التطبيع العربي مع إسرائيل في سياق الحرب على غزة: مقابلة مع معين رباني

رغم أن القضية الفلسطينية لم تحظ أبداً بمكانة محورية في اتفاقيات إبراهيم، إلا أن الحرب بين حماس وإسرائيل والهجوم المستمر على غزة دفع الكثيرين إلى التشكيك في مستقبل التطبيع العربي مع إسرائيل. في هذه المقابلة، يناقش المعلق والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط المعاصر معين ربّاني، تأثير الصراع الحالي على عملية التطبيع وما تعنيه اليوم بالنسبة للفلسطينيين.

  • إلى أين ستذهب الأزمة الحالية بعملية التطبيع التي بدأتها إدارة ترامب؟

معين ربّاني: بدأت عملية التطبيع مع إدارة كارتر في شكل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وجميع أنواع العلاقات غير الرسمية كانت موجودة قبل ذلك. أما سلسلة التطبيع التي بدأت خلال سنوات إدارة ترامب فيجب أن تسمى تطبيع ترامب-بايدن، ذلك أن إدارة بايدن تبنّت مبادرة ترامب بحذافيرها، بل إنها في الواقع جعلتها العنصر المهم الوحيد في دبلوماسيتها في الشرق الأوسط منذ وصولها إلى السلطة. فقد عملوا جاهدين لإضافة اتفاقية إسرائيلية سعودية إلى الاتفاقيات القائمة بالفعل. أنا شخصياً لا آخذ احتمالات هذه الاتفاقية على محمل الجد، حيث أرى الكثير من العوائق التي تحول دون تحقيقها. على سبيل المثال؛ لو سلمنا بمصداقية التقارير الصحفية، فإن المملكة العربية السعودية كانت تبحث في المقام الأول عن جني مصالح من الولايات المتحدة، والتي كان من بينها ضمانات أمنية والسماح بعملية تخصيب نووي محلي، وكلاهما يتطلب موافقة الكونجرس، وليس فقط البيت الأبيض. ومن المستبعد أن يوافق الكونغرس على أي من هذين الإجراءين، حتى بدعمٍ من اللوبي الإسرائيلي.

ثانياً، تتضمن الاتفاقيات تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين، ورغم أن هذا البند ذو طابع تجميلي بالمقام الأول، إلا أنه لم يكن ليحظى بموافقة الحكومة الإسرائيلية الحالية. كما أنني أتساءل أيضاً عن مدى جدية المملكة العربية السعودية في الانخراط في هذه العملية، بدلاً من محاولة إظهار حسن النية مع علمها الكامل بأن ذلك لن يحدث، لكنها مجرد تكهنات من جهتي. وعلى عكس دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن الرأي العام مهم في المملكة العربية السعودية، حتى أنه أكثر انخراطاً في هذه القضايا. من الناحية التاريخية على الأقل؛ يظهر جلياً أن القيادة السعودية أكثر حساسية للرأي العام بشأن فلسطين من القيادة المغربية، على سبيل المثال. كانت لدى المغرب علاقات وثيقة جداً مع إسرائيل منذ الستينيات؛ بيد أن الرأي العام مؤيد بشدة للفلسطينيين، وفي كل مرة يحدث شيء ترى مظاهرات حاشدة في المدن المغربية، وتسلك السلطات مبدأ "لا تحاول منع أو قمع هذه المظاهرات"، لكن يبدو الأمر كما لو أن هاتين التظاهرتين تجريان على مستويين مختلفين. إذ يبدو أن الحسابات في المملكة العربية السعودية مختلفة إلى حد ما. ولهذا السبب أعتبر أن الكفة تميل إلى تعطيل التطبيع.

لم يعدُ تأثير الحرب الحالية على غزة على تلك الاتفاقية سوى تعليقها حتى إشعار آخر. ولا أتوقع حدوث مزيد من المفاوضات بين السعوديين والإسرائيليين. أما بالنسبة للدول الأخرى، فلم يتأثر وضع التطبيع، وهو ما يتفق مع الأحداث السابقة التي شهدناها، حيث لم تتأثر البحرين والإمارات بمواجهات 2021، ولم يتأثر السلام مع مصر بغزو لبنان عام 1982 ومجازر صبرا وشاتيلا. وقد شهدنا انسحاباً طارءًا للسفراء، خاصة في بداية الانتفاضة الثانية، لكن بشكل عام تمكنت هذه الاتفاقيات من الصمود في صراعات مثل تلك التي نشهدها الآن. وأود أن أذهب إلى أبعد من ذلك وأقول إنه إذا أخذ المرء احتمال التوصل إلى اتفاق سعودي إسرائيلي على محمل الجد، فليس هناك سبب للاعتقاد بأن حمام الدم الذي نشهده الآن سيخرجه عن مساره، لأن هذا الاتفاق لا علاقة له بالفلسطينيين في المقام الأول. وأستطيع أن أتخيل أن السعوديين سيوقفون العملية مؤقتاً، ليستأنفوها مرة أخرى عندما تهدأ الأمور. الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين، لذلك أرى أن ما يحدث في فلسطين ليس هو ما يحدد مصير هذه الاتفاقيات أو يخرقها، بل يحدث ذلك لأسباب خاصة بأطراف تلك الاتفاقيات نفسها؛ ومن هنا فإن ما قد يؤثر على هذه الاتفاقيات هو تكشّف أكبر وأكثر وضوحاً للضعف الإسرائيلي، حينها ستبدأ الحكومات العربية في فقدان الاهتمام بتلك الاتفاقيات.

  • كتبتَ أن اتفاقيات إبراهيم وضعت فلسطين في مكانة ثانوية، فهل ستجبر هذه الحرب عودة القضية الفلسطينية لدول الخليج؟

معين ربّاني: مجرد كون هذه الاتفاقيات مع إسرائيل لا يعني أن القضية الفلسطينية ليست على جدول أعمالهم. إذا نظرت إلى كيفية تصرف دولة الإمارات العربية المتحدة وتصويتها في الأمم المتحدة، أو كعضو في مجلس الأمن، أو في جامعة الدول العربية، فمن الواضح أن القضية الفلسطينية مدرجة على جدول أعمالهم الدبلوماسي. هل يفضلون ألا يكون الأمر كذلك؟ بالطبع. وهل يتخذون مواقف بشأن هذه القضايا؟ نعم.

  • هل الحرب الحالية وتداعياتها تعطي حماس والفلسطينيين وضعاً أفضل لوقف/التراجع عن عملية التطبيع؟

معين ربّاني: بالطبع؛ فنحن لا نعرف بعد كيف سينتهي الأمر، مما يجعل من الصعب الإجابة على هذا السؤال. بداية، عليك أن تسأل أي فلسطيني: هل نتحدث عن منظمة التحرير الفلسطينية وعباس اللذين عقدا سلاماً بالاتفاقات الحالية؟ وهذا بطبيعة الحال يقلل من نفوذ الفلسطينيين الآخرين، مثل حماس، الذين يسعون إلى معارضة هذه الاتفاقيات أو خرقها. وسيكون الأمر مختلفاً لو خرجت القيادة الفلسطينية الرسمية، التي تعترف بها دول الخليج، ببيانات علنية تطالب هذه الدول بسحب سفرائها والتراجع عن هذه الاتفاقيات. أعتقد أنه لو كانت هناك قيادة واستراتيجية فلسطينية موحدة، فسيكونون في وضع أفضل بكثير للتأثير على عملية صنع القرار العربي بشأن إسرائيل.

  • دعوتم سابقاً إلى الوحدة وإحياء الحركة الوطنية في فلسطين، فما كان مصير ذلك؟ وكيف يمكن أن تعمل اليوم؟

معين ربّاني: ليس لدى الفلسطينيين سبب أفضل للاتحاد اليوم مما كان عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ وهذا له علاقة بالأطراف المؤثرة والفاعلة. ولو كنت في رام الله، لكان لديك الآن دافع أقل للاتحاد من أجل التغلب على الاختلاف مع حماس، لأن حماس ستكون الآن في موقف أقوى بكثير. وبالمثل، إذا كنت في غزة وتنظر إلى السلطة الفلسطينية التي تتفكك الآن وقد لا تتمكن من النجاة من هذه الأزمة، فقد تبدو المصالحة بالنسبة لبعض قادة حماس بمنزلة رمي طوق نجاة لا حاجة له لمحمود عباس.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.