19آب/ أغسطس
2007
المؤتمر السنوي الثاني لمبادرة الاصلاح العربي

epa02131264 A Lebanese man carries a placard that reads in Arabic 'Sectarianism is the devil's work, avoid it' during a march calling for secularism and the abolishment of sectarianism, in Beirut, Lebanon, 25 April 2010. Thousands of Lebanese marched on 25 April toward to the Lebanese parliament demanding for secularism in the deeply divided country along religious sects say secular laws will lead Lebanon to stability. EPA/WAEL HAMZEH

سعت الندوة التي تصاحب المؤتمر السنوي الثاني ل"مبادرة الإصلاح العربي" إلى إثارة النقاش حول التباطؤ الملحوظ في المنطقة العربية، على امتداد العام المنقضي، في محاولات إدخال إصلاحات عبر سيرورة دمقرطة متدرجة. فقد تغلبت في بعض البلدان الاجندة الأمنية على برامج الإصلاح، وفي بلدان أخرى، أحبطت النتائج التي تمخضت عن إصلاحات ديمقراطية أولى الرغبة في إكمال المسار. حاولت الندوة تسجيل مختلف تعبيرات هذه التراجعات، وتحليل أسبابها، ونقاش الأساليب الممكنة لإعادة تحفيزها.

18-19 نيسان/ابريل 2007

عمان- الاردن

المركز المضيف : مركز الدراسات الإستراتيجية/ الجامعة الأردنية، عمان

"التراجعات في الإصلاحات الديمقراطية وكيف يستعاد الحافز"

الجلسة الافتتاحية.

افتتحت الندوة بسمة قضماني مديرة مبادرة الاصلاح العربي، ومصطفى حمارنة مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الاردن. وكان المتحدث الاساسي هو سمو الامير الملكي تركي الفيصل بن عبد العزيز رئيس مجلس ادارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية. قدمت قضماني رؤيتها ل"مبادرة الإصلاح العربي" كمنظمة تهدف إلى دعم الاكاديميين والناشطين العرب العاملين لارساء الاصلاح في مجتمعاتهم. وأكدت على دور المبادرة كشبكة بحثية توفر اطارا للتعاون بين مراكز بحثية عربية يساهم تبادل المعرفة والخبرة فيما بينها على بلورة وتدعيم عملية الاصلاح. ولفتت الى اهمية تطوير العلاقة، الضعيفة حاليا، بين بلدان المغرب وسائر المنطقة العربية. وانطلاقا من التجربة الخاصة لمركز الدراسات الاستراتيجية في الاردن، أوضح مصطفى حمارنة الكيفية التي تساهم بموجبها مؤسسات اكاديمية في الاصلاح العربي، وكيف أن تحليلات اكاديمية لمشكلات محلية تتمكن من التواصل مع النقاش المحلي حول الاصلاح، كما ان ابحاثا سياسية حول موضوعات سياسية واقتصادية تؤثر على صناع القرار على المستوى الحكومي، وتوفر مقترحات سياسية محددة وقابلة للتطبيق. وفي المداخلة الاساسية للافتتاح، شدد سمو الامير تركي الفيصل على امكانات التعاون الاكاديمي الاقليمي في لعب دور في عملية الاصلاح العربي، وأن مثل هذا التعاون يحتل مكانة رئيسية في تطوير رؤية ذات منبع محلي للاصلاح المنشود، واحتلت هذه النقطة حيزا كبيرا من مداخلة سموه، مشددا على اهمية تطوير استراتيجيات محلية للاصلاح، تنبع من فهم للحقائق الاجتماعية والسياسية للمنطقة، مركزا على حظوظ مثل هذه المبادرات في النجاح لأنها تعتمد على معرفة متنوعة ودقيقة بالمنطقة وهو ما يناقض سوء المعرفة الذي يطبع المبادرات الاجنبية. وأضاف سمو الامير انه يمكن لمراكز البحثية المستقلة القادرة على انتاج ابحاث موضوعية أن تلعب دورا كبيرا في تطوير استراتيجيات للاصلاح جيدة الاطلاع، وناجحة، لأنها لا تعاني من سطوة الانظمة ولا تعميها التنافسات السياسية. كما اوضح سموه اهمية امتلاك تعريف واضح للاصلاح وتجنب الاضطراب القائم حول مفاهيم الاصلاح والمستند الى قيم ثقافية مختلفة، بينما ينبغي على الاصلاحيين العرب استنباطها من القيم والتقاليد المحلية. ولفت الى ان اهمال الهوية والمعتقد هو وصفة للكارثة، واعطى مثالا على ذلك ما جرى في العراق، حيث بلورت واشنطن مفهوما للاصلاح فشل لأنه تجاهل تاريخ وخصائص المنطقة، وحول الديمقراطية المزمع انشاؤها الى الطائفية، وأدى حكم الاغلبية الى اضطهاد الاقلية، وتحول حكم القانون الى حكم الميليشيا. كما شدد سموه على الصعوبات التي واجهت مسيرة الاصلاح في العربية السعودية وعلى المقاومات التي تصدت لها، ضاربا على ذلك مثال تعليم النساء الذي تطلب الفوز به تدابير حكيمة وطويلة مخافة الاضرار بالنتيجة كما بالانسجام الاجتماعي. وفي الختام، اكد سمو الامير تركي الفيصل على اهمية الاصلاح لإبقاء المنطقة العربية منسجمة مع عالم يتغير بسرعة.

القسم الأول : تعبيرات وأسباب التراجعات في سيرورة الاصلاح سعى القسم الأول من الندوة إلى تعيين التعبيرات عن هذا التراجع الملحوظ وأسبابه في آن، فتناول أربعة محاور رئيسية هي تلك المرتبطة ب:

  • العوامل الخارجية وتأثير النزاعات في تغليب الأجندة الأمنية على الأجندة الإصلاحية،
  • والانقسام الشيعي السني المهيمن على المشهد السياسي العربي بديلا عن تشكّل محاور خلافية حول برامج ومقاربات عامة،
  • والتوترات التي سببها صعود حركات إسلامية إلى السلطة بواسطة الوسائل الديمقراطية،
  • وأخيرا، مقاومات الأنظمة الاستبدادية التي تسعى، كلما أمكنها ذلك، إلى الالتفاف على الحاجة إلى الإصلاح حماية لمصالح الفئات المهيمنة فيها.

= رأس المحور الأول مصطفى حمارنة وقدم فيه مداخلات خليل شقاقي مدير المركز الفلسطيني للدراسات والمسوح، وهنري سيغمان مدير مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط، وتشارلز غرانت ممثل المركز الأوروبي للإصلاح. تناول خليل شقاقي المثال الفلسطيني، فأبان أن حركتي فتح وحماس اعتدتا كلاهما على القانون والدستور سعيا وراء أهداف من طبيعة أمنية، فانتقلت مثلا بطريقة مخالفة للقانون مسؤولية مجالات من اختصاص الحكومة ولكنها تتطلب اتصالا بالإسرائيليين، إلى صلاحيات الرئاسة، وأعطى الشقاقي أمثلة أخرى عن السهولة التي يتم بها تجاهل القانون والدستور بدعاوى متنوعة. ثم ركز على العوامل الخارجية في عرقلة الإصلاح في فلسطين، مشددا على أثر القرار الدولي بمقاطعة الحكومة التي شكلتها حركة حماس، معتبرا ذلك هدما لجهود بناء مؤسسات عامة قوية، استمرت على امتداد ثلاثة عشر سنة، وانه تخل عن مشروع بناء دولة فلسطينية، وتغليب لأهداف قصيرة المدى على الأهداف الأساسية. بل أن المجتمع الدولي، بتشجيعه فتح على تهميش البرلمان ونقل الصلاحيات إلى الرئاسة، يضعف عملية الإصلاح في فلسطين. وأوضح أن مجمل عناصر الموقف الدولي ذاك قد تسببت بتراجع تأييد الرأي العام لفلسطيني لفكرة الديمقراطية كأفضل أشكال الحكم. وأنهى شقاقي مداخلته باقتراح توسيع تعريفنا للديمقراطية من مجرد انتقال السلطة السياسية الديمقراطي إلى ميادين كحرية الصحافة والحكم الرشيد. وفي المحور نفسه، أشار كرم كرم، من المركز اللبناني للدراسات السياسية، إلى الترابط بين الدائرتين المحلية والإقليمية والتأثير المتبادل بينهما بحيث لا يقتصر تراجع الإصلاح بسبب خلل امني في بلد بعينه على البلد ذاته، وبحيث يؤدي التوتر الأمني في بلد معين إلى نتائج سياسية في رقعة أوسع.

= تناول المحور الثاني أثر الانقسام الشيعي السني على استقرار الدول وتماسك المجتمعات، وعلى العلاقات بين الدول وفيما بين المجتمعات. وقد رئيس الجلسة حيدر ابراهيم مدير المركز السوداني للدراسات الإستراتيجية، ثم عرض الموضوع من زاوية المثال اللبناني الدكتور أحمد بيضون أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية، مشددا على أن التوتر بين المجموعتين لا يستند إلى أسس دينية ولكنه يمثل انقساما بين جماعتين سياسيتين في لبنان، واحدة تعرف بالمقربين من الرئيس الحريري وأخرى بالمقربين من سوريا. ثم أبان كيف أن التشيع في لبنان بقي يمارس في الدائرة الخاصة وذلك حتى عام 1982 واجتياح لبنان من قبل إسرائيل. وان تأثير إيران على حزب الله قد ابتدأ منذ ذلك التاريخ، حيث قامت طهران بتسليح الشيعة اللبنانيين وتحويلهم إلى فصيل من فصائل الطائفية السياسية في البلد. وعادت سوريا فرسخت هذه الظاهرة عبر مساندتها لكل من حزب الله وحركة أمل. إلا أن التوتر الذي يطبع الفريقين لا يعود فحسب إلى الوجود السوري المديد في لبنان وتأييده للفصائل الشيعية، بل يعود أيضا إلى النتائج المترتبة على اختيار الرئيس الحريري مشروعا لإعادة الإعمار ذو كلفة باهظة ويرتب مديونية هائلة على الخزينة اللبنانية، ويعمق تهميش فئات اجتماعية هي الأفقر والأوسع عددا في البلد. وأخيرا أوضح بيضون أن تركيبة نظام الطائفية السياسية في لبنان، يحور الإدراك العام، فيقدم كل نقد لمشروع الحريري وكأنه هجوم على الطائفة التي يمثل، وهو أيضا ومن هذا المنظور، ما شمل معنى اغتياله. أما رضوان زيادة مدير مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، فقد شدد على دلالات هيمنة الانقسام الشيعي السني بوصفه مؤشرا إلى فشل بناء الدولة العربية، مميزا بين الدولة والسلطة، وموضحا أن العوامل الخارجية لا تكفي لتفسير صعود الطائفية، حيث أن عجز الأنظمة القائمة عن بناء مفهوم للمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات قد حفز الهويات الأخرى، تلك ما دون الوطنية أو تلك التي تتجاوزها. وانتهى إلى القول أن المشكلة لا تخص تراجع الإصلاح فحسب وإنما هي علامة على فشل في بناء المؤسسة الدولتية.

= وقدم الدكتور حميدة النيفر، من جامعة الزيتونة في تونس، مداخلته في المحور الثالث من هذا القسم، المعنون "التوترات المصاحبة لصعود الحركات الإسلامية بوسائل ديمقراطية"، فميز بداية بين الاتجاه التصوفي في الإسلام والاتجاه المؤسساتي، وانه بالاستناد إلى تجربة المغرب العربي، تختلف النتائج ما بين هذين الاتجاهين بالنسبة للدور السياسي للإسلام. وأشار إالى عودة المقدس في الحياة الاجتماعية العربية، وإلى قدرة الروحانية على ممارسة جاذبية تفوق تلك العائدة إلى العقلانية، وتسمح للإسلام السياسي المستند إليها ادعاء قيادة الحركة المناهضة لهيمنة المادية. وقال إن الإسلام السياسي يرى في المؤسسات الدينية الحالية عقبة أمام تحقيق أهدافه، وهو لذلك لا يسعى إلى إصلاحها، تماما مثله مثل الاتجاهات العلمانية التي لا تكترث بها. وأخيرا أشار إلى غياب الحوار بين الإصلاحيين من الإسلاميين والعلمانيين، مما يؤدي إلى توترات تتعلق بالاستخدامات المختلفة بينهما لمفاهيم كالإسلام والديمقراطية. وفي المحور نفسه تدخل الدكتور عزمي الشعيبي من شبكة "أمان" الفلسطينية، فأوضح أن التصويت لحماس في الانتخابات التشريعية لم يكن استجابة لنداء روحاني بل عبّر عن رفض الفلسطينيين لحالة الشلل وللفساد الذي طبع ممارسات حركة فتح، وأنه يمثل أيضا رغبة في مقاومة الاحتلال. وشدد الشعيبي على دروس التجربة الفلسطينية المفيدة للعالم العربي، فقال أن التركيز على إنتاج آليات انتقال سلمي للسلطة أهم بكثير من إدارة انتخابات حرة ونزيهة، إذ لم تكن مؤسسات السلطة الفلسطينية مصممة أصلا لتقبّل التعددية، مما جعل نقل السلطة إلى حماس إشكاليا. وقال أن فتح كانت تسيطر على أجهزة الأمن والإدارات المدنية والإعلام، مما أوقع مجابهة بين الحكومة التي تسيطر عليها حماس وتلك المؤسسات، وتسبب بالمواجهة بين ميليشيا كل منهما. وفي ختام هذا المحور، أدلت الدكتورة ابتسام كتبي من جامعة العين في الإمارات، بمداخلة ميزت فيها بين الحركات السلفية والإسلام السياسي المعتدل، وقالت أن هؤلاء الأخيرين يمكن أن يندرجوا في العملية السياسية، وحذرت من أن إقصاؤهم يؤدي إلى دفعهم نحو التطرف، كما حدث في العراق.

= أما المحور الأخير لهذا القسم فتناول مقاومات الأنظمة للإصلاح، فاعتبرت الدكتورة أمينة المسعودي، أستاذة القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس في الرباط، أن الأنظمة الاستبدادية هي العقبة الأهم في عرقلة الإصلاح، لأنها تشكل غطاء ضاغطا على الحياة السياسية يسمح لسائر العوامل التي سبق تناولها بالنمو. وقالت أن إحدى ابرز العوائق أمام الإصلاح يكمن في تركّز السلطات التنفيذية، مما يجعل اغلب الأنظمة العربية رئاسية، بغض النظر عما إذا كانت جمهورية أو ملكية. وأنه وفق الحالة هذه، فإن حدوث انتخابات تشريعية لا يوفر تنافسا سياسيا حقيقيا ولا تعددية، لأن الحكومة تعين من الرأس التنفيذي. كما أشارت المسعودي إلى غياب الإطار القانوني الناظم للعلاقات بين مختلف الفاعلين الحكوميين مما يضعف الشفافية ويعطل مفعول الإصلاح. وهي شددت على أهمية الإصلاحات الدستورية في تعزيز دور الجهاز التشريعي وتوفير شفافية أكبر. وكمثال، فقد أشارت إلى تجارب مثل اسبانيا والبرتغال، حيث اعتمدت دساتير جديدة في المراحل الانتقالية، كما تناولت التجربة التشيلية التي أقامت إصلاحات دستورية مما وضع الحكم الديمقراطي في قلب النظام القانوني. إلا أن رامي خوري، مدير مركز عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت، انتقد تشديد المسعودي على أهمية الإصلاحات الدستورية، مشيرا إلى إن عددا من الدول العربية يمتلك دساتير تقدمية وديمقراطية، مما لم يكف لحل المشكلة. وفي إجاباتها، أوضحت المسعودي أهمية المجتمع المدني في المرحلة الانتقالية، التي تؤدي منظماته أحيانا الدور الذي يفترض بالأحزاب السياسية ملؤه، كما هي الحال في المغرب. وقد اعتبر عمر الشوبكي من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الأنظمة التسلطية هي العامل المركزي الذي يعرقل الإصلاح. وأشار إلى الترابط القائم بين مختلف العوامل التي تناولتها الندوة كمعوقات للإصلاح، حيث تحتل الأنظمة التسلطية مكانة الحاضن الجامع بينها. وتناول الشوبكي تحديدا الاستخدام الذي تقوم به الأنظمة لخطر عدم الاستقرار ووصول الإسلاميين إلى السلطة، كحجج للتخلص من ضرورة الإصلاح، بينما تقمع في طريقها يساريين وليبراليين، كما في مصر، وهي في الحقيقة معنية بإزالة أي معارضة أكثر من اهتمامها بالتهديد الإسلامي. وقد أنهى الشوبكي كلامه بالقول أن التحدي الأكبر للإصلاحيين العرب يكمن في بناء مؤسسات ديمقراطية وإرساء دور القانون. وفي تعليقه على المداخلة، أشار رامي خوري إلى إمكان أن تكون المنطقة بصدد الدخول في حقبة جديدة تعمل فيها الأنظمة التسلطية القائمة على إحداث تعديلات أكثر مما هي إصلاحات. كما أشار إلى وجود مصادر متعددة للشرعية في عدة بلدان عربية، ولم تعد الشرعية عائدة إلى نموذج الدولة الوطنية السيادية.

= وقد استضافت الندوة عدد من رؤساء الوزراء السابقين الذين تميزت فترات حكمهم بإدارة حقبات انتقالية نحو الديمقراطية، فقدموا شهادات على تجاربهم، وعلقت الدكتورة قضماني على مداخلاتهم، مشيرة إلى تجربة لاتفيا التي تناولها رئيس وزرائها السابق السيد فلاديس بيركاس، والذي قال أن الديمقراطية قد سبقت مرحلة الجهود للتخلص من الفساد. وتساءلت قضماني عما إذا كانت محاربة الفساد في العالم العربي هي شرط مسبق للديمقراطية أم أنها إحدى نتائج إرسائها. ولكنها سجلت أهمية محاربة الفساد كحافز للديمقراطية لدى الرأي العام العربي، مما يجعل العنوان شديد الأهمية للإصلاحيين العرب.

= وعلى الرغم من أنه لم يخصص محور بذاته لموضوع تدخل الفاعلين الخارجيين في سيرورة الإصلاح العربي، إلا انه برز كنقطة أساسية من خلال النقاشات. فأوضح هنري سيغمان مدير "مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط" أن المشكلة مع التدخلات الأمريكية في الإصلاح العربي هي أن الأمريكيين ينطلقون من فرض مشروعاتهم الخاصة للإصلاح عوضا عن تشجيع ومساندة المبادرات المحلية، وهو ما يفقد هذا التدخل مصداقيته. وأعطى سيغمان كمثال على ذلك الرد الأمريكي على الانتخابات الفلسطينية. وقال أن هذه المقاربة تشجع الخاسرين في العملية الديمقراطية على تحدي شرعيتها. وتناول التمويل الأمريكي والعربي للحرس الرئاسي الفلسطيني معتبرا انه أنجع السبل لإفقاد الرئيس محمود عباس شرعيته وصدقيته. ولكن سيغمان أشار إلى بعض التطورات الايجابية في الموقف الأمريكي من الحكومة الفلسطينية، حيث نظر المسئولون الأمريكيون إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية كأمر ايجابي، وهو تليين لموقفهم من حماس. أما تشارلز غرانت من المركز الأوروبي للإصلاح في لندن، فاعتبر إن ما أنجزه الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط قليل جدا، على الرغم من وجود مصلحة أنانية مباشرة له في أمن وازدهار المنطقة. وعزا ضعف تأثير الاتحاد في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني إلى انعدام وجود موقف أوروبي قوي موحد، وبالأخص فيما يتعلق بكيفية التعاطي مع حماس. وتناول غرانت إمكانية أن تشجع أوروبا الإصلاح في العالم العربي من خلال "سياسة الجوار". ولكن هذه السياسة لم تكن قوية كفاية لممارسة تأثير على الموضوع، رغم احتوائها على حوافز وعلى بنود اشتراطية.

كيف يستعاد الحافز للإصلاح

انتهى اليوم الأول من المؤتمر بنقاش حول استراتيجيات استعادة الحافز للإصلاح بالنظر إلى العقبات المتناولة. فشدد مولود حمروش، رئيس وزراء الجزائر الأسبق على انه ينبغي قبل تعيين الاستراتيجيات تعريف المقصود بالإصلاح. وقال انه بعد الحادي عشر من سبتمبر اتجه عدد من الأنظمة في المنطقة إلى إعطاء مزيد من الحضور للتعددية، ولكن ذلك لا يشكل التزاما أصيلا بالدمقرطة، بل هو اعتماد لمظهر ديمقراطي، إذ تبقى هذه العملية، هي نفسها، مضبوطة، فلا يتاح مثلا للنواب في الجزائر نقاش بعض الموضوعات بحرية مع أنهم مؤيدون للنظام. وركز السيد حمروش على ضرورة أيجاد مناخ ملائم لاعتماد الإصلاح، كترسيخ مكانة القانون، وهو ما يتطلب إقامة ثقافة ديمقراطية تهيئ المجتمع لديمقراطية صحيحة ومتينة. أما أسامة الغزالي حرب، من حزب الجبهة الديمقراطية المصري، فاقترح ثلاث مواضيع أساسية لبلورة استراتيجية التحفيز، أولها أن يطور الإصلاحيون العرب مفهوما واضحا للإصلاح يحدد الأولويات ما بين اقتصاد وسياسة وإدارة، معتبرا أن الإصلاح السياسي ينبغي أن يكون هو الأولوية، فهو "الدماغ" المتحكم بسائر الأعضاء. المسألة الثانية تتعلق بالتعامل مع الإسلام السياسي، الذي يرفض الغزالي اعتباره تهديدا للديمقراطية مؤكدا أنها، لو اقرت حقا فستحوله إلى صوت سياسي من بين أصوات عدة. وأخيرا رأى حرب أن الأحزاب السياسية هي القاعدة الأساسية التي يستند إليها الإصلاح السياسي إذا ما أريد له النجاح والثبات. وتناول حرب الطرق التي يمكن لشبكة "مبادرة الإصلاح العربي" المساهمة من خلالها في عملية الإصلاح، كإطلاع المجتمع الدولي على التطورات، السلبية منها والايجابية، بخصوص الإصلاح في المنطقة العربية، والتصرف كحاضنة لتضامن الإصلاحيين العرب فيما بينهم، والمساعدة على بروز حركات ديمقراطية وأحزاب سياسية عبر توفير التدريب لها والقدرة على بناء النفس. وأخيرا قال أن بإمكان "المبادرة" حفظ ونقل تجارب حركات الإصلاح العربية مما يسمح لهذه الأخيرة بتبادل الخبرات. وفي رد على مداخلة الغزالي حرب، تساءل حسن نافعة، مدير منتدى الفكر العربي، عن قدرة الحركات اللبرالية العربية على الضغط على الحكومات من أجل الإصلاح. أما جان كلود كوسران، من الأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس، فقال انه كمراقب أجنبي يرى أن الإصلاح في المنطقة العربية قد حقق منجزات في السنوات الأخيرة، وذلك رغم كل العقبات، وأن "المبادرة" هي بحد ذاتها تطور مشجع لم يكن ممكنا منذ خمسة عشر سنة مثلا. وقال أن في المنطقة حراك سياسي، فحتى في بلد كسوريا، توصل الناس عامة إلى الاطلاع على وسائل إعلام غير حكومية، مما كان مقصورا على النخبة. وأشار كوسران إلى مجتمع رجال الأعمال في مصر والدور الذي يمكن أن يلعبه في العملية الإصلاحية. وعلى الرغم من أنه لا يوجد بالتأكيد وصفة جاهزة للإصلاح الناجح، إلا أن بعض العناصر المشتركة لحركات الإصلاح الناجح تبدو ضعيفة في المنطقة، وبالتحديد قدرة هذه الحركات على التواصل مع الجمهور وعلى توضيح الصلة بين تحسين شروط حياته والإصلاح. كما شدد كوسران على ضرورة عدم الاكتفاء بالتركيز على دور المجتمع المدني وإهمال دور الدولة في تطوير أو إعاقة الإصلاح. وأخيرا أشار إلى الحاجة إلى الوقت كي ترسخ جذور اللغة الديمقراطية، وكي يتدرب الكادر وتبنى التحالفات.

مشاريع دراسية للإطلاق في 2007

خصص اليوم الثاني من المؤتمر لنقاش مشاريع المبادرة لعام 2007. وقد عينت موضوعات أربعة سيتم إنتاج دراسات حولها هي :

  • التحالفات السياسية في البلدان العربية ومسألة الحوار النقدي بين الحركات السياسية الإسلامية وغير الإسلامية.
  • المرأة وموقعها من عملية الإصلاح.
  • دور القطاع الخاص في عملية الإصلاح
  • إصلاح القطاع الأمني.
  • تقديم استطلاعات الرأي*. وفي إحدى جلسات المؤتمر، قدم محمد المصري من مركز الدراسات الإستراتيجية في الأردن، النتائج الأولية لمجموعة من استطلاعات الرأي حول الإصلاح في العالم العربي، التي اشرف عليها ونسقها المركز، والتي جرت حتى الآن في الأردن ولبنان ومصر والمغرب، وفق عينة من 1200 شخص منتقاة بطريقة تمثيلية متعددة المقاييس. وقد أثبتت تلك الاستطلاعات أن مفهوم الإصلاح ليس غامضا ولا غريبا في تلك البلدان، رغم انه لا يوجد توافق عام على تعريف الإصلاح. وحيث أن النقاش السياسي والإعلام يعتبر أن هناك عقبات أساسية بوجه الإصلاح تتمثل في التدخل الخارجي، والقضية الفلسطينية، فقد درست الاستطلاعات الكيفية التي ينظر فيها الرأي العام لتلك العقبات. كما درست مدى جدية السلطات في التوجه نحو الإصلاح بنظر المستطلعين، والى رؤية هؤلاء للعلاقة بين الديمقراطية والحريات الشخصية والسياسية، ومدى كفالة هذه الحريات في كل من بلدان المستطلعة، وما هي أفضل النظم السياسية بنظرهم. واختارت الاستطلاعات مواضيع اجتماعية اساسية تحتل قلب النقاش العام حول الإصلاح، كحقوق النساء والعلاقة بين الآباء والأبناء ومسألة الاجتهاد في الإسلام لقياس مدى وكيفية اهتمام المستطلعين بها.