سلسلة الطاقة | مقابلة مع لوري هيتايان: الحرب ومستقبل قطاع الطاقة في لبنان

النبطية، لبنان - 18 فبراير: بعد إعلان الجيش الإسرائيلي انسحابه من المناطق باستثناء خمس نقاط، يعود اللبنانيون إلى بلدة كفركلا ليواجهوا المباني التي تحولت إلى أنقاض في النبطية، لبنان في 18 فبراير 2025. (c) راميز ضلة - صور الأناضول

تُعد هذه المقابلة، التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2024، جزءًا من سلسلة مقابلات تتناول تأثير الحرب في لبنان. كان لبنان يعاني أصلاً من انهيار اقتصادي غير مسبوق في التاريخ المالي العالمي، كما كان قطاع الطاقة منهار قبل بدء اجتياحات الجيش الإسرائيلي. ولم تزد الحرب والدمار الذي خلفته إلاّ في تعميق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية المتعددة التي يعاني منها البلد.

فقد أسفرت الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل عن مقتل أكثر من 4,000 شخص وإصابة 16,000 ونزوح 900,00 آخرين،  وفقًا لوزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض. وقد قدّر البنك الدولي أن الاجتياح العسكري الإسرائيلي تسبب في إلحاق أضرار بالبنية التحتية بأكثر من 3.4 مليار دولار أمريكي وخسائر اقتصادية تزيد عن 5 مليار دولار أمريكي. كما تشير التقديرات إلى أن قطاع الطاقة تكبد خسائر تزيد عن 300 مليون دولار نتيجة لزيادة الطلب الناجم عن النازحين داخليًا والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وخسائر الإيرادات.

دالا عسيران، متدربة في برنامج السياسات البيئية، تحدثت مع لوري هايتايان، مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخبيرة في سياسات الطاقة والجغرافيا السياسية. ألّفت هايتايان العديد من الأوراق البحثية حول قطاع الطاقة في لبنان وتستضيف بودكاست ”إنرجي إسبريسو“ الذي يغطي مستقبل الطاقة والتحول في مجال الطاقة في لبنان.

س: هل يتجه لبنان نحو التحول إلى بلد غير آمن في مجال الطاقة بسبب الحرب؟ هل هناك مؤشر، سواء كان رسميًا أو غير رسمي، يصنف انعدام أمن الطاقة؟

المشكلة أننا لم نكن يوماً بلداً آمنًا في مجال الطاقة. لقد عانينا من مشاكل لسنوات، وتفاقمت تلك المشاكل عندما أصبح الوضع كارثياً. وبالتالي، في المستقبل، ستظهر تحديات أكبر. أولاً، لقد دُمرت بعض المناطق بالكامل، ولا نعرف مدى الضرر الذي لحق بأنظمة الكهرباء والطاقة، من خطوط الجهد الكهربي العالي إلى شبكات التوزيع – كما لا نعرف كم ستستغرقه عملية إعادة البناء. ثانيًا، إن الدمار يعني ضرورة إعادة البناء، سواء كان ذلك من خلال إعادة الإعمار أو ربط البنية التحتية بشبكات الكهرباء.

ولكننا لا نتجه إلى أن نصبح دولة غير آمنة في مجال الطاقة. بل إننا بالفعل نواجه هذا الواقع، ولطالما كان الحال كذلك.

س: لدى إسرائيل الكثير من الصفقات مع شركات النفط والغاز. هل تعتقدي أن هذه الصفقات ستتغير في ظل الحرب؟ هل ستؤثر أو تضر بإنتاج الغاز والاقتصاد الإسرائيلي؟

بدأت الحرب التي طال أمدها بالتأثير على قطاع النفط والغاز. فخلال المراحل الأولى من الحرب، اضطرت إسرائيل إلى وقف الإنتاج في حقل تمار لمدة شهر تقريبًا لقرب منصته من غزة. وقد تسبب ذلك في مشاكل للشركات والدولة، إذ يُولَد معظم إنتاج الكهرباء هناك. ما يقرب من 70% من الكهرباء المولدة في إسرائيل تعتمد على الغاز الطبيعي، لذا فإن أي تدمير لهذا الحقل سيؤثر على توليد الكهرباء، مما سيؤثر بدوره على إيرادات الحكومة. قبل الحرب، أجرت وزارة الطاقة اللبنانية جولات تراخيص متعددة، وتم الإعلان عن جميع النتائج. وفازت شركات مثل BP، وSOCAR، وEENI  بالمناقصات. ومع ذلك، لم تكن هذه الشركات قد وقّعت العقود بعد، وكان هذا كله قبل 7 أكتوبر. ومثال آخر على ذلك هو شركة شيفرون، التي تملك حصصًا في حقلي تمار وليفياثان ولديها خطط لتوسيع الأخير وزيادة الإنتاج لتتمكن من التصدير، ولكنها أعلنت قبل بضعة أسابيع أنها أوقفت التوسع. وهكذا، بعد مرور عام، بدأ يتضح أن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في العمل كالمعتاد، مما أسفر عن آثار سلبية على قطاع النفط والغاز في إسرائيل.

س: هل تعتقدي أنهم سيوقفون توسيع المشروع؟

يعتمد ذلك على كيفية استمرار هذه الحرب وإلى متى ستستمر. تمتلك إنيرجيان محفظة كبيرة تشمل الحقل الإسرائيلي، وهي قصة نجاح بالنسبة لهم. لقد غامروا في مراحل استكشاف جديدة في المغرب وأماكن أخرى، وهي خطط توسع وتطوير جديدة. ويثبت النجاح في إسرائيل أن هناك نموًا في الطلب على الكهرباء، وسيستمر هذا النمو في الازدياد، حيث تسعى إنيرجيان لأن تكون جزءًا من هذه الحصة السوقية وأن تصدر الكهرباء في نهاية المطاف. عملت الشركة في الغالب في حقلي كاريش وتانين بشرط تخصيص الغاز للاستهلاك الداخلي. وكل الاستكشافات الجديدة ستكون موجهة للتصدير، وهو ما يعني تحقيق إيرادات أعلى مقارنة بإرسال الغاز إلى السوق الإسرائيلية فقط. ولم تعلن الشركة عن أي تأجيل حتى الآن.

س: هل هذا يُشير إلى التباطؤ والتراجع... كيف سيؤثر ذلك على الاقتصاد في إسرائيل؟

ج: خلال صيف 2024، ذكر البنك المركزي الإسرائيلي أن الحرب كلفتهم ما بين 70 و76 مليار دولار. في البداية، كان هناك تصور بأن الحرب لم تؤثر عليهم اقتصادياً، وكانت البورصة تعمل بشكل جيد. ومع ذلك، فإن أكثر من عام من الحرب دفع إسرائيل وقواتها المسلحة إلى استخدام احتياطي الجيش. كان هؤلاء الأشخاص نشطين في الاقتصاد، والآن هم في الجبهة الأمامية. لذا، فقد أثر ذلك بالتأكيد على نمو البلاد واقتصادها وإنتاجها. فعلى سبيل المثال، تأثّر قطاع السياحة بسبب إغلاق المطارات وإعلان شركات الطيران أنها لن تسافر من وإلى إسرائيل. لم يعد بإمكانهم التصرف وكأن شيئاً لم يحدث، ولكن الأمر ليس كما هو الحال في لبنان الذي يعيش أزمة منذ خمس سنوات. يعتمد لبنان بشكل كبير على اقتصاده النقدي واقتصاده المنكمش وأعماله التجارية المحتضرة. ومع ذلك، تزدهر بعض الأعمال التجارية، ويتم افتتاح علامات تجارية جديدة في بيروت. هذا غير منطقي، لكنه يحدث. نحن نسميه المرونة، وهو أمر ناجح.

يتأثر كلا البلدين، وإن كان التأثير بدرجات متفاوتة؛ لقد دخلنا الحرب في حالة من الانهيار.

ومع ذلك، ينظر البعض إلى هذا الوضع على أنه فرصة للبنان، وأن إعادة الإعمار ستحفز الاقتصاد. للأسف، سيكون اقتصاد الحرب مبنيًا على مأساة الناس. عائلتي، على سبيل المثال، تبيع الملابس، ومنذ فترة، كانوا يغلقون المحل في الساعة الثانية بعد الظهر لأن العمل كان بطيئاً. منذ الحرب، قاموا بتمديد ساعات عملهم لأن الناس يأتون كل يوم. فقد فقَد الناس كل شيء، واضطروا للبدء من الصفر.

س: هل تعتقدي أن هذا ما حدث بعد الحرب؟

في كل مرة يحدث فيها دمار، هناك إعادة إعمار تأتي بعد ذلك، وهو ما يعني توفر فرص للعمل، وهذا يترجم إلى تنشيط الاقتصاد ونهوضه. هذا هو اقتصاد الحرب.

تُعد مؤسسة كهرباء لبنان مرفقًا عامًا فاشلًا. فهي لا تستطيع القيام بوظيفتها؛ فهي ليست مكتفية ذاتيًا أو مستقلة في مواردها المالية. كما أننا لا نعلم عن مدى الأضرار التي لحقت بها خلال الحرب. لذا، من الضروري إجراء دراسات استقصائية شاملة لتقييم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وتقدير تكلفة إعادة البناء.

من الناحية المالية، كيف تخطط الحكومة اللبنانية لتأمين الأموال بينما لا تزال تعتمد على الاستيراد لتوفير الطاقة؟ كانت الحكومة تراهن على التنقيب عن النفط والغاز، لكن البلوك رقم 9 لم يسفر عن أي نتائج. وأُغلقت جولة التراخيص الثانية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 دون التوصل إلى اتفاقات لأن الحكومة أرادت التسرع في العملية، ولم توافق الشركات على ذلك. وقد تم تأجيل جولة التراخيص الثالثة إلى آذار/مارس 2025، الأمر الذي قد يوفر المزيد من الوضوح.

هناك فرصة لإعادة الإعمار بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة. عندما يتم إعادة بناء المنازل، يجب أن تكون "خضراء". قد تتحول الضاحية أكثر المناطق خضرة إذا تم التخطيط لها بشكل صحيح. ولكن لتحقيق ذلك، يجب أن تكون هناك مواصفات ومعايير يجب اتباعها، من تركيب أسطح المنازل إلى السخانات، وما إلى ذلك. يجب تطبيق سياسات البناء الأخضر. عندما يتم إعادة بناء شبكات الكهرباء، يجب أن يتم ربطها بشكل صحيح عن طريق العدادات الذكية. يمكن أن تكون هناك نهضة خضراء لإعادة الإعمار في هذه المناطق المدمرة. هذه هي العقلية التي نحتاج إلى تبنيها. يجب أن تقوم خطة إعادة الإعمار على هذا الأساس.

يجب على الحكومة أن تعطي الأولوية لإعادة الإعمار الأخضر، ويجب أن تبني على هذا الأساس، بدلاً من العودة إلى ما كان عليه الوضع، بدءاً من الغاز ومصادر الطاقة المتجددة، وجعلها مصادر الطاقة الرئيسية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.