مُلخَّص
تصف هذه الدراسة واقع الهجرة السورية إلى تركيا منذ العام 2011 وأشكال التجمّع التي اتَّخذها اللاجئون السوريّون فيها. تقدم أرقاماً حول أعداد اللاجئين السوريين في تركيا خارج وداخل المخيمات، وأماكن انتشارهم بحسب المحافظات التركية، وتقرأ هذا الانتشار وفقاً لثلاثة عوامل: طبيعة اللجوء (فردي /جماعي)، الأسس الإثنية للتجمعات، والتجمعات الاستثمارية. تتطرق لدراسة للشروخ في العلاقات بين السوريين في تركيا (مناطقية، طبقية، وظيفية داخل المؤسسات السورية). وتناولت أشكال التضامن داخل التجمعات السورية في تركيا أو مع الداخل السوري. وتم تصنيف أشكال التضامن هذه إلى ثلاثة أصناف: اقتصادي، إغاثي، ثقافي وسياسي. وتوصلت الدراسة إلى أن النُّخبة السوريّة على اختلاف تخصُّصاتها، لم تَنفصِل عن الوضعِ السوري، كما أنَّها لا تزال تساهمُ في دعمِ الداخل السوري وتتطلَّع إلى مرحلةِ ما بعدَ الصراع للمشاركة في إعادة الإعمار بمختلفِ جوانبِه.
اقرأ المزيدتُشكّل تركيا نموذجاً مهمّاً لدراسة ظاهرة اللجوء السوري، إذ إنّها، بحكم مَوقف الحكومة الداعم للثورة السوريّة، استقبلت العددَ الأكبرَ من اللاجئين السوريين بين دول العالم، وأضحَت مركزاً لنشاط المؤسَّسات السوريّة المعارِضة ولتجمُّع النخَب السورية، الإغاثيّة منها والسياسيّة والاقتِصاديّة.
تهدِف هذه الدراسة إلى وصفِ واقع الهجرة السورية إلى تركيا منذ العام 2011 وأشكال التجمّع التي اتَّخذها اللاجئون السوريّون فيها، وإبرازِ أشكال التضامن في تركيا بين السوريّين أنفسِهم، وبينَهم وبينَ البلد الأم. ممّا يفترض التعرُّفَ على المؤسّسات والسياقات التي تُنظِّم هذا التضامن، والبحثَ في أنماط العلاقات بين السوريين في تركيا والشروخ التي تَعتري تلك العلاقات، واستشرافَ دَور النخَب السوريّة في تكريس تلك الشروخِ أو معالجتها. وتقدِّم في هذا السياق نظرةً عن رؤية النخب السورية في تركيا ودورِهم ضمنَ إعادة إعمار البلاد بعد نهاية الصراع، وذلك من خلال مجموعةِ مقابلاتٍ مع شخصيّات اقتصاديّة وثقافيّة ومهنيّة بارزة ضمن الجالِيَة السوريَّة في تركيا.
أوّلاً - السوريّون في تركيا: واقعٌ وتفاعُلات
يعيش في تركيا حوالي 2.7 مليون لاجئ سوريّ بحسبِ إحصاءاتِ المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، ويرتفع هذا العدد إلى 2.969 مليونتبعاً لبياناتِ وزارة الداخلية التركيّة. يتواجد حوالي 258 ألفاً منهم على 25 مخيَّماً في 10 مدن تركيّة حدودية، في حين يتوزَّع الباقي داخلَ المدنِ والبلدات في مختلَف أنحاء تركيا ويشكِّلون ما نسبتُه 85% من إجماليّ اللاجئين، وأكثر من 53% منهم من النساء وممَّن تقلُّ أعمارهم عن 18 عاماً.
هذا ويُشكّل العابرون للحدود بشكلٍ غيرِ شرعيّ ودونَ أوراق رسميّة ما نسبتُه 69% من اللاجئين السوريّين، أمّا الَّذين دخلوا بشكلٍ رسميّ فنسبتُهم 28%، في حين يشكِّل الجرحى والمصابين الّذين دخلوا للعلاج نسبةَ 3 %. ينتمي سكّان المخيمات في غالبهم إلى مناطقِ الريف السوريِّ القريب من الحدود التركية، التي شهدت صراعاً (حلب، إدلب، حماه، اللاذقية، الرقة، دير الزور). وهم إجمالاً من الطبقات الاجتِماعيّة البسيطة والفقيرة ونادراً المتوسِّطة من المزارعين والعمال، هربوا من العنفِ والوضعِ الاقتِصادي المتردّي بحثاً عن الأمان وتأمين لُقمةِ العيش. أمّا اللاجئون السوريّون خارج المخيَّمات فهم بشكل عامٍّ من أبناءِ الطبقة المتوسِّطة بشرائحها الثلاث (أسفل الوسط- الوسط- أعلى الوسط)، ومن بينهم نسبة لا بأسَ بها من أصحاب رؤوس الأموال. يَجدر الذِّكر أنَّ كلَّ من يستطيع استئجارَ منزلٍ من السوريّين يخرج من المخيمات، بسببِ النقص في الخدَمات والمساعَدات وانعِدامِ المدارس في بعضِها ، ويبقى مسجَّلاً فيها للحصولِ على بعضِ المساعدات التي تُقدَّم لسكّان المخيَّمات (كالسِلال الغذائيّة والمساعدات الطبِّيَّة) .
- التوزُّع الجغرافي ومقوِّماته:ويتوزّع السوريّون ممّن يعيشون خارجَ المخيمات، والذين يشكِّلون، كما ذكرنا أعلاه، ما نسبتُه 85%من إجمالي اللاجئين في تركيا، على عموم المحافَظات بنسب متفاوِتة، وبالتالي بكثافات متفاوِتة، كما نراه في الجدوَل التالي :
الولاية |
السكّانالأصليّون |
عدَد السوريّين |
نسبة السوريين على السكان الأصليين |
أنقرة |
5.346.518 مليون |
73.198 ألف |
1.37 % |
بورصا |
2.901.396 مليون |
106.893 ألف |
3.86 % |
ديار بكر |
1.673.119 مليون |
29.077 ألف |
1.78% |
هاتاي |
1.555.165 مليون |
374.024 ألف |
24.69 % |
غازي عنتاب |
1.974.244 مليون |
329.670 ألف |
16.70 % |
إسطنبول |
14.804.116 مليون |
479.555 ألف |
3.24 % |
كلس |
130.825 ألف |
124.481 ألف |
95.15 % |
مرسين |
1.779.582 مليون |
140.931 ألف |
8.28 % |
شانلي أورفا |
1.940.627 مليون |
420.532 ألف |
21.67 % |
ويُمكِن قراءةَ الانتِشار الجغرافيّ للسوريّين في تركيا خارجَ المخيَّمات وفقاً لعدَّة عوامل، نذكُر منها ما يلي:
- طبيعةُ اللجوء (فرديّ/ جماعيّ) وإيقاعُه الزمنيّ،حيث يُمكن تقسيم مَوجات اللجوء السوريّ إلى تركيا وِفق ثلاث فترات، وهي:
- الفترة الأولى: وتمتدُّ من منتَصف 2011 إلى المنتصَف الثاني من 2013، حيث كانت حالةُ اللجوء إلى تركيا فردِيّة تقتصِر على الناشطين والعاملين في المجال الإغاثي والإعلاميّ والمنشقّين عن مؤسّسات النظام العسكريّة والمدنيّة وعائلاتهم . خلال هذه الفترة، تمّ تشكيلُ نواةِ مؤسَّسات المعارَضة السوريّة في تركيا، الإعلاميّة منها والسياسيّة والحزبيّة. وبالتالي فإنَّ الشكل الغالب للتجمُّع كان مهنيّاً، حيث تركَّزت تجمُّعات النشاط الإغاثيّ في المدن الحدوديّة، في حين توزَّع النشاطُ السياسيُّ والإعلاميُّ بين مدينتَي اسطنبول وغازي عنتاب .
- الفترة الثانية: وتمتدُّ من الربع الأخير من العام 2013 إلى منتصَف 2014، وتميَّزت هذه الفترة بحالةٍ من اللجوء الجماعيِّ الناتِج عن تصاعُد العمليّات العسكرية وبدءِ استِخدام النظام للبراميلِ المتفجِّرة في قصفِ المدن السوريّة. خلالَ هذه الفترة، ازدادَت أعدادُ السوريّين أضعافاً في تركيا، واتّخذَت التجمُّعات هذه المرّة أشكالاً مناطقِيّة في المدن التركيَّة الحدوديَّة، بِحُكم النزوحِ الجماعيّ من المحافظات السورية. فمثلاً، تتكوّن غالبيّة اللاجئين السوريّين في ولاية شانلي أورفا من أبناء المحافظات الشرقيّة في سورية القريبة منها، وكذلك الأمر ُبالنسبة لمدينة غازي عنتاب التي يُشكِّل أبناءُ حلب ومحيطِها غالبيّةَ السوريّين فيها، في حين يتركَّز أبناءُ إدلب واللاذقيّة وحماه في مدن هاتاي ومرسين وكلس .
- الفترة الثالثة: تمتدُّ منذ مطلعِ 2015 إلى الآن، وتأخذ ملامحَ الهجرةِ الاقتِصاديّة، حيث أدّت موجةُ اللجوء إلى أوروبا عبرَ السواحل التركيّة إلى شغور العديد من فُرص العملِ داخلَ المؤسّسات السوريّة في تركيا (إعلاميّة، إغاثيّة) وفي المؤسّسات التركيّة التي كان السوريّون يشكِّلون غالبيَّة عمالتها. تزامن ذلك مع تزايد حملات التجنيد الإجباريّ في مناطقِ سيطرة النظام، ممّا دفع العديدَ من الشباب في سنِّ التجنيد إلى اللجوء إلى تركيا. ناهيك عن الدوافعِ الاقتِصادية التي دفعت هؤلاء الشباب إلى الهجرة سواءً من المناطقِ المحرَّرة أو الخاضِعة لسيطرة النظام، وتوزَّعوا بشكلٍ عام على المدن التركيّة الكبرى حيث تتوافرُ فرصُ العمل .
- تجمُّعات على أسُس إثنية: فضَّلت بعض الأقليّات السوريّة التجمُّع في مناطق خاصّة داخلَ تركيا على أساس إثنيٍّ، كالتركمان الذين توافَدوا بشكلٍ كبير إلى مدنِ يايلاداغ والعثمانيّة ، والكُرد الّذين ينتشِرون في المحافظات الجنوبيّة التركيّة ذات الأغلبيّة الكُردية. ويعودُ ذلك إلى وجودِ علاقات قرابةٍ وتواصُل سابق، بالإضافة إلى عامل اللُّغة المشترَكة، ممّا يُسهِّل اندماجَهم في تلك المجتمَعات.
- تجمُّعات استِثماريّة: يُقدَّر حجم رأس المال السوري الذي دخل تركيا منذ العام 2011 بــ 10 مليارات دولار. وبلغَ عددُ الشركات التي أسَّسها السوريّون في العام 2014 ما يُقارِب 1122 شركةً، أي ما يشكِّل 26% من إجماليّ الشركات الأجنبيّة المؤسَّسة في تركيا في ذلك العام. هذا و تركَّز مجتمع الأعمال السوريّ ليس فقط في مدن غازي عنتاب وإسطنبول وبورصة، بل وبشكلٍ أكبرَ في مرسين التي تُعتَبر مدينةً لرجال الأعمال السوريّين والطبقةِ ما فوق المتوسِّطة منهم .
- شروخٌ داخلَ الجالِيَة السورية: ولئن ذكرنا مقوِّمات التجمُّع، فلا بدَّ من التطرُّق إلى الشروخِ التي تبلوَرت في الشتات، تذكر منها:
- الشروخُ المناطقيّة: والتي تعدُّ الأكثرَ وضوحاً بين أبناء الجالِيَة السوريّة في تركيا، حيث تتواجَد أغلبيَّةُ أبناء المحافَظة السوريّة الواحِدة في نفس المدينة التركية. وتتجلّى هذه الشروخُ في مجالات مُتعدِّدة، لا سيَّما على صعيد العمل،إذ يفضِّل أصحابُ الاستثمارات السوريّة تشغيلَ أبناء مدنِهم ومحافظاتهم . ويَنسحِب الأمرُ نفسُه على القطاع التعليميِّ والإغاثيِّ والإعلامي، إذْ إنّ غالبيَّة المؤسَّسات السوريّة، على اختِلاف تخصُّصاتها، تُدار وِفقاً لذهنيّات مناطقيّة. ممّا ينعكِس على شكلِ انقسامات واضحة في المؤسَّسات السوريّة، ويعطيها طابعاً مناطقِيّاً أكثرَ منه وطنياً، بحيث أنَّ ناشطي الإغاثة والإعلام السوريّين ومؤسَّساتِهم باتوا يعمَلون باسم مناطقَ دون غيرها، ويركِّزون في تغطيتِهم الإعلاميّة على مدن ومحافظات محدَّدة . ومن تداعِيات تلك الحال على الداخلِ السوريّ أن أدَّت إلى قصورٍ في دعمِ بعض المناطق إغاثيّاً وإعلاميّاً، وخلقت شعوراً بالمظلوميّة والتهميش لدى أبناءِ بعض المناطق السورية، وبخاصّة أبناءِ المحافظات الشرقيّة .
- الشروخ الطبقيّة: يعمل في تركيا وِفق الإحصاءات الرسمية حوالي 650 ألف سوري، 5% منهم فقط في المؤسَّسات السورية والباقي في المؤسسات التركية، ضمن ظروف عمل قاسية لا يتمتَّعون فيها دوماً بنفس الحقوق التي تُعطى لنظرائهم الأتراك. وتبلغ البطالة بين السوريين في تركيا نسبة 50%، ولا يتجاوز معدَّل القوّة الشرائية للفرد السوري الدولارَين يوميّاً . خَلق الواقعُ الصعب لغالبيّةِ اللاجئين السوريين هوّةً طبقيّة واسعة بين العمّال والعاطلين عن العمل. كما لا بدَّ من الإشارة إلى الهوّة بين الأثرياءِ من رجالِ الأعمال والأثرياءِ الجدد من "أمراء الحرب" الذين يملكون استثماراتٍ في تركيا. هذا وظهرت في تركيا طبقةٌ وسطى سوريّة مكوّنة من العاملين في مؤسّسات المعارَضة والصحفيّين وموظَّفي المنظّمات الدوليّة العاملة مع السوريين.
تجلّت الفروقاتُ الاجتماعِيّة في الأحياء السكنيّة في المدنِ التركيّة، بين أحياءٍ راقِيَة للسوريّين وأحياء شعبيّة، وانعكسَت أيضاً على المقاهي والمطاعمِ السوريّة بين الراقي منها والشعبي. أمّا على صعيد الجاليَة السورية في تركيا وعلاقتِها بالداخل، تظهَر الشروخ الاجتماعيَّةُ في الاتِّهامات الموجَّهة للسوريّين من الطبقة المتوسِّطة والعُليا في تركيا بــ" الفساد واستِغلال الثورة"، ممّا ساهم بزَعزَعة ثقةِ الداخل السوري عموماً بمؤسّسات المعارَضة العاملة هناك .
- شروخٌ وظيفيّة داخلَ المؤسّسات السورية: نتيجةً للبطالة وقلّةِ فرص العمل، دخلَ العديد من السوريّين المقيمين في تركيا إلى المؤسّسات السوريّة للعمل في مجالاتٍ تختلِف عن تخصُّصاتهم، كالعمل في التحرير الصحفي والتعليم. فعلى سبيل المثال، عملَ العديد من المحامين والمهندِسين كمحرِّرين صحفيّين أو مدرِّسين في المدارس السورية، ممّا أثار حفيظةَ بعض أصحاب الاختِصاص في تلك المؤسسات، وأحدَث تكتُّلاتٍ وظيفيّة بين مختصّينَ ودخلاءَ على المهنة .
أخيرا، يشكِّل العربُ السُنّة الغالبيّة الساحِقة من اللاجئين السوريّين في تركيا، لذلك تغيبُ الشروخُ الطائفيّة بين أبناء الجالية. كما أنَّ الاتِّجاهَ المعارض للنظام هو السائد بين السوريين، بالإضافة إلى نسبةٍ تُعتبَر حياديّة مكوّنةً من مهاجرين اقتصاديّين لم يهربوا من ظلم النظام السوري، ولذلك فالشروخ السياسيّة غائبة بين أبناء الجالية السورية في تركيا.
وعلى الرغم من الشروخِ المناطقيّة داخلَ الجالِية السورية في تركيا، إلا أنّها سرعانَ ما تختفي أمام أيّ تهديدٍ خارجي. كما هي الحالُ عندما تهاجِم مجموعاتٌ من الأتراك مناطقَ السوريّين السكنيّة أو التجاريّة بقصد الاعتِداء عليهم، وهي حوادثُ تتكرَّر في المدن التركيّة التي تشهَد كثافة سوريّة.
يُمكنُنا القولُ إنّ السوريين في تركيا قد أعادوا إنتاجَ المجتمعات السوريّة التي قدِموا منها بتقسيماتها المناطقيّة والطبقيّة، كما أعادوا إنتاجَ منظومةِ العلاقات على أساسِ تلك التقسيمات. إلّا أنَّ الاختِلاط بين أبناء المناطق السوريّة المختلِفة في تركيا قد أتاحَ لهم فرصة التعرُّفِ أكثرَ على الثقافات المحليّة لبعضهم البعض والتقرُّبِ من بعضِهم البعض، وهذا ما تجلّى في حالات الزواج التي غالباً ما باتت تتمُّ على أساس الهويّة السوريّة بغضِّ النظر عن المحافظة أو المنطقة.
ثانياً - أشكالُ التضامُن
يعاني اللاجئون السوريون في تركيا من مشكلات مركَّبة تتعلَّق أساساً بأوضاعِهم القانونيّة في تركيا، فهم يُعتبَرون ضيوفاً خاضعين لنظام الحماية التركيّة "الكيملك"، وليس لاجئين خاضِعين لبنود اتِّفاقيةجنيف (1951) . هذا ولا تقدِّم الحكومةُ التركية برامجَ تهدف لدمجِ اللاجئين السوريّين في المجتمَعِ التركيِّ المختلِفِ ثقافيّاًّ ولغويّاً واجتماعيّاً. كما أنّها لا تسمح للّاجئين بالعمل بشكلٍ قانونيٍّ إلّا بموجَب إذنٍ رسمي، رغمَ أن السلطات تغضّ النظَر عن العاملين بشكلٍ غيرِ شرعيّ . ونتَجَ عن هذا الظرف القانونيِّ عددٌ من المشاكل لدى السوريين، تتعلَّق إمّا بالعمل (انعِدامُ التأمينِ الصحيّ وحقوقِ عمل أخرى، أجورٌ متدنِّية، سوءُ معاملة)، أو بالتعليمِ في المدارس والجامعات التركيّة. هذا ناهيك عن مَشاكلِ التواصل مع الجهاتِ الرسميّة التركيّة بسبب اللغة ، وعدمِ الاندِماج بالمنظومةِ الماليّة التركية، حيث لا يَتجاوزُ عددُ السوريّين الذين يَملكون حساباتٍ مصرفيّة في تركيا نسبة 4%، بينما تقلُّ نسبةُ من يملك منهم اعتِماداً ائتمانياً في المصارف التركية عن2% .
تتداخَلُ مشاكل الجالِية السوريّة في تركيا مع مشاكلِ الداخل السوري من تضخُّمٍ وتعليمٍ وإغاثة، لا سيَّما في المناطق المحرَّرة، بشكل أسفرَ عن علاقاتِ تضامن على مستويات عديدة.
- أشكالُ التضامن الاقتِصادي
- ظهرت في مختلف المدن التركية استثماراتٌ سوريّة خاصة. وعلى الرغم من طابعِها الربحيّ، إلا أنها ساهمت إلى حدٍّ كبير في تخفيف وطأة اللجوء وحلِّ جزء من المشكلات التي يعانيها السوريّون في تركيا، على قاعدة آدم سميث الشهيرة " الفرد بسعيِه لتحقيقِ مصالحِه الخاصّة فهو غالباً ما يُحقِّق مصالحَ الجماعة". إذ تمَّ من خلال تلك الاستِثمارات خلقُ مجتمع سوريّ مصغَّر في تركيا عبر افتِتاح معاملَ لإنتاج مُختلف أنواعِ السلع الغذائيّة التي تحملُ أسماءَ علاماتٍ تجاريّة مشهورة في سوريّة ، إضافةً لمحالٍّ تجاريّة مختصّة ببيعِ تلك المنتَجات منتشرةٍ في أحياءِ المدن التركيّة التي يقطُنها السوريون. كما تمَّ افتِتاح مجمَّعات طبِّيَّة سوريَّة خاصَّة يَعملُ بها أطبّاءٌ سوريّون تُقدِّم الخدمة الطبِّيَّة بأسعارٍ منخفِضة عن نظيراتها التركيّة، وافتُتِحت أيضاً مدارسُ ورياضُ الأطفال، ناهيكَ عن مكاتبِ الخدَمات القانونيّة التي تعمل كوسيط بين السوريّين والمؤسَّسات التركيّة الرسميّة، والعديد من المطاعم والمقاهي السوريّة التي تحمل أسماءً مشابهة لأسماء المطاعم والمقاهي الشهيرة في سوريا. ساهمَت كلُّ تلك الاستِثمارات الخاصّة بتسهيلِ حياةِ اللاجئين السوريّين في تركيا، وخلَقت مجتمَعاً سوريّاً شبهَ متكامل، بالإضافة إلى توفيرِ فرصِ عملٍ لآلاف السوريّين بشروطٍ أفضلَ بكثير من تلك التي يَعملون بها في المؤسَّسات التركية.
- أمّا على صعيد التضامن مع الداخل السوريّ، تلعب التحويلات الماليّة للسوريّين المقيمين في تركيا دوراً كبيراً في مساعدة أسَرِهم في سوريا، في ظلِّ الظروف الاقتِصادية الصعبة، وتتمُّ معظم تلك التحويلات عبرَ مكاتبَ سوريّة غيرِ مرخَّصة، وذلك بسببِ صعوباتِ التواصل مع المؤسَّسات الماليَّة التركيَّة (اللغة والإجراءات المعقَّدة) من ناحية، ونتيجةَ الرقابة المصرفيّة المشدَّدة على حوالات السوريّين دوليّاً من ناحية أخرى. لذلك يصعبُ تقدير حجمِها، ولكنَّ أحدَ مكاتبِ التحويل العاملة في مدينة غازي عِنتاب يُقدِّر متوسِّطَ المبالغ المحوَّلة شهريّاً من قبلِه فقط إلى الداخل السوري بما يتجاوَز الـ30 ألف دولار . كما تَنشط حركةُ الشحنِ من تركيا إلى المناطقِ المحرَّرة في سوريا عبرَ مكاتبَ شحن سوريّة تَنقل الملابس والأدويَة وغيرها من المستلزمات الّتي يُرسلها سوريّون إلى أقاربِهم في الداخل.
- تضامنٌ في المجال الإغاثيّ
أ - يعمل في تركيا أكثرُ من ثلاثين منظّمة سوريّة تمارس النشاطَ الإغاثيّ في بعضِ المدن التركيّة، وفي المناطق المحرَّرة داخلَ سوريا، حيث تقومُ تلك المنظَّمات بتصميمِ المشروعات الإغاثيّة وفقاً لاحتِياجات السوريّين وتموِّلها عبرَ شركاء دوليّين من مؤسَّسات تابعة للأمم المتَّحدة ومؤسَّسات خيريّة عالمية. وتنقسم المنظَّمات الإغاثيّة السوريّة في تركيا إلى قسمَين: منظَّمات محلّيَّة تعمل لخدمة منطقةٍ جغرافيّة معيَّنة فقط، ومنظَّمات وطنِيّة تعمل على كامل الجغرافيا السوريّة الواقعة تحت سيطرة المعارَضة، وأبرز تلك المنظَّمات هي: عطاء، إحسان، الأيادي البيضاء، أسَّستها مجموعاتٌ من رجال أعمال سوريّين مقيمين في تركيا. وتتفرَّع نشاطات المنظَّمات الإغاثيّة السوريّةلتغطّي بعض احتِياجات السوريّين في المدن التركيّة وفي المناطق المحرَّرة من تعليم وصحَّة وتوزيعِ السلال الغذائيّة وكفالة الأيتام، بالإضافة إلى مشروعاتٍ تتعلَّق بتأمين مِياه الشربِ النظيفة في بعضِ المناطق المحرَّرة، ومشروعاتٍ إنتاجية تقوم على دعم الزراعة في المناطق المحرَّرة بالتعاونِ مع منظَّمة الأغذية العالمية، وتوزيع اللباس والأدوية، وتقديمِ برامج الدعمِ النفسيّ والتعليمي، خاصَّة للأطفال والنساء في تركيا وفي المناطق المحرَّرة داخل سوريا.
ب -كما يجري في تركيا تنظيمُ حملاتٍ لجمع تبرُّعاتِ وموادَّ إغاثيّةٍ بشكل غيرِ مؤسَّساتي عبرَ مجموعات من النشطاء، وذلك لإغاثةِ بعضِ المناطق التي تتعرَّض لحملاتٍ عسكريّة وتهجير من قِبل النظام السوري، وغالباً ما تتَّخذ تلك الحملات طابعاً مناطقيّاً، حيث يقومُ الناشطون من أبناءِ المناطقِ المنكوبَة بتنظيمِ حملاتِ الإغاثة لها .
- تضامنٌ على المستَوى الثقافيّ والسياسيّ
أ - بحكم طبيعة التواجد السوريّ في تركيا المرتبطِ بظرفِ سوريا السياسي، يَتداخل الحقلان الثقافيّ والسياسي، من حيث اشتِغال المحسوبين على الحقلِ الثقافي من فنّانين ومثقَّفين بالشأنِ السياسي، وانخراطِهم في المؤسَّسات الممثِّلة للثورة السورية. ولذلك يتمّ توجيهُ الجهدِ الثقافيِّ لخدمةِ الحدَث السياسيّ السوريّ وتطوراتِه عبر المؤسّسات السوريّة المعارِضة، وعلى رأسِها مراكز الدراسات السوريّة التي استقطَبت النُّخبَة الثقافيّة والسياسيّة في تركيا. تنظِّم تلك المراكز نَدوات تناقش الوضعَ السياسيَّ السوريَّ في المدنِ التركيّة الرئيسية، ويقيمُ بعضُها صالونات سياسيّة وثقافيّة دائمة في تلك المدن وفي المناطق المحرَرة داخلَ سوريا، تختصُّ بعقدِ لقاءاتٍ لمناقشة قضايا إشكاليّة تتعلَّق بمستقبل سوريا. نذكر على سبيل المثال صالونات الكواكبي والفرات وهنانو التي أحدثَها مركز "حرمون" في مدينة غازي عِنتاب وفي الشمال السوريّ المحرّر . كما يَسعى حاليّاً مركز عمران للدراسات لتنظيم مهرجانٍ ثقافيّ ضخم وشامل في مدينة اسطنبول، بالتعاون مع السلطات التركيّة للتعريف بالثقافة السوريّة .
ب- بالإضافة إلى مراكز الدراسات، تلعب المؤسَّسات الإعلامية في تركيا دوراً هاماً في تدريب النشطاء الإعلاميّين في الداخل السوري من خلال دورات تُعقد في المدن التركية الحدوديّة مع سوريا . وتتعاون مع منظّمات دوليّة داعمة للإعلام البديل لتزويدهم بالمعدّات المطلوبة كأجهزة الحاسب المحمول والكاميرات . كما توجد بعض المبادرات التي تقوم بها منظّمات المجتمع المدني السورية العاملة في تركيا لتطوير المجتمع المحلّي في المناطق المحرَّرة. نذكر على سبيل المثال مؤسّسة "الشام أمانة" الموجودة في اسطنبول، التي أقامت مراكز تدريب في الداخل تُنظِّم دورات مجانيّة في التنمية البشرية والإدارة المحلِّيّة والتمكين السياسي، تَعتمِد على التعليم عن بعد، بحيث يتواجد المحاضرون في تركيا ويقدِّمون محاضراتهم عبر الانترنت للمُتلَقّين في الداخل .
ت- بالمقابل، نشطت بعض الأحزاب السياسيّة السوريّة المعارِضة الناشئة بعد العام 2011 في عدّة مجالات على مستوى الجالية السورية في تركيا، إضافةً إلى نشاطِها في الداخل السوري على المستوى الإغاثي والتنمَويّ والثقافي. إلا أنه يُلحظ أن تلك الأحزاب كانت تنشط في إطار الدعاية الحزبيّة واستِقطاب الأعضاء، وتحديداً من الشباب. كما يُلاحظ نشاط أكبر للأحزاب المدعومة من بعضِ رجال الأعمال السوريّين وجماعة الإخوان المسلمين. إضافة إلى أنَّ نشاط الكُتل السياسيّة القائمة على أساس الانتماءات الإثنيّة (التشكيلات التركمانيّة السوريّة، المجلس الوطني الكرديّ) انحصَر ضمن إطار ذلك المكوِّن. في حين اقتَصر نشاط المؤسَّسات الدينيّة السوريّة العاملة في تركيا بعد العام 2011 على المجال الدعويّ (محاضرات وندوات وحوارات دينية)، مقابل دور ٍفرديّ لعبَه بعض رجال الدين السوريّين، تَمثَّل بالوساطة في حلِّ خلافات داخلَ الجالية السوريّة أو تقريب وجهات النظر مع الحكومة التركية .
ثالثاً - رؤيَةُ النُّخَب ومَرحلةُ ما بعدَ الصِّراع
تمَّ استشراف رؤيةِ النخَب السوريّة لمرحلة ما بعدَ الصراع (إعادة الإعمار) في سوريا عبرَ استِمارة تمَّ تصميمُها لأغراضِ البحث، وتوزيعُها على عيِّنة مكوَّنة من ستّة أفراد موزَّعين على الشكل التالي:
- المستوى التعليميّ: اثنان من مُفردات العيِّنة يَحملان شهادةَ الدكتوراه، مقابلَ اثنين يَحملان شهادةَ الماجستير، طبيب، معهد متوسط.
- مجالُ العمل: البحثُ العلميّ، الصحّة، الإعلام، الاستِثمار، التعليم، الإغاثة.
- تاريخُ مغادرة سوريّا: تراوَحت مدّة مغادرة مفردات العيِّنة بين 3-6 سنوات.
- وجود وثيقةِ سفر سوريّة: خمس أشخاص من مُفرّدات العيِّنة لايزالون يَحملون وثيقةَ السفر السوريّة، مقابل شخصٍ واحد لا يَملك وثيقةَ سفر سوريّة (أمريكيّ الجنسيّة).
- زيارة سوريا بعد َالمغادرة: خمسة أشخاص من العيِّنة لم يَزوروا سوريا بعد مغادرتِها، مقابلَ شخص يقوم بزياراتٍ مُنتظِمة للمناطقِ المحرَّرة بحكم العمل في المجالِ الإغاثيّ.
وقد أتَت إجاباتُ مفردات العيِّنة على أسئلةِ المقابلة على النحوِ التالي:
- جميعُهم بنسبة 100 % زاد اهتمامُهم بالشأن السوريّ بعد عام 2011. أمّا عن كَيفيّة التعبير عن زيادة الاهتِمام فقد تراوَحت الإجاباتُ بين زيادة المتابعة الإعلاميّة للحدث السوريّ ومحاولةِ تحليلِه، والانخِراط المباشَر في الاحتِجاجات والتشكيلات الثوريّة الناتِجة عنه. وقد تعودُ الفروقُ في إجاباتِ مفرداتِ العيِّنة إلى اختِلاف الشريحة العُمريّة، فالّذين أجابوا حولَ انخِراطهم في الاحتِجاجات كانوا دون الثلاثين عام 2011 . ويُستنتَج من خلال إجابات أفراد العيَّنة أنَّ النخبة السوريّة في تركيا على قدرٍ كبير من الاهتِمام والمتابعة للشأن السوري، وقد يعود ذلك إلى تحوُّل تركيا إلى مركز للمعارَضة السوريّة ومؤسَّساتها.
- جميعُ مُفرَدات العيِّنة بنسبة 100 % قدَّموا دعماً سِلميّاً للحراك في سوريا بعد عام 2011. وكان الطابَع الغالبُ لهذا الدعم الإغاثةَ والإعلامَ والطبابة، كما اتَّخذ الدعم المقدَّم شكلَ المبادرات الجَماعية وهذا يعود من وجهة نظرِنا إلى سرعة تشكُّل شبَكات ثوريّة (التنسيقيّات) لدعم الحراكِ في سوريا.
- جميع مفردات العيِّنة، بنسبة 100 %، أعرَبوا عن نيَّتهم بالمساهمة في مصيرِ سوريا والسوريّين بعد انتِهاء الصراع، وأبدى معظمُهم رغبتَه بأن تكون المساهمة ضمن مجال التخصُّص. ويُمكن أن نَستنتِج من الإجابات وجودَ حالةٍ من الحنين للعودة إلى سوريّا والعملِ ضمنَ مجال التخصُّصِ ووَسطِ العمل المعهودَيْن. يُمكن الاستنتاجُ أيضاً أن الخروج من سوريا بالنسبة للنُّخبة كان قسريّاً نتيجةَ الاعتِقال والتضييق بحكمِ نشاطِهم الداعم للحراك بعدَ 2011.
- 50% من مفرَدات العيِّنة يَعتقدون بأن أولويّات المُغْترِبين في النهوض بسوريا يَجب أن تذهبَ لإعدادِ الكوادِر البشريّة عبرَ التعليم والتأهيل والتدريب، في حين يُركِّز 16.67% من أفراد العيِّنة على التعايُش المشترَك. يُعطي 16.67 % منهم الأولويّة لدعم مُنظَّمات المجتمَع المدني، ويَعتقد16.67 % آخرون أنَّ الأولويّة يجب أن تذهب لتكوين وَعيٍ جَماعيٍّ سوريّ. ويلاحَظ من خلال إجابات العيِّنة بأن النُّخبة السوريّة في تركيا، على اختِلاف تخصُّصاتها، ترى دورَها المستقبلي في التركيز على الفرد والمجتمَع في المقام الأوَّل ومن ثمَّ الجوانبِ الاقتِصاديّة والبنْيَة التحتيّة.
- حول المساعدات الممكِنُ تقديمِها لسوريا في مرحلةِ إعادة الإعمار، ارتبَطت الإجاباتُ بالتخصّص المهنيّ لكلِّ فرد (في التعليم والصحّة والإعلام والاستِثمار)، ويلاحَظ من خلالِ الإجابات غيابُ الرغبةِ لدى النخَب السوريّة في تركيا بالانخِراط في العملِ السياسيِّ المباشَر أو الخروجِ عن إطار المِهنة والتخصُّص.
- 3% من مفرَدات العيِّنة يَبحثون عن فرَص استثماريّة مستقبلاً في سوريا بالمعنى الاقتِصاديّ بفعلِ مهنتِهم، في حين أنَّ 33.3% يَبحثون عن فُرَص للاستِثمار في المجال الأكاديميّ ورأس المال البشريّ بحكم تخصُّصِهم أيضاً، مُقابلَ 33.3% لا يَبحثون عن فُرصٍ استثماريّة.
- بالنسبة لمعايير العودة إلى سوريا أو الاستِثمار فيها، أتتَ إجاباتُ العيِّنة على النحْوِ التالي: يَعتبِر 33.3% الأمنَ المعيار الأهمَّ بالنسبةِ لهم، في حين يَعتبر 33. 3% آخرون، وهم فئة المستثمرين، وجودَ المؤسَّسات المِعيارَ الأوّل؛ يعطي 16.67% من أفراد العيّنة الأولويّة لرحيل النظام، بَينما يُعطي 16.67% الأولويّة للعودة إلى منطقتهم بالتحديد. يُمكن الاستنتاج من خلال الإجابات بأنّ نَمط تفكير غالبيّة النُّخبة السوريّة أقربُ للواقعيّة السياسيّة، وتركِّز على العَودة إلى البلادِ في ظروفٍ آمنةٍ أكثرَ من تركيزِها على نوعِ الحلِّ السياسيِّ على الرغم من انتِمائها للمعارضة.
- بالنسبة للمجالات المحبِّذة للمساهمة، فالحافز الأوّل هو مجالُ التخصُّص، الأمر الذي يَعكس لدى أفراد العينة مستقبلاً الرغبة في العملِ ضمنَ الاختِصاص والبعدِ عن المجالِ السياسيّ، رُغمَ انضِواء بعضِهم في صفوفِ المعارَضة السياسيّة حاليّاً في تركيا.
- بالنسبة للمؤسسات الموثوقة لإيصال الدعم؛ 66% من أفراد العيّنة لا يثِقون بالمؤسَّسات الموجودة حالياً، 16.67% يَثقون بالمنظَّمات الدوليَّة والمنظَّمات المحلِّية المرتبِطة بها، 16.67 % يَثقون بالمجالس المحلِّيَّة والهيئات المدنية، وهذا يُعتبَر مؤشِّراً خطيراً لانعدام الثِّقة بين النخَب السوريّة في تركيا وبين المؤسَّسات المسؤولة عن الإغاثة وإيصال الدعم للداخِل السوريّ.
- بالنسبة للمؤسَّسات الموثوقة كمصادر داعمة لاتِّخاذ القرار، 50% من العيِّنة يَثِقون بالمؤسَّسات العالميّة، 16.67% من العيِّنة يَثقون بالمراكز البحثيّة، 16.67% يَثقون بالمنشورات الإخباريّة، 16.67% يَثقون بالمعلومات الصادرة عن المؤسَّسات ذات التوجُّه الوطني، وتَعكس النتائج فجوةً في الثقة بين النُّخبة السوريّة في تركيا وبين المؤسَّسات المحلِّيّة من إعلامٍ ومراكزَ بحثيّة.
- بالنسبة للجهة المفضَّلة للعمل معها، 33.3% من أفراد العيِّنة مُستعدّون للعمل مع جميع الجهات بشرط وجود إطار قانوني مُلزم، 50% يُفضِّلون العملَ مع المجتمَع المدني والسلطات المحلِّيّة، 16.67% يفضِّلون العملَ مع القطاع الخاصّ. ويُمكن تفسيرُ النتائج بأنّ النخبة السورية في تركيا تَنتمي بالأصل إلى منظَّمات المجتمَع المدنيّ لذلك فهي بغالبِها تفضِّل التعاملَ معها.
- بالنسبة للثقةِ بالمجالس المحلِّيّة وإدارتها للمساعدات بطريقة رشيدة، 50% من أفراد العيِّنة يَثِقون بالمجالس المحلِّيّة، 33.3% يربطون ثقتَهم بها بكَوْنِها منتخَبة، 16.67% لا يَثقون بها ويعتبرونها نتاجاً للفوْضى. وتبدو النتائجُ مَنطقيّة، وتعكِس ثقةً كبيرة بالمجالس المحلِّيّة من قِبل النُخَب السوريّة المتواجِدة في تركيا، ممّا قد يكون مؤشِّراً على تقبُّلٍ لدى النُّخب السوريّة لبُنيَة حكمٍ أقلَّ مركزيّةً مستقبلاً في سوريا.
- بالنسبة للعوامل التي قد تَحول دونَ مُساهمات النخب، اختلفت الإجابات، وأتَت هذه العوامل بالترتيب: 1) الفسادُ وتهميشُ فئة معيَّنة من الشعب السوري؛2) التبعيّة للخارج؛ 3) وجودُ فئات انتِهازيّة؛ 4) انعِدام الأمنِ ووجودُ انقسامات طائفيّة؛ 5) الاستِخدام السياسيّ للمساعدات؛ 6)عدمُ الاستقرار. ممّا يَعكس أهميّةَ مِعيارِ الوطنيّة بالنسبة للنخَب السوريّة في تركيا، وهو الناظِم لِتَعاونها مع المؤسّسات المسؤولة عن إيصالِ دعمِها للداخل.
خلاصة
تُعتبَر ظروفُ اللاجئين السوريين في تركيا أفضلَ نسبياً من أقرانِهم في باقي دول الجوار السوري، على الرغم من بعضِ المشكلات القانونيّة التي يعيشونها. وهو أمرٌ أتاح لهم حريّةَ الحركةِ والتجمُّع والتضامُن بشكلٍ ساهَم في خلقِ مجتمَعات سوريّة مصغرَّة داخلَ المدن التركية، لعبت فيها النُّخَب والمؤسّسات، إلى جانبِ الموقِفِ التركي الرسميّ الداعمِ للثورة السوريّة، دوراً كبيراً في إتاحةِ الفرصة لخَلقِ أنماطٍ كثيرة من التضامنِ بين السوريّين المقيمين والداخل السوري. وكما يَظهر من خلالِ نتائجِ الاستِبيان الخاصِّ بالدراسة، فالنُّخبة السوريّة، على اختلاف تخصُّصاتها (الأكاديميّة، الاقتصاديّة، الثقافيّة، الإعلاميّة)، لاتزال مُرتبطةً بالوضعِ السوري ولم تَنفصِل عنه، كما أنَّها لا تزال تساهمُ في دعمِ الداخل السوري وتتطلَّع إلى مرحلةِ ما بعدَ الصراع للمشاركة في إعادة الإعمار بمختلفِ جوانبِه.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.