اللامركزية في المغرب: وعود بإصلاحات قانونية في غياب آثار إيجابية مؤكدة

في عام 2011 ، أدخل المغرب تغييرات قانونية ودستورية لتشجيع الديمقراطية المحلية وضمان مزيد من الحكم الذاتي للسلطات المحلية كجزء من عملية إرساء اللامركزية في البلاد. ومع ذلك، يخيّم الشك حول مدى فعالية تنفيذ هاته التعديلات على أرض الممارسة. لكي تتحقق اللامركزية بشكل فعّال، تحتاج السلطات المحلية إلى حريات إدارية أكبر، كما يجب أن تكون الإصلاحات المعنية باللامركزية مرتبطة بشكل وثيق بترتيبات ضريبية أكثر فاعلية لصالح البلديات في إطار تطوير هاته الأخيرة لمواردها الخاصة.

الحقوق: بين سايمندز

في أعقاب الربيع العربي، شهد المغرب احتجاجات جماهيرية بالشوارع طالبت – من بين جملة أمور – بملك "يملك ولا يحكم". ولقد تم تحضير الدستور المغربي الأخير – الذي اعتُمد بموجب استفتاء بتاريخ 1 تموز/يوليو 2011 – بموجب عملية تشاركية استمرت عاماً، بقيادة هيئة استشارية. وعلى الرغم من أن الدستور لم يغيّر بشكل جذري من توازن السلطات على أعلى مستويات الدولة، فهو قد منح روحاً جديدة لعملية اللامركزية؛ إذ ينص الدستور الجديد في فصله الأول على: "التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي". كما يكفل الدستور مبدأي "التدبير الحر" للحكومات المحلية و"التفريع"، بما يؤمن ويدعم الشفافية ومشاركة المواطنين والحكامة الجيدة. كما قدّم الدستور الجديد مبدأ "الجهوية المتقدمة" لجعل الجهات والبلديات مستويات أساسية في الحكومات المحلية بالمغرب. وفي عام 2015 تم إصدار 3 قوانين أساسية لتحديد وتفعيل روح الدستور على مستوى البلديات والجهات والجماعات الترابية الأخرى.1إضافة إلى سياق الربيع العربي، فإن التركيز على "الجهوية المتقدمة" والتنمية الاقتصادية الجهوية يمكن رؤيته أيضاً كحل للاعتبارات الجيوسياسية القائمة (فضلاً عن الضغوط السياسية الداخلية) المتصلة بمسألة الصحراء.

لعملية اللامركزية تاريخ طويل في المغرب، إذ كانت في القلب من أجندة السياسات على مدار عقود، ومثلت موضوعاً بحثياً مهماً للعديد من المراقبين للمشهد السياسي. هناك ثلاثة مناظير تحليلية مختلفة وُظفت (اقتراناً بالعوامل السياقية القائمة) لتفسير لماذا وُضعت عملية اللامركزية في القلب من أجندة السياسات وماذا كانت تبعات هذا الاهتمام. أولاً، انطلاقًا من واقع الإدارة السلطوية للحكومات المحلية – بناء على تحالف تم تشييده بعد الاستقلال بين المؤسسة الملكية والنخب الريفية لمناوئة قوة النخب المدينية والحزبية.2Rémy Leveau, Le Fellah marocain, défenseur du trône, Paris, Presses de la FNSP, 1985. باستخدام أدوات معقدة (تشمل إرجاء موعد الانتخابات وإعادة ترسيم الخرائط الانتخابية وتدعيم دور السلطات اللامركزية) أدى هذا إلى تهيئة نخب محلية مستأنسة. ووراء الإصلاحات اللامركزية التي تم تدشينها (مثال: الميثاق الجماعي المتعلق بتنظيم الجماعات لعام 1960 والصادر عام 1976)، أشار الباحثون إلى الإدارة المركزية والغاشمة – في أحيان كثيرة – للأراضي المغربية، وتحديداً المدن (في سياق النمو العمراني المتسارع).3Abderrahmane Rachik, Ville et pouvoirs au Maroc, Casablanca, Ed. Afrique-Orient, 1995. وهناك منظور تحليلي ثاني يسلط الضوء على كيف تم عرض واستخدام اللامركزية منذ التسعينيات من قِبل الحكومة المغربية كأداة لتنفيذ "الإصلاحات الديمقراطية". إذ أدى الانفتاح النسبي في المجال السياسي أواخر التسعينيات وفي مطلع الألفية إلى ظهور نخب جديدة بمختلف المجالات (ريادة الأعمال،4Myriam Catusse, Le temps des entrepreneurs ? Politique et transformations du capitalisme au Maroc, Tunis/Paris, IRMC/Maisonneuve et Larose, 2008. العقارات،5Abelghani Abouhani, Pouvoirs, villes et notabilités locales. Quand les notables font les villes, Rabat, INAU/URBAMA, 1999. Aziz El Iraki, Des notables du Makhzen à l'épreuve de la gouvernance : élites locales, territoires, gestion urbaine et développement au Maroc : cas de trois villes moyennes de la région Nord-Ouest, Paris, L'Harmattan, 2003. المجال الحزبي،6Myriam Catusse and Lamia Zaki, « Gestion communale et clientélisme au Maroc : les politiques du Parti de la Justice et du Développement », Critique internationale, 2009/1, n°42. المجتمع المدني،7Mounia Bennani-Chraïbi, Soumis et rebelles, les jeunes au Maroc, Paris, CNRS Ed, 1994. إلخ)، استخدمت قواعدها المحلية في وضع يدها على حقوق و/أو دور سياسي على المستوى المحلي أو الوطني. المنظور التحليلي الثالث يربط اللامركزية بإصلاحات الحكامة ("الجيدة") التي ركزت أكثر على ترشيد الموارد والاستثمار الفعال واحترام قواعد الإدارة، إلخ، من أجل تعزيز التنمية المحلية لا تطوير الديمقراطية التمثيلية.8Myriam Catusse, Raffaele Cattedra, M’Hammed Idrissi Janati, “Decentralization and its paradoxes in Morocco”, in B. Driesken, F. Mermier et H. Wimmen. Cities of the South, Saqi Book, 2007.

مع دخول عام 2011 أصبحت البلديات [الجماعات الترابية] بالمغرب مكلفة أيضاً بجملة عريضة من المهام المتصلة بإعداد وإدارة خدمات أساسية.9من قبيل: توزيع الكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والطرق، والنقل الجماعي بالمدن، وإنارة الشوارع، وإدارة القمامة الصلبة، والتطهير والنظافة، وصيانة الأماكن العامة والحدائق، وإدارة المرور وساحات الانتظار، والأسواق البلدية، ومحطات الحافلات، إلخ. وأظهرت الدراسات كيف تفتقر البلديات إلى السبل المالية والتقنية لتنفيذ مهامها، وكيف ظلت خاضعة لسيطرة السلطات المركزية واللامحورية.10السابق. على أن هناك دراسات أخرى أشارت إلى آثار هذه الإصلاحات على الأحداث المحلية الهامة وعلى الحراكات القائمة. فتطور حراك الريف – وهي حركة احتجاجية وُلدت في شمال المغرب عام 2016 وتركز على مطالب التنمية المحلية والجهوية – يُظهر أن قضية السياسات المحلية واللامركزية تبقى في القلب من الأجندة السياسية في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

تتناول هذه الورقة الإصلاحات القانونية الحديثة (دستور 2011 والقوانين التنظيمية) وتبحث في الترتيبات التقنية والقيمية التي ظهرت من بعد الربيع العربي من أجل تعزيز اللامركزية على مستوى البلديات والجهات معاً. نادراً ما تم اللجوء إلى هذه المقاربة، لكن هذه الترتيبات التقنية التي كثيراً ما يتم تجاهلها هي ثمرة عملية تفاوض، وهي ذات آثار سياسية مباشرة. سوف نثبت أدناه كيف أنه لا تزال هناك – وراء المبتكرات التي جلبها الدستور والقوانين الأساسية لتشجيع الديمقراطية المحلية وضمان المزيد من الحكم الذاتي للحكومات المحلية – عدم يقين في إنفاذ هذه النظم القانونية على الأرض. إذ أنه وبالإضافة إلى عدم توفر الموارد المالية الكافية، وفي غياب إطار عمل واضح ونصوص تنفيذية، تبقى التغييرات القانونية نظرية إلى حد بعيد (رغم صدور نحو 40 قراراً وتعميماً من قِبل المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية من أجل تفعيل الإصلاحات). وعلى النقيض مما ذهبت إليه عدة دراسات اعتبرت اللامحورية (أو اللاتمركز الإداري)11لنقل المسؤوليات والموارد من المستوى القُطري المركزي (بالوزارات بالرباط) إلى المسؤولين المحليين (بالجهات أو على مستوى البلديات). وسيلة لتطبيع الإصلاحات اللامركزية،12انظر على سبيل المثال: Myriam Catusse, Raffaele Cattedra, M’Hammed Idrissi Janati, “Decentralization and its paradoxes in Morocco”, op. Cit. سنبين بأن الإصلاحات اللامركزية المتزامنة مع "الجهوية المتقدمة"، قادرة على تحسين نطاق وآثار الإصلاحات اللامركزية في المغرب.

تحسين دور البلديات: أوجه انعدام اليقين الباقية في تنفيذ التغييرات القانونية الجديدة

التركيز على تعزيز الديمقراطية المحلية

إن القانون التنظيمي عدد 113-14 المؤرخ في يوليو/تموز 2015 ينص على جملة من التدابير المبتكرة لتعزيز الديمقراطية المحلية. على الرغم من أن سلطات المجلس البلدي تكاد تكون لم تتغير تغيراً يُذكر، فإن مهامها المؤسسية تشمل ترتيبات جديدة وذات آثار تحويلية. على سبيل المثال، أصبح التصويت العلني هو القاعدة في كافة القرارات الصادرة عن المجلس البلدي [أو "مجلس الجماعة" في نص القانون] (مادة 6)، بما يشمل انتخاب رئيس المجلس ونوابه الذين كانوا يُنتخبون سابقاً بالاقتراع السري. كما زاد الإقرار بدور الأحزاب السياسية تشجيعاً على العمل الجماعي، بدلاً من اللجوء إلى المبادرات المتفرقة. على سبيل المثال، للترشح لمنصب رئيس مجلس الجماعة/المجلس البلدي،13في البلديات التي ينتخب أعضاء مجلسها عن طريق نظام القائمة الحزبية. على الراغب في الترشح أن يكون على رأس قائمته الحزبية وأن يصدق عليه الحزب (شريطة أن يكون الحزب من بين الأحزاب الحاصلة على المراتب الخمس الأولى بناء على مجموع المقاعد المحصل عليها في المجلس) (مادة 11).

كما يكفل الدستور الجديد الشفافية ومشاركة المواطنين كمبادئ أساسية للحكامة الجيدة (الفصل 1). وتنص المادة 269 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات/البلديات على مبادئ طموحة للحكامة الجيدة، مثل المساواة بين المواطنين في ولوج المرافق العمومية التابعة للجماعة، من بين جملة مبادئ أخرى. كما أنه مطلوب من المجالس البلدية/الجماعات تهيئة ترتيبات تشاركية لتحسين الحوار والمشاورات مع المواطنين ومنظمات المجتمع المدني (الباب الخامس من القسم الثالث من القانون التنظيمي)، لا سيما في التخطيط الاستراتيجي وتخطيط عمليات الاستثمار (مثال: تعريف وتنفيذ وتقييم برامج عمل البلدية التي تُعد كل 6 سنوات، المادة 119). وعلى وجه التحديد، يطالب القانون التنظيمي أيضاً بتوخي "مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع" في كل بلدية من البلديات. لكن لأن قواعد العمل وتكوين الهيئات الاستشارية لتمثيل المجتمع المدني هي أمور يجب تعريفها في نطاق قواعد عمل كل بلدية (المادة 120) فقد أدى هذا إلى عدم تماسك أو تناغم الممارسات. ويمكن أن يكون إعداد دليل إجرائي مؤخراً بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف.

وعلى الجانب العملي، فإن القانون 113-14 ينص على سلسلة من القواعد الأصلية الهادفة إلى ضمان الإدارة السليمة والفعالة للشؤون البلدية. على سبيل المثال فإن المادتان 273 و275 تطالبان رئيس المجلس البلدي/مجلس الجماعة بإتاحة مداولات المجلس علناً وكذلك الوثائق الخاصة بالميزانية والحسابات. فضلاً عن المذكور، أصبح بموجب القانون من الضروري نشر القوائم المحاسبية والمالية الختامية في الجريدة الرسمية للجماعات الترابية [البلديات] (المادة 277). وتتيح المادة 274 إمكانية عمل التدقيق المالي على الإدارة البلدية وهيئاتها. لكن المواد المذكورة أعلاه يكاد لم يبدأ تنفيذها بعد على الإطلاق، فما زالت البلديات لا تعلن عن معلوماتها المالية والمحاسبية. وبالنسبة إلى الجريدة الرسمية للجماعات الترابية – التي تأسست في 1997 – فهي تخضع حالياً لعملية تحديث (وهو الأمر الذي لم يحدث منذ 2009). لكن من الجدير بالذكر أن هناك عدة مبادرات جارية برعاية المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، منها تقديم محفزات مالية (منح استثمار) لتشجيع صنّاع القرار بالجماعات المحلية/البلديات على الالتزام بهذه النصوص القانونية (برنامج تجريبي يجري التحضير له حالياً، بدعم مالي وتقني من البنك الدولي والهيئة الفرنسية للتنمية).

 استمرار السيطرة الإدارية القوية رغم انتهاء "الوصاية"

إضافة إلى نصوص القانون هذه التي تعزز الديمقراطية المحلية وفقاً لمبدأ "التدبير [الإداري] الحر" للحكومات المحلية، المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور الجديد، فإن مفهوم “tutelle” (ومعناه الحر في "الوصاية") المكفول للسلطات الإدارية بوزارة الداخلية قد اختفى.14قوة "الوصاية" الممنوحة للسلطة الإدارية بموجب الميثاق الجماعي لعام 2009 كانت "تهدف إلى السهر على تطبيق المجلس الجماعي وجهازه التنفيذي للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل وكذا ضمان حماية الصالح العام وتأمين دعم ومساعدة الإدارة" (المادة 68). وعلى الرغم من هذا النصّ الجديد، الذي يعكس تحولاً مهماً في فهم العلاقات بين المؤسسات اللامركزية والسلطات المركزية/اللامحورية، فإن التغيرات على الأرض لا تزال محدودة. فالمداولات الأساسية للمجلس الجماعي [البلدي] التي كانت في السابق "يوافق" عليها  الحاكم (الوالي أوالعامل) (وهو أعلى ممثل للحكومة المركزية على المستوى الجهوي/البلدي ويعينه الملك) أو توافق عليها المديرية (الفصل 69 من ميثاق 2009 الجماعي) ولكي تصبح الآن قابلة للتنفيذ، فهي لا تصبح كذلك "إلا" بعد التأشير عليها من قبل عامل العمالة أو الإقليم، وأغلب هذه القرارات تصبح نافذة بعد انتهاء مهلة 20 يوماً (المادة 118 من قانون 113-14 التنظيمي). لكن من حيث الممارسة لا يزال بإمكان الحُكام رفض التأشير (أو تقديم تأشيرة متأخرة) وتبقى البلديات مترددة للغاية في تفعيل القرارات الأساسية إلا بعد تحصيل الموافقة الرسمية من الحاكم/وزارة الداخلية. وفي حين أصبح للبلديات مسؤوليات قانونية أكثر (من حيث القانون) فما زالت السيطرة من قبل الحكومة المركزية وممثليها بعيدة كل البعد عن الاختفاء، من حيث الممارسة.

بموجب منطق اللامحورية [أو اللاتمركز الإداري] (انظر القسم الثاني من هذا المقال)، فإن الحاكم يعتبر الآن وأكثر من أي وقت سابق، المسؤول الأساسي عن أعمال البلديات. فهو يمارس السيطرة على "شرعية" القرارات الخاصة برئيس المجلس البلدي ومداولات المجلس، لكن المحكمة الإدارية أصبح لها ولايات أكبر، وأي خلاف حول قانونية مقررات مجلس الجماعة أو طعن للمطالبة بعدم مشروعية أي مقررات (المادة 115 من قانون 113-14) يجب أن يبت فيه القاضي. ويعتبر القاضي مختصاً بالنظر في سحب عضوية أعضاء المجلس أو حل المجلس. هذا التعزيز لدور القاضي لا يعني أنه سيتدخل أكثر مما كان يتدخل سابقاً، إذ أن التجربة العملية أظهرت أن المشكلات لا زالت تُسوى في أغلب الأحوال من خلال الحاكم، وليس المحكمة الإدارية.

إعادة تعريف اختصاصات البلديات [الجماعات الترابية]: أوجه انعدام اليقين الباقية

لقد تم عرض الدستور الجديد والقانون التنظيمي المتعلق بالبلديات بصفتهما إصلاحات زادت من اختصاصات الحكومات المحلية، ومن ثم عززت من قدرتها على الحكم الذاتي. في حين يسري هذا بوضوح على الجهات (انظر القسم الثاني من المقال)، فيبدو أنه لا يسري بنفس القوة على مستوى البلديات، التي كانت حاصلة بالفعل في ظل موجة إصلاحات سابقة على مسؤوليات مهمة.

لقد ميّز دستور 2011 في الفصل 140 بين "اختصاصات ذاتية" للجماعات الترابية [أي الحكومات المحلية] واختصاصات منقولة إليها من الدولة، واختصاصات "مشتركة" مع الدولة. ويستعرض القسم الثاني من قانون 113-14 التنظيمي تفصيلاً الاختصاصات البلدية بموجب التقسيم المذكور ذاته (باستثناء أنه ينص على الاختصاصات "المنقولة" بصفتها نُقلت، في تباين مع الاختصاصات "المنقولة" بصفتها قابلة للنقل، كما ورد في الدستور). على أن الامتدادات المتصلة بالاختصاصات الذاتية للبلديات قليلة للغاية وليست مهمة لاضطلاعها بأعمالها. على سبيل المثال، أصبحت البلديات الآن مسؤولة عن "العنونة" (أي تهيئة وتحديث نظام متماسك ومتكامل للعناوين يسمح بتحسين عملية جمع الضرائب، إلخ – بينما أغلب الضرائب المحلية تتولى جمعها الحكومة المركزية) (المادة 85). كما أصبحت البلديات مسؤولة عن تنفيذ خطة التعمير وخطة التنمية الريفية، المتصلة بفتح مناطق عمرانية جديدة، وإن كان فتح وتعريف هذه المناطق لا تتولاه البلديات.

ويُعرّف القانون عدد 113-4 مجالين للاختصاصات المنقولة: (أ) حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية؛ (ب) إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة (المادة 90 من القانون التنظيمي). هذه المهام ليست صغيرة، لكن لا يتوفر الوضوح فيما يخص متى وكيف سيحدث نقل هذه الاختصاصات إذ أن القانون التنظيمي في حد ذاته يجب تعديله لتأكيد وجود "الاختصاصات الذاتية" الجديدة بعد نقلها. كما ورد في المادة 91 من القانون، "يكون تحويل الاختصاصات المنقولة إلى اختصاصات ذاتية للجماعة أو الجماعات المعنية بموجب تعديل هذا القانون التنظيمي"، ما يعني أن الاختصاصات "المنقولة" [بمعنى كونها قابلة للنقل أو سوف تُنقل] تبقى إلى الآن في حقيقة الأمر "منقولة" لم تنتقل بعض إلى وضعية كونها اختصاصات "ذاتية".

ثم إن مفهوم الاختصاصات المشتركة الوارد في الدستور (الفصل 140) ورد أيضاً في القانون التنظيمي عدد 113-14 (الباب الثالث من القسم الثاني). ويحدد ذلك النص أن يتم تنفيذ الاختصاصات المشتركة بالمشاركة مع الحكومة المركزية على أساس تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة [البلدية] (المادتان 88 و89). هذه الاختصاصات إذن ليست مسؤولية البلديات وحدها. وتستعرض المادة 87 من القانون 113-14 تفصيلاً المهام التي تدخل في نطاق الاختصاصات المشتركة بين الحكومة المركزية والبلديات. هذه القائمة المهمة مشتقة من 3 مجالات اختصاص: التنمية الاقتصادية المحلية وإنعاش الشغل [فرص العمل]، والمحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته، والقيام بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة. ومن المثير للاهتمام أن الكثير من المهام المذكورة في قائمة الاختصاصات "المشتركة" في القانون 113-14، وردت ضمن الاختصاصات الذاتية في الميثاق الجماعي المنقح لعام 2009 (وكانت فيما سبق قابلة للإحداث والتنفيذ بمسؤولية منفردة من البلديات). هذا هو الحاصل مثلاً في حالة إنشاء مقار للأنشطة الاجتماعية-الثقافية والمنشآت الرياضية والترفيهية (مثل مراكز الشباب والمرأة ومرافق رعاية الأطفال، إلخ).15يبدو أن البلديات لن يُطلب منها الإسهام في صيانة وتدبير/إدارة هذه المرافق، إذ أن المادة 87 من القانون التنظيمي لا تنص على هذا (على النقيض من المادة 39 من الميثاق الجماعي لعام 2009 التي ذكرت أن المجالس الجماعية [البلدية] "تقرر... إحداث وتدبير المرافق الاجتماعية الثقافية والرياضية").

وهناك مثال آخر، أنه بينما بناء وصيانة المدارس الابتدائية والمستوصفات كان من الاختصاصات المنقولة في الميثاق الجماعي لعام 2009 (المادة 43)، فقد اعتبرت هذه المهام اختصاصات مشتركة في القانون التنظيمي رقم 113-14. لا يوجد بعد وضوح فيما يخص المعايير الموضوعية للتشارك في التمويل، ولا ما يتعلق بنوعية العقود (نماذج العقود بحسب نوع البلدية و/أو نوع الاستثمار، إلخ). وبالتالي، فقد يعيق هذا من المبادرات البلدية، ومن تعريف السياسات المحلية. كما أن الحاجة إلى إحداث قنوات مؤسسية شفافة لتنفيذ هذه الاختصاصات المشتركة يبدو تحدٍ رئيسي؛ ليس فقط على مستوى البلديات، إنما على المستوى الجهوي أيضاً. إذن يعتمد تأثير هذه التغييرات على الأرض على قدرة وزارة الداخلية فيما يخص توضيح "قواعد اللعبة" الجديدة، سواء من حيث الحكم الذاتي أو مسؤوليات البلديات. وهناك قضية حكم أخرى تتصل بزيادة الدور الجهوي، كحكومات محلية وكمستويات لامركزية من مستويات صنع القرار.

الجهوية المتقدمة: الحاجة إلى عملية مشتركة تجمع بين اللامركزية واللامحورية

الجهة: مستوى جديد للحكم المحلي بصلاحيات أساسية

تم عرض مبدأ "الجهوية المتقدمة" كإصلاح دستوري رئيسي في عام 2011، ولقد وجّه هذا المبدأ إصلاحات مهمة تخص اللامركزية. بالمغرب الآن 12 جهة (وكانت 16 جهة قبل الإصلاحات) لها صفة الهيئات القانونية المستقلة التي يحكمها القانون العام. يجري الآن انتخاب مجالسها التنفيذية بالاقتراع العام المباشر (الفصل 135 من الدستور، مادة 9 من القانون التنظيمي 111-14 المتعلق بالجهات)، ما يعني تحسين شرعية ممثلي المجالس وخضوعهم للمساءلة أمام المواطنين، عبر نفس آليات الرصد الشاملة والمراعية للجميع المستخدمة على مستوى البلديات. وفي حين أن الوالي – أعلى ممثل للحكومة المركزية على المستوى الجهوي – كانت له سلطة تنفيذية على قرارات المجلس الجهوي، فإن هذه الصلاحية قد نُقلت إلى رئيس المجلس الجهوي.

وقد عهد إلى الجهات بصلاحيات جديدة وكبيرة تخصها، منها صلاحياتها الخاصة في مجالين استراتيجيين: (أ) التنمية الاقتصادية الجهوية (على سبيل المثال من خلال إحداث المناطق الاقتصادية)؛ (ب) تخطيط استخدام الأراضي على المستوى الجهوي (عبر إحداث خطط تعمير جهوية [التصميم الجهوي لإعداد التراب]) وبرامج التنمية الجهوية. كما أنها مكلفة نظرياً بالتكوين المهني والنقل الطرقي الحضري.

ومثل الجماعات [البلديات]، فإن الجهات بدورها مكلفة باختصاصات طموحة تتشارك فيها مع الحكومة المركزية. وأغلب هذه الصلاحيات لا تزال فضفاضة/مبهمة التعريف (مثال: "التنمية المندمجة والمستدامة"، "الشغل" [إنعاش الشغل/فرص العمل]، "إنعاش السكن الاجتماعي"؛ "إعادة الاعتبار للمدن والأنسجة العتيقة"). وبناء على مبدأ "التفريع" فإن القانون 111-14 بدوره يُعرف مجالات الاختصاصات "المنقولة" من الحكومة إلى الجهة، والتي تستتبع، إلى جانب البنية التحتية الجهوية والمرافق الجهوية: الصناعة والصحة والأعمال والثقافة والرياضة والتعليم والطاقة والمياه والبيئة (المادة 94). وباتباع نفس المنطق المتبع في حالة الجماعات/البلديات، فإن هذه الصلاحيات المنقولة [الواجب نقلها] الكبيرة لا يمكن أن يتم تفعيلها (أي أن تتحول إلى صلاحيات ذاتية للجهات) إلا عبر تعديل القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، وهو ما يعرقل إلى حد بعيد من تفعيل توسيع رقعة "الصلاحيات المنقولة [أي تم نقلها]".

وعلى النقيض من البلديات، فإن الجهات قد مُنحت مصادر كبيرة للتمويل لاستيفاء مهامها الجديدة.16الحق أن مستوى التمويل للحكومات المحلية المغربية الآن أعلى من دول المنطقة الأخرى (3.5% من إجمالي الناتج المحلي مقابل 1% في تونس) وجزء كبير من السبب يعود إلى الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل زيادة الصلاحيات الحكومية المنقولة لمستويات الحكم الأدنى (بالأساس عبر تخصيص 30% من عوائد ضريبة القيمة المضافة للبلديات). ورغم هذه المنجزات، فإن ميزانيات البلديات/الجماعات الترابية ما زالت بعيدة عن تغطية الاحتياجات الكبيرة والمتصاعدة المتصلة بتسليم خدمات البنية التحتية البلدية والمعدات والخدمات الأخرى، التي تُقدر بموجب دراسة حديثة بـ 22 مليار دينار مغربي سنوياً للفترة 2017-2027 (انظر: Etude d’évaluation des besoins en investissements des communes urbaines au Maroc دراسة من إعداد البنك الدولي لصالح المديرية العامة للجماعات المحلية، في 2007، حُدثت في 2017). فهي تستفيد من التحويلات المالية الجديدة؛ إذ خُصص لها 5% من ضرائب الأفراد والشركات على الدخل، و20% من ضرائب التأمين، ومتوقع زيادة هذه النسبة على مدار السنوات الخمس المقبلة، وهو ما سوف يسمح لها بتحصيل 10 مليارات دينار مغربي (أي نحو 10 ملايين دولار) بحلول عام 2021. وعلى الرغم من اعتماد هذه الإصلاحات المهمة، فهناك إرجاءات وتأخيرات كبيرة في تفعيلها. على سبيل المثال، فإن اعتماد 12 خطة تنمية جهوية هو عمل لم يتم الانتهاء منه إلا بنهاية 2018 (رغم وجود نقص كبير في المعلومات حول هذه الخطط النهائية). وطرأت تأخيرات أيضاً في نشر الموارد البشرية، لا سيما في الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع (AREPs) التي يُفترض أن تكون "ذراعاً تنفيذية" للمجالس الجهوية. وعلى الرغم من تعيين مدراء الوكالات، فإن عدد قليل من العاملين هو الذي تم استقدامه للعمل إلى الآن. ونظراً للطبيعة الطموحة للإصلاحات المعنية، فإن تفعيل هذه الوكالات قد يستغرق بعض الوقت، وخصوصاً نظراً لأن هذه العملية من المقرر لها أن تقترن بخطة إصلاحات لامحورية طموحة أيضاً. وبغض النظر عن عملية اللامركزية هذه، فقد تأكدت الجهات كمستوى رئيسي من مستويات صناعة القرار المجاورة لمستوى الدولة المركزية.

 "الجهوية التقدمية": الجوانب الأساسية للإصلاح الخاص باللامحورية

منذ عام 2011 أصبحت عملية اللامحورية (أي عملية تفويض السلطات من مؤسسات الدولة المركزية إلى سائر أنحاء التراب الوطني للسماح باتخاذ القرارات على المستوى الجهوي/المحلي: اللامركزة الإدارية) أقرب إلى المواطنين، وقد وصفها الملك محمد السادس بأنها أولوية وطنية، وتم عرضها على أعلى مستوى سياسي بصفتها أولوية متصلة اتصالاً أصيلاً بـ "الجهوية التقدمية" واللامركزية. طبقاً للفصل 145 من الدستور، فإن الولاة (على مستوى الجهات) والعمال (على مستوى الأقاليم والعمالات) والحكومة المركزية، تُناط بهم عملية تنسيق الأنشطة الخاصة بالخدمات العامة اللامحورية. الولاة والعمال [الحكام على مستوى الأقاليم والعمالات] يعملون على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها. كما يقدمون الدعم لرؤساء الحكومات المحلية [الجماعات الترابية] وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، لتنفيذ المخططات والبرامج التنموية. وتحت سلطة الوزراء المعنيين، يقومون بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة [اللامحورية] للإدارة المركزية.

أكد الملك في كلمته أمام البرلمان بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2017 على أنه طالب "بإخراج ميثاق متقدم للاتمركز الإداري (...) الذي طالما دعونا إلى اعتماده وتحديد برنامج زمني دقيق لتطبيقه". ولقد صدر قرار بالميثاق الخاص باللاتمركز الإداري واعتمدته الحكومة في مطلع 2019. إن تردد بعض الهيئات المركزية الحكومية في تفويض بعض سلطاتها ومواردها المالية للولاة والعمال قد يفسر التأخيرات التي شهدتها عملية صوغ الإصلاحات، إذ أنه وقبل هذه الإصلاحات كانت النظم والآليات اللامحورية المغربية الخاصة بتشارك ميزانية الدولة، غير مكتملة أو متطورة بشكل جيد بعد.

وعلى الرغم من أن التشريع القائم يسمح للإدارات المركزية بتفويض إدارة الموارد الوزارية للسلطات اللامحورية، فإن الولاة والعمال أتيح لهم قدر محدود من النفوذ على استخدام التمويلات اللامحورية، باستثناء التمويلات المرتبطة برئيس الوزراء.17انظر: « La discordance entre "le temps" de la décentralisation et "le temps" de la déconcentration chez le gouverneur marocain », Hicham Berjaoui, Village de la Justice, November 5, 2018.  وهناك عامل آخر يفسر التأخيرات التي حصلت على المستوى الحكومي فيما يخص تنفيذ الإصلاحات ذات الصلة بالسياسات الحزبية، إذ أن أغلب الجهات (7 من 12 جهة) تحت سيطرة المعارضة انظر: PAM and Istiqlal وTafra, op. cit.. من المُرجح أن يتغير هذا الوضع مع تنفيذ ميثاق اللاتمركز الإداري الجديد الذي يهدف إلى ضمان إعادة تنظيم الخدمات الإدارية على مستوى الجهات والعمالات، عن طريق تمكين الخدمات اللامحورية [اللامتمركزة] وفرض القواعد الخاصة بتعريف المهام المفوضة لهذه المستويات، بما يشمل مواصفات الموارد البشرية والمالية اللازمة. وتحقيقاً لهذا الهدف، فإن على كل وزارة من الوزارات إعداد خطة رئيسية للاتمركز تُنفذ على ثلاث سنوات، تُعرّف: (أ) الاختصاصات التي سيتم نقلها إلى المصالح اللاممركزة للدولة؛ (ب) الموارد البشرية والمادية لتمكين المصالح اللاممركزة للدولة من ممارسة الاختصاصات الموكولة إليها؛ (ت) الأهداف المراد تحقيقها من قبل المصالح اللاممركزة للدولة، ومؤشرات قياس نجاعة أدائها في تحقيق هذه الأهداف؛ و(ث) البرمجة الزمنية المتعلقة بتنفيذ مضمون التصاميم المديرية (المادة 20 من مسودة المرسوم).18مواد المرسوم لا تسري على القطاعات التالية: القضاء، الشؤون الإسلامية، الدفاع الوطني، إدارات الأمن الداخلي والقطاعات الأخرى التي لا تتوفر على مصالح لاممركزة (المادة 46).

ينص الميثاق على مبدأين تنظيميين في مادته الخامسة: (أ) الجهة باعتبارها "الفضاء الترابي الملائم" لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم الإداري للمملكة؛ (ب) الدور "المحوري" لوالي الجهة، باعتباره ممثلاً للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة وفي تنفيذ السياسة الإدارية اللاممركزة على المستوى الجهوي. ومن المقرر إنفاذ الأجندة الإصلاحية المنصوص عليها في الميثاق في ظرف 3 سنوات من بدء نفاذ المرسوم.

المصالح الإدارية اللاممركزة مسؤولة عن تنفيذ البرامج والمشاريع المشمولة بالسياسات العامة، طبقاً لأهداف وتدابير وآجال زمنية محددة، وتحت إشراف الوالي أو العامل للجهة أو الجماعة الترابية المعنية. وتخضع البرامج والمشاريع المذكورة أعلاه للاتفاقات أو العقود بين الأطراف المعنية، على أن تحدد تلك الاتفاقات والعقود الارتباطات المشتركة للأطراف، وتُقدم إلى اللجنة الجهوية للتنسيق أو اللجنة التقنية (المادة 23).

وبالنسبة إلى والي الجهة أو عامل الوحدة المحلية المعنية، فهو مسؤول – تحت إشراف المصلحة الحكومية المعنية – عن تنفيذ الخدمات العامة اللاممركزة. وفي سياق تنفيذه لهذه المسؤوليات، تساعد الوالي لجنة تنسيق جهوية تسانده في عملية التنسيق وتشرف على حسن سير الأنشطة الخاصة بالخدمات اللاممركزة19تتكون اللجنة من عمال الجهة، ومن الكاتب العام للشؤون الجهوية، ومن رئيس مركز الاستثمار الجهوي (مادة 31). (المادة 30). وتحقيقاً لهذا الهدف، يمكنه اتخاذ التدابير اللازمة إزاء الخدمات اللاممركزة، بما يضمن تنفيذ التزاماتهم وضمان تحضير وتنفيذ المشروعات والبرامج المقررة من قِبل السلطات العامة (بما يشمل إبرام الاتفاقات) (المادة 26). ومن أجل تحسين أداء الخدمات الإدارية اللاممركزة، فإن الولاة والعمال يمكنهم أيضاً أن يقترحوا على السلطات الحكومية المعنية تدابير قانونية أو مالية أو إدارية أو تقنية أو بيئية، تندرج ضمن اختصاصاتهم (المادة 28).

ويؤكد الميثاق كذلك على حاجة المصالح الإدارية اللاممركزة لأن توفر جميع أنواع الدعم للجماعات الترابية وأن تضع أسس الشراكات الفعالة في مختلف المجالات، من خلال إبرام الاتفاقات/العقود نيابة عن الدولة على أساس تفويض خاص بذلك. ويجب أن تسهم المصالح اللاممركزة أيضاً في تطوير قدرات الجماعات الترابية. وهي مسؤولة عن دعم وضمان تنسيق الأعمال مع مراكز الاستثمار الجهوية (المادة 36). من ثم، فإن لدى السلطات اللاممركزة ولايات كبيرة ودور غير قليل في مساعدة أعمال الجماعات الترابية اللامركزية والإشراف عليها.

الخاتمة: تفعيل الإصلاحات اللامركزية بالاستعانة باللامحورية "المتقدمة"؟

على الرغم من أن الإصلاحات الدستورية، من قبيل القانون التنظيمي الخاص بالجماعات الترابية، والمبادئ الدستورية مثل الجهوية المتقدمة، يجب أن تؤدي إلى تعريف هيكلي لتوازن السلطات بين المستويات المركزية والمحلية لصناعة القرار (عن طريق عمليات اللامحورية واللامركزية معاً)، فلقد رأينا أنها لم تغير بشكل جذري من اختصاصات وقدرات الجماعات الترابية [البلديات]. كما أن هناك عناصر مهمة في التحليل تُشير لأن التغيرات القائمة لا تصب بالضبط في صالح الحكم الذاتي على المستوى المحلي، في حين أن التحدي القائم في هذه المرحلة ما زال هو التنفيذ الفعلي للإصلاحات المتصلة بالجهات والبلديات. ويبدو أن تفعيل هذه التدابير اللامركزية عميق الصلة بتدابير الإصلاحات اللامحورية.

إن التفويض التقدمي للسلطات من قبل الحكومة المركزية للجماعات الترابية، من خلال الوزارات المختلفة، وتنامي دور الولاة في تنسيق مختلف مهام تمثيل الدولة المركزية على المستوى الجهوي، وتنظيم العمليات التعاونية الجديدة بين ممثلي المستوى الجهوي/المحلي، قد تكون عناصر أساسية في التغيير وعوامل مهمة لإضفاء طابع "محلي/ترابي" على السياسات العامة. الحق أن من الواجب التشجيع على إحداث وتطوير سياسات متكاملة تراعي الخصوصيات الجهوية والمحلية المختلفة من خلال إبرام اتفاقات بين مختلف أنواع ومستويات الفاعلين العموميين (بين الجهات والبلديات، أو بين الجهات المختلفة، وبين البلديات والحكومة المركزية). عملية التعاقد هذه من شأنها أن تشجع الأطراف المعنية على المستوى المحلي على تطوير والدفاع عن مشاريعهم وجعلها متسقة مع بعضها البعض. وإلى الآن، لا يزال تنفيذ المراسيم والقوانين صامتاً حول هذه النقطة، ويبدو أن وضع إطار عمل واضح لعملية التعاقد هذه هو تحدٍ رئيسي لمستقبل اللامركزية واللامحورية في المغرب.

إن القانون التنظيمي الخاص بالبلديات لم يتناول مسألة نقص الموارد المالية الخاصة بالبلديات. لكن الإصلاحات المنشودة من المفترض أن تناقش في إطار المؤتمر الضريبي الذي عُقد في 2 و3 مايو/أيار 2019. إن تطور الإصلاحات اللامركزية وثيق الارتباط بهذا التحدي الرئيسي، وبتعريف الترتيبات المالية الأكثر فعالية لصالح البلديات بالمناطق الحضرية، وهي المصالح العامة التي تحتاج إلى تطوير الموارد الخاصة بها. ويعتبر تعريف وتحديد الموارد الخاصة بتمويل تطوير الترتيبات القائمة بين البلديات تحدي رئيسي آخر على مسار الوصول إلى اللامركزية الفعالة في المغرب.

Endnotes

Endnotes
1 إضافة إلى سياق الربيع العربي، فإن التركيز على "الجهوية المتقدمة" والتنمية الاقتصادية الجهوية يمكن رؤيته أيضاً كحل للاعتبارات الجيوسياسية القائمة (فضلاً عن الضغوط السياسية الداخلية) المتصلة بمسألة الصحراء.
2 Rémy Leveau, Le Fellah marocain, défenseur du trône, Paris, Presses de la FNSP, 1985.
3 Abderrahmane Rachik, Ville et pouvoirs au Maroc, Casablanca, Ed. Afrique-Orient, 1995.
4 Myriam Catusse, Le temps des entrepreneurs ? Politique et transformations du capitalisme au Maroc, Tunis/Paris, IRMC/Maisonneuve et Larose, 2008.
5 Abelghani Abouhani, Pouvoirs, villes et notabilités locales. Quand les notables font les villes, Rabat, INAU/URBAMA, 1999. Aziz El Iraki, Des notables du Makhzen à l'épreuve de la gouvernance : élites locales, territoires, gestion urbaine et développement au Maroc : cas de trois villes moyennes de la région Nord-Ouest, Paris, L'Harmattan, 2003.
6 Myriam Catusse and Lamia Zaki, « Gestion communale et clientélisme au Maroc : les politiques du Parti de la Justice et du Développement », Critique internationale, 2009/1, n°42.
7 Mounia Bennani-Chraïbi, Soumis et rebelles, les jeunes au Maroc, Paris, CNRS Ed, 1994.
8 Myriam Catusse, Raffaele Cattedra, M’Hammed Idrissi Janati, “Decentralization and its paradoxes in Morocco”, in B. Driesken, F. Mermier et H. Wimmen. Cities of the South, Saqi Book, 2007.
9 من قبيل: توزيع الكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والطرق، والنقل الجماعي بالمدن، وإنارة الشوارع، وإدارة القمامة الصلبة، والتطهير والنظافة، وصيانة الأماكن العامة والحدائق، وإدارة المرور وساحات الانتظار، والأسواق البلدية، ومحطات الحافلات، إلخ.
10 السابق.
11 لنقل المسؤوليات والموارد من المستوى القُطري المركزي (بالوزارات بالرباط) إلى المسؤولين المحليين (بالجهات أو على مستوى البلديات).
12 انظر على سبيل المثال: Myriam Catusse, Raffaele Cattedra, M’Hammed Idrissi Janati, “Decentralization and its paradoxes in Morocco”, op. Cit.
13 في البلديات التي ينتخب أعضاء مجلسها عن طريق نظام القائمة الحزبية.
14 قوة "الوصاية" الممنوحة للسلطة الإدارية بموجب الميثاق الجماعي لعام 2009 كانت "تهدف إلى السهر على تطبيق المجلس الجماعي وجهازه التنفيذي للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل وكذا ضمان حماية الصالح العام وتأمين دعم ومساعدة الإدارة" (المادة 68).
15 يبدو أن البلديات لن يُطلب منها الإسهام في صيانة وتدبير/إدارة هذه المرافق، إذ أن المادة 87 من القانون التنظيمي لا تنص على هذا (على النقيض من المادة 39 من الميثاق الجماعي لعام 2009 التي ذكرت أن المجالس الجماعية [البلدية] "تقرر... إحداث وتدبير المرافق الاجتماعية الثقافية والرياضية").
16 الحق أن مستوى التمويل للحكومات المحلية المغربية الآن أعلى من دول المنطقة الأخرى (3.5% من إجمالي الناتج المحلي مقابل 1% في تونس) وجزء كبير من السبب يعود إلى الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل زيادة الصلاحيات الحكومية المنقولة لمستويات الحكم الأدنى (بالأساس عبر تخصيص 30% من عوائد ضريبة القيمة المضافة للبلديات). ورغم هذه المنجزات، فإن ميزانيات البلديات/الجماعات الترابية ما زالت بعيدة عن تغطية الاحتياجات الكبيرة والمتصاعدة المتصلة بتسليم خدمات البنية التحتية البلدية والمعدات والخدمات الأخرى، التي تُقدر بموجب دراسة حديثة بـ 22 مليار دينار مغربي سنوياً للفترة 2017-2027 (انظر: Etude d’évaluation des besoins en investissements des communes urbaines au Maroc دراسة من إعداد البنك الدولي لصالح المديرية العامة للجماعات المحلية، في 2007، حُدثت في 2017).
17 انظر: « La discordance entre "le temps" de la décentralisation et "le temps" de la déconcentration chez le gouverneur marocain », Hicham Berjaoui, Village de la Justice, November 5, 2018.  وهناك عامل آخر يفسر التأخيرات التي حصلت على المستوى الحكومي فيما يخص تنفيذ الإصلاحات ذات الصلة بالسياسات الحزبية، إذ أن أغلب الجهات (7 من 12 جهة) تحت سيطرة المعارضة انظر: PAM and Istiqlal وTafra, op. cit..
18 مواد المرسوم لا تسري على القطاعات التالية: القضاء، الشؤون الإسلامية، الدفاع الوطني، إدارات الأمن الداخلي والقطاعات الأخرى التي لا تتوفر على مصالح لاممركزة (المادة 46).
19 تتكون اللجنة من عمال الجهة، ومن الكاتب العام للشؤون الجهوية، ومن رئيس مركز الاستثمار الجهوي (مادة 31).

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.