بعد خطة ترامب للسلام: حل الدولة الواحدة هو الطريق الوحيد إلى الأمام

طفل فلسطيني يشارك في احتجاج ضد ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب بهدف حل النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل، قطاع غزة، شباط/فبراير 2020. © EPA-EFE/محمد صابر

الشهر الماضي، كشف مركز أبحاث فلسطيني، وهو المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، عن نتائج الاستطلاع الذي أجراه عقب الإعلان عن خطة ترامب/نتنياهو. عند إعلان النتائج، أشار د. خليل الشقاقي، رئيس مركز الاقتراع، إلى أن 94 في المئة من الفلسطينيين المستطلع رأيهم عارضوا الخطة قائلاً: "لا أعتقد أننا رأينا من قبل مثل هذا المستوى من التوافق بين أعضاء الجمهور الفلسطيني".  إن هذه النتائج ليست مفاجئة بالطبع، لأن خطة ترامب/نتنياهو تسعى بالنتيجة للحصول على موافقة الفلسطينيين على سرقة إسرائيل للأراضي، والتطهير العرقي واستمرار إخضاعهم لسلطتها.

ولكن إلى جانب نتائج السؤال المتعلق بخطة ترامب/نتنياهو، كان السؤال الأكثر أهمية هو: "هل تؤيد حل الدولتين؟" أجاب 39 في المئة فقط من المجيبين المُستطلَع رأيهم بالإيجاب، بينما أشار 37 في المئة بأنهم يؤيدون حل الدولة الواحدة. هذه النتائج يجب وضعها في سياقها الصحيح: فقد دعت كل من القيادة الفلسطينية والمجتمع الدولي مرارًا وتكرارًا لأكثر من عقدين من الزمن إلى تطبيق حل الدولتين، وخلال تلك المدة، ابتعدت أعدادً متزايدة من الفلسطينيين عن هذه الفكرة ودعمت بشكل متزايد فكرة دولة واحدة، على الرغم من عدم وجود حزب فلسطيني واحد - سواء داخل حدود أراضي ال48 أو في الأراضي المحتلة - يدعو إلى ذلك. في الواقع، يتبنى القادة الفلسطينيون والمجتمع الدولي على حد سواء وجهة نظر مشتركة تندد بمفهوم الدولة الواحدة وتدفع بشكل قاطع بأنه "لا توجد خطة بديلة".

إن السبب وراء هذا الدعم الفلسطيني الذي تزايد بشكل مطرد لحل الدولة يتعلق بخطة ترامب/نتنياهو، ولكنه يتعلق كذلك بعوامل لا علاقة لها بتلك الخطة. توضح هذه الخطة أنها تهدف إلى ضمان ألا يكون للفلسطينيين دولة على الإطلاق، وبأن يظلوا بدلا من ذلكً للأبد تحت نير إسرائيل. لكن الموضوع لا يتعلق فقط بخطة ترامب، إذ أنه مع مرور الوقت، فقد أدرك الفلسطينيون بشكل متزايد أن فكرة "الدولتين" التي سيدعمها المجتمع الدولي - والتي سيضغط من أجل تحقيقها - ليست نفس فكرة الدولتين التي يطالب بها الفلسطينيون. فالأمر على العكس، إذ بينما كان العالم يتحدث عن تسوية الدولتين، شهد الفلسطينيون عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون على أراضيهم يتزايد بنسبة ثلاثة أضعاف. ويبدو أن المجتمع الدولي راضٍ عن السماح لإسرائيل ببناء وتوسيع المستوطنات، والسماح لها في الوقت ذاته بهدم المنازل والمدارس الفلسطينية وحبس الفلسطينيين في كانتونات.

هذه المقاربة تتغاضى عن قيام إسرائيل باحتجاز اقتصادنا رهينة ومحاصرة قطاع غزة بلا رحمة، وتكتفي بإصدار الإدانات الدولية الخفيفة المعسولة. وقد أوقف المجتمع الدولي محاولات الضغط لإدانة المستوطنات الإسرائيلية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفي بعض الحالات، فقد جرَّم دعم جهود مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. وحتى الاتحاد الأوروبي تردد في تطبيق اتفاقه التجاري مع إسرائيل، والذي يستوجب الإشارة إلى مكان تصنيع منتجات المستوطنات الإسرائيلية بشكل منفصل وعدم اعتبار تلك المنتجات جزءاً من ترتيبات التجارة الحرة. لقد اتضح أنه بينما يتحدث المجتمع الدولي عن رغبته في تسوية الدولتين، فقد ظهرت رغبته الكاملة في عدم القيام بشيء لتحقيق ذلك. وبصفتي كشخص شارك في المفاوضات، لاحظت أن قيام دولة للفلسطينيين هو أبعد ما يكون عن تفكير الجمهور الإسرائيلي وقيادته السياسية، بل كانا مهتمين بكيفية احتواء الفلسطينيين والسيطرة عليهم إلى الأبد، وكيفية الحفاظ على دعم المجتمع الدولي القائم منذ وقت طويل في تحقيق هذا المسعى. وباختصار، فقد أصبح مفهوم الدولتين خاليًا من أي مضمون ذي معنى، وانتقل التركيز بدلاً من ذلك إلى الشكل - واستخدام تصنيف "الدولة" مهما كان مختلاً ومفتقراً إلى أي من السلطات التي تحدد الدولة بالفعل.

دفع هذا الإدراك المتزايد بالعديد من الفلسطينيين إلى التخلي عن مشروع الدولة. وقد يبدو هذا موقفًا انهزاميًا أو تعبيرًا عن الإحباط. لكن في الواقع، وعلى مر السنين، فقد سمعنا قادة منظمة التحرير الفلسطينية يهددون بالتخلي عن مشروع الدولتين، ويهددون بشكل منفصل بحل السلطة الفلسطينية. وبدون شك، فإن بعض الدعم لفكرة الدولة الواحدة نابع من هذا الشعور، لكن ذلك لا يفسر كل الدعم لتلك الفكرة.

ومن أجل الإيضاح، لم ينشأ دعمي لفكرة الدولة الواحدة من الشعور بعبثية المفاوضات - على الرغم من أنها كانت عقيمة بالفعل – وإنما نشأ عن شعور بأن المقاربة كانت غير صحيحة، إذ أن محاولة تقسيم الأرض مبنية ببساطة على نموذج هياكل السلطة التي كنت أحاول محاربتها - وهي الهياكل الاقتصادية والسياسية التي تهدف إلى الحفاظ على القوة والسيطرة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين. لذلك، بدلاً من التركيز على الأرض - حيث تتمتع إسرائيل دائمًا بأفضلية، يجب أن يكون التركيز على الشعوب وكيف ينبغي لنا كشعب أن نعيش. لقد حان الوقت لاستهداف نموذج يركز على المساواة في الحقوق للجميع، بغض النظر عن الدين؛ نموذج يسعى إلى المصالحة وليس الانفصال ويفضي إلى حماية الناس وعدم اعتبارهم أشخاص خاضعين للسيطرة أو، في حالة اللاجئين، للاستبعاد بالجملة بدون رحمة.

تسير الأمور في إسرائيل والأراضي المحتلة اليوم كأنهما أرض واحدة، حيث يتمتع البعض بحقوق وامتيازات يُحرَم البعض الآخر منها. ولا توجد معابر حدودية منفصلة لـ "فلسطين" ولا توجد عملة فلسطينية منفصلة. لكن الفلسطينيين، بمن فيهم مواطنو إسرائيل الفلسطينيون، محرومون من نفس الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها اليهود الإسرائيليون.

ليست لديّ أوهام بأن تحقيق تلك المساواة سيكون سهلاً، إذ أن الذين يتحكمون بالسلطة لا يتخلون عنها طواعية، ولكنها تنتزع منهم عن طريق ممارسة الضغط من أجل اكتساب الحقوق. سيكون الفلسطينيون أكثر قدرة على تحطيم نظام الامتيازات العرقية والدينية التي يعانون منها – وهو نظام مماثل لنظام الفصل العنصري الذي ساد في جنوب إفريقيا - من خلال التعامل مع السبب الجذري وراء ذلك النظام، وهو الصهيونية التي هي عبارة عن مشروع قومي يفضل مجموعة على أخرى.  وللتعامل مع الصهيونية، عليهم الضغط من خلال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات من أجل المساءلة الدولية وتحدي القوانين الإسرائيلية العنصرية.  وباختصار، بإمكاننا ومن الواجب علينا إنشاء نظام عادل للجميع، بغض النظر عما إذا كانت هناك مطالبة بدولة واحدة أو دولتين.

يُظهر التاريخ أن الامتياز العرقي يفشل في نهاية المطاف في عالم متعدد الأعراق. وبما أن الفلسطينيين والإسرائيليين مصيرهم أن يعيشوا معاً، فإن السؤال الحقيقي هو ما إذا كنا سنستمر في السماح لهذا النظام من الامتيازات العرقية والدينية بأن يدوم، أم أننا سنضغط من أجل المساواة، بغض النظر عن الدين. أما بالنسبة للحدود والأعلام والعملات، فيمكنها الانتظار.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.