المنظومة القضائية في تونس: تشخيص الأزمة

قضاة في تونس يحتجون على إقالة 57 قاضيا من قبل الرئيس قيس سعيد
قضاة في تونس يحتجون على إقالة 57 قاضيا من قبل الرئيس قيس سعيد (c) صور الأناضول - ياسين جيدي

ظل القضاء التونسي ومنذ الاستقلال، يعاني العديد من الهِنات وأهمها الضغوطات التي كانت تمارسها السلطة التنفيذية عليه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تحت مبررات أو عبر مسمّيات عدة منها: المحكمة العليا، محكمة أمن الدولة، محاكمات عسكرية للمدنيين، محاكمات سياسية ومحاكمات رأي.

وبعد الانتقال الديمقراطي عام 2011، وما رافقه من صياغة دستور جديد سنة 2014، أعطيت الأولوية لإعادة الاعتبار للقضاء بوصفه ركيزة أساسية من ركائز بناء كل دولة ديمقراطية تُحترم فيها الحقوق والحريات. وتجلت هذه الأولوية في تشكيل مجلس أعلى للقضاء منتخب بطريقة مباشرة وتشاركية. وقد أسند الدستور لهذا المجلس مهمة أساسية تتمثل في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته. وقد جرت هذه العملية بمشاركة كل أو غالبية الأطراف المعنية بالشأن القضائي، والعديد من مكّونات المجتمع المدني.

وبالرغم من كل هذه التطورات التي اتّسمت بالإيجابية، ظلت المنظومة القضائية في تونس تشكو العديد من النقائص والهِنات التي أفقدتها مقومات النجاح والفاعلية. ولعل ما ساهم في تكريس صورة سلبية للقضاء والقضاة، هو البطء في البتّ بالعديد من القضايا المتعلقة بالرشوة والفساد والجرائم الانتخابية، وتعطّل المسار القضائي للعدالة الانتقالية وجرائم القتل التي استهدفت بعض السياسيين، والتعقيدات الإجرائية للتقاضي، وعدد القضاة المحدود، واهتراء البنية التحتية للمحاكم، وعدم امتلاك إدارة القضاء وسائل العمل الحديثة...

ويمكن في هذا الإطار طرح العديد من التساؤلات أبرزها: هل أن الإصلاح المنشود يفترض أولاً القيام بعملية تقييم واسعة لمنظومة العدالة في تونس، ثم وضع استراتيجية وطنية متكاملة لإصلاح القضاء؟ أو الاقتصار على إصلاح مكامن الخلل فيها؟ ما هي الإصلاحات المطلوبة؟ كيف تضمن الأطراف المعنية أن لا تكون هذه الإصلاحات حجة لوضع يد السلطة التنفيذية على السلطة القضائية؟

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، يتعيّن أولاً: إجراء مسح للإطار الدستوري والتشريعي للمنظومة القضائية، وثانياً: استعراض ما أُنجز من إصلاحات وطبيعة الإصلاحات المنشودة وشروط تحقيقها.

مسح للإطار الدستوري والتشريعي للمنظومة القضائية

خصّص دستور سنة 1959 الباب الخامس منه لما أسماه "السلطة القضائية". إذ نص على أن القضاة مستقلّون في عملهم، وأسند للمجلس الأعلى للقضاء صلاحيات إدارة المسيرة المهنية للقضاة، لكنه أنشأ في الوقت نفسه محكمة استثنائية أُطلق عليها تسمية "المحكمة العليا"(تضم في عضويتها أحد أعضاء الحكومة - أي ممثل للسلطة التنفيذية - وتختص بالنظر في قضايا الخيانة العظمى).

أما دستور سنة 2014 فقد خُصّص الباب الخامس منه لـ"السلطة القضائية" (ويتألف من 23 فصلاً). وشمل هذا الباب القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي، وكذلك المحكمة الدستورية كهيئة قضائية مستقلة تُسند إليها صلاحيات أصلية بمقتضى الدستور، والمجلس الأعلى للقضاء الذي يشرف على الهيئات القضائية الثلاث. ونص الدستور على أن القضاء  هو"سلطة مستقلة"، وأنه لا سلطة على القاضي في عمله القضائي إلا سلطة القانون، وأن المجلس الأعلى للقضاء هو المؤسّسة الضامنة لاستقلالية القضاء وحسن سيره، ومن مهامه إعداد جردة بعمل القضاة السنوي على أن يكون تقريره مطابقاً للقانون. كما أن نقل القاضي وفرض عقوبات تأديبية عليه، يجب أن يتم وفق الإجراءات التي ينص عليها القانون. وأضاف الدستور أن المجلس يبدي رأيه وجوباً في مشاريع القوانين المتعلّقة بتنظيم العدالة وإدارة القضاء. وقد منع الفصل 109 من دستور سنة 2014 صراحة كلّ تدخّل في سير القضاء. كما نص الفصل49 على أن جميع الهيئات القضائية مكلفة بحماية الحقوق والحريات المضمونة في الدستور من أي انتهاك، وأن الهيئات القضائية هي الضامنة للحقوق والحريات.

وفي خضم كل هذه المقتضيات الدستورية والتغييرات الوظيفية والهيكلية التي نتجت عنها لناحية القضاء والقضاة، نتساءل: هل يشكّل دستور سنة 2014، بما احتواه من زخم في ما يتعلق بتكريس سلطة قضائية مستقلة، ضمانة فعلية لاستقلال القضاء، خصوصاً بعد نهاية حكم ديكتاتوري أضعف السلطة القضائية بشدة واستخدمها كأداة؟ هل تمكّن القضاء بفضل هذا الدستور من التخلّص من الشوائب والرواسب التي ظلت تلازمه لعقود من الزمن؟ هل تمكن المجلس الأعلى للقضاء بعدما يقارب الست سنوات مباشرة، من بلورة ووضع استراتيجية لإصلاح المنظومة القضائية؟ وهل تغيرت نظرة المواطن التونسي إلى القضاء بعد كل هذه التغييرات؟

من المؤكد أن جميع مكونات المنظومة القضائية، من وزارة عدل وقضاة ومحامين وخبراء وعدول أشهاد وتنفيذ ومعاوني إدارة قضائية... لم يبادروا خلال الحقبة التي امتدت من سنة 2011 إلى شهر تموز/ يوليو 2021 إلى إجراء عملية تقييم جوهري لمنظومة العدالة ككل، ولأداء المجلس الأعلى للقضاء باعتباره أهم هيكل قضائي. إلا أنه وفي الوقت نفسه، بدا جلياً من خلال بعض المؤشرات الواقعية والقانونية أن أداء المجلس كان متعثراً في العديد من المسائل وأهمها عدم القيام بإحدى مهامه الأساسية، وهي إعداد استراتيجية لإصلاح المنظومة القضائية، وعدم اقتراحه مشاريع قوانين في هذا الاتّجاه، كعدم وضع معايير دقيقة وواضحة لكيفية إعداد تقرير عن الحركة القضائية، ما خلق جواً من عدم الثقة وعدم الشفافية في بعض الأحيان عند تعيين القضاة في بعض الوظائف القضائية أو نقل البعض منهم. كما أن وزارة العدل لم تحل المشكلات المتراكمة منذ عقود، والتي حالت دون قيام القضاء بمهامه على أكمل وجه، والمتعلقة أساساً بالبنية التحتية الرديئة للعديد من المحاكم، ونقص الإمكانيات المادية واللوجستية التي قوّضت ولا تزال عمل القضاة، وإدارة القضاء وتيسير ولوج المتقاضين إليه، وضمان حقهم في قضاء ناجز وحامٍ لحقوقهم، سواء أكانوا أفراداً أو مجموعات.

أما من الناحيتين القانونية والواقعية، فقد ساهم العديد من الأسباب في إعاقة حسن أداء المجلس الأعلى للقضاء مهامه. فمثلاً، ظل القانون الأساسي للقضاة الصادر سنة 1967، يراوح مكانه خلال الحقبتين الموافقتين لسريان دستورَي 1959 و2014، رغم الدعوات الملحة الصادرة عن الهياكل القضائية إلى تغييره (وليس تنقيحه) باعتباره لم يعد يستجيب لأبسط المقومات الضامنة لاستقلال القضاء والقضاة، مثل: حصول تغيير في تركيبة المحاكم وتنويع الاختصاصات القضائية المحدّثة وتأمين وظائف جديدة، وتعدّد المناقلات لمصلحة العمل دون وجود أساس قانوني أو ضمانات حقيقية تحول دون استعمال هذه المناقلات كعقوبات مقنّعة. وتعد تبعية قضاة النيابة العمومية الوظيفية المباشرة لوزير العدل، خاصة في ما يتعلق باتّخاذ قرارات الملاحقة من عدمها، من المسائل التي تكتسي أهمية قصوى وترتبط ارتباطاً وثيقاً باستقلالية القضاة.

ويمكن التذكير بأن هذه الحقبة الدستورية قد شهدت صدور القانون الأساسي لمحكمة المحاسبات، وكذلك إعداد مشروع القانون الأساسي للقضاة ومشروع مجلة القضاء الإداري، اللذين أعدتهما الهياكل الممثّلة للقضاة، إلا أنه لم يتم اتّخاذ خطوات فعلية لإنجازهما.

لقد شهدت الحقبة الزمنية بعد تاريخ 25 تموز/ يوليو 2021، تغييرات جذرية في المنظومة القضائية. وتجسّد ذلك في حلّ المجلس الأعلى للقضاء والمجلس المؤقت لمراقبة دستورية القوانين، وإصدار رئيس الجمهورية جملة من الأوامر والمراسيم أعاد بموجبها تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وتنظيم عمل القضاة والمحاكم، وعزل 57 قاضياً وقاضية، ورفع دعاوى جزائية ضدهم، وعدم إعادتهم إلى العمل بالرغم من حصولهم على قرارات وقف تنفيذ قرارات عزلهم.

كما شكّل صدور القرار 117 لسنة 2021 المتعلّق بالتدابير الاستثنائيّة، تغييراً في مسار منظومة العدالة في تونس. فقد أصبحت مهمة إدارتها وتنظيمها من اختصاص رئيس الجمهوريّة، إذ خوّلته حصرياً إصدار قوانين لتنظيم المحاكم ومراجعة إجراءات التقاضي.

ولقد تم في مرحلة لاحقة، بعد صدور دستور تموز/ يوليو 2022، تخصيص الباب الرابع منه، لـ"الوظيفة القضائية"، أسوة بالمصطلح الذي تم استعماله للإشارة إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية: (وظيفة تشريعية ووظيفة تنفيذية). وقد شمل الباب المذكور 8 فصول، فيما تم تخصيص الباب الخامس من هذا الدستور للمحكمة الدستورية.

وبتاريخ 12 شباط/ فبراير 2022، أصدر رئيس الجمهورية المرسوم رقم 11 لسنة 2022، المتعلق بإنشاء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي يجيز له تعيين أعضائه. وقد حلّ هذا المرسوم محل القانون الأساسي رقم 34 لسنة 2016، الذي ينظّم عمل المجلس الأعلى للقضاء في صيغته السابقة. وإن أبقى المرسوم على صلاحية المجلس في اقتراح الإصلاحات الضرورية لضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته، إلا أنه سحب منه صيغة الاستشارة الملزمة عندما يتعلق الأمر بمشاريع القوانين الخاصة بتنظيم العدالة وإدارة القضاء. كما أن رأي المجلس لم يعد مطابقاً في ما يتعلق بإعداد تقرير حركة القضاة. ومكن المرسوم رئيس الجمهورية - تلقائياً أو بطلب - من مراجعة التعيينات القضائية أو الاعتراض على المناقلات.

ومن جهة أخرى، فقد تقرر منع القضاة من الإضراب، كما منع كل عمل جماعي من شأنه تعطيل سير القضاء. وهو ما يعني صراحة تجريم أي فعل من هذا القبيل، ووضع القضاة الذين يقومون به تحت طائلة العقوبات الإدارية التي يمكن أن تصل إلى الإعفاء، هذا إلى جانب إخضاعهم للملاحقات الجزائية التي يمكن أن تصل إلى إصدار أحكام جزائية بحقهم.

أما المرسوم رقم 35 لسنة 2022 المؤرخ في 1 حزيران/ يونيو 2022، المتعلق بتنقيح وإتمام المرسوم رقم 11 لسنة 2022، آنف الذكر، فقد نص على أنه في حال التأكّد أو المساس بالأمن العام أو بالمصلحة العليا للبلاد، وبناءً على تقرير معلّل من الجهات المعنية، يحقّ لرئيس الجمهورية أن يعفي القاضي المعني من مهامه. ويعتبر هذا القرار غير قابل للطعن إلا بعد صدور حكم جزائي نهائي في الأفعال المنسوبة إليه. وفي 1 حزيران/يونيو 2022، منح سعيد نفسه سلطة فصل القضاة والمدّعين العامين من جانب واحد بموجب الأمر الرئاسي رقم 35 لسنة 2022. وفي اليوم نفسه، أصدر مرسوماً ثانياً (أمر رئاسي رقم 516 لسنة 2022)، بإقالة 57 قاضياً وقاضية ووكيلاً للجمهورية، بتهمة الفساد المالي و"المعنوي" وعرقلة التحقيقات.

إلى جانب ذلك، يشكو الإطار التشريعي المنظّم للاختصاصات الوظيفية للقضاة ومعاوني إدارة القضاء وكذلك للمنتسبين إلى المهن القضائية من محامين وعدول إشهاد وعدول تنفيذ وخبراء، نقائص وتعقيدات عدة، منها ما يتعلق بانعدام الإطار القانوني المنظّم لهذه المهن أو قدمه... ومثال ذلك: القانون الأساسي للقضاة الصادر منذ 1967 (والذي تجاوزته الأحداث)، عدم وجود نظام أساسي لمعاوني المحاكم العدلية وكتَبَتِها (على عكس معاوني وكتبة المحكمة الإدارية مثلاً)، صدور مرسوم المحاماة منذ سنة 2011، وصدور القانون المنظم لمهنة الخبراء العدليين منذ سنة 1993، وقانون عدول الإشهاد منذ سنة 1994، وصدور القانون الأساسي لعدول التنفيذ في سنة 2018.

وخلاصة القول، إن قِدَم النصوص القانونية المتعلقة بالمنظومة القضائية أو عدم وجودها أحياناً، ساهم بطريقة سلبية في قدرة هذه المنظومة على تحسين أدائها. ويضاف إلى كل هذه العوامل اليوم، حلّ الهيئة الموقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بمقتضى الأمر الرئاسي رقم 117، والّتي تُعتبر مؤسساتياً – رغم هناتها العديدة- هيكلاً ضامناً لحد أدنى من الرقابة.

استعراض ما أُنجز من إصلاحات وطبيعة الإصلاحات المنشودة وشروط تحقيقها

بعد إصدار دستور سنة 2014، وفي إطار ملاءمة النصوص القانونية له، جرى العمل على إنجاز بعض المشاريع الإصلاحية، سواء في ما يتعلق بالنصوص القانونية المنظمة للمنظومة القضائية، مثل إعداد مشروع القانون الأساسي للقضاة ومشروع مجلة القضاء الإداري وإصدار القانون الأساسي لمحكمة المحاسبات، أو العمل على مراجعة بعض المجلات القانونية عبر تشكيل لجان علمية مختلطة مؤلفة من قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين، تولّت  إعداد مشروع المجلة الجزائية، ومشروع مجلة الإجراءات الجزائية، باعتماد مقاربة حقوقية متطورة ، سواء بإدخال تغييرات جذرية في المنظومة العقابية، واعتماد الصلح الجزائي كأحد مداخل فصل الدعاوى العمومية.

وتندرج هذه الأعمال في إطار مراجعة جوهرية للمنظومة التشريعية في تونس، والتي لم تؤدِّ للأسف إلى نتائج ملموسة، نتيجة عدم اتخاذ القرارات اللازمة لإتمام هذا المسار التشريعي، فضلاً عن عدم إدراجها في إطار استراتيجية إصلاحية متكاملة وواضحة المعالم.

أما من الناحية العملية، فقد جرى إعداد وصياغة "برنامج إصلاح منظومة القضاء" بالتعاون بين الحكومة التونسية والاتّحاد الأوروبي. كما تم إنجاز استشارة وطنية حول إصلاح المنظومة القضائية في تونس بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان (كانون الأول/ ديسمبر 2013)، دون أن تكون لهذا التعاون آثار تذكر. كما وضع مخطط للعدالة الرقمية والحوكمة المفتوحة لوزارة العدل وبُدئ بتنفيذه، وأنشئ الموقع الرسمي لوزارة العدل ولمحكمة التعقيب وبداية تنفيذ بعض برامج التواصل عن بعد لمتابعة القضايا المعروضة أمام المحاكم وإعداد المنصة الرقمية للمحكمة الإدارية، وإجراء بعض المحاكمات عن بعد، خاصة أثناء تفشي جائحة "كوفيد 19". وتمت المصادقة على قانون رقم 41 لسنة 2019 المتعلق بمحكمة المحاسبات، وهي الهيئة العليا للرقابة على التصرّف بالمال العام. تمارس محكمة المحاسبات مهامها باستقلالية تامة، وتتمتع بالتسيير الذاتي وبالاستقلال الإداري والمالي. إلا أن هذه البرامج والمشاريع على أهميتها، لم تُحدث بعد النقلة النوعية للمنظومة القضائية التي ينتظرها مختلف الأطراف وخاصة منهم المتقاضين، الذين لا زالوا يعانون من صعوبات جمة للولوج إليها بأيسر السبل وبأقل تكلفة ممكنة.

لايزال القضاء يعاني من شوائب ظلت تلاحقه لسنوات عديدة. وقد فشلت العديد من الأطراف وخاصة المجلس الأعلى للقضاء في بلورة ووضع استراتيجية لتقييم وإصلاح المنظومة القضائية بعد الانتقال الديمقراطي لسنة 2011، وما رافقه من صياغة لدستور جديد سنة 2014. رغم ذلك، يجب أن نذكر بعض الإنجازات مثل صدور القانون الأساسي لمحكمة المحاسبات، وإعداد مشروع القانون الأساسي للقضاة ومشروع مجلة القضاء الإداري. أيضاً، تم العمل على إعادة النظر ببعض المجلات القانونية عبر تشكيل لجان علمية مختلطة من قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين، تولت إعداد مشروع المجلة الجزائية، إلخ. إلا أن المنظومة القضائية شهدت تغييرات جذرية بعد 25 تموز/ يوليو 2021. وقد تجسّد ذلك في حلّ المجلس الأعلى للقضاء والمجلس المؤقت لمراقبة دستورية القوانين، وإصدار رئيس الجمهورية جملة من الأوامر والمراسيم أعاد بها تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وتنظيم عمل القضاة والمحاكم، وتم بموجبها كذلك عزل 57 قاضياً وقاضية، ورفع دعاوى جزائية ضدهم، وعدم إعادتهم إلى العمل بالرغم من حصولهم على قرارات وقف تنفيذ عزلهم. أدت هذه التدابير الاستثنائية إلى تخوّف أعضاء السلطة القضائية، ما أثّر سلباً على استقلاليتهم وحياديتهم في حماية الحقوق والحريات.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.