إذا كان من الحماقة وصف عقد من الزمن بأنه الأكثر أهمية في تاريخ منطقة ما، فإن من الحماقة أكثر أن نطلق هذا الوصف على المنطقة العربية. ومع ذلك، ولأننا شعرنا أن هذا القول منطقي عندما يتعلق الأمر بنشاط مجتمع الميم، فقد تم إنشاء هذا الملف. إن المقارنة بين حالة نشاط مجتمع الميم في عام 2009 وعام 2020 ستكون بمثابة مقارنة بين عالمين منفصلين. فبين هذين التاريخين، عقد من الاضطرابات والثورات والضوضاء ونشاط الشارع والنضالات. عقد أتيحت فيه الفرصة للمجتمعات، ولو بشكل عابر، للنظر في أعينهم ومواجهة انقساماتهم الطبقية والجندرية والهوية الجندرية والتوجه الجنسي والتطلع إلى الحياة، ولكن أيضًا للعمل معًا واستكشاف مجالات جديدية لتشكيل تحالفات.
كان أحد وجوه التمرد ظهور حركة كويرية تعددية مرئية تطالب بالاعتراف بحقوقها في الوجود الكامل والعيش بسلام كجزء من المجتمع. حدث ذلك داخل العائلات وفي الشوارع وعلى الشبكات التواصل الاجتماعي وفي المحاكم. وشهد ذلك ظهور جمعيات ومظاهرات وتحالفات وإصدارات كتب وروايات ومدونات، وأيضًا ولادة مجتمعات على الإنترنت أو في الحياة الواقعية، والتفاف حول ظواهر جماهيرية حقيقية مثل فرقة ”مشروع ليلى“ الموسيقية.
ولم يتأخر الرد على هذه الثورات كثيرًا. فالدول التي اهتزت سياسيًا، وضعفت في دورها كمقدم للحماية الاجتماعية التي كانت بمثابة أساس العقد السلطوي الذي يربطها بشعوبها، أخذت على عاتقها الحماية الأخلاقية. كما دعمت العديد من الطبقات الاجتماعية المحافظة هذا الاتجاه ووفرت متطوعين للقمع والسجن والتعذيب والعزل والاعتداء الجسدي. كما شرعت الدول في حراسة ”الأصالة الوطنية“، التي هددتها المثلية الجنسية التي يُنظر إليها على أنها استيراد غربي. استخدمت الأنظمة سلاحًا قديمًا سبق أن أشهرته في وجه النساء أثناء الاستعمار وبعده: أي رغبة في التحرر من العبودية تتعارض مع ما تعتبره ”الثقافة العربية الأصيلة“. وقد وجدت الأنظمة في هذا الهجوم الأخير حلفاء غير متوقعين في قسم من المجتمع الأكاديمي العربي المقيم في الغرب، والذي يتوق تحت ستار معاداة الإمبريالية إلى البحث عن الخائن المتغرب أينما كان من أعالي أبراجهم العاجية في أمريكا أو أوروبا.
ولكن ليس بوسعهم فعل الكثير. فحركة المثليين موجودة لتبقى. فحتى المآسي مثل انتحار سارة حجازي في عام 2020، كما كتب الكاتب الفلسطيني طارق بقعوني، قد أعطت شكلًا لمجتمع حقيقي عابر للحدود الوطنية من الحداد والتضامن، في البلدان العربية والشتات على حد سواء.
إن ملف مبادرة الإصلاح العربي حول قضية مجتمع الميم في المنطقة العربية هو سلسلة من القراءات الأولى لجوانب من هذه الحركات وأشكال المقاومة والقمع التي تواجهها. يحلل كل مقال جانب من جوانب هذه التطورات ويطرح إشكاليات مستقبلية للحركة، مثل مسألة التحالف مع المجموعات النسوية، أو كيفية التصدي للذعر الأخلاقي (المستورد من الغرب أيضًا) الذي يحاول خلق كتلة محافظة داخل المجتمع وبالتالي عزل الكويريين/ات. هذا الملف هو أيضًا فرصة لتسليط الضوء على كتابات أصوات جديدة لباحثين وكتاب شباب من المنطقة.
في "أصوات غير أخلاقية، أجساد غير أخلاقية: إلى أي مدى يمكن أن تصبح الأجساد الكويرية المصرية مرئية؟" يحلل الباحث (م.ح) الذي فضّل عدم الكشف عن هويته الاختلافات في السياق وردود الفعل بين حدثين بارزين لمجتمع الميم المصري، وهما حادثة كوين بوت في 2004 وحملة القمع التي أعقبت ظهور علم قوس قزح خلال حفل مشروع ليلى في 2014. يُظهر التعامل المختلف مع الحدثين ما كلّفه الظهور على الحركة من جهة، وكيف أن صعود القومية المثلية في الغرب (حيث التسامح مع المثليين هو علامة على أن الغرب حضارة متفوقة) قد تُرجم إلى صعود قومية الدولة المغايرة في العالم العربي، حيث أصبح الدفاع عن العائلة المغايرة قضية أمن قومي.
في "المغايرة القومية والدين والقيم العائلية: تحليل خطابي نقدي لتصريحات السياسيين اللبنانيين بعد محاولات إلغاء المادة 534"، تحلل دانا السمّاك الخطابات الرسمية والدينية المعادية لمجتمع الميم في لبنان، وتقترح تصنيفًا لمختلف السجلات التي يتم حشدها لعزل مجتمع الميم عن مجتمعهم.
في كتابها ” لماذا لا يستطيع الناشطون الكويريون رفع علمهم في لبنان؟" تربط كريستين عازار بين تصاعد الخطاب الرسمي المعادي للمثلية الجنسية وبين ضعف النظام الطائفي نتيجة ثورة 2019 والأزمة الاقتصادية اللبنانية. بعد أن عجز ممثلو الطوائف المختلفة عن أداء وظائفهم في إعادة التوزيع، اضطر ممثلو الطوائف المختلفة إلى العودة إلى خطاب أبوي يصوّر مجموعتهم على أنها مهددة من صعود مطالب مجتمع الميم في لبنان.
في "النشأة والصمود والتوترات: عقدٌ من نشاط مجتمع الميم في المغرب"، تسلّط سناء أ. الضوء على الاحتكاك بين حركة مجتمع الميم المغربية والحركة النسوية الأقدم والأكثر مؤسسيةً، مبيّنةً أنه حتى اليوم، تكافح الحركة الكويرية من أجل بناء تحالفات دائمة مع الحركة النسوية.
في” سلع قوس قزح في الدول العربية وأخلاقية الألوان موضع الاهتمام"، يستخدم الباحثة (أ.ز) التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، استنفار السلطات في مختلف الدول العربية ضد أي رمز يحمل ألوان قوس قزح، مستندة إلى حالتي الجزائر وقطر، لتوضح الطابع الغربي المستورد للذعر الأخلاقي الذي تعيشه الأنظمة، حتى وهي تحاول أن تتميز عن هذه الأنظمة.
في وقتٍ يسود فيه اليأس والعجز الجماعي في جميع أنحاء المنطقة، يبدو التفكير في المستقبل على نحوٍ متزايد وكأنه ترف. حركة مجتمع الميم ليست استثناءً من هذه اللامبالاة المعممة، في سياق تخنق فيه الهزائم المتعددة، بدءًا من العجز في مواجهة الإبادة الجماعية، الأجواء. علينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نقيس المسافة التي قطعناها منذ الموجة الأولى من الثورات العربية وأن نقيّم المسافة التي ما زال علينا أن نقطعها. سيمكننا هذا التقييم الأولي، استنادًا إلى الدروس المستفادة، من وضع استراتيجيات وتحالفات جديدة من أجل تحرر الجميع، كمواطنين بقدر ما هم مواطنون لهم رغباتهم وهوياتهم الجندرية التي لا تقل أهمية عن رغبات وهويات الآخرين.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.