التطبيع الجزئي: المغرب يسعى إلى تحقيق التوازن

في عام 2020، أصبح المغرب الدولة الثالث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تطبّع العلاقات مع إسرائيل والدول الأخرى هي الامارات و البحرين والسودان هو الرابع وقع في شهر كانون الثاني/يناير 2021. وفي مقابل استئناف بعض العلاقات مع تل أبيب ستستفيد الرباط من الصفقات الأمنية والمالية المهمة التي ستعقدها مع الولايات المتحدة، وضمنت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية. تستكشف هذه الورقة السياسات المحلية والاقليمية والدولية التي حددت نهج المملكة وكذلك تبحث في كيفية تعامل المملكة مع الضغوط المتعددة.
إسرائيليون يمرون من أسوار البلدة القديمة في القدس بجوار بوابة يافا المضيئة بالأعلام الإسرائيلية والمغربية © EPA

في 10 كانون الأول/ديسمبر 2020، أصبح المغرب أحدث دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُعلن أنها ستطبّع جزئياً العلاقات مع إسرائيل كجزء من اتفاقية توسطت فيها إدارة ترامب. وفي مقابل استئناف بعض العلاقات مع تل أبيب، لا جميعها، ستستفيد الرباط من الصفقات الأمنية والمالية المهمة التي ستعقدها مع الولايات المتحدة، وضمنت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية. عادت هذه الاتفاقية، التي تعرضت لفترة وجيزة لبعض الانتقادات من الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية، إلى دائرة الضوء في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على القدس وغزة في أيار/مايو عام 2021. وقد دفعت هذه الهجمات آلاف المغاربة إلى الإعراب عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني من خلال الاحتجاجات والحملات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. وسلطت الضوء أيضاً على الفجوة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي طبعت العلاقات مع إسرائيل، وتلك التي لم تُطبع، مما يوضح أن التوحد حول هذه القضية بات الآن أصعب من المعتاد. وأخيراً، عقب هذه الهجمات، ستراقب إسرائيل والولايات المتحدة عن كثب أي بوادر للتراجع عن الاتفاقية.

نتيجة لذلك، يسعى النظام المغربي إلى تحقيق التوازن بين تطوير علاقته الناشئة مع إسرائيل والحفاظ على دعمه للقضية الفلسطينية. وبالفعل، أعلن النظام مراراً وتكراراً أن موقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يزال دون تغيير، فضلاً عن أنه سمح للحزب السياسي الحاكم في البلاد بإجراء محادثات مع أحد قادة حماس. وأخيراً، أرسل النظام المغربي مساعدات إلى فلسطين من خلال التبرعات المباشرة وكذلك من خلال "وكالة بيت مال القدس الشريف"، وهي مؤسسة مالية يمولها المغرب بصورة رئيسية وتركز على العمل الإنساني والاجتماعي في القدس. وفي الوقت نفسه، أعرب صناع القرار السياسي المغاربة عن وجود إرادة سياسية لمواصلة تطوير العلاقات مع إسرائيل التي من المقرر أن يقوم وزير خارجيتها بزيارة المملكة في شهر آب/أغسطس الجاري. علاوةً على ذلك، فقد مضوا قدماً في خططهم الرامية إلى التطبيع، وتحديداً من خلال السماح بفتح مكتب اتصال إسرائيلي في الأراضي المغربية، وقيام شركات الطيران الإسرائيلية برحلات جوية مباشرة إلى مراكش. وهذا التوازن يسمح للنظام باسترضاء الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية دون أن يُغضب إسرائيل والولايات المتحدة، مع العمل في الوقت نفسه على زيادة أهميته الاستراتيجية على الساحة العالمية.

تحليل الاتفاقية

ثمة رأي سائد، على نطاق واسع، بأن التطبيع الجزئي للعلاقات بين المغرب وإسرائيل، هو اتفاقية مقايضة في مقابل العديد من الصفقات الأمنية والمالية مع الولايات المتحدة، فضلاً عن اعترافها بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية (وهو ما لن تتراجع عنه إدارة بايدن، وفقاً لتقارير إعلامية نقلاً عن مصادر في الإدارة الأميركية). وعلى وجه التحديد، يتعهد النظام المغربي باستئناف العلاقات الدبلوماسية جزئياً، وإطلاق رحلات جوية مباشرة من وإلى تل أبيب، وفتح مكاتب اتّصال في البلدين (مثل تلك التي كانت قائمة قبل عام 2002)، وتعزيز التعاون على الصعيدين الاقتصادي والتكنولوجي. بيد أن الاتفاقية لم تتضمن فتح سفارة مغربية في إسرائيل أو التطبيع الكامل الذي ينطوي على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة. وتشمل الصفقات الأمنية مع الولايات المتحدة صفقة محتملة لبيع أسلحة بقيمة مليار دولار إلى المغرب، ولكن أوقفها الكونغرس منذ ذلك الحين ريثما يتم مراجعتها، بيد أن من المرجح، وفقاً للخبراء، أن تدعمها إدارة بايدن. وبالإضافة إلى ذلك، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 3 مليارات دولار في شكل مساعدات لمشاريع القطاع الخاص في المغرب.

قد تستفيد المملكة أيضاً من الناحية المالية من توثيق العلاقات مع إسرائيل فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار، فضلاً عن القطاعات الرئيسية مثل التكنولوجيا والمياه والطاقة والزراعة. ومن الممكن أيضاً أن يؤدي التطبيع الجزئي إلى تعزيز عائدات السياحة المغربية، التي تراجعت بسبب الوباء العالمي، إذ إن ذلك قد يشجع المزيد من الإسرائيليين على زيارة المملكة. ويتوقع البعض أن يرتفع عدد السياح الإسرائيليين إلى المغرب سنوياً من حوالي 50 ألف إلى 200 ألف، وقد تزيد التجارة السنوية بمقدار 500 مليون دولار.

ردود الفعل المحلية

كان النظام، الذي يقرر السياسة الخارجية للبلاد، هو من اتخذ القرار بتطبيع العلاقات مع إسرائيل جزئياً. في حين لم تشارك الحكومة المنتخبة في عملية صنع القرار؛ بل إن المسألة لم تُطرَح للمناقشة في البرلمان. وبعد أقل من أسبوعين من إعلان الاتفاقية، زار وفد أمريكي-إسرائيلي المغرب للتوقيع على الإعلان الذي يُحدد العلاقات الجديدة بين البلدين. وقد ترأس هذا الحدث الملك محمّد السادس وحضره أحد مستشاريه الملكيين، ووزير الخارجية، ورئيس الوزراء سعد الدين العثماني من حزب العدالة والتنمية.

إلا أن حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة حالياً، رفض منذ أمد بعيد أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل؛ ولا يزال الجناح الشبابي للحزب يرفض ذلك بقوة. وقد أعرب رئيس الوزراء، الذي نشر عام 1996 مقالاً يصف فيه التطبيع بأنه إبادة حضارية، عن معارضته الشديدة لإقامة علاقات مع إسرائيل مؤخراً في آب/أغسطس عام 2020. وبعد إعلان الاتفاقية مباشرة، أصدر الحزب بياناً أكد فيه مجدداً أن مواقفه "ثابتة إزاء الاحتلال الصهيوني والجرائم التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك القتل والتشريد وتدنيس المقدسات". وأدان الحزب أيضاً الهجمات الإسرائيلية على القدس في أيار/مايو 2021، وأعرب عن دعمه غير المشروط للقضية الفلسطينية. بل إن بعض أعضاء الحزب طالبوا بإغلاق مكتب الاتّصال الإسرائيلي الذي افتتح مؤخراً في الرباط. بيد أن بعض أعضاء الحزب لم يعارضوا الاتفاق في البداية، وقد أعرب رئيس الوزراء السابق عبد الإله ابن كيران عن تأييده للتطبيع في كانون الأول/ديسمبر عام 2020، ودافع عن توقيع العثماني على الاتفاق. غير أن ابن كيران أكد في وقت لاحق على موقف الحزب المناهض للتطبيع في شباط/فبراير عام 2021، زاعماً أن هذا الموقف لن يتغير "تحت الضغط". وأشار أيضاً إلى أن قرار التطبيع "اتخذته الدولة التي يحكمها الملك، وليس حزب العدالة والتنمية".

بعيداً عن حزب العدالة والتنمية، انتقدت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، طابع المقايضة التي اتسمت به الاتفاقية في كانون الأول/ديسمبر 2020، قائلةً إن المغرب لم يكن بحاجة إلى التطبيع من أجل إضفاء الشرعية على مطالبته بالسيادة على أراضيه. وطالب عبد الرحمن بن عمرو -وهو شخصية اشتراكية بارزة وأحد زعماء حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي- بإلغاء ما اعتبره "اتفاقاً غير شرعي"، وشارك في اعتصام ضد التطبيع في آذار/مارس 2021. بيد أنه في حين أعربت بعض الشخصيات السياسية عن استيائها من التطبيع، أعربت شخصيات أخرى عن تأييدها لقرار النظام. فعلى سبيل المثال، أبدى نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، تأييده للاتفاقية في كانون الأول/ديسمبر 2020، معتبراً أنها مجرد تقنين للعلاقات القائمة بالفعل.

وعلى المستوى الشعبي، لم يحظَ التطبيع في البداية باستحسان الكثيرين. ففي أعقاب الإعلان عن الاتفاقية في كانون الأول/ديسمبر 2020، اندلعت احتجاجات متكررة دعماً للقضية الفلسطينية أو معارضة للتطبيع. وقد دفع ذلك السلطات إلى حظر مثل هذه التجمعات، قبل السماح بإقامتها في نهاية المطاف بعد الهجمات الإسرائيلية في أيار/مايو 2021. وفي 30 آذار/مارس، وعلى الرغم من حظر الاحتجاجات، خرج المغاربة في الرباط إلى الشوارع تضامناً مع الفلسطينيين في الاحتفال بيوم الأرض الفلسطيني. وفي الآونة الأخيرة، خرجت مظاهرات عفوية في 46 مدينة مغربية بسبب أعمال العنف التي تمارسها إسرائيل في القدس وغزة. أما في العاصمة الرباط فقد تظاهر مئات الأشخاص أمام مبنى البرلمان. وفي الوقت نفسه تقريباً، اندلعت احتجاجات أكبر في وسط مدينة الدار البيضاء. وفي مراكش، وهي واحدة من الوجهات السياحية الرئيسية في البلاد، شارك نحو 3 آلاف شخص في التظاهرات. وبشكل عام، أعرب العديد من المتظاهرين عن تضامنهم مع الفلسطينيين، في حين طالب البعض النظام بإلغاء التطبيع بالكامل. فضلاً عن ذلك، حتى قبل تطبيع المملكة جزئياً مع إسرائيل، شارك مئات المغاربة في احتجاجات مناهضة للتطبيع نظمتها منظمات حقوق الإنسان المغربية عندما وقعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين على الاتفاقيات الإبراهيمية، ووصف بعض المتظاهرين الدولتين الخليجيتين بأنهما "خائنتان".

غير أن استطلاع الرأي الذي أصدرته مؤخراً شبكة الباروميتر العربي يبين أن عدد المغاربة الذين يؤيدون التطبيع قد ازداد زيادة كبيرة. فقد أبدى 41% من المغاربة الذين شملهم الاستطلاع، في الفترة بين آذار/مارس ونيسان/أبريل 2021، تأييدهم للاتفاقية التي عقدها المغرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وبالمقارنة مع هذا، كان 91% من المغاربة الذين شملهم الاستطلاع، في تشرين الأول/أكتوبر 2020، قد اعترضوا على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، في حين لم يعتقد 87% منهم أن من المفيد للمنطقة العربية أن تنسق بعض الدول سياساتها الخارجية مع إسرائيل. وقد تُعزى هذه الزيادة في التأييد إلى اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية. بيد أنه على الرغم من زيادة التأييد للتطبيع، فإن أغلب المغاربة الذين شملهم الاستطلاع (59%) ما زالوا يعارضونه.

إعادة التأكيد على دور الوسيط

بالنظر إلى وجهات النظر حول التطبيع والاحتلال الإسرائيلي في الداخل في جميع أنحاء المنطقة، يجد النظام المغربي اليوم نفسه في موقف حرج. فقد سعى المغرب، حتى اليوم، إلى استرضاء الشعب والحفاظ على صورته الإقليمية والداخلية كنظام مناصر للقضية الفلسطينية، مع التأكيد لإسرائيل والولايات المتحدة أنه لن ينسحب من الاتفاقية. وحفاظاً على هذا التوازن، يسعى صناع القرار إلى تجنب الاضطرابات الداخلية، واحتواء الانتقادات الإقليمية، وجني الفوائد الأمنية والمالية للتطبيع. قد يتيح هذاأيضاً للنظام تعزيز صورته على الساحة الدولية كلاعب إقليمي ذي مصداقية.

وقد تولى العاهل المغربي نفسه المهمّتين الأوليتين، الاسترضاء الشعبي والإقليمي، في أعقاب الهجمات الإسرائيلية في أيار/مايو الماضي. إذ أمر بإرسال 40 طناً من المساعدات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة على متن طائرات عسكرية، وتشمل أدوية ومواد غذائية وبطانيات؛ وهي خطوة لاقت استحساناً وإشادة لدى العديد من الشخصيات الفلسطينية والأردنية. وانتقد الملك أيضاً العنف الإسرائيلي في القدس وغزة، الذي اعتبره ”عملاً غيرَ مقبول من شأنه أن يزيد من حدة التوترات“، وأكد على ”تضامن المملكة الدائم“ مع الشعب الفلسطيني الذي تأتي قضيته على رأس اهتمامات المغرب. وهذا يتماشي مع بيان حكومي في كانون الأول/ديسمبر 2020. لاحقاً، هاتَفَ الملكُ الرئيسَ الفلسطيني محمود عباس، وأكّد على دعمه المتواصل لحل الدولتين، وتعهّد بأن نظامه سيستخدم موقعه الجديد للتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في الواقع، سمح النظام لحزب العدالة والتنمية -في ما كان على الأرجح محاولةً لتقديم نفسه كوسيط موثوق بين إسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية- بدعوة زعيم حماس، إسماعيل هنية، إلى الرباط في منتصف حزيران/يونيو الماضي. وأقام الملك مأدبة عشاء على شرف هنية، الذي أشاد لاحقاً بالجهود المغربية في دعم القضية الفلسطينية.

إذا واصل المغرب بصدق دور الوسيط بين إسرائيل وفلسطين، فإنه سيبني صورته كجهة فاعلة ذات مصداقية وحيادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسيستعيد شيئاً من الأهمية الاستراتيجية التي كانت لديه بالنسبة إلى الولايات المتحدة بين عقدَي الستينيات والتسعينيات من القرن العشرين. في الواقع، لعب المغرب في عهد الملك الراحل الحسن الثاني دوراً في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبين إسرائيل وعدة دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أبرزها مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات خلال عقد السبعينيات من القرن المنصرم. فقد سعى الحسن الثاني إلى تيسير [التفاوض] لا التفاوض [المباشر]، وشجع نظامه الجهات الفاعلة من الطرفين على إقامة جهات اتصال مباشرة وأتاح لهم اللقاء بشكل سري داخل الأراضي المغربية من أجل التفاوض. وقد ساعد الحسن الثاني أيضاً في اتفاقية أوسلو وفي معاهدة السلام الأردنية.

ستتوافق إعادة تبني دور الوسيط أيضاً مع عملية إعادة توجيه السياسة الخارجية للمملكة في الآونة الأخيرة. فعلى مدار العقد الماضي كان النظام يقوم بتنويع قاعدة تحالفاته لتنتقل من الاعتماد المفرط على أوروبا، وذلك من خلال قيام صناع القرار بتقوية الروابط مع دول الخليج وإعادة تأسيس حضور المغرب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتكثيف ذلك الحضور، مع الانفتاح على شركاء غير تقليديين كالصين. وقد سعى النظام أيضاً بحماسة إلى لعب دور الوسيط في الأزمة الليبية، ورسّخ نفسه كمصدر للاستقرار في منطقة الساحل. من شأن إعادة إقامة العلاقات مع إسرائيل والإسهام في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن تعزز موقف المغرب، لا سيما أمام الولايات المتحدة. والأهم من ذلك أنها قد تساعد النظام في تحقيق هدفه بترسيخ نفسه كلاعب مستقل، وشريك قوي، ومفاوِض رئيسي ومصدر موثوق به للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نظرة مستقبلية: الوصول إلى حل وسط

أشعل العنف الإسرائيلي في غزة والقدس موجة من السخط الشعبي وأثار الاحتجاجات في أنحاء العالم، بما في ذلك المغرب. ولكن ماذا غيّر في نهج المملكة؟ لم يغير كثيراً. فالنظام اليوم في وضع آمن، وليس الملك محمد السادس مسؤولاً عن السياسة الخارجية للمملكة فحسب، بل هو أيضاً أهم وأقوى اللاعبين السياسيين في المملكة، ويحظى باحترام غالبية القادة السياسيين وتدعمه مؤسسات قوية. لا تمثل الاحتجاجات الأخيرة في أنحاء البلاد، تأييداً لفلسطين ومناهضةً للتطبيع، سوى تهديدٍ ضئيل للنظام؛ إذ إنها لا تكفي لدفعه إلى تغيير مساره. وبينما تشير بيانات الرأي العام باستمرار إلى أن المغاربة في معظمهم مؤيدون لفلسطين، نجد أنه من غير المرجح أن تؤدي القضية الفلسطينية إلى حشد أعداد كبيرة منهم (بالمقابل، من الراجح أن تؤدي الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية إلى إحداث رد فعل كهذا في المستقبل). وهذا يعني أن النظام سيسعى إلى تحقيق أهدافه الواضحة والطموحة في السياسة الخارجية على الرغم من الاستياء الطفيف في داخل البلاد.

على المستوى الإقليمي، لن تؤدي إقامة علاقات وثيقة مع إسرائيل إلى إضرار حقيقي بالنظام المغربي. فبالرغم من أن الاتفاق قد لاقى انتقادات حادة من الجزائر المجاورة، ومن إيران أيضاً، وأنه يجعل المغرب هو البلد المغاربي الوحيد الذي يقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن عدداً قليلاً من القادة انتقدوا القرار علانية. ومَن انتقدوه نتيجة علاقاتهم المتوترة مع إسرائيل ليسوا شركاء مهمين للمملكة المغربية. من ناحية أخرى، رحب بهذا الاتفاق كثير من البلاد المهمة بالنسبة إلى النظام. وينطبق هذا بشكل خاص على العديد من دول الخليج التي تقدم للمغرب الدعم المالي والمساندة في المنتديات الإقليمية. في الواقع، يبدو أن انفتاح المملكة المغربية على إسرائيل قد قربها من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية اللتين كانتا على عداء تجاه صناع القرار المغاربة في الماضي القريب نتيجة علاقاتهم الودية مع قطر.

في المجمَل، مثّل التطبيع خطوة استراتيجية كانت لها عوائدها بالنسبة إلى النظام. فمن المرجح أن الملك محمد السادس -الذي يرأس أيضاً لجنة القدس، وهي لجنة تعمل تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي، مهمتها بحث القرارات المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وتنفيذها- سوف يسعى إلى الوصول إلى حل وسط، والحفاظ على موقف معتدل لا يزيد من التوترات في الداخل ولا يؤدي إلى تنفير الجهات الفاعلة الرئيسية في الخارج. سيؤدي تعميق العلاقات مع إسرائيل، علاوة على إمداد المغرب بالدعم الأمريكي، إلى مكاسب مالية كبرى؛ وسيُتيح للنظام المغربي أيضاً تعزيز سمعته على المسرح الدولي ووضعه كلاعب إقليمي أقوى، لا سيّما إذا نجح في تحقيق التوازن وانتهى به المطاف ألا يكون معادياً ولا مؤيداً لإسرائيل.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.