الجزائريون السود: أصوات من مجتمع لا يزال يعاني من التهميش والإقصاء الشديد

جانت، الجزائر - 6 نيسان/أبريل 2017 :صورة لرجل الطوارق، الصحراء الكبرى، جبال الهقار،جانت، الجزائر © Shutterstock

رغم تعاقب ثلاثة أجيال سياسية على الجزائر منذ استقلالها، لا تزال الدولة تعارض إجراء نقاش علني منفتح وإشراك منظمات المجتمع المدني، وهي أمور ضرورية لإبراز التعددية التي تتمتع بها البلاد ولبدء التمعن في إرث الرق والتمييز العنصري. إذ إن السبيل الأرجح إلى تحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار هو عبر الاعتراف بالتنوع ومراعاته، وليس من خلال محاولة فرض هوية عربية-مسلمة بيضاء على كافة الجزائريين. ولذا ينبغي إشراك الجزائريين السود في الحوار حول الهوية والانتماء في الجزائر، وأيضاً تثقيف كافة الجزائريين حول العبودية والعنصرية ضد السود سواء في المدارس أو من خلال الأنشطة التوعوية التي تضطلع بها الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى ضرورة تدشين حملة ضد استخدام الألفاظ والعبارات العنصرية باستخفاف. وينبغي على الدولة أيضاً تبني إجراءات إيجابية بحق الجزائريين السود لتخليصهم من شبح العبودية، خاصة في مناطق الصحراء الجزائرية.

في ضوء الحراك الشعبي المستمر منذ عام 2019 والذي يهدف إلى تحقيق تحول ديمقراطي في الجزائر واستيعاب أكثر إنصافاً للتعددية الثقافية والعرقية والإثنية التي تتمتع بها البلاد، تحدثتُ إلى سليم خياط، وهو باحث أنثروبولوجيا جزائري ذو بشرة سوداء، أجرى أبحاثاً حول رُهاب السود في المغرب العربي.

من هو سليم خياط؟

أعمل باحثاً في الأنثروبولوجيا لدى "المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وفي علم الإنسان والتاريخ" الجزائري. وتخصصي هو طقوس وشعائر السود في الجزائر. أدرسُ أيضاً تمثيلات السود ووصمهم اجتماعياً باعتبارهم "الآخر" في المتخيّل الجزائري. تتضمن أبحاثي المنشورة: "رهاب السود في الجزائر: دراسة تحليلية للعبارات القائلة إن الشر مُلون"1Salim Khiat,” De la Negrophobie en Algerie: Autopsie des mots qui dissent le Mal en couleurs” in Stephanie Poussel editor, Noirs au Maghreb: Enjeux Identitaires (Paris: Karthala, 2012).

، و"السود في الجزائر: ما لنا وما لهم. السكان الأصليون السود والمهاجرون القادمون من جنوب الصحراء الكبرى: الآخرية المتداولة".2Salim Khiat, Les Noirs en Algerie: Les Notres et Les Leurs: Noirs autochtones et immigres subsahariens. L’Alterite en Circulation, Naqd 2015/1 (N 32) pp. 207-225.

في رأيك، ما هي أكثر أشكال التمييز شيوعاً التي يواجهها الجزائريون السود؟

التمييز في الزواج. الذي يمكن اعتباره، على أحد الأصعدة، نوعاً من التمييز "الإيجابي"، فوفقاً لأعراف الموروث الثقافي الشعبي، التي تواجهها الجزائريات ذوات البشرة السوداء، والتي لا تزال ترفض مساواتهن بالمواطنات الجزائريات العاديات:

  • لدى المرأة السوداء مكانة رمزية بوصفها راعية.
  • تقوم المرأة السوداء بدور الوسيط بين العائلات عند التقدم للزواج.
  • في المخيلة الجمعية الجزائرية، تعد المرأة السوداء فرداً أساسياً في حمام العروس، على افتراض إلمامها وبراعتها في الأمور الحسية، كأن تتواجد مع شخص يتمتع بقوة خارقة قادرة على مواجهة الأرواح الخفية التي تسكن الحمامات.3 ملاحظة من المحرر: هذا جزء من المخيلة الجمعية الجزائرية.
  • تشارك النساء السوداوات بفعالية في تجهيز "تصديرة العروس": عبارة عن مجموعة من الألبسة (التقليدية الفاخرة) المتنوعة التي ترتديها العروس يوم زفافها.
  • تُعد المرأة السوداء رمزاً للثقة، إذ يُمكنها الوصول إلى الأطقم والمجوهرات وغيرها من الأشياء القيمة.

لكن على الجانب الأكثر سلبية، لا يزال الزواج المختلط أمراً مستنكراً، إلا في حال أن أساءت المرأة البيضاء لشرف العائلة. ولا يمكن بأي حال التودد إلى النساء السوداوات (أو مغازلتهن)، بل يُسمعهن المارة في الشوارع همسات الاستهجان والاستحقار وربما يصل الأمر إلى حد تجنبهن تماماً، كما لو كن غير موجودات. وتزداد المعاملة السلبية للنساء السوداوات سوءاً إذا ما سبق يوم خروجهن عرض تلفزيوني عن السود، الذين غالباً ما يصورون في الأدبيات الشعبية باعتبارهم تجسيداً للشر. وتتزوج الفتيات السوداوات في أغلب الأحيان من نفس عائلاتهن. وفي منطقة القبائل، في شرق الجزائر، عادة ما تتزوج الفتيات ذوات البشرة البيضاء المتهمات بممارسة الجنس غير المشروع (العلاقات الجنسية قبل الزواج غير قانونية في الجزائر) من رجال سود. وفي جنوب غرب الجزائر، لا تحتاج الأعراف الاجتماعية إلى إيضاح: فالزواج المختلط ممنوع قولاً واحداً. وهو ما يعني، أن الحرطاني (المستعبد أو الأسود المؤسلم أو المستعرب المعتوق حديثاً) لا يمكنه التزوج، أو تحمل تكاليف الزواج، من سيدة "شريفة"، وأيضاً من سيدة بيضاء في منطقتي.

أود إضافة أن الرجال البِيض في الجنوب هم من يعملون على استمرارية تلك العلاقة القائمة على هيمنة البِيض على السود. فخلال الاحتفالات والمراسم الدينية أو غيرها من الاحتفالات المحلية (الزيارات) يكون السود -الذين يطلق عليهم اسم حرطاني بسبب لون بشرتهم الأسود ولأنهم كانوا عبيداً في السابق- هم المسؤولون عن جلب مياه "الغسيل" -أو الوعاء المتنقل لغسل اليدين- حتى يتمكن الضيوف ذوي الألقاب الدينية (الشرفاء والطلباء ونحو ذلك) والمدراء من غسل أيديهم قبل الأكل مجتمعين.

أما في الشمال، فيحدث العكس، بمعنى أن نساءً في نفس عمر أمي الراحلة مثلاً (التي توفيت عن عمر يناهز 83 عاماً)، هن من يصن تلك الحواجز ويبقين عليها. أتذكر عندما كانت تلتقي بأحد الجيران أو برجل من المنطقة ينتمي لعائلة من الطبقة البرجوازية القديمة في الجزائر، أو عائلة تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي، لأن منطقتنا كانت تمتهن الزراعة، كانت هي من تبادر دائماً بالتحية مضيفةً لفظة "سيدي"، وعندما تسأله عن أخبار زوجته كانت تسبق اسمها بلفظة "للّا" أو "لا"، كأن تقول "للّا فطومة" أو "لا حنيفة".

يمكنني إضافة الآتي عن العنصرية والتمييز ضد السود في الجزائر. من الناحية الدستورية، فإن مشكلة العنصرية ليست قائمة؛ إذ ينص الدستور الجزائري على أن جميع الأشخاص متساوون أمام القانون. ولذا أستغرب عندما يتم إيقاف السود الجزائريين عند حواجز الدرَك أو الشرطة ويُوجَّه إليهم سؤال "من أين أنتم"؟ حتى لو أبرزوا الأوراق التي تُظهِر هُويّتهم الجزائرية.

أود أن تخبرنا عن وضعك كباحث مرموق. هل غيّرَ ذلك الوضعُ النظرةَ إليك كجزائري أسود؟ هل تواجه نفس القدر من العنصرية الذي يلقاه أي جزائري أسود آخر، أم تُعاني قدرًا أقل من العنصرية ضد السود بسبب وضعك المهني؟

لكي أكون صادقاً معكم، لا أعتقد أن هناك تغيير في التصور تجاه أي جزائري أسود. بل على العكس، ما تزال العنصرية المناهضة للسود كما هي تجاه الجميع، لأن من الممكن أن يهاجِمك أحدهم بإهانات عنصرية دون معرفتك، وبغض النظر عن وضعك الاجتماعي.

وأود هنا أن أحكي قصة وقعت لي تقريباً في نفس الوقت الذي كنت أقدم فيه دفاعي عن أطروحتي للدكتوراه، وحينها صنف أعضاء لجنة المناقشة والتحكيم مقارَبتي على أنها ذاتية. قبل أيام من موعد الدفاع في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، كنت عائداً إلى البيت بصبحة طفلَيَّ، أقود سيارتي من طراز BMW 520i (وهي قديمة موديل 1988). كانت أمامي سيارة يقودها صاحبها ببطء، وأردت تجاوزَه مع اتباع جميع الاحتياطات اللازمة، ومنها الانتباه إذا ما كانت سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس. ولقد كانت هناك بالفعل سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس، ولكنها كانت بعيدة جداً، مما أتاح لي وقتاً كافياً لتجاوُز مَن أمامي، دون التسبب في أي مشاكل لهذا الشخص الذي تجاوزتُه أو لذلك القادم من بعيد. كانت نافذة سيارتي مفتوحة، فسمعت الشخص الذي يقود السيارة الأخرى يصيح في وجهي "يا العبد". قلت لطفلَيَّ ذلك اليومَ "من حسن الحظ أن ما أقوم به كوظيفة تحليلية ليس خيالاً علمياً".

هذا يعني أن الأشخاص الذين هم مثلي ومثلك، ذوي السمات المميِّزة [البشرة السوداء]، يمكن أن يُعامَلوا على أنهم "الآخر"، ويُواجهوا عداءً عنصرياً. وهذا يحدث خصوصاً حين يشعر الشخص الأبيض بالتهديد (كما هو الحال عند تجاوُزه خلال قيادة السيارة)، أو حين يشعر بوقوع هجوم عليه أو أن هناك مَن يتحدّاه.

وفي صورة عدائية سلبية من العنصرية، يعتبر البِيض السودَ أصدقاء أو جيران أو زملاء، …، أو الرفيق الأسود، أو "كَحْلُوشه" [الأسود بالدارجة]، أو صاحبه ذو الأنف التي تشبه البطاطا الكبيرة، إلخ.

يقع العداء العنصري عند النزاعات على النفوذ والوضع الاجتماعي والمال. فعلى سبيل المثال، في خطابٍ وقعه رئيس اتحاد الباحثين في مركزنا، جرى اختياري رئيساً لإحدى اللجان المشترَكة. إلا أن الإدارة، وراء الكواليس، أصرت على أن شخصاً أسودَ مثلي ليست لديه القدرة أو المؤهلات على القيام بوظيفة إدارية. هكذا ترى أنه حين يشعر الرجل الأبيض أنه في خطرٍ من فقدان امتيازاته، يُبرِز "مخالبه" اللفظية لإلحاق الأذى.

ودعني هنا أضيف أنني حين كنتُ أصغر سناً، واجهت العنصرية أيضاً. فمنذ صِغر سني كنت أُنادَى "بطاطا سودا" في المدرسة، وكان هذا يُحدِث مشاكل وشجارات يومية في حوالي الساعة الثانية عشر ظهرًا، بعد خروجنا من المدرسة. وكان صديق من الصف يبيع تذاكر لحضور تلك الشجارات. ولكن بفضل والدي (رحمة الله عليه) الذي علمني أن على الرجل أن يدافع عن نفسه بالقول والفعل، لذا كنت أنهي تلك الشجارات كما ينبغي.

في الحياة اليومية، قد يُعتبَر المرء "تعويذة حظ" أو "ذو بركة"، ومن ثَم يُنظَر إليه كقوة خفية إيجابية. على هذا المستوى، الذي تغذيه الأساطير والخرافات بالطبع، يستفيد السود من التبرعات التي تكون في صورة أموال وحلوى وعطور، وغير ذلك. إلا أن السود، مع ذلك، ليسوا مواطنين جزائريين عاديين كالجميع. يواجه الجميع نفس العنصرية والتمييز القائم في أوساط البِيض ضد السود، سواء كان أولئك السود مثقفين أم لا.

ماذا عن تجارِب السود القادمين إلى الجزائر من البلاد الأفريقية جنوب الصحراء؟

في جزائر اليوم، يتعرض السود القادمون من دول جنوب الصحراء، قبل غيرهم، للتمييز ويعانون العنصرية الشديدة في الشوارع. ولذا يعملون في السوق السوداء، نتيجة عدم حصولهم على تصاريح العمل؛ فنجدهم يقومون بأصعب الوظائف نظير أقل الأجور. وليست هناك عائلة، في الجزائر العاصمة، قامت بأعمال بناء دون تشغيل بعض السود عمالاً في حمل الرمل والحصى، وحفر الأساسات، ونقل أطنان من التراب على ظهورهم. علاوةً على ذلك، يقومون أيضاً ببناء الخنادق وتصريف المجاري في المناطق المأهولة؛ وكل ذلك مقابل أجورٍ أقل بعشر مرات مما يتلقاه الجزائريون.

تتناول في كتاباتك اللغة العنصرية ضد السود في الجزائر. هل يمكنك مشاركة هذه المفردات مع قرائنا؟

من الممكن أن يصنف السود في الجزائر على نحو سلبي حسب لونهم: فنجد أن تعبير "الأكْحَل" (الأسود) يتحول إلى "كَحْلُوش" (الشخص ذو البشرة السوداء)، و"مير أوبا" (فحم)، و"قربة كَحْلة" (وعاء أسود لحفظ الماء مصنوع من جلد الماعز)، و"بطاطا سودا" (الشخص ذو الأنف الأسود الكبير الذي يشبه البطاطا)، و"حبّة زيتون" (في إشارة إلى لون الزيتون الأسود). أو يُمكن الإشارة إلى السود باستخدام مرادفات تُعبر عن حالة العبودية القديمة من قبيل: "خادم"، و"وصيف" (العبد الذي يعيش في المنزل) و"عبد" و"حراطين" (العبد المحرّر) و"باباي" (الزنجي).

هل حشد الجزائريون السودُ الجهودَ لاستنفار منظمات المجتمع المدني لمكافحة العنصرية ضد السود؟ وإذا لم يفعلوا ذلك، فما المانع؟

لا توجد جهود منظمة لمكافحة العنصرية ضد السود في الجزائر. ولا توجد محاولات لحشد الجهود لتشكيل جبهة مع القيادة والمناضلين، وتأسيس مكتب، وما إلى ذلك… لأسباب عديدة، من بينها سببين يبدو لي أنهما أبعد أثراً بصورة جوهرية.

أولاً، يضطلع التدين الذي يتمتع به معظم الجزائريين السود بدور في ذلك. ففي العالم العربي الإسلامي يُملي الإيمان سلوك الإنسان ويوجهه. إذ يدرك السود وغيرهم أن النبي محمد يقول "لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى". هذه هي القيم التي يرشدنا إليه الله تعالى. إذ يدعو هذا الحديث المليء بالمعاني، مع العديد من الآيات القرآنية، إلى قيم "المساواة والعدل". ويتحدد الاختلاف بين البشر على مستوى العلاقة مع الله والخيارات التي يتخذها الأفراد؛ ومن بين تلك الخيارات ثمّة أولئك الذين لا يترددون ولا يردعهم رادع عندما يتعلق الأمر بإظهار المرتبة الاجتماعية، والمكانة العائلية، والأصل القبَلي، والماضي السحيق لوجودهم، والفخر بعرقهم ولغتهم، وما إلى ذلك… بيد أن التدين الذي يتسم به معظم الجزائريين السود يحول دون رؤية التمييز الذي لا يضرب بجذوره بعمق في المجتمع فحسب، ولكنه أيضاً غير معترَف به سياسياً كقضية إشكالية وكدافع لخلق حركة اجتماعية لمكافحة العنصرية ضدّ للسود.

هل تقصد أنه لكون الجميع متساوين في الإسلام، فليس من الضروري التنظيم لمناهضة التمييز الذي يواجهه الجزائريون السود، أو أن الجزائريين السود ربما لا يواجهون تمييزاً؟ وإذا كانوا يواجهون هذا التمييز على المستوى الاجتماعي-الاقتصادي، فهل يمكنك طرح المزيد من التفاصيل وتقديم بعض الأمثلة؟ وهل تقصد أن ارتفاع مستوى التدين لدى الجزائريين السود يمنعهم من إدراك أنهم يتعرضون للتمييز؟

يدرك الجزائريون السود أنهم يتعرضون للتمييز. ويعرفون أن ممارسات الأفراد وسلوكهم تختلف عن النصوص القرآنية وغيرها من الأدبيات الدينية. فليس الإسلام هو ما يمنعهم من تنظيم حركة مناهِضة للتمييز ضد السود، ولكنهم يوظّفون الإسلام في إقامة العدالة؛ لأن الإهانة العنصرية تعتبر إهانة الله نفسه باعتباره الخالق. وقد شاهدت واقعة تعرضت فيها امرأة سوداء للتمييز خلال طقوس "الكناوة"؛ فتوسلت إلى الله وهي في حالة من النشوة والبكاء من أجل تحقيق العدالة وأن ينصفها على من اعتدَت عليها، وهي كما يبدو امرأة كانت قد وصفتها بأنها "قبيحة" و"قذرة". وهذا يعني أن السود هنا، على النقيض من العالم الغربي، يؤمنون بالعدالة الإلهية، فنحن نعطيها هامشاً واسعاً ودوراً في مكافحة العنصرية.

وفي حالات أخرى، يتلاشى هذا الهامش. فثمة رجال وشباب من السود لا يتسامحون مع هذا النوع من العدوان؛ وفي التو واللحظة يكون لهم رد فعل قوي وعنيف، مدافعين عن شرفهم وكرامتهم. ولكن على وجه العموم، تنطوي هذه الحالات من التمييز على إهانات لفظية وتستلزم استجابة على نفس المستوى، كالقول إن "عبيد القصور قد ’استغلوا نساء القصر جنسياً‘؛ في إشارة إلى أن المعتدي الأبيض يمكن أن يحمل في ملامحه أو ملامحها صفات السود من الزمن الماضي".

أما على الصعيد الاجتماعي-الاقتصادي، فثمة عدد قليل من السود الذين يعملون في الجيش أو يشغلون مناصب إدارية (كمسؤولين منتخبين في بلديات وقرى الجنوب الغربي) ممّن بذلوا جهوداً لمواجهة الاعتداءات والتحيزات التمييزية؛ ولكنهم طاعنون في السن، وهم أقلية، فلذا لا يستطيعون التغلب على الأغلبية.

أما النقطة الثانية فتتعلق بمستوى التعليم والظروف الاجتماعية-الاقتصادية للسكان السود في الجزائر. تتسم الوسائل المتاحة أمام الجزائريين السود وظروفهم الاجتماعية-الاقتصادية بأنها غير ملائمة لإنشاء منظمة مجتمع مدني مناهضة للعنصرية ضد السود. وحتى في ظل وجود خريجي جامعات من السود في الجزائر الآن، فإن قضايا التمثيل والإدماج والتمييز لن يُسلّط عليها الضوء بسبب "القوانين" التي تحكم الحياة الاجتماعية في الشمال والجنوب على وجه الخصوص.

ما هي "القوانين"والأعراف التي ذكرتَ أنها تحكم الحياة الاجتماعية في الشمال وفي الجنوب على وجه الخصوص؟ ولماذا تحظى بمثل هذا القبول؟

تشمل "القوانين" التي تحكم الحياة الاجتماعية في الشمال، وكذلك في الجنوب، فيما يتعلق بالحد الفاصل بين السود والبِيض، ما يلي: تاريخ ومكانة عائلات المُرابطين، والمريدين في الزوايا، والعائلات التي كانت تمتلك الشركات التجارية في الماضي التي تتسم بالغنى أو من الطبقة النبيلة (على غرار تجار المجوهرات، والصاغة، وتجار الأقمشة والسجاد المصنوع من الصوف الخالص، وما إلى ذلك)، سواء في المناطق الحضرية أو في منطقة الصحراء الكبرى. فهذه القوانين تُحدّد العلاقة مع السود، وتعمل كحواجز وحدود لا يجب تجاوزها.

 

Endnotes

Endnotes
1 Salim Khiat,” De la Negrophobie en Algerie: Autopsie des mots qui dissent le Mal en couleurs” in Stephanie Poussel editor, Noirs au Maghreb: Enjeux Identitaires (Paris: Karthala, 2012).

2 Salim Khiat, Les Noirs en Algerie: Les Notres et Les Leurs: Noirs autochtones et immigres subsahariens. L’Alterite en Circulation, Naqd 2015/1 (N 32) pp. 207-225.

3  ملاحظة من المحرر: هذا جزء من المخيلة الجمعية الجزائرية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.