الملخص
تعتبر مصر من أبرز الدول التي تواجه مشكلات جسيمة في قطاع الإسكان وقضايا المناطق العشوائية، ووضعت السياسات العامة للدولة العديد من البرامج التنموية للتعامل مع هذه القضايا في مختلف الأزمنة. وخلال العقد الأخير، شهدت مصر تطوراً في التعامل مع ملف العشوائية وإقامة تجمعات عمرانية جديدة كمناطق بديلة لإعادة إسكان القاطنين في المناطق العشوائية. وبحثت هذه الورقة بمنهج تحليلي منطقة الأسمرات كأبرز المشاريع الحكومية في هذا الشأن. وطرحت في البداية سؤالاً عن مدى تلبية مناطق إعادة التوطين للاحتياجات الأساسية للسكان؟ وهل يحقق مشروع الأسمرات الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كونه مشروعاً سكنياً ملائماً؟
استعرضت الورقة المخطط العام لمنطقة الدراسة من ناحية كثافة الوحدات السكنية وشبكة الطرق وتوزيع الأنشطة التجارية والمساحات الخضراء والمساحات المفتوحة. وعرضت الورقة الموقع الجغرافي لمنطقة الدراسة، وهو حي المقطم في محافظة القاهرة. واستعرضت المخطط العام والأسس التخطيطية التي قامت عليها المنطقة، والمراحل الثلاث للمشروع والكلفة المالية التي تخطت 3.35 مليارات جنيه، بحسب ما هو معلن على المواقع الرسمية.
اتخذت الورقة إطار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كمؤشر لتقييم المنطقة. فتمثّل المؤشر الأول في تقييم طرق الضمان القانوني لشغل المسكن. إذ ينبغي أن تتوفر جميع الضمانات القانونية التي تحمي السكان من إخلاء منازلهم بالإكراه. وكان المؤشر الثاني قياس الحصول على الموارد الطبيعية ومياه الشرب النظيفة، والطاقة لأغراض الطهي والتدفئة والإضاءة، والمرافق الصحية، والتخلص من النفايات، والصرف الصحي، والوصول إلى الطوارئ. أما المؤشر الثالث فهو تقييم ملاءمة تكاليف السكن للدخل الشخصي للفرد، والقدرة على تحملها بالإضافة إلى تكاليف المعيشة اليومية له ولأسرته. ويبرز المؤشر الرابع في تقييم ملاءمة السكن لحجم الأسرة لجهة مساحته، وحمايتها من البرد والرطوبة والحر وانتشار العدوى. وتَمثّل المؤشر الخامس في تقييم الوصول والحصول على المسكن الملائم لجميع المتضررين من إزالة منازلهم، وفي الحاجة إلى توفير مسكنٍ بديل. وتمثل المؤشر السادس في تقييم ملاءمة موقع السكن من ناحية توافر فرص العمل، والوصول إلى الخدمات الأساسية والصحية، والرعاية الصحية والخدمات التعليمية، والخدمات الاجتماعية. وبرز المؤشر السابع في تقييم تعبير السكن عن الهوية الثقافية والاجتماعية للسكان، وتطويع التصميم الخارجي والداخلي وتنسيق الموقع لهذا الهدف.
اقرأ المزيدالمقدمة
واجهت مصر، في سياق تاريخي طويل، تحديات جسيمة تمثلت في أزمات إسكانية، نتج عنها انتشار كبير لمناطق الإسكان غير الرسمي. ويرجع ذلك جزئياً إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وندرة مواد البناء. وكان للسياسات الحكومية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي دور كبير في ظهور فجوة بين العرض والطلب في سوق الإسكان، ما أدى إلى زيادة في حجم المناطق العشوائية. واستمر هذا الارتفاع بمعدلٍ متسارع مع تعاقب الحكومات المصرية، وتزايد حجم الهجرة الداخلية والخارجية خلال النصف الثاني من القرن الماضي، حتى أصبحت المناطق العشوائية جزءاً لا يتجزأ من الواقع المصري. ووصل الأمر إلى حدّ استخدامها كأداة لخدمة المصالح السياسية للحكومات في الألفية الجديدة.
شهدت مصر تطوراً كبيراً في معالجة المناطق العشوائية خلال العقد الأخير. يأتي هذا التطور في سياق مخطط القاهرة 2050 الذي أعدّته عام 2008 الهيئة العامة للتخطيط العمراني. ويهدف هذا المشروع إلى القضاء على المناطق العشوائية في القاهرة. فبدأت الحكومة المصرية التعامل مع هذه المناطق وفقاً لتصنيف صندوق تطوير المناطق العشوائية المناطق غير الآمنة ضمن أربع فئات وفقاً لدرجات خطورتها.
في ظل تعامل الحكومة المصرية مع المناطق العشوائية وسكانها، تبحث هذه الورقة في تقييم السياسات العامة للدولة المنتهجة لإقامة تجمعات عمرانية جديدة كمناطق لإعادة إسكان القاطنين في المناطق غير المخططة ومناطق إعادة التخطيط. واختيرت منطقة الأسمرات في حي المقطم للدراسة والتقييم، كأحد أبرز المشاريع الحكومية التي انطلقت في العقد الماضي، كمسكنٍ بديل لسكان عددٍ من المناطق العشوائية التي قررت الحكومة إزالتها ونقل سكانها، للبدء في مشروعات التنمية الحضرية، خصوصاً أن هذه المنطقة حديثة، لم تُجرَ عليها دراسات أكاديمية، ما عدا عدد قليل من الأوراق البحثية العمرانية المنشورة.
تطرح الورقة في بداية العملية البحثية سؤالاً رئيسياً، هو ما مدى تلبية التجمعات العمرانية البديلة للاحتياجات الأساسية للسكان؟ وهل يحقق مشروع الأسمرات الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كونه مشروعاً سكنياً ملائماً؟
تحلّل هذه الورقة منطقة الأسمرات كمنطقة سكنية ملائمة ضمن إطار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقانون البناء الموحد ولائحته التنفيذية في التعامل مع المناطق غير المخططة، ومناطق إعادة التخطيط، والقانون رقم 10 لعام 1990 الخاص بنزع الملكية.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.