إصلاحات الضمان الاجتماعي الأخيرة ونظام التقاعد الجديد في لبنان: مقابلة مع رانيا إغناطيوس ولوكا بيليرانو من منظمة العمل الدولية

رجال لبنانيون مسنون يلعبون لعبة الطاولة في شوارع طرابلس، لبنان، ٥ فبراير ٢٠١٨. (c) كاتي - شاترستوك

شكلت الأشهر الاثني عشر الماضية معلما رئيسيا لنظام الحماية الاجتماعية في لبنان. في نيسان/أبريل 2023، شهدت البلاد إطلاق برنامج بدل الإعاقة الوطني، وهو أول منحة اجتماعية على الإطلاق في لبنان وتجسيد للتحول في نهج المساعدة الاجتماعية من المستهدف إلى الشامل. في نوفمبر/تشرين الثاني، أقرت الجمعية العامة تعديلات على «قانون الضمان الاجتماعي»، لتحسين استحقاقات الأمومة وتغطية الأطفال، والسماح للعاملات بتأمين أزواجهن من خلال «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» على قدم المساواة مع الرجال. في ديسمبر/كانون الأول، اعتمد البرلمان اللبناني القانون رقم 319، الذي أدخل نظاما جديدا للمعاشات التقاعدية داخل الصندوق وأدخل إصلاحات كبيرة على هيكل إدارته وإطاره التشغيلي. وفي فبراير من هذا العام، أقر مجلس الوزراء الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، وهي أول رؤية شاملة وطويلة المدى من نوعها، تتمحور حول خمس ركائز رئيسية هي: المساعدات الاجتماعية، والتأمينات الاجتماعية، والرعاية الاجتماعية، وفرص العمل للفئات الأكثر هشاشة، والدعم المالي للحصول على التعليم والصحة. علاوة على ذلك، شوهدت محاولات لدمج شبكتي الأمان الاجتماعي الرئيسيتين في لبنان – برنامج شبكة الأمان الاجتماعي الطارئ (ESSN) والبرنامج الوطني لاستهداف الفقر (NPTP) – مصحوبة بمحاولات للتخلص التدريجي من هذه البرامج من خلال تخفيضات كبيرة في التمويل وإعادة التخصيص الموارد المالية.

من بين كل هذه التطورات، يبرز نظام التقاعد الجديد، الذي يعد مكونا رئيسيا في الاستراتيجية الجديدة، كواحد من أكثر الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية طموحا، نظرا إلى نشأة وتطور نظام الحماية الاجتماعية في لبنان، وضعف الوضع الأساسي لاستحقاقات التقاعد في البلاد، ونموذج الدولة السياسي-الاقتصادي. وكانت منظمة العمل الدولية القوة الدافعة وراء معظم هذه الإصلاحات. فكما ذكر شوقي بو نصيف (رئيس الديوان والمدير المالي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) خلال ندوة عامة عبر الإنترنت عقدها معهد باسل فليحان المالي في 28 شباط/فبراير 2024: "لم تكن إصلاحات المعاشات التقاعدية ممكنة بدون الدعم التقني والإداري من منظمة العمل الدولية، بما في ذلك المشورة بشأن المعايير الاكتوارية والقانونية، فضلا عن تيسير الحوار الاجتماعي والمرافقة طيلة المسار وحتى اليوم". أجرينا مقابلات مع رانيا إغناطيوس ولوكا بيليرانو، أخصائية الحماية الاجتماعية في لبنان وكبير أخصائيي الحماية الاجتماعية في المكتب الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية، لفهم مكونات نظام التقاعد الجديد والإصلاحات المصاحبة له بشكل أفضل. كما هدفت المقابلة لمساعدتنا في رؤية هذه الإصلاحات على الخريطة الأكبر للتطورات الأخيرة، ولاستيعاب العملية التي أدت إلى هذا الإنجاز وتكوين نظرة حول آفاق المضي قدما.

أهمية هذه الإصلاحات

فرح الشامي (ف.أ): منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في عام 2019، فقد اللبنانيون ودائعهم ومدخرات حياتهم وقيمة تعويضات نهاية الخدمة الخاصة بهم، مما جعل التقاعد الكريم غير متاح للأغلبية أكثر من أي وقت مضى. ما مدى أهمية هذه الإصلاحات وماذا تعني للبنان؟

لوكا بيليرانو (ل.ب): هذه الخطوة هي إنجاز كبير لنظام الحماية الاجتماعية في لبنان. فحتى هذه المرحلة، كان لبنان البلد الوحيد في المنطقة، إلى جانب فلسطين، الذي لم يوفر نظام تقاعد مناسب للعاملين في القطاع الخاص. وأدى عدم وجود مثل هذا النظام إلى تفاقم الهشاشة عند الناس، لا سيما وسط الأزمات المطولة والمعقدة. واضطر كبار السن إلى مواصلة العمل لكسب العيش الكريم وسط المصاعب الاقتصادية. في ظل هذه الظروف، هناك حاجة ماسة إلى نظام تقاعد مناسب في لبنان. لا يمكن أن يكون هناك ضمان اجتماعي دون مثل هذا النظام.

تم تعليق إصلاحات المعاشات التقاعدية هذه لأكثر من ثلاثين عاما حتى الآن. وحقيقة أنها مرت للتو علامة واعدة، ولكن ينبغي الآن إيلاء الاهتمام الكامل لضمان تنفيذها تنفيذا سليما.

رانيا إغنيتيوس (ر.إ): هذه الإصلاحات عُلِّقت بالفعل منذ إنشاء مخططات الضمان الاجتماعي الوطنية في عام 1964. وأصبح نظام تعويض نهاية الخدمة (EOSI) غير ممول إلى حد كبير. فقد هذا النظام مزاياه وقيمته المالية – والتي لم تكن كافية بالأصل قبل الأزمة - تماما بعد انهيار العملة المحلية وغياب الإعلان المستمر والدقيق للرواتب. يتم تمويل النظام الجديد من خلال المساهمات الاجتماعية لأصحاب العمل والعمال كمصدر رئيسي للتمويل. ومن المتوقع أن يدر ذلك بفوائد مستدامة. تظهر محاكاتنا للمزايا التي قد يكون المرء مؤهلا للاستفادة منها في نظام المعاشات التقاعدية الجديد، بناء على فترة الاشتراك ومستوى الراتب، أن القيمة الحالية لتدفق المعاشات التقاعدية الشهرية ستتجاوز إلى حد كبير استحقاقات نظام الEOSI المدفوعة مرة واحدة بحالة غالبية كبيرة من العمال وفي غضون بضع سنوات فقط (انظر الصفحة 7 في هذه الوثيقة).

ل.ب: هذا القانون مهم أيضا من منظور سوق العمل، خاصة بالنظر إلى الزيادة في إضفاء الطابع الرسمي وممارسات عدم الإعلان عن الرواتب التي أصبحت منتشرة منذ بداية الأزمة والتي تنعكس في انخفاض الإيرادات لنظام الضمان الاجتماعي. وتنطوي هذه الإصلاحات على إمكانية تغيير ديناميكيات سوق العمل وإعادة بناء الثقة في النظام الوطني للحماية الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإعادة إنشاء قناة رسمية قوية لتقديم التأمينات، وبالتالي تعزيز دور الدولة والعقد الاجتماعي الذي يربطها بشعبها.

ف.أ: أنت تؤكد باستمرار على أن "القانون الجديد يجب أن يشجع أصحاب العمل على الإعلان عن الرواتب كاملة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي". لماذا هذا هو الحال؟

ل.ب: في نظام الEOSI الحالي، يعاقَب أصحاب العمل لأنهم يتحملون التكلفة العالية لمبالغ التسوية1دفعة التسوية هي الفرق بين مبلغ الEOSI المستحق، وفقا لآخر راتب، والمساهمات التي تم دفعها طوال حياة الفرد المهنية أو المستحقة عليه، بالإضافة إلى مدفوعات الفائدة وتضخم الأجور المُضمَّن بشكل طبيعي. . أي عامل لديه مدخرات غير كافية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعتمد على صاحب العمل الأخير لتغطية هذه الفجوة، كشرط لصرف تعويضه. سيزيل القانون الجديد المحبطات التي تحول دون إعلان أرباب العمل عن الرواتب، خاصة أنه سيأخذ في الاعتبار التاريخ الوظيفي للعامل في احتساب استحقاقات المعاش التقاعدي النهائية (في نظام المعاشات التقاعدية الجديد، قيمة أي مساهمة، في أي وقت، تؤخد بالحسبان). سيوفر هذا سببا أقوى لضمان الإعلان عن الراتب الكامل والصحيح كل شهر.

ف.أ: على ماذا تنطوي هذه الإصلاحات أيضا؟

ر.إ: ينص القانون الجديد على إصلاحات كبيرة في هيكل حوكمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتحديث لمجلس إدارته، الذي سيتألف الآن من 10 أعضاء بدلاً من 28، ومنهم 2 يمثلون الحكومة و4 يمثلون العمال و4 يمثلون أصحاب العمل. وسيشرف هذا المجلس الثلاثي على جميع العمليات في إطار عمل الصندوق، بما في ذلك إدارة نظام المعاشات التقاعدية الجديد واستثمارات صندوق المعاشات التقاعدية. كما يطرح القانون فرعا استثماريا مخصصا للإشراف على استثمار الأصول وفقا لسياسة محددة. سيقود هذا الفرع لجنة استثمار مستقلة تتألف من 6 خبراء، بالإضافة إلى المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومدير الاستثمار التنفيذي الذين سيشاركان في اللجنة بحكم مناصبهم ودون أن يكون لهم حق التصويت.

بالإضافة إلى ذلك، يكلف القانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بإنشاء نظام مالي ورقمي للمدفوعات والتسجيل وسهولة الوصول إلى معلومات حسابات المعاشات التقاعدية.

ل.ب: يحقق القانون الجديد توازنا بين مبدأي الرسملة وإعادة التوزيع. عندما تم تصور هذا القانون للمرة الأولى، كان يعتمد على نموذج ادخار خاص مع حد أدنى من الضمانات لأصحاب الدخل المنخفض. ومع ذلك، كما هو الحال الآن، فإنه يسمح بمستوى عال من التضامن، سواء بين الأجيال أو داخلها، وبين جميع الفئات المساهمة. وهذا يعني أن لديه قدرة أكبر على الصمود في مواجهة الانكماش الاقتصادي وإمكانات أقوى لحماية الناس من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأحداث غير المتوقعة في المستقبل.

ميزات التصميم الرئيسية لنظام المعاشات التقاعدية الجديد

ف: لقد نشرتم وثيقة أسئلة وأجوبة حية تفصِّل بوضوح العمليات التقنية المستخدمة في نظام التقاعد الجديد وخصائصه، وتحديدا من حيث متطلبات الأهلية، وأنواع المزايا ومستوياتها، ونظام الحوكمة، والمسارات التشغيلية. ما هي - باختصار - السمات الرئيسية لهذا النظام؟

ر.إ: نظام التقاعد هذا مخصص للعاملين في القطاع الخاص ويأتي ليحل محل نظام الEOSI. هناك أولئك الذين سينتقلون إلزاميا إلى المخطط الجديد. هؤلاء هم الداخلون الجدد إلى سوق العمل والعمال الذين تقل أعمارهم عن 49 عاما وهم مسجلين حاليا في نظام الEOSI. يمكن لأولئك الذين تزيد أعمارهم عن 49 عاما أن يقرروا الانتقال طوعيا إلى نظام المعاشات التقاعدية أو البقاء في نظام الEOSI الحالي (يستبعد النظامان أحدهما الآخر). كما سيكون لدى اللبنانيين المقيمين في لبنان والذين يعملون لحسابهم الخاص وعاملات المنازل وأصحاب العمل والعمال الزراعيين غير الدائمين2نميز بين العمال الزراعيين غير الدائمين وأولئك الذين يعملون بشكل دائم في المؤسسات الزراعية التي يغطيها الEOSI. الموظفون الدائمون، الذين يعملون في مؤسسة زراعية، سيشملهم نظام المعاشات التقاعدية الجديد إلزاميا. واللبنانيين العاملين في الخارج خيار التسجيل طوعيا في النظام الجديد.

أما بالنسبة للعاملين في القطاع العام، فإن المؤمن عليهم حاليا في إطار تعاونية موظفي الخدمة المدنية والمسجلين في معاش تقاعدي لا يمكن أن يشملهم النظام الجديد، في حين سيتم تغطية الآخرين إلزاميا.

ل.ب: وبالمثل، فإن المشاركة الطوعية ممكنة للموظفين الأجانب العاملين على الأراضي اللبنانية، شرط أن يكون لديهم تصريح عمل منتظم. ويحق لهؤلاء الحصول على استحقاقات كاملة على شكل معاشات تقاعدية دورية إذا كان لدى بلدهم اتفاق معاملة بالمثل مع لبنان. وفي حال عدم وجود اتفاق من هذا القبيل، يقتصر حقهم في التقاعد على تصفية مبلغ مقطوع عند مغادرة لبنان إلى أجل غير مسمى.

ويتضمن القانون أيضا استحقاقات للورثة في حالة الوفاة، ويغطي المؤمن عليه معاشا مدى الحياة في حالة حدوث إعاقة وبالتالي فقدان ما لا يقل عن ثلثي قدرته على العمل. كل هذه الجوانب تجعل القانون متوافقا مع معايير العمل الدولية لمنظمة العمل الدولية والمتطلبات الدنيا للضمان الاجتماعي على النحو المنصوص عليه في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102.

المكونات الأكثر تقنية للإصلاح الجديد

ر.إ: بالنسبة للميزات، يعتمد النظام الجديد على نظام مساهمات محدد نظريا. كل شخص مؤمن عليه لديه حساب افتراضي تتراكم فيه الاشتراكات (التي كانت تقدر سابقا بنسبة 12.25٪ من أرباح الفرد)، طوال فترة حياته المهنية. ويُغَذَّى الحساب على أساس سنوي بمعدل يساوي الزيادة في متوسط دخل جميع الأعضاء المشمولين بنظام المعاشات التقاعدية.

وعند التقاعد، لا يصرف الحساب النظري الفردي كمبلغ مقطوع. بدلا من ذلك، يتم تحويله إلى مبلغ معاش تقاعدي باستخدام صيغة تحويل تستند إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك متوسط العمر المتوقع وتعديلات تكلفة المعيشة ووجود ناجين مؤهلين بعد وفاة الشخص... ويحصل المتقاعد على أعلى نسبة بين هذا المعاش التقاعدي المحسوب وضمانين كحد أدنى.

ل.ب: في الواقع، يأخذ احتساب استحقاقات التقاعد في الاعتبار ضمانين. الأول هو ضمان الحد الأدنى للأجور، والذي يهدف أساسا إلى حماية العمال ذوي الدخل المنخفض، وينتج عنه أموال تقاعدية تقدر ب "55-80٪3اعتمادا على سنوات خدمة المؤمن عليه، حيث يكون 80٪ بعد 30 سنة من الخدمة. من الحد الأدنى الأخير للأجور في لبنان مضروبا (x) بعدد سنوات الخدمة". الضمان الثاني هو ضمان الأجر الوظيفي، والذي يهدف في الغالب إلى حماية العمال ذوي الدخل المرتفع، ويستند إلى الصيغة التالية، على النحو المنصوص عليه في معايير منظمة العمل الدولية: "1.33٪ مضروبا (x) بسنوات الاشتراك مضروبة (x) بمتوسط الدخل الوظيفي المعاد تقييمه". ولا يمكن أن يكون المعاش التقاعدي أقل من الأعلى بين هذين الضمانين. هذه الضمانات ليست سوى مزيج من الحد الأدنى للأجور المستحقة والحد الأدنى للأجر المعاد تقييمه. وتُفَصَّل طريقة احتساب الأجر المعاد تقييمه في الصفحة 3 من وثيقة الأسئلة والأجوبة، ما يقدم دليلا على أن الاشتراكات التي يدفعها الفرد طوال حياته المهنية تحسب ضمن استحقاقات المعاش التقاعدي النهائية له.

ويحق للعمال الحصول على معاش تقاعدي بعد 15 سنة أو أكثر من الخدمة، في حين أنهم مؤهلون فقط للحصول على مبلغ نقدي مقطوع قبل 15 سنة من الخدمة. ويمكن العثور على المزيد من التفاصيل حول تحصيل المعاش التقاعدي وخصائص حالة العجز أو الوفاة في وثيقة الأسئلة والأجوبة.

ف.أ: محمد كركي، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ذكر لصحيفة لوريان لو جور أن "النظام الجديد سيكون له ثلاثة مصادر تمويل رئيسية: بقايا الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومساهمات أصحاب العمل والموظفين، والفوائد الناتجة عن صندوق الاستثمار." ويقدر المبلغ الإجمالي المتاح حاليا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يعادل حوالي 333,000 دولار أمريكي بسعر الصرف الحالي. كيف يعمل الجزء القائم على المساهمات؟ كيف سيتم ضمان السلامة المالية للنظام؟ كيف سيطمئن الناس بأنه سيتم استثمار وحماية مساهماتهم بمسؤولية بعد أن فقدوا الثقة في أنظمة الدولة، والتاريخ الطويل من استحواذ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من قبل الحكومة؟

ر.إ: مرة أخرى، المصدر الرئيسي للتمويل هو المساهمات الاجتماعية، وفقا لتحليل اكتواري أجراه فريق منظمة العمل الدولية في عام 2023. من المتوقع أن يقع معدل المساهمات الإجمالي في حدود 17٪ إلى 18٪ من أرباح المؤمن عليه للحفاظ على الجدوى المالية للنظام على مدى مئة عام. سيتم قريبا تحديد توزيع معدل الاشتراك بين أصحاب العمل والعمال في مرسوم تنفيذي تكميلي، والذي سيحدد أيضا معدل الاشتراك النهائي بناء على التوقعات الاكتوارية المعدّلة في وقت تطبيق النظام. من الممكن تبني زيادة تدريجية في معدل المساهمات من المعدل الحالي البالغ 8.5٪ بعد عدة سنوات. ومن المصادر الأخرى لتمويل المخطط بالطبع عائدات الاستثمار الخاصة بالصندوق، الأمر الذي يؤخذ في عين الاعتبار عند احتساب معدلات الاشتراكات.

ل.ب: يأخذ القانون الجديد في الاعتبار أيضا بعض مصادر التمويل الأخرى مثل العقوبات والغرامات، فضلا عن المساهمات الحكومية المحتملة. ومع ذلك، هذه المصادر هي في الغالب تكميلية. في الوقت الحاضر، يجري تصميم النظام على افتراض أنه لن تكون هناك مساهمة من الدولة، لأن القصد هو جعله مكتفيا ذاتيا.

يضمن القانون الجديد أن الفوائد سيتم فهرستها للتضخم من خلال عملية تعديل سنوية، وسيكون ذلك مشروطا بالتوازن المالي للنظام. على المدى القصير، سيتم تعديل قيم المعاشات التقاعدية وفقا لمتوسط الزيادة في الأرباح المعلنة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وهذا سيسمح للفوائد بأن تعكس تضخم الأجور في الاقتصاد اللبناني. أما على المدى المتوسط والطويل، سيتم إعادة تقييم المعاشات التقاعدية كل عام بناء على الزيادة في مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ، وهو تعديل يعكس التغيرات في مستوى النمو الاقتصادي وتكلفة المعيشة.

ومع مرور الوقت، سيكون استثمار الأموال مهما بشكل كبير وسيحتاج الصندوق إلى اعتماد استراتيجية استثمارية متنوعة بشكل متزايد. القانون ليس إلزاميا في هذا الصدد ولكنه يلمّح إلى تنويع المحفظة الاستثمارية.

ر.إ: ستكون إدارة الاستثمار الفعالة والحكيمة أمرا بالغ في الأهمية لصندوق المعاشات التقاعدية الجديد. وتركز إصلاحات الحوكمة على عنصرين: التكوين والمؤهلات. هذه الإصلاحات ملزمة في القانون ومن المتوقع أن تعزز التعاون وتكفل الإدارة السليمة للأموال. وهي تشمل حد أدنى من المتطلبات فيما يتعلق بخبرة أعضاء مجلس الإدارة والخبرة المالية لأعضاء لجنة الاستثمار. من المهم أن يتم تنفيذ ذلك. كما يمنح القانون خيار إدارة الأصول الخارجية للأموال بناء على موافقة مجلس الإدارة. التركيز على أداء الاستثمار له أهمية قصوى وفي مصلحة المؤمن عليه. ومع ذلك، فإن إدارة الجودة والتنفيذ السليم والشفافية والاستقلال عن الديناميات السياسية في البلاد تحتاج إلى آليات متابعة ومساءلة محكمة.

المسار والآفاق

ف.أ: يبدو أن هناك العديد من المراحل الأساسية في عملية التنفيذ. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالدفع الإلكتروني للاشتراكات والمزايا، والمنصة الرقمية للعمال وأصحاب العمل للوصول إلى المعلومات المتعلقة بحقوق الضمان الاجتماعي الخاصة بهم، أليست مشكلة الشمول المالي والرقمي في لبنان مصدر قلق لكم؟

ر.إ: هذا أمر مهم جدا. يجب إجراء تغييرات جدية داخل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتنفيذ النظام الجديد والقانون يشير إلى ذلك. ومع ذلك، نعتقد أنه من الممكن بناء نظام رقمي قوي يمكنه تقديم خدمة عالية الجودة، بناء على قصص النجاح الأخرى في البلاد.

ل.ب: لن تحل القناة الإلكترونية محل فروع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في مختلف المناطق اللبنانية بشكل كامل. ستظل المراجعات وجها لوجه ممكنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهدف من الرقمنة هو توليد وعي أقوى بين العمال بحقوقهم، على سبيل المثال من خلال تطوير تطبيق رقمي للعمال وأصحاب العمل لتتبع معاملاتهم واستحقاقاتهم.

ف.أ: كيف تصفون المسار الذي أدى إلى إصلاحات المعاشات التقاعدية؟ ما هي التحديات التي واجهتموها؟ كيف يمكنك خلق الإرادة السياسية من أجل هذه الإصلاحات والمساعدة في تشريعها؟

ر.إ: هذه الإصلاحات كانت قيد الإعداد منذ وقت طويل. تاريخيا، وضِعت مقترحات القوانين السابقة على الرف. وفي عام 2019، تم إنشاء لجنة فرعية برلمانية مكلفة بمراجعة الاقتراح السابق. وشاركنا بشكل وثيق مع تلك اللجنة والشركاء الاجتماعيين وأصحاب المصلحة، وقدمنا المساعدة التقنية فيما يتعلق بالتقييمات الاكتوارية، وتصميم المخطط، ونماذج الحوكمة، والصياغة القانونية.

ل.ب: ما كان مفيدا أيضا لنجاح عملية الإصلاح هو المشاركة الوثيقة لمختلف أصحاب المصلحة. جزء كبير من هذا المسار هو الحوار الاجتماعي (الذي يشمل العمال وأصحاب العمل والحكومة)، والذي تم بناء على طلب وزارة العمل وسهلته منظمة العمل الدولية. التداعيات الدائمة للأزمة الاقتصادية وضرورة القيام بتحسين حيال الEOSI غير الفعال أبقت الجميع مهتمين. وتؤدي منظمة العمل الدولية دور الوسيط، كطرف فاعل محايد يمكنه تسجيل مختلف وجهات النظر والآراء والشواغل. وكان دورنا حاسما في إيجاد مجال لإجراء حوار بنّاء في مواجهة ما مسببات توقف مسار الإصلاح، ومن ثم في بناء توافق الآراء.

وكان الأمر الأكثر تحديا في بناء توافق الآراء هو الجزء المتعلق بالإصلاحات الحوكماتية، حيث كان من المهم ضمان التدفق المستمر للمعلومات والحفاظ على قنوات التواصل والتبادل بين مختلف الجهات الفاعلة، كما وتحديد نقاط الالتقاء الممكنة بين مختلف المصالح. طوال العملية، شهدنا دعم قوي من الأحزاب للقانون – بشكل عام – وشمل ذلك جميع الكتل البرلمانية.

ف.أ: كيف ترون المسار قدماً؟

ل.ب: لا يزال القانون يتطلب مراسيم تنفيذية ولكن سيكون من المهم أن يصبح جاهزا للعمل بشكل كامل في وقت قصير. بدأت منظمة العمل الدولية العمل مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبعض الشركاء الوطنيين، أي العمال وأصحاب العمل، حيث تحول التركيز الآن إلى ضمان التنفيذ السليم. العملية معقدة ولكنها واعدة جدا.

ر.إ: علاوة على ذلك، لا يزال هناك مجال كبير للتحسين في المخطط والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ونظام الحماية الاجتماعية ككل. من المهم أيضا التفكير في أولئك الذين تقاعدوا خلال الأزمة وحصلوا على مزايا لا قيمة لها اليوم - أي اعتماد تدابير انتقالية يجب أن تأخذ هؤلاء المتقاعدين في الاعتبار. وينبغي توسيع نطاق التغطية لتشمل جميع فئات العمال، ويلزم اتخاذ المزيد من التدابير لضمان توفير استحقاقات الشيخوخة لجميع كبار السن في لبنان.

Endnotes

Endnotes
1 دفعة التسوية هي الفرق بين مبلغ الEOSI المستحق، وفقا لآخر راتب، والمساهمات التي تم دفعها طوال حياة الفرد المهنية أو المستحقة عليه، بالإضافة إلى مدفوعات الفائدة وتضخم الأجور المُضمَّن بشكل طبيعي.
2 نميز بين العمال الزراعيين غير الدائمين وأولئك الذين يعملون بشكل دائم في المؤسسات الزراعية التي يغطيها الEOSI. الموظفون الدائمون، الذين يعملون في مؤسسة زراعية، سيشملهم نظام المعاشات التقاعدية الجديد إلزاميا.
3 اعتمادا على سنوات خدمة المؤمن عليه، حيث يكون 80٪ بعد 30 سنة من الخدمة.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.