباط، المغرب، 19 كانون الأول/ديسمبر 2011. © EPA/ZACARIAS GARCIA

مقدمة

تتصف مسارات المشاركة السياسية للنساء في المغرب والتحديات التي تواجهها بالتعقيد. لهذا فإن أفضل طريقة لفهم هذه المسارات في بعدها المركب تتمثل في بحث واستكشاف ثلاثة أبعاد اساسية وهي: الإصلاحات القانونية والهياكل الحزبية والتجارب الفردية للنساء.

منذ الانتخابات التشريعية لعام 2002، شكل التطور المتناقض للمشاركة السياسية للنساء في المغرب تحدياً للباحثين والباحثات في الميدان السياسي. ونقصد بالتناقض هنا أن هذه الظاهرة لوحظت على صعيد التطور العددي في حين كان مصحوباً بانخفاض في التمثيل الفعلي للمرأة في مناصب صنع القرار. وقد نفذت الحكومات المختلفة التي تعاقبت على المغرب منذ ذلك الحين سلسلة من الإصلاحات والإجراءات التي تهدف إلى تعزيز المشاركة السياسية للنساء، خاصة فيما يتعلق بمراعاة مبدأ التمييز الإيجابي، المعروف باسم نظام الكوتا.1اطلع في هذا السياق على الأعمال المختلفة التي قامت بها الجمعيات وشبكات العمل التخصصية -خاصةً الحركة من أجل ثلث المقاعد المنتخبة للنساء التي كانت تسمى عام 2011 "بالحركة من أجل المساواة"، والجمعية الديمقراطية لنساء المغرب- لا سيما الوثائق التي صدرت عن أعمال مركز القيادات النسائية. اطلع أيضاً على أعمال وأبحاث حنان درهور وياسمين بريان ودرود داليروب حول نظام الكوتا في المغرب.

وقد اقترن تنفيذ هذه الإجراءات بزيادة كبيرة في عدد النساء المرشحات والمنتخبات على المستويات الجماعاتية والمحلية والوطنية. فمثلاً، زاد عدد نائبات البرلمان من نائبتين في عام 1997 إلى 30 نائبة بعد تطبيق نظام الكوتا في انتخابات عام 2002، ثم ارتفع مجدداً ليصل إلى 96 نائبة في عام 2021. وقد أشادت الصحافة المحلية والدولية بهذه الزيادة حينها، حتى أنها أعلنت بعد انتخابات عام 2009، عن بزوغ عهد جديد للنساء في المغرب (بركات، 2009).2يرجع هذا بصفة أساسية إلى زيادة تمثيل المرأة على مستوى البلديات والمجتمعات، من 127 امرأة منتخبة في عام 2003 إلى 3,408 امرأة منتخبة في عام 2009. أما عن الأعمال التي تركز على تنفيذ نظام الكوتا النسائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -التي تعد واحدة من أدنى مناطق العالم في معدلات المشاركة السياسية للنساء- (درود داليروب، 2013؛ الاتحاد البرلماني الدولي، 2021) - فقد قدم كثير منها التجربة المغربية بوصفها "فريدة ومميزة".

تمثيل النساء في البرلمان المغربي

 

عدد النساء المنتخبات في عام

 

اللائحة المختلطة

 

لائحة نظام الكوتا

(بعد انتخابات 2002)

 

الإجمالي

1963 0 -- 0
1977 0 -- 0
1984 0 -- 0
1993 2 -- 2
1997 2 -- 2
2002 5 30 35
2007 4 30 34
2011 7 60 67
2016 10 71 81
2021 6 90 96

ينبغي التذكير أن المغرب شهد إصلاح دستوري عقب أحداث الربيع الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2011. ففي معرض تلبيتها لمطالب الإصلاح التي نادت بها "حركة 20 فبراير" تحت شعار "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية"،3جدير بالذكر أنه على الرغم من الحضور المكثف للمرأة في الحراك والمظاهرات، فإن مطالبهن بالمساواة بين الرجل والمرأة لم تؤخذ في الاعتبار، ولم تتقبلها مكونات الحراك المختلفة، (خاصةً جماعة العدل والإحسان) ذات المرجعية الإسلامية المحافظة. إضافة إلى ذلك، عندما كانت النساء يكملن شعار "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية، مساواة فعلية" الذي يعني المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، كان يجري إسكاتهن دائماً في كل مرة. See Sana Benbelli, “Mobilisation and collective action on gender issues and violence against women in Morocco following the 2011 Arab uprising", Chapiter in Yasmine Berriane, (ed.) Beyond Arab Exceptionalism: Transnational Social Movements in the Arab region". Asfari institute 2020. شرعت الحكومة المغربية في إجراء إصلاح شامل للدستور المغربي. مثلاً، استُبدل الفصل 19 من الدستور القديم المتعلق بتقديس المَلِك واُستعيض عنه بتكريس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذي يجب أن تعمل الدولة على تنفيذه وإعماله.

لكن، تُظهر التطورات الحديثة التي طرأت منذ ذلك الحين أن الزيادة العددية في عدد النساء المرشحات والمنتخبات في المغرب ليست سوى بارقة أمل عابرة، نظراً لكونها مصحوبة أيضاً بانتكاسة ترتبط زيادتها بمؤشرين رئيسيين: أولاً، انخفاض تمثيل المرأة في الهيئات المحلية والجهوية. وثانياً، فشل النساء في الحصول على مقاعد برلمانية من خلال الدوائر الانتخابية المحلية.4من إجمالي عدد النائبات في مجلس النواب البالغ عددهن 96 نائبة، ترشحت ست منهن فقط من خلال الدوائر الانتخابية المحلية في عام 2021، بينما في عام 2016، انتخبت 81 امرأة في مجلس النواب من بينهن 21 امرأة منتخبة من خارج القائمة الوطنية. وبينما ضمت الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات عام 2007 سبع وزيرات، ضمت الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات عام 2011 وزيرة واحدة فقط.

وشهد عام 2021، في محاولة لتصحيح الأمور، عودة إلى تعيين النساء من خلال تسمية خمس وزيرات، من بينهن وزيرة منتدبة، إضافة إلى ثلاثة نساء يشغلن رئاسة بلديةـ(عمدة) ثلاث مدن كبيرة، وهي الدار البيضاء والرباط ومراكش. لا تخلو هذه التعيينات من بعض العراقيل المنصوبة لأولئك النساء اللاتي يشغلن مناصب تتسم بالمسؤولية. فأحياناً تبقى النساء في الظل من خلال وجود وزراء منتدبين رجال يظهرون أمام وسائل الإعلام.5عُينت نادية فتاح العلوي وزيرةً للاقتصاد والمالية، وهو منصب تشغله امرأة لأول مرة في تاريخ المغرب، لكن تلى ذلك تعيين أيضاً فوزي لقجع وزيراً منتدباً مع تكليفه بالميزانية، وغالباً ما يكون محط الأنظار على المستويين المغربي والأفريقي بسبب المنصب الآخر الذي يشغله، كونه رئيساً للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. وفي أوقات أخرى، يجدن أنهن يتحملن مسؤولية وظيفتين في وقت واحد، وهو ما يثير عدة تساؤلات حول الصورة والمسؤولية الحقيقية التي يرغب صناع القرار في إعطائها للمرأة.6تشغل فاطمة الزهراء المنصوري منصب وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة وأيضاً رئيسة بلدية مراكش. مما يطرح السؤال هل يوجد فعلياً مكان للنساء في دائرة السلطة والمسؤولية السياسية؟

ومن ثمّ، سنوضح في هذه الورقة البحثية كيف تعطي الزيادة في عدد النساء المرشحات والمنتخبات بالفعل مكانة شكلية للمرأة على الساحة السياسية، وكيف، وبشكل متناقض، تساهم أيضاً في إبعادهم عن ساحات الممارسة الفعلية للسلطة السياسية وصنع القرار السياسي. ولتحقيق ذلك، ستركز الورقة على ثلاثة أبعاد. أولاً، سنركز على التغييرات (دون التركيز فقط على العقبات) التي حدثت على مر السنوات الاخيرة وبعد نضال كبير للنساء في المجتمع المدني حول القوانين التنظيمية الخاصة بالسياسات الانتخابية، لا سيما فيما يتعلق بنظام الكوتا. ثانياً، سنحلل الآليات الفعالة للهياكل الحزبية التي تصنع الفاعلات والفاعلين السياسيين، والتي تحدد أيضاً حالة التأرجح بين تشجيع مشاركة النساء وإقصائهن. وأخيراً، سنحاول فهم هذا التأرجح من خلال دراسة المسار السياسي لإحدى المرشحات من خلال دراسة وتحليل مسارها في مجال المشاركة السياسية.

منهجية بحث تعكس واقع المشاركة السياسية للنساء

لقد فرض الواقع المركب للمشاركة السياسية للنساء في المغرب أن يشتمل موضوع البحث على عدة أبعاد في آن واحدة. فهو يحلل ويدرس السياسات العامة التي تنظم المشاركة السياسية للنساء في محاولة لفهم الظاهرة من منظور علم الاجتماع الشمولي (المنظور الماكرو-سوسيولوجي)، ويبحث بتعمقٍ أيضاً في المسارات الفردية من أجل معرفة أنماط المشاركة والمعوقات والاستراتيجيات وكذلك الخيارات التي يتخذها الفاعل السياسي المنفرد، اعتماداً على السمات المميزة للأحزاب السياسية التي تحتضن (أو لا تحتضن) النساء الطامحات إلى أن يصبحن نائبات برلمانيات أو منتخبات محليات.

وقد قمنا بصياغة هذه المستويات الثلاثة من وجهة نظر منهجية من خلال تنويع المداخل للموضوع. فقد أجرينا تحليلاً للقوانين التشريعية والدراسات التي ينجزها الفاعلون والفاعلات الجمعويون والمدنيون فيما يتعلق بتنظيم الانتخابات، تحديداً الإصلاحات التي تطرقت إلى القوانين الأساسية لمجلس النواب ومجلس المستشارين والأحزاب السياسية وتلك المتعلقة بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات والأقاليم والجهات. سيمكننا هذا من فهم النتائج الحالية للتمثيلية السياسية للنساء من خلال تتبع تطورها في الإطار التشريعي.

أما من منظور علم الاجتماع، فإننا نحتاج لفهم مشاركة النساء المنخرطات سياسياً في المغرب بشكل زمني (من خلال تتبع هذه المشاركة لمدة زمنية مطولة) وعرضاني (من خلال تتبع مشاركة مجموعة من النساء). تمكنا الدراسة الطوليّة (الزمنية) من وضع أيدينا على التطور الذي حدث في هذه المشاركة من عام 2002 إلى عام 2022، وذلك من خلال تتبع مسار احدى المرشحات خلال ثلاث حملات انتخابية تشريعية متتالية لسنوات 2011 و2016 و2021. أمّا من الناحية العرضانة فهذه الدراسة تتناول الموضوع من خلال منظور نساء منتميات لأربعة أحزاب سياسية، وهي حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية والحزب الاشتراكي الموحد.

لم يكن اختيار الأحزاب السياسية التي أجرينا مقابلات مع عضواتها عشوائياً، ويمكن تبرير هذا الانتقاء بالشكل التالي: حزب التجمع الوطني للأحرار هو الحزب الذي يترأس الحكومة الحالية، والذي يقدم أبرز نموذج للمساواة سواءً من ناحية اللوائح الداخلية أو من ناحية توزيع مناصب صنع القرار.7طبق الحزب مبدأ ثلث المقاعد في مكتبه السياسي وهو أيضاً الحزب الذي قدم أكثر عدد من النساء لرئاسة المجالس البلدية والمحلية وكذلك رئاسة بلديات المدن. وقد اخترنا حزب العدالة والتنمية بوصفه حزباً ذو مرجعية إسلامية وقد ترأس الحكومة خلال فترتين متتاليتين عقب أحداث الربيع العربي، ويعين النساء ويرقيهن بطريقة مختلفة عن الأحزاب الأخرى.

أما حزب التقدم والاشتراكية فهو حزب يساري تنتمي إليه المرشحة التي نحلل مسارها السياسي. وأخيراً، اخترنا الحزب الاشتراكي الموحد، وهو حزب مبتدئ في مجلس النواب بمشاركة الأمينة العامة للحزب التي تعد أول امرأة تتقلد منصب الأمين العام لحزبٍ في المغرب، وأول امرأة تمثل حزبها في البرلمان من خلال مبدأ التمييز الإيجابي الذي انتقدته في بعض الأحيان بوصفه نوعاً من الريع السياسي للنساء.

ربما تساعد التفسيرات التي قدمتها مختلف المشاركات العضوات من الأحزاب السياسية الأربعة التي اختيرت في هذه الدراسة، بالإضافة إلى التصورات والبيانات المستمدة من النقاشات غير الرسمية مع مواطنين مختلفين، في فهم كيف تمكنت الأحزاب السياسية من التكيف مع الوضع، أو بالأحرى كيف استطاعت النساء في الأحزاب السياسية بناء واكتساب الخبرة والمعرفة التي مكنتهن من تغيير أوضاعهن داخل الأحزاب. وكيف يسيرن حملاتهن الانتخابية؟ وما هو الخطاب الذي يطرحنه؟ وكيف ينظمن ويسيرن العلاقات مع خصومهن وكذلك علاقتهن بالناخبين وطبيعة الممارسات التي طورنها في هذا الخصوص؟

لا يمكننا تناول هذا البحث دون التطرق لوجهة نظرنا، وهي وجهة نظر باحثة تعمل في هذا الميدان منذ عام 2009 ودرست بصورة عملية وعلمية الانتخابات التشريعية منذ عام 2011، وذلك من خلال المتابعة بشكل فعال وفي وقتٍ واحد لحملات التوعية وكسب التأييد التي اضطلعت بها الجمعيات الموضوعاتية لتحسين الكوتا النسائية والسعي من أجل تحقيق مشاركة فعالة ونوعية للمرأة في الهيئات المنتخبة والأحزاب السياسية، وكذلك من خلال الملاحظة الإثنوغرافية (القائمة على الدراسة المنهجية للأشخاص والثقافات) لسير  ثلاث حملات سياسية خلال فترة الانتخابات التشريعية، ومن خلال إجراء مقابلات مع نساء ينتمين إلى أحزاب مختلفة بعد انتخابات أيلول/سبتمبر 2021.8امرأتان لكل حزب، تمكنت واحدة من الفوز بمقعد في البرلمان أو في المجلس البلدي أو المحلي، وامرأة لم تتمكن من تحقيق ذلك. احتراماً لمبدأ عدم الكشف عن الهوية، لن يُكشف في هذا العمل عن أسماء من أجرينا مقابلات معهم وكذلك اسم المرشحة التي تناولتها الدراسة. تأثر البحث أيضاً بذاتية الباحثة كونها امرأة انخرطت بطريقة عفوية منذ عام 2004 في النضال من أجل المساواة بين الرجال والنساء، وشاركت مؤسسياً منذ عام 2010 كعضوة بالمكتب المسير للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، وفي الحركة من أجل ثلث المقاعد المنتخبة للنساء التي أصبحت تعرف لاحقاً، بعد عام 2011، باسم الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة. مكن هذا الانتماء الباحثة من الاقتراب أكثر من النضالات النسائية من أجل المشاركة السياسية وفهم لآلياتهن.

فيما يخص منهجية التحليل فقد صُنفت البيانات الميدانية وجرى ترميزها يدوياً قبل ان يتم استخراج المحاور تم قراءتها وتفسيرها سوسيولوجيا. وتتجاوب الموضوعات المحددة للبحث مع عناصر السياق وتفسرها، فوفقاً لانتخابات عام 2021، تتيح لنا الموضوعات إمكانية إجراء قراءة أوليّة للنتائج، وتوضح كيف أنه بعد سنوات من العمل والتوعية من أجل تحسين تمثيل النساء ما زلنا نحصل على أقل من ثلث المقاعد المنتخبة، وتشرح سبب تعثر وتراجع النساء قبل وصولهن إلى مراكز التمثيل السياسي خصوصا البرلمان.

لمحة تاريخية عن المشاركة السياسية للنساء في المغرب

ركزت الأعمال المنجزة لحد الآن والتي تتناول المشاركة السياسية للنساء في المغرب بشكل خاص على العقبات التي تحد من مشاركة المرأة في المؤسسات الانتخابية وهيئات صنع القرار داخل الأحزاب السياسية (درهور وداليروب، 2013؛ الخولاني، 2019؛ باريجو فرنانديز والخمسي، 2021؛ الحطابي وبلحسين، 2021). ترتبط هذه الحواجز عموماً بالمجتمع الذي تهيمن عليه هياكل أبوية قوية والتقسيم الجندري للعمل الذي يقع معظمه على كاهل النساء، ومقاومة هياكل الأحزاب السياسية الذكورية (ياسمين بريان وآخرون، 2015).

منذ عام 2000، أبدى البحث العلمي في المغرب اهتماماً كبيراً بالعلاقة بين الجندر والسياسة، وغالباً ما كانت الأبحاث التي تتناول قضايا المرأة في الحياة السياسية تضطلع بها باحثات نساء، وأبرزهن حورية العلمي المشيشي وزكية داود وربيعة الناصري وغيرهن من الباحثات اللاتي بدأن في إثارة التساؤلات حول سبب غياب المرأة عن المشهد السياسي المغربي من منظور جنساني (بلعربي، 2001؛ علمي المشيشي، 2002؛ داود، 2004)، لكن دون تناول مشاركة النساء في الهياكل الحزبية. إذ تتطرق الأعمال البحثية إلى الأحزاب السياسية من ناحية الجهود التي تبذلها هذه الاخيرة لتعزيز تمثيلية النساء والاعتراف بضرورة هذا التمثيل في لوائحها الداخلية (الحطابي وبلحسين، 2021) أو تتناولها باعتبارها واحدة من العوامل التي تفسر نقص تمثيل النساء، من بين عوامل عدة أخرى. في الوقت نفسه، لا تتطرق الأبحاث حول الأحزاب السياسية كثيراً للعلاقات الجنسانية داخلها (بريان وآخرون، 2015). وبالفعل عندما يدرس الباحثون والباحثات التوترات الجنسانية داخل الأحزاب السياسية، فإنهن غالباً ما يتناولن مجتمع الرجال ومجتمع النساء كل على حدج بوصف كل منهما يمثل كثلة متجانسة وليس من منظور متعدد الجوانب يراعي تداخل الانتماءات والمسارات، مثل الموقع الجغرافي والموارد الاقتصادية والمستوى الثقافي والوظيفة وغير ذلك من العناصر التي قد تشكل علامات أو مقومات تمييزية ليس فقط بين الرجال والنساء ولكن أيضاً فيما بين النساء.

في الآونة الأخيرة، بدأت الدراسات الطوليّة أي الممتدة زمنيا تبحث في مسارات النخب السياسية في المغرب، مثل دراسة خالد الحراق، الذي حاول "تحديد التغيّرات في الوظائف البرلمانية على مدار العقدين الماضيين"، خاصةً في الفترة بين عام 1997 -الذي يتميز ببداية عمل حكومة التناوب التوافقي- وعام 2021، الذي أجريت فيه آخر انتخابات تشريعية في المغرب (الحراق، 2022). في دراسة الحراق، التي غابت عنها المقاربة الجندرية كلياً، نستطيع الإشارة إلى استنتاجين مثيرين للاهتمام يمكن إدراجهما في دراستنا. يتمثل الاستنتاج الأول في إشارة المؤلف إلى أنه "إذا لم يشجع تجديد أعضاء البرلمان على ظهور نخبة جديدة تتمتع بخبرات ومهارات محددة من شأنها تعزيز العمل البرلماني وفي الوقت ذاته تحسين دور المؤسسة البرلمانية في النظام السياسي المغربي، فقد أظهرت دراسات أخرى أن زيادة معدلات تناوب المجالس التشريعية التي يعاد تشكيلها يمكن أن تؤثر سلباً على درجة مهنية واحترافية أنشطتها. ومن ثمّ، فإن تجديد النخب البرلمانية لا يتمثل فقط في استبدال المسؤولين التنفيذيين السياسيين الذي يتمتعون بالخبرة الفعلية وإنما في إمكانية وصول أفراد من خارج المجال السياسي إلى مقاعد البرلمان بطريقة بسيطة ونزيهة". وسوف نستكشف هذه الفكرة من خلال استعراض الإصلاحات التشريعية الجديدة التي تُنظم المشاركة السياسية للنساء من خلال عدة إجراءات إيجابية، لكنها في الوقت ذاته تقييدية، وأبرزها الفصل الذي يحد من عدد النساء المشاركات في القوائم الانتخابية (على المستوى المحلي قبل عام 2020، ثم على المستوى الجهوي بعد ذلك)، وهو أمر يحول دون الاستفادة من الخبرة السياسية التي تراكمها النساء.9منذ عام 2011، زاد عدد المقاعد المخصصة لفئات معينة ليصل إلى 90 مقعداً (منهم 60 مقعداً للنساء و30 مقعداً للشباب دون سن 45 عاماً، ليصبح إجمالي المقاعد المخصصة للنساء 67 مقعداً). وفي عام 2016، تضمنت المقاعد الثلاثين المخصصة للشباب الشابات أيضاً بالإضافة إلى الستين مقعداً الآخرين المخصصين للنساء عموماً (لتصبح النتيجة 81 امرأة في البرلمان). وفي عام 2021، خصص نظام الكوتا 90 مقعداً للنساء من خلال القوائم الانتخابية المحلية (والنتيجة هي 96 امرأة في البرلمان).

الاستنتاج الثاني المثير للاهتمام الذي توصل إليه الحراق هو أنه بينما يشير المسار الذي يتبعه السياسي والوقت المستثمر في الحياة المهنية إلى المدى والقدر الذي تشكل السياسة فيه مجالها الخاص، فإن الوصول لذلك يتطلب تخصيص موارد كبيرة وإتقان كامل للأساليب السياسية والبراعة في تشكيل علاقات بعينها في هذا الوسط. تبين هذه الظاهرة الاهمية الجسيمة التي يمثلها تشكيل الفرد للميدان السياسي، وذلك خلافا لتاريخ المؤسسات بشكل عام. ونتيجةً لذلك، فإن تجدّد النخب السياسية ليس أمراً محايداً سياسياً لأنه يحول دون ترسيخ التنظيم المؤسسي في الساحة البرلمانية ويقلل من مدى احترافية المسؤولين السياسيين. ومن خلال عملية تجدّد الأجيال هذه، يمكننا ملاحظة التحول الجذري للقنوات الوظيفية الخاصة بالنخب البرلمانية، ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى ظهور قضايا سياسية معينة، وكذلك إعادة تعريف العلاقة بالسياسة عامةً ومدى الالتزام الحزبي تحديداً" (الحراق، 2022).

التغييرات الرئيسية في القوانين الانتخابية قبل انتخابات 2021

القوانين التغييرات الرئيسية
القانون التنظيمي رقم 04.21 المتعلق بمجلس النواب - اعتماد نظام تصويت بقاسم انتخابي جديد.

- إلغاء عتبة 3%.

- ضمان تمثيل محلي أفضل وكذلك زيادة تمثيل المرأة.

- تشجيع المسؤولين المنتخبين على الالتزام السياسي من خلال فرض عقوبة على الانتجاع السياسي (أو الميركاتو الانتخابي).

-  تتنافى العضوية في مجلس النواب مع رئاسة المجلس.

القانون التنظيمي رقم 05.21 المتعلق بمجلس المستشارين - الإبقاء على المنظمات المهنية الأكثر تمثيلاً لأصحاب العمل ضمن مجموعة برلمانية.
القانون التنظيمي رقم 06.21 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية - وضع الضوابط التي تنظم إجراءات الترشح المتبعة لانتخابات مجالس الجماعات والجهات.

- ضمان تمثيل المرأة من خلال تأمين حصول النساء على ثلث المقاعد في كل مجلس جماعة أو جهة.

القانون التنظيمي رقم 07.21 المتعلق بالأحزاب السياسية. - زيادة الدعم الحكومي الممنوح للأحزاب السياسية لتحسين أدائها.

المصدر: جلدي عبد السلام ومجدي حمزة، "تحليل بأثر رجعي للانتخابات المغربية في أيلول/سبتمبر 2021"، مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، كانون الثاني/يناير 2022.

الإصلاحات التشريعية المعتمدة عشية انتخابات 2021، أية عراقيل؟

ينبغي التأكيد على أن إصلاح القوانين التي تنظم المشاركة السياسية للنساء في المغرب ليس مطلباً موسمياً ينادى به في كل انتخابات. وإنما هو عمل متواصل تشارك فيه الجمعيات النسائية بشكل رئيسي. فبعد كل موسم انتخابي، تشارك الجمعيات في إعداد التقارير الانتخابية. وتنجز تقارير كمية تتوزع وفقاً للعمر والموقع الجغرافي للمنتخبين والمنتخبات،10جدير بالذكر أنه قبل أن تبدأ وزارة الداخلية في نشر النتائج حسب النوع الاجتماعي، كانت الجمعيات النسوية هي من تفعل ذلك بشكل أساسي. وهو ما يمكننا من معرفة مدى زيادة أو تراجع تمثيل النساء. من ناحية أخرى، تبحث التقارير النوعية في المناصب المخصصة للنساء المنتخبات. ثم تشارك الجمعيات في تدريب وبناء قدرات11خلال السنوات القليلة الماضية، ساهمت وزارة الداخلية في تمويل حلقات عمل لبناء قدرات النساء المنتخبات محلياً وكذلك نائبات البرلمان. ودعم النساء المنتخبات في مختلف الهيئات، دون التوقف عن إنشاء شبكات فيما بينهن لتنسيق الجهود رغم اختلافاتهن الحزبية والوظيفية. يتيح هذا العمل المتعلق ببناء القدرات والمراقبة والتقييم للجمعيات إمكانية إجراء تقييم آخر للمطالب التي سوف تصوغها لاحقاً باعتبارها مطالب يتم ادراجها في المذكرات المطلبية والترافعية التي تتم صياغتها.

جاءت انتخابات عام 2021 في المغرب بعد تاريخ طويل من الأنشطة التوعوية التي تمتد جذورها إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، والتي بلغت ذروتها في العامين اللذين سبقا انتخابات أيلول/سبتمبر 2021 وتوجت بالإصلاحات التي طالت أربعة قوانين أساسية تنظم الانتخابات عامةً، وقانون واحد يتعلق بالتمثيلية السياسية للنساء، وهو القانون التنظيمي رقم 04.21، الذي عدل وتمم القانون التنظيمي رقم 27.11، وعبر عن النقاش الدائر حول الحصص الانتخابية مع السماح بزيادة الكوتا الخاصة بالنساء بنسبة 50% من خلال اعتماد القوائم الجهوية التي تخصص 90 مقعداً، بدلاً من القوائم المحلية التي تتيح 60 مقعداً فقط. لكن، وفي خطوة تتناقض مع هذا التمييز الإيجابي، وُضع نص تمييزي، بالمعنى الحقيقي للكلمة، يحظر على النساء المنتخبات من خلال القوائم المحلية أو البلدية الترشح في القوائم الجهوية. بمعنى أن نائبات البرلمان اللاتي اكتسبن خبرة في الممارسة السياسية سيجبرن على الترشح في دوائر محلية صعبة بشكل عام أو/و قد يتم استبعادهن، وبالتالي القضاء على مسيرتهن المهنية و تبديد الخبرات السياسية التي اكتسبنها، وهو أمر سيكون له أثر مباشر يخص جودة العمل السياسي للنساء، من ناحية أن النساء المنتخبات في مجلس النواب سوف يبنين باستمرار خبرة سياسية لن يستطعن الاستفادة منها، ومن ثمّ ستظل النساء دائما في مرحلة التدريب وتعلم الممارسة السياسية بالبرلمان دون التمكن من بناء مسارات و خبرات، خلافاً للرجال الذين ليس لديهم أي قيود على عدد فترات الترشح في البرلمان (انظر دراسة الحالة الواردة بالأسفل).

يسمح تعديل القانون التنظيمي رقم 06.21 الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية بدعم تمثيل المرأة من خلال تخصيص ثلث مقاعد المجالس الاقاليم أو مجالس الجهات للنساء دون حرمانهن من الحق في الترشح لِثلثي المقاعد الأخرى على قدم المساواة مع الرجال. لكن ينبغي ملاحظة أن تعديل القانون التنظيمي رقم 05.21 الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين، وكذلك بشكل خاص القانون رقم 07.21 الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسي، لم يتطرق أيّ منهما لمسألة تمثيل المرأة، وهو ما يثير تساؤلات حول الدور الذي يجب أن تؤديه الأحزاب السياسية من أجل تعزيز مشاركة النساء ومدى مساهمتها في زيادة احترافية ومهنية العمل السياسي لدى النساء.

ينبغي مطالعة نتائج انتخابات أيلول/سبتمبر 2021 بإيجاز لفهم دور هذه الإصلاحات. فقد شكلت النساء بالفعل 54% من الناخبين في المغرب في انتخابات عام 2021.12جدير بالذكر أيضاً أن الأحزاب السياسية قد استخدمت وحشدت النساء بصورة خاصة لتولي الحملات التي أطلقتها على المستوى المحلي ومن أجل أنشطة التقارب. لكننا لن نتطرق إلى هذا الجانب في هذه الدراسة، لأنه يستحق إفراد ورقة بحثية له. وأدت هذه المشاركة الكبيرة للنساء في عملية التصويت إلى المعدلات الانتخابية التالية: شكلت النساء 24% من نواب البرلمان، و38.5% من أعضاء المجالس الجهوية، و26.64% من أعضاء المجالس البلدية، و7.7% فقط من أعضاء الغرف المهنية. ظاهرياً، يمكن تفسير هذه النتائج بحقيقة أن أصوات النساء لا تذهب للمرشحات النساء، وهي قراءة في غاية البساطة لحقيقة الوضع. لكن عند إجراء بحث متعمق سنجد أولاً وقبل أيّ شيء، أن انتخاب المرشحات النساء مؤمن بالفعل من خلال القوانين الأساسية والتنظيمية التي أشرنا إليها بالأعلى والتي تمكن النساء من إحراز هذه النتائج فحسب. لأنه إذا كان القانون التنظيمي رقم 04.21 يرفع الكوتا النسائية في القوائم الجهوية، فإنه في المقابل يحد من فرصهن في الفوز بمقاعد في الدوائر الانتخابية المحلية بسبب التناوب الإلزامي باللوائح الانتخابية. وبالفعل، فإن النساء اللاتي عملن خلال فترة انتخابهن بالبرلمان على ملفات وقضايا محلية مهمة وصلت إليهن عبر وسطاء محليين دون اتصال مباشر بالمواطنين والمواطنات بهذه المناطق فلا يمكنهن الاعتماد على هذا العمل المنجز لبناء الثقة الانتخابية لأن الساكنة المستفيدة لا تثق سوى بالوسطاء المحليين وتعتمدهم أساس العمل المنجز.

هناك غياب الرغبة الواضحة لدى الأحزاب السياسية في زيادة عدد المرشحات النساء وتعيينهن في مناصب قيادية يضطلعن فيها بمسؤولية سياسية، تلك الرغبة التي يمكن ترجمتها على شكل إجراءات فعالة تدعم النساء على كافة الأصعدة وخاصة من خلال إشراكهن في هيئات اتخاذ القرار التابعة للأحزاب والمكاتب السياسية والأمانات العامة وكذلك في المراكز المختلفة.  من دون تولي هذه المسؤولية، لا تستطيع النساء اكتساب الخبرة أو القول بأنهن محترفات سياسياً كونهن خارج هذه الممارسة، ولا يمكن أيضاً تشكيل نخبة سياسية نسائية.

“بمجرد أن نبدأ في اكتساب خبرة ومعرفة سياسية من خلال الممارسة، وعندما نفهم الطريقة الحقيقية لسير اللعبة السياسة في مجلس النواب، والتي تختلف تماماً عما نعرفه في الأحزاب، تنتهي فترة ولايتنا، ونجبر على اختيار مستوى آخر من المشاركة، لنبدأ بعدها في رحلة جديدة من التعلم. في حين لا يحدث هذا مع الرجال، لأن بعضهم لا يزال في البرلمان منذ ثلاثة عقود. ثم نطالب بتقديم الأداء نفسه الذي يقدمه الرجال!" من مقابلة مع "المستجوبة 2" من حزب التجمع الوطني للأحرار.

مثلما أوضحت ياسمين بريان وآخرون (2015)، يميل الرجال إلى تقديم أنفسهم بوصفهم "الموجهين" أو "المدربين" أو ما يمكن التعبير عنه اجتماعياً بأنهم "مُمَرِّرين" للمعرفة أو للخبرة السياسية للنساء. تعزو بريان وآخرون ذلك، في المقام الأول، إلى حقيقة أن النساء يُعتقد غالباً أنهن يفتقدن إلى المهارات "الطبيعية" اللازمة للسياسة، ومن ناحيةٍ أخرى، إلى الغلبة العددية والتاريخية للرجال، الذين يتمتعون بخبرة حزبية أكثر من النساء. يمكن أن أُضيف إلى ذلك نظام التناوب السريع المفروض بموجب القانون التنظيمي رقم 04.21 الذي يطرد النساء عنوة ويعفيهن من المسؤولية السياسية في البرلمان قبل أن يتمكن من تأسيس مسيرة مهنية سياسية لأنفسهن وقبل أن يصبحن "موجهات" أو "مدربات" أو ممررات للمعرفة والخبرة السياسية لأجيال أخرى من النساء. ومن ثمّ فإن الأمر لا يقتصر على عدم امتلاك النساء للغلبة العددية أو التاريخية فحسب، وإنما لأنهن أيضاً يجدن أنه من المستحيل الاضطلاع بمهام وتكليفات أو مناصب صنع قرار متعددة داخل الأحزاب التي ينتمين إليها.

أخبرتنا مرشحة لديها بالفعل مسيرة حزبية طويلة مع حزبها في مختلف الظروف التي مر بها، ولديها أيضاً تجربة برلمانية في عامي 2007 و2011، وصاحبة حقيبة وزارية، أن النساء قد تقبَّلن فكرة أن الرجال متفوقون على النساء أو يمتلكون كفاءة سياسية أكثر منهن:

"حتى عندما تكونين قد أمضيتِ بالفعل فترتين في البرلمان -لأن ذلك كان جائزاً قبل انتخابات عام 2021- وحتى عندما تتمتعين بخبرة في قيادة إدارة وزارية، غالباً ما تطلب النساء المشورة من الأخوة وليس الأخوات. لأنهن يعتقدن لا شعورياً أنهم يسبقون النساء دائماً بخطوة فيما يتعلق بالسياسة، بغض النظر عن مدى خبرتهم"، من مقابلة مع "المستجوبة 1" من حزب العدالة والتنمية.

يكشف عدم الإيمان هذا بالكفاءة السياسية للنساء، الذي يشعر به الرجال في الأحزاب السياسية، والذي تتقبله النساء في بعض الأحيان، بما في ذلك المرشحة من حزب العدالة والتنمية التي أجرينا مقابلة معها، يكشف عن التصورات المرتبطة بالمرأة التي لا تزال موجودة في المجال السياسي باعتبار أن المرأة ستظل قاصر أو دون المستوى المطلوب للأبد. ويمكن اعتبار عملها في بعض المناصب ذات المسؤولية السياسية حدثاً عرضياً أو تلبية لمتطلبات معينة أو بسبب الالتزامات الدولية والإقليمية والمفاوضات مع المجتمع المدني. ولهذا السبب، عندما تواجه النساء تحديات وصعوبات في ممارسة مهمتها السياسية، يُطالبن تلقائياً بالعودة إلى مطابخهن "كوزينتك" (وهي لفظة تعني باللهجة المغربية: مكانك في المطبخ)، وهو تعبير يشير بقوة إلى المكان المخصص للمرأة في عالم السياسة والحدود الفاصلة بين الحياة العامة والخاصة. وتُرسم هذه الحدود بصورة مضاعفة خلال الاجتماعات السياسية للمناداة بإسكات النساء اللاتي يعارضن الرجال بشدة، وأيضاً من خلال اختيار أوقات عقد الاجتماعات التي يمكن اتخاذ قرارات مهمة خلالها، لا سيما فيما يتعلق بتمثيل النساء في المناصب القيادية ذات المسؤولية. وبالتالي مثلما تشير بريان وآخرون (2015)، تشكو النساء من عقد الاجتماعات في ساعات متأخرة، والتي تقام باستمرار في أماكن أخرى غير مقرات الأحزاب، وأحياناً في أماكن قد يؤدي وجود الممثلة السياسية فيها إلى الإضرار بسمعتها ومسيرتها المهنية.

إذا لم ترتبط المرأة في عالم السياسة بدورها الإنجابي من خلال استحضار صورة دورها الانجابي المتمثل في المطبخ، فسوف ترتبط به من خلال استحضار جسدها وهويتها الجنسية.

أما النساء اللاتي ينجحن في فرض أنفسهن في عالم السياسة واللاتي يتمكن من شغل مناصب مهمة، فيواجهن أوضاعاً مختلفة. إذ غالباً ما يوصفن بأنهن "مسترجلات" أو يتهمن بإساءة استخدام السلطة أو الاستبداد في ممارسة المسؤولية. ويُعتبرن بعد ذلك أمثلةً على النساء اللاتي يكررن الأنماط الذكورية التي كنَّ ينتقدنها بمجرد توليهن السلطة.

"بما أن نبيلة منيب هي المسؤولة عن الحزب، فإنهم لا يتوانون عن وصفها بِالذكورية والتعصب وممارسة السلطة بديكتاتورية لأنها تجرؤ على الصراخ في وجوههم وفرض نفسها كأمينةً عامة للحزب، وممثلة عن تحالف فيدرالية اليسار. يريدون نبيلة بكل ما تتمتع به من صفات تجعلها "قائدة" ويريدونها أيضاً أن تكون "امرأة" خلال ممارستها لفعل القيادة". من مقابلة مع "مستجوبة 3" من الحزب الاشتراكي الموحد.

ليست نبيلة منيب وحدها من تعاني من هذه الصورة والوصف بالمرأة "المُسترجِلَة" أو "الذكورية" خلال ممارسة السلطة، فقد تلقت نساء أخريات معاملة مماثلة.13يمكننا أن نذكر على سبيل المثال، مريم بنصالح شقرون التي كانت ترأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وحليمة العسالي أول امرأة تتقلد منصباً قيادياً في حزب الحركة الشعبية. مع ذلك، لم يمنع اتهام نبيلة منيب بهذه الطريقة منتقديها من استخدام الأسلوب التقليدي المتمثل في مهاجمة جسدها أو حياتها الجنسية. ففي عام 2020، وأثناء الإعداد لانتخابات عام 2021 ومع الجدل الدائر حول ما إذا كان يجب الإبقاء على التحالف اليساري المعروف باسم تحالف فيدرالية اليسار، الذي يضم الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، اُخترق الحساب الرسمي على موقع "فيسبوك" الخاص بِنبيلة منيب، التي كانت تؤيد حل الائتلاف، عدة مرات، ونشرت عليه صور فاضحة ذات طابع إباحي.

خلافاً لما قدمناه، فإننا نتبنى الفكرة التي لاحظناها خلال المقابلات التي أجريت مع النشطاء السياسيين في الحزب الاشتراكي الموحد والأحزاب الأخرى حول النوع الاجتماعي للقائد وطبيعة العمل والمسؤولية السياسية. ومثلما أوضحت "السياسية3" من الحزب الاشتراكي الموحد (وهي عضوة منذ حوالي 30 عاماً وحالياً عضوة في اللجنة المركزية للحزب)، فإن النشطاء السياسيين من الذكور والإناث في الحزب يريدون أن يتمتع الأمين العام لحزبهم بصفات تجعله "قائداً سياسياً"، بطريقة لا تميز بين النوع الاجتماعي، وأن يتحلى بكل الصفات الشاملة التي يتصف بها القائد الجيد بغض النظر عن نوعه الاجتماعي، بينما استعملت المستجوبة المذكر "القائد" للتعبير عن هذا الرأي!

يُعتبر الطموح في تكوين قيادة سياسية قادرة على التسيير الحزبي، والابتعاد عن الكليشيهات الأنثوية في العمل السياسي وتولي المسؤولية السياسية، وذلك وفقاً لما قالته السياسيات اللاتي أجرينا مقابلات معهن، هو ما جعل كليشيهات "الهيمنة الذكورية" تنطبق على نبيلة منيب والقيادات النسائية الأخرى (كونيل، 2020).

"الرفيقة نبيلة هي سياسية مميزة، ولم يكن وصولها إلى رئاسة الحزب على سبيل الصدفة، فهي امرأة مثقفة ومجتهدة ولها مواقف محترمة وثابتة لا يمكننا سوى الإشادة بها. لكن ما نآخذٌه عليها هو أنها تريد أن تمارس السياسة دون الاخذ بعين الاعتبار كونها امرأة. فقد أزالت كل ما يتعلق بتشجيع تمثيلية النساء من أجندتها!" من مقابلة مع "سياسية4" من حزب التقدم والاشتراكية.

وبالتالي، فإن المسألة المتعلقة بنوع الفاعل السياسي في السياسة بوصفها عمل وممارسة ومسؤولية وقرار، يمكن وصفها بأنها بناء اجتماعي لا يعتمد فقط على توقعات الرجال والنساء المنخرطين سياسياً، ولكنه بناء يرجع بالدرجة الأولى الى الأحزاب السياسية بوصفها المنبت الرئيسي و"الجهاز" المسؤول عن تكوين وتشكيل المسؤول السياسي القوي.14نستخدم مفهوم "جهاز" وفقاً للتعريف الذي يقدمه فوكو بوصفه كُلاً غير متجانس يُشكل الخطابات والمؤسسات والاتفاقات البنيوية والقواعد والقوانين المنصوص عليها في علاقة سلطوية ذات طابع مقيد بشكل أو بآخر.

أمل وأخريات: نضال المرأة من أجل تأسيس مسيرة سياسية في عالم يحكمه الرجال

يمكِّننا رصد وتتبع الحملات الانتخابية التي ينظمها فريق المرشح او المرشحة للانتخابات من أجل الحصول على رؤية أقرب وفهم، ولو بصورة تقريبية، لطريقة عمل الاحزاب السياسية. في هذا الجانب، سوف يساعدنا تقاطع خطابات المرشحات السياسيات المنتميات للأحزاب الأربعة المختارة في هذه الدراسة مع سرد السيرة الذاتية لأمل،15نود التذكير بأننا أخفينا هوية المرشحة وحزبها وفقاً للمتطلبات الأخلاقية للدراسة. المرشحة الرئيسية في دراستنا، وكذلك متابعتنا لثلاث حملات انتخابية قادتها بوصفها مرشحة، على توضيح علاقة الأحزاب السياسية بِالنساء الناشطات في تلك الأحزاب والدور الذي تؤديه من أجل وصول النساء إلى مناصب التمثيل واتخاذ القرار السياسي.

تعرف أمل جيداً -مرشحتنا الرئيسية البالغة من العمر 52 عاماً- باقي المرشحات الأخريات اللاتي أجرينا مقابلات معهن في هذه الدراسة. فغالباً ما تقاطعت دروبهن خلال العمل السياسي، وسوف تتقاطع آرائهن أيضاً في هذه الدراسة لرسم صورة إلى حد ما كاملة عن المشاركة السياسية للنساء في عام 2021. لم يكن اختيارنا لتتبع المسار السياسي لأمل عشوائياً، فهي ناشطة حزبية تمتد رحلتها التي نتناولها في دراستنا لأكثر من 15 عاماً. وقد راقبناها خلال الحملة الانتخابية لعام 2011 في إطار "ترشحها المناضل"16يُطلق تعبير "الترشح المناضل" على المرشح/ة الذي/التي يقدم/تقدم نفسه/نفسها في انتخابات محلية مع علمه/علمها جيداً أنه/أنها لن يكون/تكون قادر/ة على الفوز بالانتخابات، لكنه/لكنها يفعل/تفعل ذلك لمساعدة مرشحين/مرشحات آخرين/أخريات مع ناخبيهم أو لاستكمال العدد في القوائم التي حددتها وزارة الداخلية وذلك حتى لا ترفض تلك القوائم. على مستوى الدوائر المحلية، حيث كانت على رأس القائمة الإضافية الخاصة بالنساء وكانت فرصة حملتها في الفوز بمقعد في مجلس البلدية ضئيلة بل شبه منعدمة، لكن أصواتها الانتخابية كانت ستعود بالنفع على المرشح المتزعم للقائمة الرئيسية. أضف إلى ذلك أنها مرشحة اجتازت ثلاثة مستويات من الترشح في إطار التمثيل السياسي للمرأة وهي: الدوائر البلدية في عام 2011، واللائحة الوطنية في عام 2016، والانتخابات المحلية في عام 2021. كما ولديها مسيرة نقابية وعمالية طويلة وعملت مع الجمعيات وشغلت مواقع قيادية ذات مسؤولية سياسية في حزبها، من بينها المناصب التالية: عضوة اللجنة المركزية وزعيمة الكتلة البرلمانية وعضوة الأمانة العامة للحزب.

دراسة إثنوغرافية لمسار ناشطة سياسية

قبل تقديم السيرة الذاتية لأمل، من المهم للغاية التحدث عن العلاقة التي جمعتني بها على مدار السنوات بوصفي باحثة فيما يتعلق بدورها في الجمعيات والنقابات العمالية ونشاطها السياسي، لا سيما علاقتي بالمجال الذي جمعنا معاً، وهو الحملات الانتخابية. منذ عام 2011، ظل حضوري ومراقبتي لحملات أمل محل تفاوض معها. كانت على دراية بمشروعي البحثي وسمحت لي بتتبع عملها، أحياناً من خلال منحي وظائف مساعدة ضمن فريق حملتها مع إخفاء هويتي البحثية عن الآخرين لتجنب حدوث أيّ تغير في السلوك أو ردود الأفعال. وفي الفترات الفاصلة بين الحملات، كنت أراقب عمل أمل والأنشطة التي تضطلع بها من خلال متابعة صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي والتقارير الإعلامية التي تنشر عنها والنقاشات التي تجريها مع أعضاء حزبها والأحزاب الأخرى والجمعيات النسوية. بالإضافة الى لقاءاتنا المتعددة.

لم يكن العمل الميداني الإثنوغرافي الذي أجريته حول المشاركة السياسية للنساء بشكل عام أو في أوقات معينة من الانتخابات والحملات الانتخابية للمرشحة يتعلق فقط بمراقبة وتتبع المرشحة في هذه المواقع المعلنة فحسب، وإنما كان يتعلق أيضاً باستكشاف "أجندتها السياسية" أو ما يسمى عادة بعملية إعداد الأولويات، بعبارة أخرى، كنت أراقب القضايا المركزية التي تهتم بها وكذلك "أجندتها الشخصية" أو مفكرتها بوصفها أداة لإدارة واستغلال الوقت خلال الحملة الانتخابية في الفترة بين 10 آب/أغسطس و8 أيلول/سبتمبر من عام 2021. بما أن الأجندة الشخصية مثلما يرى فيليب فيتل (2017) هي بمثابة آثر "التطبيق السياسي العملي، وتشبه الآلة الشخصية المكرسة للعمل السياسي، التي تحددها المواقع السياسية التي شكلتها إيكولوجياً وزمنياً وتبين مواقع ارتكازها".

تعتبر المفكرة الشخصية للمرشحة التي تتناولها دراستنا بكونها محتوى للبيانات وسجل موضوعي وأداة لإدارة الزمن ومسرد للعوائق ومصدر للمعلومات (ماريل وغودمر، 2017). يمكن دراستها أيضاً باعتبارها مدونة وأداة ونموذج لتوزيع الوقت، الذي يسمح لنا تحليله بإعادة تصور وتشكيل الحملة الانتخابية باعتبارها عمل فعال وملموس يعكس القوة العلائقية والتواصلية والتشغيلية لصاحبتها.

في حالة أمل، نتحدث عن أجندتين شخصيتين، إحداهما أجندة فردية ورقية والأخرى أجندة جماعية رقمية تتشاركها مع فريقها. وقد قمنا بتحليل الأجندة الثانية، حيث اعتبرنا أن المسائل المهنية والشخصية متداخلة -وهو أمر مثير للاهتمام للغاية ويمكننا من معرفة وحساب التدابير التكييفية والتوفيقية التي تجريها النساء العاملات في الميدان السياسي يومياً- بينما تحليل الأجندة الشخصية يتطلب وقتاً وجهداً إضافيين ولا يتناسب مع أهداف هذا العمل. إلى جانب عمليات الملاحظة ومعالجة البيانات تلك، فقد جمعنا أيضاً مناقشات غير رسمية ذات طابع إيضاحي وملاحظات دونت خلال اجتماعات وتجمعات مختلفة عقدتها المرشحة، بالإضافة إلى سيرتها الذاتية التي سردناها لاستكمال عناصر هذا البحث.

ناشطة سياسية ذات مسيرة مهنية ممتدة لعقود

ولدت أمل في حي المعاريف بالدار البيضاء الذي لا تزال تعيش فيه، وكان والدها معلماً. أنهت أمل تعليمها قرب نهاية الثمانينيات، والتحقت بالعمل في مجلس البلدية ضمن كوادر وزارة الداخلية. وشكلت بالتعاون مع مديرين تنفيذيين وعاملين آخرين في الخدمة المدنية مجموعة نقابية هناك، على الرغم من أنه في ذلك الوقت كان يُسمح فقط للموظفين بتشكيل نقابات. وكانوا بذلك أول مجموعة من العاملين في الخدمة المدنية بوزارة الداخلية تشكل نقابة.  وفي بداية التسعينيات، انضمت لحزب ذو توجه يساري، وقد اتخذت هذا القرار بعد مناقشة مع مسير المكتب الإقليمي للحزب في مدينة الدار البيضاء، الذي تمكن من إقناعها بأن أيّ تغيير يجب أن يحدث بدايةً من داخل الأحزاب السياسية وأن يكون مصحوباً بعمل ونشاط سياسي.

كان لدى الحزب بالفعل قسم خاص بالمرأة تتبعه جمعية نسوية خارج إطار الحزب لتعزيز المشاركة السياسية للنساء من كافة التوجهات السياسية حتى أكثرها أصوليةً وأسس كذلك مركز لتدريب النساء على القيادة السياسية.

وبعد عامين، انتقلت أمل من كونها مجرد عضوة ضمن القاعدة الشبابية للحزب لتصبح مديرة مكتب فرعي تابع للحزب على مستوى الدار البيضاء، وعضوة منتخبة في المكتب الإقليمي، ثم أصبحت الأمينة العامة للمكتب الإقليمي بعد الفوز بالأصوات اللازمة في المؤتمر الوطني للحزب.

“كنت دائماً ارتقى من مسؤولية لأخرى بفضل تصويت الأعضاء المقتنعين بعملي والمتعاطفين معي. بعد ذلك عرفت أن التصويت لي كان بمثابة عقوبة للمرشحين الآخرين الذين تنافسوا ضدي، لكني عرفت ذلك متأخراً. بمجرد أن فهمت اللعبة، بدأت أستخدم ذلك كوسيلةً للتفاوض"!

وعندما بدأت تتقدم بخطوات كبيرة، ظهرت العقبات، وكذلك المواجهات والمصادمات. ومثل باقي السياسيات اللاتي أجرينا مقابلات معهن، كانت الإهانات والإشاعات حول سمعتها هي الأكثر شيوعاً. لكن أمل رأت أن تلك الإشاعات، بالإضافة إلى الاجتماعات المتأخرة ليلاً والسفر وغيرها من العقبات هي جزء من مخاطر اختيار المشاركة في العمل السياسي. وأكدت أن تلك الصدامات كانت أقل حدةٍ من مثيلاتها التي تحدث في النقابة، وأن حقيقة أنها واصلت نشاطها في كليهما إلى جانب عملها على مستوى الجمعية قد ساعدها في بناء درع قوي وحسن فهمها حول آليات القوة.

"لا يوجد كتاب أو جامعة يمكنها أن تعلمكِ كيفية سير العمل في الحزب، حتى التدريبات التي تمنحها الأحزاب لِمؤيديها لا تعرفكِ ذلك. هذه أمور تكتشفينها بينما تمضين قدماً في الممارسة السياسية، أحياناً تتعلمينها بمفردك، وأحياناً بفضل الرفاق الرجال والنساء، وأحياناً بسبب اللكمات العنيفة التي تتلقينها! دون أن أغفل عن حقيقة أنني كنت حاضرة دائماً في الميدان، وهو ما منحني ميزة عن الآخرين فيما يتعلق بإدارة المشاكل، وهذا في حد ذاته يكسبكِ خبرة".

عام 2011، ترشحت أمل بوصفها سياسية داعمة للمرشح الذي ترشح في دائرتها الانتخابية. وقادت حملة ذهبت أصواتها بدرجة كبيرة إلى مرشح القائمة الرئيسية، لكن حملتها كانت تؤيد أيضاً النساء المترشحات في اللائحة الوطنية. وفي عام 2016، فازت بجدارة بموقعها على رأس اللائحة الوطنية التي وضعها حزبها. وقادت حملة من خلال تشكيل فريقها الانتخابي الذي تكون من رفاق مقربين وخبراء في التواصل الرقمي. وبينما كانت تدير فريقها الانتخابي، كانت مسؤولة أيضاً عن الإشراف على المترشحات من المناطق الأخرى ومرافقتهم وذلك وفقاً للمهام المقسمة التي أوكلها إليها الحزب. وفي نهاية المطاف، مكنتها حملتها -على المستوى المحلي عبر مراكز التنسيق والشبكات وتواصل القرب من خلال طرق الابواب، وعلى المستوى الجهوي من خلال الحملة الرقمية والمشاركة في الاجتماعات المختلفة في الولايات والمقاطعات- هي ونساء أخريات في اللائحة الوطنية من الفوز بعدة مقاعد في البرلمان.

وخلال فترة ولايتها الانتخابية، ناضلت من أجل تكوين فريق برلمانية، وانتخبت رئيسة له. سمح لها ذلك بالظهور والعمل على قضايا وطنية وفي الوقت ذاته محاولة إيجاد حلول للمسائل المحلية والبقاء على مقربة من المستوى المحلي، وهو أمر لا يدعمه الانتخاب من خلال اللائحة الوطنية. علماً أن كل سؤال شفهي يُطرح خلال الجلسات البرلمانية التي تذاع على قنوات التلفاز، وكل قضية نُشرت في الإعلان وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وكل مشكلة وُجد حلاً لها على المستوى المحلي، كلها تندرج ضمن القاعدة الانتخابية الجديدة للحزب. وأثناء هذه الفترة الانتخابية، انتخبت عضوة في المكتب السياسي، و بهذا فإن مهامها الحزبية قد زادت. وفي عام 2020 ومع تعديل القانون التنظيمي رقم 04.21، لم يعد من الممكن لها الترشح في الانتخابات من خلال القائمة الجهوية، وصادق الحزب على ترشحها في الانتخابات التشريعية المحلية في دائرة انتخابية أطلق عليها" دائرة الموت" في الدار البيضاء مع فرصة فوز ضئيلة في السباق الانتخابي ضد خمسة مرشحين ذكور لهم ثقلهم في هذه الدائرة الانتخابية.

انتخابات 2021: معركة خاسرة للنساء

على الرغم من خبرتها الطويلة في النقابات العمالية والأحزاب والجمعيات إضافةً إلى وجودها في هيئات صنع القرار في حزبها وشبكاته على المستوى المحلي، لكن أمل واجهت في بداية حملتها للفوز بمقعد في البرلمان عقبات كثيرة تتعلق أولاً وقبل كل شيء بالموارد المالية، لأن تمويل أيّ حملة انتخابية، وفي الدار البيضاء بالذات، أمر مكلف،  فقد فضَّل الحزب، اقتناعا منه بأنها معركة خاسرة مقدماً، توجيه الموارد إلى دوائر انتخابية أخرى كان لديه فرص أفضل للفوز بمقاعد فيها. ثانياً، دائماً ما تشكل الشبكات العائلية والقبلية كتلة انتخابية يسهل الفوز بأصواتها حتى في حالة مدينة غير متجانسة للغاية كالدار البيضاء (يمكننا أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر عائلات سوس الثرية التي تمارس التجارة في الدار البيضاء أو عائلات الفاسي)، لكن المرشحة التي تتناولها دراستنا لا تمتلك هذا الرصيد الاجتماعي.

أخيراً، وعلى الرغم من أن الحملة الانتخابية لأمل كانت واحدة من أفضل الحملات في الدار البيضاء، واعتبرت وسائل الإعلام أنها صاحبة الحظ الأوفر للفوز في الانتخابات بناءً على أدائها خلال فترة ولايتها البرلمانية ونزاهتها والتزامها النقابي والعمالي وعملها مع الجمعيات، أكدت آخر أيام في الحملة وكذلك اللقاءات الأخيرة التي عقدتها أمل عكس ذلك. ومن ثم فإن نقص التمويل والموارد البشرية وانسحاب حزبها من المشهد وغيابه عن الحملة والذي، رغم معرفته بضعف فرصها، استغل دائرتها الانتخابية أداةً للتفاوض لنيل مكاسب أخرى، والحصول على عدد محدود من الناخبين بحثاً عن حلول فورية، كل ذلك أدى إلى حرمانها من أيّ فرصة في تكرار تجربتها بوصفها ممثلةً عن الشعب.

ختاماً، على الرغم من الإصلاحات العديدة التي أجراها المغرب منذ عام 2000 لتعزيز المشاركة السياسية للنساء، فإن هذا التمثيل لا يزال دون توقعات النساء عموماً وبالأخص من دافعن وناضلن من أجله، مثل نساء الأحزاب السياسية اللاتي يناضلن من أجل الفوز بمقاعد وجني ثمار جهودهن مع أحزابهن السياسية، والناشطات في المجتمع المدني اللاتي بذلن جهوداً لعدة عقود في تدريب النساء وفي إنشاء برامج لتدريب النساء على القيادة السياسية وكذلك في الدعوة إلى زيادة الكوتا النسائية في هيئات صنع القرار والتمثيل السياسي. ومن هذا المنطلق، تُظهر نتائج الانتخابات الأخيرة في المغرب أننا لسنا مستعدين بعد للتخلي عن حل الكوتا النسائية لأن النساء في عالم السياسة لا يزلن يواجهن عقبات منهجية وهيكلية.

بالإضافة لذلك، فالنساء غير قادرات على تشكيل نخبة أو تأسيس مسار مهني سياسي ناتج عن كونهن محترفات في ممارسة الأنشطة السياسية وذلك لعدة أسباب سبق وأن شرحناها في الورقة ومن خلال حالة المرشحة التي تتبعناها في دراستنا. يأتي على رأس هذه الأسباب معدل التناوب السريع واستحالة تجديد الفترة الانتخابية إذا كانت المرشحة فائزة عبر نظام الكوتا، وهو ما يحرم النساء من الاستفادة من التجارب الناجحة أو تصحيح الأخطاء.

بالإضافة لذلك، أصبح من المهم فهم طبيعة العلاقة التي تربط الأحزاب السياسية بالنساء وكيف تشكل الأحزاب هذه العلاقة وإلى أي مدى تؤمن بأحقية النساء في أن يكون لهن مكان في الساحة السياسية وكيف تعمل على تحقيق ذلك، عدا ما يتعلق بتلبية الاعتبارات الدولية أو تعزيز صورة الأحزاب السياسية، ودون التضحية بالمرشحات في الجولات الأولى. لا يمكن تحقيق ذلك دون العمل على الحزب باعتبارج "الصندوق الأسود" الذي يعبر عن الحزب السياسي بوصفه نظاماً وأيضاً بوصفه مجموعة من الفاعلين السياسيين -نساءً ورجالاً- الذين يتشكلون ويتطورون داخل هذا النظام.

في النهاية، إذا فُرض على النساء التسليم لهذا التناوب السريع وهذا الوجود المحدود في البرلمان بمقتضى القانون التنظيمي رقم 04.21 المتعلق بمجلس النواب، إذن كيف يمكن للأحزاب السياسية تجديد دمائها النسوية ومن أين لها بأرضيةٍ خصبة من السياسيات المحنكات، وما الدي تم إعداده وتجهيزه لهن حتى يكن قادرات على تمثيلهم بشكل ملموس، وما هي نتيجة هذا السباق السياسي؟

المراجع

Alami M’Chichi, Houria. (2002). Genre et politique au Maroc, Les enjeux de l’égalité hommes – femmes entre islamisme et modernisme. Paris, L’Harmattan.

Barakat Amina, (2009), « Elections communales : le temps des femmes », Inter Press Service, 22 juin 2009.

Belarbi, Aïcha. (2001). « Femmes et démocratie, la grande question », in Femmes et démocratie, Coll. Approches, Casablanca : Le Fennec, p.81-90.

Benbelli, Sana. (2020), "Mobilisation and collective action on gender issues and violence against women in Morocco following the 2011 Arab uprising", Chapiter on. Beyond Arab Exceptionalism: Transnational Social Movements in the Arab region. Yasmine Berriane (ed), Asfari institute.

Bennani-Chraïbi, Monia. Partis politiques et protestations au Maroc (1934-2020). Nouvelle édition Rennes : Presses universitaires de Rennes, 2021.

Berriane, Yasmine. Bouasria, Leila & Yafout, Meriem. (2015). « La participation des femmes dans les partis politiques au Maroc ». Rapport réalisé pour l’UNESCO, Novembre 2015

Berriane, Yasmine. (2015). “The Micropolitics of Reform: Gender Quota, Grassroots Associations and the Renewal of Local Elites in Morocco”. The Journal of North African Studies, 20(3), 432-449.

Connell, Raywen. W. (2020). Masculinities. Routledge.

Dahlerup, Drude. (2013), Women, Quotas and Politics, Routledge.

Daoud, Zakia. (2004). « Les femmes comme sujet politique au Maghreb ». In : Les femmes entre violences et stratégies de liberté : Maghreb et Europe du Sud. St Denis: Ed. Bouchere, p.345-359.

Darhour, Hanane. (2020). “Whose Empowerment? Gender Quota Reform Mechanisms and De-democratization in Morocco2. In Double-Edged Politics on Women’s Rights in the MENA Region (pp. 279-302). Palgrave Macmillan, Cham.

Darhour, Hanane, & Dahlerup, Drude. (2013, November). “Sustainable Representation of Women through Gender Quotas: A Decade's Experience in Morocco”. In Women's Studies International Forum (Vol. 41, pp. 132-142). Pergamon.

Desrues, Theirry. (2020). “Authoritarian Resilience and Democratic Representation in Morocco: Royal Interference and Political Parties’ Leaderships since the 2016 Elections”. Mediterranean Politics, 25(2), 254-262.

Desrues, Theirry. (2016). « Le PJD en ville, le PAM à la campagne. Le multipartisme marocain à l’épreuve de la bipolarisation ». L’Année du Maghreb, (15), 229-254.

Foucault, Michel. (1975). Surveiller et punir (Vol. 1, pp. 192-211). Paris.

Hattabi. Jamal & Belhousine, Meriem (2021). « Les partis politiques à l’épreuve de la représentation politique des femmes : Analyse des statuts et règlements intérieurs des partis politiques», Revue Internationale du Chercheur «Volume 2 : Numéro 2» pp : 1270 – 1293.

Inter-Parliamentary Union website: https://www.ipu.org/fr/parlements-nationaux

Khaoulani, Fatima. « Sexisme et sous-représentation politique des femmes au Maroc (Note sur la trajectoire des mobilisations féministes en quête de la parité) », Centre d’études et de recherches en sciences sociales, 2019.

Jaldi Abdessalam & Mjahdi Hamza, « Analyse retrospective des élections marocaines de septembre 2021 », Policy center for the New South, Janvier 2022

Marrel, Guillaume, & Godmer, Laurent. (2017). La politique au quotidien : L’agenda et l’emploi du temps d’une femme politique. ENS éditions.

Tozy, Mohamed. (2009). « L'évolution du champ religieux marocain au défi de la mondialisation ». Revue internationale de politique comparée, 16(1), 63-81

Vairel, Frédéric. (2007). « La liste nationale : Un quota électoral pour quoi faire ». Terrains de campagne au Maroc. Les élections législatives de 2007. Karthala, 135-157.

Veitl, Philippe. « Une technique de gestion d’un espace-temps local : Maurice Pic, élu de la Drôme », dans J. Girault éd., L’implantation du socialisme en France au XXe siècle. Partis, réseaux, mobilisation. Paris, Publications de la Sorbonne, 2001, p. 50.

وفاء بوكروش. (2022). "المرأة المغربية والسياسة: مقاربة سوسيولوجية لواقع المشاركة السياسية"، المجلة الإفريقية للدراسات المتقدمة في العلوم الإنسانية والاجتماعية صفحات،185-194.

د. السعدية لدبس. (2021). "المشاركة السياسية للمرأة في المغرب بين التمكين القانوني والتمثلات الاجتماعية"، مجلة القادسية للقانون والعلوم السياسية، عدد خاص بالمؤتمر الدولي الأول للمنتدى العالمي للمرأة والطفل. الصفحات 250-279.

 

Endnotes

Endnotes
1 اطلع في هذا السياق على الأعمال المختلفة التي قامت بها الجمعيات وشبكات العمل التخصصية -خاصةً الحركة من أجل ثلث المقاعد المنتخبة للنساء التي كانت تسمى عام 2011 "بالحركة من أجل المساواة"، والجمعية الديمقراطية لنساء المغرب- لا سيما الوثائق التي صدرت عن أعمال مركز القيادات النسائية. اطلع أيضاً على أعمال وأبحاث حنان درهور وياسمين بريان ودرود داليروب حول نظام الكوتا في المغرب.
2 يرجع هذا بصفة أساسية إلى زيادة تمثيل المرأة على مستوى البلديات والمجتمعات، من 127 امرأة منتخبة في عام 2003 إلى 3,408 امرأة منتخبة في عام 2009.
3 جدير بالذكر أنه على الرغم من الحضور المكثف للمرأة في الحراك والمظاهرات، فإن مطالبهن بالمساواة بين الرجل والمرأة لم تؤخذ في الاعتبار، ولم تتقبلها مكونات الحراك المختلفة، (خاصةً جماعة العدل والإحسان) ذات المرجعية الإسلامية المحافظة. إضافة إلى ذلك، عندما كانت النساء يكملن شعار "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية، مساواة فعلية" الذي يعني المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، كان يجري إسكاتهن دائماً في كل مرة. See Sana Benbelli, “Mobilisation and collective action on gender issues and violence against women in Morocco following the 2011 Arab uprising", Chapiter in Yasmine Berriane, (ed.) Beyond Arab Exceptionalism: Transnational Social Movements in the Arab region". Asfari institute 2020.
4 من إجمالي عدد النائبات في مجلس النواب البالغ عددهن 96 نائبة، ترشحت ست منهن فقط من خلال الدوائر الانتخابية المحلية في عام 2021، بينما في عام 2016، انتخبت 81 امرأة في مجلس النواب من بينهن 21 امرأة منتخبة من خارج القائمة الوطنية.
5 عُينت نادية فتاح العلوي وزيرةً للاقتصاد والمالية، وهو منصب تشغله امرأة لأول مرة في تاريخ المغرب، لكن تلى ذلك تعيين أيضاً فوزي لقجع وزيراً منتدباً مع تكليفه بالميزانية، وغالباً ما يكون محط الأنظار على المستويين المغربي والأفريقي بسبب المنصب الآخر الذي يشغله، كونه رئيساً للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
6 تشغل فاطمة الزهراء المنصوري منصب وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة وأيضاً رئيسة بلدية مراكش.
7 طبق الحزب مبدأ ثلث المقاعد في مكتبه السياسي وهو أيضاً الحزب الذي قدم أكثر عدد من النساء لرئاسة المجالس البلدية والمحلية وكذلك رئاسة بلديات المدن.
8 امرأتان لكل حزب، تمكنت واحدة من الفوز بمقعد في البرلمان أو في المجلس البلدي أو المحلي، وامرأة لم تتمكن من تحقيق ذلك. احتراماً لمبدأ عدم الكشف عن الهوية، لن يُكشف في هذا العمل عن أسماء من أجرينا مقابلات معهم وكذلك اسم المرشحة التي تناولتها الدراسة.
9 منذ عام 2011، زاد عدد المقاعد المخصصة لفئات معينة ليصل إلى 90 مقعداً (منهم 60 مقعداً للنساء و30 مقعداً للشباب دون سن 45 عاماً، ليصبح إجمالي المقاعد المخصصة للنساء 67 مقعداً). وفي عام 2016، تضمنت المقاعد الثلاثين المخصصة للشباب الشابات أيضاً بالإضافة إلى الستين مقعداً الآخرين المخصصين للنساء عموماً (لتصبح النتيجة 81 امرأة في البرلمان). وفي عام 2021، خصص نظام الكوتا 90 مقعداً للنساء من خلال القوائم الانتخابية المحلية (والنتيجة هي 96 امرأة في البرلمان).
10 جدير بالذكر أنه قبل أن تبدأ وزارة الداخلية في نشر النتائج حسب النوع الاجتماعي، كانت الجمعيات النسوية هي من تفعل ذلك بشكل أساسي.
11 خلال السنوات القليلة الماضية، ساهمت وزارة الداخلية في تمويل حلقات عمل لبناء قدرات النساء المنتخبات محلياً وكذلك نائبات البرلمان.
12 جدير بالذكر أيضاً أن الأحزاب السياسية قد استخدمت وحشدت النساء بصورة خاصة لتولي الحملات التي أطلقتها على المستوى المحلي ومن أجل أنشطة التقارب. لكننا لن نتطرق إلى هذا الجانب في هذه الدراسة، لأنه يستحق إفراد ورقة بحثية له.
13 يمكننا أن نذكر على سبيل المثال، مريم بنصالح شقرون التي كانت ترأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وحليمة العسالي أول امرأة تتقلد منصباً قيادياً في حزب الحركة الشعبية.
14 نستخدم مفهوم "جهاز" وفقاً للتعريف الذي يقدمه فوكو بوصفه كُلاً غير متجانس يُشكل الخطابات والمؤسسات والاتفاقات البنيوية والقواعد والقوانين المنصوص عليها في علاقة سلطوية ذات طابع مقيد بشكل أو بآخر.
15 نود التذكير بأننا أخفينا هوية المرشحة وحزبها وفقاً للمتطلبات الأخلاقية للدراسة.
16 يُطلق تعبير "الترشح المناضل" على المرشح/ة الذي/التي يقدم/تقدم نفسه/نفسها في انتخابات محلية مع علمه/علمها جيداً أنه/أنها لن يكون/تكون قادر/ة على الفوز بالانتخابات، لكنه/لكنها يفعل/تفعل ذلك لمساعدة مرشحين/مرشحات آخرين/أخريات مع ناخبيهم أو لاستكمال العدد في القوائم التي حددتها وزارة الداخلية وذلك حتى لا ترفض تلك القوائم.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.