مقدمة
رغم أهمية برامج التشغيل التي تقوم بها الدولة المغربية، والمعدّة لتوفير فرص عمل لفئات الشباب، إلا أن هذه الفئات لا تزال تعاني نسب بطالة مرتفعة. إن بعض هذه البرامج المعدّة لتعزيز تشغيل الشباب وحاملي الشهادات، مثل برنامج إدماج، وبرنامج تأهيل، وبرنامج تحفيز، والتي وعدت بتجاوز سقف 100 ألف إدماج سنويًّا ، لم تساهم في خفض معدلات البطالة العامة وفي صفوف هذه الفئة بالتحديد. كما أن تباين الامتيازات وظروف العمل في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص، كان له تأثير في اختلال موازين الإدماج الاقتصادي للشباب في سوق الشغل.
لقد توجهت الدولة في السنوات الأخيرة إلى تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، عبر توفير التسهيلات المالية والتحفيزات الضريبية، وتشجيع مناخ الاستثمار، كآلية لخلق برامج مندمجة ومتكاملة لضمان ملاءمة أكبر بين التكوين والتشغيل، وتوفير التأهيل والمواكبة للباحث عن الشغل، وإطلاق مبادرات لإيجاد فرص الشغل، وتطوير البرامج النشيطة للتشغيل، ما جعل حكومة سعد الدين العثماني تعتبر حصيلتها بـ"المشرفة"، من خلال إحداث أكثر من 212 ألف وظيفة خلال الفترة 2017-2021، بمعدل سنوي يتجاوز 42 ألف وظيفة . إلا أن أرقام البطالة لا تزال مرتفعة في صفوف هذه الفئة.
حسب المندوبية السامية للتخطيط، انتقل معدل البطالة الإجمالي من12,8% سنة 2021 إلى 11,2% على المستوى الوطني خلال الفصل الثاني لسنة 2022، ومن 18,2% إلى %15,5 في الوسط الحضري، ومن 4,8% إلى 4,2% في الوسط القروي. ويبقى معدل البطالة مرتفعاً بين الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة (30,2%)، وحاملي الشهادات (18%) والنساء (15,1%) .
تأثر الاقتصاد الوطني كباقي اقتصادات العالم بتفشي جائحة كورونا خلال سنة 2020، ما أدى إلى فقدان 432 ألف وظيفة، سبعة وظائف من عشر منها فُقدت في الوسـط القروي، %64 منها في قطاع الفلاحة والغابة والصيد، و%25 في قطاع الخدمات حسب وزارة الشغل والإدماج المهني . إلا أن تفشي البطالة في صفوف الشباب أكثر من غيرهم من الفئات العمرية الأخرى ليس ظرفياً، بل هيكليٌّ في المغرب .
يمكن أن يفسح هذا الواقع المجال لتوالي ردود فعل الحركات الاحتجاجية ، والتي تعتبر فئة الشباب من أهم الفئات القائمة بها، واستمرار الاحتقان الاجتماعي الذي سيواجه الحكومة الحالية، إن لم توفر حلولاً واقعية لمشكلة التشغيل في المغرب، لاسيما وأن هذه الاحتجاجات لا ينظمها قانون التجمعات العمومية، وإنما "الحق المكتسب" في احتلال الفضاء العمومي الذي ظهر في التسعينيات؛ إذ لا يسمح الفصل 11 من هذا القانون بالتظاهر إلا للتنظيمات القانونية، شرط طلب تصريح مسبق من السلطات . تبعاً لذلك يمكن القول إن برامج التشغيل المعتمدة مؤقتة وغير مستدامة، وأظهرت ضعف نجاعتها من حيث الإدماج الاقتصادي للشباب، وعدم شمولها جميع الشباب أو استجابتها لاحتياجاتهم وتطلعاتهم المهنية. فضلاً عن ذلك، فهي لا تؤمن الحماية الاجتماعية بالشكل الكافي والفعال والشامل كما يجب. رغم أن منفذيها من المنظمات الدولية يعتقدونها كذلك.
لماذا يفضل الشباب القطاع العام؟
تؤكد مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل الذين أجرينا معهم مقابلات فردية وجماعية خلال شهر تموز/يوليو 2022، رغبتهم في الولوج إلى الوظيفة العمومية عوضاً عن القطاع الخاص، نظراً للامتيازات المادية والاستقرار الوظيفي الذي يوفره القطاع العام، من قبيل عقود عمل غير محدد الأجل، والمنح والتعويضات العائلية، ونظام الأجور والخدمات الاجتماعية التي تقدمها الإدارات لموظفيها، إضافة إلى ما توفره مؤسسات الأعمال الاجتماعية التابعة لكل قطاع على حدة من الإعانـات المباشـرة للموظفين الذيـن يسـاعدون أفـراد أسـرهم مـن ذوي الإعاقـة، والمصابيـن بأمـراض مزمنـة، وتسهيلات مالية في الحصول على السكن...إلخ. بينما تصعب المراهنة على القطاع الخاص لكونه "غالباً ما يركز على الجشع وتحقيق الأرباح على حساب موظفيه" ، ولا يضع استقرارهم كأولوية قصوى، ما يجعله مجالاً مفتوحاً لعقود العمل المؤقتة CDD أكثر من العقود غير محددة الأجل CDI، وكذلك عدم تصريح بعض المقاولات والمشغلين عن الأجراء للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS، رغم أن التصريح عنهم يعتبر إلزاماً قانونيًّا وليس اختياريًّا ؛ حيث لم يصرّح عن أكثر من 16600 أجير خلال سنة 2020 ، في ظل ضعف الرقابة القانونية لمفتشية الشغل على المقاولات في الالتزام بمسؤوليتها تجاه العمال والأجراء.
هذا التوجه الذي يسلكه الشباب، يظهر بشكل جليٍّ كل سنة من خلال تقدُّم أعداد كبيرة لاجتياز مباريات الوظيفة العمومية، مقارنة بعدد الوظائف المستحدثة حسب كل قطاع كما توضح المعطيات الآتية:
الجدول رقم 1: نماذج مباريات الولوج إلى الوظيفة العمومية لسنتي 2020 و2021
القطاع الحكومي |
المباريات |
عدد الوظائف |
عدد المترشحين |
السنة |
نسبة الوظائف المتاحة من عدد المترشحين (%) |
وزارة العدل |
توظيف منتدبين قضائيين من الدرجة الثالثة |
330
|
46846 |
2021 |
%0.7 |
وزارة الاقتصاد والمالية |
متصرفين من الدرجة الثانية |
451 |
13469 |
2020
|
3.3% |
وزارة الثقافة والشباب والتواصل |
متصرفين من الدرجة الثانية |
7 |
2072 |
2020 |
%0.3 |
المصدر: تركيب الباحث بناءً على إعلانات مباريات الوظيفة العمومية
توضح المعطيات أعلاه الارتفاع المتنامي لأعداد المرشحين مقابل عدد الوظائف، إذ تصل نسبة الوظائف المتاحة من عدد المترشحين في مباراة المنتدبين القضائيين إلى %07، و3.3% لمتصرفين من الدرجة الثانية (وزارة الاقتصاد)، و0.3% بالنسبة للمتصرفين من الدرجة الثانية (وزارة الثقافة والشباب والتواصل).
الجدول رقم 2: مباريات توظيف أطر التدريس وأطر الدعم التربوي والإداري والاجتماعي في الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بين 2019 و2021
المباريات |
عدد الوظائف |
عدد المرشحين |
السنة |
نسبة الوظائف المتاحة من عدد المترشحين (%) |
أطر التدريس وأطر الدعم التربوي والإداري والاجتماعي |
17.000 |
91.000 |
2021 |
%18.6 |
17.000 |
186.000 |
2020 |
%9.1 |
15.000 |
160.000 |
2019 |
%9.3 |
المصدر: تركيب الباحث بناءً على إحصائيات وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة
تشير معطيات الجدول إلى تباين أعداد المترشحين لاجتياز مباراة توظيف أطر التدريس وأطر الدعم التربوي والإداري والاجتماعي، سواء من حيث أعداد المترشحين أو عدد الوظائف في السنوات الأخيرة، حيث تصل النسبة إلى 9.3% سنة 2019، و9.1% سنة 2020، و18.6% سنة 2021 والتي تم فيها تحديد شرط أقل من 30 سنة كحد أقصى لاجتياز المباراة، ما ساهم في انخفاض أعداد المترشحين.
ومن بين العوامل التي ساهمت في هذا الوضع المتمثل في ارتفاع عدد المترشحين مقارنة بعدد الوظائف المتوفرة، نجد محدودية آثار ونتائج السياسات العمومية المعتمدة لخلق فرص العمل، وتوفير الحماية الاجتماعية للأشخاص العاطلين عن العمل، سواء على مستوى الموارد أو الرؤية الاستراتيجية أو الفعالية. فالمغرب لم يوقّع على معايير منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحماية الاجتماعية في مجال التشغيل، لاسيما الاتفاقية رقـم 102 بشأن المعايير الدنيا للحماية الاجتماعية . كما أن عدم ربط التكوين بالتشغيل المنتج، ساهم في خلق فجوة وهاجس للشباب في ما يمكن أن يستثمروا فيه إمكانياتهم وقدراتهم لتتويج مجهوداتهم وتضحياتهم في سبل تحقيق أحلامهم والاستقرار لمحيطهم الاجتماعي، حيث يعمل قرابة 1.7 مليون شاب في القطاع غير المهيكل أو التشغيل الذاتي (88% منهم لا يتوفرون على عقد عمل) في مناصب شغل تتسم بالهشاشة وذات أجور زهيدة، ولا توفر الحماية الاجتماعية ضد المخاطر المرتبطة بالشغل، والسن، والصحة . "فبدون علاقات شخصية أو عائلية، لا يكفي دائماً التوفُّر على شهادة أو امتلاك الكفاءة للحصول على وظيفة لائقة ، الشيء الذي يولّد شعوراً لدى الشباب بأنهم لا يتحكّمون إلا بشكل نسبي في مستقبلهم الاقتصادي؛ فبدلاً من أن يكون التعليم والشغل وسيلة للترقّي الاجتماعي وتقليص الفجوة الناتجة عن "اللامساواة في المداخيل"، فإن التعليم والشغل، ونتيجة لعدة اختلالات، يساهمان في تعميق هذه الفوارق .
برامج تحفيزية غير فعالة وبيئة عمل غير ملائمة
في إطار تشجيع الحس المقاولاتي وبناء المشاريع الذاتية لدى الشباب، أطلقت حكومة عزيز أخنوش مجموعة من البرامج أهمها، برنامج "أوراش" لدعم وخلق أكثر من 250 ألف فرصة شغل مباشر في ورشات مؤقتة في مجالات مثل التعليم، الصحة، التنمية المستدامة، الأشغال العمومية وغيرها. وخصصت لذلك 2.25 ملياري درهم خلال سنتي 2022 و2023. كما أطلقت الحكومة برنامج "فرصة" الذي يسعى إلى دعم 000 10 حامل مشروع في سنة 2022، من خلال تسهيل الولوج إلى التمويل عبر آلية القروض الميسّرة الصغيرة، وتقديم الدعم للمستفيدين، وبلورة التصور الخاص بالمشروع إلى مرحلة إنجازه الفعلي بميزانية تقدر بـ 1.25 مليار درهم. بالإضافة إلى دعم برنامج "انطلاقة" برؤى جديدة والذي يوفر عروض تمويل ومواكبة بشروط جد تفضيلية، موجهة إلى الشباب حاملي المشاريع، المقاولين الذاتيين، والمقاولات الصغيرة والمتوسطة خاصة في الوسط القروي؛ بتغطية مالية تناهز 8 مليارات درهم .
على الرغم من أن حصيلة المسجلين في نظام المقاول الذاتي بلغت 286020 في نهاية سنة 2020، بتعاون مع الشركاء على مستوى مختلف جهات المملكة[17]، وما يوفره ذلك من امتيازات من قبيل الاستفادة من التغطية الاجتماعية والصحية للمقاول عبر الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي وفقاً للمادة 2 من القانون رقم 114.13 الخاص بنظام المقاول الذاتي، إلا أنه ليست هناك مؤشرات واضحة المعالم حول مدى تأثير هذه الاستراتيجيات على سوق الشغل، سواء من خلال نمو الدخل الفردي أو خلق وظائف جديدة. فلا يتوفر حتى الآن أي تقييم حكومي على المستوى الوطني لهذه البرامج مبني على دراسات ميدانية مبنية بدورها على مناهج كمية وكيفية تتجاوز التركيز فقط على عدد الملفات أو المنخرطين ضمن مشروع معين. وأشار تقرير النموذج التنموي إلى "أن ضعف التقييم والتتبع ومواكبة التنفيذ بناءً على أهداف واضحة" يعد من المعيقات الأساسية لتراخي دينامية التنمية في المغرب .
من ناحية أخرى، هل يمكن القول إن الشباب المغربي متشبّع بثقافة المقاولة؟ لماذا هناك تأخر في إدماج الحس المقاولاتي ضمن مناهج التربية والتكوين منذ الطفولة؟ برهنت التجارب الدولية بشكل جلي أن تدريس ثقافة ريادة الأعمال لدى التلاميذ والطلبة تجري في مسارهم الدراسي، حيث تلعب هذه الثقافة دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية للدول، باعتبارها مجموعة من المهارات والعادات التي تسمح للأفراد بتولي واقتناص الفرص وخلق مشاريع جديدة ذات منفعة خاصة وعامة للمجتمع. وانخرطت الجامعات المغربية في هذه الدينامية عبر إطلاق النظام الوطني للطالب المقاول سنة 2018 ، بهدف مواكبة الطلبة في مشاريعهم المقاولاتية بشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين. واستفاد من هذا النظام 600 طالبٍ في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، 200 منهم أنهوا مسارهم التكويني، إما بوضع نموذج أولي أو من خلال إحداث مقاولة ناشئة .
هناك أيضاً عوامل أخرى تتعلق بتأثير مناخ الأعمال على الاستثمار في المغرب، والتي ترتبط بشكل رئيسي بجودة المؤسسات الاقتصادية والسياسية والرأسمال البشري. فعلى الرغم من إحراز تقدم على مستوى مؤشر ممارسة الأعمال العالمي Doing Business، حيث انتقل المغرب من المرتبة 130 سنة 2009 إلى المرتبة 53 سنة 2020؛ فإن المستثمرين مازالت تواجههم صعوبات عدة، منها ما يرتبط بتعقد قوانين الترخيص، ضعف حماية حقوق الملكية الخاصة، الحرية الاقتصادية والمالية، وكذلك الريع الاقتصادي . كما أكدت نتائج البحــث الوطني الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط حول المقاولات سنة 2019، أن النظام الضريبي يشكل عائقاً بالنسبة لحوالي %60 من أرباب المقاولات، وغير مشجع على الاستثمار بالنسبة لـ%95 منهم، ويشوبه انعدام الثقة تجاه الإدارة الضريبية من طرف %88 من المقاولات؛ كما أنه يشجع على اللجوء إلى ممارسات غير قانونية بالنسبة لـ %69 من المقاولات. بالإضافة إلى ذلك يعتبر النظام الضريبي معقدًا بالنسبة لأكثر من نصف أرباب المقاولات (%51)، وترتفع هذه النسبة إلى %63 بالنسبة لأرباب المقاولات الكبرى. ومن ناحية أخرى يشكل بطء معالجة النزاعات من طرف المحاكم عائقاً بالنسبة لـ%51 من المقاولين، وتمثل صعوبة تطبيق المقررات القضائية عائقاً لـ%15 منهم . وهذه أمور كلها تعيق دينامية الاسـتثمار والنمـو، وتضر بالمبـادرة المقاولاتيـة، حيث إن عدد المقاولات التي يتم خلقها سنوياً لا زال ضعيفاً (92000 مقاولة) ولا يتعدى 2.6 لكل ألف مواطن، مقابل 10 كمتوسط في الدول الصاعدة. كما أن هناك تزايداً في عدد المقاولات التي تغلق أبوابها (6000 مقاولة)، إضافة إلى ضعف ثقافة المقاولة لدى الدولة والفاعلين على حد سواء . وهو ما أكد عليه الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش لسنة 2022 "ندعو الحكومة والأوساط السياسية والاقتصادية، للعمل على تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية، التي تختار بلادنا في هذه الظروف العالمية، وإزالة العراقيل من أمامها. لأن أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها لتحقيق أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة. وهو ما يجب محاربته' "'.
وبالتالي إلى أي حد يمكن القول إن تشجيع المشاريع المقاولاتية والذاتية تستجيب لحاجيات الشباب والمساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي؟ هل يتم اعتماد المقاربة التشاركية في صياغة هذه البرامج مع الشباب؟ أكد يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، أن مقاربات التشغيل المعتمدة حالياً لم تظهر فعاليتها من حيث الإدماج الاقتصادي للشباب، مشدداً على ضرورة البحث عن طرق تمكن الشباب من خلق ثروة حقيقية، تستجيب لطموحاتهم ، خاصة وأن هذه البرامج لا توضح في جوهرها الأسس التي انبنت عليها في الشق المتعلق بمشاركة الشباب في التعبير عن حاجياتهم في سوق الشغل أو الحلول التي يقترحونها لانخراطهم في دينامية الاقتصاد الوطني.
بينت نتائج استطلاع أجراه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول البرامج العمومية الموجهة للشباب، عدم كِفاية جهود التواصل والتحسيس حول عروض ونتائج هذه البرامج، %71.57 من المشاركين لم يسبق لهم الاستفادة من أحد البرامج الموجهة للشباب، 49% يؤكدون عدم فعاليتها. كما أن نجاح برامج التشغيل رهن بتعزيز التواصل وإشراك الشباب في مختلف مراحل الإعداد والتتبع والتقييم . هذا يوضح بشكل جلي أن غياب المقاربة التشاركية من بين العوامل المؤثرة في فشل تحقيق أهداف سياسات تشغيل الشباب في المغرب.
مستقبل مجهول...
استهلت حكومة عزيز أخنوش مسار إصلاح منظومة التربية والتكوين الذي نادت به في برنامجها الانتخابي لنيل ثقة المغاربة، بإصدار شروط جديدة من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بشأن تنظيم مباريات توظيف أطر الأكاديميات، والتي تم بموجبها خفض سن المترشحين إلى 30 سنة كحد أقصى، مع وضع إجراء الانتقاء الأولي، ما خلّف موجة من احتجاجات الطلبة في مختلف الجامعات ومقاطعة الدروس من أجل التعبير عن رفضهم هذه القرارات التي اعتبروها غير دستورية وغير قانونية . هذه القرارات تدفعنا إلى التساؤل حول مستقبل أعداد العاطلين عن العمل المتنامية في كل سنة، خاصة وأن قطاع التعليم يراهن عليه الكثير من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، إذ يوفر أكبر عدد من المناصب مقارنة بالقطاعات العمومية الأخرى. فقد خصص له قانون المالية لسنة 2022، 17 ألف منصب ، ما فرض عليهم البحث عن مصادر أخرى لتأمين مستقبلهم المهني. تبعاً لذلك، انخفضت أعداد المترشحين كما تبين معطيات الجدول رقم 2 أعلاه.
وتساهم ظاهرة بطالة الشباب في إفراز جملة من الخسائر الكبيرة في الإنتاجية والإنتاج، وهجرة الكفاءات والأدمغة، وضغط اقتصـاد الريـع والامتيـازات والإكراهـات التـي تحـد مـن المبـادرة الحـرة ، مع ما يترتب على ذلك من عواقب طويلة الأمد بالنسبة للشباب وأسرهم والمجتمع ككل، وازدياد احتمال انضمام الشباب إلى القطاع غير المهيكل ، كجزء من استراتيجيات مقاومة هذا الوضع لضمان أبسط شروط العيش.
علاوة على ذلك، تعتبر الهجرة بنوعيها النظامي وغير النظامي من بين الحلول التي يعتمد عليها الشباب للهروب من "جحيم البطالة"، إذ تؤكد نتائج البحث الوطني حول الهجرة الدولية 2018- 2019 أن 40.3 % من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، رغبتهم القوية في مغادرة التراب الوطني بدوافع اقتصادية، اجتماعية وثقافية .
الخلاصة
تظهر مشكلة تشغيل الشباب المغربي تعدد الفاعلين المؤسساتيين من القطاعين العام والخاص، وضعف التقائية السياسات العمومية في مجال التشغيل، وتنوع آثارها الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة في فقدان الثقة في المؤسسات والنخب السياسية، وغياب الاستقرار الاجتماعي للشباب، والعمل في القطاع غير المهيكل، وتفكير الشباب في الهجرة نحو الخارج لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم المهنية. وتتطلب سيرورة الإصلاح المستقبلية التي تنادي بها الحكومة الحالية القيام بإصلاحات مؤسساتية لرفع مؤشر مناخ الأعمال، ومواكبة النمو الديموغرافي والاستثمار في الرأسمال البشري لتحقيق التنمية. ويبدأ ذلك باستبدال سياسات التشغيل المجزّأة بأخرى أكثر تناسقاً وشمولاً وحساسية للأثر الاجتماعي. وبالتالي، فإنه يجب إيلاء أهمية كبرى لأربعة مستويات أساسية:
- التشبّع بثقافة المقاولة لا يمكن حصره في سنة أو أقل من الدراسة في الجامعة كخيار موازٍ، بل يجب إدراجه انطلاقاً من المستوى الإعدادي لتنمية الحس الإبداعي للأطفال، والانفتاح على مجالات أخرى بناءً على تكوين يمزج بين ما هو نظري وتدريبات ميدانية. وأن يكون ذلك شاملاً الجميع حرصاً على المساواة في الفرص.
- إعادة النظر في امتيازات وتحفيزات عقود العمل في القطاع الخاص بما يوازي امتيازات القطاع العام، لتخفيف الضغط على هذا الأخير الذي يعتبر الملاذ المفضل للشباب، لتوفير الاستقرار المهني والمادي والنفسي لهم، للاشتغال في بيئة تشجع على تقديم أداء أفضل لصالح المقاولة.
- تسريع وتيرة الإصلاح الضريبي وتسهيل القوانين الإدارية ورقمنتها، لتجاوز التأخر الحاصل في هذا المجال لتطوير مناخ الأعمال، وفسح مجال أوسع للمستثمرين لخلق المقاولات التي يمكنها أن تساهم في تعزيز مؤشرات نمو الاقتصاد الوطني.
- إحداث مؤسسة وطنية توحد مختلف الفاعلين في سياسات تشغيل الشباب، وتناط بها مهام إعداد وتتبع وتقييم برامج التشغيل، مع فسح مجال أوسع للشباب للمشاركة في هذه الدينامية لضمان الاستجابة لحاجياتهم لخلق الثروة، وعدم الاكتفاء بتوفير فرص العمل، ضمن إطار نظام حماية اجتماعية فعال ومستدام.
رئيس الحكومة سعد الدين العثماني. 2021 "نتائج مشرفة للسياسة الحكومية في مجال التشغيل". تم الاطّلاع عليه في 2022/09/13 https://www.cg.gov.ma/ar/node/10007 .
تم الاطّلاع عليه 18/12/2022. https://ouchariko.ma/ar/consultations/page/les-programmes-publics-destines-aux-jeunes/43
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.