الشباب الليبي المنسي: الانتقال إلى مرحلة النضج خلال النزاع

بإمكانك تحميل المقال الكامل عبر الرابط الموجود على اليسار.

شباب ليبيون بجانب شاحنة محفوفة بالمخاطر على الكثبان الرملية. © Aydoğan Kalabalık/AA

ملخص تنفيذي

تسعى هذه الدراسة إلى فهم كيف تأثّر الانتقال إلى مرحلة النضج بالنسبة للشباب الليبي بسياق عشر سنوات من النزاع. فمن خلال بحث نوعي متعمق أُجريَ مع 75 شاباً وشابة من ليبيا في عامَي 2020-2021، تتناول الدراسة عمليات صنع القرار وأنماط الفرص والعوائق التي تواجه الشباب من جهة التعليم وكسب العيش، وتأثير الحرب على آرائهم السياسية ومشاركتهم في العملية السياسية، وفهمهم للسلام والأمن، وكيف غيّرت الحرب المعايير والعلاقات الجنسانية.

وجدت الدراسة أن العام 2014 يمثل العام المحوري من جهة مساراتهم الشخصية وفهمهم النقدي لديناميات الحرب والسلام وشعورهم الشخصي بالرفاه والأمل في المستقبل. فيما يتعلق بطرق كسب العيش والعمل، تكشف مسارات الشباب عن دينامية معقدة تأتي فيها الفرص بثمنها أو مع عواقب تؤدي إلى نتائج عكسية. فمن ناحية، أدى النزاع في ليبيا إلى تفكك البنى القمعية القديمة، وفي غيابها تظهر فرص لبذل جهود أكثر استقلالية وإبداعاً من أجل تحسين سبل العيش. بالنسبة لجميع المشاركين، على سبيل المثال، اتسع الخيار المفضل لمجال الدراسة نتيجةً لانفتاح المجتمع والمجال السياسي في العام 2011. وبالمثل، شهدت ديناميات الضرورة منذ 2011 ظهور ثقافة جديدة للمبادرة وريادة الأعمال تتسم بالابتكار والمرونة. ولكن في الوقت نفسه، فإن الدمار الناجم عن الحرب يعني انقطاع سبل التعليم ومساراته، وعدم وجود البنية التحتية لاستدامة ريادة الأعمال وتنظيم المشروعات لرواد الأعمال الشباب، من قبيل النظام المالي القوي والإطار القانوني التشغيلي.

وفيما يتصل بالآراء السياسية والمشاركة في العملية السياسية، يرى العديد من الشباب أنهم مع تأكيدهم على أن انتفاضة 2011 مثَّلت صحوة سياسية بشكل ما، مما خلق اهتماماً جديداً بالسياسة والعمليات السياسية، لكنهم يرون أن الانحدار إلى الحرب كان له تأثير سلبي شامل تقريباً على نظرتهم للسياسة والسياسيين. فانعدام الثقة العميق في السياسة، وانتشار الاعتقاد بوجود عمق منهجي للفساد، قد تحولا إلى انتشار اللامبالاة تجاه المشاركة والعمليات السياسية الرسمية. ولكن في الوقت ذاته، فإن الشباب الليبي الذي نضج في سياقٍ يتسم بالنزاع لديه رؤى دقيقة فيما يتعلق بكيفية تحقيق السلام وحول المسؤوليات المرتبطة بعملية بناء السلام هذه على مختلف المستويات. وهذا يشمل ضرورة إعادة التأهيل وتعزيز التسامح واحترام الاختلافات وقيم التعايش؛ وكلها أمور يجب أن يقوم بها كلٌّ من الدولة والمجتمعات نفسها أيضاً، وهي الأهم. ولكن من أجل أن يكون هناك سلام حقيقي، يؤكد الشباب على ضرورة وجود العدالة كشرط سابق.

وفيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والمعايير الجنسانية، كان للنزاع تأثير ثنائي على كل من عمليتَي تحدي الاستعارات التقليدية للذكورة والأنوثة وتعزيزها. فنتيجة للتراجع الحاد في الرفاه الاقتصادي، وجدت الشابات أنفسهن في وظائف جديدة، بمسؤوليات جديدة، وفي مساحات عامة جديدة تتعارض مع المعايير الجنسانية التقليدية. ولكن في الوقت ذاته، عزز النزاع أيضاً من المعايير المتعلقة بالذكورة ودور الرجل في الأسرة والمجتمع. ونتيجة لذلك، ومع إقرار الشباب المشاركين في هذه الدراسة بالتحولات العميقة في الأدوار والعلاقات الجنسانية، فإن مدى اعتبار ذلك أمراً إيجابياً يجب الحفاظ عليه في مرحلة ما بعد النزاع يظل أقل يقيناً بكثير لدى هؤلاء الشباب.

وجدت الدراسة، بشكل عام، أن الشباب -الذين يواجهون صدمات نفسية عميقة، ويعيشون في حالة دائمة من عدم اليقين وعدم الاستقرار- ليس لديهم سوى قليل من الأمل في المستقبل، وقد تقلصت قدرتهم على التخطيط لحياتهم. فالاستراتيجية الأكثر موثوقية التي اعتمدوها هي المرونة والقدرة على التكيف، حيث ينظر معظمهم إلى الحياة خارج ليبيا باعتبارها الخيار الحقيقي الوحيد للمستقبل. بعبارة أخرى، يسعى الشباب لبناء حياتهم في مكان آخر. وعدم ثقتهم في السياسة وقدرتهم على إحداث تغيير يعني أن القضايا الأساسية المتعلقة بحل النزاع وبناء السلام -مثل الإصلاح الاقتصادي والسياسي- ستظل مشكلات قائمة دون أن تتاح لجيل الشباب فرصة المشاركة الإيجابية في إعادة بناء البلاد. لقد تخلص هذا الجيل الجديد من عقلية الاعتماد على الدولة فقط، وصار، في المقابل، يضع ثقته في السعي للحصول على تعليم جيد وفرص عمل مجزية أكثر على المستوى الشخصي، إلا أنهم يدركون تمامًا أنهم يسعون للدراسة أو العمل في بيئة معقدة وصعبة للغاية، بالإضافة إلى عدم وجود سياق أوسع يمكن أن يدعمهم. إن الشعور السائد لدى الشباب في ليبيا اليوم هو أنهم ليسوا في أمان، ولا يمكنهم أن يرسخوا جذورًا عميقة لأحلامهم، خوفاً من انهيار كل شيء.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.