الشتات اللبناني والانتخابات المقبلة: ما هي الدروس المستفادة من الانتخابات النيابية لعام 2018؟

(بيروت، 2 أيار/مايو 2022) - من المقرر أن تبدأ الانتخابات النيابية لعام 2022 في لبنان بتصويت المغتربين الذين سيدلون بأصواتهم إما يوم السادس أو الثامن من أيار/مايو حسب البلد الذي يقيمون فيه. وسيكون ذلك أول اختبار انتخابي على المستوى الوطني منذ الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وانفجار بيروت في آب/أغسطس 2020. وقد نجحت الجهود الواسعة لتشجيع الشتات على التصويت، بقيادة الناشطين اللبنانيين في جميع أنحاء العالم، في إدراج ما يفوق عن 225,624 لبناني على قائمة الناخبين خارج البلاد - بزيادة ثلاثة أضعاف تقريباً عن الانتخابات الأخيرة عام 2018.

يبحث تقرير مشترك جديد صادر عن "مبادرة الإصلاح العربي" ومركز "مبادرة سياسات الغد" في خيارات الشتات اللبناني خلال الانتخابات النيابية لعام 2018 - وهي المرة الأولى التي سُمح فيها بالتصويت خارج البلاد - من أجل تقديم بعض الأفكار والآراء حول التأثير المحتمل لتصويت الشتات في الانتخابات المقبلة.

قال نديم حوري، المدير التنفيذي في "مبادرة الإصلاح العربي"، "ثمة أمل كبير في أن يساعد الشتات في الحد من تمثيل الأحزاب السياسية الطائفية القائمة من خلال عدم التصويت لهم". مضيفاً، "بيد أنه لا يُعرف سوى القليل عن التفضيلات السياسية لهذا الشتات ويسعى التقرير إلى توفير مُنطلَق للمشاركة في محادثة أكثر وعياً وعلى قدر أكبر من المعرفة".

النتائج الرئيسية التي خَلَص إليها التقرير:

-        في عام 2018، لم يكن للناخبين اللبنانيين خارج البلاد دور حاسم في تحديد النواب الذين نجحوا في الانتخابات النيابية وذلك يُعزى إلى سببين رئيسيين: (i) لم يمثل الناخبون من خارج البلد سوى 3% من اللبنانيين الذين شاركوا في الانتخابات (أقل من 50 ألف منهم أدلوا بأصواتهم في الانتخابات)، (ii) صوّت الشتات في معظمه لصالح الأحزاب السياسية الطائفية القائمة.

-        اختار 6% فقط من الناخبين من خارج البلاد عام 2018 مرشحين على قوائم المعارضة (أقل من 3 آلاف ناخب)، في حين اختار 94% الباقون مرشحين من الأحزاب السياسية التقليدية، على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين خيارات الشتات والناخبين داخل البلاد.

-        يختلف سلوك الشتات اللبناني اختلافاً كبيراً من بلد لآخر، ويُعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى السياقات المختلفة لموجات الهجرة وكذلك التكوين الطائفي لمجتمعات معينة من الشتات. ومن بين الدول الرئيسية التي تم تسجيل الناخبين فيها، دعم الناخبون في كندا وأستراليا والولايات المتحدة وفرنسا والإمارات العربية المتحدة في الغالب حزب "القوات اللبنانية" وحزب "التيار الوطني الحر"، بينما حصلت "حركة أمل" و"حزب الله" على معظم الأصوات في ألمانيا وكذلك عبر الدول الأفريقية، وحاز "تيّار المستقبل" على أعلى نتائج في المملكة العربية السعودية. ولم يحدث البتة أن اقتربت القوائم المناهضة للمؤسسة من المرتبة الأولى عام 2018.

يتمثل أحد التحديات التي تواجه تقييم تأثير التصويت خارج البلاد على نتائج الأحزاب المناهضة للمؤسسة في عام 2022، في مدى حدوث تغيير في توجه مؤيدي الأحزاب السياسية التقليدية في الشتات. وفي حين قد يكون من المتوقع حدوث تحول في سلوك التصويت في ضوء الوضع الكارثي الذي تشهده البلاد، فإن حجم هذا التغيير غير معروف - لا سيما وأن الديناميات السياسية بين مجتمعات الشتات اللبناني ليست مدروسة بالقدر الكافي، ولم تقم الأحزاب الجديدة المناهضة للمؤسسة بحملات واسعة النطاق بين مجموعات الشتات.

علاوة على ذلك، الولاء السياسي للناخبين الإضافيين المسجلين في الخارج - وهم أولئك الذين لم يكونوا مسجلين في قوائم التصويت خارج البلاد عام 2018 - غير معروف أيضاً. وعلى الرغم من أن الكثير من الجهود الرامية إلى تسجيل الناخبين الإضافيين تبنتها جماعات مستقلة وناشطين معارضين بشكل عام للأحزاب السياسية الطائفية، فقد زادت هذه الأحزاب من نشاطها الانتخابي في مجتمعات الشتات في الفترة التي سبقت الانتخابات وحافظت على شبكات المحسوبية الخاصة بها في الخارج.

في نهاية المطاف، لا يزال عدد المهاجرين الذين سجلوا للاقتراع في انتخابات 2022، على الرغم من كونه أعلى بكثير من ذلك في عام 2018، لا يمثل سوى 6% من إجمالي الناخبين المؤهلين للانتخابات المقبلة. ومن هذا المنظور، يصبح من الضروري دراسة ما إذا كانت أصوات المغتربين قادرة على إحداث فارق كبير وخصوصاً في الدوائر الانتخابية التنافسية حيث قد تحظى الأحزاب المناهضة للمؤسسة بفرصة الفوز بمقعد. ويقدم التقرير تحليلاً لتصويت الشتات في كل دائرة انتخابية عام 2018 لتسليط الضوء على مثل هذه الديناميات المحلية.

قالت جورجيا داغر، مؤلفة التقرير والباحثة في مركز "مبادرة سياسات الغد"، "بالنظر إلى القانون الانتخابي اللبناني، من أجل فهم قدرة تصويت الشتات على مساندة شخصيات سياسية جديدة، من الضروري دراسة دوائر انتخابية معينة تتسم بالتنافسية وتمثيل جيد للشتات". مضيفةً، "وهذا ما يسعى التقرير إلى فعله".

علاوة على عدد الناخبين خارج البلاد، يحتاج دور الشتات في الانتخابات والسياسة اللبنانية بشكل أعم إلى مزيد من الدراسة. إذ يُشكل الشتات مصدراً لتمويل الأحزاب السياسية والمرشحين في لبنان. ويمكن للشتات أيضاً أن يكون "مؤثراً" رئيسياً على السلوك الانتخابي للعديد من المقيمين في لبنان. فنظراً إلى الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، أصبح أفراد الشتات يمثلون على نحو متزايد شريان الحياة الرئيسي لعائلاتهم في لبنان - وفي بعض الحالات، هم شريان الحياة الوحيد. ولذا يستطيع أفراد الشتات هؤلاء حشد وإقناع أفراد عائلاتهم بالخروج والتصويت. ففي نهاية المطاف، شارك 49% فقط من الناخبين في لبنان عام 2018، وبالتالي، سيكون من الضروري زيادة هذه النسبة.

أخيراً، يتعين على أولئك في الشتات الذين يأملون في حدوث تغيير سياسي في لبنان أن ينظموا أنفسهم من أجل بذل جهود طويلة. لقد أظهروا استعدادهم لحماية حقهم في التصويت في لبنان، وهم حريصون على التعبئة. وهذا في حد ذاته يُشكل خطوة صغيرة ولكنها مهمة إلى الأمام.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.