فتحت احتِجاجاتُ 2011 الفرص أمام المصريّين من جميع أطيافِ المجتمع للتعبئة والتنظيم من أجل المطالبة بحقوقِهم. لكنّ تلك الفرصَ سرعان ما تلاشت بفعل تقلُّص مساحات التعبئة الاجتماعيّة بعد وصول عبد الفتاح السيسي للرئاسة في مصر. تقدِّم مجموعةُ الأبحاث والدراسات التي تَصدر اليوم لمحةً عن كيفيّة تنظيم هذه الحركات الاجتماعيّة، والتحدّيات التي واجهتها والإنجازات التي تمكّنت من تحقيقها خلالَ الفترة ما بين عام 2011 وأوائل 2014.
مع حلول الذكرى السابعة للاحتجاجات كانون الثاني/يناير 2011 في مصر، تنشر اليوم مبادرة الإصلاح العربي سلسلةً من الدراسات تعكس روحَ التجمُّعات التي شهدها مَيدان التحرير وأشكالَ التعبئة الاجتماعية التي ازدهرت مع انفِتاح تلك المرحلة .
تشمل هذه الدراسات التي تحمل عنوان مصر الثّائرة: التعبئة الاجتماعية وإرث 2011 المنقطع كتابَين وقاموساً باللغة العربيّة حَول الحركات الاجتماعية، وتقدِّم صورةً حيَّة وغنيّة ومميّزة للمجتمع المدَنيّ المصريّ في فترة خلَت. ورغم فَوات تلك المرحلة، إلّا أنّها تميّزت بتعميم التعبئة الذاتيّة والتجريب التنظيميّ والمطالبة بالحقوق والمساواة في المجال العامِّ الموسَّع آنذاك.
وتَستنِد الدراسات إلى بحوث ميدانيّة واسعة النّطاق، بما في ذلك مئات المقابلات، استُخدِمت فيها أساليبُ إثنوغرافيّة، وتقنيّاتُ الرصد التشاركيّ، فضلاً عن الحِوارات بين الناشطين والباحثين. وهي تَضع أمام القارئ صورةً غنيّة ومتنوِّعة عن المجتمع المدّنيّ المصريّ بين 2011 وأوائل 2014، تمتدُّ فيها الحراكاتُ من الباعة المتجوِّلين وتعبئة "أطباء التحرير"، وحراكات ضدَّ التحرُّش الجنسيِّ الى أخرى تطالبُ بالحقوق الحضريّة وحقوق العمال.
تلاشَت فترة الانفِتاح والتعبير هذه مع تزايد مَوجات القمع وتعمُّقه أثناء رئاسة عبد الفتاح السيسي، وإغلاقِ الفرَص السياسيّة للحرَكات الاجتِماعيّة وسكوتِ الأصوات المعارِضة.
ورغم ذلك، تُوَفِّر الدراسات المنشورة في هذين المجلَّدَين إضافاتٍ قيِّمة حول القضايا المتعلِّقة بالتعبئة في مصر اليوم، وكيف يُمكن للمجتمع المدنيّ أن يقاوم بفعاليّة ويردَّ على التعدّي على الحقوق والتنظيم الذاتّي. ومن هذا المنطلّق، يوفِّران المجلَّدان رؤية - في الوقت المناسب - للفاعلين الاجتماعيّين والسياسيّين في مصر وخارجِها، مع انعكاساتٍ على ما نجح وما لم ينجح، فضلاً عن استراتيجيّات جديدة لتفعيل الحقوق، بما في ذلك قضيّة المحاماة والتقاضي الاستراتيجيّ.
ويشكِّل الانعطافُ في العلاقات بين الدولة والمجتمع التي تمثِّلُها هذه الدراسة، فضلاً عن الدروس المستفادَة والأفكار المستقبليّة للتعبئة الاجتماعيّة وجهود التنظيم السياسي، مصدر اً للتفاؤل والإلهام لدى المصريّين في بلد يدخل عاماً انتخابيّاً حرجاً.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.