اللامركزية: البحث عن حلول تنموية للمناطق المهمشة في العالم العربي

منذ ثمانينات القرن الماضي، تم الترويج لفكرة اللامركزية كرافد للديمقراطية والتنمية في المناطق المهمشة من العالم العربي. لكن الواقع هو أن اللامركزية باتت في أحيان كثيرة وسيلة تستغلها الدولة للتنصل من مسؤولياتها في توفير الخدمات، عبر نقلها الى سلطة محلية، تعاني نقصا هائلا في الموارد. يسلط هذا المقال الضوء على السياق التونسي، الساعي لإلغاء المركزية المفرطة، ويبحث في مدى قدرة اللامركزية على تلبية مطالب الإدماج الاقتصادي والتنمية، وما إذا كان نجاحها يتطلب إصلاحاً جذرياً في أسلوب عمل مؤسسات الدولة المركزية.

علامات طريق تبين اتجاه تونس العاصمة وكل من مدن صفاقس وسوسة والكانطاوي. © كوران ياكس / shutterstock.com

* تنشر مبادرة الإصلاح العربي هذه المقالة بالتعاون مع تشاتام هاوس، وهي جزء من سلسلة تتناول مستقبل الحوكمة والأمن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتأثيرهما على دور الدولة في المنطقة.

مــقدمـــة

إنَّ أي رواية للانتفاضات العربية في العقد الماضي ستبقى غير مكتملة ما لم تتوفّر على فهم لحالة عدم المساواة بين الجهات. ومع أن الاحتجاجات في كل بلد كانت مدفوعة بمزيج مختلف من المظالم، إلا أنَّ العامل المشترك بينها جميعاً هو تهميش الجهات الداخلية.

لنأخذ مثلاً منطقة سيدي بوزيد في تونس، مهد الربيع العربي، منطقة غنية بالموارد الزراعية، لكنها فقيرة على مستوى البنية التحتية والفرص الاقتصادية. كما أن معدّل ربطها بالمياه الجارية يبلغ نصف المعدل الوطني. ويمكن ملاحظة نفس الظاهرة في عديد المناطق التي شهدت توترا في العالم العربي، إذ تتسع الفجوات بين المناطق الحضرية والريفية، وانعدام المساواة في التنمية الجهوية، ويبرز منطق الإقصاء السياسي والاقتصادي على مناطقَ بأكملها.

هل بإمكان اللامركزية معالجة هذه التباينات؟

منذ ثمانينات القرن الماضي، برز الدفاع عن اللامركزية بوصفها رافداً لكل من الديمقراطية والتنمية، ولما تَعِدُ به على صعيد تمكين المناطق ومنحها التمثيل السياسي وتيسير قدرتها على وضع استراتيجيات اقتصادية خاصة بها. إلا أن أحد المخاوف الرئيسية لدى الكثيرين، سواء من السياسيين أو من المواطنين العاديين، هو أن اللامركزية وسيلة بيد الدولة المركزية للتهرّب من أداء وظائفها التقليدية ورمي مسؤولية توفير الخدمات إلى المجالس المحلية، التي تعاني من نقص فادح في الموارد.

ومع ذلك فإن مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي رفعتها الانتفاضات العربية تقتضي أن تكون الدولة المركزية أكثر حضوراً في المناطق المهمشة.

أيمكن أن تحقق اللامركزية تنمية في المناطق المهمشة دون السماح للدولة المركزية بالتنصّل من التزاماتها تجاه المواطنين؟

وهل من الممكن حتى تصوُّر أشكال جديدة للتنمية المحلية في الدول العربية شديدة المركزية؟

وكيف يمكن للدول العربية إعادة صياغة علاقاتها مع المجتمع على المستوى المحلي، في سياق واقع تحكمه الأزمات السياسية والاقتصادية الحادة؟

يبحث المقال في هذه الأسئلة ضمن السياق التونسي، حيث تجري عملية كبرى لإلغاء المركزية المفرطة، استجابةً لمطالب التمثيل السياسي والتنمية في المناطق المهمشة، ويبين أنَّ إنتاج أنماط جديدة من التنمية المحلية يقتضي إصلاحاً جذرياً في مؤسسات الدولة المركزية وتطويرا لأساليب عملها.

الدولة المركزية

بعد سقوط بن علي في يناير 2011، خرجت قوافل المتظاهرين من المناطق المهمشة على طول الطريق إلى العاصمة، ونظَّم المتظاهرون اعتصامات خارج مكتب رئيس الوزراء وطالبوا بتغيير جذري في توزيع السلطة السياسية والاقتصادية في البلاد. واكب احداث الثورة اهتراء لسلطة الدولة، تحيّنه المواطنون لتسوية نزاعات المِلكية القديمة، وبحسب وزارة أملاك الدولة، استولى الأفراد على ما يتراوح بين 50,000 إلى 70,000 هكتار من أملاك الدولة بين عامي 2011 و 2015 (بليز 2016).

أعادت الثورة تركيز الاهتمام على التفاوتات الجهوية  وفشَلِ عقود من السياسات التنموية في تحقيق التوازن بين المناطق، من حيث الاستثمار العمومي والبنية التحتية والوظائف والخدمات الأساسية. وقد ربطت بعض التحليلات هذا الوضع بسياسات التحرير الاقتصادي بدءاً من الثمانينات، التي أضعفت الخدمات العامة، وخلقت وظائف منخفضة المهارات في المقام الأول وفاقمت المظالم الاجتماعية والاقتصادية القائمة آنذاك.

في تونس، شهدت حقبة الستينات إلى أوائل الثمانينات سياسة تطوير أقطاب اقتصادية جهوية في جميع أنحاء البلاد بهدف خلق حالة من التوازن الإجتماعي. وفي أواخر الثمانينات، تم ارساء نموذج تنموي جديد تمثَّل في ’إضفاء الطابع المتروبوليتاني‘ و «تحسين الإنتاجية والقدرة التنافسية» لعدد محدود من المدن الكبيرة، وإدخالها في الاقتصاد العالمي من خلال «تقديم مزايا نسبية في مواجهة المنافسة من المراكز المتوسطية الأخرى» (وزارة البنية التحتية 1997).

ركزت هذه العملية الموارد في المدن الساحلية الكبرى، إذ تلقَّت تلك المناطق أكثر من 80٪ من الاستثمارات العامة بحلول عام 2011.

وفي حين ركَّزت الكثير من التحليلات على حالة انعدام المساواة بين الجهات، إلا أن انعدام المساواة في داخل المناطق نفسها قد يكون أكثر أهمية. ففي تونس، يتركز الاستثمار العام في مراكز الولايات (أو المحافظات)، بينما تفتقر المناطق الريفية حول المراكز إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية، وهو ما يخلق أطرافاً في داخل الأطراف نفسها.

اللامركزية: البحث عن أساليب جديدة للحكم

في مواجهة تفكك أساليب الحكم التقليدية بعد عام 2011، اضطرت الدولة التونسية إلى إعادة بناء سلطتها على أسس جديدة، وتُعدّ اللامركزية جزءاً من هذا التحول، إذ يُكرِّس دستور 2014 بابا كاملاً لتحقيق اللامركزية. وقد وُضِع قانون لامركزية جديد ومجالس محلية منتخبة في عام 2018.

ومن بين أبرز ما تُنادي به اللامركزية إمكانية دفع عجلة التنمية بالاعتماد على خصوصيات كل منطقة بعينها.  فعلى سبيل المثال، تتمتع العديد من المناطق الفقيرة مثل القيروان وباجة والقصرين بتراث أثري غني وإمكانات هائلة في السياحة البيئية والفلاحة البيولوجية. من خلال منح المجالس المحلية والإقليمية المنتخبة مزيداً من الصلاحيات، من المأمول أن تتمكّن من الاستفادة من معرفتها بالاحتياجات والموارد المحلية للدفع بقطاعات اقتصادية جديدة.

تواجه المجالس المحلية معضلة تمسك الدولة المركزية بالسلطة، فيما ترفض البيروقراطية المركزية تطبيق اللامركزية المالية، على الرغم من أن الإنفاق المحلي يمثل أقل من 5 ٪ من إجمالي الإنفاق العام (منخفض حتى حسب المعايير الإقليمية، مقارنة مع 14 ٪ في المغرب).

يمنح قانون اللامركزية لعام 2018 المجالس المحلية مزيداً من الصلاحيات، إلا أن الدولة المركزية تمسّكت بالإيرادات على نحو صارم ورفضت المقترحات بتخصيص نسبة من إيرادات ضريبة القيمة المضافة أو الإيرادات المالية الأخرى للبلديات. وقد استُنسِخ هذا النمط في المغرب والأردن، حيث تطبق لامركزية جزئية - إنشاء مجالس محلية منتخبة دون إعطائها الوسائل اللازمة لتلبية مطالب المواطنين، وبالتالي إنشاؤها بطريقة تجعلها محكومة بالفشل.

ثمّة تحدٍّ آخر يتمثّل في كيفية إيجاد نظام جديد للتنسيق المستمر بين السلط المحلية والمركزية، نظراً إلى أن عدداً من الخدمات المحلية تُقدّم بالتشارك ما بين السلط. وعلى سبيل المثال، تكون المجالس المحلية مسؤولة عن جمع النفايات، ثم تقوم بنقلها إلى وكالات الدولة المركزية المسؤولة عن التعامل معها والتخلص منها. قبل عام 2018، كان التنسيق بين السلط المحلية والمركزية يمر عبر الوالي (المحافظ الإقليمي) المعيّن من الحكومة المركزية، الذي كان يعمل كممثل للدولة المركزية في المنطقة، وممثلٍ عن السلطة المحلية بصفته رئيساً لمجلس المحافظة (الذي كان منتخبا شكلياً قبل الثورة).

بموجب قانون اللامركزية الجديد، جرى تقليص سلطة الوالي بهدف الحد من تدخل الدولة المركزية في عمل المجالس المحلية التي تتمتع بالحكم الذاتي بموجب الدستور الجديد. لكن الولّاة يحتفظون بسلطات وموارد مهمة تخوّل لهم تعطيل المجالس المحلية، مثل السيطرة على الشرطة البلدية والمكاتب الإقليمية لجميع الوزارات وميزانية التنمية الجهوية.

نتيجة لذلك، يجد رؤساء البلديات صعوبة كبيرة في تنفيذ قرارات مجالسهم، بينما لا يزال للولاةِ سلطة عرقلة عملهم. وقد وُضِع نظام مماثل في عملية اللامركزية في المغرب، وبدلاً من إلغاء إشراف الوالي على المجالس البلدية والإقليمية المنتخبة، أنشأت السلطات المركزية «هيكلاً مزدوجاً متشابكاً ومعقداً» لا يزال ضمنه المسؤولون المعيّنون مركزياً يتمتعون بالسلطة لعرقلة قرارات المسؤولين المنتخبين (هوفمان، 164).

يمثّل التعاون المركزي المحلي تحدياً كبيراً في سياق التعددية الحزبية. مثل نظيراتها في العالم العربي، لم تُبنَ بيروقراطية الدولة التونسية لاستيعاب التعددية السياسية، وإنما لتعمل في سياق من الطاعة الصارمة لحزب حاكم واحد، حتى انه من الصعب تحديد الخط الفاصل بين الدولة والحزب، الذي يستخدم موارد الدولة لمكافأة حلفائه.

هذا التداخل بين الدولة والحزب جَعَل التنسيق المركزي المحلي أسهل، إذ بإمكان المحافظين الإقليميين إنجاز الأمور من خلال الاستفادة من مواقعهم داخل كل من الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة. كذلك يمكن للوالي حشد شبكة من العملاء والأعيان المرتبطين ضمن منظومة من المكافآت والعقوبات التي تستند إلى الحزب والدولة.

وعادةً ما كان التنسيق يجري على مستوى الدولة من خلال العلاقات القائمة على تسلسل هرمي واضح - إذ كان على البلديات التي احتاجت إلى التعامل مع وكالات الدولة المركزية توجيه طلباتها إلى الوالي، الذي سيتولى بدوره التنسيق مع الوزارات ذات الصلة.

أما في الوقت الحالي فقد تجاوزت اللامركزية والديمقراطية التعددية أساليبَ الحكم السابقة.  أفضت التعددية الحزبية إلى تفتيت حلقة صنع القرار المغلقة، القائمة على الولاء والطاعة للحزب المتداخل مع الدولة. كما أضعفت اللامركزية تراتبية صنع القرار من خلال منح المجالس المحلية استقلالاً إدارياً وإزالة الوصاية التي كانت مؤسسات الدولة المركزية تمارسها في السابق. ويشعر رئيس بلدية صغيرة الآن بمزيد من الشرعية كمسؤول منتخب أكثر من والٍ معيّن قد يجري تغييره مع أي تحوير حكومي. وقد أدى ذلك حتماً إلى خلق توترات بين المسؤولين المنتخبين والمعينين الذين يرى كل منهم أنه يتمتع بالشرعية.

حضورٌ أكثر أم أقل للدولة، أم دولةٌ من طرازٍ مختلف؟

تواجه تجربة اللامركزية في تونس تحديات متعددة. على المستوى العالمي، تواجه المجالس المحلية معضلة كيفية بلورةِ رؤية محلية للتنمية في عصر العولمة. وعلى الصعيد المحلي، يكمن المشكل في كيفية مشاركة الموارد والتعاون مع الدولة المركزية والتعامل مع استمرار شبكات الزبائنية، التي تُحابي المصالح التجارية وثيقة الترابط من الناحية السياسية وتجعل من الصعب تطوير نموذج جديد للتنمية المحلية.

اللامركزية تقتضي إصلاحا شاملا يستعرض كيفية عمل مؤسسات الدولة في جميع المجالات، لا مجرد انشاء مجالس محلية منتخبة ومنحها وظائف جديدة. تتطلب اللامركزية إعادة النظر في مُجمَل النظام المؤسساتي للدولة.

لكن عادة ما تغيب نقطة مهمة عن النقاش بين مؤيدي اللامركزية ومعارضيها: أن اللامركزية لا تعني انسحاب الدولة، والاختيار بين السلطة المحلية أو المركزية. من أجل حكم محلي فاعل، تحتاج المجالس المحلية إلى مؤسسات حكومية مركزية قوية للعمل معها على الصعيدين المحلي والإقليمي، ما يعني أن الدولة المركزية تحتاج إلى أن تكون أكثر حضوراً، لا أقل - وإن كان بطريقة مختلفة.

كشفت دراسة حديثة للوكالة الألمانية للتعاون الدولي في تونس، أن المكاتب المحلية والإقليمية لهيئات الدولة المركزية تعاني من نقص كبير في الموظفين. وفي بعض المناطق الداخلية مثل مدنين وسليانة، هناك أكثر من 60٪ من الوظائف الشاغرة، وهو ما يساعد على تفسير سبب انخفاض معدلات تنفيذ مشاريع التنمية الإقليمية إلى 8٪ في العديد من المناطق.

بدلاً من مقاربة اللامركزية باعتبارها لعبة خاسرة بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية، تقتضي اللامركزية تعزيز وجود الدولة المركزية على الصعيدين المحلي والإقليمي من خلال لامركزية الوظائف الإدارية، مع تعديل دور الدولة في دعم السلطة المحلية لتعزيز التنمية.

الاجابة الثانية هي التفكير في التنمية من منظور جغرافي، وهذا يعني إعادة النظر في توزُّع وحدات السلطة المحلية بشكل يخوّلها ان تكون أطرافًا فاعلة رئيسية في عملية التنمية.

تاريخياً، رسمت الدولة المركزية الحدود الإدارية بناءً على المخاوف الأمنية أو تبعاً لمصالح الحزب الحاكم، وغالباً ما أُنشِئت بلديات جديدة لمكافأة العملاء المحليين للنظام أو لغرض حل النزاعات داخل خلايا الأحزاب المحلية (تركي وجانا 2015، 56). وعادةً ما تكون حدود وحدات السلطة المحلية غير منطقية بالنسبة للسكان المحليين أو الاحتياجات التنموية، ولا تأخذ في الحسبان تدفقات التجارة الإقليمية والموارد والتركيبة السكانية والتنقل والهويات المحلية.

أما الاجابة الثالثة فهي إصلاح الأطر القانونية القديمة التي تقف حجر عثرة في طريق التنمية المحلية، من أجل تشجيع أنماط جديدة من التعاون الاقتصادي والمشاركة المحلية.

إن الشبكة المعقدة من المتطلبات القانونية للحصول على التصاريح والتراخيص والموافقات التي تكبح المبادرة الاقتصادية وتعزّز شبكات المحسوبية أمر مألوف في جميع أنحاء العالم العربي. وتُشكّل الأراضي المملوكة للدولة أحد المصادر المهمة للمحسوبية في تونس، وقد استخدمها النظام السابق لمكافأة حلفائه وإثراء المقربين من السلطة.

ممارسات كانت محطَّ طعنٍ منذ عام 2011، ومثال على ذلك بلدية جمنة في ولاية قبلي الجنوبية. في عام 2011، استملك السكان 185 هكتاراً من الأراضي الزراعية المملوكة للدولة وادعوا أنها كانت ملكاً لأجدادهم قبل مصادرتها من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية ومن ثم تأميمها بعد الاستقلال.

وفي سياق تراجع سيطرة الدولة المركزية بعد الثورة، أنشأ السكان جمعية لإدارة الأرض، وهو ما ساهم في رفع إنتاجيتها إلى حد كبير، وتوظيف أكثر من 150 عامل محلي، مع إعادة استثمار العائدات في المشاريع الاجتماعية والاقتصادية المحلية. إلا أن وزارة أملاك الدولة رفعت دعوى قضائية ضد الجمعية في عام 2016 وأمرت المسؤولين المحليين بعدم الاعتراف بعقود بيع الجمعية، وقد حكمت المحاكم في نهاية المطاف لصالح الجمعية في تموز/يوليو 2017.

أثارت قضية جمنة الاهتمام بالأساليب الجديدة لتنظيم النشاط الاقتصادي التي تعزِّز الأهداف الاجتماعية والإدارة الذاتية المحلية. وقد دفع هذا النقاش العام إلى صياغة قانون جديد بشأن الاقتصاد التضامني الاجتماعي الذي يزيل الحواجز القانونية والإدارية التي تعوق إقامة تعاونيات مجتمعية.

الخاتمة

تأتي عملية اللامركزية في تونس استجابة لعقود من سياسات التنمية الفاشلة والتركيز المتزايد للثروة في أيدي الشبكات الزبائنية الشخصية والجِهوية، التي لم تترُك سوى القليل من الثروة لإعادة توزيعها.

وفي مواجهة تفكك آليات حوكمة ما قبل الثورة، تُجبَرُ مؤسسات الدولة في تونس الآن على تغيير طريقة عملها، وهذا يعني تغيير تعزيز وجود مؤسسات الدولة المركزية على المستوى المحلي مع تغيير أساليب عملها من علاقة عمودية مع السلطة المحلية، ليصبح التركيز على التعاون والدعم بصورة أفقية.

ويعني هذا أيضاً تطوير آليات تنسيق جديدة مبنية على علاقات مؤسساتية لتحل محل نظام التنسيق الموجود مسبقاً القائم على العلاقات بين الدولة والحزب والعلاقات الشخصية والزبائنية.

تجد المجالس المحلية المنتخبة نفسها في طليعة هذا التحول المؤسساتي، وتكافح من أجل تلبية مطالب المواطنين رغم محدودية الموارد، وحالة عدم الثقة تجاه الدولة، ومقاومة شديدة لعملية اللامركزية.

نجاح عملية اللامركزية في تونس يتوقف على إيلاء القدر نفسه من الأهمية لكلٍّ من اللامحورية واللامركزية، فضلاً عن إجراء إصلاحات قانونية ومؤسسية تقوّض آفة الزبائنية وتُمكِّن من ظهور أشكال جديدة من التنمية يديرها المجتمع ويستفيد من ثمارها.

 

المراجع

بليز، ل. Blaise, L. «تونس: لمن ستؤول واحات تمورِ جمنى؟ entre quelles mains tomberont les dattes de l'oasis de Jemna؟»، فرنسا 24، 22 تشرين الأول/أكتوبر، 2016

الجمعية الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، عدم تركيز الوظائف الإدارية في خدمة اللامرزية في تونس. La déconcentration au service de la décentralisation en Tunisie ،2018

هوفمان، أ. Hoffmann, A، «المغرب بين اللامركزية والحداثة: مواجهة الدولة في ’ المغرب عديم الفائدة ‘ Morocco Between Deentralization and Recentralization: Encountering the State in the ‘Useless Morocco’»، في بوزيان م.،  Bouziane M، وهاردرز. س . Harders C، وهوفمان، أ. and Hoffmann، A. (تحرير)، السياسة المحلية والتحولات المعاصرة في العالم العربي: الحكم خارج المركز Local Politics and Contemporary Transformations in the Arab World: Governance beyond the Centre.  لندن: بالجريف ماكميلان Palgrave Macmillan  ، 2013

عمر الحلاج وآخرون. «اكتساب الشرعية في سوريا: الحكم الحضري ونموذج تقديم الخدمات». انظًر عمر الحلاج وآخرون، تقرير حالة المدن السورية State of Syrian Cities Report. تقرير داخلي غير منشور وُضِعَ من أجل الاتحاد الأوروبي، 2018

الاتجاه العام للتخطيط الإقليمي تونس، Direction Générale de l'Aménagement du Territoire 2002

وزارة التجهيز والإسكان، دائرة تخطيط المدن، سيدس-أوربلان. Ministère de l'Equipement et de l'Habitat، Direction de l'Urbanisme، SIDES-URBAPLAN، 1997، pp. 32-33

تركي، س. Turki, S، وجانا، أ. «وضع المناطق الريفية في تونس في طور التجريب: بين تعقيد الإصلاح والمخاطر السياسيةGana, A.«Les Territoires Ruraux En Tunisie À L'épreuve De La Communalisation: Entre Complexité De La Réforme Et Enjeux Politiques، مغرب-مشرق Maghreb - Machrek، 2015/4 رقم 226، ص. 53-71

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.