مقدمة
أدى الطلب المتزايد على الطاقة في تونس، ونضوب احتياطيات النفط والغاز، ومحدودية الوصول إلى العملات الأجنبية، والاعتماد على الغاز الجزائري، إلى إجهاد قطاع الطاقة والميزانية الوطنية بشكل كبير (مجلس علوم الطاقة، 2023). على الرغم من هذه التحديات، ظل تحول الطاقة في البلاد راكداً إلى حد كبير خلال العقد الماضي (البنك الدولي، 2024). وقد نتجت عن التحولات الأخيرة في الحوكمة الوطنية والتطورات الجيوسياسية ظروفٌ يمكن أن تسرّع في نشر الطاقة المتجددة (البوصلة، 2024). يبدو أن تصاعد الاستبداد في عهد الرئيس قيس سعيد، بعد انقلاب 25 تموز/يوليو، وتأثيره اللاحق على حوكمة قطاع الطاقة، أزال بعض الحواجز التي طال أمدها من أمام التوسع في الطاقة المتجددة. تتماشى هذه التغييرات السياسية مع أهداف الحياد الكربوني لأوروبا لعام 2050 وأزمة الطاقة المتصاعدة منذ عام 2022، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إعطاء الأولوية لأمن الطاقة "الخضراء" وتقليل اعتماده على الغاز الروسي (المفوضية الأوروبية، 2022). وتتضمن هذه الأجندة استيراد الطاقة المتجددة، ولا سيما الهيدروجين الأخضر، من شمال أفريقيا - ما يضع تونس كلاعب رئيسي محتمل في هذا المشهد المستجد.
على أساس هذه الخلفية، وضعت تونس أهدافاً طموحة لانتقالها في مجال الطاقة، تتوخى زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 35 في المئة من مزيج الطاقة بحلول عام 2030 (وزارة الصناعة والتعدين والطاقة، 2023). منذ عام 2021، تمت الموافقة على رزمة أولية من الامتيازات على 500 ميغاوات من مشاريع الطاقة المتجددة (الأمين، 2023). وأعقب ذلك إطلاق مرحلة ثانية تستهدف تركيب 1,700 ميغاوات في إطار خطة امتيازات 2024-2027 (الزاوية، 2024). وفي هذا الإطار، تتوخى وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، بالتعاون مع الجهات الفاعلة الدولية، تحويل تونس إلى "محرك نمو أخضر" (البنك الدولي، 2024). إن خطة العمل لتحقيق هذه الأهداف مدفوعة بمشاريع واسعة النطاق، يقودها القطاعان الخاصّان المحلي والأجنبي، فضلاً عن الاستثمارات في مبادرات الهيدروجين الأخضر المخصصة للتصدير في المقام الأول (وزارة الصناعة والتعدين والطاقة، 2023.(
وفي حين تم تقديم هذه التطورات على أنها "حلول مربحة للجانبين"، إلا أنها لم تخلُ من الاعتراضات. فقد عارضت النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني هذا المسار وعرقلته في البداية، متذرعةً بمخاوف على الأمن الوظيفي والآثار الاجتماعية والاقتصادية (ديبلوش وبوليتي، 2021؛ بن روين وروش، 2022؛ بن عمار، 2022؛ لواتي، 2022؛ الأمين، 2023). بدءًا من الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات، إلى حصار مشروع مزرعة للطاقة الشمسية في تطاوين، ظهرت مقاومة مشاريع الطاقة المتجددة واسعة النطاق التي يقودها الأجانب على مر السنين. رداً على ذلك، كانت هناك دعوة متزايدة إلى مسارات بديلة للتحول في مجال الطاقة تعطي الأولوية لسيادة الطاقة والعدالة والمشاركة الديمقراطية والملكية المجتمعية من خلال الحلول اللامركزية (بن عمار، 2022.(
ومع ذلك، في هذه المرحلة، لا تزال مسارات انتقال الطاقة محصورة في الاستراتيجيات والاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع نتائج ملموسة محدودة. تسلط هذه الفجوة الضوء على الحاجة إلى إجراء تقييم نقدي للمسارات المحتملة، لا سيما من المنظورات الاجتماعية والاقتصادية والعدالة. وفي هذا السياق، تصبح الأسئلة الرئيسية وثيقة الصلة بالموضوع: ماذا يعني الانتقال العادل في السياق التونسي؟ من هم الرابحون والخاسرون من هذا الانتقال؟ من المستفيد ومن المتخلف عن الرُّكب؟ كيف سيموَّل هذا الانتقال ومن يتحمل التكاليف؟ ما هو الدور، إن وجد، الذي يمكن أن تؤديه منظمات المجتمع المدني في تشكيل العمليات والنتائج الشاملة والمنصفة؟ وأخيرًا، هل يمكن أن يحدث انتقال عادل حقًا في ظل تآكل الديمقراطية في تونس؟
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.