الجهات الفاعلة في مجال المناخ في لبنان

أمكن إجراء هذا البحث بدعم من منظمة هيفوس من خلال برنامج شراكة – من أجل العمل المناخي الشامل

1.مقدمة

نظراً إلى موقعه الجغرافي وطبيعته الاجتماعية والسياسية، يتعرّض لبنان بشكلٍ خاص لتغير المناخ ويعاني بالفعل من تأثيره. فارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار وموجات الجفاف والحرّ الطويلة تؤدي إلى تدهور الموارد الطبيعية للبلاد وصحة الناس وسبل عيشهم. وما يُفاقم هشاشة البلاد أمام تغير المناخ هو التوسع الحضري السريع وعدم الاستقرار السياسي، والحكم المجزأ، والحرب، والأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة - وجميعها عوامل تعيق وضع استراتيجيات فعّالة للتكيّف والتخفيف من آثار تغيّر المناخ.

ولمواجهة هذه التحديات، وفي محاولةٍ لسد الثغرات التي خلّفها التقاعس الحكومي، تنخرط منظمات المجتمع المدني والناشطون اللبنانيون بشكلٍ متزايدٍ في الحوكمة المناخية. واستنادًا إلى مقابلات مع 16 من الجهات الفاعلة الرئيسية في هذه المنظمات المُشارِكة في النشاط والمناصرة في مجال المناخ في لبنان، تحدد هذه الورقة مشهد النشاط المناخي والجهات الفاعلة المعنية ومطالبها والتحديات التي تواجهها وتأثير سياساتها حتى الآن وفرص التقدم في المناصرة البيئية.

2. ما هي العدالة المناخية؟

تمتد العدالة المناخية إلى ما هو أبعد من الأضرار البيئية المحلية لمعالجة أوجه عدم المساواة المحلية والعالمية والنظامية المرتبطة بتغير المناخ. وتسلط الضوء على العبء غير المتكافئ للكوارث المرتبطة بالمناخ على المجتمعات المهمشة، وتشدد على المسؤولية التاريخية للدول الغنية والصناعية التي ساهمت أكثر من غيرها في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبالتالي يقع عليها  "دين مناخي" للبلدان النامية. تُعيد العدالة المناخية صياغة العمل المناخي بما يتجاوز الإصلاحات التقنية للحد من الانبعاثات نحو تغيير منهجي يركز على حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وإشراك المجتمعات الأكثر تضررًا في عملية صنع القرار.

وتزامن صعود النشاط المناخي في لبنان مع ارتفاع الوعي والتمويل العالمي حول المناخ، وتتبع مؤتمرات مثل قمة ريو في العام 1992 - التي شكلت نقطة تحول في السياسة البيئية العالمية، مع إنشاء اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ - ومؤتمر كوبنهاغن في العام 2009، واتفاق باريس في العام 2015، واجتماعات مؤتمر الأطراف اللاحقة. ودفعت النسختان الأخيرتان لمؤتمر الأطراف (شرم الشيخ، مصر، ودبي، الإمارات العربية المتحدة) اللتان عُقدتا في المنطقة العربية بشكلٍ خاص، بقضايا تغير المناخ إلى صدارة أنشطة منظمات المجتمع المدني اللبنانية.

وعلى مدار العقد الماضي، أدى تزايد بروز تغير المناخ كقضية عالمية إلى زيادة فرص التمويل، ما دفع العديد من هذه المنظمات، سواء ركّزت  سابقاً على تغير المناخ أم لا، إلى دمج الأنشطة المتعلقة بالمناخ في جداول أعمالها. وفي حين نتج عن ذلك دفع وتسريع نمو الحركات المناخية في لبنان وتعزيز قدراتها في هذا المجال، إلا أنه تسبّب أيضًا بانخراط المنظمات في مشاريع لا تمتلك الخبرة أو الاهتمام اللازمين للنجاح فيها، بدافع التمويل المحتمل. على هذا النحو، يمكن وصف تطور النشاط المناخي في لبنان بأنه مدفوع من قبل المانحين بدلًا من اتباع منطق من القاعدة إلى القمة أو من القمة إلى القاعدة.

لكن في الوقت نفسه، يُؤطَّر النشاط المناخي في لبنان - مثل النشاط البيئي على نطاقٍ أوسع - بشكلٍ متزايد كامتداد لنضالات العدالة الاجتماعية الأوسع نطاقًا، مثل انتفاضة عام 2019 ضد الفساد وفشل الحكم.

3.من هم الفاعلون الرئيسيون في مجال المناخ في لبنان؟

على الرغم من عدم وجود نقص في المناصرة والحملات البيئية في لبنان، إلا أنه من الصعب تحديد حركة مناخية وطنية تركز فقط على النشاط المناخي. فلا تزال منظمات المجتمع المدني تركز على النشاط البيئي أكثر من النشاط المناخي، فتدمج معظم المنظمات غير الحكومية اللبنانية تغير المناخ كإضافة إلى أنشطتها البيئية. على سبيل المثال، يعمل "الصليب الأحمر اللبناني" و"الصليب الأحمر الدولي" على العمل المناخي، كذلك المبادرة اللبنانية للنفط والغاز ("لوغي") ، التي تربط عملها بالتغير المناخي عبر التحول إلى الطاقة المتجددة. وكانت المنظمة غير الحكومية "IndyACT" من بين أوائل المنظمات التي تعمل حصراً في مجال تغير المناخ، فشاركت بكثافة في المفاوضات المناخية وسياسات المناخ والمناصرة في لبنان والمنطقة. ومع ذلك، وعلى الرغم من أهمية عملها في هذا القطاع، إلا أن الفضائح والمشاكل الداخلية فيها أوقفت عملها وطغت عليه. وتعمل المنظمات الأخرى التي أدرجت المناخ في أنشطتها على إعادة التحريج (المبادرة اللبنانية لإعادة التحريج) أو التنقل (حقوق الراكب) أو حماية شاطئ البحر (يوميات المحيط)، أو السيادة الغذائية (منظمة جبال). وتوفر "YOUNGO"، وهي منظمة مركزية لجميع المبادرات التي يقودها الشباب بشأن العمل المناخي، ومؤتمر الشباب المحلّي للتغيّر المناخي التي تنظمه منظمة اليونيسف (LCOY) مساحةً للشباب لمناقشة مطالبهم والتعبير عنها على المستويين الوطني والدولي. ونجحوا من خلال حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" في استخدام منصات التواصل الاجتماعي لتعميم قضايا المناخ.

وشملت الجهات الفاعلة المحلية الأخرى المؤسسات البحثية والأكاديمية التي سلطت الضوء، من بين أعمالٍ أخرى، على سلبيات السياسات والمشاريع المثيرة للجدل، مثل "معهد عصام فارس" و"مركز حماية الطبيعة في الجامعة الأميركية في بيروت" و"المفكرة القانونية" و"استوديو الأشغال العامة" و"مبادرة السياسات" و"مبادرة الإصلاح العربي". وأنتجت مؤسسات إعلامية مستقلة مثل "درج" و"ميغافون" و"بيروت اليوم" و"رصيف22" وصحافيون أفراد معروفون مثل حبيب معلوف، خطابًا يربط بين تغير المناخ والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية.

وتشارك الجهات الفاعلة في مجال المناخ في لبنان أيضًا في شبكات المناخ الإقليمية، وأبرزها "الشبكة العربية لتغير المناخ" و"شبكة العمل المناخي في العالم العربي" و"شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية". وبالنظر إلى أن لبنان يتشارك بعض التحديات البيئية مع بلدان أخرى في المنطقة، فإن هذه التحالفات توفر فرصاً للتعاون والدعوة المشتركة. وأصبح مخيم غرينبيس وجذور السنوي للعدالة المناخية حدثًا رئيسيًا للشباب من جميع أنحاء الجنوب العالمي للمشاركة في وضع استراتيجيات مشتركة وبناء شبكات. كما تظهر تحالفات شبابية إقليمية أخرى مثل "فرصة خضراء"، "شبكة الشباب العربي للتنمية المستدامة"، "حركة الشباب العربي للمناخ"، "مركز الشباب العربي"، ومنظمة "تبادل صناع التغيير".

ومع ذلك، تُعدّ المنظمات الدولية والممولون الأجانب الجهات الفاعلة الرئيسية التي تقود العمل والأنشطة المناخية في البلاد أكثر من الجهات المحلية أو الإقليمية. وتقف منظمات مثل "السلام الأخضر"، "الاتحاد الأوروبي"، "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، وكالات الأمم المتحدة (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسيف)، السفارات، ووكالات التنمية (الوكالة الفرنسية للتنمية، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي)، وراء العديد من المشاريع التي تقدم الخبرة المالية والتقنية.

4.ماذا تريد الجهات الفاعلة في مجال المناخ؟

مقارنة بالمطالب البيئية، تُعد المطالب الخاصة بالمناخ أقل بروزًا في لبنان. ويقول أحد الناشطين إن "المناصرة المناخية سطحيةإلى حدٍ ما. ولا أعرف إلى أي مدى يُعتبر مفهوم وفكرة الابتعاد عن الوقود الأحفوري بشكلٍ كامل أمرًا تضغط من أجله هذه المجموعات، خصوصاً في السياق اللبناني، فنحن نكافح كثيرًا لتأمين الكهرباء". في الواقع، يدفع عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المستمر في لبنان المواطنين والمجتمع المدني إلى معالجة التهديدات والاحتياجات الفورية والملموسة أكثر من التركيز على التغيير المنهجي طويل الأجل. علاوة على ذلك، ركزت منظمات المجتمع المدني بشكلٍ أكبر على زيادة الوعي حول تغير المناخ بدلاً من التعبير عن مطالب قابلة للتنفيذ ومحددة السياق.

ومع ذلك، قدمت هذه المنظمات مطالب خاصة بالمناخ، وتحديدًا في الدعوة إلى تبني الدولة اللبنانية لاتفاقية باريس والمساهمات المحددة وطنيًا وتعميم العمل المناخي في السياسة الوطنية. ويرى ناشطو المناخ أنه يجدر التعامل مع تغير المناخ كموضوع سياسي وإدماجه في المناقشات الوطنية لمعالجة آثاره بفعالية – لا سيما من منظور التكيف بالنظر إلى أن لبنان مساهم صغير في الانبعاثات والغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وعلى الصعيد الدولي، وتماشيًا مع مبادئ العدالة المناخية العالمية، يشدد الناشطون اللبنانيون على المساءلة التاريخية للدول ذات الانبعاثات العالية عن تغير المناخ، ويدعون إلى تعويضات غير مشروطة في شكل دعمٍ مالي ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات. ويجادلون بأن العدالة المناخية تتطلب إصلاحات منهجية، من ضمنها معالجة الفساد السياسي وسوء الإدارة الاقتصادية والتوزيع غير العادل للموارد. كما تدعو المنظمات اللبنانية إلى الاعتراف العالمي بلاجئي المناخ وزيادة الدعم للفئات السكانية الضعيفة.

تُظهر مواءمة مطالب تغير المناخ مع مطالب مجموعة الــ"77" والصين، الاعتماد على الأطر والتحالفات العالمية – التي ربما تمكّن وتعزز شرعية مناصرة المنظمات لكن يمكنها أيضاً تقويض قدرتها على تحقيق مطالب ومقاربات أكثر محلية تعكس السياقات والاحتياجات الوطنية.

على المستوى الحكومي، تناصر الدولة اللبنانية الأولويات المناخية الآتية في الأطر الدولية:

  • التمويل المناخي والخسائر والأضرار المناخية: يدعو لبنان إلى زيادة التمويل الدولي للمناخ، لا سيما عبر آليات مثل صندوق المناخ الأخضر وصندوق الخسائر والأضرار. وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، يسعى لبنان إلى الحصول على الدعم المالي لمعالجة التكاليف الاقتصادية والبيئية لتغير المناخ.
  • الطاقة المتجددة والتحول في مجال الطاقة: يشدد لبنان على الحاجة إلى الدعم الدولي لتوسيع نطاق مشاريع الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري.
  • التكيف والمرونة: كبلد شديد التأثر بالتغيرات المناخية، يعطي لبنان الأولوية لتدابير التكيف في قطاعات مثل الزراعة وإدارة المياه وحماية السواحل.
  • الهجرة الناجمة عن المناخ والعدالة الاجتماعية والاقتصادية: يضيف دور لبنان كبلد مضيف للاجئين أهمية ملحة للنقاشات حول النزوح والهجرة الناجمة عن المناخ.
  • تعزيز التعاون الإقليمي: يشارك لبنان في المبادرات الإقليمية، مثل برامج الاتحاد من أجل المتوسط المتعلقة بالمناخ، لتعزيز التعاون وتبادل المعرفة بشأن العمل المناخي.

وفي الآونة الأخيرة، اتهم لبنان إسرائيل بارتكاب إبادة بيئية في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، مستخدماً هذه المنصة للفت الانتباه إلى الأضرار البيئية الناجمة عن الأعمال العسكرية الإسرائيلية وتأكيد ضرورة الاعتراف العالمي بهذه الأعمال باعتبارها إبادة بيئية. تؤكد هذه اللحظة على التقاطع بين العدالة المناخية وحقوق الإنسان والمساءلة عن الجرائم البيئية على الساحة العالمية.

5.ما هي التحديات التي تواجه العمل المناخي؟

يمثل عدم الاستقرار السياسي المستمر والأزمات المتفاقمة في لبنان تحديًا كبيرًا، ويشكل عقبة أمام التغيير الفعال، وتُهمّش غالبًا الهواجس المتعلقة بتغير المناخ لصالح قضايا أكثر إلحاحًا. أما في ما يتعلق بالحوكمة، فإن التحديات الرئيسية التي تراها الجهات الفاعلة في مجال المناخ تتعلق بالمشهد السياسي المجزأ والفساد وضعف المؤسسات الحكومية التي تفتقر إلى القدرة على التعامل مع العمل المناخي. كما يُعرقل الافتقار إلى استراتيجية وطنية موحدة عملية صنع السياسات المناخية وتنفيذها، ويؤثر في قدرة المنظمات على التأثير في عمليات صنع القرار. ويؤدي الفساد داخل المؤسسات الحكومية وبعض هذه المنظمات إلى صعوبات  في تأمين الأموال أو تهميش المشاريع أو إساءة استخدام الأموال لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية. فاعتمادها  على علاقات المحسوبية والزبائنية مع النخب السياسية عرّضها للتلاعب السياسي الذي يقوّض مصداقية وفعالية عملها، خصوصاً في ما يتعلق بالعمل المناخي المنهجي وطويل الأجل.

فمن دون إضفاء الطابع المؤسسي على سياسات المناخ، تتوقف فعالية مناصرة منظمات المجتمع المدني على الإرادة السياسية الشخصية للوزراء، ما يعرقل استدامة المشاريع واستمراريتها. بالإضافة إلى أن وزارة البيئة في لبنان تفتقر إلى الموارد المالية والقدرات ولا تنسق بشكلٍ كافٍ مع الوزارات الأخرى، فيصبح تنفيذ جهود التكيف والتخفيف على نطاق واسع أمرًا مستحيلًا. ومن المهم أيضًا ملاحظة أن وحدة المناخ الرئيسية في الوزارة يرأسها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي حين يُعد هذا الأمر غير عادي ويعكس مشاكل في الإدارة، إلا أن قدرات الفريق الفني الوزاري ومعرفته أظهرت نتائج واعدة في ما يتعلق بالجهود المتعلقة بالمناخ. ولعبت الوحدة دورًا في زيادة التعاون بين الوزارة والمنظمات، لا سيما الشباب (مجلس الشباب + لجنة مؤتمر الشباب المحلية). وشاركت في المفاوضات، وحددت الأولويات ونقاط الضعف في لبنان، وأنشأت مؤخرًا فريق عمل يضم منظمات من مختلف القطاعات، على أمل إنشاء شبكة قوية والبناء على هذه الجهود بهدف وضع استراتيجية وطنية بشأن تغير المناخ.

وتشكل قيود الموارد عقبة أخرى أمام فعالية المنظمات. فكثير من التمويل للمبادرات المناخية في البلاد يأتي من مصادر دولية تفرض غالبًا هياكل وشروطًا تعيق التغيير المنهجي. تاريخيًا، كان النشاط المناخي في لبنان ممولًا ذاتيًا إلى حدٍ كبير من المجتمع المدني العربي، فشكّك المانحون الدوليون في البداية في قدرة الجهات الفاعلة المحلية على التأثير في السياسات. ومع مرور الوقت، تغيرت هذه الديناميكية فأصبح الممولون الأجانب - مثل السفارات ووكالات التنمية والمنظمات الدولية - المصادر الرئيسية للدعم المالي للمبادرات المتعلقة بالمناخ. ويحد هذا الاعتماد من استقلالية المنظمات المحلية ويديم الاعتماد على المساعدات الخارجية، ولا يؤدي إلى خنق الابتكار فحسب، بل يُعيق أيضاً  قدرة المنظمات على التخطيط لتحقيق تأثير طويل الأجل لأن دورات التمويل تعطي الأولوية للمشاريع قصيرة الأجل. وتجبر هذه الديناميكيات المنظمات على تكييف مشاريعها لتتناسب مع أولويات الجهات المانحة بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للضعف المناخي في لبنان. وتواجه المنظمات الشعبية الأصغر حجمًا تحديات كبيرة في الحصول على التمويل مقارنة بالمنظمات غير الحكومية الأكبر حجمًا والأكثر رسوخًا، ما يخلق اختلالات داخل الحركة المناخية ويعيق نمو المبادرات المجتمعية الشاملة. ومع محدودية التمويل المتاح، تتنافس المنظمات أيضًا على الموارد المحدودة بدلًا من التعاون لمواجهة التحديات المشتركة.

وأدى الانهيار الاقتصادي إلى انخفاض حاد في تدفق الأموال، إذ تكافح العديد من المنظمات للحفاظ على عملياتها بسبب انخفاض قيمة العملة وتقييد الوصول إلى العملات الأجنبية. حتى وزارة البيئة التي كانت تقدم منحًا صغيرة إلى هذه المنظمات، تعتمد الآن بالكامل على التمويل الأجنبي.

وعلى الرغم من هذه التحديات، يبرز بصيص من الأمل. فمبادرات مثل التمويل الجماعي، الشراكات مع القطاع الخاص، والشبكات الإقليمية مثل شبكة العمل المناخي توفر سبل تمويل بديلة. كما يشير إعلان وزارة البيئة عن إنشاء صندوق أخضر/صندوق للتغير المناخي إلى تحولٍ محتمل نحو دعم مؤسسي أكبر، إلا أن تنفيذه لا يزال غير مؤكد.

أما على المستوى الإقليمي، فإن التشرذم السياسي وعدم الاستقرار الاقتصادي في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعقّدان إنشاء تحالفات إقليمية طويلة الأجل وفعالة. وركزت التحالفات المناخية على المناطق الفرعية بدلاً من المنطقة نفسها بسبب الاختلافات بين الدول العربية. علاوة على ذلك، تؤثر الاختلافات حول مشاركة الدول في إدارة المناخ في القدرة على التنسيق على المستوى الإقليمي. وقد يكون تنسيق الجهود المتعلقة بالعمل المناخي أكثر صعوبة بين الدول التي تلعب فيها حكومة ما دورًا مباشرًا في العمل والسياسات المناخية (مثل الإمارات العربية المتحدة) وأخرى يقود فيها المجتمع المدني المشاركة في العمل المناخي.

6.هل هناك تأثير في السياسات؟

على الرغم من أن الناشطين رفعوا الوعي بالقضايا البيئية والمناخية، إلا أنه وبالنظر إلى العقبات التي نوقشت في القسم السابق، لا تزال تُشكل ترجمة هذا الوعي إلى تغييرات ملموسة في السياسات تحدياً كبيراً. وتسلط الجهات الفاعلة في مجال المناخ الضوء على أن العديد من المشاكل المنهجية التي حاربها الناشطون في لبنان، مثل نقص الكهرباء وعدم كفاية وسائل النقل العام وعدم فعالية أنظمة إدارة النفايات، لا تزال قائمة اليوم. كما يلفتون إلى أنه حين يحدث تقدم - مثل حقيقة أن لبنان تجاوز بعض أهداف المساهمات المحددة وطنيًا بسبب التغييرات في قطاع الطاقة - فإن السبب ليس العمل الحكومي أو مناصرة المجتمع المدني، بل الجهود الفردية واللامركزية في شكل تركيب الألواح الشمسية.

ومع ذلك، هناك حالات تمكنت فيها المنظمات من إحداث تأثير أكبر. فعلى سبيل المثال، أثبتت مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية أهميتها الحاسمة في دفع الشواغل المناخية في الخطاب السياسي، والضغط على الأحزاب السياسية لتبني سياسات أكثر توجهاً نحو المناخ، وهي خطوة ترى فيها بعض الأحزاب وسيلة جذابة لإشراك الناخبين الشباب.

وشكل اتفاق باريس في العام 2015 وما تلاه من مساهمات محددة وطنياً نقطة تحول، فخلق مساحةً للتعاون بين الحركات المناخية والمؤسسات الحكومية وأدى إلى زيادة مشاركة المجتمعات المدنية والتشاور معها عبر الشراكات الرسمية والمشاركة في الخطط والمشاريع والمناقشات السياسية الوطنية المتعلقة بالمناخ. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هذه المشاورات تؤدي دورًا استشاريًا للمنظمات، إلا أنها لا تستلزم بالضرورة المشاركة الفعالة أو الإدماج في عمليات صنع القرار وتنفيذ السياسات.

واعتمد التعاون بين المنظمات والحكومات ومشاركة المنظمات في المحافل الدولية مثل مؤتمر الأطراف، على وزراء البيئة أنفسهم – معرفتهم واهتمامهم واستعدادهم للتعاون في موضوع تغير المناخ. "حين يتواجد هذا الانفتاح، يسيطر جو إيجابي للتعاون، لكن للأسف هذه الحال ليست دائمة وهناك وزراء لا يشاركون" (المتحدث الذي جرت مقابلته). وبالتالي، ينتج عن عدم إضفاء الطابع المؤسسي على تغير المناخ الاعتماد على الالتزام الفردي للوزراء، ما لا يؤدي إلى تأثير مستدام وطويل الأجل للسياسات. في بعض الحالات، يمكن أن يكون وزير معين مفيدًا لمنظمات المجتمع المدني، مثل وزير البيئة السابق ناصر ياسين الذي أشاد به من جرت مقابلتهم لاستعداده للتعاون وتسهيل عملهم. في العام 2015، حضر عدد قليل فقط من ممثلي المجتمع المدني اللبناني مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في باريس. وبحلول مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي، اعتُمد أكثر من 100 شخص من الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني من قبل الحكومة اللبنانية، وهو إنجاز كبير سهّله ياسين.

يعكس العدد المتزايد للجهات الفاعلة من المجتمع المدني في مؤتمر الأطراف اعترافًا متزايدًا بأهمية المجتمع المدني في مفاوضات المناخ. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قائمة، بما فيها محدودية فرص التمويل وتقييد الوصول إلى غرف المفاوضات، التي تُحجز غالبًا للوفود الحكومية. علاوة على ذلك، يتعين على منظمات عديدة الاعتماد على شارات تجاوز الأطراف التي تتطلب منها أن تتماشى مع وجهة نظر الحكومة، ما يحد من قدرتها على المناصرة بشكلٍ مستقل. وفي مؤتمر الأطراف السابع والعشرين في مصر ومؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي، كان وصول المنظمات غير الحكومية خاضعاً لرقابة مشددة، ما يعكس اتجاهًا أوسع نطاقًا لقمع المجتمع المدني. وبشكلٍ عام، اتفقت الجهات الفاعلة في مجال المناخ التي أجريت معها مقابلات لإعداد هذا الموجز على أن تأثير المنظمات اللبنانية على تشكيل اتجاه السياسات أو صنع القرار يبقى  ضئيلًا. ولا تزال هذه الحركة تعتبر حديثة العهد، فيحضر العديد من المشاركين في مؤتمر الأطراف في المقام الأول من أجل التواصل أو عرض عملهم، بدلًا من الانخراط في الدعوة الموضوعية أو الضغط.

أما على المستوى الحكومي، فإن تأثير لبنان في مؤتمرات الأطراف مقيّد بضعفها الجيوسياسي ومحدودية قدرتها التفاوضية. وباعتباره بلدًا صغيرًا يعاني اقتصاديًا، يعتمد غالباً على التحالفات الإقليمية والائتلافات الدولية لإيصال صوته. على سبيل المثال، توفر المشاركة في المجموعة العربية ومجموعة الـ77 للبنان منبراً للدعوة إلى تمويل قضايا المناخ ودعم التكيف. ومع ذلك، تهيمن على هذه المجموعات غالباً دول ذات مصالح متضاربة، ما يحد من قدرته  على الدفع باتجاه سياسات مناخية تقدمية. وأحرز لبنان بعض التقدم، مثل دوره كمراقب في صندوق الخسائر والأضرار ومشاركته في لجنة خطة التكيف الوطنية، ما يؤكد أهمية تمويل التكيف مع المناخ.

ويؤدي الوفد اللبناني دوراً حاسماً في صياغة السياسات المناخية الوطنية والدولية في مؤتمرات الأطراف. ويشارك الوفد الذي يضم ممثلين عن وزارة البيئة ووزارة الطاقة والمياه وهيئات حكومية أخرى، في المفاوضات رفيعة المستوى والاجتماعات الثنائية والمناقشات الإقليمية،  كالتي تجري ضمن المجموعة العربية ومجموعة الـ77. وتعكس مشاركة لبنان في هذه المجموعات مكانته كدولة معرضة للخطر وتطالب باتخاذ إجراءات مناخية أكثر طموحاً. وأظهر الوفد اللبناني كفاءة فنية ومهارة دبلوماسية، لا سيما في النأي بلبنان عن المواقف التي لا تتماشى مع مصالحه الوطنية. وجرت الإشادة بالمجموعة الأساسية للوفد التي يدعمها غالباً خبراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لقدرتها على إدارة المفاوضات المعقدة.

إلا أن فعالية الوفد تعوقها غالباً التحديات المحلية، بما فيها عدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية وضعف التنسيق المؤسسي. وأدت التغييرات المتكررة في الحكومة ووزارة البيئة، مع تعيين وزراء جدد سنوياً تقريباً، إلى تعطيل الاستمرارية، ما أدى إلى عدم اتساق الإعداد وتغير المطالب لكل مؤتمر للأطراف. وفي حين توفر وحدة المناخ التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعض الاستقرار، يترك غياب استراتيجية وطنية واضحة ومحددة المعالم وفد لبنان من دون مطالب محددة، معتمداً بدلاً من ذلك على رؤية واسعة لما تهدف إليه البلاد. ويمكن الاستفادة من هذه السيولة من الناحية الاستراتيجية، لكنها تسلط الضوء أيضاً على الحاجة إلى تحسين التنسيق وبناء القدرات داخل الوفد. كما أن عدم وجود تفويض واضح من الحكومة المركزية يزيد من تعقيد المفاوضات، فيتعين على المندوبين التعامل مع المصالح والأولويات المتنافسة.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الاعتماد على المفاوضات التي تقودها الحكومة غالباً إلى تهميش وجهات نظر المنظمات، على الرغم من دورها الحاسم في المناصرة. وفي حين يضمن التعاون مع الحكومة الوصول إلى المنابر الدولية، إلا أنه يثير أيضًا مخاوف بشأن ترجمة السياسات إلى إجراءات مناخية ملموسة على أرض الواقع.

7.ما الذي يمكن عمله؟

لتحسين التنفيذ، حُددت الأولويات الآتية:

إلى الحكومة اللبنانية:

  • صياغة سياسة وطنية للمناخ. في ظل غياب سياسات الدولة وتدابير التنفيذ، يقتصر دور المجتمع المدني على نشر الوعي ومحاولة الحلول مكان الحكومة في تنفيذ المشاريع بنفسها. ويتمثل دور المنظمات في دعم نجاح هذه المشاريع والمساهمة في تحقيق أهدافها.
  • تعزيز الحوار المشترك بين الوكالات والقطاعات بين أصحاب المصلحة المتعددين من ضمنها المنظمات والقطاع الخاص والحكومة، كذلك بين الوزارات نفسها لمناقشة الأولويات والاحتياجات وبناء الثقة وتطوير شراكات حقيقية طويلة الأمد. ويستلزم ذلك أيضًا تحديد أدوار واضحة لكل كيان معني.
  • اعتماد نهج تشاركي بين الحكومة والمجتمع المدني مع إنشاء منتديات لأصحاب المصلحة للتواصل والتعاون والمناقشة وتقسيم العمل.
  • تسهيل وصول المنظمات إلى الموارد. وفي حال لم يكن ذلك ممكنًا على المستوى المالي، تسهيل الوصول إلى الأراضي والمساحة والتصاريح والدعم العيني أو البحثي.
  • إنشاء صندوق المناخ الأخضر لدعم المشاريع المشتركة المتعلقة بالمناخ.
  • تعزيز جهود اللامركزية حيث تتخذ البلديات إجراءات محلية.

إلى منظمات المجتمع المدني:

  • الدعوة إلى تحقيق العدالة المناخية ومطالبة الحكومة بانتقال عادل يشمل المجتمعات الأكثر ضعفًا ويضمن الوصول العادل إلى الموارد.
  • الضغط من أجل المساءلة والشفافية في الحوكمة، لا سيما استقلالية النظام القضائي.
  • التركيز على جهود التكيف المجتمعية، وتسليط الضوء على أصوات المجتمعات المحلية ودعم المشاريع التي يمكن أن تزيد القدرة على التكيف مع الآثار المناخية.
  • وضع استراتيجية وطنية موحدة وتنسيق الأولويات بشكلٍ منفصل عن جداول الأعمال التي تحركها الجهات المانحة.
  • إقامة تحالفات استراتيجية مع المنظمات الوطنية الأخرى والقطاع الخاص والجهات الفاعلة الإقليمية والدولية للنهوض بالأهداف المناخية. كما يمكن للحوارات الإقليمية أن تقود المنظمات للتأثير في أطر السياسات الأوسع نطاقاً والدعوة إلى العمل المناخي المنسق في المنطقة.
  • إنشاء اتحادات للتمكن من الوصول إلى مبالغ أكبر من التمويل، والحد من تكرار العمل، وإحداث تأثير أكبر.
  • الاستثمار في إنتاج المعرفة المحلية لتوثيق وتحليل آثار التغير المناخي الخاصة بالسياق والتوقعات التي تعكس الحقائق على أرض الواقع.
  • إنتاج معرفة باللغة العربية تكون في متناول الجمهور.
  • تعميق المعرفة بتغير المناخ من خلال التدريب وحملات التوعية وبناء القدرات.
  • الدفع نحو حوار أعمق مع الجهات المانحة لمواءمة الأولويات مع الاحتياجات الفعلية بشكل أفضل بدلاً من مجرد قبول الأموال واتباع التوجيهات.

إلى الجهات المانحة:

  • - إقامة شراكات أقوى مع الجهات المتلقية للمنح والثقة في حكم الناس على أرض الواقع الذين لديهم رؤية مباشرة للتحديات والفرص المحلية.
  • - تنويع المنح لتشمل أنواعاً وأحجاماً متنوعة من المنظمات.
  • - توفير بناء القدرات لكتابة المقترحات.
  • - توفير التمويل الأساسي للمنظمات لضمان الاستدامة.

- زيادة الشفافية وإتاحة المعلومات حول المشاريع التي تُنفذ في لبنان للحد من

إخلاء المسؤولية: إن المعلومات والآراء الواردة في هذا التقرير هي معلومات وآراء المؤلف (المؤلفين) ولا تعكس بالضرورة آراء مبادرة الإصلاح العربي أو موظفيها أو مجلس إدارتها أو مموليها.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.