الدساتير والأقليات الدينية: حماية حقوق الأقليات الدينية

تلعب الأقليات العرقية والدينية واللغوية دورًا مثير للجدل في حياة البلاد السياسية والثقافية. وتعد العلاقة بين الأقليات الدينية والدولة علاقة معقدة وهي متصلة بدور الدين في الدولة بشكل عام وأيضا بالكيفية التي تم بها تعريف الثقافة الوطنية والهوية تاريخيا. ففي بعض الأحيان يُقهم تاريخيا أن دينا ما يمثل ملمحا جوهريا في الهوية الوطنية، وفي أحيان أخرى، لا توجد علاقة وثيقة بين الهوية القومية و الدين. ويؤدي السعي إلى بناء هوية قومية على أساس دين واحد إلي حماية منقوصة  لحقوق الأقليات الدينية. وفي سياقات أخرى، قد يكون هناك تاريخ من الصراع بين مجموعات دينية مختلفة، مما يجعل التعايش تحت لواء دولة واحدة أمرا صعبا وتحديا كبيرا.

وفي البلاد التي تمر بتحولات اجتماعية وسياسية مهمة كالبلاد  الخارجة  من حروب أهلية أو تلك التي تمر بتحول ديمقراطي، تمثل العلاقة بين الدولة والأقليات تحديا كبيرا. ويعمد القادة السياسيون في هذه الحالات، إلى التأكيد على العلاقة القوية بين الدولة من ناحية ودين وثقافة ولغة الأغلبية من ناحية أخرى. ويؤدي ضعف مؤسسات الدولة وضغط السياسة الانتخابية وحساباتها إلى تصدر الثقافة والدين والعرقية المشهد السياسي. وقد لوحظت هذه الظاهرة في دول ذات أقليات بارزة داخل حدودها بشرق أوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. فقد ظهرت في تلك الدول مجموعة من السياسيات التي هدفت إلي توطيد العلاقة بين الدولة والأغلبية كوسيلة لتحقيق الاستقرار داخل الدولة والترابط داخل مجموعة الأغلبية في خضم حالة كبيرة من اللا يقين .

تناقش هذه الورقة دور الدساتير وعملية صياغتها في تعزيز الديمقراطية. كما تتعرض بإيجاز إلى المعايير الدولية المتعلقة بالأقليات الدينية، وتقدم حالة اندونيسيا من حيث مقاربتها لمسألة حماية الأقليات الدينية. ويجب التنويه هنا أن حماية  الأقليات الدينية بموجب الدستور والقانون تختلف من بلد لآخر. وتعكس هذه الاختلافات التفاوت في تعريف البلاد للهوية الوطنية ومكانة الأقليات عبر تاريخ تلك البلدان، وحجم هذه الأقليات، بجانب أمور واعتبارات أخرى.

من الجدير بالذكر أن الضمانات الدستورية  لحماية الأقليات الدينية تكون أكثر فاعلية حينما تكون واضحة ولا تحتوي على مواد مبهمة أو متناقضة ولا تترك مجالا كبيرا للتفسير والتأويل للوائح التنفيذية للقانون أو للمؤسسات التي ستنشأ مستقبلا. والجدير بالذكر أيضا أن محتوى الدساتير من جانب، وتنفيذ هذا المحتوى من جانب أخر، قد يختلفا اختلافا كبيرا. كما أن إقامة جهاز قضائي فعال وتوافر الإرادة السياسية لتطبيق الدستور متطلبان أساسيان لحماية الأقليات. كما أن  وضع أحكام خاصة بالأقليات الدينية في الدساتير يعد وسيلة لضمان مشاركتها في الحياة الثقافية والسياسية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.