ما وراء الندرة: ملاحظات حول اللامساواة الاجتماعية في الماء بالمغرب

Beyond Scarcity: Social Inequality and the Politics of Water in Morocco
المغرب، 22 أغسطس/آب 2024 - محطة الضخ رقم 1 لسد سيبو، التي تم ربطها بحوض وادي أبي رقراق عبر ”المجاري المائية“ في سلا، كجزء من مشروع للتخفيف من أزمة المياه التي تواجهها المدن المغربية الكبرى، بما في ذلك الدار البيضاء والرباط. (c) جلال المرشدي / EPA

تقديم

يعتبر الماء بالمغرب قضية سياسية كما هو الشأن في معظم المجتمعات الإنسانية، غير أنه يقدم نفسه قبل ذلك، كمسألة ثقافية واجتماعية بالدرجة الأولى.1يمكن العودة إلى كتابات موننيه دجن حول التوزيع الاجتماعي للماء بدرعة، كما يمكن العودة إلى كتاب بوجمعة رويان، الطب الاستعماري بالمغرب، بخصوص إشاراته للحامات. فتاريخ المجتمع المغربي وبنية مؤسساته الاجتماعية والثقافية – يمكن وصفه بدون تحفظ – بأنه تاريخ مرتبط بالماء. ويرجع ذلك إلى معطى تاريخي أكدته النصوص التاريخية التي تناولت المغرب، والتي أشارت مثلا إلى الصراعات بين القبائل المغربية حول الماء والمراعي وكل الموارد المرتبطة به.2Jacques Berque, Structures sociales du Hautes Atlas, PUF, 1978. وسلّطت نصوص أخرى الضوء على موقع الماء في سياسات الدولة المغربية عبر التاريخ. وأماطت الكتابات التي اهتمت بتاريخ المجاعات والأوبئة عن الدور الذي لعبه الماء في التغيرات الديموغرافية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي عرفها المغرب عبر تاريخه بعد كل سنة جفاف.3 محمد أمين البزاز، تاريخ المجاعات والأوبئة بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط،1992 . ولعل هذا ما دفع الجنرال ليوطي، أحد واضعي أسس الحماية الفرنسية، إلى قول " أن تحكم في المغرب، يعني أن تمطر". ويلفت عددا من الباحثين في الشأن السياسي بالمغرب، منهم ريمي لوفو، الانتباه إلى الدور الذي لعبه الماء بالمغرب في إرساء دعائم الحكم وشرعنته.4Rémy, Leveau, Le Fellah marocain defenseur du trone, Presses de Sciences Po, 1976.  كما كشف المؤرخ العروي عن توالي الاضطرابات والقلاقل السياسية بالمغرب بعد كل سنة جفاف.5عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، الجزء الثاني، المركز الثقافي العربي، 1999.

إن مسألة الماء بالمغرب، ليست ولم تكن في يوم من الأيام مسألة طبيعية، وإنما كانت على الدوام مسألة عمومية وجماعاتية، انتظمت انطلاقا منها معظم المؤسسات المغربية، وظهرت عبرها التفاوتات الاجتماعية. وشكلت مسرح يطلق من خلاله المجتمع مخاوفه وآماله وأحلامه، لهذا لم يجد كثير من الباحثين المغاربة حرجا في التمييز بين ماء الدولة وماء الجماعة، وبين الماء المقدس والماء العادي، وبين ماء الله وماء الدولة... إلخ. ظهرت هذه الثنائيات تاريخيا عبر السياسات المائية التي اعتمدها المغرب منذ سنة على الأقل 1914 إلى اليوم بعد صدور أول قانون على عهد الحماية الفرنسية، يشير إلى ملكية الدولة للماء والموارد الطبيعية، ومنع كل أشكال التملك الجماعي من القبائل والجماعات والأفراد التي اعتبرت تاريخيا أن الماء ملك للجماعة وجزء من هويتها وتنظيمها الاجتماعي، بعد أن بنت بشكل جماعي تنظيمات ومواقع وسلط لتنظيم الماء وتوزيعه وتسوية الصراعات القائمة حوله.

استعمل الماء في الدولة المغربية المعاصرة كمصدر مباشر لبناء مشروعية النظام السياسي، وشرعنة بعض الاختيارات الاقتصادية والسياسية التي بنت عليها دولة ما بعد الاستقلال، واختراق النخب السياسية، واستبعاد بعضها عن أي طموح سياسي.6  سياسة السدود بالمغرب، وتوزيع الأراضي المسترجعة والانتصار للخيار الفلاحي كقطاع حيوي بدل التصنيع في مغرب ما بعد الاستقلال يعتبر نموذجا على ذلك. وكان، وما يزال إلى اليوم، عنصرا أصيلا في السياسات العمومية التي اختارها المغرب، فالاقتصاد السياسي الذي بنيت عليه دولة ما بعد الاستقلال، التي آثرت الانتصار للخيار الفلاحي وضمان الأمن الغذائي في مجتمع يعيش على إيقاع انتقال ديموغرافي متسارع، يعني بشكل أو بآخر الحديث عن الماء وعن سياسات الماء.

تهدف هذه الورقة إلى الكشف عن الطابع السياسي للماء بالمغرب، والكيفية التي تطورت بها الخطابات حول الماء خلال العقود الأخيرة، والانتقال من خطابات الوفرة إلى خطابات الندرة، ومن ماء الله إلى ماء الدولة، ماء الجماعة وماء المهندس، وتحول الماء داخل الفضاء العمومي الراهن إلى مورد للنضالات والخطابات الاحتجاجية وموجات السخط المؤقتة وواحدًا من سجلات الفعل الاحتجاجي في مجالات مغربية متعددة.

الحالة المائية بالمغرب: من الإجهاد إلى الندرة

تشير معظم التقارير الوطنية والدولية حول الماء في المغرب، إلى الوضعية المقلقة التي تعيشها البلاد جراء التراجع المهول لمخزون المياه السطحية والجوفية وتراجع موارده المائية جراء التغيرات المناخية الحادة التي بدت ملامحها الكبرى في توالي سنوات الجفاف وارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى تحولات ديموغرافية واجتماعية بنيوية واختيارات سياسية واقتصادية مستنزفة للماء بدأت مع استقلال المغرب، ولا تزال مستمرة إلى اليوم مع المخطط الأخضر.

تراجع نصيب الفرد من المياه بين 1960 و2023 خمسة أضعاف تقريبا، حيث انتقل من 2500 متر مكعب سنة 1960 إلى أقل من 600 متر مكعب في عام 2023، ومن المتوقع أن يقل عن 500 متر مكعب سنويا خلال سنة 2030. كما أن الفرد في المغرب مهدد بفقدان 80% من موارده المائية خلال 25 سنة القادمة، حسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولذلك يصنف البنك الدولي المغرب "ضمن الدول التي تعاني من شح المياه وضمن بلدان المنطقة التي تعاني من شح المياه حديثا – وهي البلدان الواقعة فوق الحد المطلق لشح المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا وهي بلدان متوسطة الدخل. وتضم هذه المجموعة خمس بلدان هي العراق، سوريا، مصر، إيران، والمغرب" (مجموعة البنك الدولي، 2023، ص، 15). أما المعهد العالمي للموارد فيصنّف المغرب ضمن البلدان التي تعاني من إجهاد مائي مرتفع، والمهددة بالعطش خلال العقود القادمة، بل وترتفع في كثير من مناطقه مخاطر استنفاذ الموارد المائية.

الرسم البياني رقم 1: نسبة ملء السدود بالمغرب

المصدر: أنجز انطلاقا من النشرة اليومية لحقينة السدود بالمغرب، مديرية الماء 2023

بعيدا عن التقارير التي تقدم صورا عامة عن الحالة المائية في المغرب وتكشف عن التراجع الكبير والمستمر في موارده المائية، يظهر أن مخزون المغرب من المياه في السنوات الأخيرة، يعكس بوضوح إشكالية الندرة الحادة التي ضربت الموارد المائية، حيث تراجعت نسبة المياه المجمعة في السدود إلى أكثر من النصف، إذ انخفضت نسبة تعبئة السدود المغربية ما بين سنتي 2018 و2023 من 61.1% إلى 29.1%. تخفي هذه النسب العامة لتراجع حقينة السدود بالمغرب الكثير من التفاصيل التي تعكس اللاتكافؤ الكبير في توزيع الموارد المائية بين مناطق الشمال والوسط والجنوب، وبين مناطق يتسع فيها الاستثمار الفلاحي والإنتاج الزراعي المتوجه أساسًا نحو التصدير، وبين مناطق ذات كثافة سكانية عالية وأخرى أقل. وتظهر المعطيات التي تقدمها مديرية المياه بوزارة التجهيز والماء بالمغرب أن بعض السدود فقدت أكثر من 80% من مخزونها خلال سنة واحدة فقط، حيث انتقلت مثلا نسبة امتلاء سد واد الزات من 100% سنة 2022 إلى 20% فقط خلال 2023. كما أن تركز التساقطات المطرية في مجالات ضيقة من مساحة المغرب يزيد الأمر سوءًا، حيث تفيد بعض المعطيات الرسمية التي قدمها رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش في جلسة مساءلة في البرلمان أن 50% من التساقطات المغربية تتركز في 7% فقط من مساحة المغرب، ما يعني أن ما يزيد على 90% من مساحة البلد بأكمله تستقبل 50% فقط من التساقطات، وتكون موزعة في الغالب بشكل غير متساو بين المناطق. فلذلك من الطبيعي أن تظهر هذه اللامساواة في توزيع الموارد المائية بشكل واضح بين الأفراد، إذ ورد في تصريح أخنوش في البرلمان المغربي خلال شهر مايو 2022، أن حصة الفرد من الماء تصل في بعض المناطق إلى 1000 متر مكعب سنويا، بينما تتراجع إلى ما دون 100 متر مكعب سنويا في مناطق أخرى.

تكفي عبارة "الوضعية المقلقة" التي استعملت من طرف مؤسسة دستورية هي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،7المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مذكرة الحق في الماء، 2022 وبعض العبارات الصادرة في فترات مختلفة عن المسؤولين السياسيين بالمغرب، لوصف الوضعية المائية في البلاد.8 وصف وزير التجهيز والماء بالمغرب نزار البركة في جلسة برلمانية يوم الثاني من يناير 2024  أن الوضعية المائية بالمغرب صعبة، رابطا بين التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرار بالمغرب بما يناهز الدرجتين تقريبا، كاشفا عن تراجعا الواردات المائية من12 مليار بين سنتي 1945 إلى 2013 ثم إلى 5 ملايير 200 مليون متر مكعب بين 2017 و2023، و3 ملايير و200 مليون خلال هذه السنة وقدر تراجع الموارد المائية بــ67%. غير أن هذه الأوصاف في الواقع تحجب الكثير من المعطيات التي أدت إلى هذا الوضع، بعد أن حمّلت الخطابات الرسمية كل المسؤولية في تحول الوضع المائي في المغرب للتغيرات المناخية ولماء السماء – إذا ما جاز أن نستعمل عبارة آن ماري جوف – في الأزمنة الثلاثة للماء بالمغرب،9Shiva, vendana, Qui Nourrit Réellement L’humanité ? Traduit de l’anglais (Inde) par Amanda Prat-Giral, Actes Sud, 2020 pour l’édition française. وحجبت الدور الذي لعبته الاختيارات السياسية الكبرى، منذ الاستقلال إلى اليوم، في استنزاف الخيرات المائية، وفي اللامساواة في توزيع الماء بين الأفراد والجماعات والقطاعات.

تتمثل هيمنة الخطابات الإبيستموقواطية في تحكم الدولة بإنتاج المعرفة حول البيئة والماء والمعطيات الطبيعية بشكل عام. وتنطلق هذه الهيمنة من تحكم الدولة على الخطاب العمومي واحتكارها للسلطة للماء. فهي تعتمد على استدعائها لعدد من المفاهيم التي تجعل من مسألة الماء قضية طبيعية ناتجة عن التغيرات المناخية. نذكر من هذه مفاهيم "الاحتباس الحراري، تراجع تساقط الثلوج، ارتفاع درجة الحرارة، توالي سنوات الجفاف، التبخر، الظواهر المناخية المتطرفة، الانتقال الديموغرافي، ارتفاع نسبة التحضر." إن هذه الهيمنة مفهومة من وجهة نظر السلطة السياسية، مادامت هذه الأخيرة تحجب عن المجتمع عموما وقع الاختيارات السياسية والاقتصادية التي ساهمت وتساهم في الإفقار المائي الذي تعيشه البلاد اليوم.

ماء الدولة والسلطوية الإيكولوجية بالمغرب: في نقد الماء الطبيعي

تقدم البيئة ومجموع العناصر المرتبطة بها " المناخ، الماء، الهواء، الأرض، الأمطار"، وكل المخاطر المحدقة بها "التغيرات المناخية، التلوث، الاحتباس الحراري" بالنسبة إلى أغلب الناس، السجل المشروع الوحيد لمعرفة الظواهر البيئية من كل نوع. ولا يتم تناولها في الغالب في الفضاء العام إلا بوصفها ظواهر تهم الطبيعة المنفصلة عن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي الذي يعيش فيه الأفراد والجماعات. غير أن اطمئنان السلطة السياسية يزيد لهذا النوع من الخطابات واستعماله لها من مجالات شرعيتها في الفضاء العمومي والخطابات العامة حول البيئة والأزمة الإيكولوجية، والتغيرات المناخية.

يظهر الماء في هذا النوع من الخطابات كظاهرة طبيعية خالصة، ويبدو فقط كمادة كيميائية، ذرتين من الهيدروجين وواحدة من الأوكسجين H2O، تفعل في عالم الطبيعية وتنفعل به، تتبخر وتذيب وتذوب وتَمتص. هل يظهر الماء الذي يقدمه علماء المياه على أنه مادة بلا لون ومن دون شكل وعديمة ذوق في العالم الاجتماعي، بهذا الشكل؟  أم أنه يحمل في العالم الاجتماعي خصائص أخرى، تجعل له لونا وشكلا وذوقا؟

إن الابتعاد قليلا عن هذا النوع من الخطابات الإبيستموقراطية المستندة إلى السلطة الإيكولوجية وإرادة للحقيقة في إنتاج المعرفة حول الماء – (نستخدم المفهوم هنا بالمعنى الذي يستعمله فوكو في نظام الخطاب) قائمة على احتكار المعرفة وضبطها وتنظيمها وفقًا لأوليات السلطة وحدودها وتقنياتها ومجالات المسموح والممكن فيها. ذلك بهدف نزع الطابع الاجتماعي (désocialisation) والسياسي (dépolitisation) عن الماء، وتقديمه كمادة طبيعية، تتأثر حتى عندما نشير إلى ندرتها أو تلوثها أو تغيرها، إلى معطيات خارج النصين الاجتماعي والسياسي– يكشف حياة أخرى للماء غير تلك التي خنقه فيها علماء الطبيعة ومهندسيها، وواقعا آخر بعيدا كل البعد عن "ذرتين من الهيدروجين وواحدة من الأوكسجين"، ومفارق للطبيعانية الساذجة (naturalisme naïf) التي تفسر الماء بالماء كما تقول الحكاية الشهيرة.

الماء ليس شيئًا طبيعيًا تمامًا. وفقًا لبيير لاسكوم الطبيعة نفسها ليست بريئة. إذا استبدلنا مفهوم البيئة بالماء، فإن السلطة الإيكولوجية، كما نعيشها وندركها، ليست إلا بناءً اجتماعيًا. انطلاقًا من هذا الفهم، قدمت الباحثة الفرنسية آن ماري جوف تصنيفًا مميزًا لأنواع الماء في المغرب. حددت ثلاثة أنواع رئيسية: ماء السماء، ماء الدولة، والماء الخاص. ماء السماء، أو ماء الله، يشير إلى الدورات الطبيعية للتساقطات. يشمل هذا الأنهار والوديان والتساقطات المطرية والثلوج والعيون المائية. هذه الموارد امتلكها الإنسان عبر التاريخ واستغلها. أما ماء الدولة، فيرتبط بالموارد والمؤسسات والسياسات والقوانين. تتحكم الدولة في إنتاجه وتوزيعه عبر تجهيزات خاصة. هنا يتحول الماء من مورد طبيعي إلى مورد سياسي. ندرته أو وفرته تعتمد بشكل أساسي على سياسات الدولة الإنتاجية والتوزيعية. الماء الخاص يشمل المنشآت التي يمتلكها الأفراد أو الشركات؛ يستغلها هؤلاء في حاجاتهم الخاصة، سواء كانت للاستخدام الفردي أو التجاري.

يغيب عن التصنيف الذي اقترحته جوف، الكثير من الأشكال الاجتماعية لوجود الماء، فالماء لا يظهر في أشكال تملكه الثلاثة السالفة الذكر، بل إنه يبدو في بعض الأحيان كماء مقدس، تعيش من خلاله بعض الجماعات أساطيرها المؤسسة، وتستعمله لغايات تتجاوز مجرد البقاء على قيد الحياة، كالعلاج والاستشفاء وطلب الكرامة، وتنظيم وإعادة تنظيم أحداثها الكبرى ووقائعها الصغيرة وتظهر فيه رموزها وشبكات المعنى التي تنظم حياتها الاجتماعية، وطقوس عبورها نحو تجارب أو مؤسسات أو أفعال جديدة، وتعبر عن بعض أشكال تدينها وعلاقتها بعالم الطبيعية. تعبر الحامات التي تحمل أسماء أولياء "مولاي يعقوب، لالة شافية، سيدي حرازم، مولاي علي الشريف، مولاي هاشم..." نموذجًا للماء المقدس، حيث تحولت الحامات من مجرد منابع لمياه بخصائص فيزيائية مخالفة لما تعوّد الناس على استهلاكه، إلى مزارات مقدسة بُنيت حولها الكثير من السرديات التي جعلت من هذا الماء أي شيء إلا ماء. إنه ماء لم يكن يعرف بخصائصه الطبيعية ولا باستعمالاته في أفعال البقاء البسيطة والصغيرة، وإنما على عكس ذلك، عرف بكونه ماء حاملا لمعطيات ما ورائية، ولا تعتبر القدرة على علاج الأمراض الجلدية التي كانت منتشرة بقوة بين المغاربة حتى النصف الأول من القرن العشرين إلا واحدا منها.

يبدو الماء المقدس كذلك، في وجوده كخير افتتاحي وحاملا لبعض طقوس العبور لبعض المؤسسات الاجتماعية الأولية، كالزواج مثلا؛ حيث يعتبر طقس "تيسي" أو طقس "أروش" المرتبطين بالزواج من طقوس العرس المتداولة في مناطق الجنوب الشرقي، والتي تمارس بغرض جلب البركة والحظ السعيد للعروسين ودفع النحس وسوء الطالع عنهما. هو طقس تمارسه العروس في أول دخول لها إلى بيت الزوجية، حيث تحمل إناء به ماء سقته بنفسها من ساقية المدشر، وفق طقوس خاصة، ثم تقوم برش كل زوايا المنزل وكل مرافقه (فاطمة فائز 2022، ص 63). تعد الطقوس الاستسقائية، مظهرا آخر للماء الطقوسي بالمغرب، حيث لا يزال طقس "تاغنجة" باعتباره جزءا من ذاكرة الماء بالمغرب، مستمرا إلى حدود اليوم، كاشفا عن علاقة ثقافية معقدة وتاريخية مع الماء، تعكس ما درج بعض الأنثروبولوجيين الذين اشتغلوا بالمغرب على تسميته بالبقايا الوثنية في الممارسات والمعتقدات التي اعتقد وما يزال يدين بها الكثير من المغاربة إلى حدود اليوم.

يظهر إلى جانب الماء المقدس، شكل آخر من الماء يمكن أن نسميه بماء الجماعة أو الماء الجماعي، لا تعود ملكيته تاريخيا للدولة أو الأفراد أو الشركات، وإنما للجماعة بأكملها، تبني من خلاله مؤسساتها، وتمسرح عبره تقسيمها للعمل وتقنياتها وترتيباتها الاجتماعية والرمزية والاقتصادية، وأنماط التصنيف وتوزيع السلطة، ونوع الروابط الاجتماعية الخاصة بها. تقول الباحثة الفرنسية باربرا كسكياري "بعيدا عن مركزية الماء في إعادة إنتاج الحياة المادية، ويعد الماء عنصرا مركزيا في العلاقات الاجتماعية والثقافية: علاقة الإنسان بالطبيعة، علاقات الإنتاج، التنظيمات المؤسساتية، علاقات السلطة، أنساق القيم والهويات..." (باربرا كسكياري، 2013، ص. 15).  إن أبرز انعكاس هذا التصور الأنثروبولوجي للماء بالمغرب، هو الكيفية التي جعلت بها العديد من المجتمعات المحلية من الماء مؤسسة اجتماعية ليس لتدبير هذا الخير الاجتماعي فحسب، وإنما لإعادة إنتاج الحياة الاجتماعية كلها. فانطلاقا من حامل الماء، تتكون مؤسسة تدبير الماء من تنظيم محايث للتنظيم الاجتماعي، وضعت على رأسه "قائدا (أمغار ن وامان) وشيخا (انفلوس ن وامان) ومكلفا بمقاديره (أفران) ومكلفا بإحصائه (بوتاناست)، ومكلفا بتوزيعه (بو سقول) ومسؤولا عن توزيعه (أمازال) ومراقبا لتوزيعه (أكافاي، أمشارضو، أحرصي) وساهرا على تقنياته". امتلكت هذه المؤسسة تاريخيا سلطة حل النزاعات، وفض الصراعات القائمة حول الماء، واستمدت مشروعيتها من أسس عرفية وجماعاتية يراعى فيها العمل، والمجال، وملكية الأرض، ومنبع الماء، والوضعيات الاجتماعية، ويتجه دائما نحو جعل التوازن الاجتماعي والحفاظ على العلاقات الاجتماعية وجودة الروابط التاريخية والعرقية بين الأفراد والمجموعات هدفه الأساسي. لقد كان الماء في هذا النوع من المجتمعات ليس فقط جزءا من التنظيم الاجتماعي، وسجلا تقام عليه الروابط الاجتماعية وتضمن استدامتها انطلاقا منه، وإنما كان روحا للجماعة ومرآتها التي ترى من خلالها نفسها في العالم.

لا تقف التصنيفات الاجتماعية للماء عند حدود النماذج السابقة التي ذكرناها "ماء السماء، ماء الدولة، الماء المقدس، ماء الجماعة...."، مثلما يمكن أن يقودنا حل التصنيف إلى الوقوف عند وجوه أخرى للماء حايث الوجود الاجتماعي وتعكس طبيعة وشكل التقسيم الاجتماعي للسلطة والثروة والقداسة، وتقوم على البنيات الثقافية التي تنظم نظرة الجماعة إلى الكون.

لقد عاش الوجود الاجتماعي والثقافي للماء بالمغرب الكثير من التحولات الكبرى، ويمكن القول أن أكبر تحول عاشه الماء بالمغرب ظهر سنتين فقط بعد استعمار  فرنسا للمغرب، حيث تحول ماء الله وماء الجماعة إلى ماء الدولة، ففي17 تموز/يوليو 1924، صيغ أول نص قانوني في تاريخ المغرب حول الماء، والذي استحضرته الدولة في إصدار أول قانون حول الماء سنة 1995، عمل على نزع الماء، وسحب كل أشكال التملك الخاص لكل أنواع المياه وجعله ملكا عاما: "الماء ملك عام، ولا يمكن أن يكون موضوع تملك خاص، مع مراعاة مقتضيات الباب الثاني بعده". يدخل هذا في إطار ما أسمته الدولة المغربية؛ بالملك العام المائي وهو على الشكل التالي:

  1. جميع الطبقات المائية، سواء كانـت سطحية أو جوفية، ومجاري المياه بكل أنواعها والمنابع كيفما كانت طبيعتها؛
  2. البحيـرات والبـرك والسبخـات والبحيـرات الشاطئية والمستنقعات المالحة والمستنقعات مـن كل الأنواع التي ليس لها اتصال مباشر مع البحر، وتدخل في هذه الفئة القطـع الأرضيـة التي بدون أن تكون مغمـورة بالميـاه بصفـة دائمة لا تكون قابلة للاستعمال الفلاحي في السنوات العادية، نظرا لإمكانياتها المائيـة؛
  3. الآبار الارتوازية والآبـار والمساقي ذات الاستعمـال العمومي المشيدة من طرف الدولة أو لفائدتها وكذلـك مناطـق حمايتها المحددة بمقتضيات تنظيمية. وتتكون هـذه المناطق مـن منطقة مباشرة تضـم إلى الملك العـام المائي، وعنـد الاقتضـاء من منـطقتين إحداهما قريبة والأخرى بعيدة لا تخضعان إلا للارتفاقات؛
  4. قنـوات الملاحـة والـري والتطهيـر المخصصـة لاستعمال عمومي وكذلك الأراضي الواقعة في ضفافهـا الحـرة والتـي لا يجـب أن يتجـاوز عرضها خمسة وعشرين متر لكل ضفة حرة؛
  5. الحـواجـز والسدور والقناطر المائية وقنوات وأنابيب الماء والسواقـي المخصصة لاستعمال عمومي من أجل حماية الأراضي من المـياه، والـري وتزويـد المـراكز الحضرية والتجمعات القروية بالماء أو لاستخدام القوى المائية؛
  6. مسيل مجـاري الميـاه الدائمـة وغير الدائمـة وكـذلك منابعـها ومسيل السيول التي يترك فيها سيلان المياه آثارا بارزة؛
  7. الحافـات إلى حـدود المستـوى الذي تبلغه ميـاه الفيضان والتـي تحـدد نصوص تنظيمية تواترها بالنسبة لكل مجرى ماء أو مقطع منـه، وكذا كل المساحات المغطـاة بمد يبلغ معامله 120 في أجزاء مجاري الماء الخاضعة لتأثير هذا المد؛
  8. الضفاف الحرة انطلاقا من حدود الحافات:
  • بعرض ستة أمتار على المجاري المائية، أو مقاطع المجاري المائيـة التالية: ملوية من مصبه إلى منابعه، سبو من مصبه إلى منابعه، اللوكوس من مصبه إلى منابعه، أم الربيـع من مصبه إلى منابعه، وأبو رقراق من مصبه إلى سد سيدي محـمد بن عبد الله؛
  • بعرض مترين على المجاري المائية أو مقاطع المجاري المائية الأخرى.10قانون الماء 1995.

يكشف هذا النص قانون الماء والعديد من بنوده وكيف انتزعت الدولة الماء من خلاله. فتحول من خير جماعي واجتماعي وثقافي، وبناء اجتماعي إلى "ملك عام." لكن مع تدخل الدولة، لم يتبقَ للجماعات أي حق فيه باستثناء سياسة التواطئ. كما تبنت الدولة استراتيجيات اللامبالاة فغضت الطرف عن الاستخدامات الاجتماعية والثقافية للمنابع والسواقي والآبار والمجاري. فنشأ نضال سياسي هادئ لا يواجه السلطة مباشرة، وظهر تراث مخفي من الحقوق المألوفة، والاستياء، والانتهاكات، والاحتلالات والتملص والحكايات والطقوس والنهب والسرقة والصراع العملي...، الذي يقدم على شكل سياسات تحتية infrapolitique، تلجأ إليه الجماعات والمجموعات والأفراد لاستعادة بعض حقوقها التاريخية من الماء دون مواجهة أو رفض علني أو نضال علني.11 سنعود إلى هذه المسألة في ورقة مستقلة، بعنوان "حركات الماء وموجات السخط بالمغرب".

سياسات الماء: ما وراء الندرة

اختار المغرب بعد الاستقلال مستفيدا من برامج التحديث الزراعي التي بدأها الاستعمار الفرنسي، ومستحضرا بالأساس في ذاكرته السياسية والجماعية، الأثر السياسي الذي أحدثه ويمكن أن يحدثه الجفاف والجوع على الاستقرار السياسي للبلد وتوازنه،12 يمثل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أهم الأمثلة على ذلك، حيث تشير المصادر التاريخية إلى انتشار ظواهر اللصوصية والاضطرابات خلال سنوات الجفاف. الانتصار للخيار الفلاحي باعتباره الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه مغرب بعد الاستقلال. لذلك كان من الطبيعي أن تكون المخططات السياسية والاقتصادية الأولى بالمغرب مرتبطة بتحديث العالم القروي، وتحديث البنيات الزراعية والإنتاج الفلاحي، حتى يكون قادرا على ضمان " الاستقلال الغذائي " بمجتمع تحتفظ ذاكرته إلى حدود اليوم بكل المخاوف المرتبطة بالجوع.13 تعتبر انتفاضة الدار البيضاء سنة 1981 من أهم الأحداث بتاريخ المغرب الراهن التي لا تزال تحرك الذاكرة السياسية والنقابية بالمغرب، يطلق عليها النقابيون والسياسيون (ثورة الكوميرا، انتفاضة الخبز...) يكشف بالمقابل عبد الأحد السبتي في " من عام الفيل إلى عام الميركان" الكيفية التي استعمل بها المغاربة تاريخيا المسابغ ولحظات الجوع والجفاف كموارد للتأريخ لنفسها.  لذلك كان من الطبيعي أن تتحول شعارات الإصلاح الفلاحي والتحديث الزراعي والاقتصادي الفلاحي  إلى عصا الرحى في الخطاب السياسي لهذه المرحلة، وتتحول الدولة بكل ثقلها السياسي والاقتصادي، من خلال الاستثمارات العمومية وسلطة التنظيم والضبط والتشريع، إلى القطاع الفلاحي وتوفير الشروط الضرورية لذلك.

كان المخطط الخماسي الأول الذي اقترحه عبد الرحيم بوعبيد عندما كان وزيرا للاقتصاد والمالية في أول حكومات مغرب ما بعد الاستقلال اللبنة الأولى التي تأسست عليها سياسات الماء بالمغرب. وتضمن المخطط خطة للإصلاح الزراعي، واستمرار سياسة السدود التي بدأتها فرنسا منذ سنة 1929 في المغرب (سد سيدي امعاشو)، بمضاعفة عدد السدود بعشرات المرات، والسياسات العقارية التي استهدفت الأراضي المسترجعة من الاستعمار، وإقامة المكتب الوطني للري (1960)، وعدد من الإجراءات الأخرى التي استهدفت تنظيم الماء ودولنته. وبالتالي أسس المخطط للبنية المولدة للامساواة المستدامة في توزيع الماء والاستفادة منه، وأصبح جزءًا من خطابات الشرعنة التي حاولت من خلالها الدولة تبرير اللامساواة الاجتماعية على مستوى توزيع المياه بين المغاربة. حيث ارتبط توزيع الماء أساسا بالتوزيع غير العادل للأرض، وإذا ما أخذنا على سبيل المثال بعض الأرقام التي قدمها أحد مهندسي التحديث الفلاحي والإصلاح الزراعي بالمغرب بعد الاستقلال فهمنا أن شعار الاستقلال الغذائي الذي رفع غداة الاستقلال، لم يكن إلا يافطة لتبرير صرف المال العمومي على مشاريع لم تحقق الغاية منها والغرض الذي انتدبت إليه، يقول جاك لوكوز في "العمر السقوي الثالث بالمغرب"، في سياق حديثه عن السياسة المائية، وتوزيع ملكية الأرض في المغرب "إن هذه الأرقام تظهر تمركز ملكية الأرض، حيث يستحوذ 1% فقط من سكان المغرب على ربع الأراضي الصالحة للزراعة، بينما لا يزيد نصيب نصف العائلات المغربية على خمس هكتارات، في الوقت الذي لا يمتلك فيه ثلث المغاربة أي شبر منها" (جاك لوكوز، 1968، ص 387). إن التوزيع غير العادل للأرض الذي استخدم لغايات سياسية لا يعني في الواقع شيئا آخر غير التوزيع غير العادل للماء. فالمشاريع المائية الكبرى التي استحدثت طيلة نصف قرن لم تحقق العدالة المائية، بقدر ما تحولت إلى ريع مائي لم تستفد منه، حسب بعض الجمعيات الحقوقية، إلا النخب العسكرية والسياسية، قصد اختراقها بإبعاد الأولى عن السياسة والمجال السياسي وقتل كل طموح سياسي فيها، بينما استهدفت النخب السياسية من خلاله، لأجل تضييق أفقها السياسي، وعدم المطالبة بالحكم أو المشاركة فيه، والبحث في أفضل الأحوال عن التحول إلى موظفين سياسيين بدون مشروع اجتماعي وثقافي أو اقتصادي. في الوقت الذي ظل فيه الفقراء بعيدون عن كل أشكال الاستفادة من التجهيزات والمشاريع المائية الكبرى التي مولتها الدولة من المال العمومي، فلنستمع مثلا إلى ما تقوله جمعية أطاك المغرب في هذا الخصوص: "شكلت السدود بالنسبة للنظام أداة رئيسية في مغرب ما بعد الاستقلال لكسب ود ودعم كبار الملاكين للأراضي الفلاحية، فبعد الاستحواذ على الأرض من قبل كبار الضباط والمسؤولين الأمنيين والعسكريين فضلا عن كبار الأعيان، جاء الاستحواذ على الماء عبر بناء السدود، مما سمح بمنح امتيازات كبيرة لهذه النخب على حساب الشعب الكادح" (العربي الحفيضي، أطاك المغرب، 2018).

إذا كان تحليل أطاك يتقاطع مع تحليل العديد من الرؤى السياسية وتصور الكثير من الباحثين في العلوم الاجتماعية للأزمة المائية بالمغرب، وإذا كانت الاقتصاد السياسي للماء بالمغرب قد استخدم تاريخيا من أجل الإجابة على حاجات سياسية بالدرجة الأولى تمثلت في الحسم في طبيعة وشكل الحكم وتوفير مناخ آمن لانتقال السلطة بداية من نهاية ثمانينات القرن الماضي، فإن المخططات السياسية الكبرى التي تضمنها المشروع السياسي الجديد لما بعد سنة 1999، كانت سياسات مستنزفة للموار المائية.

المخطط الأخضر: استنزاف مائي بدون أمن غذائي

يعتبر مخطط المغرب الأخضر واحدا من المخططات الكبرى المهيكلة في المغرب  يُضِف شيئًا يُذكَر، باستثناء الرفع من قيمة الرساميل الخاص لكبار المستثمرين في القطاع الفلاحي، والرفع من معدلات الفقر والهجرة في المناطق المستفيدة من البرنامج، بفعل عدم قدرة وصول الفلاحين الصغار للماء، وعدم قدرة البرنامج على الإجابة عن الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية بعد سيطرة كبار الملاك والمنتجين والشركات الفلاحية على الماء، وتحويل أصحاب الضيعات الصغرى إلى بروليتاريا فلاحية منزوعة الماء والأرض والإمكانات المالية.

إن ما يدعم وجاهة هذه الخلاصة هو التفقير المائي الذي عرفته الكثير من المناطق في المغرب، بفعل توجه النخب الفلاحية والملاكين الكبار والشركات الفلاحية المملوكة للمجموعات الاقتصادية الكبرى، سواء تلك التي تشتغل في قطاع الإنتاج الفلاحي أو في الصناعات الغذائية، بعد إعلان مخطط المغرب الأخضر عن زراعة المنتجات الفلاحية المستنزفة للماء والموجهة للتصدير بشكل أساسي. فتشير التقارير التي أصدرتها وزارة الفلاحة المغربية إلى الارتفاع الكبير في الصادرات الفلاحية بين سنتي 2009 و2019، أي عشر سنوات بعد انطلاق برنامج المغرب الأخضر، إذ انتقل حجم تصدير البواكر بمعدل 66% من 760 ألف طن سنة 2009 إلى مليون و265 ألف سنة 2019، ينتج معظمها في جهة تعرف خصاصا مائيا حادا هي جهة سوس ماسة درعة، حيث تنتج المنطقة بمفردها أكثر من 990 ألف طن، بينما زاد حجم تصدير الحوامض بنسبة 38% وذلك بانتقال حجم الصادرات من 460 ألف طن سنة 2009 إلى أكثر من 607 ألف طن سنة 2019، ينتج أزيد من 60% منها في مناطق التي تعيش إجهادا مائيا مرتفعا كسوس ماسة درعة، مراكش آسفي، الجهة الشرقية وارتفاع تصدير المنتوجات الفلاحية المحولة بنسبة 89% فبعد أن كان حجم الصادرات لا يبلغ سنة 2009 سوى 223  ألف طن، أصبح سنة 2019 يزيد على 422 ألف طن.14 للاطلاع على تفاصيل أكثر أنظر موقع المغرب الأخضر لوزارة الفلاحة المغربية https://www.achdartleflaha.ma/

إن الصورة التي تقدمها هذه الأرقام تعكس طبيعة الاقتصاد الفلاحي في المغرب والقائم على تصدير الماء،15 نقصد بذلك هيمنة المنتجات المستنزفة للمياه على قائمة المنتجات الفلاحية الموجهة للتصدير. والتحول الكبير في بنية الإنتاج الزراعي الوطني، فزاد الاستثمار في الزراعات المستنزفة للمياه التي تضاعفت كميات إنتاجها على المستوى الوطني، ووجه أغلبها إلى التصدير. بالمقابل ارتفع حجم واردات المغرب من الحبوب والقطاني خلال السنوات الأخيرة، إذ في الوقت الذي تستفيد فيه النخب الفلاحية والشركات الزراعية الكبرى من تصدير هذا النوع من المنتوجات، ولم ينعكس ذلك في ارتفاع الأسعار على المستهلك المغربي بفعل تضاعف أثمان البواكر والحوامض والخضر والفواكه بشكل عام خلال العشر سنوات الأخيرة، فيتحمل الاقتصاد الوطني كلفة استيراد الحبوب والقطاني التي تضاعفت عشرات المرات خلال الخمس السنوات الأخيرة، حيث صنف المغرب في آخر تقرير للمنظمة العالمية للغذاء كخامس مستورد في إفريقيا للحبوب والقطاني.

ربما يبدو التفسير السياسي المستند للسلطة الإيكولوجية والمتحكم في المعرفة السياسية والخطاب الإيكولوجي مريحا إلى حد ما، ومقنعا للحس المشترك والرأي العام، حيث يعزى للجفاف ونقص المياه عدم قدرة الإنتاج الفلاحي الوطني على الاستجابة لحاجيات المغاربة من المنتجات الفلاحية الأكثر استهلاكا بالمغرب، فالمغرب يستورد نصف حاجياته من الحبوب والقطاني، وكل حاجياته من الشاي والبن والزيوت النباتية والسكر...الخ، وهي المنتجات الأكثر استهلاكا بالمغرب، مع كل ما يعنيه ذلك من كلفة مالية كبيرة، تنعكس على الاستثمار العمومي وتؤثر بشكل مباشر على الصحة والتعليم والشغل والتجهيز العمومي. غير أن المعطى الآخر الذي يختفي وراء هذه المعطيات، فيظهر أن استيراد المنتجات الفلاحية الأكثر استهلاكا بالمغرب يرتبط بمعطيين أساسيين: يتعلق الأول بالمجال السقوي المغربي وطبيعة المستفيدين من الماء بالمغرب. فمجموع الأراضي المسقية بالمغرب لا يتجاوز 19% من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة، وتستهلك ما يناهز 87.8% من السحب المائية فيه، وهو ما يتجاوز المعدل العالمي للسحب المائية في القطاع الزراعي الذي تقدره المنظمة العالمية للزراعة والأغذية في 70%. أما باقي الأراضي غير المسقية فإنها تظل رهينة لتساقط الأمطار وتقلبات المناخ، وهذا ما يعني أن النخب الفلاحية صاحبة الملكيات الكبرى والقرى الفلاحية التي تنتج المنتجات الفلاحية الموجهة للتصدير، هي من تستهلك أغلب الموارد المائية التي يمتلكها المغرب.

إن تغيير زاوية النظر إلى هذه الأرقام، يكشف على أن 19% من الأراضي السقوية بالمغرب، والتي تستهلك نسبة أعلى من المعدل العالمي للسحب المائية، والموجهة أغلب منتجاتها للتصدير، والخاضعة لمنطق السوق وأوليات الخطاب النيو ليبرالي، والقائمة على اقتصاد زراعي تصديري، لم تساهم بالشكل الأنسب في خلق القيمة المضافة الفلاحية أو الاقتصادية بالنسبة للنظام السياسي، أو أدت لمزيد من العدالة المجالية والاجتماعية بالعالم القروي في المغرب. يعود ذلك إلى أن الاستثمارات العمومية الكبرى همت عبر المخطط الأخضر هذه 19% بالأساس من الأراضي وملاكها، بينما ظلت أكثر من 80% من الأراضي الفلاحية التي يمتلكها الفلاحون الصغار خارج المخطط وبعيدا عن الاستفادة من الموارد المالية والتقنية التي وضعتها الدولة، حيث ظلت معظم الاستغلاليات الفلاحية عبارة عن ملكيات صغيرة، تنتج بالدرجة الأولى الفقر والفقراء، خاصة مع اعتماد أغلب هؤلاء على فلاحة معيشية واقتصاد زراعي موجه نحو الداخل، ومنتجات فلاحية لا تصدر. وحتى عندما يتجهون نحو المنتجات ذات قيمة اقتصادية أعلى، فإنهم بسبب عدم امتلاكهم التجهيزات الفلاحية الأساسية ولصغر ملكياتهم وعدم انتظامهم في إطار شركات أو منظمات قروية ذات منفعة اقتصادية، لا يستفيدون من الدعم الذي تخصصه الدولة، بالإضافة إلى عدم استفادتهم من برامج الحماية الاجتماعية أو التأمين ضد الكوارث والجفاف. وهذا ما يعني أن سنوات الجفاف بالنسبة لصغار الفلاحين تكون بالدرجة الأولى سنوات فقر، ورحلات بحث عن الماء مع كل ما يتضمن ذلك من معاناة وعناء وألم غير منقطع. وحتى من امتلك منهم آبارا فإنها تجف بفعل استحواذ الفلاحين الكبار والشركات الفلاحية على الموارد المائية بالمنطقة. يمكن أن نسرد في هذا الإطار، قصة فلاح صغير بمنطقة شيشاوة، وهي منطقة فلاحية عرفت في السنوات الأخيرة توافد الكثير من الفلاحين الكبار اختار استعمال مدخراته من أجل حفر بئر في ملكيته الصغيرة التي لا تتجاوز الهكتارين، لاستعماله في تلبيته احتياجات مزروعاته وحاجيات أسرته من الماء. بلغ عمق البئر الذي حفره الرجل أكثر من 120 متر كانت كافية لسد حاجياته وضيعته من المياه، غير أن شراء شركة فلاحية، لأرض فلاحية كبيرة بمحاذاته تبلغ مساحتها 75 هكتار، وحفرها لسبعة آبار بتقنيات حديثة وبعمق تجاوز المائتين متر، منع تدفق المياه إلى بئره، فعجز عن تلبية احتياج قريته الصغيرة من الماء أو حتى حاجياته المنزلية، ما أدى إلى جفاف أشجار الزيتون التي يمتلكها وضياع محاصيل تمثّل بالنسبة لمزارع صغير كل ثروته، في غياب أي شكل من التأمين على الجفاف كما هو الحال بالنسبة للقرى والفلاحين الكبار الذين يؤمنون على محصولاتهم من الجفاف والمخاطر. والحل الوحيد الذي تبقى أمام هؤلاء الفلاحين الصغار، هو إهمال زراعتهم والهجرة للبحث عن موارد خارج الاقتصاد الفلاحي: (أعيش في هذه الأرض منذ أن ولدت، لم أفكر في العيش في مكان آخر، هي أصلي وجذوري. أجدادي وأجداد أجدادي عاشوا هنا، ولد أبنائي في هذه الأرض، لكني اليوم أفكر فعلا في بيعها إن وجد مشتر، لم يبق ماء بالضيعة ولم يعد لي من المال ما أزيد به حفر البئر، إذ بمجرد أن بيعت الأرض المجاورة وجهزت، وزرعت بالأفوكادو، لم بيق ماء ببئري، إن كنت أقاوم اليوم البقاء هنا، فإني لا أعرف إلى متى، لكني أفكر جديا في الهجرة للمدينة على الأقل سأجد ماء للشرب بكل سهولة، وسيدرس أبنائي بمدارس قريبة منهم، وسأشتغل أي شيء، المهم أن لا أبقى هنا أموت ببطء).

إن حالة هذا الفلاح الصغير في منطقة جافة، و"مصادرة" الشركات الفلاحية الكبرى والفلاحين الكبار للمياه واستعمالهم لمورد عمومي وجماعي في إنتاج ثروة خاصة لا يمكن إلا أن يدفعنا للقول مع فوندانا شيفا أن الفلاحة الصناعية المعولمة اليوم لا تحقق السيادة الغذائية ولا تضمن الأمن الغذائي وإنما تهدد الاستقرار الاجتماعي وتفقر المجتمعات المحلية وتحرمها من مواردها وعاداتها في الإنتاج والحفاظ على الأنظمة الأيكولوجية: "إن إنتاج وتحويل وتوزيع الغذاء كما نعيشه اليوم، يضعنا في مواجهة أزمة تتوسع دون توقف، فرفاه الأرض وصحة السكان، واستقرار مجتمعاتنا مهدد بشكل كبير بسبب الفلاحة الصناعية المعولمة، والمحفزة بالدرجة الأولى بالبحث عن الربح. إن لا نجاعة نموذجنا للإنتاج الزراعي الراهن لا تحتاج لمن يستدل عليها، فهو بدون منطق وبلا استدامة، إنه يدفع الأرض وأنظمتها الأيكولوجية والأنواع التي تعيش بها إلى حافة الإبادة." (فوندانا شيفا، 2020 ص 8).

إن استحضار كتابات الباحثة والناشطة الإيكولوجية الهندية، فوندانا شيفا في هذا الإطار لم يكن في الحقيقة إلا من أجل تأكيد معطى سبق ذكره بخصوص عجز المخطط الأخضر على ضمان السيادة الغذائية للمغرب من خلال اضطراره إلى استيراد أهم موارده الغذائية وأكثرها استهلاكا كالقمح، والسكر، وعجز الميزان التجاري المغربي. ويكشف ذلك فشل الوعود والتبريرات التي قدمتها الدولة والنخب المشرفة والمستفيدة من المشروع بخصوص مساهمته في دعم الميزان التجاري والخزينة المغربية من العملة الصعبة، ما يعني أن استفادة الاقتصاد الوطني من المشروع حتى وإن سلمنا بضرورة نسيان المسألة الإيكولوجية والمائية، لم تتحقق هي الأخرى، وذلك بسبب أن النخب المستثمرة في القطاع الفلاحي والشركات الفلاحية الكبرى المستسلمة لاقتصاد سوق معولم والمستفيدة منها على حساب ملايين فقراء المزارعين، وعلى حساب مورد عام عمومي تستثمر الدولة في علاجه ملايين الدراهم سنويا.

لا يظهر فشل المخطط الأخضر بوصفه مخططا استنزافيا، في عدم قدرته على الوفاء بالوعود التي قطعها لحظة تسويقيه سياسيا من طرف الدولة كصمام للأمن الغذائي بالمغرب ومشروع لخلق طبقة متوسطة فلاحية، وضمانة لاستقرار القرويين بمجالاتهم والحد من الهجرة نحو المدن وتثبيت الشباب بمجالاتهم الأصلية. وإنما يظهر كذلك، في ارتفاع كلفة الغذاء بالمغرب، وعدم قدرة فئات واسعة من المغاربة على الوصول إليه، حيث كشفت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب في المؤشرات الاجتماعية لسنة 2023 أن انتشار اللاأمن الغذائي المعتدل أو الشديد يقدر بـــ22.1% بعد ما كان في السنة السابقة يتجاوز 25%. وتؤكد ذلك دراسة قامت بها شركة مجموعة سينرجيا والتي كشفت أن ما يناهز 60% من المغاربة قاموا بتخفيض الميزانية المخصصة للطعام خلال 2023 بفعل ارتفاع أسعار المنتوجات الغذائية، واضطرار 10% منهم إلى زيادة الميزانية المخصصة للطعام، وهو ما يعني أن ما يقارب 60% أصبحت أقل ولوجا للطعام مقارنة مع السنة أو السنوات السابقة، أو على الأقل قامت بتغيير نظامها الغذائي من خلال التخلي عن أغذية وأطعمة معينة، وهو ما كشف عنه 62% من المغاربة، بتأكيدهم على التضحية بأغذية محددة في سبيل الحفاظ على الاستقرار المالي للأسر، أو لعدم القدرة على شراء أنواع معينة من الأغذية بفعل ارتفاع كلفتها.

إن ارتفاع معدلات انتشار اللامن الغذائي في بلد تعد مساحته الصالحة للزراعة من بين الأكبر في الوطن العربي، يستورد موائد الفقراء (القمح، السكر، الشاي)، ما يعني أن المخطط الأخضر الذي بشر به الإعلام الرسمي، واستعمل كعلامة سياسية للمشروع السياسي الجديد بالمغرب، لم يستطع تحقيق أهم الغايات التي رفعها. بالمقابل استفادت فئة كومبرادورية تضع الربح فوق كل المصالح الوطنية، حتى لو تعلق الأمر بمورد ستحرم منه الأجيال القادمة من الفقراء. إن إهمال الاستثمار العمومي لتأمين هذه الموارد الأساسية أدى إلى ضياع فرص تحسين جودة التعليم كما أثر على تطوير مؤسسات صحية تحترم كرامة الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، تسبب في ضعف فرص الشغل، ما أدى إلى تراجع الاندماج الاجتماعي وانعدام الحد الأدنى من الكرامة الاقتصادية للمواطنين.

تسليع الماء وتعميق الندرة

نقصد بتسليع الماء الطريقة التي يتقدم بها الماء في السياسات العمومية في المغرب، والذي يظهر في شكلين اثنين: الأول هو تجربة خصخصة توزيع الماء في العديد من المدن المغربية عبر شركات التدبير المفوض الفرنسية "أمانديس، ريضال، ليديك." وذلك قبل الانتقال مطلع 2023 بعد المصادقة على قانون 83.21  المتعلق بإحداث الشركات الجهوية متعددة الخدمات، بعد فشل هذه التجربة، وتزايد موجات السخط على هذه الشركات في المدن المغربية الكبرى، وتحول الماء والكهرباء إلى جزء من موضوعات السخط والاحتجاج وتغير المزاج السياسي للجماعات والأفراد بمعظم المدن التي تحوّلت فيها هذه الشركات – كما يرد على لسان الكثير من الأفراد – إلى مؤسسات مفترسة، بعد أن أصبح فواتير الماء والكهرباء تقض مضجع البسطاء والفقراء من سكان هذه المدن، وسببا في احتجاجاتهم. أما الشكل الثاني كم تسليع المياه فنقصد به شركات تعبئة وتوزيع المياه المعدنية ومياه المائدة التي تستحوذ على أزيد من 90% من السوق المغربية، ويقدر استهلاك المغاربة لها بـ 18 لترا للفرد سنويا، وتتوزع على ثلاث شركات كبرى مملوكة من طرف مجموعات اقتصادية كبرى هي "هولماركوم" التي تستحوذ شركتها أولماس على أزيد من 70% من السوق، و"المدى" التي تحتكر شركتها سوتيرما 20% من السوق، وشركة المياه المعدنية "الكرامة" التي تشغل نسبة 4.5%  من السوق، وهذا ما يعني أن الشركات المغربية الثلاث الكبرى تحتكر ما يزيد على 94%.

تدر المياه المعدنية المستخرجة من عيون تقع في مجالات مختلفة من المغرب على هذه الشركات والمجموعات الاقتصادية التي تنتمي إليها ملايين الدراهم سنويا، بل إن رقم معاملاتها إلى مليارات الدراهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغ رقم معاملات شركة أولماس التابعة لهولدينغ هولماركوم، خلال النصف الأول من هذه 2023 أكثر من مليار درهم، بينما لا تشغل الشركة ، ككل الشركات الاستخراجية إلا نسبة جد محدودة من الساكنة المحلية للمنطقة، في الوقت الذي يبلغ فيه مؤشر الفقر والهشاشة بأولماس – المنطقة التي تحمل الشركة اسمها – ما يناهز 30%، وهو نفس الحال تقريبا في كل المناطق التي تستخرج منها المياه المعدنية بالمغرب، حيث ترتفع أرباح الشركات المستغلة للمنابع بالموازاة مع ارتفاع معدلات الفقر في هذه المناطق، وعدم استفادة الساكنة المحلية من الأرباح التي تدرها هذه الشركات، باستثناء الضرائب المحلية التي تدفعها هذه الشركات للمجالس المحلية والجماعية، والتي لا تسعف في حل المشكلات البنيوية، أو الإجابة على الحاجة للتنمية في هذه المناطق.

إذا كان الدستور المغربي ينص في فصله الواحد والثلاثين على أن "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة من الحق في الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة"، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، اعتبر أن نسبة 20%  من المغاربة لا يزالون محرومون حتى اليوم من الحصول على الماء الصالح للشرب، ما يعني أن ما يزيد على 7 ملايين مغربي لا يستفيدون من حق إنساني ينص عليه الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وإذا ما عدنا إلى الأرقام التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب سنة 2020 حول الفقر بمختلف أشكاله "الفقر المطلق1.7%، الهشاشة 7.3%، الفقر النسبي12.7%، الفقر متعدد الأبعاد 8.2%"، فإن هذا يعني أن ما يزيد على 66% من المغاربة الفقراء لا يحصلون على الماء الصالح للشرب.

إن الحالة المائية بالمغرب، التي دفعت الدولة إلى إعلان حالة الطوارئ المائية في تموز/يوليو من سنة 2022، ودفعت بعض المؤسسات الدستورية كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى دعوة الدولة إلى اتخاذ إجراءات مستعجلة للحد من آثار الجفاف وتراجع الموارد المائية. وظهرت المطالبة بالتقشف في توزيع الماء واستهلاكه واستعمالاته في عدد من القرارات والبلاغات التي صدرت عن مؤسسات عمومية مختلفة، أهمها المذكرة التي وجهها وزير الداخلية إلى ولات وعمال الجهات والتي تضمنت العديد من القرارات منها:

  1. تطبيق القيود اللازمة على صبيب المياه الموزعة للاستهلاك
  2. منع سقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف بالماء الصالح للشرب والمياه السطحية
  3. منع تنظيف الشوارع والأماكن العمومية بالماء الصالح للشرب
  4. منع السحب غير المشروع للمياه من الثقوب المائية والآبار والعيون والمجاري المائية وقنوات نقل المياه
  5. ملء المسابح العمومية والخاصة لا يتم إلا مرة في السنة، كما أن امتلاكها لأدوات تدوير المياه ضروري
  6. منع استعمال المياه الصالحة للشرب في غسل السيارات والآليات

بالإضافة، قرر العديد من المسؤولين الكبار عن أقاليم تعاني من الشح منع زراعة البطيخ الأحمر والأصفر كما هو الحال بالنسبة للراشيدية وكلميم، في الوقت الذي اتجه فيه آخرون إلى تقنين زراعة هذا المنتج المستنزف للمياه حيث سُمح بزارعة مساحات معينة دون غيرها، مثلما هو الشأن بالنسبة لإقليمي طاطا وشيشاوة. كما عملت العديد من مجالس الجهات والأقاليم والجماعات الترابية وبعض الجمعيات المحلية، على تعبئة مواردها المالية واللوجيستية في توصيل الماء عبر الصهاريج المنتقلة إلى مناطق العطش. غير أن أهم وأكبر مشروع حتى اليوم هو ذلك القائم على مفهوم التضامن المائي، حيث عملت الدولة على تطبيق فكرة الطريق السيار المائي، لنقل الماء من حوض سبو إلى حوض بورقراق، من أجل تزويد 12 مليون نسمة في محوري الرباط والدار البيضاء بالماء الصالح للشرب. وبالنظر إلى موقع المدينتين في صورة المغرب الراهن وصورة الدولة بالنسبة لأفرادها وللخارج، وموقع المدينتين بالذاكرة الاحتجاجية بالمغرب، خاصة مدينة الدار البيضاء، فيبدو أن هذا الاستثمار كان سياسيا بالدرجة الأولى، لم ينتج فقط عن خوف الدولة على تضرر صورتها أمام المجتمعين المغربي والدولي، وإنما كان الغرض الأساسي منع كل أشكال السخط التي قد تنشأ عن غياب الماء.

هل كانت هذه القرارات كافية للحد من الأزمة المائية، وضمان الأمن المائي المفهوم الذي تحول إلى جزء من الخطابات السياسية بالمغرب خلال السنتين الأخيرتين؟ وهل لطفت من استنزاف الموارد المائية الذي تستفيد منها فئات معينة تكون في الغالب غريبة عن المناطق التي تستنزف مياهها؟

مما لا شك فيه أن أهمية هذا النوع من الإجراءات يمكن أن يساهم ظرفيا ومكانيا من الناحية النظرية في حل بعض المشكلات البسيطة في الوصول إلى الماء، وولوج مناطق ومجموعات بعينها إليه، وترميق الحلول بالنسبة لمناطق وجماعات أخرى، غير أنها لا تحل جذريا أزمة الماء، ولا تحل مشكلة اللاأمن المائي التي أصبحت تهدد الاقتصاد المغربي وتجعل نسبة 14% من مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج الداخلي الخام مهددة دائما.

إن معظم المؤسسات الاقتصادية والمنظمات الحقوقية الدولية والوطنية المراقبة لحالة التنمية والنمو تعتبر الماء عنصرا أصيلا في قياس الفقر والتنمية وجودة الحياة. فإذا كانت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب تعتبره أحد المؤشرات الأساسية لقياس حالة الفقر بالمغرب، وإذا كانت المذكرة التي أصدرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتبر الحصول على الماء الصالح للشرب حقا أساسيا، فلا يمكن التفكير في دائرة الحقوق خارجه. فإن برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة جعل من الولوج إلى المياه وخدمات الصرف الصحي، واحدا من أهدافه، ومظهرا من مظاهر اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية والمجالية التي تبدو آثارها بشكل مباشر على الفقراء والمستضعفين والمقصيين : "يفتقر 3 من كل 10 أفراد إلى خدمات مياه الشرب المأمونة، فيما يفتقر 6 من كل 10 أشخاص إلى مرافق الصرف الصحي المدارة بأمان".  أما النساء "فيتحملن مسؤولية جمع المياه في 80% من الأسر التي لا تصل المياه إلى منازلها." ويؤثر ذلك بشكل مباشر وغير عادل على الحالة الصحية والوضعيات الاجتماعية للأفراد والجماعات وعلى حظوظهم في الحياة. "في كل يوم، يموت ما يقرب من ألف طفل بسبب أمراض الإسهال المرتبطة بالمياه ومرافق الإصحاح...  تمثل الوفيات الناجمة عن الفيضانات وغيرها من الكوارث المرتبطة بالمياه نسبة 70% من جميع الوفيات المرتبطة بالكوارث الطبيعية".

إن تحدي الوصول إلى المياه النظيفة الذي تضعه الأمم المتحدة ضمن أهداف التنمية المستدامة التي يجب تحقيقه في أفق 2030، يواجه في المغرب العديد من الصعوبات البنيوية التي تجعل من تحقيقه أمرا صعبا، أولها هو التراجع المستمر للمخزون المائي، والذي تقدر المؤسسات الدولية والوطنية أنه يتجه نحو الندرة المطلقة للماء في 2050. وثانيها تمسك الدولة بخيار الفلاحة التصديرية. وثالثها ارتفاع نسبة الأفراد الذين لا يصلون إلى حدود اليوم إلى الماء الصالح للشرب. أما أهمها فهو الانتصار للخيار النيو ليبرالي القائم على تسليع الماء وتحميل الأفراد مسؤولية الهدر المائي والزيادة في تسعيرة الماء، ما يعني بشكل أو بآخر تعميق اللاعدالة المائية.

لقد اعتبرت لجنة النموذج التنموي الجديد، الذي تحولت تقاريرها إلى نص مرجعي للسياسات العمومية الراهنة، والمتن الذي يشرْعن به المسؤولون العموميون في كل المجالات قراراتهم وبرامجهم، في تقريرها الموضوعاتي في الباب المخصص للماء، أن واحدا من الحلول الأساسية في إصلاح الماء هو الرفع من تسعيرة الماء والشراكة بين القطاع العام والخاص في إحداث البنية التحتية المائية وتوزيع المياه ومراقبة السحب المائية بكل أنواعها. لننظر إلى بعض ما جاء في التقرير بخصوص إصلاح قطاع الماء: "يرمي هذا الإصلاح إلى إحداث مقابل لخدمات البنيات التحتية للتعبئة، وذلك استجابة للحاجيات الكبيرة من الاستثمار، والتخفيف من الاختلالات في اختيار الاستثمارات والناجمة عن مجانية خدمات السدود وخدمات الري، ويتمثل هذا الإصلاح في إحداث مقابل للخدمات التي توفرها البنيات التحتية.... سيؤدي اعتماد الإصلاح، المشار إليه في النقطة الثانية، تلقائيا إلى الزيادة في التكلفة بالنسبة لمكاتب ووكالات التوزيع، مما سيؤثر على التعريفات المطبقة على مستعملي الماء الصالح للشرب، وكذلك مستعملي مياه السقي...، وتبعا لذلك، فمن الضروري إعادة النظر في تسعيرة الماء لجميع المستعملين، أخذا بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية للإنتاج ووضع مقابل للخدمات المقدمة من طرف البنيات التحتية المائية. وفي هذا الإطار تم اقتراح شكلين من التسعيرة: الرفع التدريجي لتعريفات الماء المطبقة على جميع المستعملين لضمان مقابل لخدمات التعبئة، ويمكن للدولة التوقف عن دعم المؤسسات العمومية المكلفة بتوزيع وصيانة الشبكات، وتتكلف هي مباشرة بدعم أشطر الاستهلاكات " الاجتماعية " للمواطنين من ذوي الدخل المحدود...".

يبدو واضحا إذًا أن الاتجاه الذي سيحكم السياسات العمومية في الماء بالمغرب خلال العقود القادمة، يقوم على روح نيو ليبرالية، وذلك من خلال تسليع الماء، وتحريره من فكرة الملك العام والخدمة عمومية، وإخضاعه لمنطق السوق. فالحديث عن الرفع من تسعيرة الماء، وموائمة التعرفة بالكلفة، سيؤثر دون شك على ولوج الفئات الفقيرة والمستبعدة إلى الماء. فإن 20% منهم غير قادرون على الحصول على ماء صالح للشرب اليوم؛ ولا شك أن هذه النسبة ستزداد بعد الرفع من تسعيرة الماء. فيصبح الولوج إلى الماء، إذا ما طُبق هذا المشروع بالشكل الذي قدمته به لجنة النموذج التنموي الجديد، جزءا من مظاهر التمييز الذي يطال الفئات غير القادرة على تحمل التسعيرة المرتفعة للماء. وإذا كان الجزء الأكبر من الفقراء والطبقة المتوسطة يشتكي حاليًا من ارتفاع تكلفة الماء والكهرباء في المغرب، فإنه من العادي بعد رفع تسعيرته، أن يتحول شعار عقلنة الاستهلاك وترشيد استعمال الماء والحد من الهدر المائي، إلى حرمان مائي وتوزيع واستهلاك غير عادل للماء بين الفئات الاجتماعية المالكة للموارد المالية والقادرة على تحمل التكلفة المادية للاستهلاك، وفئات تعوزها الموارد المالية وغير مسموح لها إلا باستهلاك ما تسميه لجنة النموذج " بأشطر الاستهلاكات الاجتماعية"، فالفئات متوسطة الدخل والموارد، لا شك أنها ستفكر أكثر من مرة قبل فتح صنابير المياه.

خاتمة

حاولنا على امتداد هذه الورقة، تقديم وضع الماء الراهن وسياسته في المغرب في ظل التغيرات المناخية التي يعيشها العالم، والتي تؤثر بشكل غير متساو على الأفراد والجماعات بالمغرب. إن الفكرة الأساسية في هذه الدراسة، تشير إلى أن تحول هذه الوضعيات لا يرتبط فقط بتغيرات مستقلة عن البنيات والخيارات السياسية والاجتماعية التي عاشها المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، بل يرجع بالدرجة الأولى إلى الاقتصاد السياسي للماء كما ظهر خلال الستة العقود الأخيرة في المغرب. فدولنة الماء في دولة ما بعد الاستقلال، كان يعني بالدرجة الأولى نزع الماء من تاريخه المحلي وبعده الروحي، وتفكيك البنيات الثقافية والاجتماعية الحاضنة للماء والمؤسسة عليه. فحركة "على درب 96" بإميضر، على سبيل المثال، تعتبر أن الصراع مع الشركة المستخرجة يشكل تهديدًا للبنية الاجتماعية للماء. أما تبني سياسة اقتصادية ليبرالية ما بعد الاستقلال، وظهور الخيارات النيو ليبرالية كبراديغم حكم السياسات العمومية والقطاعية بالمغرب الراهن، فلم يزد إلّا من تعميق أزمة الماء. فالمشاريع السياسية والاقتصادية المهيكلة في دولة ما بعد 1999، وانتصار الفلاحة التصديرية، لم تجب عن سؤال العدالة المائية أو العدالة الاجتماعية بالمغرب، وإنما ساهمت فقط في تنمية الرأسمال الخاص، وتشجيع وشرعنة تسليع الماء وترسيم الحرمان المائي.

توصيات:

  1. إن أزمة الماء باعتبارها مظهرا من مظاهر الأزمة الإيكولوجية المستدامة، تحتاج إلى سياسات عمومية وفلاحية تراعي ندرة المياه، وتتجه نحو مزيد من عقلنة استعماله في القطاع الفلاحي.
  2. تعزيز سياسات العدالة المائية، وتيسير سبل الوصول إلى الماء واستعماله، بعد تنصيص الدستور المغربي على الحق في الماء باعتباره حقا إنسانيا أساسيا، وضمان وصول كل المغاربة إلى الماء الصالح للشرب.
  3. إعادة النظر في السياسات الفلاحية المعتمدة والنموذج الاقتصادي الزراعي القائم على الفلاحة التصديرية، وتطبيق قيود على تصدير المنتجات الفلاحية بما يضمن قدرة الفقراء ومحدودي الدخل على الوصول إليها.
  4. تعزيز الأنشطة الفلاحية غير المستنزفة والمعززة للسيادة الغذائية والأمن الغذائي، ومنع الزراعات المستنزفة للمياه خاصة في المناطق الجافة (البطيخ الأحمر، الأفوكادو)، لأنها تهدد الاستقرار الاجتماعي بهذه المناطق، ويفكك بنيتها الاجتماعية، وتعزيز الزراعات المحلية.
  5. فرض ضريبة الماء على الشركات الفلاحية والمنتجين الكبار، والرفع من قيمة الضريبة على القطاع السياحي، وإلزام المنشآت السياحية بتوفير محطات لمعالجة المياه.
  6. تسقيف ومراقبة حفر الآبار والثقوب المائية في المناطق الجافة، وتنفيذ القوانين والمذكرات ذات الصلة باستهلاك الماء،
  7. وضع استراتيجيات للحفاظ على التنوع البيولوجي والأنظمة الإيكولوجية للأنهار، خاصة في سياسة تشييد السدود.
  8. تكريس سياسة التضامن المائي عبر توسيع شبكة طرق السيارة المائية، ووضع خطط لاستغلال مياه الوديان التي تصب في البحر، وذلك عن طريق خلق بحيرات مائية.
  9. إلزام مجالس المدن والمقاطعات بإحداث محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، واستعمالها في سقي المجالات الخضراء بدل الماء الصالح للشرب.
  10. استحضار الطابع الاجتماعي للماء في تسعير مياه محطات التحلية عند بداية استغلالها، وتوزيع تسعيرة الماء بناء على خرائط اجتماعية تراعي المستوى الاقتصادي للسكان، وتستحضر طبيعة النشاطات التي يستعمل فيها الماء (استهلاكي، صناعي، فلاحي).

المراجع باللغة العربية:

  1. فاطمة فائز، ملامح من ثقافة الماء في الجنوب المغربي من خلال معجم المصطلحات المائية بالمغرب 1921، مجلة الدراسات الأمازيغية، العدد 2، 2022، ص 55-70
  2. العربي الحفيضي، سياسة السدود بالمغرب، تدعيم للاستحواذ على الأرض وخدمة للرأسمال الصناعي. مارس، 2020
  3. جون واتربوري، أمير المؤمنين والنخبة السياسية بالمغرب، ترجمة عبد الغني أبو العزم وعبد الأحد السبتي، منشورات الغني، عبد اللطيف الفلق، 2004
  4. عبد الله الحمودي، الشيخ والمريد، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال، الطبعة الرابعة، 2010
  5. عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، الطبعة الخامسة، 1996
  6. زكرياء الإبراهيمي، مولود أمغار، هل توجد حركات إيكولوجية بالمغرب، منشورات أوال للدراسات والأبحاث المعاصرة، 2023

المراجع باللغات الأجنبية:

  1. Anne-Marie Jouve, Les trois temps de l'eau au Maroc : l'eau du ciel, l'eau d'Etat, l'eau privée Dans Confluences Méditerranée 2006/3 (N°58), pages 51 à 61
  2. Barbara Casciarri, Mauro Van Aken, Anthropologie et eau(x) affaires globales, eaux locales et flux de cultures, Dans Journal des anthropologues 2013/1-2 (n° 132-133)
  3. Barbara Casciarri, Francesco Staro, Mauro Van Aken, Romain Leclercq, Socionatures en tension, Crise climatique et résistances écologiques Dans Journal des anthropologues 2022/1-2 (n° 168-169)
  4. Shiva, vendana, QUI NOURRIT RÉELLEMENT L’HUMANITÉ ? Traduit de l’anglais (Inde) par Amanda Prat-Giral, Actes Sud, 2020 pour l’édition française
  5. James, scott, Homo Domesticus Une histoire profonde des premiers États, Traduit de l'Anglais par : Marc Saint-Upéry, La Découverte, 2019
  6. Murray Bookchin, Au-delà de la rareté - L'anarchisme dans une société d'abondance, textes pionniers 1965-70, présentation Vincent Gerber, Écosociété, 2016
  7. Murray Bookchin, Notre environnement synthétique : La naissance de l'écologie politique - préface de Denis Bayon (trad. de l'anglais par Denis Bayon), Lyon, Atelier de création libertaire, 2017
  8. Murray Bookchin, Pouvoir de détruire, pouvoir de créer : Vers une écologie sociale et libertaire, (trad. Helen Arnold, Daniel Blanchard et Vincent Gerber), Paris, L'échappée, coll. "Versus", 2019
  9. Murray Bookchin, L'écologie sociale : Penser la liberté au-delà de l'humain, Marseille, Éditions Wild Project, 2020
  10. Murray Bookchin, La révolution à venir : Les trad. de l'anglais par Marin Schaffner Assemblées populaires et la promesse de la démocratie directe, Marseille, Éditions Agone, 2020

تقارير:

  1. Haut–commissariat au plan, indicateurs de la pauvreté d’Après Les Résultats du RGPH 2014, juin 2017
  2. Haut–commissariat au plan, GESTION DURABLE DES RESSOURCES NATURELLES ET DE LA BIODIVERSITÉ AU MAROC, 2006
  3. Ministère de l’agriculture, le plan Maroc vert, bilan et impacts 2008-2018, 2020
  4. المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مذكرة الحق في الماء، 2022
  5. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، التنمية في المناطق الجبلية، 2017
  6. البرلمان المغربي، مجلس المستشارين، تقرير لجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنيات التحتية، مشروع قانون رقم 21 يتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات، 2023
  7. منظمة الأغذية والزراعة، الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، نظرة إقليمية عامة حول الأمن الغذائي والتغذية، 2023

Endnotes

Endnotes
1 يمكن العودة إلى كتابات موننيه دجن حول التوزيع الاجتماعي للماء بدرعة، كما يمكن العودة إلى كتاب بوجمعة رويان، الطب الاستعماري بالمغرب، بخصوص إشاراته للحامات.
2 Jacques Berque, Structures sociales du Hautes Atlas, PUF, 1978.
3  محمد أمين البزاز، تاريخ المجاعات والأوبئة بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط،1992 .
4 Rémy, Leveau, Le Fellah marocain defenseur du trone, Presses de Sciences Po, 1976.
5 عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، الجزء الثاني، المركز الثقافي العربي، 1999.
6   سياسة السدود بالمغرب، وتوزيع الأراضي المسترجعة والانتصار للخيار الفلاحي كقطاع حيوي بدل التصنيع في مغرب ما بعد الاستقلال يعتبر نموذجا على ذلك.
7 المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مذكرة الحق في الماء، 2022
8  وصف وزير التجهيز والماء بالمغرب نزار البركة في جلسة برلمانية يوم الثاني من يناير 2024  أن الوضعية المائية بالمغرب صعبة، رابطا بين التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرار بالمغرب بما يناهز الدرجتين تقريبا، كاشفا عن تراجعا الواردات المائية من12 مليار بين سنتي 1945 إلى 2013 ثم إلى 5 ملايير 200 مليون متر مكعب بين 2017 و2023، و3 ملايير و200 مليون خلال هذه السنة وقدر تراجع الموارد المائية بــ67%.
9 Shiva, vendana, Qui Nourrit Réellement L’humanité ? Traduit de l’anglais (Inde) par Amanda Prat-Giral, Actes Sud, 2020 pour l’édition française.
10 قانون الماء 1995.
11  سنعود إلى هذه المسألة في ورقة مستقلة، بعنوان "حركات الماء وموجات السخط بالمغرب".
12  يمثل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أهم الأمثلة على ذلك، حيث تشير المصادر التاريخية إلى انتشار ظواهر اللصوصية والاضطرابات خلال سنوات الجفاف.
13  تعتبر انتفاضة الدار البيضاء سنة 1981 من أهم الأحداث بتاريخ المغرب الراهن التي لا تزال تحرك الذاكرة السياسية والنقابية بالمغرب، يطلق عليها النقابيون والسياسيون (ثورة الكوميرا، انتفاضة الخبز...) يكشف بالمقابل عبد الأحد السبتي في " من عام الفيل إلى عام الميركان" الكيفية التي استعمل بها المغاربة تاريخيا المسابغ ولحظات الجوع والجفاف كموارد للتأريخ لنفسها.
14  للاطلاع على تفاصيل أكثر أنظر موقع المغرب الأخضر لوزارة الفلاحة المغربية https://www.achdartleflaha.ma/
15  نقصد بذلك هيمنة المنتجات المستنزفة للمياه على قائمة المنتجات الفلاحية الموجهة للتصدير.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.