هناء الخضر

عضوة في الحركة السياسية النسوية السورية

أنا من مدينة حلب، مقيمة في ريف حلب الشمالي، عمري 26 سنة وأم لطفلين. طالبة سنة رابعة في كلية الإرشاد النفسي في جامعة حلب الحرة، وخريجة إدارة أعمال، وعضوة في الحركة السياسية النسوية السورية.

منذ 2015 اتجهت للعمل الإنساني، عملت كإدارية مع اهتمام بالنشاط النسوي عبر المشاريع الصحفية والمشاريع النسوية. آخر عمل لي كان مع “آكتد” حيث كنت مساعدة مدير فريق الحوكمة، وكنت مسؤولة عن تشكيل لجان نسائية وتدريبهن وتقييم احتياجاتهن. مع حرب أوكرانيا خفضت المنظمات أعداد الموظفين/ات، وفقدت عملي منذ حوالي السنة.

قبل الزلزال، كنت أقدم جلسات دعم نفسي وتفريغ مشاعر مع النساء والمراهقات بشكل تطوعي. نشرت معلومات التواصل الخاصة بي مع محيطي، واستقبلت النساء في بيتي، وذهبت إلى بيوتهنّ عند الحاجة. كانت المراهقات تنجذب لهذه الخدمات، من مبدأ استشارة أو إرشاد نفسي وليس العلاج بالطبع. بالنسبة للنساء، تظهر الاستجابة عندما تكون الدائرة قريبة وتثق بك، أما من بعيد، ليس هناك تقبل كبير لعلم النفس.

عقب الزلزال. تضرر بيتي مادياً. كلما نظرت للأثر على الجدران أقول “زلزال مر من هنا”.

في الأيام الثلاثة الأولى كان عندي صدمة، سمحت لنفسي بعيش مشاعر الخوف، لم أهرب منها، عدت لمنزلي تجولت فيه وتقبلته، دعمت أطفالي واحتويت خوفهم وصدمتهم، لجأت لمساعدة نفسية من زملاء، وتحسنت.

تابعت دعم أطفالي بتمارين محاكاة وتدريبات على إجراءات السلامة في حال وقوع هزات جديدة، وكان هذا ضرورياً جداً مع تواصل الهزات الارتدادية.

كانت الحاجة للدعم النفسي على أشدّها، فعدت لعملي التطوعي. عرضت خدماتي على الدائرة المقرّبة على السوشل ميديا، وشكلنا حلقات نسائية من خمس وست نساء لتفريغ المشاعر السلبية، عقدت جلسات دورية مع الحركة السياسية النسوية السورية أيضاً.

النساء هنا ليس لديهنّ شعور بالأمان. مهجرات ونازحات ومتعرضات للقصف، جاء الزلزال وكسر شيء ما بداخلهن، ويحتجن لجهد كبير للتعافي.

تشعر معظمهنّ بالذنب بسبب النجاة، نسمع في كل مكان: “نيال اللي مات يا ريت نحنا”، وتظهر بعضهنّ ميول انتحارية ظاهرة. لا نتحدث عن حالات الانتحار والميول الانتحارية في الشمال السوري، لكنها مشكلة حقيقية وموجودة.

لا نمنح الجانب النفسي الاعتراف والاهتمام الذي يستحقه في الشمال، مثلاً يُنظر للمرأة التي تعاني من الاكتئاب نظرة سلبية، بحجة أن الجميع يمر بظروف صعبة. تُصنف العناية النفسية كرفاهية أو “دلال”، حتى المنظمات لا تولي اهتماماً كافياً لقسم الحماية وصحة عامليها وعاملاتها النفسية.

يزيد من تفاقم الوضع قلة عدد الأخصائيين/ات النفسيين/ات، العدد في الشمال قليل جداً قياساً بالاحتياج. حتى في كلية الإرشاد النفسي، لدينا اليوم فقط 3 دكاترة جامعيين، وكلهم من الرجال.

الأولوية القصوي بالنسبة لي هي برامج الصحة النفسية، بعد توفير السكن. كذلك، التمكين التعليمي والاقتصادي أساسي للتوازن والقدرة على المتابعة في هذا الظرف الكارثي. بصورة أكثر تحديداً، الأولويات من وجهة نظري هي:

  • تصنيف الاحتياج النفسي كاحتياج أساسي في الإغاثة والتعافي.
  • إعطاء مجال للفرق النسائية للتوعية بالجانب النفسي. بذلت جهود كبيرة على التوعية السياسية، نحتاج جهود مماثلة لموضوع الصحة النفسية.
  • وتمويل المنظمات النسائية والنسوية العاملة في مجال الصحة النفسية والعقلية.
  • تمويل مراكز ومصحات تؤمن خدمات صحة نفسية حساسة للجندر.
  • دعم القطاع التعليمي في الشمال أولوية قصوى. دعم الكليات عبر توفير غرف تعليمية ذكية، تصل الطالبات والطلاب بمختصين/ات من حول العالم، مما يساهم في تأهيل كوادر مختصة ومدربة للتعامل مع احتياجات النساء.
  • توفير قروض للنساء للاستفادة من خدمات التعلم الذاتي عبر الإنترنت، التي تعتمد عليها كثير من النساء في بناء قدراتها.
  • توفير برامج دعم نفسي للعاملات في المنظمات، نظراً لخصوصية الضغوطات الواقعة عليهنّ. وفرض سياسات حماية نفسية فعالة في المنظمات كشرط للتمويل مثل سياسات المراقبة والتقييم.
  • تعزيز تواجد النساء في قطاع التعليم، وفي كوادر المنظمات.