المناطق العشوائية في سوريا: ما هو النهج في أعقاب الصراع؟

سكّان سوريون يعودون إلى مخيم اليرموك الذي تم الاستيلاء عليه مؤخرًا للبحث عن منازلهم وممتلكاتهم في جنوب دمشق ، سوريا 24 أيار 2018 . ونقلاً عن اخبار إعلامية، احتفل حشد كبير من الناس في ، ساحة النجمة في منطقة الحجر المجاورة. - حي اسواد. © EPA-EFE/YOUSSEF BADAWI

موجز تنفيذي

تعيش نسبة كبيرة من سكان سوريا في مساكن عشوائية، إذ يقدر أن الإسكان العشوائي كان يمثل ما بين 30% إلى 40% من إجمالي الوحدات السكنية قبل انتفاضة 2011. كان مثل هذا النوع من المساكن سائداً على نحو خاص في المناطق شبه الحضرية التي عانت بشدة من الدمار والتشريد خلال الصراع اللاحق. وبرغم انتشاره، لم يُولَ الإسكان العشوائي وحقوق السكان فيه اهتماماً كافياً في المناقشات الحديثة المتعلقة بالسياسة العامة لإعادة إعمار سوريا أو فيما يتعلق بحماية حقوق السوريين في المسكن.

في السنوات الأخيرة، صدَّقت الحكومة على عشرات المخططات التنظيمية العامة في المدن المختلفة من أجل "إعادة الإعمار" و"التنمية". وبينما تحقق القليل من إعادة الإعمار بسبب الأزمة الاقتصادية والعقوبات الاقتصادية وغياب التمويلات الدولية، فإن هذه المخططات العامة مهَّدت الطريق أمام الحكومة للشروع في عمليات هدم متعمدة على نطاق واسع في كثير من المناطق.

إذ إن فحص مشروعات إعادة الإعمار القليلة التي اعتُمدت ونُفذت يعرض بعض القواسم المشتركة: غالبية المخططات العامة المُصدَّق عليها تستهدف مناطق المساكن العشوائية الحضرية، والمشروعات القليلة التي أحرزت تقدماً على الأرض تميل إلى أن تكون مناطق حضرية عشوائية. تثير هذه النماذج كثيراً من التساؤلات بشأن نوايا الحكومة وخططها من أجل إعادة الإعمار، وتبيّن أن العشوائية ينبغي أن تكون عنصراً أساسياً في نقاش إعادة الإعمار.

يستهدف هذا البحث المعني بالسياسات التنظيمية تحديدَ نهج الحكومة تجاه العشوائية، وتحليل هذا النهج. ويبدأ بوضع خلفية تاريخية لما قبل 2011 عن الترابط بين زيادة العشوائية في سوريا والنهج الاشتراكي لحكومة حزب البعث تجاه توفير الإسكان وإدارة الأراضي. ويقدم قراءةً نقديةً لمسار الإطار القانوني، الذي يدعم سياسات الحكومة المتعلقة بإدارة الأراضي، مجادلاً بأن العشوائية كانت منتجاً طبيعياً للإخفاق المزمن الممنهج للحكومة في التعامل مع الاحتياجات المتزايدة للإسكان.

يفحص التقرير بعد ذلك تطور نهج ما بعد 2011 الذي تنتهجه الحكومة في تعاملها مع العشوائية. ويرسم خريطة لسلسلة من مشروعات إعادة الإعمار المُخطَّطة المستمرة في عديد من المناطق حول مدن مختلفة في سوريا، وفي الوقت ذاته يراقب عن كثب الأسس القانونية الداعمة لكل حالة، والسرديات الرسمية حولها، وإجراءات التطبيق، والتقدم المحرز، وتأثير هذه المشروعات على السكان. يعمق البحث هذا التحليل من خلال دراستي حالة مفصلتين: حي القابون في ريف دمشق وحي الحيدرية في شرق حلب. يستند هذا الاختيار إلى أوجه تشابه عميقة بين المنطقتين اللتين كانتا معقلاً للمعارضة وتأثرتا بشدة بالحملات العسكرية التي شنتها الحكومة لاستعادتها، بل وكذلك يستند إلى الاختلاف الكبير في الأطر القانونية التي تحكم عملية إعادة الإعمار، ومرحلة تنفيذ مشروع إعادة الإعمار، والأهم من كل شيء نوعية ملكية الأرض، في ظل أن حي القابون يقع فوق أرض خاصة، على النقيض من حي الحيدرية، حيث صادرت السلطات الأراضي قبل وقت طويل من الصراع.

استناداً إلى الترابط بين دراستي الحالة المختلفتين والسياقات التاريخية للصراع، يختتم البحث بأنماط رصدية متعلقة بالدوافع والمصالح السياسية والاقتصادية والفنية التي ربما تكون قد شكلت نهج الحكومة تجاه العشوائية. ويرتأي أن الحكومة قد وجدت في الواقع العشوائي الهائل للمدن السورية — الذي يسبق الصراع — ثغرةً تستطيع أن تدفع من خلالها بعملية تحسين تنظيمية ذات أغراض سياسية يمكنها أن تعيد تشكيل واقع سوريا ما بعد الصراع لصالح المقربين من الرأسماليين على حساب حقوق السكان المحليين. لم يحظ هذا التصور باهتمام كافٍ في العمل المهم الذي اضطلعت به أطرافٌ فاعلة سوريةٌ ودولية في محاولة لمعالجة آثار نظام التخطيط العمراني الخاص بالحكومة وإطاره التشريعي الذي يمهد الطريق الآن أمام عملية أوسع لإعادة الإعمار. ليست معالجة الموقف مجرد مسألة إقرار بوجود بعض صور الحيازة غير الرسمية للأراضي في الأطر القانونية الحالية. بل يتطلب إعادة صياغة فهمنا للعشوائية بما يتخطى مجرد تفسيرها على أنها صورة من الحيازة غير القانونية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.