النشأة والصمود والتوترات: عقد من نشاط مجتمع الميم في المغرب

(c) صور مجمعة بواسطة ARI

مقدمة

على الرغم من أن الفصل 489 1ينص الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي على أن" "أي فعل غير لائق أو فعل مناف للأخلاق" بين أفراد من الجنس نفسه يعاقب صاحبه بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. وبالإضافة إلى السجن، قد يضطر أفراد مجتمع الميم إلى دفع غرامة تتراوح بين 200 و 1000 درهم لارتكاب هذه "الأفعال غير اللائقة". من القانون الجنائي المغربي يجرم العلاقات المثلية، فقد اتخذ تنظيم مجتمع الميم في المغرب منحى جديداً منذ عام 2011، مع ظهور عدة مجموعات تنظم وتعتمد استراتيجيات متنوعة للمطالبة بحقوقها كمجتمع. يمكن تتبع ظهور المجموعات المعنية بمجتمع الميم إلى موجة جديدة من أشكال التنظيم التي نشأت بعد عام 2011.2تأسست أول منظمة تدافع عن حقوق مجتمع الميم في عام 2005 تحت اسم "كيف كيف" أو كيفكيف وتعني (سواسية بالدارجة المغربية)، وتمارس الآن أنشطتها من إسبانيا. ومن أجل أهداف هذه المقالة، أنا أتتبع المنظمات التي تأسست بعد عام 2011. خلال ثورات الربيع العربي عام 2011 التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حشدت "حركة 20 شباط/فبراير" في المغرب أعداداً كبيرةً من المواطنين حول مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية. شكلت هذه الحركة عصراً جديداً في السياسة المغربية والمقاومة السياسية في الفضاء العام. وبوصفها حركة يقودها الشباب، هاجمت طرق التنظيم السابقة والتحالفات والانقسامات القائمة داخل المشهد السياسي ووسعت المجال العام من خلال توفير مساحات بديلة للتعبير عن المظالم والتنظيم حولها.

رمزت هذه الحركة إلى "آمال الشباب المغربي"،3مقابلة مع عايدة. ك، نيسان/أبريل 2023. وتحدت الطرق التقليدية لاتخاذ الإجراءات السياسية، وطرحت قضايا محظورة في النقاش العام، مثل سياسات الجسد النسوية، والحقوق الإنجابية، والحريات الدينية، وحقوق الأقليات الجنسية والجنسانية. في الوقت نفسه، طرح الناشطون ممن يصفون أنفسهم بأنهم جزء من مجتمع الميم مناقشات حول التوجه الجنسي وحقوق مجتمع الميم. لم تكن هذه القضايا صراحةً جزءاً من الأجندة السياسية لـ "حركة 20 شباط/فبراير"، بيد أن العديد من الناشطين داخلها الذين عرَّفوا أنفسهم على أنهم أعضاء في مجتمع الميم رفعوا شعارات مثلية خلال الاحتجاجات الرسمية مع لافتات تحمل عبارات مثل "القمع هنا، وأنا هنا" أو "الحب ليس جريمة". وظهرت أشكال جديدة من التنظيم ركزت على شغل الفضاء العام بالإضافة إلى التعبيرات الفنية (مثل إصدار المجلات ومجلات الهواة والرسوم الجدارية والموسيقى) والتعبيرات الثقافية السرية (مثل الندوات التثقيفية والمسرح الاجتماعي).

يستكشف هذا المقال تطور تنظيم مجتمع الميم في المغرب منذ عام 2011، ويسلط الضوء على تأثير "حركة 20 شباط/فبراير" الاجتماعية بوصفها دافعاً لجهود النشاط المدني (الناشطية). ويناقش ظهور مجموعات مجتمع الميم، واستراتيجياتها للمطالبة بالحقوق، والتحديات التي تواجهها، بما في ذلك المراقبة والعنف والاستقطاب. ويدرس البحث أيضاً الأجيال الجديدة من الناشطين في مجتمع الميم، ودور وسائل التواصل الاجتماعي، والاستجابة لحملات الكشف عن الهوية الجنسية العامة. ويتناول بعمق التوترات داخل سياسات مجتمع الميم المحلية، بما في ذلك النقاش بين النُهج الثقافية والمنهجية، وتأثير أنماط عمل المنظمات غير الحكومية على أهداف الحركة واستراتيجياتها. ويسلط الضوء على كيف أن الظهور المتزايد لحركة مجتمع الميم، والانتقادات اللاذعة لحركة حقوق المرأة المغربية، تجبر الجماعات النسوية على التفكير في سياستها والتعريف الدقيق لمفهوم النسوية نفسها ومن أجل من هي".

2011 دافعاً لتنظيم مجتمع الميم

في سياق الربيع العربي، قرر أعضاء مجتمع الميم تنظيم أنفسهم حول قضايا التوجه الجنسي والهوية الجنسانية. فقد شكلت الحركة الاجتماعية دافعاً و"طاقة جماعية" شجعتهم على التحرك.4مقابلة مع لمياء. أ، أيار/مايو 2023.

أدى ذلك إلى ظهور "أصوات" في كانون الأول/ديسمبر 2013 كأول تجمع لمجتمع الميم. قبل تأسيسها كتجمع، بدأت "أصوات" كمجلة إلكترونية تم إطلاقها في نيسان/أبريل 2012، وركزت على موضوعات تتعلق بالصحة الجنسية والتثقيف الجنسي، والثقافة المعاصرة، ومقالات حياتية شخصية كتبها أعضاء المجتمع ومن أجلهم. لاحظت عايدة، وهي واحدة من مؤسسي "أصوات"، أنه في الوقت الذي دعت فيه بعض مجموعات حقوق الإنسان إلى إلغاء تجريم المثلية من وجهة نظر الحريات الفردية، شعر الناشطون بضرورة وجود منظمة يقودها أفراد من مجتمع الميم أنفسهم. عملت "أصوات" على توثيق اعتقال أفراد مجتمع الميم بموجب الفصل 489 على مستوى البلاد، وقدمت الدعم القانوني وكشفت عن الاعتداءات المعادية للمثليين والمتحولين جنسياً التي قام بها الأفراد والحشود. فقد استخدموا وسائل الإعلام والحملات الإلكترونية، وحصلوا على دعم المثقفين المغاربة والشخصيات العامة والجهات الفاعلة الدولية للمطالبة بالإفراج عن الأفراد الذين حوكموا بموجب الفصل 489 والضغط من أجل الإصلاح القانوني. فضلاً عن متابعة محاكمة الأفراد المتهمين بموجب الفصل 489، ووثقوا جلسات المحكمة، وأجروا مقابلات مع أقارب الضحايا، ونظموا مقابلات صحفية للمحامين.

بدأت "أصوات" حملات عبر العديد من السبل التي ربطت بين النشاط الإلكتروني والتنظيم في الشوارع. ونظموا حملة إلكترونية حملت وسم "الحب ماشي جريمة" بشهادات ومساهمات أفراد من مجتمع الميم وبدعم من شخصيات عامة. ونزلوا إلى الشوارع وشاركوا في الفضاء العام من خلال حضور الاحتجاجات كأعضاء في تجمع مجتمع الميم بشكل علني. وسعوا إلى إنشاء شبكة من التحالفات وعرض شعارات وسياسات مجتمع الميم في الشوارع من خلال المشاركة في الاحتجاجات التي نظمها عمال النقابات، والمعلمين، والشباب العاطلين عن العمل، وغيرها من حركات الحقوق المدنية. وبمرور الوقت، نجحوا في بناء تحالفات غير متوقعة. وتشير عايدة إلى أن "أصوات" بدأت "بحلم، مع الغضب ضد القمع وأمل في كفاح حقيقي ومخلص من أجل حقنا في الوجود". في الوقت نفسه، ظهرت منظمات أخرى لمجتمع الميم. إحداها كانت "أقليات"، وهي منظمة لمجتمع الميم ومجلة إلكترونية. وفي عام 2015، أطلقوا حملة عبر الإنترنت تحت وسم "love_is_a_human_right" (الحب_من_حقوق_الإنسان) ونشروا سلسلة من مقاطع الفيديو لأفراد يناقشون علانية توجهاتهم الجنسية وحقهم في الوقوع في الحب كحق من حقوق الإنسان.

خلال صيف عام 2015، الذي أَطلق عليه العديد من الناشطين في مجتمع الميم المغربي اسم "الصيف المظلم"، وصلت أعمال المراقبة وحملات القمع ضد الناشطين إلى مستويات لم يسبق لها مثيل. وشعر العديد من أعضاء "أصوات" بأنهم تحت مراقبة مستمرة، وتعرضوا للمضايقة والاضطهاد، ونشر أسرار حياتهم الشخصية والكشف عن هويتهم الجنسية لعائلاتهم وفي أماكن عملهم. وأفاد العديد من الناشطين أنهم تعرضوا للمراقبة من قبل رجال الشرطة، فضلاً عن توقف سيارات شرطة غير مميزة أمام منازلهم لترويعهم. في الرباط، وخلال ندوة تثقيفية عامة نظمتها مبادرة "الفلسفة في الزنقة" أي "الفلسفة في الشارع"، كان أحد مؤسسي "أصوات" يدير مناقشة حول حملة "#الحب ماشي جريمة" قبل اعتقاله بتهمة "انتهاك الآداب العامة" للحديث عن حقوق مجتمع الميم في الفضاء العام. وخلال الصيف نفسه، ألقي القبض على رجلين مغربيين بتهمة "الوقوف بالقرب من بعضهما البعض" أمام موقع تاريخي في الرباط، وقبل ذلك بيوم واحد، وقفت ناشطتان من حركة "فيمن" عاريات الصدر احتجاجاً على القوانين المناهضة للمثليين وتعرضتا للاعتقال والترحيل.

بدءاً من عام 2016 ومع زيادة ظهور "أصوات"، وجد الناشطون أنفسهم متورطين في لعبة سياسية. فمن ناحية، أصبحوا محط اهتمام متزايد من الجهات الفاعلة الدولية والصحفيين الذين تعاملوا مع الوضع من منظور استشراقي، وبالغوا في تبسيط السرد من خلال وضع قصص مجتمع الميم في إطار سرد مختزل ومبسط ينطوي على مجرد القمع. شعر الناشطون أن تغطية وسائل الإعلام الغربية لرهاب المثلية والمتحولين جنسياً في المغرب قدمت صورة كاريكاتورية تسترضي سرديات القوميين المثليين5يصف مصطلح القومية المثلية التقاطع بين حقوق مجتمع الميم وأجندات القومية في سياق السياسات العالمية. ويشير إلى  الاستخدام الاستراتيجي لحقوق مجتمع الميم بوصفه دليل على التفوق الثقافي، غالباً من قبل الدول الغربية، لتمييز أنفسهم عن المجتمعات الأخرى، ولا سيما تلك الموجودة في الجنوب العالمي أو التي يغلب عليها المسلمون. صاغت هذا المصطلح  الباحثة جاسبر بوار في بحثها "التجمعات الإرهابية: القومية المثلية في أوقات الكوير" (2007). يسلط مفهوم القومية المثلية الضوء على تعقيد الدعوة لحقوق مجتمع الميم، نظراً إلى أنه يمكن استغلالها لخدمة مصالح جيوسياسية أوسع. المرجع: Puar, Jasbir K. "Terrorist Assemblages: Homonationalism in Queer Times." Duke University Press, 2007. في الغرب. فقد ركزت هذه الخطابات القومية المثلية على مفهوم "استثنائية الغرب"، وافترضت أن "الغرب" هو المدافع الأول عن حقوق مجتمع الميم، في عين عزفت عن نقد التمييز الواقع على مجتمع الميم في الغرب نفسه، وأخفت مسؤوليتها عن المشاركة في إنتاج مثل هذا التمييز في معظم السياقات على مستوى العالم. في الوقت نفسه، تُصوِّر سرديات القوميين المثليين الآخرين غير الغربيين، ولا سيما ذوي البشرة السمراء والمسلمين، على أنهم نقيض للتقدم. من خلال الكتابة عن رهاب المثلية والمتحولين جنسياً بوصفها سمات متأصلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي "المجتمعات المسلمة"، وقد ساهم هذا الخطاب في عزل الناشطين في مجتمع الميم عن سياقاتهم المحلية. نظراً إلى أنه يصورهم على أنهم استثناءات تقدمية، يواجهون العنف الخطير لمجتمعاتهم المتخلفة. قلل هذا الخطاب من إرادة الناشطين في مجتمع الميم وساهم في تفاقم الخطابات العنصرية والمعادية للإسلام. اتخذت الجهات الفاعلة الدولية ذات النوايا الحسنة، والتي غالباً ما تفتقر إلى المعرفة بالديناميات المحلية المعقدة التي يعمل خلالها الناشطين من مجتمع الميم، مواقف علنية وأصدرت بيانات تعرض الناشطين المحليين لخطر جذب انتباه غير مرغوب فيه يمكن أن يؤدي إلى اعتقالهم أو نبذهم. ومن ناحية أخرى، تعرضت "أصوات" للاستقطاب من قِبل الجمعيات التي ترعاها الدولة والتي سعت إلى نزع الطابع السياسي عنها بينما حاولت في الوقت نفسه تلميع صورة المغرب في المحافل الدولية. وعندما تلقوا دعوات رسمية من منظمات ترعاها الدولة سعت إلى مساعدة "أصوات" في أن تصبح منظمة غير حكومية مسجلة قانونياً، رفض الناشطون هذه الدعوات، معلنين: "نحن لا نرغب في أن تعترف بنا دولة لا تعترف بوجودنا وإنسانيتنا".6مقابلة مع لمياء. أ، أيار/مايو 2023. في الوقت نفسه، شعر الناشطون في "أصوات" بالرفض والتجاهل من قِبل الحركات النسوية وبعض المنظمات اليسارية الذين رأوا أن الدفاع عن حقوق مجتمع الميم أمراً محفوفاً بالمخاطر و"صادم للغاية" للمجتمع المغربي.

وفي نهاية المطاف، أدت زيادة المراقبة والعنف إلى إرهاق الناشطين، وطلب بعضهم اللجوء خارج البلاد والبعض الآخر تراجع عن النشاط أو إطلاق مبادرات جديدة. رأى أعضاء "أصوات" انفصالهم عن بعضهم البعض مثل عملية "البتر" التي تؤذن بنهاية المجموعة، والتي تم حلها رسمياً في عام 2019.

أجيال جديدة من ناشطين مجتمع الميم وتحديات جديدة

حالياً، هناك حوالي 13 تجمعاً نشطاً لمجتمع الميم في جميع أنحاء المغرب تعمل على أولويات مختلفة بما في ذلك بناء قدرات المجتمع والدعم المالي للأشخاص المثليين الذين يواجهون ظروفاً صعبة، وإنتاج المعرفة وجهود الأرشفة، والنشاط الفني، والتمثيل، والضغط والدعوة. أجريت مقابلات مع مؤسسي وأعضاء منظمات "نسويات"، و"دينامية الترانس"، و"تأثيث"، و"مجموعة الفعل النسوي" لمناقشة تاريخ ظهور تجمعاتهم، ومطالبهم، واستراتيجياتهم للضغط من أجل تحقيقها. منذ ظهور الحركات الاجتماعية في عام 2011، أثرت العديد من الأحداث الاجتماعية والسياسية الأخرى على تطور تنظيم مجتمع الميم في المغرب.

شهد عام 2016 تحولاً كبيراً في أساليب نشاط مجتمع الميم وتوجهاً نحو مزيد من التنظيم عبر الإنترنت. فقد أثار اعتقال فتاتين قاصرتين عام 2016 ومحاكمتهما، بعد احتجازهما في سجن للبالغين، بسبب نشر صورة لهما وهما يقبلان بعضهما البعض على سطح أحد المنازل في مراكش، حملة واسعة النطاق، قادها ممثلون عن مجتمع الميم وبدعم من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. وقد أعطى نجاح الحملة، التي أدت إلى إطلاق سراحهما، ناشطين مجتمع الميم دفعة جديدة من الأمل. وفقاً لقول إزغار، واحدة من الفتاتين اللتين اعتقلتا: "حقيقة أننا انتصرنا في هذه القضية أعطتنا أملاً جديداً في التغيير، إلا أنني كثيراً ما أسأل نفسي إذا كنا بحاجة إلى مأساة مثل هذه لكي نتمكن من التجمع والتنظيم".7مقابلة مع إزغار، نيسان/أبريل 2023. تسلط هذه القضية الضوء على قدرة الأزمات في خلق التضامن السياسي.

منذ ذلك الحين، بدأت موجة ثانية من منظمات وجمعيات مجتمع الميم في الظهور عبر الإنترنت، واستخدموا منصات التواصل الاجتماعي أولاً كمساحات للتواصل والتنظيم مع المجتمع، ثم كمساحات للدعوة والتوعية. كما استخدم أعضاء مجتمع الميم تطبيقات التعارف والمواعدة على الإنترنت كأداة أكثر أماناً للتفاعل مع المجتمع مع الحفاظ على سرية هويتهم وأمنهم. ركزت بعض المنظمات بشكل أساسي على الفن والإعلام والإنتاج الثقافي. على سبيل المثال، نشرت منظمة "نسويات"، وهي منظمة دفاع عن حقوق النساء والميم/ع+ بالمغرب تأسست عام 2018، مجلة بعنوان "ما وراء الجندر" وأنتجت سلسلة حلقات على شبكة الإنترنت بعنوان "همن" حول التوجه الجنسي والهويات الجنسانية. ونظموا أيضاً معارض فنية لعرض أعمال الفنانين المثليين وفتحوا الأماكن المتاحة لهم لإقامة ورش العمل والمناقشات مع أعضاء المجتمع. أما منصة "تأنيث"، فقد اختارت التركيز على المعرفة والإنتاج الإعلامي، وتعمل على بناء أرشيف نسوي ومثلي رقمي يوثق التاريخ الشخصي والسياسي للمجتمع في المغرب. كما ينتجون أيضاً سلسلة "دابا بودكاست" التي تسلط الضوء على مقابلات مع أعضاء المجتمع حول مواضيع مثل الكشف عن التوجهات الجنسية والعائلات المختارة.

تعمل المنظمات الأخرى التي يقودها أفراد متحولون جنسياً مثل "دينامية الترانس" على حقوق وتحرير الأشخاص متحولي الجنس واللاثنائيين وثنائيي الجنس. ويركزون على البحث والدعوة من خلال إصدار تقارير عن التمييز القانوني والاجتماعي والطبي ضد الأشخاص المتحولين جنسياً وتقديم الدعم المجتمعي مثل الرعاية الجنسانية. في حين ينظم مؤسس "مجموعة الفعل النسوي" ورش عمل نسوية للدفاع عن النفس للأشخاص المتحولين واللاثنائيين والنساء. وتوفر نهجاً شاملاً لمنع العنف يركز على تمكين الضحايا من خلال اعتماد تقنيات الدفاع البدني واللفظي والنفسي. أما منظمة "تآلين" فهي حركة تأسست حديثاً للمتحولات جنسياً العاملات بالجنس وأول تجمع يدافع علناً عن حقوق العاملات في مجال الجنس في المغرب، وتطرح قضايا رهاب التحول الجنسي وتجريم العمل في مجال الجنس على النقاشات النسوية.

خلال فترة الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19 عام 2020، اهتز مجتمع الميم في المغرب بسلسلة من الحملات العلنية العنيفة للكشف عن الهوية الجنسية والهجمات على الإنترنت بدعم من  أحد المشاهير المغاربة على موقع إنستغرام. في نيسان/أبريل 2020، دعت المؤثرة على إنستغرام والمعروفة باسم صوفيا طالوني النساء الممتثلات جندرياً والمغايرات جنسياً لإنشاء حسابات وهمية على تطبيقات المواعدة لمثليي الجنس بهدف الكشف عن الرجال المثليين. وقام العديد منهن بنشر صور خاصة ومعلومات خاصة عن الرجال المثليين على وسائل التواصل الاجتماعي مع تحريض على العنف ضدهم. تزامن العنف الذي روجت له الحملة مع قوانين الإغلاق الصارمة آنذاك، مما أدى إلى أن العديد من الأشخاص مثليي الجنس كانوا محاصرين في أوضاع تعرضوا فيها للعنف والانتهاك، في حين تعرض آخرين للنبذ وطردوا من منازل عائلاتهم. تلقى العديد من الرجال المثليين جنسياً ومزدوجي الميول الجنسية تهديدات بالقتل والاغتصاب - وفقاً لـ "نسويات"، أبلغ أكثر من 100 شخص عن تعرضهم للكشف عن هويتهم الجنسية علنيةً أمام محيطهم، وسُجلت حالة انتحار واحدة على الأقل.

قامت مجموعة من المنظمات المعنية بقضايا مجتمع الميم ومنظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان بإصدار بيان عام مشترك يدينون فيه الهجمات ويدعون موقعي إنستغرام وفيسبوك إلى إغلاق حسابات المؤثرة الرقمية نتيجة تحريضها على خطاب الكراهية ضد مجتمع الميم ودعوا أيضاً تطبيقات مواعدة مثليي الجنس إلى تعليق إنشاء حسابات جديدة. وطالب البيان أيضاً بإلغاء تجريم المثلية الجنسية، وسن قوانين تضمن وتصون كرامة مجتمع الميم بالمغرب وأخرى تجرم أفعال الكراهية والتمييز. بعد أن نجحت في حظر حسابات المؤثرة وتقييد إنشاء حسابات مواعدة جديدة، أرسلت المجموعة رسالة جماعية رسمية إلى رئيس النيابة العامة (الادعاء العام) بالمغرب للمطالبة بالتحقيق في حالات الكشف عن الهوية الجنسية العلني العنيفة وحملات خطاب الكراهية والتحريض على العنف. وعلى الرغم من أن مكتب الادعاء العام أعلن أنه سيفتح تحقيقاً في هذا الصدد، لم يتم إجراء أي متابعة.

شكلت هذه الأحداث لحظة خوف جماعي، وانعدام للثقة، ودمار لمجتمع الميم، وإدراك مخيف لهشاشة الوجود كعضو في مجتمع الميم في المغرب حتى في الفضاءات الإلكترونية. وأصبحت تطبيقات المواعدة ووسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت في السابق على تجاوز مخاطر التجمع في الأماكن العامة، مساحات جديدة للقمع. في الوقت نفسه، بالنسبة للعديد من الناشطين، كان عام 2020 أيضاً لحظة تسييس للضغط من أجل مزيد من أشكال التنظيم التي يقودها المجتمع. فقد عملت منظمات مجتمع الميم على تقديم مأوى وطعام ودعم مالي ونفسي للأشخاص المثليين الذين تأثروا بحملات الكشف العلني والذين تأثروا بتفاقم الظروف الصعبة نتيجة إجراءات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19. وفي ظل غياب استجابات الحكومة وتدخلها لحماية سبل العيش الكريمة للمجتمعات الضعيفة بشكل عام وللمجتمعات المثلية بشكل خاص، بما في ذلك ضمان الحقوق الأساسية مثل المأوى والغذاء والرعاية الصحية، ظلت المبادرات التي يقودها المجتمع المحلي سبلاً محورية لضمان بقاء وحماية الأفراد المثليين.

البحث في التوترات العالمية في السياسات المحلية لمجتمع الميم

مع توسع حركة مجتمع الميم خلال العقد الماضي، فإنها تواجه بالضرورة أسئلة أساسية حول أولوياتها وأساليبها، ومصادر الظلم والتمييز بين الجنسين. إذ إن السياسات المتعلقة بمجتمع الميم لا تنعزل عن سياقها المحلي والقوى العالمية التي تشكل السياسات النسوية والجنسية والوطنية. فعلى سبيل المثال، غالباً ما تستهدف العديد من المجموعات الثقافة والدين والمجتمع بوصفها السبب الوحيد والمصدر الفريد لرهاب المثلية و/أو رهاب المتحولين جنسياً، ولا تطور انتقادات منهجية لأنظمة القمع الاقتصادية والسياسية وكيف تخلق وتزيد من حدة هذا التمييز. تصف القراءة الثقافية للتمييز ضد مجتمع الميم "ثقافة" البلاد بأنها ذكورية بطبيعتها، ومناهضة للنساء، ومناهضة للتقدم، وتشير إلى "المجتمع" وقواعده وقيمه كمصادر لرهاب المثلية. وبالتالي، يؤدي هذا الفهم إلى الدعوة إلى تغيير قانوني من القمة إلى القاعدة، إذ يُنظر إلى الدولة على أنها الضامن لحماية مجتمع الميم، وإصلاح القوانين على أنه وسيلة لـ "تغيير العقليات" وهدف بحد ذاته.

ولذلك، اختارت العديد من المجموعات - مثل قصبة تال'فين (Kasbah Tal'fin) والاتحاد النسائي الحر - إعطاء الأولوية لتحقيق المساواة الرسمية والإصلاح القانوني، وتوظيف الضغط والمناصرة على المستويين الوطني والدولي من أجل تحقيق أهدافها. يُظهر الاتحاد النسائي الحر - المنظمة الوحيدة المسجلة رسمياً للمثليين في المغرب - انتماءه إلى الدولة ومؤسساتها، ويدعو إلى الشكل السائد من نسوية الدولة الموالية لمجتمع الميم8“Activism and the Economy of Victimhood: A Close Look into NGO-Ization in Arabic-Speaking Countries: Interventions: Vol 22, No 4.” . أما المجموعات الأخرى، التي تُحمّل الدولة مسؤولية إدامة التمييز ضدهم؛ فإنها تتبنى تعريفاً أكثر شمولاً وراديكالية للناشطية، وتؤطر نضالها ضمن فهم أوسع لكيفية تجذّر وترابط ممارسات القمع والاضطهاد، وأنه على الرغم من أن التمييز له جذور محلية، إلا أن القوى العالمية مثل الإمبريالية والرأسمالية لها يد في تشكيله9مقابلة مع زين، نيسان/أبريل 2023.
لمعرفة المزيد عن التفاعل المعقد بين الموروثات التاريخية للاستعمار والقوى العالمية للرأسمالية والإمبريالية من ناحية والحقائق المعاصرة والنضال من أجل حقوق مجتمع الميم في بيئات ما بعد الاستعمار، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انظر: Arondekar, Anjali. “‘Thinking Sex’ with Geopolitics.” Edited by Valerie Traub. Women’s Studies Quarterly 44, no. 3/4 (2016): 332–35. وHayes, Jarrod. “De Groove Is in de Move: Decolonizing Sex and Sexuality in Middle East and North African Studies.” Journal of Middle East Women’s Studies 14, no. 2 (2018): 143–51. وRao, Rahul. “The Locations of Homophobia.” London Review of International Law 2, no. 2 (September 1, 2014): 169–99.
. تشعر هذه المجموعات بالضجر إزاء التعاون مع مؤسسات الدولة والجهات الفاعلة الدولية. فعلى سبيل المثال، أوضحت أميمة - المؤسس المشارك لـ "نسويات" - أن الدفاع عن حقوق مجتمع الميم في المغرب ليس مجرد مسألة "دفاع عن الحريات الفردية"؛ بل ترى "نسويات" أن عملهم بالأساس إنما هو نضال من أجل الكرامة وليس الحرية. بمعنى آخر؛ إنهم يريدون ضمان حصول أفراد مجتمع الميم على العيش الكريم والرعاية الصحية والتعليم والتوظيف. وفي الوقت نفسه، يعتبر الإصلاح القانوني وإلغاء تجريم المثلية الجنسية إنما هي وسائل استراتيجية، وليس أهدافاً نهائية؛ "لا نريد تغيير القوانين فحسب؛ فالتغيير الحقيقي يبدأ بعد أن نغير القوانين!".10مقابلة مع أميمة، أيار/مايو 2023.

كما تعد عملية تبني هيكل المنظمات غير الحكومية وتمهين الناشطية المثلية والنسوية أيضاً في صلب المناقشات داخل وبين المجموعات المختلفة. وتعني عملية تبني هيكل المنظمات غير الحكومية: تمهين ومأسسة وإضفاء الطابع البيروقراطي على الحركات الاجتماعية والناشطية الشعبية، وتسجيلها في سوق العمل الرأسمالي11Aziz Choudry and Dip Kapoor, eds., NGOization: Complicity, Contradictions and Prospects (Zed Books, 2012 ). وهذا ليس بدعاً من الأمر بالنسبة لنشاط مجتمع الميم، بل إنه اتجاه مشترك عبر مختلف جهات النضال من أجل العدالة الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أدى تمهين الناشطية النسوية على نطاق أوسع من خلال عملية تبني هيكل المنظمات غير الحكومية إلى تفكيك تسييس النضال، وتحويل التركيز من التنظيم الجماعي إلى المنافسة على التمويل والمسارات المهنية الفردية.

إن تزايد وتيرة تبني هيكل المنظمات غير الحكومية في المنطقة يعني أن النشاط النسوي ونشاط مجتمع الميم يخاطر بأن يصبح نشاطاً قائما على المشاريع، وغير مسيّس، وهو ما يعني تخفيف حدة انتقاداته للمشكلات الهيكلية. غالباً ما يعني التنافس على التمويل من الجهات الدولية أن أولويات وأجندات العديد من المنظمات النسوية ستُبنى وفقاً لأجندات الممول، وليس وفق الاحتياجات المحلية. ويحاول نشطاء مجتمع الميم التغلب على هذه المعضلات؛ فمن ناحية، من الضروري أن يكون هناك ملاءة مالية تدعم أنشطة التعاونيات وتضمن أيضاً سبل عيش النشطاء أنفسهم. ومن ناحية أخرى، الحفاظ على أشكال الاستقلال والقيادة الذاتية وتنظيم الجهود وبناء الأهداف وفق احتياجات وأولويات مجتمع الميم وليس الممولين. ومن ثم فإنهم ينتقلون من الاعتماد على تمويل الشمال العالمي، ونقص الموارد الاقتصادية من خلال الوعي وانتقاد مخاطر الاستقطاب وتسطيح صراعات العدالة الاجتماعية.

انتقادات مجتمع الميم لسياسة الإدماج والإقصاء داخل الحركة النسوية المغربية: النسوية تمثل من؟

تأسس حراك مجتمع الميم المتنامي في المغرب على يد أشخاص يستمدون نشاطهم من تجاربهم المباشرة مع التهميش والعنف والنبذ، ومن خبرتهم المباشرة بهشاشة وضعف وضعهم الاجتماعي في كثير من الحالات. إن تركيز التجارب الحياتية وإبراز الجوانب الشخصية في المجال السياسي هي في صميم حراك مجتمع الميم حيث إن معظم المنظمات التي تُعرف بأنها منظمات نسوية مثلية تقودها نساء طبيعيات، وأفراد متحولين وكويري الهوية الجنسية، وليس ذكور مثليين. وغالباً ما تتعاطف هذه الجماعات مع الحركة النسوية الكويرية والتقاطعية وتشكك في ديناميكيات السلطة المتأصلة في منظمات حقوق المرأة في البلاد، وتُسائل تعريفها للنسوية وما تهدف إليه ومن تمثل. كما أن لديهم فهماً تعددياً للنسوية باعتبارها نضالاً يتقارب مع مناهضة الرأسمالية، ومكافحة رهاب المثلية، ومكافحة العنصرية، وما إلى ذلك. كما تقدم منظمات مجتمع الميم نقداً حاداً للحركة النسوية المغربية، مشيرة إلى أن الحركة النسوية المهيمنة تواصل تفضيل مطالب وأولويات النساء الطبيعيات ذوات الميول السوية من الطبقة المتوسطة العليا ونساء الحضر والمتعلمات، مع تجاهل تجارب المجتمعات المهمشة الأخرى بما في ذلك النساء المهاجرات من جنوب الصحراء الكبرى ومجتمع الميم. ويروي الناشطون تجاربهم مع نبذ المجموعات النسوية المسيطرة التي رفضت التعاون أو دعم منظمات مجتمع الميم أو إظهار التضامن العام معهم أثناء الاعتقالات والهجمات التي تعرضوا لها. كتبت لمياء - المؤسس المشارك لمنصة تأنيث - أن الأجيال السابقة من الناشطين في مجال حقوق المرأة "ليسوا طبقيين فحسب، بل أيضاً كارهون للمثليين وعنصريين". وتضيف أنهم "يفتقرون إلى الشمولية واستيعاب الأشخاص من مجتمع الميم، وإنهم يتجنبون الأشخاص المتحولين جنسيًا على وجه الخصوص، وأنشأوا منظمات إقصائية تستهدف فقط النهوض بالنساء ذوات الميول السوية". وبالمثل، توضح إزغار أن منظمات حقوق المرأة القائمة كانت في بعض الأحيان مساحات للعنف والاعتداءات الخفية تجاه ناشطي مجتمع الميم لكونهم مثليين أو أصغر سناً، وبالتالي يُنظر إليهم على أنه ليس لهم شرعية للمشاركة في المناقشات السياسية12Lamyaa Achary, “Moroccan Feminists: Generational Gaps in Feminist Movements,” African Arguments (blog), November 15, 2022, https://africanarguments.org/2022/11/moroccan-feminists-generational-gaps-in-feminist-movements/. . كما أفاد العديد من النشطاء أنهم سمعوا عبارات مثل "حقوق المثليين والكوير ليست أولوية" و"لا نريد أن نصدم المجتمع المغربي". ويبدو أن الحجة الثقافية التي يتردد صداها داخل الفضاءات النسوية المغربية تشير إلى أن مجتمع الميم والكويرية، هي أمورٌ أجنبية عن المجتمع المغربي. يتسبب هذا الخطاب الخطير في وضع أفراد مجتمع الميم المغاربة على هامش النضال من أجل الاندماج الاجتماعي، ويحيلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية، تتعارض حقوقهم مع الهوية المغربية المتجانسة في ظاهرها. ويغذي هذا الرفض المخاوف الأخلاقية القومية التي تجعل الأقليات كبش فداء، كما يؤدي إلى مزيد من حملات القمع الاستبدادية.

 

 

إن هذا التوتر ليس مجرد فجوة بين الأجيال الأكبر سناً والأصغر سناً من المنظمات النسوية؛ بل إنها سياسية تتخطى الانقسامات بين الأجيال. على سبيل المثال؛ في عام 2020، قامت مجموعة نسوية شابة ناشئة باستعمال شعار مجتمع الميم في الوقت نفسه الذي همشت فيه مطالبهم؛ فقد أطلقت الجمعية النسوية المغربية المسماة "خارجون عن القانون" حملة لإلغاء المادة 490 من القانون الجنائي التي تجرم ممارسة الجنس بالتراضي بين الرجال والنساء البالغين خارج إطار الزواج، وقد اختارت الجمعية شعار "الحب ماشي جريمة"، وهو شعار يستخدمه ناشطو مجتمع الميم في حملاتهم، لكن جمعية "خارجون عن القانون" رفضت تضمين دعوة لإلغاء المادة 489 من قانون العقوبات (المتعلقة بتجريم الممارسات المثلية). وبينما كان ناشطو مجتمع الميم يتجادلون حول الأهمية الإستراتيجية للدعوة إلى إلغاء كلتا المادتين، وأهمية إنشاء تحالف قوي لتعديل قانون العقوبات؛ فقد قوبلوا بتصريحات مفادها أن الأولوية يجب أن تكون لإلغاء تجريم الجنس خارج إطار الزواج، وأن بقية المطالب ستأتي بعده بشكل طبيعي.

 

أحدث مثال صارخ على التوترات بين الحركات النسوية الناشئة وسياسات مجتمع الميم حدث خلال اعتصام في الدار البيضاء في 25 تموز/يوليو 2023، نظمته "حركة هي". دعت المنظمة إلى اعتصام للدفاع عن حقوق المرأة والدعوة إلى تعديل قانون الأسرة؛ وخلال الاعتصام، رفعت مَلَك - الناشطة النسوية التي كانت تقف في الخطوط الأمامية - علم مجتمع الميم؛ فطلب منها المنظمون على الفور إنزاله، مشيرين إلى ما يثيره رفع ذلك العلم من مخاوف بشأن أمن وسلامة المتظاهرين، بينما هتف المارة بعبارات مثل "هذا بلد مسلم" وليس "بلد الرينبو" وصدعوا بإهانات معادية للمثليين. رفضت ملك إنزال العلم، وقالت: "من غير المقبول أن نضع تسلسلات هرمية في النضال من أجل الحقوق". وتداولت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لوسائل الإعلام الرئيسية مقطع فيديو للحادثة، يظهر فيه وجه الناشطة وهو ما عرضها لهجمات عنيفة عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع، والتشهير والتهديد بالقتل والاغتصاب.

 

وبعد الاعتصام والتغطية الإعلامية، أصدر المنظمون بياناً صحفياً13قامت المنظمة الآن بحذف البيان الصحفي بعد النقاش والانتقادات التي قادها نشطاء مجتمع الميم. ، أكدوا فيه أنهم غير مسؤولين عن تصرفات ملك، وأنهم رغم دعمهم "لجميع الحريات الفردية" إلا أنهم لا يوافقون على تصرفاتها. وقد أثار موقفهم الغامض هذا جدلاً محتدماً بين المجموعات النسوية ومجتمع الميم حول مسائل التقاطعية والشمولية والسياسة الكويرية. وانتقد العديد من نشطاء مجتمع الميم - بمن فيهم الكاتب والمخرج عبد الله الطايع - الموقف الذي اتخذه المنظمون باعتباره ينم عن الجبن، وأنه مثال على التحالف المشروط والهش الذي تقدمه النسويات لمجتمع الميم. كما أضاف نشطاء مجتمع الميم أن العديد من المنظمات تدعو نشطاء مجتمع الميم للمشاركة في "اجتماعات وورش عمل مغلقة" لتثبت لمموليها أنهم يدعمون الشمولية، بينما ترفض المنظمات نفسه في الوقت نفسه اتخاذ مواقف عامة بشأن حقوق مجتمع الميم. بمعنى آخر؛ إنهم يدّعون تقديم الدعم الاستراتيجي لمجتمع الميم، مع التحكم في ظهور هذا الدعم. وإن هذه الحادثة ليست حالة فردية ولم توجد في سياق معزول، بل إنها تعكس التوترات العميقة المتزايدة حول سياسات النسوية والمكانة التي تحتلها حقوق مجتمع الميم في الخطابات والتنظيمات النسوية.

 

أصر منظمو الاعتصام على أن ملك كانت تعرّض المتظاهرين للخطر بفعلها هذا، وهذا اللون من الخطاب يلقي اللوم على الضحية ويجعل الناشط مسؤولاً عن الاعتداءات المحتملة التي قد يرتكبها المارة بسبب رهاب المثليين. كما أصروا على أنه لا يمكن إلقاء اللوم عليهم لأنهم وفروا الحماية لملك من عنف الحشود، كما حموها من الاعتقال الذي كان من الممكن أن تتعرض له من خلال مرافقتها إلى منزلها بعد انتهاء الاعتصام. لقد وُضعت حماية المرأة المتحولة في إطار بيان سياسي شجاع، وليس واجباً وعملاً من أعمال التضامن الأخلاقي. وعلى حد تعبير ملك، فإن الادعاء فجأة بالاهتمام بسلامة وأمن امرأة متحولة فقط عندما ترفع علم مجتمع الميم في احتجاج نسوي يُظهر أن رأس الأولويات هي سلامة المنظمين؛ "لم يكن الوضع آمناً قط، وحياتنا كانت ولا تزال في خطر دائم"14هذا من منشور على صفحة ملك على الانستغرام. لأسباب تتعلق بالسلامة، اخترت عدم مشاركة الرابط. . وكما أشار العديد من الناشطين من مجتمع الميم؛ ففي الوقت الذي تتمتع فيه منظمات حقوق المرأة بالحق القانوني في الاحتجاج وتُفتح لها المنصات، لا يمكن لناشطي مجتمع الميم الاستفادة أبداً من حماية قانونية مماثلة أو التنعم بالحق في الانتشار في المجال العام. إن هذا الخطاب الذي يتعامل مع حماية ملك من منطلق أنها "فعل خيري" وليس واجباً أخلاقياً؛ تنقل النقاش من الأسئلة السياسية الحقيقية حول الممارسات الإقصائية داخل الحركات النسوية التي تقوض وجود وتضامن واندماج أفراد مجتمع الميم وحقوقهم ومطالبهم لتطرح السؤال التالي: ما هو التغيير الاجتماعي الذي تعمل الحركة النسوية من أجله؛ هل تفيد الحركة النسوية فقط فئة معينة من النساء ذوات الميول السوية أم تستهدف إحداث تغيير تحويلي يشمل حقوق جميع المجتمعات المهمشة؟

 

أصدر عدد من مجموعات وأفراد مجتمع الميم "بياناً مشتركاً من أجل المساواة والاعتراف والتضامن!" لتسليط الضوء على أحداث الاعتصام وإعادة مطالبهم السياسية: "من الضروري الاعتراف بنضالاتنا وفهمها ومعالجتها. نحن نقف متحدين في سعينا لتحقيق العدالة والتحرر لجميع الأفراد، بغض النظر عن ميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسية أو تمثلاتها". ووصفوا التصرفات والمواقف تجاه حادثة ملك بأنها نابعة من "نسوية مؤسسية ليست مستعدة للنضال الحقيقي"، وشددوا على ضرورة النضال النسوي الشامل. إن الادعاء بأن الاحتجاج النسوي لتعديل قانون الأسرة ليس هو "المقام المناسب" للدفاع عن حقوق مجتمع الميم، يشير إلى أن ثمة "قضايا" تؤثر في المقام الأول على النساء ذوات الميول السوية. بيد أن حقيقة الأمر أن أفراد مجتمع الميم يتأثرون بالقدر نفسه بالتغييرات القانونية ومسائل الميراث والزواج والطلاق والإجهاض. وإن عزل وتحييد مجتمع كامل من الناس يعني ضمناً أن المواطنين من مجتمع الميم - على عكس المواطنين المغاربة الآخرين - هم بطريقة أو بأخرى خارج نطاق سيادة القانون السائدة، ولا يتأثرون بالتغيرات السياسية والقانونية والاجتماعية التي تدعو إليها الحركات النسوية.

 

في الماضي، غالباً ما كانت الحركات الاجتماعية التقدمية - مثل حركة الاستقلال، ولاحقاً الأحزاب السياسية اليسارية - تلجأ لطريقة ترتيب الأولويات وإنشاء تسلسلات هرمية في النضال من أجل الحقوق المدنية لرفض المطالب النسوية وتأخيرها في جداول الأعمال السياسية. ثم أصبحت المنظمات النسوية الآن متواطئة في إعادة خلق الديناميكية السلطوية نفسها من خلال إحالة حقوق مجتمع الميم إلى مرتبة ثانوية.

 

لاحظ نشطاء مجتمع الميم أيضاً التغيرات في الخطاب النسوي الرسمي حول حقوقهم، وتطورها في السنوات القليلة الماضية. فبدلاً من تجنبها أو رفضها أو استبعادها ببساطة باعتبارها "ليست أولوية محلية"، لم تعد معظم المنظمات النسوية اليوم قادرة على تجاهل الوجود المتزايد لنشاط وخطابات مجتمع الميم، ومن ثم بدأت الكثير من المنظمات في إطلاق مشاريع تعاونية مع نشطاء مجتمع الميم ودعوتهم إلى المناقشات والمناظرات. بيد أن هذا لا يعكس تغييراً في سياسات المنظمات النسوية القائمة، بل إنه بالأحرى مؤشر على تغير في الخطابات العالمية في السياسة النسوية وفي الضغط لإعادة هيكلة خطوط التحالفات داخل الحركات الاجتماعية التقدمية. وكان الدافع وراء ذلك هو الضغط الخارجي المتزايد للتكيف مع هياكل التمويل التنافسية وظهور مفاهيم مثل النسوية التقاطعية، التي أصبحت مركزية في السياسات المحلية والعالمية للنسوية، والتي بدأ الممولون في المطالبة بإدماجها لدى الحركات التقدمية. ببساطة - وعلى حد تعبير أحد مؤسسي "نسويات" - "إنهم يتعاونون معنا من منطلق الالتزام، لأنهم يشعرون بالتهديد من قِبلنا، ويعتقدون أننا قد نسرق أو نحد من وصولهم إلى الأموال".15مقابلة مع مؤسسي منظمة نسويات، أيار/مايو 2023. ويردد عضو آخر في "دينامية الترانس" الشعور نفسه، من خلال الحديث عن كيف أن هذا الضغط الخارجي "لبناء صورة أكثر شمولاً" أصبح مناقشة ملحة حول بقاء واستمرارية هذه المنظمات النسوية.

 

بالإضافة إلى هذا الضغط الخارجي، هناك ضغط داخلي متزايد بقيادة النسويات الأصغر سناً والأعضاء الأصغر سناً في المنظمات النسوية الذين يتبنون تعريفات ذات حمولة نقدية وشمولية أكبر للنسوية، والذين يتحدون سلطة هذه المنظمات من الداخل. يسعى هؤلاء الأفراد إلى جلب التجارب الحياتية والمطالب السياسية للفئات المهمشة؛ مثل النساء المهاجرات وأفراد مجتمع الميم، بالإضافة إلى توسيع وإعادة تعريف سياسات نسويتهم.

 

إن التحديات التي يفرضها الظهور المتزايد لحركة مجتمع الميم تجبر المنظمات النسوية على الشك في مستقبلها، واستدامتها، وفهمها ذاته لماهية الموضوع النسوي. ففي حين أنهم كانوا قادرين قبل 10 سنوات على استبعاد الوجود الاجتماعي والسياسي لأفراد مجتمع الميم، إلا أن هذا لم يعد ممكناً اليوم. وإن إتاحة مساحة للانتقال بين الأجيال والانتقادات الذاتية للحركة النسوية وسياساتها الإقصائية والتمييزية هي حاجة ملحة لبناء تحالفات وتعزيز حقوق المرأة ومجتمع الميم. ومع ذلك، لا يزال هناك في الوقت الحاضر نقص في المناقشة والحوار بين الأجيال، وهذا يضعف الحركة بسبب الفشل في بناء التقنيات والأساليب والاستفادة من الدروس التاريخية، ولأنه يسمح للجيل الأكبر سناً من الناشطين بمقاومة التغييرات والتحديات التي تفرضها الأجيال الشابة من الناشطين الذين يسلطون الضوء على السياسات والمطالب والاستراتيجيات الجديدة. ولذا فهناك الكثير من العوائق والموانع التي تعيق التعاون.

 

يعد التعرف على تأثير الواقع المثير للجدل بين منظمات حقوق المرأة ومجتمع الميم والتعامل معه بمنزلة نقطة انطلاق مهمة لتحالفات مستقبلية وقوية ومستدامة، وفهم شامل للعدالة بين الجنسين. كما تمثل التوترات الحالية التي تمر بها الحركتان لحظة حاسمة لإمكانية بناء نضال نسوي شامل. وبدون آليات داخلية للاعتراف والمساءلة، وبدون إرادة لتغيير الخطابات والإجراءات الإقصائية التي تدعمها الأصوات المهيمنة داخل الحركة النسوية؛ ستستمر الفجوة في الاتساع، وستتلاشى إمكانية التعاون.

 

تستمر حركة مجتمع الميم في المغرب في النمو، على الرغم من الاتجاه المقلق نحو تقييد المجتمع المدني وتصاعد السياسات المناهضة للحقوق. لم يعد الخطاب حول حقوق مجتمع الميم خاضعاً لهيمنة الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية فقط؛ بل تقوم المنظمات والناشطون المحليون بإعادة تشكيل وطرح النضال ضد التمييز ضد مجتمع الميم في السياق المغربي أثناء التعامل مع قمع الدولة، وصعود ردود الفعل العكسية المحلية والعالمية واستغلال نضالات مجتمع الميم في السياق الجيوسياسي المعاصر. إن الظهور المتزايد لتنظيم مجتمع الميم في المغرب يحفز التحول في مشهد الحركة النسوية وحقوق الإنسان في البلاد. ونظراً لأن منظمات مجتمع الميم أصبحت مرئية وذات بصمة واضحة، فإنها تعمل على توسيع نطاق الخطاب النسوي ليشمل فهماً أكثر تقاطعية للنوع الاجتماعي والجنس، وترفع حدود الدفاع عن حقوق الإنسان.

 

Endnotes

Endnotes
1 ينص الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي على أن" "أي فعل غير لائق أو فعل مناف للأخلاق" بين أفراد من الجنس نفسه يعاقب صاحبه بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. وبالإضافة إلى السجن، قد يضطر أفراد مجتمع الميم إلى دفع غرامة تتراوح بين 200 و 1000 درهم لارتكاب هذه "الأفعال غير اللائقة".
2 تأسست أول منظمة تدافع عن حقوق مجتمع الميم في عام 2005 تحت اسم "كيف كيف" أو كيفكيف وتعني (سواسية بالدارجة المغربية)، وتمارس الآن أنشطتها من إسبانيا. ومن أجل أهداف هذه المقالة، أنا أتتبع المنظمات التي تأسست بعد عام 2011.
3 مقابلة مع عايدة. ك، نيسان/أبريل 2023.
4 مقابلة مع لمياء. أ، أيار/مايو 2023.
5 يصف مصطلح القومية المثلية التقاطع بين حقوق مجتمع الميم وأجندات القومية في سياق السياسات العالمية. ويشير إلى  الاستخدام الاستراتيجي لحقوق مجتمع الميم بوصفه دليل على التفوق الثقافي، غالباً من قبل الدول الغربية، لتمييز أنفسهم عن المجتمعات الأخرى، ولا سيما تلك الموجودة في الجنوب العالمي أو التي يغلب عليها المسلمون. صاغت هذا المصطلح  الباحثة جاسبر بوار في بحثها "التجمعات الإرهابية: القومية المثلية في أوقات الكوير" (2007). يسلط مفهوم القومية المثلية الضوء على تعقيد الدعوة لحقوق مجتمع الميم، نظراً إلى أنه يمكن استغلالها لخدمة مصالح جيوسياسية أوسع. المرجع: Puar, Jasbir K. "Terrorist Assemblages: Homonationalism in Queer Times." Duke University Press, 2007.
6 مقابلة مع لمياء. أ، أيار/مايو 2023.
7 مقابلة مع إزغار، نيسان/أبريل 2023.
8 “Activism and the Economy of Victimhood: A Close Look into NGO-Ization in Arabic-Speaking Countries: Interventions: Vol 22, No 4.”
9 مقابلة مع زين، نيسان/أبريل 2023.
لمعرفة المزيد عن التفاعل المعقد بين الموروثات التاريخية للاستعمار والقوى العالمية للرأسمالية والإمبريالية من ناحية والحقائق المعاصرة والنضال من أجل حقوق مجتمع الميم في بيئات ما بعد الاستعمار، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انظر: Arondekar, Anjali. “‘Thinking Sex’ with Geopolitics.” Edited by Valerie Traub. Women’s Studies Quarterly 44, no. 3/4 (2016): 332–35. وHayes, Jarrod. “De Groove Is in de Move: Decolonizing Sex and Sexuality in Middle East and North African Studies.” Journal of Middle East Women’s Studies 14, no. 2 (2018): 143–51. وRao, Rahul. “The Locations of Homophobia.” London Review of International Law 2, no. 2 (September 1, 2014): 169–99.
10 مقابلة مع أميمة، أيار/مايو 2023.
11 Aziz Choudry and Dip Kapoor, eds., NGOization: Complicity, Contradictions and Prospects (Zed Books, 2012
12 Lamyaa Achary, “Moroccan Feminists: Generational Gaps in Feminist Movements,” African Arguments (blog), November 15, 2022, https://africanarguments.org/2022/11/moroccan-feminists-generational-gaps-in-feminist-movements/.
13 قامت المنظمة الآن بحذف البيان الصحفي بعد النقاش والانتقادات التي قادها نشطاء مجتمع الميم.
14 هذا من منشور على صفحة ملك على الانستغرام. لأسباب تتعلق بالسلامة، اخترت عدم مشاركة الرابط.
15 مقابلة مع مؤسسي منظمة نسويات، أيار/مايو 2023.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.