إدارة التنوع في البحرين: تعثر الانتقال من المشيخة للمواطنة الدستورية

منذ أكثر من عقدين شكلت المواطنة الدستورية كمفهوم حديث ­ركيزة الحراك السياسي في البحرين، حيث طرحت كحل لمجموعة الأزمات المزمنة التي تعاني منها عملية بناء الدولة المتعثرة. كما اعتبرت المواطنة الدستورية خريطة سياسية واجتماعية لتقديم الحلول الأفضل في مسألة إدارة التنوع الإثني والطائفي الذي تتشكل عليه البنى الاجتماعية والسياسية في البحرين.

ونتيجة للبناء المتعثر للدولة ومجالها العمومي، تشكل مفهوم ملائم لتوصيف الحالة القائمة في البحرين هو مفهوم المواطنة المأزومة. تتجلى معالم المواطنة المأزومة في وجود أطر دستورية وقانونية حديثة وعصرية ومتكيفة في جزء كبير منها مع المواطنة الدستورية كما في تركيز النصوص الدستورية على المواطنة والحقوق والواجبات وفي بناء مؤسسات شبه عمومية (انتخاب نصف أعضاء السلطة التشريعية)، إلا أن ذلك يتراجع أمام غياب المجال العمومي الذي هو أساس المواطنة وأمام الواقع المخالف للنصوص الدستورية وإفساح المجال أمام تشكيل ذاكرة تاريخية مختزلة غير قادرة على تمثيل جميع مكونات المجتمع البحريني. ومن جهة أكثر أهمية، يُلاحَظ قصور النصوص الدستورية والقانونية عن بلوغ المراحل الحديثة لمفهوم المواطنة وبقاءها في المرحلة الأولية للمواطنة، وهو ما يفسر تأزم المواطنة المطروحة رسميا أمام التطور الحداثي للمواطنة.

ما تحاول أن تصل إليه هذه الورقة هو أن المواطنة الدستورية لا تزال المعبر الأمثل لبناء الدولة ذات الانقسام الاجتماعي المتفاوت وأن هناك ضرورة لملائمة المواطنة الدستورية والأوضاع المحلية. فالمواطنة الكاملة لا بد لها ان تجد نفسها متحققة في مجالين أساسيين هما المجال الحقوقي السياسي الممثل في صيغة دستورية ديمقراطية تضمن تداول السلطة وسائر الحقوق السياسية، والمجال الاجتماعي الممثل في الولاء للدولة دون سائر الولاءات والهويات الفرعية الأخرى. ما يمكن الذهاب إليه كفرضية أساسية هو أن هناك بناء متدرج للمواطنة الدستورية في البحرين لكنه غير كاف بوتيرته الحالية، وربما يحتاج لبعض الدفع والضغط السياسي والاجتماعي. ومن جهة أخرى، فإن الأنظمة الممانعة للمواطنة الدستورية تشيد لها بناء خاصا للمواطنة تحاول من خلاله مقارعة المواطنة الدستورية، وقد تلجأ لاستراتيجيات متعددة مستثمرة في ذلك اختلالات الوضع الاجتماعي وانقساماته وخصائص الدولة الريعية. وتبين دراسة الحالة البحرينية أن اعتلال المواطنة يقودها للتأزم وإلى استمرار السلطوية وآلياتها المقننة بما يؤدي لإنتاج مواطنة مأزومة بالشرعية الناقصة وبالتمييز والإدارة الفاحشة للتنوع، مما يعني في النهاية تفاقم حالة الاستقرار وشيوع حالات التقاذف السياسي والاجتماعي وتآكل الهوية الوطنية. كما توضح الحالة البحرينية أن استمرار التوترات السياسية وزيادة حدة الاستقطاب الاجتماعي حول الهوية الوطنية يرجع لغياب المجال العمومي الكفيل بتوفير البيئة الآمنة للتنوعات الاجتماعية والثقافية والسياسية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.