مسارات نحو تحقيق السيادة الغذائية في لبنان

لقراءة التقرير كاملاً، يرجى النقر على ملف PDF الموجود على اليسار.

مسارات نحو تحقيق السيادة الغذائية في لبنان
صورة الغلاف: يدا امرأة تزرع البذور في المنزل.  (c) Lizavetta, Shutterstock

1. مقدمة

يواجه لبنان أزمة غذائية عميقة ومتفاقمة. ووفقاً لأحدث تصنيف متكامل لمراحل الأمن الغذائي – وهي مبادرة تضم 21 منظمة ومؤسسة حكومية دولية تتشارك في تصنيف خطورة وحجم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية – فإن 1.26 مليون شخص في لبنان يعيشون حالياً في مرحلة الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المتكامل للأمن الغذائي)، من بينهم 85 ألف شخص في مرحلة الطوارئ (المرحلة الرابعة من التصنيف المتكامل للأمن الغذائي)، ما يعكس الحاجة الملحة إلى العمل الإنساني.1Integrated Food Security Phase Classification (IPC), “Lebanon: Acute Food Insecurity Projection Update for April -September 2024”, https://www.ipcinfo.org/ipc-country-analysis/details-map/en/c/1157035/?iso3=LBN [IPC, Lebanon: Acute Food Insecrity]; World Food Program (WFP) and Food and Agriculture Organization (FAO), Hunger Hotspots: FAO–WFp Early Warnings on Acute Food Insecurity: November 2024 to May 2025 Outlook, WFP-FAO, https://doi.org/10.4060/cd2995en [WFP and FAO, Hunger Hotspots] ويتأثر اللاجئون السوريون والفلسطينيون بشكلٍ غير متناسب، إذ يقع 34 في المئة و45 في المئة منهم على التوالي، في المرحلة الثالثة وما فوق.2IPC, Lebanon: Acute Food Insecrity; WFP and FAO, Hunger Hotspots. وتعتبر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي التابعان للأمم المتحدة أن لبنان يشكل اليوم نقطة ساخنة "مثيرة للقلق الشديد" حول انعدام الأمن الغذائي، بسبب تصاعد النزاع والنزوح والتدهور الاقتصادي.3IPC, Lebanon: Acute Food Insecrity; WFP and FAO, Hunger Hotspots.

جذور هذه الأزمة ليست حديثة العهد ولا مجرد نتيجة للأزمة الاقتصادية، بل متجذرة في الإرث السياسي للحكم الاستعماري وفي الإصلاحات النيوليبرالية، وفي هيكلية الدولة التي فشلت مراراً في دعم التنمية الريفية والزراعية، مفضلةً قطاع الزراعة الموجه للتصدير على الاحتياجات المحلية. وتتشارك العقبات التي تعوق مسار لبنان نحو السيادة الغذائية مع العديد من دول الجنوب العالمي ومنها: سنوات من سوء الإدارة المالية والمخططات التنموية الاستخراجية التي تفيد نخبة صغيرة من أصحاب المال المحليين والجهات المالية العالمية؛ والتحديات المادية مثل الضغوط المتزايدة لتغير المناخ على الممارسات الزراعية المحلية عبر موجات الحر والجفاف؛ والعقبات الإدارية والسياسية أمام إصلاحات كبيرة في مجال الأراضي القادرة على إضفاء الطابع الديمقراطي على الزراعة المحلية.

على مدى نصف القرن الماضي، شكّل صانعو السياسات المحلية والخبراء الدوليون وممثلو كبرى الشركات الغذائية، النظام الغذائي في لبنان ليصبح معتمداً إلى حدٍ كبير على الواردات الغذائية للاستهلاك اليومي، مع تركيز القطاع الزراعي على المنتجات الموجهة للتصدير. وقوضت هذه الظروف قدرة النظام الغذائي على الصمود في وجه الصدمات المالية والمناخية والسياسية، ما أدى إلى إضعاف استقلالية المزارعين المحليين وسبل عيشهم وسلطتهم السياسية. علاوة على ذلك، شهد لبنان على مدى العقدين الماضيين آثار التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وشاع حدوث الحرائق والجفاف والعواصف الترابية. يقع لبنان أيضاً في منطقة هشة من الناحية الجيوسياسية. فإلى جنوبه تقع إسرائيل التي تتسم بالتوسعية المستمرة والتعنت والعسكرة ودمرت حربها الأخيرة على لبنان النسيج العمراني في مناطقه الجنوبية وقتلت آلاف الأشخاص وألحقت أضراراً لا يمكن إصلاحها بآلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية في وديانه الخصبة شرقاً وجنوباً. كما هددت الممارسات الإسرائيلية مراراً أمن لبنان المائي.4Mark Zeitoun, Karim Eid‐Sabbagh and Jeremy Loveless, “The Analytical Framework of Water and Armed Conflict: A Focus on the 2006 Summer War between Israel and Lebanon”, Disasters 38, no. 1 (2014) pp. 22-44, https://doi.org/10.1111/disa.12039 وأخيراً، لم يخرج لبنان بعد من أزمة مالية مستمرة منذ ست سنوات، تسببت بها الطبقة السياسية الكليبتوقراطية التي أهلكت الطبقتين الوسطى والعمالية، وأضعفت قدرتهما الشرائية، وجعلتهما أكثر اعتماداً على الاستيراد لتأمين احتياجاتهما المعيشية.5إ Edmund Blair, “Explainer: Lebanon’s Financial Meltdown and How It Happened.” Reuters, 17 June 2021, https://www.reuters.com/world/middle-east/lebanons-financial-meltdown-how-it-happened-2021-06-17/

في الوقت نفسه، واستجابةً للهشاشة المتزايدة، ظهرت مبادرات السيادة الغذائية والحركات الشعبية في لبنان – كما هو الحال في العالم – لمحاولة الاحتفاظ بالسيطرة على النظم الغذائية من خلال المقاومة والابتكار والمناصرة. وتسلط هذه الدراسة الضوء على الصعوبات التي تواجه المزارعين ونشطاء السيادة الغذائية في تنظيم كتلة سياسية متماسكة ومؤثرة، بسبب الجهود المجزأة والعقبات السياسية الهيكلية ومحدودية الموارد، ونقص الدعم المؤسسي. وتُركز بشكلٍ خاص على آليات الحوكمة والمساءلة، سواء داخل الحكومة اللبنانية أو بين المؤسسات المالية الدولية وغيرها من أصحاب المصلحة الرئيسيين. وتُولي الدراسة الاهتمام لتوافر وشفافية المعلومات حول المشاريع والمبادرات الغذائية، فضلاً عن أدوار ومسؤوليات مختلف الجهات الفاعلة في صياغة السياسات وتنفيذها.

وتؤكد الدراسة أن نظام السيادة الغذائية الذي يركز على المنتجين المحليين يتمتع بالاكتفاء الذاتي داخليًا، ويوفر أجورًا كريمة للمزارعين، ويلبي احتياجات السوق المحلية، وهو مستدام وقابل للتكيف مع تغير المناخ – وهذا أمر ضروري لتحقيق الأمن الغذائي. ولإحراز تقدم في مجال السيادة الغذائية، يجب أن ينتظم المزارعون ومجموعات المناصرة من مختلف الأطياف السياسية والخبراء والمربين ومنظمات المجتمع المدني، على المستويات المحلية والبلدية والوطنية والإقليمية ضمن كتلة سياسية فعالة قادرة على تحدي الوضع الراهن، وفرض مطالبهم على الدولة، وضمان سيادة المزارعين. ولتجاوز الأمن الغذائي وتحقيق السيادة الغذائية، يجب على لبنان الاستثمار في إصلاح الأراضي، ودعم التعاونيات الشعبية، ومقاومة نماذج الدعم التي تفرضها الجهات المانحة. ولا يمكن للبلاد بناء نظام غذائي قادر على التكيف، قوي، عادل، وسيادي إلا من خلال إعادة السلطة إلى المنتجين والمجتمعات المحلية.

2. المنهجية

تؤطر هذه الدراسة عدة أسئلة توجيهية: مَن المستفيد من السياسات والنظم الغذائية الحالية في لبنان، ومَن هم المهمشون والمستبعدون؟ ما هي المناطق أو القطاعات أو المجموعات الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي في ظل الظروف الراهنة؟ إلى أي مدى تشارك منظمات المجتمع المدني والنقابات والمجتمعات المحلية في صياغة السياسات الغذائية، ومَن المستبعد من هذه العمليات؟ وما هي أشكال مشاركة منظمات المجتمع المدني، وما هي الآثار الملموسة – الإيجابية وغير المقصودة – لمشاركتها؟

اشتمل المكون الأول من البحث على مراجعة مكتبية واسعة النطاق، مع التركيز على ثلاثة أبعاد رئيسية في الأدبيات المتعلقة بالسيادة الغذائية في لبنان: التداعيات المالية لانعدام الأمن الغذائي، والتوزيع غير المتكافئ للحصول على الغذاء، والهشاشة التي تواجهها بعض الفئات الاجتماعية. وتناول المراجعة أيضًا كيفية تقاطع هذه القضايا مع المسائل الأوسع نطاقًا والمتعلقة بالحوكمة والحقوق والاستدامة.

يتضمن البحث الأولي عنصراً نوعياً يشمل مقابلات فردية وجماعية، بالإضافة إلى ملاحظات ميدانية مع مجموعة من أصحاب المصلحة الرئيسيين: المزارعون وصانعو السياسات والجهات الفاعلة في المجتمع المدني والنشطاء، وممثلو المنظمات الدولية. كان الهدف من المقابلات جمع شهادات مباشرة ومعرفة تجريبية حول التحديات والديناميات التي تشكل النظم الغذائية في لبنان اليوم. وأُجريت مقابلات مع 15 شخصًا اختيروا من عدة فئات استثمرت في قضية السيادة الغذائية والأمن الغذائي في لبنان: منتجون محليون، ممثلون عن منظمات المجتمع المدني، مناصرون ومنظمون للمزارعين وباحثون، وخبراء في القطاع الزراعي والاقتصاد السياسي لإنتاج الغذاء واستهلاكه.

كما شارك الباحث في اجتماعات تشاورية ومناقشات مائدة مستديرة – وهي مساحات سمحت بإجراء حوارات أعمق وتبادل للأفكار بين أصحاب المصلحة من مختلف القطاعات، ما عزز التفكير الجماعي في مسارات السيادة الغذائية. وباستثناء الخبراء المحليين الذين وافقوا على ذكر أسمائهم في هذه الدراسة، أُخفيت هوية بقية المشاركين في المقابلات. ويمكن الاطلاع على معلومات إضافية حول اختيار المشاركين وأسئلة المقابلات في الملحق.

Endnotes

Endnotes
1 Integrated Food Security Phase Classification (IPC), “Lebanon: Acute Food Insecurity Projection Update for April -September 2024”, https://www.ipcinfo.org/ipc-country-analysis/details-map/en/c/1157035/?iso3=LBN [IPC, Lebanon: Acute Food Insecrity]; World Food Program (WFP) and Food and Agriculture Organization (FAO), Hunger Hotspots: FAO–WFp Early Warnings on Acute Food Insecurity: November 2024 to May 2025 Outlook, WFP-FAO, https://doi.org/10.4060/cd2995en [WFP and FAO, Hunger Hotspots]
2 IPC, Lebanon: Acute Food Insecrity; WFP and FAO, Hunger Hotspots.
3 IPC, Lebanon: Acute Food Insecrity; WFP and FAO, Hunger Hotspots.
4 Mark Zeitoun, Karim Eid‐Sabbagh and Jeremy Loveless, “The Analytical Framework of Water and Armed Conflict: A Focus on the 2006 Summer War between Israel and Lebanon”, Disasters 38, no. 1 (2014) pp. 22-44, https://doi.org/10.1111/disa.12039
5 إ Edmund Blair, “Explainer: Lebanon’s Financial Meltdown and How It Happened.” Reuters, 17 June 2021, https://www.reuters.com/world/middle-east/lebanons-financial-meltdown-how-it-happened-2021-06-17/

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.