تمهيد
بعد عقود من هيمنة الطابع الذكوري على المؤسسات التمثيلية، شرع المغرب منذ بداية الألفية في وضع تدابير انتقالية للتمييز الإيجابي لفائدة النساء في المجال السياسي، عبر سلسلة من الإصلاحات ترتب عنها تيسير ولوج المرأة للبرلمان بفضل إعمال الكوتا النسائية، التي أسهمت في التخفيف من وطأة التحيزات التي طالما كرست استحواذ الذكور على المجال الانتدابي. وأدى التحسين التدريجي لنظام الحصص إلى توسيع هوامش مشاركة النساء بالمؤسسات التمثيلية، وخاصة مجلس النواب وبدرجة أقل مجلس المستشارين، مع استحضار أكبر لمقارنة النوع الاجتماعي في بنية السلطة التنفيذية.
لكن القراءة الإحصائية لمؤشرات التمثيلية البرلمانية قد تعطي صورة مزيفة عن حقيقة التمكين السياسي للمرأة، حيث أثبتت التجارب السابقة تكريس الكوتا لبعض مظاهر الريع الانتخابي بإنتاج طبقة سياسية استغلت التدابير التمييزية للاستحواذ على المهام الانتدابية بحكم توظيفها علاقات القرابة والمصالح، بدل إعطاء الأولوية للنساء المناضلات اللواتي تدرجن في محاضن الأحزاب والشبكات المدنية والحقوقية. في ضوء ذلك نتساءل عن سياقات تضمين الكوتا النسائية بالنظام الانتخابي المغربي، وعن مكاسبها الإيجابية، وكذا تداعياتها السلبية وممكنات إعادة توجيهها لتخدم رهانات التمكين السياسي الفعلي للنساء.
لتحليل هذه الإشكالات، سنناقش في محور أول مسارات ومآلات التمثيلية البرلمانية للنساء بالمغرب قبل وبعد إقرار الكوتا. وننتقل في المحور الثاني إلى جرد تأثيراته الإيجابية على نظام الحصص مع استنطاق ما تحجبه الأرقام من تداعيات، واستشراف فرص تحسين تدابير التمييز الإيجابي بما يرفع من فاعلية الدور السياسي للمرأة ويرتقي بمساهمتها في صنع السياسات العمومية.
أولا- تحولات التمثيلية السياسية للمرأة بالمغرب: السياقات والمؤشرات
تميزت المشاركة السياسية للنساء بالمغرب بالمحدودية والتذبذب في ظل إكراهات متعددة، وشكلت آلية الكوتا مدخلا أساسيا لتعزيز ولوجهن للبرلمان كآلية انتقالية لجعل المجتمع يتقبل "وجودهن السياسي". وإذا كانت هذه الآلية قد أسفرت عن تحقيق عدة مكتسبات يعكسها التنامي التدريجي لعدد النساء بالبرلمان، فإن مؤشراتها ظلت غير مستقرة بحكم ضعف تحصينها بالقدر الكافي من الضمانات التشريعية والسياسية.
مسارات تطور التمثيلية البرلمانية للنساء بالمغرب
أقر المغرب بشكل مبكر المساواة بين الجنسين في الحقوق السياسية منذ السنوات الأولى للاستقلال بموجب عدة تشريعات توجت بدستور 1962. في ضوء ذلك أصبح بإمكان المرأة المغربية ممارسة حقها في التصويت والترشيح منذ أول انتخابات عرفها المغرب المستقل سنة 1963. لكن الممارسة الانتخابية أثبتت أن هذه المساواة تم اختزالها في حق التصويت، بحيث لم يتبلور فعليا حق المرأة في الترشيح إلا سنة 1977 بتقدم ثمان نساء للانتخابات التشريعية دون أن يسفر ذلك عن فوز أية مرشحة. ورغم ارتفاع عدد الترشيحات في انتخابات 1984 فإن البرلمان ظل "مؤسسة ذكورية" موصدة في وجه النساء، نتاج جذور سوسيوثقافية ترسخ ثقافة سياسية متحيزة للذكور، وفي ظل نظام انتخابي يهيمن عليه الاقتراع الفردي الذي كان يقلل من حظوظ النساء في النجاح بالانتخابات.
شكلت سنة 1993 تحولا فارقا بدخول امرأتين لمجلس النواب من بين 36 مرشحة في الانتخابات التشريعية، بفضل تغييرات في الهندسة الانتخابية بعد إقرار جزئي لنمط الاقتراع اللائحي والدينامية السياسية المتولدة عن تقديم لوائح انتخابية مشتركة بين قطبي المعارضة (حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال)، حيث أسفرت التوافقات عن تزكية قيادات نسائية بعدة دوائر انتخابية نجم عنها فوز مرشحة من كل حزب في مدينتي فاس والدار البيضاء. نفس النتيجة ستتكرر في انتخابات 1997 التي كرست القطع مع ظاهرة احتكار الرجال للانتداب البرلماني منذ بداية الانتخابات التشريعية بالمغرب، لكنها ظلت نسبة هزيلة مقارنة مع تضاعف عدد الترشحات النسائية التي قاربت 90 ترشيحا وارتفاع سقف المطالب السياسية في سياق تحولات الانتقال الديموقراطي إثر انطلاق تجربة التناوب التوافقي والانفتاح السياسي في المغرب.
مع بداية الألفية أصبح المجال السياسي أكثر تنوعا كما تعززت بشكل ملحوظ ضمانات حقوق الإنسان بالمغرب، وتصاعدت ديناميات التمكين القانوني لحقوق المرأة، بنشر اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة بالجريدة الرسمية في 18 يناير 2001 وتعديل وإصدار عدة نصوص تشريعية رامت النهوض بأوضاع النساء. ضمن هذا المسار الإصلاحي شكلت سنة 2002 منعطفا فاصلا في مسار التمثيلية البرلمانية بتخصيص ثلاثين مقعدا لفائدة النساء لمجلس النواب، وبفضل هذا الإجراء أسفرت تشريعيات 2002 عن فوز النساء ب 35 مقعدا ثلاثون منها بموجب نظام الكوتا، وخمسة أخرى ضمن اللوائح المحلية بفضل تطبيق نمط الاقتراع اللائحي في الدوائر الكبرى، وهو ما أسهم في ارتفاع نسبة التمثيلية النيابية للنساء التي انتقلت من 0.6% إلى حوالي 11% مما جعل المغرب يتصدر الدول العربية، ويتقدم خطى حثيثة على المستوى الدولي باحتلاله الرتبة 71 في ترتيب البرلمانات على مستوى المشاركة النسائية.
ضمن نفس الإطار التشريعي جرت انتخابات أيلول/سبتمبر 2007، حيث استمرت الأحزاب السياسية في الالتزام بتخصيص 10% من مقاعد مجلس النواب للنساء، لكن نتائج الانتخابات أسفرت عن تراجع طفيف في تمثيلية النساء بمجلس النواب (10.47%)، بسبب تراجع عدد البرلمانيات الناجحات عن طريق اللوائح المحلية من خمسة إلى أربعة، نتيجة تراجع معدل ترشيح النساء كَوَكِيلات للوائح المفتوحة والذي لم يتعد 3% بسبب إحجام معظم الأحزاب السياسية عن ترشيح النساء على رأس القوائم المحلية.
في خضم الارتدادية السياسية للربيع العربي، طُرح التمكين القانوني للمرأة في المغرب ضمن حزمة الإصلاحات الدستورية الرامية إلى تمتيع كافة المواطنات والمواطنين بالحقوق والحريات الأساسية. وأكد دستور 2011 على سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء بموجب الفصل 19، مع التنصيص على وضع أحكام لتسهيل وصول المرأة على قدم المساواة إلى المناصب التي تشغل بالانتخاب بموجب الفصل 30. وفي ضوء ذلك تم الرفع من عدد مقاعد الكوتا إلى تسعين مقعدا موزعة بين ستين مقعدا لفائدة النساء فيما خصصت المقاعد الأخرى للشباب، ونتاج ذلك فقد تضاعف عدد البرلمانيات ليصبح 67 بفضل نساء نجحن ضمن اللوائح المحلية، لكن تحسن نسبة التمثيلية النسائية (%16.96) ظل دون انتظارات الحركة النسائية، ولم يعكس الإقبال المتزايد للنساء على المجال السياسي لأنه بالاقتصار على عدد الناجحات عبر اللوائح المحلية فإن نسبة التمثيلية بمجلس النواب لم تتجاوز 9%، جرَّاء مجموعة من عوامل لعل أبرزها هيمنة أعيان الانتخابات على لوائح الترشيح، التي لم تتصدرها النساء سوى بنسبة 5.24%.
في إطار التحضير لثاني انتخابات تشريعية في ظل دستور 2011 تم الاحتفاظ بنفس المقتضيات الخاصة بتحفيز المشاركة النسائية مع تعديل طفيف لم يخل من دلالة، حيث نص القانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 20.16 على تغيير قواعد الكوتا الشبابية لتستحضر مقاربة النوع الاجتماعي، باشتراط التناوب في الجنسين في ترتيب اللائحة، وهو ما عكسته نتائج انتخابات 2016 التي سجلت تحقيق معدل قياسي في تمثيلية النساء بالغرفة الأولى لتقارب لأول مرة نسبة21%، بحصولهن على 81 مقعدا، ستون منها برسم اللائحة الوطنية و11 ضمن لائحة الشباب وعشرة أخرى حازتها مرشحات في إطار التنافس المفتوح بالدوائر المحلية.
مؤشرات التمثيلية السياسية للمرأة بالمغرب في ضوء انتخابات 2021
جرت انتخابات 2021 في ظل تحولات فرضت مراجعة الإطار التشريعي للانتخابات، ومن ضمن المستجدات ذات الصلة بالمشاركة النسائية نذكر توسيع وعاء الكوتا ليصبح تسعين مقعدا بعد حذف اللائحة المخصصة للشباب، مع إدماج البعد الجهوي، حيث تم الانتقال من منطق الدائرة الوطنية إلى منطق ترابي في إطار دوائر جهوية موزعة بحسب الثقل الديموغرافي لكل جهة، وهو تدبير تقني لا يخلو من مُسحة سياسية، ومن إرادة تجاوز حالة التمركز التي طبعت التجارب السابقة حيث كان القسط الأوفر من مقاعد الكوتا تستحوذ عليه مرشحات محور الرباط-الدار البيضاء، وذلك بفعل الأثر المُهيكِل للمركزية المفرطة في منح التزكيات بكيفية غيبت إلى حد بعيد الديناميات المحلية التي خلقتها النساء في مناطق الهامش، وهو ما كان يحول دون توفير الشروط الدنيا لتشكل النخب النسائية الجهوية وترقيها في مدارج المسؤوليات الانتخابية، ويحد من استفادتها من التجارب الانتدابية التي راكمتها في الولوج للمؤسسة التشريعية.
أفرزت انتخابات أيلول/سبتمبر 2021 تطورا ملموسا في تمثيلية النساء بمجلس النواب، بحصولهن على 96 مقعدا، تسعون منها ضمن حصة الكوتا والباقي خارج منطق المحاصصة. وإذا كانت نسبة تمثيلية المرأة بالغرفة الأولى قد سجلت نقلة نوعية (24.30%) فإن نسبة البرلمانيات الناجحات عبر اللوائح المحلية عرفت تراجعا ملحوظا، مقارنة بتزايد الترشيحات النسائية التي تجاوزت نسبتها 34.2%، في ظل إقرار تدابير جديدة كان من المفروض أن تعزز حظوظهن الانتخابية مثل مزامنة الانتخابات التشريعية مع الانتخابات الجهوية والجماعية، وإلغاء العتبة، وجعل القاسم الانتخابي يُحتسب على أساس عدد المسجلين بدل الصيغة السابقة التي كانت تجعله على أساس عدد المصوتين، بكيفية تٌيسِّر فرص الولوج للبرلمان بأقل عدد ممكن من الأصوات.
ضمن نفس المنحى، تزايد عدد المستشارات البرلمانيات إثر انتخابات 5 أكتوبر 2021، التي أسفرت عن فوز 14 مستشارة من بين مقاعد الغرفة الثانية البالغ عددها 270 مقعدا بمعدل قياسي يقارب 12%، مما مكن من مراكمة المكتسب الناتج عن اعتماد مبدأ التناوب بين الجنسين كآلية تشريعية للرقي بتمثيلية النساء داخل مجلس المستشارين سنة 2015، حيث تم الانتقال من نسبة 2.2% سنة 2009 إلى 11.66 سنة 2015 ، لكن هذا التطور الملموس وإن كان قد شكل قطيعة مقارنة بالمراحل السابقة فإنه لم يتساوق مع نسبة تواجد المرأة بمجلس النواب، بسبب التراخي الملحوظ من قبل الأحزاب والنقابات في تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 28.11، التي تنص على أن كل لائحة من لوائح الترشيح يجب أن لا تتضمن اسمين متتابعين لمترشحين اثنين من نفس الجنس.
من جهة أخرى، لم ينعكس تزايد عدد النساء بمجلس المستشارين على تمثيليتهن في أجهزته، وخاصة مكتب المجلس الذي لم يضم سوى مستشارة واحدة كأمينة للمكتب مقابل 10 مستشارين يتحكمون في الجهاز التقريري للغرفة الثانية، نفس الأمر ينطبق على رئاسة اللجان الدائمة للمجلس التي كادت تسند للرجال بشكل تام لولا إسناد لجنة الخارجية لممثلة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وفي المقابل انعكس تحسن تمثيلية المرأة بمجلس النواب على موقعها داخل هياكله مقارنة بالمراحل السابقة، حيث أسفرت عملية تجديد هياكل المجلس عن انتخاب ثلاث نائبات للرئيس وترؤس امرأتين للجنتي الخارجية ومراقبة المالية العامة.
شكل تطور تمثيلية المرأة بالبرلمان رافعة أساسية لإسناد مساعي "تأنيث" السلطة التنفيذية، حيث انتقلت نسبة النساء الوزيرات في الحكومة من 5.12% سنة 2000 مع حكومة التناوب إلى12.5% مع أول حكومة في ظل دستور 2011 إلى 16.7% سنة 2019، وصولا إلى 28% إثر تشكيل الحكومة المنبثقة عن اقتراع 8 أيلول/سبتمبر 2021، والتي ضمت سبع وزيرات ضمن تركيبة حكومية تتألف من 25 وزيرا. وإلى جانب التطور الكمي ثمة مؤشر آخر أكثر دلالة يتمثل في منح النساء حقائب وزارية ذات وزن سياسي مهم كوزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الانتقال الرقمي والسياحة، مقارنة بالتجارب الحكومية السابقة التي اقترن فيها استوزار النساء بحقائب نمطية كالتضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، مع الارتقاء بموقعهن في السلم البروتوكولي للسلطة التنفيذية بتعيينهن كوزيرات بدل كاتبات دولة يمارسن مهامهن بتفويض من الوزير المعني كما كان في السابق.
إن مؤشرات المشاركة السياسية للنساء لا يجب أن تٌناقش بمعزل عن التحولات الجارية على الصعيد الدولي، بل على العكس من ذلك من المفروض أن تعكس التطور ومدى انضباط المغرب لالتزاماته الدولية، لكن المعطيات الرقمية تثبت عدم بلوغ المغرب لمعدل %30 الذي وضعه الاتحاد البرلماني الدولي، حيث ظل ترتيب المغرب في سلم التمثيلية البرلمانية للنساء يعرف حالة من التذبذب بفعل ضعف نسبة النساء بالغرفة الثانية، والتباطؤ الملحوظ في الإدماج السياسي للنساء مقارنة بالتحولات الدولية، كما يظهر الجدول التالي:
السنة |
وطنيا |
عربيا |
دوليا |
الرتبة |
2002 |
10.76 |
6.8 |
15.7 |
71 |
2007 |
10.5 |
9.6 |
17.7 |
102 |
2011 |
16.96 |
10.7 |
21.8 |
77 |
2016 |
20.5 |
18 |
23.3 |
89 |
2021 |
24.30 |
17.8 |
25.9 |
99 |
تطور التمثيلية البرلمانية للنساء بالمغرب في ضوء المؤشرات الدولية، تركيب شخصي من خلال تقارير دولية وإقليمية
يُبرِز هذا الجدول أن تصاعد الحضور البرلماني للنساء بالمغرب لم يواكب الدينامية التي عرفتها برلمانات العالم، حيث لايزال المغرب ضمن الفئة السادسة في تصنيف الاتحاد البرلماني الدولي، نفس التذبذب حاصل على المستوى الإقليمي، لأن تجاوز المغرب للمتوسط العربي في تمثيلية النساء بالبرلمان لم ينعكس على ترتيبه باحتلاله الرتبة التاسعة عربيا والخامسة والعشرين إفريقيا ، بحكم الطفرة المفاجئة التي عرفتها تمثيلية النساء في بعض الدول العربية والإفريقية في السنوات الأخيرة مثل السنغال التي تحتل الرتبة 18 ورواندا التي تتصدر الترتيب الدولي من حيث عد النساء بالبرلمان.
بجانب هذه المؤشرات الكمية ثمة معطيات أخرى ذات طابع كيفي تدفع بعض تفاصيلها إلى النبش في حقيقة التمكين السياسي للنساء، ومستوى تجسيده للرهانات التشريعية ومدى جدية الفاعلين السياسيين في التقدم نحو المناصفة كهدف ذو قيمة دستورية، بدل تبخيس الرهانات السياسية لنظام الكوتا الذي يكاد يتحول إلى منفذ لتكريس الريع الانتخابي وإلى كابح أمام إقرار الحقوق السياسية للنساء والارتقاء بدورهن في المؤسسات التمثيلية.
ثانيا: ارتدادات نظام الكوتا ومداخل تعزيز التمثيلية السياسية للنساء بالمغرب
على الرغم من التقدم الحاصل في أعداد النساء بالبنيات التمثيلية فإن الطريق نحو المناصفة لازال طويلا، على اعتبار أن بلوغ هذا الأفق يستلزم مراجعة مجمل التدابير الرامية للارتقاء بالمشاركة السياسية للنساء ضمن رؤية مندمجة لحقوق النساء، بجعل التمكين السياسي للمرأة واجهة لتعزيز دورها الاقتصادي والاجتماعي، وفي نفس الوقت آلية لتصحيح مختلف أشكال التفاوت على أساس الجنس.
تداعيات نظام الحصص على فعالية المشاركة السياسية للنساء بالمغرب
تنتج القراءة السطحية لنتائج الانتخابات استنتاجات مطمئنة حول الوضع التمثيلي للمرأة المغربية بالبرلمان، لكن النفاذ إلى ما وراء الأرقام ومساءلة دلالاتها قد يعطي صورة مغايرة حول فعالية هذا التقدم، ومدى انضباطه للمنهجية الديموقراطية، وخاصة من حيث تمثله للمعايير المتحكمة في انتقاء وترتيب النساء بلوائح الكوتا، والتي غالبا ما تهيمن عليها علاقات القرابة والزبونية، حيث تشير المعطيات الأولية لانتخابات 2021 إلى أن حوالي خمس البرلمانيات تربطهن علاقات الأخوة أو البنوة أو الزوجية مع قيادات أحزابهن، وفي المقابل قلما تجد النساء المناضلات -اللواتي تدرجن في مناصب المسؤولية التنظيمية والتمثيلية- الفرص الكافية للولوج للبرلمان في ظل سيادة الممارسات "الريعية" لدى معظم الأحزاب، وهو وضع سيزداد تفاقما طالما لم يتم إعمال استحقاقات الديموقراطية الداخلية في تدبير التنظيمات الحزبية.
إن تغلغل منطق الريع له تداعيات وخيمة على فعالية النساء بالمؤسسات التمثيلية. فالتأثير الأبرز في الترافع لفائدة النساء كان بفضل البرلمانيات المتشبعات بثقافة النوع، وعلى العكس فمن ولجن للبرلمان عبر مسالك تقليدية لم يكن لهن أي إسهام يذكر في جعل السياسات العمومية أكثر استجابة لاستحقاقات النوع الاجتماعي؛ بل أكثر من ذلك فعدد كبير منهن غير متملِّكات لآليات العمل البرلماني، حيث تظهر بعض الأبحاث الميدانية أن 69% من البرلمانيات لسن على دراية بعلاقة البرلمان بالحكومة و %40 لا يعرفن بالضبط طبيعة الاختصاصات المالية للبرلمان و %17 فقط متمكنات من تقنية الأسئلة الشفوية.
من جهة أخرى، لم تحل التأثيرات الإيجابية للكوتا النسائية دون ظهور آثار عكسية حدت إلى حد بعيد من دورها في تجسيد مقاربة النوع الاجتماعي في المجال السياسي وفي ضمان تنخيب "طبيعي" للنساء ضمن مجال تنافسي تعددي يسمح بفوز مرشحات بالدوائر المحلية نتاج ديناميات مؤسسية وسياسية مشجعة. على العكس من ذلك، يمكن القول أن الكوتا قد ساهمت في إبطاء سيرورة اقتحام المرأة للمجال الانتدابي، حيث غالبا ما تجد الأحزاب السياسية ضالتها في اللوائح المخصصة للنساء لإقصائهن من المشاركة في اللوائح المفتوحة. فمن خلال تتبع نتائج الانتخابات بعد إقرار نظام الحصص سنة 2002 يظهر وجود تناقض صارخ بين ارتفاع مقاعد الكوتا وتراجع المقاعد المحلية كما يظهر الجدول التالي:
السنة |
تركيبة مجلس النواب |
اللائحة الوطنية |
اللوائح المحلية |
النسبة العامة |
العدد الإجمالي |
عدد النائبات |
العدد |
النسبة |
العدد |
النسبة |
1993 |
222 |
0 |
- |
- |
2 |
0.90 |
0.90 |
1997 |
325 |
0 |
|
|
2 |
0.61 |
0.61 |
2002 |
325 |
35 |
30 |
9.23 |
5 |
1.53 |
10.76 |
2007 |
325 |
34 |
30 |
9.23 |
4 |
1.23 |
10.46 |
2011 |
395 |
67 |
60 |
15.18 |
7 |
1.77 |
16.96 |
2016 |
395 |
81 |
71 |
17.97 |
10 |
2.53 |
30.50 |
2021 |
395 |
96 |
90 |
22.78 |
6 |
1.51 |
24.30 |
تطور نسبة البرلمانيات بالمغرب بين اللائحة الوطنية واللوائح المحلية، تركيب شخصي
من خلال الجدول أعلاه يتبين أن تطور المعدل العام لحضور النساء بمجلس النواب تم بفضل الرفع من عدد مقاعد الكوتا، لكن ذلك حد من فرص ترشيح النساء ب"دوائر آمنة"، حيث يتبين وجود علاقة عكسية بين توسيع نسب الكوتا وبين عدد البرلمانيات اللواتي ولجن للبرلمان عبر الدوائر المحلية منذ إقرار نظام الكوتا بالانتقال من 5 سنة 2002 إلى 7 في 2011 ليقفز إلى 10 سنة 2016 وليرجع تقريبا إلى نقطة الصفر بولوج ست نساء فقط لمجلس النواب في تشريعيات 2021، التي رغم كونها جرت في ظل نظام انتخابي محفز ومناخ سياسي تهيمن عليه "الأحزاب الليبرالية" فإن ذلك لم يرفع من حظوظ النساء في الظفر بمقاعد برلمانية خارج دائرة الكوتا، بحكم استمرار المنطق البراغماتي الذي يجعل الأحزاب ترشح النساء في أسفل اللوائح، إضافة إلى عوامل موضوعية ترتبط بالهندسة الانتخابية، بحكم هيمنة الدوائر الانتخابية ذات الطابع القروي والاقتراع الفردي الذي غالبا ما يصب في صالح الرجال.
مؤشر آخر لا يقل أهمية يتمثل في ضعف أثر الكوتا الانتخابية في تصحيح فجوات العدالة التمثيلية. فنظام الكوتا لم يساعد البرلمانيات على إعادة الانتخاب في البرلمان أو مراكمة الخبرات المكتسبة في تولي مناصب انتدابية بالمجالس الجماعية والجهوية، في الوقت الذي كان من المفروض منه أن يستفدن من مهامهن الانتدابية في تشييد شبكات علاقات وموارد تمكنهن من اقتحام المنافسة الانتخابية وتؤهلن للرجوع للبرلمان عبر اللائحة المحلية، وهو أمر لم يحدث إلا في حالات معدودة، لأسباب متعددة ترتبط بضعف التنسيق بين البرلمانيات السابقات، وتراجع الأدوار الترافعية والتأطيرية للمنظمات النسائية التابعة للأحزاب السياسية، فضلا عن عوامل أخرى ذات سوسيوسياسية على اعتبار أن المنافسة بالدوائر المحلية تحتاج إلى تجذر بالقاعدة الانتخابية وإلى امتلاك الوسائل الكافية لمواجهة المرشحين الذكور الذين يملكون قدرات تأثير هائلة.
هذه التمظهرات تظهر بجلاء محدودية الضمانات القانونية، فالنصوص المؤطرة للانتخابات التشريعية أفرغت مبدأ المناصفة من رهاناته الدستورية بدل تطعيم النظام الانتخابي بتقنيات تجعل هذا المبدأ يمنح المرأة نصف إمكانيات الترشيح في اللوائح المحلية والوطنية. ورغم أن القانون التنظيمي لمجلس المستشارين قد تمثل مقتضيات الدستور بتنصيصه على تقنية التناوب، فإن تأثير ذلك على نتائج الانتخابات كان محدودا للغاية، بحكم الطابع غير المباشر للانتخابات وطبيعة النخب السياسية والمهنية المتنافسة، حيث غالبا ما تمنح وكالة اللوائح للرجال مما يضعف حظوظ النساء اللواتي يم ترتيبهن في الرتبة الثانية، خاصة بالنسبة لبعض الدوائر التي من الصعب جدا أن تفرز فوز شخصين من نفس اللائحة.
عوض أن تعمل الأحزاب السياسية على تجاوز قصور التشريع الانتخابي المتحيز لقيم الذكورة، فقد ساهمت في تكريس التمييز في الولوج للوظائف الانتخابية، وحتى التقدم النسبي للنساء في التواجد بالهياكل الحزبية لم يحل دون استمرار الاستئثار الذكوري بالقرار الحزبي، فيما ظلت النساء شبه مَقصِيات من الأجهزة القيادية التي تصنع التحالفات وتحسم في الترشيحات، مما يظهر حجم العمل الذي يتعين القيام به للرقي بوضعية النساء داخل الهياكل الحزبية، وهذا يعني أن تحقيق المساواة بين الجنسين في التمثيل البرلماني وفي المشاركة في القرار العمومي بشكل عام يقتضي بلورة مقاربة شمولية تزاوج بين الأبعاد التشريعية والسياسية والثقافية.
آفاق إسهام الكوتا الانتخابية في ترسيخ التمكين السياسي للنساء بالمغرب
أصبحت مشاركة المرأة في الحياة السياسية ووصولها إلى مؤسسات صنع القرار، ولاسيما البرلمان، مؤشرا حاسما لقياس مدى تمتيعها بحقوقها السياسية، غير أن التمثيلية البرلمانية لا تقتصر فقط على المؤشرات العددية. فمهما بلغ عدد البرلمانيات فإن تأثيرهن سيظل محدودا إذا لم يتم إشراكهن في تحمل المسؤولية عبر الرفع من نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب قيادية برلمانية (رئيس برلمان ورئيس لجنة ورئيس مجموعة برلمانية) وتجاوز التعامل مع عدد النساء في البرلمان كمؤشر لقياس المشاركة السياسية لأن المساهمة في رسم السياسات العمومية لا يقتصر فقط على التواجد بالمؤسسات التمثيلية، بل في كل المناصب العمومية.
ارتباطا بذلك، أصبح من الضروري بلورة منظور شمولي للتمكين السياسي للمرأة بدل الاقتصار على آلية الكوتا في ضوء مآلات التجارب الدولية. وتظهر معطيات الاتحاد البرلماني الدولي أن الدول التي تسجل أكبر نسبة للتمثيلية البرلمانية للنساء لا تفرض أية كوتا تشريعية؛ وعلى العكس من ذلك فالتمثيلية السياسية للنساء في الدول التي تفرض الكوتا تتميز بعدم الاستقرار، فبمجرد تضييق نطاقها أو التخلي عنها يتراجع عدد البرلمانيات مما حتم إعادة العمل بنظام الحصص، على غرار رواندا حيث تهاوت نسبة تمثيلية النساء بمجرد إلغاء نظام الكوتا، وكما حدث في مصر فعلى إثر قرار المحكمة الدستورية القاضي بعدم دستورية القانون 188/1979 تراجع عدد عضوات مجلس الشعب من 30 سنة 1979 الى تسعة سنة 1995.
إن الكوتا بشكلها الحالي قد استنفذت أغراضها كآلية مرحلية يتم التخلي عنها بعد تعود النساء على العمل السياسي. لكن عقودا من الممارسة حولتها إلى آلية لتحجيم المشاركة السياسية للنساء وحصرها في قوالب تمييزية أصبحت تنتج آثارا عكسية، يتعين لتفاديها العمل على جبهات مختلفة يكون النظام الانتخابي ونظام الكوتا إحداها فقط. اذ من الضروري مراجعة مساطر هذه الكوتا لتخدم رهاناتها الديموقراطية، بالحرص على تمثيل نساء من مختلف المناطق والحساسيات السوسيو-مهنية، وكذا جعلها أكثر تساوقا مع الهرم السكاني انطلاقا من كون %52 من السكان نساء وأن %76 منهن لا يتجاوز سنهن 44 سنة مما يقتضي فسح المجال أكبر للشابات. كما يجب توحيد معدلات الكوتا بين مختلف المؤسسات التمثيلية لتشمل مجلس المستشارين، مع الانفتاح على تقنيات تمييزية أكثر فعالية لتحسين فرص التكافؤ الحقيقية في الانتخابات حتى يكون للنساء حظ أكبر بالوصول الى المجالس النيابية، مثل فرض الترتيب التناوبي بين النساء والرجال في اللوائح الانتخابية والتنصيص على تدابير تفضيلية لضمان ولوج النساء المنتخبات لمناصب المسؤولية.
إن الكوتا مجرد إجراءات تمييزية من المفروض أن تكون محدودة في الزمن ضمن أجندة واضحة تتوخى تغيير العقليات الذكورية وجعلها تتقبل الدور السياسي للنساء. وبالتالي يتعين التأسيس لتمكين سياسي مستدام وفق مداخل متعددة لتعزيز التمثيلية البرلمانية للنساء لعل أبرزها المدخل الثقافي. فالتمايزات القائمة تمتح من مرجعيات تغذي المواقف المحافظة لإشراك المرأة في المجال السياسي، ولذلك فإن كل تغيير تشريعي يجب أن يسند بتحول سوسيولوجي عبر مجهود فكري وبيداغوجي للقضاء على الممارسات التمييزية ولتذويب التمثلات التي تعيق ولوج النساء للمجال العام وبشكل أخص للمجال الانتدابي كمدخل أساسي لتعزيز تأثيرهن في السياسات العمومية وجعلها أكثر إنصافا وأكثر استجابة لحاجيات الفئات العريضة من المجتمع وفي مقدمتها النساء.
يمكن للمجتمع المدني أن يسهم بفعالية في التخفيف من الذهنية الذكورية التي لازالت تربط المرأة بالمجال الخاص وتعتبرها ليست على قدرٍ كافٍ من الدراية أو المهارة لتخوض غمار السياسة، عبر تعبئة مختلف الفعاليات المدنية من أجل تكريس قيم المساواة والإنصاف في الفضاء العمومي. وبهذا الخصوص تبرز أهمية إعادة توجيه التمويل العمومي المخصص لدعم تمثيلية النساء، عبر مراجعة مساطر تمويل البرامج الهادفة إلى تقوية القدرات التمثيلية للمرأة، مع التقييم المستمر للمشاريع الممولة لضمان إسهامها في تعزيز ديناميات ترشيح النساء وتعزيز حظوظهن للولوج للمؤسسات التمثيلية.
إن تجسيد مقاربة النوع في المجال السياسي يتوقف كذلك على اتخاذ تدابير أكثر صرامة للارتقاء بموقع المرأة في الهيئات التقريرية للأحزاب والنقابات التي لازال أغلبها يتعامل ببرغماتية مع استحقاقات تمثيل النساء، مما يفرض إسقاط منطقي المصلحة والولاء في خيارات الترشيحات للاستحقاقات الانتخابية، والتمسك بالانفتاح على الطاقات المدنية والسياسية للنساء، مع خلق بنية داخلية لتمويل ومواكبة حملاتهن وخاصة في الدوائر القروية وشبه الحضرية التي تتطلب تعبئة إمكانيات مهمة لتغطيتها.
على صعيد العلاقة بالرأي العام يتعين تجاوز هيمنة النزعة الذكورية في تمثيل الأحزاب بمنصات التواصل ووسائل الإعلام، والحرص أكثر من ذي قبل على تعزيز الحضور الإعلامي للنساء البرلمانيات وتقديمهن كنماذج مثلى يحتذى بها وإبراز دورهن في تعديل المساطر والتشريعات والتأثير الفعال في السياسات العمومية، بما يفيد في إظهار مؤهلاتهن السياسية للنساء وجعل الرأي العام والكتلة الناخبة بشكل خاص أكثر إدراكا بأهمية التمكين السياسي للمرأة.
على الرغم من التحولات المتتالية للإطار التنظيمي لإدارة العملية الانتخابية فإن الإدارة المكلفة بتدبير الانتخابات لم تبذل مجهودا كبيرا في إشراك النساء في تدبير المسلسل الانتخابي، ولذلك فإن ضمان تنظيمها باستقلالية وشفافية يقتضي إدماج النوع الاجتماعي في مختلف مراحل الإدارة الانتخابية، من وضع التشريعات والتدابير إلى عمليات الإشراف، من خلال الحرص على تمثيلية النساء في مجمل البنيات واللجان المكلفة بتلقي الترشيحات ومراقبة عمليات التصويت والفرز.
غير أن مختلف التدابير الموجهة لترسيخ التمكين السياسي للنساء لن تُؤتي أكلها إلا بتجميعها ضمن فلسفة موحدة للتمييز الإيجابي، وهذا يحتم التسريع بإخراج القانون الخاص بالمناصفة، مع إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز، وتمتيعها بالصلاحيات ووسائل العمل الضرورية لتقوم بدورها في احترام الحقوق والحريات التي أقرها الدستور وفي مقدمتها تجسيد مسألة المناصفة السياسية في مختلف تجلياتها، مع النظر لحقوق المرأة في تكاملها عبر تعزيز التمكين التشريعي للمرأة في مختلف أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بدل حصره في المجال الانتخابي، بغية استئصال مختلف أشكال التفاوتات بين الجنسين، من خلال خطة متكاملة للتخفيف من مظاهر الفقر والبطالة والأمية في صفوف النساء، وتعزيز اندماجهن في النظام الاقتصادي كمدخل أساسي للرفع من تأثيرهن في السياسات العمومية.
خاتمة
من خلال تتبع وتحليل مؤشرات المشاركة السياسية للنساء يظهر أن المغرب قد خطا خطوات حثيثة نحو تعزيز الحضور النسائي بالمؤسسات التمثيلية، وهو ما يظهره التزايد المضطرد لنسبة تمثيلية المرأة بالبرلمان وخاصة بمجلس النواب، بفضل التوسيع التدريجي لهوامش الكوتا، وما ولدته من انعكاسات إيجابية بخصوص تزايد إشراك النساء في بنيات القرار الحكومي والتشريعي، لكن المعطيات العددية قد تكون صماء في الكثير من الأحيان ولا تسعف في الحكم على تتبع التأثيرات المُهيكِلة لنظام الكوتا في التخفيف من التحيزات الذكورية، بل على النقيض من ذلك قد توحي دلالاتها باتجاهات تراجعية في ظل هيمنة الخلفيات غير الديموقراطية في اختيار المرشحات، بشكل يهدد بتحويل الكوتا من آلية ظرفية للتمييز الإيجابي إلى غطاء لتبرير الريع السياسي، إضافة إلى طابعها الانتقائي في ظل استمرار التعامل مع بعض المؤسسات كأنها "حصون ذكورية" مثل مجلس المستشارين والهيئات المؤثرة في القرار العمومي مثل هيئات الحكامة.
تخلص الدراسة إلى أن المكاسب الآنية لنظام الحصص يجب أن لا تحجب تداعيات على مستقبل المشاركة السياسية للمرأة، وعلى حقيقة موقعها التمثيلي بالمؤسسات المنتخبة، إذ كلما تم توسيع عدد مقاعد اللوائح المغلقة كلما تراجع ولوج النساء للمؤسسات التمثيلية عبر اللوائح المفتوحة، حيث تجد بعض الأحزاب ضالتها في نظام الحصص لتعتقل النساء في "جيتو انتخابي" يعفيها من منافستهن بالدوائر المحلية، فضلا عن إضعاف تواجدهن بالأجهزة التنفيذية للمؤسسات التمثيلية، ووجود عدة قيود تحول دون تأثيرهن الفعال في جعل السياسات والبرامج العمومية أكثر استجابة لمتطلبات النوع الاجتماعي وتحقيق المساواة بين الجنسين.
إن تباين مؤشرات التمثيلية النسائية وعدم استقرارها يرجح فرضية كون الكوتا الانتخابية بشكلها الحالي قد استنفذت رهاناتها الحقوقية، وفقدت صلتها بالفكرة الديموقراطية كتقنية انتقالية في مسيرة التمكين السياسي للنساء الذي يجب أن يعاد النظر في استراتيجيته وأدواته، عبر تحديد أجندة ومساطر واضحة للتحسين التلقائي للتمثيلية السياسية للنساء بدل الرهان فقط على نظام الكوتا، وحتى إن اقتضت التوافقيات السياسيات الإبقاء على الكوتا فإن ذلك يجب أن يشيد وفق فلسفة جديدة وضمن حزمة متكاملة من التدابير توازن بين المداخل التشريعية والسياسية والإعلامية قصد القضاء على التحيزات التي تبطئ دينامية انخراط المرأة في المشهد السياسي، مع مراعاة التقاطعات الممكنة بين مختلف الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لحقوق النساء.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.