استراتيجية داعش الاستعمارية في سوريا

© مصدر الصورة: مركز الرقّة الإعلامي

تمكنت الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من السيطرة على أجزاءٍ هامَّةٍ من شمال – شرق سوريا. تقوم هذه المنظَّمة الجهادية ببناء ما يسمَّى " الدولة الإسلامية" في أكثر مناطق سوريا فقراّ، والمعقل البعثي السابق.

تعتمد استراتيجية "داعش" على استخدام النخبة المتشربة بالفكرة الجهادية، التي تشكِّل العمود الفقري لبنيتها السياسية والعسكرية، وقد رُفِدَتْ بحلفاءٍ محلَّيين انتهازيين. عند النظر إلى طبيعةِ الداعمين المحليين للدولة الإسلاميَّةِ في العراق والشام، وإلى خلفية مكوِّناتهم السورية، يظهر جليَّاّ أنَّ الإيديولوجيا أبعد من أنْ تكون تفسيراّ ذا صلةٍ لإمكانياتها في حشد الدعم.

وحقيقةُ كونِ "داعش" جسماّ غريباّ عن المجتمع السوري، قد تمكَّنَ من فرضِ سيطرةٍ استعماريةِ الطابع على محافظة الرقة وعلى جزءٍ من المحافظات المحيطة بها، يعود إلى قدراتها على استغلال الانقسامات الاجتماعية، التي أُوجِدت على مرِّ السنوات الأربعين الماضية من نظام الأسد. بطريقةٍ مماثلةٍ للأسلوب الذي اتَّبعه النظام لفرض سيطرته في المنطقة، لجأت "داعش" إلى مزيجٍ من القوَّةِ، المحسوبية، واللعب على التنافسات المحلِّية لعقد تحالفاتٍ عريضة، ولكنَّها ضعيفةٍ نوعاّ ما، على مساحة الشمال-الشرقي من سوريا.

ظهرت هشاشةُ هذه التحالفات عندما انشقَّ عن "داعش" أغلبية عناصرها السوريين في إدلب وحلب خلال الأيام الأولى من الهجوم الذي قاده الجيش السوري الحرُّ عليها في كانون الثاني (يناير) 2014. خلال شهرٍ واحدٍ من القتال ضدَّ "داعش"، والتفاوض مع داعميها المحلِّيين، تمكَّنَ الثوار من طرد المجموعة الجهادَّية من الشمال الغربي (إدلب وحلب) من سوريا.

من المهم جداّ فهمُ طبيعةِ اندماج "داعش" ضمن النسيج السياسي والاجتماعي السوري، بهدف تطوير استراتيجيةٍ واقعيةٍ فعَّالة لكبح توسُّع وتوطيد الحالة الجهادية التي يتم بناؤها حالياّ في سوريا والعراق. لا يمكن أنْ تكون هذه الاستراتيجية عسكريةّ وحسب، بل يجب أن تكون مترافقةّ أيضاّ مع مقاربةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ حذرة، تطبَّقُ بهدف تكرار نجاح الثوار في الشمال-الغربي، حيث تمكَّنَوا من عزل العناصر الأجنبية عن داعميها المحلِّيين، وبالتالي هزيمتها.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.