الحركات الاحتجاجية الجديدة في مصر: هل طفح الكيل؟

دشن إعلان "الحركة المصرية للتغيير- كفايه"، التى عقدت مؤتمرها التأسيسي في 22 أيلول/ سبتمبر 2004، وشهد الشارع المصري أولى مظاهراتها في الثاني عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبرمن نفس العام، بداية عصرالاحتجاج الجماهيري الواسع النطاق، الذي يمثل، بكل المقاييس، ظاهرة جديدة على المجتمع المصري. كان الفهم الأساس الذي انطلقت منه حركة "كفايه"، يبدأ من إدراك أن الفشل الذريع لأداء "الدولة الوطنية" أو "دولة ما بعد الاستعمار" في الوطن العربي بشكل عام، وفي مصر على وجه الخصوص، وعجزها عن مواجهة التحديات والمخاطر المحيطة، داخليا وخارجيا، يعود في المقام الأول إلى غياب الحريات الإنسانية الأساسية ، التي انتزعت - قسرا- من مواطنينا، وإلى القمع متعدد المستويات، الأمر الذي أدى إلى أنهاك شعوب هذه المنطقة، وأعجزها عن مقاومة عمليات الاستغلال الداخلي المركّب، أو التصدي للمؤامرات الاستعمارية التي توالت عليها من كل اتجاه، وأوقعها في حبائل التخلف والتبعية، على الرغم من ثرواتها الهائلة وطاقاتها الكامنة الكبيرة. ومن المثير تتبع سيرورة هذه الحركة وأثرها في كسر الخوف المطلق من النظام، من قمعه، وإنما أيضا من تعاليه، حيث قدمت مثالاً متكرراً في هذا المجال أدى إلى تحرير قدرة الناس عموماً على الخروج إلى الشارع. كما من المثير رصد عملية انتقال القدرة على الاحتجاج، التي تمت بعد ذلك، من إطار أبناء الطبقة الوسطى الذين تحركت كفاية في نطاقهم وعبرت عن هواجسهم، إلى الفئات الاكثر شعبية وانسحاقاً، كالفلاحين والعمال، وهي الفئات التي عرفت اوضاعها تدهوراً مكثفاً في السنوات الاخيرة، مع انسحاب الدولة من انظمة الرعاية الاجتماعية، أو تركها تتلآكل وتنهار، ورسوخ عمليات تحرير الاقتصاد والخصخصة وتصفية القطاع العام والرجوع عن تدابير الاصلاح الزراعي. فهل عادت مصر لالتقاط انفاسها من جديد؟ تطل هذه الورقة على الحدث من موقع التعاطف مع التحركات المذكورة، فكاتبها هو واحد من أبرز مؤسسي حركة "كفايه". وينسجم اهتمام مبادرة الاصلاح العربي في اطلاع قرائها على وجهة النظر هذه مع سياستها في تحقيق التقاطع بين الاطارين البحثي والمدني.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.