الحقل الثقافي: من الثورة الى الجمهورية الثانية

هل وضعت الثورة نموذج " الدولة الثقافية" 1يطلق مارك فومرولي مفهوم "الد ولة الثقافية" علي النماذج الثقافية التي تتحكم فيها الدولة في الهياكل وتحدد المضامين باعلاء بعضها ويضفي ذلك علي العمل الثقافي مسحة أيديولوجية. Marc Fumaroli, L'Etat Culturel: Essai sur une Religion Moderne, Le Livre de Poche, Biblio Essais, 1999. الذي اعتمدته تونس منذ اول حكومات الاستقلال في ازمة؟ وهل ستعصف التغييرات المنشودة والراهنة بنسق تأسس حول تدخل الدولة في الشأن الفني والإبداعي ام ان السياسات الجديدة أعادت ترتيب الأولويات واصلحت ما افسدته النظم التسلطية المتعاقبة التي حادت بمفهوم الديمقراطية الثقافية عن مضمونها الأصلي؟

لقد ولدت الدولة الثقافية في تونس على المنوال الفرنسي الذي وجد في المفكر والسياسي الديغولي اندري مالرورائده وراعيه الأساسي. ترعرع هذا المشروع في اصار تاريخي محدد اعتني بتحديد ملامح الامة التونسية في إطار دولة الاستقلال.

وقد استجاب هذا المشروع لبرنامج وتمشي اشتراكي- تعاضدي تارة وليبرالي) الرأسمالية المراقبة) تارة اخري سمته الموحدة هي التحديث والقطع مع رواسب التقليد. ووقع تكريس هذا المشروع كما سنتبين لاحقا على افقية القرار وهيمنة الأجهزة المركزية. ويبدوان التمثل لدور الدولة المتجسد في حزمة من البرامج ومجموعة من المؤسسات قد واجه عديد الإشكالات نتيجة انهيار الشرعيات السياسية والثقافية وأخذ في التراجع امام تصورات جديدة املاها الواقع الراهن.

وسيقطع هذا التمشي مع البعد الفلسفي العميق الذي تأسست عليه علاقة الفنان والمثقف بالدولة وبالفعل الإبداعي في تونس منذ أكثر من نصف قرن. ستحدد هذه العلاقة تقديرنا للواقع الثقافي في تونس انطلاقا من تعريفات مختلفة نعتبر أهمها تلك التي اقترحها عالم الاجتماع هوارد بيكر2Howard Becker, Arts Worlds, The University of California Press, 1982. الذي اعتبر ان الدولة اعتمادا على أجهزتها الإدارية " تشارك في انتاج وتوزيع الفن داخل ترابها" واعتبارا لمصالحها. ويعد بيكر الدولة سلطة تؤثر بصفة مباشرة في العمل والإنتاج الفني ويأخذ هذا التدخل ثلاثة توجهات كبري: الدعم الرسمي، الرقابة والقمع. ويري بيكر ان الدولة تتحرك خدمة لمصالحها عندما تمنح اشكال الدعم او ترفضها لفنان ما. ويربط الكاتب تدخل الدولة بالتوازنات السياسية وبتصورات الاغلبية الحاكمة التي تعمل على رصد ردود فعل مسانديها ومعارضيها. ويسيطر هذا النموذج على الأنظمة الديمقراطية اما الأنظمة الديكتاتورية او تلك التي يحكمها الحزب الواحد فيعتبر بيكر ان سياسات الدعم التي يتبعها المانحون لا تؤثر في تطوراتها الا الأقلية الحاكمة. ويذهب عالم الاجتماع حد القول ان الفاعلين في الحقل الثقافي في إطار حكم فردي او دكتاتوري لا يمثلون قوة ضغط تذكر بينما تمثل في إطار دمقراطي "منبع سلطة مستقلة". ويتقارب هذا التعريف من مفهوم الجهاز عند بيار بورديو حيث تغيب كل اشكال الصراع بين القوى المهيمنة والمتمسكة بالعناصر المحددة لطبيعة النسق (التشريع، التمويل، الا مكانيات التكنولوجية...) ومجموع "أعوان" الحقل التي لا تتوفر لديهم مساحات او هوامش للتحرك لرفض قوانين النسق او التفاوض حول شرعيتها. ويشكل مفهوم الحقل ذلك الفضاء الذي يتحدد ويتطور تاريخيا اعتبارا لموازين القوي الناتجة عن الصراعات المتجددة. وسنعتبر نضريا ان النمط التفاعلي الذي أسس له بيكر كتعبير علي وصف ممكن لاستقرار هيكلي للحقل في لحظة تاريخية ما.

انطلاقا من هذه التعريفات سنحاول رصد التحولات التي طرأت على الحقل الثقافي في تونس والذي انتقل حسب فرضيتنا من إطار مركزي-ارادي-تسلطي الي نمط مركزي تغيب فيه الإرادة السياسية ويتخذ فيه الضغط اشكالا اجتماعية بل تؤثر على القرار وتحدده في اطار غياب تصور استراتيجي عام لسياسة ثقافية للحكومات المتعاقبة بعد الثورة.

فإذا سلّمنا بالقول أنّ الحقل الثقافي هو فضاء لإنتاج المضامين الفنية المرتبطة بالمجال الرمزي وأن هذا الفضاء هو أساسا موضوع لصراع هيكلي ومتجدد لتحديد التمثيلات النافذة وفرضها يمكننا التعامل مع أحداث 14 جانفي 2011 كلحظة فارقة تبشّر بتغيرات هامة في موازين القوى داخل الحقل في تونس.

وسيكون هدفنا خلال هذا العرض هو التساؤل حول فرضية حدوث قطيعة مع المنظومة القديمة من زاويتين رئيسيتين هما الزاوية المؤسساتية والزاوية التعبيرية. وفي ذلك رصد لطبيعة هذا التحول.

في هذا السياق تتعارض على الأقل نظريتان رئيسييتان. إذ يرى بورديو أن "الأزمات الثورية" هي محدٍّدة في "تغير موازين القوى داخل الحقل". كما يعتبر عالم الاجتماع الفرنسي ان "القطيعة السياسية" كثيرا ما يكون وقعها أهم من الثورات الجمالية.

فيما يذهب بعض المؤرخين في المجال الفني إلى القول بفرضية معاكسة. إذ يعتبرون أن الثورات الفنية هي أساسا نتاج تراكمات وتغييرات جزئية في النسق الاجتماعي والتكنولوجي والاقتصادي.

لقد أفرز فرار بن علي والانهيار السريع لنظامه عند الفاعلين في الحقل الثقافي انتظارات عدة لعل أهمها هو أن سقوط المنظومة الكليانية سيؤدي، لامحالة، إلى بروز تعبيرات فنية وثقافية ثورية ستقطع مع الماضي على الصعيد التعبيري والمؤسساتي. كما ذهب البعض الى التسليم بالقول أن الثـورة ستعـيد الاعتبـار للمثقفين والفنانين الذين عمل النظام السابق على تهميشهم وخاصة الشباب.

ستُفَسِّر هذه المنطلقات ظاهرتين هامتين، تتمثل الظاهرة الأولى، في حدة الصراع بين الأجيال أي بين الشباب والمتدخلين الجدد من جهة والقدامى الذين استأثروا حسب الخطاب الثوري بهبات الدولة وامتيازاتها من جهة أخرى. وقد اتسمت المرحلة الانتقالية الأولى (جانفي 2011 ـ اكتوبر 2011) بحدة هذا الصراع في حين تميزت المرحلة الانتقالية الثانية (في ظل حكومة الترويكا) بمطالب الإصلاح الهيكلي وبتفكيك النموذج السابق. إما الظاهرة الثانية فتتمثل في الصراع السياسي حول تحديد هامش حرية التعبير في المرحلة الانتقالية الثانية.

المرحلة الثالثة التي انطلقت مع الحكومة الانتقالية المكونة من التكنقراط والتي تتواصل مع حكومة ما بعد اول انتخابات برلمانية لم تقطع مع التردد رغم البرامج الإصلاحية وارادية المسؤولين الذين تعاملوا مع صعوبات نتجت من مرحلة انتقالية لم ترتكز علي تمشي سياسي واضح وموحد. اخذت كل التدخلات صبغة إدارية وعملت خاصة علي استكمال المشاريع العالقة وفقدت بذلك الصيغة الاستشرافية والتصور الذي من شانه ان يسترد للدولة سلطتها في تحديد المفاهيم (ما الثقافة ما التنمية ما الفن ...) في حين تواصلت الخلافات مع الفنانين والمثقفين.

اليوم، وبعد أربع سنوات من أحداث 14 جانفي 2011، يبدو أن الجميع متفقون، ولو بصفة متفاوتة، على أنّ الحراك الثوري لم يُنتج قطيعة جمالية في الأشكال والمضامين. إذ تمحورت الصراعات أساسا، وحسب رأينا، حول افتكاك المواقع ومواقع التأثير. لكن في المقابل، كان هناك شحّ في المقترحات وتململ في البرامج وتضارب في التصورات والتمثيلات. وبلغ هذا التضارب أوجهه بمناسبة النقاش حول مسألة المقدّس وحدود الحريات الفنية.

هذه هي أهم مواصفات الحقل الثقافي لما بعد الثورة. فما هي أسباب هذا الوضع وهل لثقافة ثورية أن تولد؟ وكيف تصورها الفاعلون باختلافهم؟ وهل أن القطيعة مع آليات الماضي ممكنة؟ والسؤال الأهم هو الآتي: هل تتوفر عناصر هيكلية تخول لنا أن نجزم بوجود إمكانية لإعادة توزيع الأوراق على المستوى المؤسساتي، تتزامن مع الإقرار بشرعيات جديدة، يمكن اقتفاء أثرها في الخطابات والمبادرات؟

سنحاول خلال هذه الورقة استكشاف حقيقة المشروع الثقافي التونسي في فترة ما بعد 14 جانفي انطلاقا من قراءة للثوابت والمتحولات في أبعادها المؤسساتية والتنظيمية. وكذلك في ظل غياب صارخ لصناعات ثقافية وعدم توفر آليات سوق اقتصادي للإنتاج الفني. إضافة لهيمنة الدولة على الحقل الثقافي نظرا للدور المحوري لأجهزتها في تنظيم الحقل وتسييره عبر الولاءات. خصوصا ان الدولة لاتزال تهيمن على الفضاء الثقافي الى اليوم، وتونس تدخل المرحلة الانتقالية الثالثة التي تعرف بمرحلة تثبيت التجربة الديموقراطية.

ويمكن نظريا اعتبار الحقل الثقافي، تواصلا مع أطروحات بيار بورديو، محلّ تقاطع بين نسقين يحددان اتجاها مهيمنا في الفعل الثقافي. يتمثل النسق الاول في النظام المؤسساتي. وهو يجمع بين الموانع والإمكانيات سواء كانت تشريعية أو اقتصادية أو تقنية. ويتمثل النسق الثاني في إرادة تعبيرية يؤسسها هابيتوس الفاعل الاجتماعي. وينتج عن عملية التقاطع هذه تجدد مواقع النفوذ والسيطرة. كما تتجدد القوانين الداخلية للحقل.

كما نسلم، في إطار سوسيولوجيا بورديو، أن الحقل الثقافي/الفني ينفرد بعناصر بنيوية تجعله متميزا على الحقول الأخرى. وتتمثل اساسا في اهمية رأس المال الرمزي والصراع المتواصل حول التجديد والطلائع. كما تمنحه هذه العناصر البنيوية الاستقلالية. لكن يبقى تدخل السياسي والاقتصادي واردان. وهما يخلان، عبر هذا التدخل، بالتوازن الداخلي للفضاء ويغيران خاصياته ويحولان طبيعته. وهذا ما حصل، ولو جزئيا، في الحقل الثقافي التونسي بعد 14 جانفي 2011.

وفي هذا الإطار، يمكننا تناول تاريخ الحقل الثقافي التونسي منذ الاستقلال إلى 14 جانفي 2011 انطلاقا من الموقع المحوري للدولة التي استأثرت، منذ حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (1956ـ-1987) إلى حكم الرئيس زين العابدين بن علي (1987-ـ2011)، بالاعتماد على الرقابة السياسية والاقتصادية، بمركز مكّنها من السيطرة على بقية المتدخلين في هذا الحقل سواء مؤسسات أو أفراد. فعملت دولة الاستقلال في نسختيها الدستوريتين (الاشتراكية والتجمعية) على تطبيق برنامج ثقافي يعتمد ديمقراطية الثقافة والتعليم. وتمركزت على ضفتي العمل الثقافي حيث أصبحت المُموّل والمستهلك الأول في ذات الوقت. ولم تكن تونس لتشذ عن القاعدة إذ وقع إضفاء الشرعية على هذا التدخل، عبر خطاب سياسي يُثمّن الروح التطوعية والتقدمية لعمل الدولة السياسي والاقتصادي في مجال الانتاجات الثقافية.

وقد عرفت هذه السياسة، التي تقوم على ايصال الثقافة للمواطن، نجاحات نسبية في ظل حكم الرئيس الحبيب بورقيبة. وذلك، أساسا، عبر تركيز شبكة مؤسسات ثقافية في الجهات تمثلت في دُور الشباب ودُور الثقافة والمندوبيات الجهوية للثقافة والمهرجانات الجهوية والمحلية. لكنها سريعا ما تحولت إلى أجهزة للتعبئة الإيديولوجية لصالح النظام السياسي وأجهزة للمراقبة السياسية. وقد برّر البعض هذا النهج التسلطي وهذا التدخل المفرط للأجهزة الرسمية في الشأن الثقافي بالاعتماد على أولويات دولة الاستقلال التي تتمثل في بناء الإنسان الجديد وتكريس الوحدة القومية. فيما تحولت آليات دعم الإنتاج الثقافي وتوزيعه إلى ميكانزمات أسست إلى منظومة مبنية على الزّبونية والمحسوبيّة.

ولقد تمكنت أجهزة الدولة من التعامل بحنكة مع جدلية إقصاء/ إدماج الفنانين. كما عملت على تمكين بعض الفنانين والمثقفين المستقلين والمعارضين من هامش من الحرية لإضفاء مسحة ديمقروطية على التمشى التعبئي الذي انتهجته في الحقل الثقافي. وبقي متسّع الحرية من جهة وتحديد "الخطوط الحمراء" من جهة اخرى رهين التوازنات السياسية وصراع الأجنحة داخل الحزب الحاكم. وإن بقي هذا الفضاء محصور في فضاءات هامشية كالجامعة والنقابات ودور الشباب، فإن ذلك لم يمنع من بروز عدة وجوه ثقافية هامة حاملة لنَفَس تقدمي ومعارض. كما لم يمثل، حسب رأينا، غياب سياسة قطاعية، عائقا أمام بروز خطوط عريضة لتصور العمل الثقافي. وقد تبلورت هذه الخطوط العريضة في ثنائية ديمقراطية الممارسة في مقابل سلطوية المراقبة. ويمكننا وصف هذه السياسة بسياسة "نصف الطريق". إذ توفر النفوذ للثقافة والتعليم لكن في نفس الوقت تضع حاجزا سميكا أمام الحريات. ورغم تصريحات "النوايا الحسنة"، لم يكن هناك تفكير جدّى في إدخال إصلاحات ديمقراطية على المشهد العام ولا حتى في التنازل الجزئي عن الدور المركزي للدولة كفاعل في الحقل الثقافي.

ولم تكن فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي لتأتي بالجديد في الحقل الثقافي. إذ تمادت المنظومة على نفس النسق، إلا أن الأهداف قد تغيرت. فمِن خِدمة المشروع الوطني، تحولت السياسة الثقافية الى أداة لخدمة مصالح خاصة ولتكريس شخصنة النظام. وقد انخرط العديد من المثقفين والفنانين في هذا النهج الرامي إلى فردنة الحكم، حيث مثلّوا أغلبية الموقعين، في صائفة 2010، على أولى قائمات المناشدة لزين العابدين بن علي للبقاء في الحكم وإعادة الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2014 خلافا لما ينصّ عليه الدستور. في المقابل، عانى الفنانون الرافضون لهذا الواقع المتكلس من القمع والرقابة. وكانت المعاناة مآل كل الذين حاولوا كسر "جدار الصمت". وقد استبشر هؤلاء بالثورة التي اعتقدوا انها ستطال الحقل الثقافي. لكن يبدوان الامور لم تتغير كثيرا على ما كانت عليه.

ثقافة الحراك الثوري

حمل الحراك الثوري في طياته فكرة مفادها أن هذا النسق سينهار بطبعه وأن موازين القوى ستتغير لصالح الرافدين الجدد على الساحة الثقافية. إذ أن تفكّك المنظومة سيتبلور في صراع حول عنصرين داخل المنظومة خارجها. يتمثل العنصر الاول الداخلي في الهيكل المؤسساتي المرتبط بالدولة. أما الثاني فقد ترعرع خارجها وبات يرنو إلى التحول إلى قوة فاعلة وضاغطة لفرض ثقافة متحررة من كل أشكال الرقابة عبر تعبيرات فكرية مستقلة يكون الفضاء العام هو فضاءها الطبيعي. وقد اعتبرت عديد الجمعيات الثقافية أن استرجاع هذا الفضاء وتأثيثه ليتحول إلى فضاءات ديموقراطية هو أهم استحقاق من استحقاقات الثورة وأكثرها إلحاحا. كما مثّل صعود فئات جديدة وإدماج سياقات تعبيرية في مركز الفعل أحد معايير اكتمال المشروع الثوري من عدمه.

وقد تجسد هذا التدخل في الفضاء العام في النجاح الذي عرفه فنّ الرصيف في إطار المقاربات الداعية إلى تقريب الثقافة من المواطن وتشريكه في تمشى جمالي عام يتبنى مشروع مناهض للعولمة الليبيرالية وللإمبريالية. وتعدّدت التجارب في هذا المضمار وانتشرت في المدن التونسية لتصبح من أهم تعابير الثقافة الثورية. ومثّلت المرحلة الانتقالية الأولى التي امتدت من 14 جانفي 2011 إلى تاريخ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في اكتوبر 2011 التي اغرزت حكومة الترويكا المكونة من حزب حركة النهضة وحزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، مخبرا للتعبيرات الفنية البديلة والملتزمة بمختلف أشكالها كالتصوير الفوتغرافي التوثيقي والغرافيتي والكاريكاتور. إذ اغتنمت هذه التعبيرات مناخ الحرية لفرض نفسها وتمكنت من التطرق إلى مواضيع كانت محضورة. وكتبت تاريخا للثورة، نابع مباشرة من الحراك الثوري.

في المقابل، لم تلتحق التعبيرات الفنية التقليدية من سينما ومسرح بهذه الحركية. وهي فنون كانت منخرطة في المنظومة التي ترعاها وزارة الثقافة. ويمكن أن نستثني بعض المبادرات الفردية التي قطعت مع المنظومة الانتاجية السائدة. وتمكنت بعض هذه المبادرات مثلا في مجال السينما، من الاستفادة من التقنيات الرقمية ومن تراجع التضيقات على التصوير في الشوارع. فتكمنت من كتابة يوميات الثورة وخاصة بعد رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وتميزت هذه الانتاجات باستعادة النَفَس الجماعي في مضامينها قبل أن تتحول الأفلام إلى قراءة نقدية لهذا الحراك.

إن الاصلاحات المؤسساتية، التي دعا إليها المتدخلون في المجال الثقافي، تعكس الصراعات حول تحديد الشرعيات الجديدة وحول التصورات المتناظرة لهيكلة هذا الحقل. إذ سريعا ما اخترقته الانقسامات السياسية والمجتمعية. فقد وقع، على سبيل المثال، إقالة وزيرة الثقافة لأول حكومة ما بعد الثورة بعد أيام قليلة من تعيينها، تحت ضغط الفنانين، نظرا لورود اسمها ضمن قائمة الفنانين المناشدين لزين العابدين بن علي من أجل إعادة الترشح للانتخابات الرئاسية. ووقع تعيين خليفة لها في ظروف متأزمة. اذ تصاعدت المطلبية والمطالبة بعزل كل الوجوه التي كانت نافذة في النظام الثقافي القديم والمتمكنة من مواقع النفوذ وذلك لإرساء برنامج ثقافي ثوري. ويمكن اختزال هذا المشروع الثقافي "العفــوي" في مجموعة من المطالب تخُصّ كل القطاعات. من أهمها تطهير الإدارة والمؤسسات وإعادة تنظيمها حسب مبادئ الحياد والعدالة والشفافية. ويتجسّد الهدف الاستراتيجي في شكل مفارقة "أقل من الدولة كثيرا من الدولة" أي التخفيف من المركزية في مقابل تكثيف الدعم المتأتي من الدولة من جهة، والتخفيض من القرارات الإدارية الأحادية وإعطاء مجال أكبر للتشاركية من جهة اخرى.

في المقابل، لم يعترض أحد على الدور المحوري لوزارة الثقافة باعتبار أنها، وفي غياب نسق إنتاجي مستقلّ، تبقى المقاول الثقافي الأول والرئيسي.

وقد انصهرت الفنون، المرتبطة هيكليا بوزارة الثقافة، في هذا النهج الإصلاحي عبر منظومة الدعم. في حين واصلت الجمعيات والنقابات، حديثة التكوين، الضغط على الوزارة لقلب موازين القوى بصفة جذرية. فوجدت الوزارة نفسها في صراع مع الفاعلين الثقافيين الجدد الذين يستمدون شرعيتهم من الفعل والخطاب الثوري الذي طغى خلال تلك المرحلة على كل النقاشات على حساب المسائل الجمالية والفكرية.

وتعددت المجابهات واحتدت طيلة الفترة الانتقالية. وأبرز مثال يمكن أن يعكس فحوى هذه المواجهات هو البيان الصادر عن العاملين في قطاع الفنون الدرامية في أوت 2011، على إثر الـتآم أول "منابر الثقافة" التي نظمتها الوزارة والتي تم التخلي عنها سريعا والتوجه الى رصد انتظارات ومشاكل الفنانين. ويحتجّ هذا البيان على مواصـلة إدارة المسرح التعامل مع الفنانين حسب سياسات الماضي. وطالب بتنقية هياكل وزارة الثقافة وإبعاد كل من تعامل مع النظام القديم. كما طالب بإعادة النظر في توزيع منح التشجيع على الإنتاج وبعث استراتيجية لتنظيم القطاع، تقطع مع الإصلاحات الفوقية والسطحية.

تواترت البيانات، الصادرة خاصة عن الفاعلين الجدد، وتقاطعت في طلباتها وتحاليلها لواقع الساحة الثقافية. فأصدرت رابطة الدفاع عن الكُتّاب الشُبّان نصّا تشجب فيه ما آلت إليه الأمور وتطالب بإقالة وزير الثقافة والمحافظة على التراث لعدم قدرته على الاستجابة إلى متطلّبات المسار الثوري الذي يحتاج إلى كثير من الجرأة والحزم. كما هاجم الفاعلين الجدد، في بيانهم، قدامى الحقل الثقافي، المُلتفّين حول اتحاد الكتاب، واصفين إياهم بالشعبة التجمعية (نسبة إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد زين العابدين بن علي). ويرى البيان المذكور أن وزارة الثقافة ”الانتقالية“ تعمل على إفراغ الثورة من معانيها قصد تحويلها إلى شعارات جوفاء وتمييع مسار الإصلاح الجذري.

تزامنت هذه الصراعات مع بروز أول بوادر التوتر الاجتماعي حول مسألة تحديد معاني المقدس ورسم حدود لحرية التعبير. فكان أول تدخل عنيف للحركة السلفية في الحياة العامة بمناسبة عرض شريط "لائكية، إن شاء الله" حيث هاجمت مجموعة نسبت لهذا التيار قاعة العرض وهشمت نوافذه واعتدت على عدد من الحاضرين ومثلت هذه الحادثة نقطة إنطلاق لسلسلة من الاعتداءات والمواجهات التي هزت كيان المجتمع التونسي. واختزلت طبيعة الصراعات بين تصورات متناقضة للنمط الاجتماعي والحياتي.

وستزيد حِدّة هذه الصراعات، كما سنرى، في ظل حكومة الترويكا. وستمثّل الساحة الثقافية صدى ما يسميه بيار بورديو "صراع المعاني". فتكون فيه الغلبة لمن يفرض تمثلاته ومفاهيمه. ودارت اهم الصراعات حول الاجابة عن الاسئلة التالية: ما معنى المقدس؟ ما معنى الثقافة الثورية؟ ما هي المضامين التحريرية والتقدمية؟ حيث سترتبط طبيعة الفعل الثقافي في حكومة ما بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 بمختلف الاجابات عن هذه الاسئلة.

صراع المعاني

اعتبر الكثيرون أن الثورة التونسية ستكون ثورة ثقافية لأنها ستضع الحقوق الثقافية عن سلم الأولويات السياسية من جهة، وستعيد الاعتبار للمشاركة الفعلية في الاستهلاك والانتاج الثقافي عبر استغلال الفضاءات التعبيرية التي وفّرها المناخ الديمقراطي من جهة أخرى. ومثّل مناخ الحرية العنصر الأهم في تكريس التجديد الثقافي والفني، وفي بروز وجوه جديدة غالبا ما كانت مهمّشة. وأمام غياب برنامج عملي ورؤية استكشافية لهذه الثورة صارت مسألة الحرية الحدّ الأدنى الذي يتفق عليه الجميع. في المقابل، سرعان ما شقت الخلافات صفوف الفاعلين في الحقل الثقافي وتضاربت المصالح النقابية وتنامت الانقسامات السياسية. فلم يتمكن الفنانون والمثقفون من إقرار أو حتّى اقتراح مشروع جماعي. وبقيت ملامح الثقافة الجديدة المرجوة غير واضحة.

ولاقى هذا التذبذب في صفوف الفاعلين في الحقل الثقافي والفني خطابا سياسيا، شبه رسمي، لا يقارب الفعل الثقافي كمسألة قطاعية أو فنية. في تمثله في نطاق تصوّر الإنسان كجوهر يطغى عليه الجانب الروحاني. وتبقى هذه المعاني مجردة إذ يصعب ترجمتها إلى سياسات ومبادرات فعلية. ويتجسّد هذا الخطاب في تصريحات بعض القيادات البارزة في حزب حركة النهضة الإسلامي التي تقارب البعد الثقافي في نطاق إشكالية الهوية والذات، معتبرة إياه أداة لاستعادة عناصر الشخصية العربية الإسلامية التي عملت حكومات الاستقلال على طمس معالمها.

من جهة أخرى، اتسمت الفترة الانتقالية الثانية بمزيد حِدّة ظاهرة العنف الموجه ضد الفنانين والمثقفين. فتتالت الضغوطات وتصاعدت وتيرتها. وشكّلت أحداث العنف وأعمال الشغب والمظاهرات التي انطلقت بسبب عرض الشريط السينمائي الايراني "بلاد فارس" في نسخته المعربة على قناة تلفزية خاصة، بادرة أزمة سياسية واجتماعية حادّة. فوضعت إشكالية هوية المجتمع التونسي في صدارة الصراعات وتحوّل الصراع السياسي إلى صراع إيدولوجي بحت بين نموذجين اجتماعيين متناقضين. واتهم الخطاب الإقصائي الفنانين بالإنبتات الثقافي والتغريب وعدم الاكتراث بالموروث الأخلاقي وبالمقدسات.

وستتواصل مقاربة الحقل الثقافي إنطلاقا من تشكله حول نظام يأخذ بعين الاعتبار عنصرين أساسيين. هما التنظيم المؤسساتي من جهة، ومسألة الحريات من جهة أخرى. وذلك في إطار نظام "مُدَوْلَن" أي في إطار نسق تلعب فيه الدولة الدور المركزي وتحتكر من خلاله إدارة الحقل الثقافي.

لم تتمكن وزارة الثقافة في ظل حكومة الترويكا من تطبيق برنامج إصلاحي. كما اتسمت تدخلاتها بالتذبذب. ويمكن أن نتبيّن ذلك على صعيدين. يتمثل الصعيد الأول في خطاب سياسي متضارب. فهومن جهة ينزع الى الالتصاق بتصورات الحُكّام (وخاصة حزب حركة النهضة) والتماهي معها، وينزع الى الاستقلالية من جهة أخرى. ويمكننا رصد سمات هذا التردد من خلال العمل على تجديد نظام إداري يعتمد على مركزية الجهاز وأفقية القرار. وهو عكس ما كان ينتظره وينادي به الفنانون من تشاركية في أخذ القرار. ويمكن أن يُفسِّر هذا التردد المواقف المتضاربة لوزير الثقافة السيد مهدي مبروك حول الإشكالات المتعددة كمسألة الحريات. ويمكن تنزيل هذا الغموض الذي يكتنف مواقف السيد مبروك في إطار تموقع تكتيكي داخل المشهد السياسي بعيدا عن الحقل الثقافي. فالحراك الثوري إضافة الى الماضي السياسي للسيد مهدي المبروك القيادي السابق في حزب يساري قومي، كان ملجأ للإسلاميين المضطهدين تحت حكم بن علي، جعلاه في مواجهة مع أطروحات الجناح المتشدّد داخل الحركة الإسلامية والتي أصبحت نافذة ومهيمنة في تلك الفترة.

واحتوى البرنامج الوزاري على جملة من الاصلاحات الهيكلية أهمها تفكيك المنظومة المتكلّسة والفاسدة وإبعاد رموزها. ومثل الامر عدد 733الصادر في 16 جانفي 2014 والذي دخل حيز التنفيذ في جانفي 2015 العنصر الرمزي الأهم في هذا السياق اذ وقع بموجبه حل اللجان الثقافية الجهوية التي مثلت بالنسبة للفاعلين الثقافيين الحلقة الأهم في تجسيد وتمرير النمط الثقافي التسلطي والمتحزب ولإعادة انتا ج السياسات اللاديمقراطية. ودعنا نقول من الان ان هذا القرار سريعا ما تحول الي عائق عطل النشاط الثقافي في الجهات في ضل غياب هياكل خارج المركز ومخولة للتسيير اللوجستي للأنشطة الثقافية. في هذا السياق يري ايمن بن يوسف الكاتب العام النقابة الأساسية لمؤسسات العمل الثقافي ان حل اللجان الثقافية المحلية يمثل " ضربة ممنهجة لضرب العمل الثقافي ولضرب النشاط الثقافي وللثقافة ككل في كامل تراب الجمهورية وهذا ما لامسناه في حكم الترويكا"3  ايمن بن يوسف،"     حل اللجان الثقافية دون ايجاد البديل يمثل خطرا على الوضع الثقافي التونسي"" essahafa.info.tn . واقترحت الوزارة تعويض هذه اللجان بمؤسسة وطنية لتنمية التظاهرات والمهرجانات الثقافية.

والمعلوم ان هذه اللجان التي أحدثت في 1975 ووقع اصدار امر متعلق بضبط تنظيمها ومشمولاتها وتسييرها في جانفي 1983 مثلت رئة تنفس للحقل الثقافي وهي مرتبطة بالسلطة كما هو الشأن بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية، هدفها إضفاء مرونة مادية وإدارية للنشاط الثقافي وقد تحولت تحت حكم بن علي الي أجهزة مراقبة ودعاية تتحكم في دور الثقافة وتتدخل في البرامج بما انهل تتحكم في الاعتمادات التي ترصدها الدولة للنشاط الثقافي الجهوي.

اعتبر عديد المتدخلين ان هذا القانون هومس بالعمل الثقافي وباللامركزية. وقد حمل جزء من الفاعلين مسؤولية الصعوبات التي أصبح يعيشها النشاط الثقافي في الجهات الي خيارات الوزير. ورد هذا الأخير في بيان للرأي العام صدر في 25 ماي 2015.عن هذه "الاتهامات" مذكرا ان وزير الثقافة الذي سبقه عز الدين باش شاوش هو الذي أعلن عن هذا القرار في حصة تلفزيه سنة 2011. واعتبر ان :" لقد اتخذ القرار بعد ان بينت دائرة المحاسبات في أكثر من مناسبة فضلا عن التقارير التي أنجزتها التفقدية العامة قبل الثورة مواقع سوء التصرف والفساد العديدة التي اعترت عمل هذه اللجان والتي لا تخضع إلى أي قانون أو قواعد محاسبية مما جعلها جيوبا للتجاوزات الخطيرة "باسم المرونة" على غرار: الانتدابات بالمحاباة وإرضاء الشخصيات المتنفذة وإسداء مكافآت وهمية ناهيك عن أعمال الوشاية وإقصاء المعارضة من الفعل الثقافي: لجان يعينها المعتمد والوالي وشعب التجمع الدستوري الديموقراطي مع حفظ بعض الاستثناءات"4tunisienews.tn .

تجدر الإشارة ان مراد الصقلي خليفة مبروك علي راس الوزارة في إطار حكومة التكنقراط ارجا حل اللجان بسنت فدخلت طي التاريخ نهائيا مع وزارة السيدة لطيفة لخضر. وقد خلق حل هذه المؤسسات اشكالا كبيرا نتبينه في تعليق وزيرة اول حكومة لما بعد الانتخابات التشريعية:" وقع حل اللجان الثقافية فعلا وتم ذلك في ظرفية ثورية تلت الثورة الشعبية ولكن هناك نواة عقلانية حول حل هذه اللجان. للأسف حادت هذه اللجان من قبل عن هدفها فالعلاقة التي كانت قائمة بين الدولة والحزب الحاكم وعدم الفصل بينهما بل وهيمنة الحزب الحاكم على الدولة زمن حكم بن علي جعلت اللجان الثقافية أداة طيعة   (...)وهناك حسب ما فهمت لجان استشارية ذات تركيبة ديمقراطية ستعوض اللجان الثقافية. لكن ربما كان من الأفضل عوض حلها بصفة راديكالية اصلاحها وتخليصها من الهنات ويبدو أن هناك حجج قوية للدفاع عنها اليوم"5assabah.com.tn وزيرة الثقافة لطيفة لخضر "للصباح".. مدينة الثقافة وحماية مخزوننا الأثري ووضعية المبدع الهشة على رأس أولوياتي،" .

 في النزعة المركزية وحدود الإصلاح

كما أكد البرنامج علي وجوب العمل على تجذير الحريات ودعمها. وكان الهدف المعلن لهذه الاصلاحات هو إعادة تنظيم المؤسسات الثقافية حسب مبدأ "الشفافية". واعتبر وزير الثقافة أن هذا التمشى هو وحده الكفيل بالقطع مع الزبائنية والمحسوبية والرقابة التي نخرت الهيكل الثقافي. كما التزم الوزير باتخاذ اجراءات والقيام بمبادرات من شأنها تنظيم القطاع مهنيا عبر جملة من الاصلاحات التشريعية والهيكلية كإحداث صندوق الدعم الثقافي وصندوق الحيطة الاجتماعية للفنانين.

وإن شرعت الوزارة في تجسيد بعض هذه الإصلاحات فذلك لم يمنع من توجيه سهام النقد إليها. ويصعب فصل هذه الانتقادات عن صراعات التموقع إزاء الدولة كمركز باعتبارها استرجعت مكانتها كمُموّل ثقافي رئيسي ووحيد. وطالت الانتقادات النشاطات المدعَّمة. لكن انصب النقد أساسا على آليات الدعم وطرق توزيعه واسناده. واعتبر المتدخلون في الحقل الثقافي سياسة وزراء الثقافة المتعاقبين فاشلة لعدّة أسباب. فاعتبر البعض أن سياسات وزارة الثقافة ليست إلا ترجمة للعدواة التي تكنها حركة النهضة الاسلامية للتعبيرات الفنية والفكرية التي تعارضها أو تخرج عن سيطرتها. كما انتقد عديد الملاحظين التعيينات حسب الولاءات الخارجية في مواقع القرار وذلك على حساب الكفاءات. وقد كتب رئيس نقابة مهن الفنون التشكيلية في هذا الصدد ما يلي: ” وبدون السقوط في التشخيص لما يحدث على الساحة عموما وضمن هذه التجاذبات السياسية والاديولوجية فأنه علينا أن نفهم بأننا إزاء حكومة تحمل مشروع ديني يقوم علي التحريم وتغيير نمط حياة التونسيين وهو مشروع يضعف أو يقوي وفق كل مجال سياسي .. اجتماعي.. اقتصادي إلا أن المجال الفني والابداعي يبدو مستعصيا بحكم خلو مشروعهم من اتباع في القطاع. لذلك فإن ما تقوم به حاليا حركة النهضة ومن خلال وزير الثقافة هو النشاط الاستطلاعي والقائم على اكتساب أصدقاء ومتعاونين من أهل الميدان إلى غاية تحقيق ما يسمي في أدبياتهم بالتمكن“.

وفي الجملة، يمكن القول ان الانتقادات ركزت على محورين. يتمثل الاول في مركزية اتخاذ القرارات. ويتمثل الثاني في تفاقم ظاهرة المحاباة المبنية على الولاءات السياسية. كما شكّل التخفيض في ميزانية وزارة الثقافة من 0،74 % (2009) إلى 0،63 % (2013) محل انتقادات شديدة. واعتبر عدد من الفنانين أنّ التقاليد السلبية التي تحكم صناديق الدعم مازالت سارية. فيرى السينمائي الشباب مهدي هميلي أن "السينما التونسية هي في طريق الاضمحلال وأن واقع الثقافية بعد الثورة هو تراجيدي. فالبيروقراطية الثقافية تريد البقاء إلى الأبد ويناضل بعض الفنانين الشبّان من أجل ابداعاتهم. وما عدى ذلك، الفراغ. ماذا قدمت الثورة للشعر؟ للسينما؟ للمسرح؟ للأدب؟ ربما إسم أو إسمان“. وتتجه أصابع الاتهام للبيروقراطية المتحكمة في دوائر وزارة الثقافة ومفاصلها منذ عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ويأخذ هذا الصراع منحا جماليا. إذ يعتبر الفنانون الشبان أنفسهم ممثلي الطلائع والتجديد في حين يمثل القدامى رؤى متكلسة برهنت على اهترائها في تعاملها مع الزامات الثقافة "المراقبة" التي أسس لها نظام الرئيس السابق.

ومن الجدير بالذكر، أن بعض الفاعلين في الحقل الثقافي والمحسوبين على حزب حركة النهضة انضموا، ولو بأقل حدة، إلى زمرة المنتقدين. إذ اعتبر أحدهم، على صفحات جريدة "الفجر" الناطقة باسم الحركة الإسلامية، بأن الحركة لم تكن في حجم التطلعات والآمال بما أنها لم تراهن على الثقافة. وهي غير عابئة بمشاغل الفاعلين في الفضاء الثقافي. كما ان ليس لها مشروع ثقافي واضح في خضمّ فترة انتقالية باتت شديدة الاضطراب. فاتسمت مبادرات وزارة الثقافة بالضبابية كمن يسير دون بوصلة.

ولم تتعدى تلكم المبادرات الفردية والوقتية، والتي لم تَسْمُ قط إلى مشروع ثقافي يلتف حوله الفنانون، طور التخطيط. وذلك في ظل لا مبالاة السياسيين وصعود الرقابة الاجتماعية وضغوطات الفنانين ومطالبهم الملحة بالإصلاح. فلم يتمكن وزير الثقافة وإدارته من ترجمة انتحارات المثقفين ولا طفرة الأمل التي كانت تحدوهم إبّان الثورة.

وفي هذا السياق، ولفهم هذا الفشل في تطوير المشهد، يمكننا افتراض أنّ تمسك الفنانين بالدور المنظم والهيكلي للدولة في العملية الثقافية هو الذي عطّل التغيير. فلم تأتي تطوّرات خارجة عن طاحونة الشيء المعتاد وبقي تشريك القطاع الخاص والمؤسسات في دفع الفعل الثقافي شعارا خاويا طالما تردد تحت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي دون نتيجة أو فائدة تذكر. ومن الصعب هنا تصور انبثاق ثقافة طلائعية وثقافة مقاومة بالمفهوم الذي يعطيه جيل دولوز للكلمة في إطار مؤسسة اثبتت أنها غير قادرة على أن تتعاطى مع الواقع وتأخذ فيها القرارات بصفة عمودية بالرجوع إلى المركز. كما أن الحريات الفنية والابداعية اصبحت مهددة زمن ربيع الحريات الذي اتت به الثورة. فأخذت الضغوطات التي مورست على الفنانين أشكالا متعدّدة لعل أهمها المظاهرات والاعتداءات بالعنف على الفنانين وعلى الانتاج الفني وتعدد المحاكمات التي استهدفت مضامين الأعمال الفنية اضافة الى اصحاب هذه الاعمال.

وقد كانت الحركات المتطرفة، التي تعرف بالحركات السلفية ثم التكفيرية، المسؤولة الاولى عن هذه الاعتداءات. وسرعان ما تحولت هذه الممارسات القائمة على العنف بمختلف اشكاله فطالت مقامات الأولياء الصالحين التي تُعتبر رمزا من رموز التراث التونسي. إذ وقع حرق حوالي 50 مقام من مقامات الصالحين من بينها مقام السيدة منوبية ومقام الشيخ سيدي أبوسعيد الباجي. ويحتل هذين المقامين مكانة مركزية في التدين الشعبي وفي الذاكرة الجماعية التونسية. وكان أول استعراض للقوة الضاربة للحركات التكفيرية في صراعها مع الفنانين بمناسبة اليوم العالمي للمسرح يوم 25 مارس 2012 حيث حاصرت أعداد هامة من السلفيين الفنانين الذي كانوا يحتفلون أمام مبنى المسرح البلدي بقلب العاصمة وأجبروهم تحت التهديد على الفرار إلى داخله والتحصن به. في نفس اليوم، وقع الاعتداء بالعنف على الفنان المسرحي راجب مقرى في مدينة الكاف والذي أصيب بجروح خطيرة. ويوم 10 جوان 2012، هاجمت مجموعة من السلفيين قصر العبدلية بالمرسى حيث يقام معرض سنوي للفنون التشكيلية. ورأى المقتحمون أن بعض الأعمال المعروضة تمسّ بالمقدسات. وكان الهجوم بتحريض من أحد الوجوه السلفية التي تترأس جمعية دينية حينها ـ تحولت الى حزب سياسي فيما بعد. وكانت هناك مغالطة للرأي العام حيث تم نشر صورة للرسول محمد ممتطيا البراق معروضة في السينغال على اساس انها معروضة بالمرسى. وقد اكتشف الجميع فيما بعد أنّ العمل الفني الذي أثار هذه الضجة لم يكن من بين الاعمال المعروضة في قصر العبدلية وأن العملية كانت مفتعلة. وتخللت هذا الهجوم أحداث شغب متفرقة أجبرت الحكومة على إعلام حالة منع الجولان في تونس الكبرى.

وعلى إثر هذه الأحداث قرر وزير الثقافة غلق الفضاء وتقديم شكوى قضائية ضدّ الفنانين دون التثبت من فحوى ادعاءات المهاجمين. وأصدرت الرئاسات الثلاث بيانا موحدا شجبت فيه المسّ من المقدّسات التي لم يمكن بأي حال اعتبارها ضمن خانة حرية التعبير وأن الهدف من مثل هذه الأعمال الفنية هو اختراق المجتمع التونسي وتقسيمه وتأجيج نيران التفرقة. كما قدّم نواب حزب حركة النهضة في هذا السياق مشروع قانون يجرم المسّ بالمقدسات. وهوما أثار نقاشا حادا حول المقابلة بين المقدس وحرية الابداع وعن معنى المقدس وعن مدى مسؤولية الدولة في حمايته على حساب الحريات الفنية والثقافية والابداعية. ومن هذا المنطلق، وبسبب عدم وضوح الرؤية في هذا الصدد وعدم توخي سياسة واضحة في الموضوع، وقع منع العديد من التظاهرات الفنية. فلم تتمكن فرقة موسيقى إيرانية من تقديم عرض موسيقي في القيروان. إذ اعتبر المحتجون أنّ السماح لهذه الفرقة بتقديم العرض انما تشجيع على نشر المذهب الشيعي في حين وجب التصدي له.

وأمام تعدّد مثل هذه الأحداث، لاحظنا تطوّر موقف وزير الثقافة الذي ساند سابقا السلفيين في أحداث العبدلية. فاصطف بعد ذلك مع الفنانين معتبرا أنّ موقف البعض من الفن هو تناج تجاذبات دخيلة في طبيعتها عن المجتمع التونسي المعتدل والمنفتح. وقد اتخذ هذا الموقف خصوصا مع تعدّد التهديدات بإهدار الدماء وبعد ممارسة العنف على بعض الفنانين مثل الشاعر الصغير أولاد أحمد. وأصدر وزير الثقافة إثر هذه الحادثة، بيانا ذكر فيه أنّ حرية الرأي والابداع تمثل مكسبا أساسيا للثورة لا يمكن التخلّي عنه. ونادى الوزير المثقفين والفنانين لتكوين جبهة موحّدة ضدّ المشاريع الرجعية. ولم يمنع هذا الموقف السياسي الصريح ضد قوى الرجعية والمقصر من الناحية العملية من تواصل اعمال العنف ضد الفن والتراث. وتواصل هذا الامر حتى استقالة حكومة الترويكا بعد اغتيال البرلماني اليساري الحاج محمد البراهمي. وقد أدخل هذا الاغتيال البلاد في أزمة سياسية حادة أدت الى تغيير الحكومة السياسية بحكومة التقنقراط. وتمثلت مهمة هذه الاخيرة الأساسية في تسيير الأعمال لإعداد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موفى 2014.

نحو" الحد الأدنى " من سياسة ثقافية؟

قدم الموسيقي والجامعي مراد الصقلي في إطار حكومة التكنوقراط التي كانت مدة حكمها محددة ولكن هذا لم يمنع الوزير من إضفاء طابعه على نشاط الوزارة. ويبدوان خبرته في إدارة أكبر مهرجان تونسي (مهرجان قرطاج الدولي الصيفي) والذي استقال منه عقب اختلافات مع شخصيات نافذة في النظام السابق قد اعطته شرعية ودراية بالدواليب والآليات التي تسوس الفعل الثقافي في تونس.

جابه الصقلي رغم الصبغة الوقتية لحكومة المهدي جمعة ضغوطات عدة تمثلت في احتجاجات وإضرابات ارتبطت بطلبات نقابية بقيت عالقة تخص الإصلاح الإداري لهياكل الوزارة والحصول على مجموعة من الحقوق المهنية. واعتبرت النقابة العامة للثقافة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل ان الوزارة تراجعت عن الاستجابة للطلبات وتحقيق الإصلاحات الهيكلية وتمكين العاملين والإطارات من الحقوق المهنية6youtube.com youtube.com واعتبرت ان الوزارة تهربت من تجسيد الاتفاقيات التي كانت طرفا في صياغتها.

وطالبت النقابة بتحسين ظروف العمل وإصدار النظم الأساسية الخاصة بإطارات المكتبات والتوثيق والسلك الاداري المشترك بوزارة الثقافة ومراجعة النظام الأساسي للمنشطين الثقافيين اضافة الى منحة العمل الثقافي المتفق في شأنها منذ اكتوبر2011 . وقدمت عدة لوائح (43 مطلبا) في الموضوع اعتبرت ان المسؤول الأول في الوزارة لم يوليها الاهتمام.

قدم الصقلي ملامح عامة لبرنامج يمكن اعتباره إطار لإعادة تشكيل استراتيجي لأليات تدخل الدولة. اتخذ البرنامج منحي ليبرالي اذ أكد الصقلي في عديد المناسبات على أهمية مشاركة رؤوس الأموال في دعم الفنون وفي إعادة الاعتبار الي التراث كعنصر من عناصر التنمية. نادي الوزير الي تفعيل الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وأضاف الي هذا الثنائي المجتمع المدني واعتبر ان التعامل يجب ان يكون في إطار سياسة لا مركزية مبنية على التكامل بين هذه الأقطاب الثلاث. أكد الوزير في عدة مناسبات ان الدولة لم يعد بإمكانها الاستجابة لكل مطالب القطاع من تأطير ودعم.

قدم الوزير في هذا الصدد وفي إطار مشروع المالية التكميلي لسنة 2014 قانون لتشجيع الرعاية الثقافي بوضع تحفيزات جبائيه. واعتبر الصقلي ان المعارض والمهرجانات الدولية هي المعنية الاولي اذ انها لا يمكن ان تتطور ان واصلت الاعتماد على تمويلات الدولة والاكتفاء بها.

وقدم الوزير الذي أتت كل تدخلاته خالية من مفردات البلاغة الثورية برنامجا في تسعة نقاط اعتبرها البعض مجرد نوايا وعموميات لأنها تعيد صياغة اقتراحات معهودة. يمكننا اختزال اهم افاق التمشي الوزاري في بعض المحاور الأساسية يرمي الأول كما أسلفنا القول الي تطوير المنظومة التشريعية والاقتصادية لتحفيز راس المال الخاص للاستثمار في الثقافة.

المحور الثاني هو توفير المناخ الملائم للأبداع الحر والانخراط في مفهوم الديمقراطية الثقافية والحق في ممارستها.

وجاءت لامركزية الفعل الثقافي في اعلي سلم الاهتمامات وهي تمر بتأهيل المؤسسات الثقافية عن طريق دعم البني التحتية والموارد البشرية والتقنية7تتصرف وزارة الثقافة علي 223 دار ثقافة 70 منها فقط تتوفر فيها التجهيزات الملائمة للعمل الثقافي، ويطالب المختصون منذ مدة بجرد عام للتجهيزات المتوفرة باعتبار الإصلاح غير ممكن في غياب الوقوف علي حقيقة الإمكانيات. .

كما تعهد الوزير بإرساء اليات لدعم وتثبيت منظومة الملكية الفكرية وزجر المخالفين. كما أكد البرنامج على أهمية التراث المادي وذلك برسم الخارطة الوطنية للتراث وإعادة الاعتبار للمعالم المصنفة في التراث العالمي والمعالم التاريخية.8560 معلما، 95بالمائة منها غير مستغلة.

والجدير بالملاحظة هوان البحث عن الشراكة مع الخواص الذي يمكن اعتباره خطوة اخري في تفكيك "الدولة الثقافية" لم " يستفز" الفاعلين الثقافيين رغم ما يمكن ان يمثله من ضغط على هيكلة الحقل عبر عدة استراتيجيات لتحقيق الربح المادي والرمزي (الاهتمام بالفنانين "النجوم" علي حساب الشبان والاهتمام بالمضامين النمطية علي حساب التجديد) اذ يمثل المنطق الربحي قطيعة مع نموذج ثقافي اعتبر تأسيس الانسان التونسي الجديد واحدة من اهم رسائله. وفي هذا السياق اعتبر الصقلي:" بالنسبة للخمس سنوات قادمة، يجب ان نطرح علاقة الثقافة بالتنمية، هذه نقطة الضعف في تونس، الثقافة لا يجب ان تكون ثقافة بحتة بل يجب ان نربطها بالتنمية، وبخلق مواطن شغل ومن ثمة نتحدث عن الصناعات الثقافية، هذا يحدث في كل بلدان العالم."9مراد الصقلي " يجب ان نربط الثقافة بالتنمية وبخلق مواطن شغل..." المغرب، 8 أكتوبر 2014,ص17,

فهل نحن بالفعل امام تحول في تعريف الثقافة في اتجاه مفهوم "ترفيهي“؟ هل نحن امام تكريس لمفهوم اقتصادي للتنمية علي حساب المفهوم الإنساني والتنويري الذي يؤسس للانتماء المواطني ؟

سيجيب الد ستور التونسي على هذه التساؤلات.

الثقافة في الدستور التونسي الجديد

افرد الدستور التونسي الجديد وخلافا لسا بقه فصلا للحق الثقافي. ويعتبر هذا امرا طبيعيا ن§را ان الثقافة والتعبيرات الفنية لخصت الحراك الثوري كما الصراعات المجتمعية والسياسية. الثقافة كانت واجهة الثورة والحاملة لآمالها وهي التي كانت في الوقت نفسه اول فضاء تبلورت فيه التوترات التي اجتاحت لاحقا المجتمع التونسي.

فاقتضى الفصل 42 من الدّستور أن " الحق في الثقافة مضمون. حريّة الإبداع مضمونة، وتشجّع الدولة الإبداع الثقافي، وتدعّم الثقافة الوطنية في تأصّلها وتنوّعها وتجدّدها، بما يكرّس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات. تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه."

ويعتبر هذا الفصل ملزما للدولة ومحددا لدورها اذ يدرج ضمن مشمولاتها تشجيع ودعم العمل الثقافي وهذا ما يؤكد ويدعم مكانتها المركزية. ويحافظ هذا الفصل ويدعم دستوريا تدخل الدولة ووظيفتها التعديلية مع إضافة مسؤوليه المحافظة على التراث.

ويمثل هذا الفصل صدي للصراعات والمجادلات التي تحدثنا عنها حول مسالة المقدسات ومسالة الهوية. فالدولة هي الضامنة للحريات والحامية للثقافة الاصيلة بمعني المتجذرة في خصوصياتها والمتفتحة على الثقافات والحضارات الأخرى.

والواضح ان تأويل هذه المفاهيم سيبقي رهين موازين القوي التي سيفرزها الواقع الاجتماعي والسياسي.

نلاحظ من جهة اخري ان هذا الفصل احتوي ضمنيا علي المحاور الأساسية للسياسة الثقافية وهي تكوين مخزون للأعمال الفنية والمحافظة عليها، الدعم المباشر للفنانين، وإيصال الاعمال الا بداعية الي دوائر واسعة من الجمهور.10Nathalie Heinich, La sociologie de l’art, La découverte, 2001. (Repères ;328), p .63.

اما مفهوم الثقافة فيبقي حسب هذا الفصل مرتبط بالتعريف التقليدي المبني حول ثنائية الاصالة والتفتح وفي تحليله لأهمية هذا الفصل اعتبر الباحث وليد غبارة 11وليد غبارة،"الحقّ في الثّقافة والحقوق المجاورة: قراءة في الدستور"، نواة،2 فيفري2015 ان تكريس الحق في الثقافة يبقي منقوصا ان لم يقع اسناده. ولاحظ في هذا الإطار انه وقع تدعيم الحق الثقافي بمجموعة من الحقوق المجاورة وهي الحق في صمان الحرمة الجسدية للفنانين في نطاق ما جاء في الفصل السادس حول التزام الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح ومنع التكفير والتحريض على العنف والكراهية والتصدي لها.

وتمثل حرية الراي والتعبير التي ضمنها الفصل 31 من اهم المكاسب نظرا للتجربة المريرة التي عاشتها تونس تحت حكم بورقيبة وبن على من قمع للحريات وتهميش المثقفين والفنا نين المعارضين والرافضين للتدجين. وقد بات هذا الحق من اهم مكاسب الثورة وضمنه الفصل 31 من الدستور.

ومن الحقوق المجاورة نذكر: الحق في الاعلام (الفصل 32) الحريات الاكاديمية وحرية البحث (الفصل 33) ضمان الملكية الفكرية (الفصل 42), ويمكننا ادراج اللامركزية وهي من اهم استحقاقات الثورة وباتت تمثل عنصرا أساسيا في سائر الخطابات والبرامج السياسية.

يتبين الدر الذي اولاه المشرع للدولة كفاعل ثقافي أساسي. فالدولة أكثر من لعب دور الوسيط نجدها تقف على حفتي العمل الثقافي فتتدخل في الإنتاج بدعمه وفي التقبل عندما تتكفل بالنشر والتوزيع العادل للمضامين

Endnotes

Endnotes
1 يطلق مارك فومرولي مفهوم "الد ولة الثقافية" علي النماذج الثقافية التي تتحكم فيها الدولة في الهياكل وتحدد المضامين باعلاء بعضها ويضفي ذلك علي العمل الثقافي مسحة أيديولوجية. Marc Fumaroli, L'Etat Culturel: Essai sur une Religion Moderne, Le Livre de Poche, Biblio Essais, 1999.
2 Howard Becker, Arts Worlds, The University of California Press, 1982.
3   ايمن بن يوسف،"     حل اللجان الثقافية دون ايجاد البديل يمثل خطرا على الوضع الثقافي التونسي"" essahafa.info.tn
4 tunisienews.tn
5 assabah.com.tn وزيرة الثقافة لطيفة لخضر "للصباح".. مدينة الثقافة وحماية مخزوننا الأثري ووضعية المبدع الهشة على رأس أولوياتي،"
6 youtube.com youtube.com
7 تتصرف وزارة الثقافة علي 223 دار ثقافة 70 منها فقط تتوفر فيها التجهيزات الملائمة للعمل الثقافي، ويطالب المختصون منذ مدة بجرد عام للتجهيزات المتوفرة باعتبار الإصلاح غير ممكن في غياب الوقوف علي حقيقة الإمكانيات.
8 560 معلما، 95بالمائة منها غير مستغلة.
9 مراد الصقلي " يجب ان نربط الثقافة بالتنمية وبخلق مواطن شغل..." المغرب، 8 أكتوبر 2014,ص17,
10 Nathalie Heinich, La sociologie de l’art, La découverte, 2001. (Repères ;328), p .63.
11 وليد غبارة،"الحقّ في الثّقافة والحقوق المجاورة: قراءة في الدستور"، نواة،2 فيفري2015

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.