التطبيع العربي مع إسرائيل في سياق الحرب على غزة: مقابلة مع محجوب الزويري

رغم أن القضية الفلسطينية لم تحظ أبدًا بمكانة محورية في اتفاقيات إبراهيم، إلا أن الحرب بين حماس وإسرائيل والهجوم المستمر على غزة دفع الكثيرين إلى التشكيك في مستقبل التطبيع العربي مع إسرائيل. يتحدث محجوب الزويري في هذه المقابلة عما يعنيه التطبيع في ظل المناخ الحالي وما إذا كان الصراع سيغير ديناميكيات التطبيع.

 إلى أين ستذهب الأزمة الحالية بعملية التطبيع التي بدأتها إدارة ترامب؟

محجوب الزويري: إن التطبيع الذي دعت إليه إدارة ترامب يرتكز على نظريتين رئيسيتين؛ الأولى: مواجهة ما يسمى بالتهديد الإيراني، وبناء تحالف لمواجهة إيران وإضعافها في المنطقة. الثانية: ضمان أن تمنح إدارة ترامب دوراً أخلاقياً للدول التي تقوم بالتطبيع مع إسرائيل، وعلى رأسها الإمارات. ولذا، من الواضح أن القضية الفلسطينية لم تكن أبداً ضمن سياق هذا التطبيع، حيث لم يكن هناك أي نقاش حولها؛ فقد كانت بالنسبة لسياق هذا التطبيع محادثة مختلفة تماماً. ولا أرى أن هذا قد تأثر الآن؛ إذ تصر هذه الدول على هذا النوع من التطبيع. قد تزيد الأحداث الحالية من برودة هذه العلاقات، خاصة بعدما تشوهت صورة إسرائيل بعد هذه المجازر، لكن على المستوى السياسي والاقتصادي، سيستمر التطبيع.

  • لقد شدّدت من قبل على حقيقة أن هناك فرقاً واضحاً بين اتفاقيات السلام التي وقعتها مصر والأردن في عامي 1979 و1994 واتفاقيات إبراهيم، حيث إن هذه الأخيرة لم تُعِر الفلسطينيين أي اهتمام؛ كيف يمكننا أن نرى ذلك مترجماً اليوم؟

محجوب الزويري: الاتفاقيات الموقعة في عهد إدارة ترامب تختلف عن اتفاقيات القرن العشرين في هذا الشأن؛ سواء اتفاقيات السلام المصرية والأردنية أم حتى اتفاقية أوسلو. لقد شكلت القضية الفلسطينية هذه الاتفاقيات جميعاً، وكلا البلدين لهما حدود مع فلسطين، وقد جاءا إلى شعبهما قائلين: "سنستعيد بهذه الاتفاقيات بعضاً من أرضنا على الأقل"، وبغض النظر عن مدى اقتناع الشعبين بهذه الحجج، فعلى الأقل كان لديهما مبرر. وفوق ذلك، قالت الحكومات العربية إن هناك العديد من المزايا لهذا النوع من السلام، وهذا غير دقيق؛ فالفوائد كانت محدودة جداً، لكنهما على الأقل كان لديهما ما يُسكِتان به الرأي العام داخل دولهما. أما بالنسبة لاتفاقيات إبراهيم، فلا يوجد شيء من هذا القبيل؛ لا حدود مع فلسطين، والقضية الفلسطينية ليست هي جوهر العملية الدبلوماسية. بل كانت أولويتهم هي التعاون الأمني والاقتصادي مع الولايات المتحدة، في محاولة لإنشاء تحالف إقليمي يُقحِم إسرائيل في صف الخليج. إن المعاهدات الموقعة بين الحكومات العربية وإسرائيل لم تُتَرجَم حتى إلى تأثير على الحكومة الإسرائيلية، بل إنها تنتج مزيد من الضغط والإحراج للحكومات العربية أكثر مما تنتجه من تأثير.

  • كان التطبيع في معظمه عملية اقتصادية وجيوسياسية للخليج، هل تعتقد أن الحرب الأخيرة ستفرض عودة السياسة والقضية الفلسطينية؟ أم أن دول الخليج ستحاول تجاوز الأزمة الحالية لضمان العودة إلى ممارسة أعمالها كالمعتاد؟

محجوب الزويري: مع اندلاع الحرب على غزة وتزايد الضغوط الداخلية، خفّفت دول الخليج التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل علاقاتها؛ فاستدعت البحرين سفيرها من تل أبيب. قد لا يعدو تأثير هذه الحرب على العلاقات أن يكون تأثيراً طفيفاً؛ إذ ترى هذه الدول أن العلاقة مع إسرائيل يمكن أن تؤمّن لها بعض المصالح، خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقتها مع الولايات المتحدة؛ حيث إن رضا الولايات المتحدة من رضا إسرائيل، وهو ما يستلزم بناء علاقات معها. وكلما اقتربتَ من إسرائيل، استطعت تلافي مزيد من الانتقادات الأميركية. علاوة على ذلك، تشكل دول الخليج هذه جزءاً من تحالف إقليمي أوسع يشمل الهند وتدعمه الولايات المتحدة لعرقلة المصالح الصينية في المنطقة. إذ تحاول الإمارات والسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة والهند التصدي للصين من خلال هذا التحالف، حيث تُجيّش المنطقة لمواجهة المصالح الصينية. وعليه؛ ستستمر العلاقات، سواء على المستوى الاقتصادي أم الجيوسياسي أم الأمني، وهو ما يمثل جزءاً كبيراً من التعاون. وستستمر أيضاً لأن الإسرائيليين يمتلكون التقنيات التي تحتاجها دول الخليج، بيد أن صورة إسرائيل تغيرت بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، لأنها كشفت عن ضعف كبير لدى إسرائيل.

  • تدّعي حماس أن أحد أهداف هجومها في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان وقف التطبيع مع السعودية. كيف ذلك؟ وهل حقق هذه النتيجة فعلاً؟ وهل سيكون بمنزلة رادع لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى عن التفكير في تطبيع العلاقات مع إسرائيل مستقبلاً؟

محجوب الزويري: بالنسبة لي، قرأتُ الهجوم في ضوء أربعة سياقات. أولاً: هناك الضغط الذي تواجهه حماس من قاعدتها الشعبية منذ عامين أو ثلاثة، حيث كانت تتهمها بالتحول إلى سلطة فلسطينية أخرى هدفها الوصول للحكم أكثر من المقاومة. وكان هذا الضغط حاسماً، ويمكن أن يفسر هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. العامل الثاني فيما أراه هو قيادة يحيى السنوار. أمضى السنوار في السجن 24 عاماً، وهو يقف على أسس أيديولوجية متينة، ويؤمن بالمقاومة أكثر من السياسة، وأعتقد أن ذلك له تأثير. السياق الثالث لقراءة الهجوم هو أزمة الحكم في إسرائيل؛ فإن حماس، مثل أي حركة، تتابع الوضع في إسرائيل، وقد نظروا إلى هذه الأزمة باعتبارها علامة ضعف. وبغض النظر عن الوقت الذي بدأوا فيه التفكير في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، فقد ساهم الوضع الإسرائيلي نفسه في ذلك. والسبب الرابع هو سياسة إسرائيل في المستوطنات والمسجد الأقصى وغير ذلك. لقد كانت الرسائل واضحة للغاية: يجب إيقاف إسرائيل؛ ولسوء الحظ، لم يستمع أحد لهذه التحذيرات.

تساعدني هذه العوامل الأربعة في تأطير سياق هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. لا أعتقد أن حماس توقعت هذا المستوى من النجاح، وبالتالي لم تتوقع هذا المستوى من رد الفعل، والمستقبل سيكشف لنا المزيد عن هذا. لستُ متأكداً من أن الأمر يتعلق بالتطبيع؛ فحتى مع شن هذا النوع من الهجوم، لا يمكن لحماس التأثير على أجندة التطبيع؛ قد يضعفونها أو يبطئونها، لكنهم لن يوقفوا العملية. وعندما يتعلق الأمر بالسعوديين، فقد أرادوا هم أنفسهم من إسرائيل أن تقدم تنازلات للفلسطينيين، فهي ليست مثل اتفاقيات إبراهيم، حيث إن المنهج السعودي قريب من النهجين المصري والأردني، كما يصرون على أن الولايات المتحدة يجب أن تضغط على إسرائيل لتقديم بعض التنازلات للفلسطينيين. إلى أي مدى يمكنهم النجاح في ذلك؟ حتى الآن، لا أعتقد أن هجوم حماس سيوقف السعوديين، ما قد يكون له تأثير أكبر هو المشهد السياسي في إسرائيل بعد الصراع.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.