ملخَّص
شارك الشتاتُ السوريّ في أمريكا بنشاط في الانتِفاضة السوريّة من خلال تقديم المساعدات الإنسانيّة والعمل في مجال المناصرة السياسية. بَيْد أنّ السوريّين في الولايات المتحدة لا يمثِّلون مجموعة متجانسة من السكّان، وليس لهم موقفٌ سياسيٌ موحّد. والعكسُ هو الأصحُّ فعلاً، حيث يُظهِر تقييمُ ديناميات الشتات السوري منذ عام 2011 تحوُّلاتٍ هامّة داخلَ تجمُّعات الشتات، عندما شكلّت انتِفاضة 2011 عامِلاً محفِّزا لبروز خلافات جديدة. وتستنِد هذه الورقةُ إلى مجموعة من الدراسات وعددٍ من المقابلات مع شخصيّات بارزة في الشتات السوريّ- الأمريكيّ، للبحث في تطوُّرِ الجالِيَة ومناقشةِ الدوْر المحتمَل للمغتربين السوريين في سوريا ما بعد الصراع. ولعلَّها تسهم، من خلالِ تقييم الاتِّجاهات الراهنة والمتغيِّرة داخلَ الشتات منذ عام 2011، في وضعِ خططٍ مستقبليّة لإعادة الإعمار في سوريا، بحيث تستفيدُ من جهودِ المغتربين الأميركيّين-السوريّين بشكلٍ فعّال.
اقرأ المزيدلعلّ السوريين-الأميركيين من أكثر مجموعات المهاجرين اندماجاً ونجاحاَ على المستوى الاقتِصادي في الولايات المتحدة. غير أنّ الشتاتَ السوري في أمريكا لم يكن عبر التاريخ منظَّما أو نَشِطا إلاّ في المناطق المُتقاربة جغرافيا، وذلك بسبب تبايُن الخلفيّات الإثنيّة والدينيّة والتعليميّة والمناطقيّة في سوريا. ولكنّ الأمورَ اختلفت بعد انتفاضة 2011، حين أخذ السوريّون-الأمريكيّون بتشكيلِ مؤسَّسات ومنظَّمات تعبّر عن آرائهم السياسيّة وتعكس مصالحَهم في النزاع السوري. وكانت المساعدات الإنسانيّة في البداية الشكلَ السائدَ للدعم، ولكن المناصرةَ السياسيّة أخذت مكانَ الصدارة مع تصاعُدِ النزاع. وقد أدّى ذلك بدورِه إلى تعميق الانقِسام بين جماعاتِ الشتات حيث عزَّز كلُّ طرَف دعمَه لجانب محدَّد من أطراف النزاع. ولئن اختلَفت المصالحُ أو طريقة الانخراط في الصراع السوري اختلافا بيِّنا، إلا أنَّ القاسم المشترَك بين الجميع كان زيادةَ نشاط الشتات السوري في الولايات المتحدة، سواءً داخل جماعات السوريين أنفسِهم أو مع مختلَفِ الهيئات التنفيذيّة والتشريعيّة في الحكومة الأمريكيّة. وقد اهتم الكثير من السوريّين-الأمريكيين بشكلٍ ثابت في الانخراط في التطوُّرات الجارية على أرض الواقع في سوريا، إلا أنَّ البعضَ ركّز بدلاً من ذلك على السياسات الأمريكية تجاه سوريا. وتستكشِف هذه الورقة التي تستند إلى بحوث أصلية وإلى مقابلات مع 10 أعضاء من الجالية السورية-الأمريكية، ديناميّات تدفُّق الهجرة السورية وتغيَّرها مع بداية الصراع السوري، كما تدقّق أيضاً في ظهور بُنى تنظيميّة جديدة وانشقاقات جديدة بين السوريين. وبينما تتباين أَولوِيّات الشتات السوري في أمريكا، يتَّفق جميع المشاركين في هذه الدراسة على الحاجة، ربما بدرجات متفاوِتة، إلى استِمرار دعم الشتات في مرحلة الانتقال وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا .
أوّلاً- السوريّون في الولايّات المتَّحدة: اندِماجٌ قَويّ وروابطُ ضعيفة
حدثت الهجرة السورية إلى الولايات المتَّحدة في موجتَين متمايزتَين، كانت الأولى في أواخر القرن التاسع عشر والثانية في القرن العشرين. استقرَّ هؤلاء المهاجرين بشكلٍ رئيسيّ في المدن الحضريّة الكبيرة مثل نيويورك وبوسطن وديترويت. وتشير السجلات خلال هاتين الفترتين، إلى أنّ نحو 1000 سوريّ من دمشق وحلب كانوا يدخلون رسميّاً الولايات المتحدة سنويّاً. خلال الموجة الأولى، كان العديد من هؤلاء المهاجرين يأتون من قرى مسيحية غادروها هرباً من الاضطهاد الديني والاضطرابات السياسية، أو سعياً إلى تحسين وضعهم الاقتصادي. بيدَ أنّ الكونغرس الأمريكيّ أقرّ في عام 1924 قانون "جونسون ريد" الذي يقضي بتحديد حصصٍ لمواطني كلّ بلد في العالم للدخول إلى الولايات المتّحدة، وذلك للحدِّ من عدد المهاجرين. ممّا أدّى إلى وقف الهجرة من سوريا حتى صدور قانون الهجرة لعام 1965 الذي ألغى نظامَ المُحاصَصة الوطنيَّةِ المنشأ، وشكّل تنفيذُه بدايةَ المَوجة الثانيَة من الهجرة. وكانت غالبيّة المهاجرين في الموجة الثانية من المُسلمين الذين الهاربين من الحرب أو الاضطِهاد،فضلاً عن طلب التعليم أو العمل أو لمّ شمل الأسر. ويمثِّل السكّان الأمريكيّون من أصل سوريّ حاليّاً ما يقارب 0.2٪ من مجموع السكان المهاجرين .
جدول 1: عدد السكان السوريين المهاجرين في الولايات المتحدة 1960-2014
- السماتُ الديمغرافيّة والجغرافيّة والمهنيّة للمهاجرين السوريّين
يعيش حالياً في الولايات المتَّحدة ما بين 90.000 و155.000 مهاجراً سورياً، ويتواجد معظمُهم في المدن الكبرى. وتشكِّل لوس أنجلوس ونيويورك وشيكاغو مَوطن أكبر عدد من المهاجرين المَولودين في سوريا. ويَعرض الجدول أدناه أكبر عشرة تجمُّعات مدينيّة التي تحتوي أعلى عدد من المهاجرين السوريين.
جدول 2: المدنُ العَشرُ الكبرى وتجمعاتُها والتي تضمُّ أكبرَ عدد من السوريّين المهاجرين
المدينة وتجمُّعُها |
المولودون في سوريا |
نسبةُ السوريين من المهاجرين بـ 10,000 |
نسبة السوريّين من مُجمَل السكان بـ 10,000 |
نسبة السوريّين في هذه المنطقة من مُجمَل السوريّين في الولايات المتحدة |
لوس أنجلوس |
نيويورك |
شيكاغو |
ديترويت |
ريفرسايد، كاليفورنيا |
ألنتاون، بنسلفانيا |
بوسطن |
واشنطن العاصمة |
هيوستن |
فينكس |
|
14,454 |
10,311 |
5,924 |
4 |
3,495 |
2,096 |
1,928 |
1,863 |
1,715 |
1,131 |
|
33 |
18 |
35 |
92 |
27 |
308 |
24 |
14 |
12 |
18 |
|
|
20% |
14% |
8% |
5% |
3% |
3% |
3% |
3% |
2% |
2% |
|
ووفقاً لمعهد سياسات الهجرة، فإن المهاجرين السوريّين يُصبحون مواطنين متجنَّسين بمعدَّل أعلى بكثير من السكّان المهاجِرين الآخرين، وذلك لأنّ العديد من السوريّين يَدخلون الولايات المتّحدة بشكل قانوني .ويساهمفي ذلك أيضا تقدُّمُهم النظاميّ بطلب الجنسيّة إلى حدِّ كبير، وتَشمل عملية التجنيس دفعَ الرسوم واجتيازَ الامتِحانات (اللغة الانكليزيّة والتربية المدنيّة) والمقابلات وأداءَ يمينِ الولاء للولايات المتحدة. وبذلك يُشكل التجنُّس مؤشرا قويّاً على الاندماج .
والسوريّون-الأمريكيون عموماً، لا سيّما الرجال، متعلِّمون، مقارنة بالمهاجرين الآخرين، وغالباً ما يحملون شهادات عُليا. ويُمكن تفسير تمتّع السوريين في الولايات المتحدة الأمريكية بالشهادات العليا بمتوسِّط أعمارهم الذي يبلغ 47 عاما . مما يَجعل غالبية السكان السوريين أكبر عمراً من السكان المهاجرين إلى الولايات المتحدة والمولودين فيها .
كما تمكّن السوريّون في الولايات المتحدة في تحقيق النجاح الاقتصادي. وبالمقارنة مع غيرهم من السكان -مهاجرين وأمريكيي الأصل-، فإن السوريين-الأميركيين لديهم فرص أكثر من غيرِهم للعمل في المهن التي تتطلَّب مهارات، مثل الخدمات التعليميّة والرعاية الصحيّة والخدمات الاجتِماعية وفي قطاعات التجزئة. ويَحصل العامل السوري الماهر على دخلٍ سنويّ متوسط قدرُه 52،000 دولار، وهو متوسِّط أعلى من متوسِّط رواتب العمّال المهاجرين والعمّال الأمريكيّين الآخرين. علاوة على ذلك، فإن حوالي 11٪ من المهاجرين السوريين هم من أصحاب الأعمال، ويشكِّل هذا ضعفُ معدل ملكيَّة الأعمال بين السكّان المهاجِرين الآخرين وثلاثةَ أضعاف المعدَّل بين المواطِنين الأمريكيين. وأبرزُ أنواعِ الأعمال التي يَبرز فيها السوريّون هي العيادات الطبيّة، والخدمات الغذائيّة، وتجارة السيارات. ويبلغ متوسِّطُ دخلِ صاحبِ العمل السوري حوالي 72.000 دولار سنويا.
- تجمُّعات الشتات السوريّ في أمريكا
لا يشكّل الشتات السوريالأمريكي مُجتمَعا متجانِسا، بل مجتمعاً متبايناً ومتنوعاً، مع تعدّد في الخلفيّات الإثنيّة والمناطقيّة والخصائص الديموغرافيّة والانتِماء الديني. ولم يَتفاعل السوريّون-الأمريكيّون عن كثب قبلَ عام 2011، وكانت التجمُّعات السياسيّة محدودة؛ كذلك لم تتكوّن الجماعاتُ السوريّة إلّا على أساس المهنة، والمنطقةِ الأصليّة التي جاءوا منها، والروابطِ الأسَريّة، والخلفيّات الدينية. فعلى سبيل المثال، تجد الأطباءَ يتجمِعون مع بعضهم وكذلك يفعلُ أصحاب الأعمال في ولايةٍ من الولايات، ولكنَّ المجموعتين نادراً ما تَلتقِيان.
وحين يَلتقي السوريّون-الأميركيون أعضاءً آخرين من الشتات في المساجد أو الكنائس، غالباً ما تَكون التجمُّعات ذاتَ طابع إقليميّ، وتستنِد إلى مكانِ تواجدِهم في الولايات المتَّحدة. أما حين يلتقي أفرادُ الشتاتِ في لقاءات اجتِماعية، فإن السوريّين يعرِّفون أنفسَهم، قبل كلّ شيء آخر، كسوريّين. وقد وُجِدت بعضُ المنظَّمات قبل عام 2011، مثلُ النادي السوري الأميركيفي تكساس، والرابطة اللبنانية السوريّة الأميركيّة للشباب، اللتين هدفَتا إلى تعزيزِ الروابط بين المجتَمعات السوريّة واللبنانيّة، وتسهيل الاندماج في الولايات المتَّحدة، والاحتِفاء بالتراث المشترَك.
وبيّنت المقابلات التي أُجريَت مع أفرادِ الشتات أنَ الروابط داخلَ الجاليَة السوريّة في أمريكا كانت ضعيفة وغير منظَّمة، ويرجعُ ذلك جزئيّاً إلى الاتِساع الجغرافيّ الهائل للولايات المتَّحدة وعدمِ وجود مؤسَّسات لتوحيد الشتات. ومع ذلك، رغم أن الاختِلاط بين أفراد الشتات السوري-الأمريكي كان في معظمِه اجتماعِياً، ثمّة استثناءان: الجمعيّة الطبيّة الأمريكيّة السوريّة (SAMS)والمجلسُ السوريُّ الأمريكيُّ (SAC). وتأسَّست الجمعيّة الطبيّة الأمريكيّة السورية عام 1998، وهي جمعيّةٌ مهنيّة توَفِّر "خدمات التشبيك والتعليم والخدمات الثقافيّة والمهنيّة" للأطباء السوريّين الأميركيّين. أمّا المجلسُ السوريُّ-الأمريكيُّ فتأسَّس عام 2005كأوَّلِ منظمة سياسيّة سوريّة أمريكية. وكان مؤسِّسو المنظَّمة أعضاءً في "المعارَضة القديمة" الذين فرّوا من سوريا في أواخِر السبعينات والثمانينات وقد سعَوْا إلى تقديمِ الدعم الدوليّ للمجتمَع المدنيّ السوريّ المحلّيّ لإصلاح النظام السوري بعدَ التدخُّل الأمريكيّ في العراق. ولتجنُّب مصير العراق نفسِه، وضعّ الأعضاءُ المؤسِّسون أنفسّهم كمحاوِرين بين الولاياتِ المتَّحدة والحكومات السوريّة بدلاً من مناصَرةِ العمل العسكريّ الأمريكيّ في العراق.
وممّا زاد في شقاق المغتربين السوريّين أيضا تفشّي ثقافة الخوف من الأمن في سوريا. وقد غرست الثقافة الأمنيّة الخوْفَ وعدمَ الثقة بين سوريّي الشتات. وكما كتبَت موس (Moss)، أدّى ذلك لاحقاً إلى "نزع الطابعِ السياسيّ عن خطابِ الشتات والحياةِ الاجتماعيّة وجعلَ من النشاط المناهِض للنظام مجازفةً كبيرة. وعلى هذا النحو، لم يكن هناك سوى أقليّة منخرِطة في أنشطةِ المعارَضة في الخارج، ولم تَكن هناك منظَّماتٌ عامَّة سوريّةٌ عابرة للأوطان للمناصَرة قبل عام 2011 ".
ثانياً -ديناميّاتُ الشتاتِ السوريّ ما بعد عام 2011
- خرائط التضامن
بعدَ عام 2011، بدأ السوريّون-الأمريكيّون تنظيمَ أنفسِهم على أساسِ آرائهم السياسيّة. بالنسبة للكثيرين، كانت تلك المرّةَ الأولى التي يلتقي فيها سوريّون-أمريكيّون بسوريّين آخرينخارجَ نطاقِ العائلة. وتركَّزت الفوارِقُ السياسيّة المتزايِدة حولَ دعمِ الحكومة السوريَّة أو المعارَضة. وقد ساند السوريّون السنّة في أمريكا المعارَضة إلى حدٍّ كبير بينما وقف أغلبُ المسيحيّين مع الحكومة. ومع ذلك، كانت هناك استثناءاتٌ كثيرة ولم تكن أيٌّ من المجموعات متجانِسة. واعترض بعض المسيحيّين على فكرة أنّهم جميعاً يدافعون عن نظام الأسد، بينما امتَنع العديدُ من السنَّة عن دعمِ الانتِفاضة بشكل واضح. وفقاً لما يورِدُه د. جيمس زغبي من المعهد العربيّ الأمريكي، فإن "غالبيّة المجتمَعات الأميركيّة السوريّة المسيحيّة كانت صامتة" لأنَّهم لم يكونوا يؤيِّدون الحكومة السورية، ولكنهم كانوا محبَطين بسبب الخطاب الطائفيِّ لبعض جماعات المعارَضة .
ولعلّ أكثرَ أشكال التعبير عن التضامن انتشاراً بين السوريّين الأمريكيين كان التبرُّعات الماليّة لجهود الإغاثة الإنسانيّة. وهذه البادرة التضامنيّة تعالت فوق الفوارق الدينية والسياسية. في البداية، كان أعضاءُ الشتات يريدون فقط التبرُّع بالمالِ للسوريّين من نفسِ الدين والطائفة والمنطقة، ولكنهم فيما بعد خفَّفوا من شروط تبرُّعاتهم وسمحوا للمنظَّمات الإنسانيّة أن تُحدِّد هي وُجهَة الأموالِ المتبرَّعِ بها وفقَ الحاجة . بيدَ أن الحال سرعان ما تغيرعندما تفاقمَ النزاع، وما كان يبدو عملَ إغاثةٍ إنسانيٍّ غيرَ سياسيٍّ بدأ يتحوّل إلى عمل مسيّس. وصار كثيرٌ من السوريّين الأمريكيين يتبرَّعون فقط للمنظَمات التي يشترِكون معها في الرؤية السياسية، ولم يعودوا يثِقون في قدرة المنظّمات الأخرى على أن تكون مُحايدة في توزيع المساعدات. ومن بين الأشخاص الذين قابلناهم أثناءَ إعداد هذه الورقة، وجدنا أن أولئك الذين اعتبروا أنفسهم محايدين قدَّموا أموالَهم للمؤسَّسات الدينيّة لدعم الجهود الإنسانية. واتَّهم البعضُ المنظَّماتِ السوريةَ-الأمريكيةَ بتقديم مساعدات انتقائيّة لمن هم من نفس الخلفيّة الدينيّة أو المناطقيّة أو الطائفيّة. ولكن، رغم الانقِسامات، فإن الجالية السورية في أمريكا تمكَّنت من جمعِ أكثرَ من نصفِ مليارَ دولار للمساعدات الإنسانيّة، وفقاً للمقابلات.
ومع تطوُّر الصراع، قوّت كلا الجماعتَين، الموالية للنظام والمؤيِّدة للمعارضة في الولايات المتحدة، أشكالَ تعبيرها عن التضامن من خلال تنويع مجالات انخراطها. وتمّ الإعرابُ عن التضامن من خلالَ المناصَرة السياسيّة ورفعِ مستوى الوعي والمنظَّمات الطلابيّة. وأصبحت الاحتِجاجات العامّة والمظاهرات وسيلةً شعبية لزيادة الوعي داخلَ الجمهور الأمريكي. ونظمت جماعات مختلِفة مسيراتٍ ومظاهرات ووَقفات احتجاجيّة على ضوء الشموع لإحياء ذكرى الأحداث المختلفة في سوريا أو للتأثير على سياسة الحكومة الأمريكيّة. وعلى سبيل المثال، في عام 2013، احتجّ السوريّون-الأميركيّون في مدينة ألنتاون بولاية بنسلفانيا مراراً ضد التدخُّل الأمريكيّ في سوريا . وبالمثل، نظّم السوريّون الأميركيّون الداعمون للمعارضة سبلَ الضغطِ على الحكومة الأمريكيّة لإدانةِ أعمالِ الحكومة السوريّة. وتُظهِر أبحاث موس الأخيرة الدوْرَ المؤثِّر الذي تلعبه المنظَّمات السوريّة-الأمريكية في زيادةِ الوعي بانتِهاكات حقوقِ الإنسان في سوريا . وقد حشَدت جماعاتٌ من الجانبَين للضغطِ من أجل تمرير مُختلَف الإجراءاتِ التشريعيّة والعسكريّة منذ بداية الصراع. وهذا المستوى من التنظيم لم يَكن مَوجوداً قبلَ عام 2011.
ولكن بعد ستِّ سنوات من النزاع، بدأت جماعاتُ الشتات السوريّ تبتعِد عن مُجرَيات الصراع في بلدهم الأم، وعدَّلت أسلوب مقاربتها للأمر، أو حوَّلت تركيزَها إلى مساعدة اللاجئين. قبلَ عام 2011، لم يكن العديدُ من الأميركيّين السوريّين يشعرون بالارتِياح في ممارسة المناصرة السياسية، أو لم يكن لديهم ربَّما معرفةٌ كافِية بكيفيّة إجرائها. وبحسب كنان رحماني من "الحملة السورية"، "كان الناسُ يؤمنون أكثر بأنّ السياسيّين لا بدّ وأن يؤدّوا دورَهم ويجدوا حلّاً للوضع في سوريا". وعلى هذا النحو، ركَّز الأفرادُ فقط على الجهود الإنسانية. بَيْد أنّهم، ونتيجة لخيبة أملِهم إزاء تقاعس الولايات المتَّحدة، بدأوا يتحوّلون نحوَ مزيد من المشاركة السياسية. وكانت الانتِخابات الرئاسيّة الأمريكيّة عام 2016 نقطة تحوُّل للدعوة السياسيّة، حيث واصل السوريّون-الأميركيّون تقديم التبرُّعات، ولكنّهم في نفس الوقت بدأوا بخلق منظّمات سياسيّة ذوات على ركائز قويّة في محاوَلة للتأثير على السياسة الأمريكية. وأنشئت "لجنةُ العمل السياسيمن أجل سوريا الحرّة" للسماح للأميركيّين السوريّين قانونيّاً بدعم أعضاء الكونغرس الذين دافعوا عن أجندة أعمالهم. وبالمثل، دعا المنتدى السوري-الأمريكيإلى الحفاظ على الدولة السوريّة ورفض التدخُّل الأمريكي. وأنشئت منظَمات أخرى، مثل "شبكة الجالية السورية"، لتنسيقِ المساعدة المقدَّمة للاجئين وإدماجِهم في مجتمعاتهم الجديدة.
- نشوءالمؤسسات
قبل عام 2011، كانت المنظَّمات السوريّة-الأمريكيّة ثقافيّةً أو مِهنيّة في الغالب، وكانت تَهدف إلى الحفاظ على تراثِها وتثقيف الآخرين حول سوريا. إنّما مع بداية المظاهرات، نشأت منظَّمات جديدة، بينما حصلت المنظمات القائمة، كالجمعيّة الطبيّة الأمريكيّة السوريّة والمجلسِ السوريّ-الأمريكيّ على دعمٍ إضافي. وتختلف المنظمات عن بعضها البعض فيما يخص ُّ نقاطَ تركيزها، حيث يدعو بعضُها إلى إشراك اللاجئين وغيرِهم في السياسة مباشرة؛ ولكن، أيّاً كان السبب، فالعلاقات بين هذه المنظمات وبين السوريين عموما تختلف على الأرض، فنرى منظَّمات الإغاثة أميَل إلى الارتباط مع السورييّن المستفيدين من المساعَدات في الداخل، بينما تركِز منظَّمات المناصرة السياسيَّة أكثرَ على الولايات المتحدة نفسِها.
وقد سعى السوريّون-الأمريكيّون إلى الاستفادة من تجارب المنظمات الثقافية والسياسية الأخرى فأسَّسوا جمعيّاتهم على أساسٍ استراتيجيّ، معتمِدين على المحامين لضمانِ صياغة رؤيتهم ورسالتهم بشكلٍ قانوني. وبالإضافة إلى المنظَّمات الإنسانيّة ومنظَّمات المناصرة، تمّ تأسيس منظَّمات ثقافيّة أيضا بهدف التصدّي للتصوُّرات المأخوذة عن السوريّين. وتقوم إحدى هذه المنظّمات، البيت الثقافي السوري، بتنظيمِ فعاليّات حولَ المطبخ والثقافة والسينما والفنون السورية. وبالمثل، تمّ إنشاء معاهد البحوث والمراكز الفكريّة، مثل "معهد سوريا"، لإجراء بحوث موثّقة. غير أنَّ العديد من المنظّمات، رغم ارتِفاع عددِها، تركِّز على قضايا متشابهة، ممّا يترك ثغراتٍ كبيرة من دون تَغطية. وقد عمل أعضاء الشتات السوري على تلبيَة هذه الحاجات من خلالِ تشكيل منظَّمات غيرِ حكومية خاصّة بهم. وعملت الجاليات السورية على إنشاء مظلّات تحالُفيّة شاملة لتسهيل العمل التنظيمي بين الجمعيات. ومن بعض هذه المظلّات "ائتلاف الإغاثة الأمريكيّ من أجل سوريا"، الذي تم إنشاؤه للتنسيق بين المنظّمات التي تدعم المساعدات الإنسانية، و"الائتلاف من أجل سوريا ديمقراطية" الذي يضمُ منظَّمات المناصرة السياسية. ومثل ذلك، تحولت شبكة الجالية السورية" من منظَّمة تدعم اللاجئين في شيكاغو إلى اتِّحاد ينسِّق بين المنظَّمات التي تساعد اللاجئين في جميع أنحاء البلاد. وقد ساهمت النخَب السوريّة الأميركيّة بالدعم الماليّ والمهنيّ لهذه القضايا وكان لها دورٌ أساسيٌّ في إنشاء هذه المؤسسات. بل أن بعض تلك النخب سافر إلى سوريا والدول المجاورة لها لتدريب المهنيّين.
- تصدّعات في قلب الشتات
باتت التصدُّعات داخلَ الشتات السوري في أمريكا اليوم، على أسس سياسية أكثر وضوحاً. وأبرز هذه التصدُّعات هي بالطبع بين الذين يؤيِّدون انتفاضة العام 2011 وأولئك الذين يدعمون الحكومة السورية. أصبحت المطاعمُ والمقاهي والمؤسَّسات الاجتماعيّة الأخرى في الولايات المتّحدة ساحات معارك، حيث يُقاطع المتعاطِفون المؤيِّدون للمعارضة الأعمالَ التي يملِكها مؤيِّدون للحكومة والعكس بالعكس. وكما ذكر أحدُ الذين أجريْنا مقابلات معه، فإن "الربيع العربي قسمَ الجاليات العربيّة الأمريكية في الولايات المتَّحدة بدلاً من أن يجمعها" . وهو يَعتقد أنَّ الصراع لم يؤثِّر فقط على الانقسام بين المسلِمين والمسيحيّين في الولايات المتحدة، بل أدّى أيضاً إلى تفاقم الخلافات بين السنّة والشيعة.
بيد أنَّ الجماعات المؤيِّدة للمعارضة نفسها عانَت من خلافات فيما بينها، خاصّةً بسبب الخلافات بين المنظَّمات، حيث أنَّ الحساسيّات الفرديّة بين بعض الأشخاص من منظَّمات مختلِفة حالت دون مزيدٍ من التعاون بينها . وقد أدّت هذه النزاعات إلى إهدارِ قدر كبير من الطاقة والموارِد، ممّا أثّر على عدد الأشخاص المستفيدين من المساعدات على أرض الواقع، وأدّى إلى تقليلِ مصداقيّة الجالية لدى صُنّاع القرار وإضعافِ التضامن داخلَ المجتمَع المدنيّ السوري. إلى ذلك، ثمّة خلافٌ رئيسيٌّ آخر بين مؤيِّدي المعارضة حولَ دور الولايات المتَّحدة في الصراع السوري، فبعض هؤلاء يعارِضون أيَّ عملٍ عسكريّ، مؤكِّدين على الحلِّ السياسيّ، في حين يُبدي آخرون قناعةً راسِخة بأن الحلَّ السياسيَّ لن يتحقَّق إلّا من خلال التدخُّل العسكري.
وساعدت عواملُ أخرى مثلَ تبايُن العمر واختِلافِ الرؤى حولَ سوريا ما-بعد النزاع (علمانيّة أم دينيّة) إضافةً إلى الأصل الإقليميّ في تضخيم الانقسامات بين الشتات السوري . ومع ذلك، فقد عملت المساجدُ والمنظّمات الإسلاميّة على ربط المجتمع السوري على المستوَيَين المحلّيّ والوطنيّ، وشارك العديدُ من السوريّين بنشاط في إنشاء منظَّمات إسلاميّة، بما في ذلك أعضاء "المعارضة القديمة" السوريّة الذين أنشؤوا المجلسَ الأمريكيّ السوري. ونتج عن ذلك في وقت لاحقٍ بعد 2011، تعمُّق الانقسامات بين الرجالِ الأكبرَ سنّاً الذين يُناصِرون "المُسلِمين المحافظين" والأميركيّين السوريّين من الأجيالِ الأصغر سنّاً الذين يُحبِّذون اتِّباعَ نهج عِلماني. وكانت نتيجةُ ذلك أن المجموعتَين لم تتفاعلا بشكلٍ وثيق فيما بينهما. وقد رفع الشباب صوتَهم في حرم الجامعات ومن خلال مجموعات الطلاب، ولكنّهم غالباً ما شعروا بالتهميش من قبل الجيل الأكبرِ سنّاً الذين فرَّوا من سوريا في السبعينيات والثمانينيات والذين عانَوا مباشرةً من النظام السوري. وبرزت أيضا فجوةٌ أخرى تقوم على أساسِ المناطقِ الأصليّة للمهاجرين: فتكتَّل الدمشقيّون مع بعضهم، كما فعل الأميركيّون السوريّون من أصلٍ حلبيٍّ وحمَويّ وحمصي. وليس ذلك فحسب، بل وإنّ هذه المجموعات من المدن الكبرى اتَّحدت في أحايينَ معيَّنة فيما بينها لتهمّش أعضاء الشتات السوري الذين يتحدّرون من المناطق الريفية. ولا تزال تلك الانقِساماتُ موجودةً اليوم، وإن كانت أقلَّ حدّة .
وأتت محاوَلاتٌ لتنسيق وتخفيف حدّة التوَتُّرات بين أعضاء الشتاتِ المؤيّدين للمعارضة. وقد حدث ذلك على الأخصّ من خلال إنشاء تحالفاتٍ ومنظّمات كبيرة جامعة، كما ذكرنا أعلاه. وفي آذار/مارس 2017 جرَت محاولةٌ أخرى للتقريب بين الطرفين من خلال الجمعيّة العموميّة الأمريكيّة السوريّة (SAGA). وقد أوجدَ هذا الحدث منبرا للأميركيّين السوريّين للالتقاء وبدءِ حوار في اجتماع على غرارِ الاجتِماعات الأمريكيّة العامة. إلى ذلك، سعَت جهود منظّماتٍ مثلالمعهد الأمريكي العربيّ لاقتراح "طريق ثالث" للسوريين، إلّا هذه الجهود لم تُفلح حتى الآن. وقد تعمّقت الانقسامات بين الموالين للنظام وأولئك الداعمين للمعارضة.
ثالثاً -اهتِمامات الشتات السوريّ وأولَوِيّاته
أكّد معظم السوريّين الأمريكيين الذين أُجريَت مقابلات معهم أنهم كانوا يهتمّون بسوريا قبل عام 2011، وإن بدرجات متفاوِتة. وهم غالباً ما كانوا يزورون عائلاتهم هناك بشكل دوريّ، بل وإن العديد منهم عبّر عن أمله في العودة يوماً ما. على أن اهتمامَهم بسوريا بعد عام 2011 بلغ ذروَته. ووصف جميعُ المشاركين شعورهم الملحّ بضرورة العمل من أجلِ تخفيف المعاناة والدمار. ولتحقيق ذلك، انخرطَ أعضاءُ الشتات في منظّمات المجتمع المدني، وقد ساهم بعضُ من أجرِيَت معهم المقابلات بتقديم المساعدة القانونيّة أو في البنيَة التنظيميَة وفي عملية المتابعة والرصد أو المناصرة. وقام آخرون برصد تطوُّر الصراع السوري عن كثب، واستجابوا في ذلك للحاجة في سدِّ الثغرات في الاحتِياجات الإنسانيّة والسياسية. ومن أمثلة ذلك جمانة قدور المحاميّة التي أسَّست "جمعية الإغاثة والتنمية لسوريا" (Syria Relief and Development) ونادية العوا المعلِّمة التي أسست جمعية "يوم جديد لسوريا" (NuDay Syria). تدعم "جمعية الإغاثة والتنمية لسوريا" قطاعَ الرعاية الصحِّيّة داخل سوريا، في حين أن "يوم جديد لسوريا" تعمل على تمكين النازحين من النساء والأطفال، من خلال تقديم المساعدات الإنسانيّة لهم. وتبرَّع عمر سالم، وهو طبيب تقويم الأسنان، بوقتِه عن طريق السفر إلى البلدان المجاورة لسوريا لتقديم خدمات طب الأسنان للاجئين. وبالمثل، ركّز آخرون ممّن أجريَت معهم المقابلات جهودَهم على التأثير على السياسة الأمريكيَّة تجاه سوريا والدعوة إلى إنهاء الصراع. فأنشأ أيمن عبد النور، وهو رجل أعمال، منظّمة "مسيحيون سوريون من أجل السلام"، وهيعضوٌ في تحالف المنظَّمات السورية، بهدف تحدّي خطاب الحكومة السورية بشأن الأقليّات. وخلال المراحل الأولى من الانتِفاضة السورية، ركّز المجتمع المدني إلى حدٍّ كبير على تقديم المساعدات الإنسانيّة. ولكن، بعدَ ستِّ سنوات من النزاع، لاحظ الأشخاص الذين أجريَت معهم المقابلات أنّ المساهمة في دعم المناصرة وبناء القدرات بشكل خاص، عزَّز في الواقع من التضامن بين الجمعيّات والأفراد في الشتات لأنَّ هذه القرارات تتطلَّب التعاون واتِّخاذ القرارات الجماعيّة.
وأعطى من تمّت المقابلات معهم الأولويَّة لقضايا مختلفة في الشتات. فأكَّد سبعة من المشاركين العشرة الحاجة إلى دعم المغتربين في إعادة بناء البنية التحتيّة السورية، بما في ذلك قطاع التعليم، وخدمات الرعاية الصحيّة، والمجتمع المدنيّ، والاقتصاد. وعبّر المشاركون بشكل عام عن رأيهم في أن احتياجات الشعب السوري يجب أن تكون في طليعة أي قرار. وذكَر أحدهم أنّ جماعات الشتات يجب أن تقوم بدور ممثِّلٍّ لسوريا بدلاً من أن تغذّي الحربَ الأهلية. ومن ناحية أخرى، أعطى اثنان آخران أولويّةً للمناصرة السياسيّة باعتبارِها حلّاً مُمكناً لإنهاء المعاناة السورية. ويعتقد الأخيران أن الدعم الإنسانيّ هو مسؤوليةُ كلّ فرد، ولكن بشكل جماعي، ينبغي على السوريين في المهجر الأمريكي أن يُركِّزوا على التأثير على السياسة الأميركيّة في سوريا. وعلى النقيض من ذلك، يؤكِّد شخصٌ آخر على أهمّية حلّ النزاعات. ويعتقد أن الجالِيةَ الأمريكيّة السورية يجب أن تعالجَ الانقسامات الاجتماعيّة في سوريا لتعزيزِ التعايش بين مُختلف الجمعاتِ الدينيّة والإثنيّة.
وعلى أية حال، يَمتلك جميع المشاركين شعوراً قويّاً حيال المساهمة في إعادة بناء سوريا بعد الصراع والمساعدة في هذه الفترة الانتقالية. ويَعتزمُ بعضُ من أجريَت معهم المقابلاتُ تقديمَ المساعدات الإنسانيّة والتشاورَ مع السوريين بشأن الاحتياجات الإنمائيّة. إلا أنّ أربعة مشاركين يفضّلون الانخراط مع الحكومة الأمريكيّة لمساعدة السوريين.
دعمُ سوريا في المرحلة الانتقاليّة
معظم الذين تمَّت مقابلتُهم في هذه الدراسة يُحبّذون المساهمة بمهاراتِهم المهنيّة والثقافيّة للمساعدة في المرحلة الانتقاليّة السورية، بعد انتِهاء النزاع السوري، بدلاً من البحث عن فرصٍ ماليَّة وتجاريّة في البلاد. فعلى سبيل المثال، يَعتزم أحدُ هؤلاء الأشخاص استخدامَ مهاراته لدعم إصلاح قطاعَي الأمن والعدالة. وبالمثل، يَهدف آخر إلى المساهمة في وضع قوانينِ عمل عادلة ومتساوية. ويعتزم آخرون المساعدة مهنياً من خلال تعزيز قدرة المنظَّمات الأمريكيّة-السوريّة، أو العمل كجسر بين الثقافات السوريّة والأمريكيّة لتنمية شراكةٍ بين الطرفين وفهم دائمَين.
وقد حدَّد الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم ويعتزمون الاستثمار في تطويرِ المؤسَّسات والمنظَّمات داخل سوريا، لدى انتهاء النزاع، شركاءهم المحتمَلين في الداخل السوري. وينوي معظمُهم التشارك مع المجتمع المدنيّ السوري لتنفيذ استثماراتهم. بيد أن البعض يفضّل التعاملَ مع القطاع الخاص أو حتّى الحكومة المركزيّة بسبب الخبرة الفنية للأخيرَين. وأوضحَ الأشخاص الذين يُفضلّون الشراكة مع الحكومة بعدإصلاحها أنه لا بدّ أوَّلاً من أن تستوفي تلك الحكومة معاييرَ محددةً قبل عقد أي صفقات معها. وأكّد هؤلاء على أهمِّيَّة الشفافية والديمقراطيّة والمصداقية. وأعرب جميع المشاركين، ما خلا اثنين، عن عزمهمالتنسيق مع المجالس المحلّيّة، بسبب ما تتمتَّع به من آليّات صارمة للمراقبة، لضمان استخدام استثماراتهم بكفاءة وفعالية لتسهيل عملية الانتقال.
وجماع القول إن شتّى جوانب المجتمع السوري قد تأثَّرت بالأزمة الدائرة، ولا بدّ من إصلاحِها خلال المرحلة الانتقالية. وقد حدَّد الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم قطاعَ التعليم والمجتمع المدني والمؤسّسات القانونية باعتبارها المجالات التي تتطلَّب أكبرَ قدرٍ من الاهتمام بعد انتهاء الأزمة، بينما أضاف بعضُهم ضرورةَ تشجيع التنميَة وريادة الأعمال من خلال برامجَ التمويل للمشاريع الصغيرة ومصادرَ التمويل الأخرى، واقترح آخرون ضرورةَ إنعاش القطاع الصناعيّ في سوريا لتعزيزِ المزيد من الابتِكار والتطوير، فيما حدَّد العديد منهم أيضاً هدفهم في تمكين النساء والشباب من خلال إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم المحلِّيَّة.
ويُعرب جميع المشاركين عن استعدادهم لدعم المرحلة الانتقاليّة بعد انتهاء الصراع. ويتَّفق الأشخاص الذين تمّت مقابلتُهم أنّ الثقة والشفافيّة والمساءلة هي معايير إلزاميّة للمنظّمات الشريكة المحتمَلة داخل سوريا. وهم يريدون أن يأخذوا في الحسبان هيكليّة المنظَّمات ووضعها القانوني وأنظمتها الداخليّة وأعضاء مجلس الإدارة فيها وشموليَّتها للجميع وإنجازاتها السابقة. بيد أن بعض من أجريَت معهم المقابلات يشعرون بالقلق من وجود الفساد، وخاصة فيما يتعلّق بالاستثمارات المستقبليّة. وثمّة عقَبات إضافية يُمكنها أن تُعرقل دعم مؤسَّسات ما بعد الصراع، كعدم الاستِقرار والتطرُّف الدينيّ والدوْر المُحتمَل للحكومة الحاليّة. وفي حين أنّ ثلاثة مشاركين فقط سيأخذون بعين الاعتبار العودة إلى سوريا بعد الصراع، فإن غالبيّة الذين أجريَت معهم المقابلات ثابتون في نيّتهم مواصلةَ دعمِ السوريين من الخارج.
خلاصة
تُظهر العيِّنة المختارة من الأميركيين السوريين الذين تمّت مقابلتهم في هذه الدراسة بعضَ الاتِّجاهات الحاليّة داخلَ الشتات، وبشكل خاص ميلَ الشتات السوري في أمريكا إلى دورٍ أمريكي المركز. وبينما تدعم بعضُ المنظَّمات بشكل مباشر اللاجئين أو المهجَّرين داخل سوريا، فإن غالبية الجمعيّات تركِّز على تعزيز المؤسَّسات الأمريكيّة السوريّة القادرة على تقديم المساعدات في سوريا والبلدان المجاوِرة لها للتخفيف من بعض المعاناة. غير أنّ المغتربين السوريين في الولايات المتّحدة ابتَعدوا مؤخّراً عن التركيز فقط على الجهود الإنسانية، وهم يَسعّون الآن التصدِّي للمسائل السوريّة من داخل الولايات المتّحدة. ويَظهر ذلك على أفضل وجه من خلال المنظَّمات التي تنفِّذ مشاريعَ عديدةً تستهدِف المناصرة السياسيّة وإدماجَ اللاجئين. وتظهر المقابلات التي أجريت مع أفراد الشتات أنَّ هؤلاء الأفراد مستعدّون للمساهمة في إعادة بناء سوريا بعد انتهاء النزاع، ولكنهم مهتمّون بالدرجة الأولى بالمشاركة من بعيد. ولذلك نرى أن المنظَّمات الأمريكيّة السوريّة يُمكِنها أنّ تشارك في إعادة بناء سوريا بفعالية أكبرَ من خلالِ المشاريع التي تربط بين مهامّها والمصالحِ الأمريكيّة.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.