مقدمة
ارتفع الخطاب المناهض لمجتمع الميم في لبنان في السنوات الأخيرة، وبلغ ذروته في صيف 2023 عندما اتحد السياسيون والزعماء الدينيون وشخصيات مؤثرة أخرى لرفض تقديم مشروع قانون تاريخي يهدف إلى إلغاء تجريم المثلية الجنسية. سعى المقترح الذي قدمه نواب المعارضة في البرلمان إلى إلغاء المادة 534، وهو قانون يعود إلى الحقبة الاستعمارية ويجرّم "أي فعل جنسي مخالف للطبيعة". وفي حين أن مشروع القانون لم يسعَ إلى تقنين العلاقات الجنسية المثلية، إلا أنه أثار ردود فعل عنيفة من السياسيين من جميع الأطياف، ما أدى إلى حملة وطنية ضد حقوق وحريات مجتمع الميم.
تستكشف هذه الورقة البحثية التقاطع بين القومية والجندر والجنسانية في الخطاب السياسي اللبناني، لا سيما في استكشافها كيفية استخدام القادة السياسيين الخطاب المناهض لمجتمع الميم+ لتعزيز الهوية الوطنية وتأكيد السلطة الأخلاقية وحشد الدعم الشعبي. في النظام السياسي المجزّأ في لبنان، المتجذّر بعمق في الانقسامات الطائفية، غالبًا ما تُستخدم القومية كأداة لتوحيد المجموعات المتنوعة، ولكن نادرًا ما تكون هذه الوحدة شاملة للجميع. بدلًا من ذلك، غالبًا ما يعكس الخطاب القومي قيم الطوائف المهيمنة، وتُستخدم قضايا مجتمع الميم+ لترسيخ هذه الرؤية للهوية الوطنية. عبر تصوير المثلية الجنسية على أنها لا تتوافق مع التراث الديني والثقافي للبنان، يقوم القادة السياسيون والدينيون بمواءمة المشاعر المعادية لمجتمع الميم+ مع سردية أوسع للحفاظ على الهوية الوطنية.
تبحث هذه الورقة بشكل نقدي في كيفية تشكيل القومية للمواقف تجاه قضايا مجتمع الميم في لبنان، وتحلل كيف أن الخطاب المعادي لمجتمع الميم+ لا يهمّش الأفراد الكويريين/ات فحسب، بل يساهم أيضًا في تشكيل الهوية الوطنية والتحالفات السياسية. في نهاية المطاف، تجادل هذه الورقة أن تأطير المثلية الجنسية كتهديد للنسيج الاجتماعي اللبناني يعكس الاستخدام المتقاطع للقومية للسيطرة على السرديات الثقافية ودعم البنى الجندرية والعائلية التقليدية باعتبارها مركزية في النظام الأخلاقي للأمة.
السياق اللبناني
الجندر والجنسانية والأمة كمجتمع متخيّل
لقد كشفت الدراسات الحالية حول الجندر والجنسانية والقومية كيف تساهم التمثيلات الرمزية المجندرة في تشكيل الهوية الوطنية. على وجه التحديد، تم إيلاء الكثير من الاهتمام لدور النساء كرموز للأمة والطرق التي تتماشى بها الذكورة المهيمنة مع الأيديولوجيات القومية. ، ، ومع ذلك، فإن العلاقة بين القومية وذكورة الرجال غير المهيمنين لا تزال غير مستكشفة في الأدبيات ولا سيما في السياقات التي تتشكل فيها هذه الهويات عبر عوامل اجتماعية وسياسية متقاطعة، مثل الدين والبنى الأسرية ورهاب المثلية الجنسية.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن العلاقة بين الجنسانية والهوية الوطنية قد حظيت باهتمام متزايد، لا تزال هناك فجوة كبيرة في فهم كيفية تقاطع القومية والدين ورهاب المثلية للتأثير على المواقف تجاه مجتمعات الميم في الشرق الأوسط. تستدعي معالجة هذه الثغرات تحليلات أكثر دقة تأخذ بالاعتبار التفاعل المعقّد بين القومية والذكورة والجنسانية، وكيف تشكّل مجتمعةً الخطابات المجتمعية والسياسية في المنطقة.
استعارات القرابة في سياسات الدولة اللبنانية
في لبنان، استعارات القرابة – أي استخدام الاستعارات العائلية لتشكيل الهوية الوطنية وتعزيز التسلسل الهرمي الاجتماعي – مترسّخة بعمق في سياسات الدولة وقوانينها التي تقيّد حقوق المرأة وتعزّز الأدوار الجندرية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك استعارة الوطن كأم، والتي يتم التعبير عنها بوضوح في النشيد الوطني اللبناني. والنشيد يصور "الوطن" كشخصية أمومية تجسد صفات الرعاية والتربية، وهو ما يعزز بدوره فكرة أن دور المرأة ينحصر في المجال المنزلي ومجال تقديم الرعاية في الأسرة. وفي الوقت نفسه، يرتبط الرجال بالمجال العام كحماة وحكام، ما يرسخ التقسيم الجندري للسلطة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا يبني رؤية معيارية مغايرة للبنان وهويته الوطنية، ويهمّش أولئك الذين لا يلتزمون بالمعايير الجنسية التقليدية التي تدعمها الدولة القومية. تؤسس تقاطعات الجندر والأمة والجنسانية في الخطاب لأدوار جامدة للرجال والنساء، مرتبطة بالمُثُل السائدة للذكورة والأنوثة. وبالتالي، تُبنى الأمّة على أنها بطبيعتها مغايرة جنسيًا؛ ولا يتم تهميش أولئك الذين يختلفون عن هذه الثنائية فحسب، بل غالبًا ما يتم استبعادهم ووصمهم، ما يديم عدم المساواة المنهجية.
إن الاستخدام المجازي للقرابة لتعريف الهوية الوطنية، لا سيما في الخطاب السياسي، له تأثير عميق على التماسك المجتمعي. وتمتلك مصطلحات القرابة في الأيديولوجيات القومية، القوة السياسية لجعل "بعض الاختلافات تبدو طبيعية"، وبالتالي تعزيز الانقسامات المجتمعية. يجادل أندرسون (1983؛ 1991) بأن القومية تعمل بشكل مشابه للقرابة، حيث تعمل بمفاهيم التماثل والاختلاف التي تعكس ديناميكيات العلاقات الإنسانية. ينعكس هذا الارتباط في الاستخدام المجازي للقرابة ضمن الخطابات القومية، حيث تعمل على بناء الهوية الوطنية عبر جعل بعض الاختلافات تبدو طبيعية.
كما يشير أندرسون إلى أن العنصرية الاستعمارية تخدم مصلحة قومية الطبقة العليا، تعمل تعابير القرابة في الخطاب القومي كأداة للحفاظ على سلطة النخبة عبر تعزيز الانقسامات واستبعاد أولئك الذين يعتبرون "مختلفين"، لا سيما الأقليات العرقية والجنسية. وعلى غرار الكيفية التي تخدم بها العنصرية المصالح القومية البرجوازية، تساعد الإقصاءات القائمة على القرابة في تعزيز هيمنة النخب الحاكمة – مثل القادة السياسيين والدينيين – الذين يستفيدون من الحفاظ على هوية قومية ضيقة التعريف. عبر التذرع بالقرابة، تخلق هذه النخب شعورًا بالانتماء لدى البعض بينما تهمش البعض الآخر، وبالتالي تحافظ على التسلسل الهرمي الاجتماعي القائم وتمنع التسلسلات التضامنية التي قد تتحدى سلطتها. ويكشف هذا التقاطع – حيث يلتقي العرق والجندر والجنسانية – كيف يستخدم الخطاب القومي القرابة لتعميق الانقسامات المجتمعية، ما يضمن بقاء السلطة في أيدي القلة المحظيّة.
رهاب المثلية الجنسية والأخروية والهوية الوطنية في لبنان
إن تصوير المثلية الجنسية على أنها شذوذ جنسي يعزز التمييز بين "نحن" و"هم"، ويهمّش أولئك الذين يختلفون مع السردية السائدة للهوية المشتركة داخل المجتمع المتخيّل. يكشف تحليل فوكو للجنسانية أن التنظيم يتجاوز القمع؛ فهو ينطوي على تحديد ما يعتبر طبيعيًا وغير طبيعي، وهي عملية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالهوية الوطنية. على سبيل المثال، يوضح كناعنة أن الفلسطينيين المتعاونين مع الجيش الإسرائيلي عادةً ما يوصفون بأنهم "منحرفون جنسيًا"، بغض النظر عن ميولهم الجنسية. ويشير هذا إلى أن عدم الولاء للوطن غالبًا ما يرتبط بـ"ميولاتهم الجنسية المشكوك فيها". ويوضح هذا الخطاب كيف تؤثر المعايير الجنسية على الهويات الفردية وتعمل كآليات لفرض الولاء والامتثال ضمن الخطابات الوطنية.
في لبنان، تتجلى هذه الديناميكية بشكل خاص في الخطاب السياسي والديني، حيث غالبًا ما يتم تصوير أفراد مجتمع الميم على أنهم تهديد للتماسك الوطني. على الرغم من الانقسامات الطائفية العميقة في البلاد، لطالما اعتمدت الدولة اللبنانية على الهياكل الأبوية لخلق مظهر من مظاهر الوحدة الوطنية، وغالبًا ما ترتكز هذه الهياكل على المثل العائلية الغيرية. تُصوَّر المثلية الجنسية على أنها اضطراب لهذه المُثُل، ما يضع الأفراد الكويريين/ات كغرباء داخل الجماعة الوطنية. على سبيل المثال، غالبًا ما يصوّر الزعماء الدينيون والسياسيون المحافظون الكويرية على أنها علامة على الانحلال الأخلاقي والثقافي، ما يعزز الاعتقاد بأن عدم التوافق الجنسي يتعارض بشكل أساسي مع القيم اللبنانية. يعمل هذا التأطير كآلية للتنظيم الداخلي – أي ضبط حدود المواطنة المقبولة – وكأداة لتوحيد شرائح من السكان ضد عدو مشترك متصوّر.
يجادل كالهون بأن الخطاب القومي يخدم أكثر من مجرد تعزيز الوحدة الداخلية؛ فهو يُستخدم أيضًا لتمييز الأمة عن الديناميات السياسية للدول الأخرى على الساحة العالمية. ويفترض أن "الادعاءات بالأمة ليست مجرد ادعاءات داخلية بالتضامن الاجتماعي أو النسب المشترك أو أي أساس آخر لتكوين مجتمع سياسي. إنها أيضًا مطالبات بالتميز في مواجهة الأمم الأخرى". ويكتسب هذا المنظور أهمية خاصة في لبنان، حيث غالبًا ما يتم اعتبار المثلية الجنسية كظاهرة أجنبية أو غربية.
وقد اتهم العديد من السياسيين اللبنانيين الغرب بفرض أجندته الخاصة بمجتمع الميم على الشعب اللبناني، مؤكدين أن مثل هذه الجهود تهدد القيم الثقافية والدينية للبلاد. وقد برر هذا الخطاب بشكل مباشر حملة 2023 المناهضة لمجتمع الميم+ التي قادها وزير الداخلية اللبناني، حيث ادعى المسؤولون أن الدفاع عن "القيم التقليدية" ضروري لحماية الأمة من التطفل الثقافي الأجنبي. عبر تقديم المثلية الجنسية على أنها فرض غربي، لم يكتفِ هؤلاء السياسيون بتعزيز المعايير التقليدية فحسب، بل حشدوا مؤيديهم ضد تهديد خارجي مفتعل.
ومن المفارقات أن الإطار نفسه الذي يتمسك به صانعو السياسات اللبنانية كدفاع ضد النفوذ الغربي هو في حد ذاته نتاج الحكم الاستعماري. ففي ظل الانتداب الفرنسي، فُرضت الهياكل الأسرية الأوروبية كمثل أعلى للمجتمع، ما رسّخ الأدوار الجنسانية النمطية الغيرية - والتي لا يزال لبنان يتمسك بالكثير منها عبر احتفاظه بقوانين الأحوال الشخصية التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية. يكمن هذا التناقض في صميم المشهد الاجتماعي اللبناني: رفض ما يسمى بالأيديولوجيات الأجنبية هو في الواقع يتشكل عبر الإرث الدائم للاستعمار. أحد أكثر بقايا التأثير الاستعماري ديمومة هو إدخال التصنيفات الجنسية الغربية، التي أعادت تشكيل كيفية فهم الممارسات الجنسية المثلية في لبنان والمنطقة ككل.
قبل الحكم الاستعماري، كانت العديد من المجتمعات تعمل بمفاهيم مائعة وغير ثنائية للجنسانية لا تتناسب مع التمييز الغربي الجامد بين المغاير والمثلي. فبدلًا من أن يُنظر إليها كمؤشرات على هوية ثابتة، غالبًا ما كانت التفاعلات المثلية الجنسية تُفهم عبر الأدوار الاجتماعية أو المكانة أو السلوك. في الحقبة العثمانية، لم تكن الحياة الجنسية في لبنان تصنّف بشكل صارم كـ"مثلية" أو "مغايرة" بالمعنى الحديث، بل كان يُنظر إلى الرغبة المثلية عبر عدسة التراتبية الاجتماعية وعلاقات القوة. غير أن إدخال الاستعمار للخطابات القانونية والطبية الغربية حول الجنسانية أعاد تعريف هذه التعبيرات وأعاد تعريف الرغبة المثلية وفرض تصنيفات ثابتة للهوية الجنسية.
منهجية البحث
توظّف هذه الورقة البحثية تحليل الخطاب النقدي(CDA) لفحص التصريحات التي أدلى بها السياسيون والشخصيات الدينية اللبنانية، مع التركيز على كيفية نقل اللغة وتبريرها وتعزيزها للسلطة الاجتماعية وعدم المساواة والإقصاء. عبر اعتماد مقاربة سياسية للخطاب، يهدف البحث إلى كشف وتحدي الآليات التي يتم عبرها تطبيع رهاب المثلية داخل المجتمع اللبناني.
على وجه التحديد، يتبع التحليل إطار فيركلو ثلاثي الأبعاد لفحص اللغة والسلطة، والذي يضع الخطاب ضمن سياقاته النصية والخطابية والاجتماعية. وقد استُخدمت العيّنات الانتقائية لاختيار تصريحات من مجموعة من الممثلين السياسيين والدينيين في جميع أنحاء لبنان، ما يدل على أن خطاب رهاب المثلية لا يقتصر على طائفة معيّنة، بل هو جزء لا يتجزأ من نظام ثقافي أوسع يشكل الهوية الوطنية. في حين أن الخطاب المعادي لمجتمع الميم+ لطالما كان سمة من سمات الخطاب العام اللبناني، تركز هذه الدراسة على التصريحات التي صدرت خلال رد الفعل الوطني ضد التشريع المقترح لإلغاء المادة 534، وحصر التحليل في الفترة ما بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2023.
وقد ظهرت هذه التصريحات في سياق سياسي واقتصادي شديد التقلب، حيث شهد لبنان معدل تضخم بلغ 268.78% في عام 2023، ما أدى إلى تفاقم الفقر على نطاق واسع وعدم الاستقرار المالي والاضطرابات الاجتماعية. كما واجهت البلاد فراغًا رئاسيًا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2022، ما ترك قضايا الحكم الحساسة دون حل، وعمّق الشلل المؤسسي. وفي ظل هذه الخلفية، كثّف السياسيون والشخصيات الدينية من خطابهم المعادي لمجتمع الميم+، واضعين الأفراد الكويريين كتهديد مجتمعي وكبش فداء للأزمات الأوسع نطاقًا في لبنان.
ومع ذلك، في حين أن النشطاء والخبراء – مثل طارق زيدان، مدير أول منظمة لمجتمع الميم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – يجادلون بأن هذا الخطاب هو بمثابة إلهاء عن الاضطرابات الوطنية، فإن اختزال الخطاب المناهض لمجتمع الميم في محاولة لتحويل الانتباه السياسي فقط قد يؤدي إلى تبسيط القضية بشكل مبالغ فيه. إن رهاب المثلية في لبنان متجذر بعمق في البنى الاجتماعية والدينية والسياسية في البلاد، وهو ليس مجرد نتيجة ثانوية للانهيار الاقتصادي. فحتى في أوقات الاستقرار النسبي، واجه أفراد مجتمع الميم التمييز المنهجي والاضطهاد القانوني والإقصاء الاجتماعي. لطالما اعتمدت الدولة والمؤسسات الدينية على المعيارية المغايرة كركيزة للهوية الوطنية، مستخدمةً الحجج القائمة على الأخلاق لفرض السيطرة الأبوية وترسيم حدود المواطنة المقبولة.
وبالتالي، في حين أن عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي قد يضخّم الخطاب المعادي للمثلية كأداة لإبعاد اللوم، إلا أنه ليس المحرك الوحيد للسياسات والخطاب المعادي لمجتمع الميم+. بدلًا من ذلك، فإن استهداف المجتمعات الكويرية هو امتداد للأطر الأيديولوجية الراسخة التي تضع عدم التوافق الجنسي على في تعارض مع الهوية اللبنانية. هذا يشير إلى أنه حتى لو حقق لبنان انتعاشًا اقتصاديًا واستقرارًا سياسيًا، فإن القوى الهيكلية التي تدعم رهاب المثلية ستستمر ما لم يتمّ التصدي لها بشكل مباشر.
تضمنت العينة 25 تصريحًا لشخصيات سياسية ودينية لبنانية شملت وزراء ونوابًا ومشرّعين ورجال دين، بما في ذلك خطاب لحسن نصر الله. وقد مثّل السياسيون أحزابًا مختلفة، مثل حركة أمل، وتيار العزم، وكتلة نواب الأرمن، والتيار الوطني الحر، وحزب الله، وحركة الشعب، والحزب التقدمي الاشتراكي، وكتلة التجدد، وتكتل لبنان القوي، ومرشح مستقل. كما صدرت بيانات عن الأساقفة والمشايخ ومفتي البلاد وبطريركها، وهما أعلى مرجعيتين دينيتين في الإسلام والمسيحية على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، صدر بيان واحد عن جماعة الميليشيا المسيحية "جنود الرب"، التي تجسد المشاعر القومية المغايرة السائدة بين جزء كبير من السكان، على الرغم من افتقارها إلى الصفة السياسية أو الدينية الرسمية.
تم جمع البيانات وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ونشرها موقع ميغافون نيوز، وهو منصة إعلامية لبنانية مستقلة. وقد غطت "ميغافون نيوز" على نطاق واسع حملة النخبة السياسية المعادية للمثلية الجنسية، بما في ذلك ثلاث نسخ لما تشير إليه المنصة باسم "قائمة العار: طبعة رهاب المثلية". بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام موقع قناة المنار (الذي ينقل خطابات حسن نصر الله)، لتحليل خطابه حول المثلية الجنسية.
المناقشة والتحليل
كشف تحليلنا لتصريحات الشخصيات السياسية والدينية اللبنانية عن عدة مواضيع رئيسية، حيث برز الدين والأخلاق كأكثر المواضيع التي تم الاستشهاد بها.
الدين والأخلاق
تم الاستشهاد بالدين في 15 من أصل 25 تصريحًا (60%)، وكانت 9 من هذه التصريحات لشخصيات سياسية مسؤولة، ما يؤكد التشابك العميق بين الدين والسياسة في لبنان. وشملت المفردات المستخدمة مصطلحات وتعبيرات مثل "الكنيسة" و"الشياطين" و"الشيطانية" و"الأعمال الشيطانية" و"منظمات سدوم وعمورة غير الحكومية".
وقد برر العديد من المسؤولين اللبنانيين حملاتهم ضد أفراد مجتمع الميم بالتأكيد على أن المثلية الجنسية "خطيئة كبرى". على سبيل المثال، أعلن وزير الداخلية بسام مولوي: "كل من ابتُلي بالمثلية الجنسية أهلكه الله". ووصفها آخرون بأنها "شيطانية". واستحضر أحد النواب الصور التوراتية لسدوم وعمورة.
كما سلطت التصريحات الضوء على التأثير المتزايد للشخصيات والمؤسسات الدينية في تشكيل السياسة اللبنانية. اتحد القادة المسلمون والمسيحيون في حملتهم ضد المثلية الجنسية، معلنين التزامهم "التعاون في محاربة ظاهرة استهداف الأديان السماوية والأخلاق عبر الترويج للمثلية الجنسية." (01/09/2023). أما الأب عبدو أبو كسم، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، فقد أعلن صراحةً أن "الكنيسة تعارض إلغاء المادة الدستورية التي تجرّم المثلية الجنسية" (08/10/2023). بالإضافة إلى ذلك، أصدر الشيخ حسن مرعب، مساعد المفتش العام لدار الفتوى، فتوى تحثّ الشعب اللبناني على "الواجب الديني والأخلاقي" بمقاطعة قناة MTV بعد بثها إعلانًا يدعم مجتمع الميم.
وعلاوة على ذلك، خلطت بعض البيانات بين الدين والهوية الوطنية، كما عبّر عن ذلك أحد الآباء بقوله: "الدولة والكنيسة والشركاء في الوطن لهم جميعًا رأي" (18/07/2023). بيان صادر عن "جنود الرب"، وهي جماعة ميليشيا مسيحية تشكلت في الأصل للدفاع عن "الأرض المسيحية ضد الخطر الإسلامي" عبر استهداف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، وقد حولت تركيزها منذ ذلك الحين إلى حماية "الأرض المسيحية" من المثلية الجنسية. في أعقاب هجوم على عرض للمثليين استضافته حانة حاضنة للمثليين في الجميزة، وهو حي ذو أغلبية مسيحية في بيروت، أعلن بيانهم "الجميزة تثور على الانحطاط الأخلاقي وتطرد الشياطين من شوارعها، لأن هذه أرض الرب، ولا مكان لكم بيننا يا نسل الشيطان!" (08/24/2023). يوضح هذا الخطاب كيف يمكن أن يتداخل الدين مع الهوية الوطنية لخلق سردية إقصائية تهمّش المواطنين على أساس ميولهم الجنسية.
المجتمع والأسرة
الموضوع الثاني الذي ظهر من التحليل يربط المثلية الجنسية بالمخاوف من تفكك الأسرة والمجتمع اللبناني. من بين 25 بيانًا تم فحصها، أثارت 7 بيانات (28%) صراحةً مخاوف بشأن كيفية تأثير عدم تجريم المثلية الجنسية على الأسرة والمجتمع. واستُخدمت مصطلحات مثل "التفكك" و"التدمير" و"الانهيار" لوصف العواقب المحتملة، ما أثار الخوف لدى الجمهور اللبناني من أن يؤدي إلغاء تجريم المثلية الجنسية إلى تفكك المجتمع اللبناني عبر تصوير الأسرة والمجتمع على أنهما مهدّدان بالخطر، استقطب المسؤولون شعور الجمهور بالولاء لبلدهم ومجتمعهم. وساعدت هذه السردية أيضًا على توحيد المجتمع المنقسم، كما رأينا في تصريح حسن نصر الله: "هذه ليست معركة من أجل حزب سياسي أو طائفة أو منطقة. هذه معركة المجتمع ككل، المسلمين والمسيحيين على حد سواء" (22/7/2023).
تجادل النظريات النسوية حول الاستقلالية الجنسية بأن الحكومات تنظم استقلالية المواطنين للحفاظ على النظام الاجتماعي، وتعزيز التسلسل الهرمي الجندري، والسيطرة على السكان. كما تجادل غوزين بأن "الدول يجب أن تكون دائمًا مغايرة جنسيًا لضمان تكاثر المواطنين، تمامًا كما يجب أن تكون عنصرية وجندرية لضمان بناء الحدود والأجساد الوطنية." يسلط هذا الإطار الضوء على كيفية كون تنظيم الجنسانية والجندر جزءًا لا يتجزأ من بناء الهوية الوطنية ودعم السلطة السياسية. في لبنان، يلعب تنظيم الاستقلالية الجنسية دورًا مهمًا في الحفاظ على النظام الطائفي، حيث تساعد المعايير العائلية والدينية على تعزيز الانقسامات السياسية. تُقدَّم مقاومة الدولة لحقوق مجتمع الميم على أنها جهد لحماية سلامة الأسرة، وهي حجر الزاوية في البنية الطائفية في لبنان، والتي تعتمد على الأدوار الجندرية التقليدية للحفاظ على ديناميكياتها السياسية.
ولكن، في ضوء الأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان والاتجاه المتزايد للهجرة، يظهر تركيز الدولة على الحفاظ على القيم الأسرية سطحيًا بشكل متزايد. فمنذ عام 2019، يواجه لبنان حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي العميق، وتتعرض الوحدة الأسرية، التي كان يُنظر إليها في السابق على أنها مصدر للتماسك المجتمعي، لضغوط كبيرة. ويبدو أن إصرار الدولة على الدفاع عن القيم الأسرية في خضم هذه الأزمات لا يتعلق بالحفاظ على النظام الاجتماعي بقدر ما يتعلق بإعادة توجيه الإحباطات العامة. فبدلاً من معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في لبنان – المرتبطة بسوء الإدارة الاقتصادية والصراعات الطائفية على السلطة في البلاد – يلقي خطاب الدولة اللوم على الفئات المهمشة، لا سيما أفراد مجتمع الميم. وبالتالي، يُستخدم هذا الخطاب ككبش فداء، ويوفّر هدفًا مناسبًا للإحباط العام خلال فترة من عدم اليقين الوطني.
أداة لاستغلال الآخر
الموضوع الثالث والأخير الذي انبثق من التحليل هو الاستخدام المتكرر لمصطلح "الآخر". يسلّط هذا الخطاب الضوء على خلق عقليتين متمايزتين "نحن ضدهم": واحدة تصنّف المثليين على أنهم مختلفون جوهريًا عن بقية المجتمع اللبناني، وأخرى تضع لبنان والمنطقة في مواجهة بقية العالم، وخاصة الغرب.
في الحالة الأولى، كانت اللغة المستخدمة لوصف المثلية الجنسية مشحونة بمصطلحات مثل "غير طبيعي" و"انحراف عن النظام الطبيعي" و"فسق وفجور" و”أفعال شنيعة وفاحشة" و"منحرفة". لم تعمل هذه المصطلحات على نزع الشرعية عن المثلية الجنسية باعتبارها نشاطًا جنسيًا غير طبيعي فحسب، بل أيضًا وصمها بأنها مدنّسة وفاسدة أخلاقيًا. على سبيل المثال، أطلق محمد مرتضى، وزير الثقافة اللبناني، هاشتاغ #لبنان_والمثلية_ضدان_لا_يتفقان_على سبيل المثال، ما عزز نظرة النخبة السياسية إلى المثلية الجنسية كشيء غريب عن الهوية الوطنية اللبنانية.
أما في الحالة الثانية، فقد تحوّل الخطاب إلى سياق جيوسياسي أوسع، مع استخدام مصطلحات مثل "هوية المنطقة" و"القوى الغربية" و"يحاولون أن" و"المشروع العالمي". وبينما أشار عدد قليل من السياسيين فقط إلى الغرب صراحة، كرّس نصر الله معظم خطابه لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية لترويجها أجندة تتعارض مع القيم اللبنانية. وقال: "تمارس أمريكا ضغوطاً على مجموعة من الدول العربية والإسلامية لإدراج المثلية الجنسية في المناهج الدراسية للأطفال. وهذا ما يحدث في دول الخليج. ماذا تسمي هذا؟ هذا هو زرع الفساد" (08/04/2023). وعلى نحو مماثل، قال هاغوب ترزيان: "لن نكتفي بالتغاضي عن تغيير هوية المنطقة تحت شعار لا يراعي أخلاق المنطقة وأهلها الذين هم قدوة في القيم الأخلاقية والثقافة" (24/08/2023).
كلا التصريحين يجسد عقلية "نحن ضدهم"، ويميزان لبنان والمنطقة عن الدول الغربية بتصوير لبنان على أنه متفوق أخلاقيًا وغير قابل للفساد بسبب رفضه للمثلية الجنسية والأجندة الغربية للمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيًا ومزدوجات الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية. عبر التذرع بمثل هذا الخطاب، يصف المسؤولون اللبنانيون فعليًا بـ"الآخر" الذي لا يشاطرهم إيديولوجياتهم السياسية، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. في هذا السياق، يصبح النضال من أجل حقوق مجتمع الميم في لبنان ليس مجرد صراع من أجل القبول، بل معركة من أجل البقاء على خلفية التعصب المتزايد، ما يهدد نسيج المجتمع المتنوع والشامل للجميع.
التداعيات
إن الخطاب المناهض لمجتمع الميم+ من قبل شخصيات سياسية ودينية لبنانية له تداعيات عميقة وخطيرة على كل فرد من مجتمع الميم.
أولاً، شجع هذا الخطاب الجهود الرامية إلى تجريم المثلية الجنسية بشكل أكثر وضوحًا. في 16 آب/أغسطس 2023، قدم النائب أشرف ريفي مشروع قانون يقترح عقوبة السجن من سنة إلى 3 سنوات للأفراد والمنظمات التي تروج للمثلية الجنسية. وعلى الرغم من أن المادة 534 التي تجرم "العلاقات الجنسية غير الطبيعية" اعتمدت تاريخيًا على السلطة القضائية، ما يخلق بعض الغموض القانوني، إلا أن مشروع قانون ريفي يهدف إلى ترسيخ الاضطهاد ضد مجتمع الميم عبر تضمينه في القانون. وهذا من شأنه أن يزيل أي مناطق رمادية قانونية متبقية، ما يؤدي إلى زيادة خطر الاعتقال والمضايقة والسجن للأفراد لمجرد كونهم مثليين. بالنسبة لحركة مجتمع الميم+، يمثل هذا التحول تحديًا مباشرًا لجهود المناصرة، ما يقيد التنظيم العام ويجعل الحماية القانونية أكثر صعوبة في الحصول عليها. وبالتالي، ستواجه الجماعات الناشطة ومنظمات حقوق الإنسان مراقبة متزايدة، ما يجبر الكثيرين على إعادة النظر في استراتيجياتهم أو العمل السري لتجنب قمع الدولة.
ثانيًا، ساهم خطاب الزعماء الدينيين بشكل كبير في إضفاء الطابع المرضي على المثلية الجنسية، ما أدى إلى تعميق الوصمة المجتمعية. في 18 تموز/يوليو 2023، وصف الشيخ خلدون عريمط المثلية الجنسية بأنها "مرض" يتطلب العلاج. هذا الخطاب لا يكرس المفاهيم الخاطئة الضارة فحسب، بل يشرعن أيضًا ممارسات مثل العلاج التحويلي وغيره من التدابير القسرية التي تهدف إلى "علاج" الأفراد المثليين. بالنسبة لأولئك الأفراد من مجتمع الميم، يزيد من احتمال تعرضهم لمحاولات "تصحيح" هويتهم التي تفرضها العائلة أو يقرّها الدين، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى صدمة نفسية شديدة. كما أن تطبيع هذا الخطاب الضار يضعف الحركة الأوسع نطاقًا عبر نزع الشرعية عن قضيتها ويجعل من الصعب الدفاع عن حقوق مجتمع الميم كحقوق إنسانية أساسية. عندما يتم وصف الكويرية على أنها مرض، لا يعود يُنظر إلى نشطاء مجتمع الميم كمدافعين عن الكرامة الإنسانية، بل كمتحدّين "للأعراف" الاجتماعية والدينية، ما يسهل على خصومهم إسكاتهم أو رفض جهودهم.
ولعل النتيجة الأكثر فورية وخطورة للخطاب المعادي لمجتمع الميم هو التحريض على العنف. في 22 تموز/يوليو 2023، دعا حسن نصر الله صراحةً إلى قتل المثليين، وهو تصريح له وزنه الكبير بالنظر إلى تأثيره واتساع نطاق جمهوره. هذا النوع من الخطابات لا يأتي من فراغ؛ فهو يشجع الأفراد الذين يكنّون بالفعل مشاعر معادية لمجتمع الميم، ويشرعن أعمال العنف ضد المثليين. وهذا يزيد بشكل كبير من خطر تعرضهم للأذى الجسدي، ما يجبر الكثيرين منهم على الاختباء أو يدفعهم إلى طلب اللجوء في الخارج. وفي الوقت نفسه، تواجه حركة مجتمع الميم الأوسع نطاقًا تحديات متزايدة في الحفاظ على الظهور. ويصبح التنظيم العلني أكثر خطورة، حيث يجب على النشطاء أن يوازنوا بين مخاطر استهدافهم لمجرد التحدث علنًا. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الخوف الذي يثيره مثل هذا الخطاب إلى إسكات الأصوات داخل المجتمع، حيث يعطي الأفراد والمنظمات الأولوية لسلامتهم على النشاط.
الخاتمة
في لبنان، يؤثّر تقاطع القومية والدين والخطاب المعادي لمجتمع الميم+ تأثيرًا عميقًا على المواقف المجتمعية وتجارب الأقليات الجنسية والجندرية. ومع استمرار السرديات الضارة، هناك حاجة ملحة للمناصرة الاستراتيجية والتحالف من أجل التصدي لها.
وتتمثل إحدى الطرق الواقعية لمواجهة الخطاب المناهض لمجتمع الميم في تغيير الخطاب عبر المناصرة الرصينة. ويمكن تحقيق ذلك عبر خلق مساحات آمنة للحوار وبناء المجتمع، لا سيما في المناطق التي تعتبر فيها المناقشات العلنية حول قضايا مجتمع الميم غير مقبولة. يمكن أن تشمل هذه المساحات منتديات خاصة أو مجموعات مغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي أو فعاليات تعزز ظهور مجتمع الميم مع تجنب المواجهة المباشرة مع النظام القانوني.
ومن الاستراتيجيات الرئيسية الأخرى التركيز على الإصلاح القانوني عبر المناصرة الاستراتيجية التي تعمل ضمن الإطار القانوني القائم. يمكن لمنظمات مجتمع الميم الضغط من أجل إحداث تغييرات تدريجية مثل إلغاء تجريم الأفعال الجنسية المثلية في بعض الأماكن الخاصة أو الضغط من أجل وضع سياسات تحمي أفراد مجتمع الميم من التمييز في أماكن العمل أو الرعاية الصحية. وبدلًا من السعي إلى إصلاح شامل للقوانين، يمكن لهذه الانتصارات الصغيرة أن تكون بمثابة نقاط انطلاق، فتغير تدريجيًا التصورات العامة والحماية القانونية لأفراد مجتمع الميم. يمكن استكمال هذه الجهود بالضغط الدولي والتعاون مع المنظمات العالمية لدعم حركة مجتمع الميم المحلية مع تجنب التعارض المباشر مع النظام القانوني اللبناني.
أخيرًا، يمكن للتعليم، على الرغم من أنه مقيّد بالمعايير المجتمعية، أن يكون بمثابة أداة للتغيير بطرق أكثر دقة. يمكن لمجموعات مجتمع الميم أن تتعاون مع منظمات المجتمع المدني ومجموعات حقوق الإنسان والحلفاء لدمج لغة ومواد شاملة في برامج التعليم غير الرسمي. يمكن أن تستهدف هذه البرامج مجتمعات محددة، مثل الآباء والمعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، ما يساعد على تغيير الأحكام المسبقة وتوفير دعم أفضل لأفراد مجتمع الميم في الحياة اليومية. ومن خلال التأكيد على أهمية احترام التنوع، يمكن لهذه الجهود أن تساعد في خلق جو أكثر دعمًا لأفراد مجتمع الميم في لبنان.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.