1| تمهيد
خلّفت الحرب التي شهدتها العاصمة السودانية في نيسان/أبريل 2023 أوضاعاً سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة السوء. فالحرب التي نشبت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع - تلك القوات التي أنشأتها حكومة البشير لتشارك في القتال في إقليم دارفور- تركزت بشكل رئيسي في الخرطوم. منذ بداية الحرب، شهدت المدينة، التي يقدّر عدد سكانها بـ12 مليون نسمة، أي ما يقرب من ربع سكان السودان، نزاعاً مسلّحاً عنيفاً وغير مسبوق في تاريخها.
فخلال أكثر من 90 يوماً من الحرب، تجاوز عدد الضحايا ثلاثة آلاف قتيل، وهو عدد قابل للزيادة باستمرار. رافقت ذلك حركة نزوح ضخمة داخلية تتجاوز المليونين ومائتي ألف نسمة ونزوح أكثر من631 ألفاً من السكان إلى خارج السودان، وبشكل رئيسي إلى تشاد ومصر وجنوب السودان وبقية دول الجوار. كما قامت البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية بإجلاء رعاياها إلى خارج السودان. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن حوالي25 مليون سوداني يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية عقب نشوب الحرب، وهو ما يتجاوز أكثر من نصف عدد السكان في السودان.
ويتركّز في العاصمة الخرطوم أغلب النشاط الاقتصادي والسياسي في السودان، ما يعكس خللاً بنيوياً وهيكلياً كبيراً. كما تتمركز في المدينة أغلب مراكز الخدمات الرئيسية المتعلقة بالتعليم أو الصحة. أما في أطراف الخرطوم، فتنتشر الأحياء الفقيرة حيث الكثافة العالية من السكان الذين أجبرتهم الحروب في الولايات التي شهدت نزاعات مسلحة في السنوات الأخيرة على النزوح. وينتشر كذلك في الأطراف أكثرية العاملين في القطاع غير المهيكل في السودان والذي يمثل أكثر من 60% من إجمالي العمالة في البلد.
وجد سكان الخرطوم أنفسهم في مواجهة حرب عنيفة استُخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة مع انعدام أبسط القواعد الإنسانية والأخلاقية التي تحكم حالة الحروب. فلا توجد ممرات آمنة للمدنيين بعد مرور شهرين على نشوب النزاع، وتعطل ما لا يقل عن 67% من المستشفيات الواقعة بالقرب من مناطق النزاع عن الخدمة. ولم تنجح إلا هدنه واحدة من جملة ما تم الاتفاق عليه لتخفيف آثار الحرب على المدنيين. وتعطل جهاز الدولة المركزي بالكامل، حيث تحولت الوزارات الرئيسية ومناطق العمل، بما فيها المصانع، إلى أهداف للمتحاربين. ومع دخول الحرب في السودان شهرها الرابع، ثمة تساؤلات رئيسية حول قدرة المجتمعات المتأثرة بالنزاع على الصمود ومدى فعالية أدوات الحماية الاجتماعية في تخفيف آثار هذا النزاع على المدنيين.
فالحروب ذات تأثير مباشر على زيادة نسبة الفقر والقدرة على النفاذ إلى الخدمات العامة الرئيسية. وفي المقابل، فإن وجود مؤسسات فعالة وأدوات متطوّرة للحماية الاجتماعية، من شأنه التخفيف من تداعيات الصراع على حياة الناس وسبل عيشهم وقدرتهم الشرائية. إن توفر الحماية الاجتماعية مطلوب ومهم أيضاً من أجل تخفيف أسباب نشوء صراعات جديدة قد تحصل بسبب الظروف الاقتصادية وتزيد من حدّة التوترات الاجتماعية.
ورغم أهمية موضوع الحماية الاجتماعية في سياقات النزاع، فإننا نتناول الحالة السودانية الحالية بشكل سريع يغطي الملامح العامة للظرف الراهن، متناولين أوضاع الحماية الاجتماعية قبل الحرب ودور مؤسسات الدولة للحماية الاجتماعية عقب الحرب وتأثير الحرب على أوضاع الضمانات الاجتماعية في القطاع الخاص والعمل غير المهيكل. ونتناول كذلك تحديات وفرص توفير المساعدات الاجتماعية في ظل الظرف الطارئ حالياً في السودان.
2| أوضاع الحماية الاجتماعية في السودان قبل الحرب
تعمل العديد من المؤسسات الاجتماعية في السودان في مجال الحماية الاجتماعية ومنها: ديوان الزكاة، مفوضية مكافحة الفقر، هيئة التأمين الصحي، صندوق المعاشات، الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي وغيرها. ويدعو ذلك إلى النقد بخصوص تشرذم نظام الحماية الاجتماعية في البلاد والدور الذي تقوم به هذه المؤسسات في توفير الحقّ في الضمان الاجتماعي قبل نشوب الحرب. فارتفعت نسبة الفقر في السودان لتطال أكثر من 65% من نسبة السكان وفقاً لاستراتيجية مكافحة الفقر التي صدرت عن وزارة المالية في العام 2021. وازدادت كذلك نسبة التسرّب من الدراسة وضعفت القدرة على النفاذ إلى الخدمات الصحية. كل هذه الأمور أثارت تساؤلات حول قدرة مؤسسات الحماية الاجتماعية على التصدي للتحديات المعيشية وتحمل مسؤولياتها.
ويوضح الكاتب في دراسة لاحقة حول الزكاة والحماية الاجتماعية في السودان، أن غياب التنسيق والترابط بين مؤسسات الحماية الاجتماعية وعدم وجود استراتيجية للحماية الاجتماعية في السودان، يعدّان من العقبات الأساسية أمام فعالية نظام الحماية الاجتماعية بالسودان. لذلك لم تقم هذه المؤسسات بالتأهيل والاستعداد الذي يجعلها تمتلك القدرة على مجابهة تحدي مثل هذه الحرب وانعكاساتها. فضلاً عن ذلك، لا تتوفر نظم معلومات دقيقة لتوفير خدمات الحماية الاجتماعية لمستحقيها في مثل هذه الظروف.
وقد أدّى انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر إلى إيقاف برنامج الحماية الاجتماعية "ثمرات"، الذي كان جزءًا من حزمة برامج الحماية الاجتماعية التي هدفت إلى التقليل من آثار الإصلاحات الهيكلية التي تبنتها الحكومة الانتقالية في السودان للوصول إلى الإعفاء من ديونها والتحصّل على مساعدات مالية. وقد قامت السلطة الانقلابية أيضاً بإيقاف برنامج دعم السلع الذي كانت تتكفل به الحكومة السودانية، لا سيّما في ما يتعلّق بالخبز عبر دعم دقيق الطحن.
3| الحماية الاجتماعية عبر الأدوات التقليدية عقب اندلاع الحرب:
فيما يمثل موجةً كبيرة من النزوح الداخلي، فإن جلّ النازحين من الحرب نزحوا إلى ولايات أخرى داخل السودان. وتعتبر ولاية الجزيرة المتاخمة للعاصمة الخرطوم أكثر الولايات التي تم النزوح إليها، علماً أن أغلبهم لم ينزحوا إلى معسكرات نزوح بل سكنوا عند أقاربهم أو معارفهم. فآليات الحماية الاجتماعية "التقليدية" في السودان (مثل تلك المرتبطة بالدعم العائلي والجماعي والجهوي) تبدو أكثر فعالية وسرعة من أجهزة الدولة والمنظمات الإنسانية. ولكن ذلك لا يعني عدم وجود معسكرات للنازحين؛ ففي ولاية الجزيرة مثلاً، يتجاوز عدد المعسكرات الثمانين معسكراً، أقيم معظمها في المدارس بواسطة لجان المدن المحلية (لجان المقاومة) وفي مساكن الطلاب الجامعيين. وحسب إفادة أحد المسؤولين في منظمة تتبع للأمم المتحدة - لم يرغب في إيراد اسمه - فإن أكثر من 80% من تمويل الإعاشة والخدمات في هذه المعسكرات يقع على عاتق أهالي المناطق التي تستضيفها والمحسنين، بينما تتكفل بالنسبة القليلة الباقية منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
داخل ولاية الخرطوم، لجأت العديد من الأحياء لإقامة نموذج للتكافل المحلي، حيث يلجأ سكان هذه المدن لإقامة المطابخ الجماعية لتوزيع الوجبات الغذائية بين جميع سكان الحي مثال ذلك تجربة مدينة الجريف غرب في محلية الخرطوم وهي تعتمد على الجهد الشعبي وتوزيع المواد الغذائية الموجودة في الحي بين كل الأسر.
كما لعبت تحويلات المغتربين دوراً مهماً في توفير احتياجات أسرهم داخل السودان رغم التحديات الكبيرة التي تواجه عمل النظام المصرفي.
4| مؤسسات الدولة والحماية الاجتماعية عقب الحرب:
منذ اندلاع الحرب تعطلت مؤسسات الدولة المركزية بما فيها أغلب المؤسسات العاملة في مجال الحماية الاجتماعية، باستثناء بعض مؤسسات الزكاة في بعض الولايات. بل وتعطلت حتى قدرة الدولة على تأمين مرتبات العاملين في القطاع العام، خاصة مع تعطل النظام المصرفي بنسبة كبيرة للغاية حيث لا تعمل سوى فروع محدودة لبنك الخرطوم وهو أحد البنوك الخاصة الكبيرة في السودان.
تلعب الزكاة الدور الأكبر، بوصفها ضريبة دينية إلزامية في السودان، في إعادة توزيع الموارد وتوفير الحماية الاجتماعية، حيث تقدّر مساهمتها بأكثر من 70% من الموارد المخصصة للحماية الاجتماعية. وهي من المؤسسات التي يمكن أن تعمل بسرعة أكبر من غيرها لوجود سيولة نقدية يمكن تحريكها للدعم النقدي المباشر أو الإنتاجي. ولكن التعطيل الذي طال مؤسسات الدولة والنظام المصرفي حال دون تدخلها بشكل فعال في عملية تقديم المساعدات الاجتماعية عقب اندلاع الحرب في السودان. وقد توقف أيضاً دور مؤسسات الحماية الاجتماعية كالصندوق القومي للمعاشات ومركز التأمين الصحي، وغير ذلك من المؤسسات التي تقدم تحويلات نقدية أو معونات اجتماعية للمواطنين.
5| القطاع الخاص والحرب: كيف ينعكس ترابطهما على الحماية الاجتماعية؟
نتيجة لسياسات الخصخصة التي اتبعتها الحكومة السودانية في بداية التسعينيات، فإن القطاع الخاص والقطاع غير المهيكل يقومان بالدور الأكبر في عملية التشغيل في السودان. وعليه فإن للقطاع الخاص دوراً مهماً في توفير الحماية الاجتماعية على الأقل للعاملين في مؤسساته.
يعاني القطاع الخاص في السودان من تحديات كبيرة، وتقلّ فيه المنشآت الكبيرة والتي لا تتجاوز 2% من حجم المنشآت العاملة، بينما بقية المنشآت صغيرة أو متوسطة الحجم. وهذه المنشآت قلما تلتزم تجاه عامليها بشروط الحماية الاجتماعية التي يفرضها القانون، ناهيك عن الكوارث والحروب التي تفرض أوضاعاً صعبة حتى على هذه المؤسسات.
تأثر القطاع الخاص في السودان بشكل كبير نتيجة الحرب. ويتركز في الخرطوم النصيب الأكبر من الأعمال الصناعية والتجارية، حيث تتمركز في داخل العاصمة نصف المصانع العاملة بالبلاد. وقد تعرض العديد منها للاعتداء والتخريب، الأمر الذي عطل عملها بالكامل.
وعليه، بدأت العديد من المؤسسات الخاصة الكبري باتخاذ إجراءات الانسحاب من قطاع العمل، ما يشكل تهديداً كبيراً لمئات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص. فمثلاً، قامت مؤسسة ضخمة كمؤسسة حجار بإعلان توقفها عن العمل اعتباراً من 30 حزيران/يونيو 2023 وقامت بإنهاء خدمة العاملين فيها. قامت أيضاً شركة دال الهندسية وهي إحدى شركات مجموعة دال ذات الأنشطة المتعددة في قطاع الأعمال في السودان بمنح العاملين فيها إجازة لمدة ثلاثة أشهر بدون راتب. وتبعت تلك خطوات العديد من الشركات. لا يوجد تقدير أو دراسة ذات مصداقية لنسبة العاملين فى القطاع الخاص الذين تم تسريحهم. لكن مع استمرار الحرب وتدهور خدمات القطاع المصرفي مقرونة مع ضعف القوانين التي تحفظ حقوق العاملين وعدم تحلي العديد من مؤسسات القطاع الخاص بروح المسؤولية تجاه العاملين فيها، فمن المحتمل أن غالبية العاملين في القطاع الخاص قد يفقدون وظائفهم.
6| القطاع غير المهيكل والحماية الاجتماعية:
يشكل العاملون في القطاع غير المنظم النسبة الأكبر ]ما يقارب 60%[ من العاملين في السودان. هؤلاء، وقبل اندلاع الحرب، يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية على الرغم من وجود بعض المبادرات التي تحاول إدماجهم في النظم الحمائية، إلا أنها لا تزال محدودة التأثير. يعتمد أغلب العاملين في هذه الشريحة على العمل اليومي لتوفير القدرة على تلبية احتياجاتهم الحياتية من الغذاء والصحة. هم ليسوا من الذين تغطيهم شبكة التأمين الصحي، وليس لديهم رواتب ثابتة أو تأمين اجتماعي ومعاشات تقاعد. يقطن قسم كبير من العاملين في هذا القطاع في ولاية الخرطوم، حيث تتم الاستفادة من حركة الإنشاءات ووجود بائعات الأطعمة والشاي... ألخ، وهي من أكبر شرائح العاملين في القطاع غير المنظم.
فقدت هذه الشرائح، ولأكثر من شهرين حتى الآن، مصدر رزقها اليومي دون توفر بدائل تجعلها تنجو من الانزلاق إلى الفقر المدقع والاعتماد على أشكال التضامن الاجتماعي المحلي المختلفة.
وفي ظل غياب الدور الرسمي في توفير خدمات الحماية الاجتماعية وضعف وعدم انتظام تدخلات المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، فإن الأدوار التي تقوم بها اللجان القاعدية في الأحياء يعتبر مركزياً ورئيسياً، حيث لعبت لجان المقاومة في الخرطوم - على سبيل المثال - أدواراً مهمة في تشكيل لجان الطوارئ وتوفير الخدمات المتعلقة بالخدمات الصحية مع خروج أغلب المستشفيات من الخدمة. كما تساهم هذه اللجان في توفير ضروريات الحياة للأسر الفقيرة وتبذل لجان المقاومة القاعدية في الولايات التي لجأ إليها النازحون جهداً ملحوظاً في تهيئة وإعداد المعسكرات وفي توفير الوجبات والخدمات الصحية للنازحين.
الموسم الزراعي وشبح الكارثة:
وفقاً لمعلومات البنك الدولي المحدّثة في العام 2021، فإن العاملين في القطاع الزراعي يشكلون 41% من جملة المشتغلين في السودان. الغالبية العظمي من هؤلاء المشتغلين هم صغار المزارعين، ويواجهون مصاعب جمة منذ بداية الحرب التي توافقت مع ذروة استعدادهم للموسم الصيفي. فيعتمد العاملون في القطاع الزراعي بشقّيه المطري والمروي على تلقّي التمويل من البنوك لبداية التحضير للموسم الزراعي؛ وبالتالي، فإن إغلاق البنك الزراعي وتوقفه عن العمل جعل الموسم الزراعي مهدداً بالفشل، وهو ما انعكس سلباً على الأمن الغذائي كما أثر بشكل كبير على حجم الصادرات السودانية حيث تشكل الحبوب الزيتية لوحدها نسبة تصل أحياناً إلى 50% من قيمة الصادرات في السودان.
إذاً، فإن فشل الموسم الزراعي في ظل مشاكل التمويل وغياب الأمان في العديد من مناطق الإنتاج قاد إلى أوضاع كارثية في ما يتعلق بكلفة المعيشة والأمن الغذائي والتجارة الخارجية. وإذا وضعنا في الاعتبار أعداد المشتغلين في هذا القطاع، سيتبين أن حجم الضرر كان وسيظل كبيراً للغاية.
7| تحديات الحماية الاجتماعية في ظل استمرار الحرب:
هنالك تحديات ومخاطر كبيرة تواجه قدرة نظم ومؤسسات الحماية الاجتماعية في لعب دورها المأمول في ظل نشوب الحرب، ومن أبرز هذه التحديات:
- توقف مؤسسات الحماية الاجتماعية عن العمل على مستوى المركز.
- تعثر عمل الجهاز المصرفي وتأثيره على قدرة المؤسسات الحكومية على توفير المال لدعم برامج الحماية الاجتماعية ودفع معاشات الموظفين في القطاع العام.
- غياب الأمان في مناطق النزاع وعرقلة ذلك لتوفّر خدمات الحماية الاجتماعية. ويتضح ذلك في ولايتي الخرطوم وغرب دارفور إثر عدم التزام الأطراف المتحاربة بأية هدنة رسمية ما عدا واحدة كانت مدتها أربعاً وعشرين ساعة فقط. بالإضافة إلى ذلك، تعرض العديد من الناشطين القاعديين في لجان المقاومة للاعتقال، ما ساهم في تعثر إيصال المساعدات والخدمات لمستحقيها.
- تراجع دور المنظمات الدولية والوطنية التي تقدم خدمات متعلقة بالحماية الاجتماعية بسبب النزاع، حيث تقع أغلب المكاتب الرئيسية للمنظمات الوطنية والأجنبية في العاصمة الخرطوم والتي لا زالت تشهد اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حيث تم احتلال العديد من مقار هذه المنظمات ونهب ممتلكاتها بواسطة قوات الدعم السريع ومجموعات النهب التي نشطت بعد الحرب في الاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة. نزح العديد من العاملين في هذه المنظمات إلى ولايات أخرى غير التي يعملون فيها وغادر بعضهم السودان، وتم إخلاء العاملين الأجانب في المنظمات الدولية منذ وقت مبكر في الحرب، كما نقلت العديد من المنظمات الأجنبية، وبدرجة أقل الوطنية، مكاتبها الرئيسية إلى خارج السودان. كما تعاني المنظمات كغيرها من المؤسسات والأفراد في السودان من تعثر عمل النظام المصرفي.
8| الحماية الاجتماعية في ظل الحرب: الفرص المتاحة
على الرغم من انكشاف عجز الدولة وعدم قدرتها على توفير الحد الأدنى المطلوب من خدمات الحماية الاجتماعية في ظل الحرب، إلا أن هناك فرصاً يمكن الاستفادة منها في توفير الحماية الاجتماعية للسودانيين، ومنها وجود شبكات اللجان القاعدية ومعرفتها بالأحياء وحاجة الأفراد والأسر. هنالك اهتمام دولي، حتى ولو لم يكن كافياً، بمساعدة المتضررين من الحرب، وقد تمخضت عنه إقامة مؤتمر للمانحين في جنيف في حزيران/يونيو 2023 قطع وعداً بتوفير مليار ونصف المليار دولار. رغم أن هذا المبلغ أقل من تقديرات الأمم المتحدة السابقة للمؤتمر وهي 2.8 ملياري دولار، كما أن وجود موارد كالزكاة يمكن أن يكون مصدر تمويل داخلي مهماً إذا تم استخدامه بشكل أمثل في تأمين الحماية الاجتماعية.
9| الملخص والتوصيات:
يعاني السودانيون من أوضاع إنسانية صعبة بسبب الحرب التي انطلقت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وساهم في تعقيد الأوضاع عدم وجود أنظمة حماية اجتماعية فعالة وعدم قدرة أجهزة الدولة المعنية بالحماية الاجتماعية على القيام بدورها وتقديم الاستجابة السريعة في ظل كارثة الحرب.
تلعب المجتمعات المحلية ولجان المقاومة في الأحياء أدواراً مهمة في تخفيف المعاناة الإنسانية وتقوم بمبادرات تصب في صميم عمل مؤسسات الحماية الاجتماعية. وعلى الرغم من أهمية هذه المبادرات في التخفيف من حدة المعاناة، إلا أنه من الصعب الرهان على استمراريتها بقوة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تطال بآثارها الجميع. لذلك، من المهم أن تتم الاستفادة من شبكات الاتصال والمعلومات المتوفرة للجان المحلية في التوزيع ووصول الخدمات إلى المستفيدين. ويبقى واجب توفير التمويل واحداً من المهام التي يجب أن تتصدى لها الأجهزة الحكومية والمؤسسات الدولية والتي لا يمكن تركها للمجتمعات في دولة تصل فيها نسبة الفقر إلى ثلثي السكان.
ويمكننا هنا ذكر العديد من الأولويات الملحة من أجل توفير الحق في الرعاية الاجتماعية في ظل الأوضاع الإنسانية المتردية في السودان:
- تحمّل الجهات الحكومية وإدارات مؤسسات الحماية الاجتماعية مسؤولياتها والاستفادة من أموال صناديق الرعاية الاجتماعية مثل الزكاة، فذلك يمكن أن يساهم في تحقيق جزء كبير من الاستجابة السريعة للكارثة الإنسانية.
- معالجة القضايا المتعلقة بتفعيل دور أجهزة الدولة إضافة إلى الإسراع في عمل الجهاز المصرفي كإحدى الخطوات الرئيسية للتصدي للوضع القائم.
- دور أكبر من المجتمع الدولي والإقليمي في توفير الموارد لبرامج الحماية الاجتماعية، وذلك عبر برامج للتحويل النقدي المباشر ودعم الخدمات الصحية وتوفير الغذاء للمجموعات الأكثر هشاشة، وتمكين المزارعين عبر توفير متطلبات الموسم الزراعي الصيفي.
- توفير الدعم لمعسكرات النزوح في الداخل ودعم الأسر التي تستضيف مجموعات النازحين من مناطق النزاع.
- التعاون والتنسيق مع لجان الأحياء ومجهودات المجتمعات المحلية في توفير الخدمات المتعلقة بالحماية الاجتماعية.
- أهمية تصميم برامج اجتماعية للنازحين داخلياً واللاجئين إلى دول أخرى، والاهتمام بالنساء اللائي يتعرضن لكافة أشكال العنف في فترة النزاعات وكذلك الأطفال مع توقف الخدمات التعليمية في مناطق النزاعات.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.