شهدت الانتخابات البرلمانية اللبنانية في عام 2022 عمليات تعبئة وحشد كبيرة من المواطنين اللبنانيين في الخارج، الذين شكلوا 6% من الناخبين، وهي نسبة تعادل ثلاثة أضعاف مثيلتها في عام 2018. ولم ترتفع أعداد المسجلين فحسب، بل زادت نسبة المشاركة أيضاً عن عام 2018.
وفي حين أنه في انتخابات 2018، لم تؤثر أصوات المغتربين على النتيجة الإجمالية، فقد ساهمت نسبة المشاركة العالية في عام 2022 في انتخاب سبعة مرشحين. وقد اختلف السلوك الانتخابي للشتات كثيراً عن سلوك الناخبين داخل البلاد، وشهد تغيّراً كبيراً للغاية عمّا كان عليه في عام 2018. مثلاً، حظي المرشحون والأحزاب المعارضة للسلطة بدعمٍ من أبناء الشتات أكبر بكثير من دعم الناخبين داخل البلاد لها. بالإضافة إلى ذلك، وبينما حافظت بعض الأحزاب التقليدية عموماً (خاصةً حزب القوات اللبنانية وحزب الله) على مستويات الدعم ذاتها من أبناء الشتات في انتخابات عامي 2018 و2022، إلا أن أحزاباً أخرى مثل التيار الوطني الحر وحركة أمل والاتحاد الثوري الأرمني في لبنان "الطاشناق"، شهدت تراجعاً كبيراً للغاية في دعم الشتات لها.
يشير هذا التحول في الميول السياسية إلى زيادة في عمليات التعبئة في الشتات بهدف إحداث تغيير سياسي في لبنان. وبينما يشتمل المسجلين للتصويت في الخارج على أشخاص مغتربين منذ فترة طويلة، فإن معظمهم لبنانيون غادروا البلاد خلال السنوات الأخيرة. وبما أن هؤلاء اللبنانيين قد اضطروا للرحيل مع بداية الأزمة الاقتصادية في عام 2019 وانفجار بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 - الذي تتحمل جميع شرائح الطبقة السياسية الحاكمة مسؤوليته - فإن نسبة كبيرة منهم، مثلما كان متوقعاً، قد صوتت لصالح المرشحين المعارضين للسلطة.
تقدم هذه الدراسة تحليلاً متعمقاً للسلوك الانتخابي للمغتربين اللبنانيين خلال انتخابات عام 2022. ويرتكز التحليل على المقارنة بين نتائج الانتخابات في لبنان والخارج، وأيضاً المقارنة بين أصوات المغتربين في عامي 2018 و2022.
ويتمحور القسم الأول من التحليل حول نتائج الانتخابات على الصعيد الوطني. وبينما يبدو الأمر واضحاً تماماً في مجمله، إلا أن التحليل الدقيق لا يزال ضرورياً لأن اللبنانيين في الشتات لا يشكلون كتلة انتخابية موحدة. وبالفعل، يتنوع نسيج المهاجرين اللبنانيين من ناحية القوام المذهبي والعمر ومسقط الرأس، وكذلك الميول السياسية. لذلك، نركز في القسم الثاني على سبعة بلدان ضمت أكبر عدد من أبناء الشتات الذين سجلوا للتصويت، وهي: فرنسا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وألمانيا والمملكة العربية السعودية. أمّا في الجزء الثالث والأخير، فنقدم تحليلاً على مستوى الدوائر الانتخابية مع تسليط الضوء على الدوائر التي كان للبنانيين في الخارج دوراً حاسماً في تحديد من سيفوز منها بمقعد في البرلمان. وقد وجدنا أن أصوات الشتات كانت حاسمة لسبعة مقاعد على الأقل، من بينها خمسة مقاعد لمرشحين معارضين للسلطة.
تستند دراستنا على النتائج الرسمية للانتخابات المصنفة حسب الدوائر الانتخابية، وكذلك قوائم التصويت الرسمية التي حصلنا عليها من وزارة الداخلية والبلديات. وقد صُنفت هاتان المجموعتان من البيانات حسب الدول والدوائر الانتخابية، وذلك لتحديد الأحزاب السياسية التي يفضلها الناخبون وحساب نسبة المشاركة. ويساهم رصد النتائج على مستوى الدوائر الانتخابية في تحديد موقع الاقتراع، مثل الدولة والدائرة الانتخابية، وإجمالي عدد الأصوات التي أُدلي بها في كل دائرة انتخابية، وعدد الأصوات التي حصلت عليها كل لائحة انتخابية أو مرشح. وقد مكنتنا هذه البيانات من معرفة التفضيلات الحزبية والسياسية للناخبين. ولتحديد نسبة المشاركة، دمجنا هذه المجموعة من البيانات مع قوائم الناخبين، التي تحدد المنطقة المسجل بها كل ناخب.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.