كوب-29: التمويل المناخي، والانتقال العادل، ودور المغرب في العمل المناخي العالمي

مقدمة

يمثل الانتقال من مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين إلى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين تطورًا حاسمًا في الحوار العالمي بشأن المناخ، مع تحول ملحوظ نحو الحاجة الملحة إلى تمويل المناخ وتفعيل الآليات الرئيسية مثل صندوق الخسائر والأضرار. وأُطلق على مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين الذي عُقد في باكو في أذربيجان، خلال الفترة من 11 إلى 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، اسم "مؤتمر الأطراف المعني بالتمويل" بسبب التركيز الرئيسي على تأمين التمويل للبلدان النامية، معالجة المخاوف المتزايدة للدول الضعيفة، وضمان الوفاء بالوعود التي قُطعت في مؤتمرات الأطراف السابقة. يعكس هذا التركيز على التمويل المناخي الضغوط المتزايدة من الدول الأكثر تأثراً بتغير المناخ، لا سيما في جنوب الكرة الأرضية، حيث تتزايد حدة الكوارث الناجمة عن المناخ.

وقد أرسى مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون، الذي عُقد في دبي في الإمارات العربية المتحدة، الأساس عبر إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، ما يمثل خطوة مهمة إلى الأمام في الاعتراف بالاحتياجات المالية للبلدان الضعيفة. إلا أن مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين أخذ هذا الأمر إلى أبعد من ذلك من خلال التركيز على تفعيل هذا الصندوق والدفع نحو التزامات مالية طموحة، بما فيها وضع هدف جماعي جديد محدد كمياً لتمويل المناخ، مع سعي البلدان النامية إلى تحقيق هدف سنوي قدره 1.3 تريليون دولار بحلول العام 2025. ويعكس هذا التطور اعترافًا أعمق بالعبء غير المتناسب الذي تتحمله بلدان الجنوب في ما يتعلق بالآثار المناخية وضرورة تقديم الدعم المالي لانتقالها إلى مستقبل منخفض الكربون.

ولعب المغرب، الذي وضع نفسه باستمرار في موقع الريادة في العمل المناخي داخل الجنوب العالمي، دورًا محوريًا في نتائج مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، ما يعكس إنجازاته الوطنية ودعوته الأوسع نطاقًا لتحقيق العدالة المناخية. تتماشى مساهمات المغرب، ومن ضمنها تركيزه على الطاقة المتجددة والانتقال العادل وتمويل التكيف، بشكلٍ وثيق مع الاتجاهات العالمية في إدارة المناخ، لا سيما الدعوة المتزايدة إلى التدفقات المالية العادلة والآليات التي تعطي الأولوية للدول الأكثر ضعفاً.

وتتأكد أهمية مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين عبر الأحداث المناخية العالمية الأخيرة، مثل تصاعد وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة والاعتراف في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بأن الكوارث المناخية تكلف الدول الضعيفة مليارات الدولارات سنويًا. وتُعد هذه الأحداث بمثابة تذكير صارخ بالحاجة الملحة إلى توسيع نطاق تمويل التكيف ومعالجة الخسائر والأضرار.

النتائج الرئيسية من مؤتمر COP29

تمويل المناخ: المفاوضات والتحديات

كانت إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين هي وضع هدف جماعي كمي جديد لتمويل المناخ، مع التركيز بشكلٍ كبير على زيادة التزامات التمويل للدول النامية. وقادت مجموعة الـ77 والصين الضغط من أجل التزام مالي قوي، ودعت إلى هدف سنوي قدره 1.3 تريليون دولار ابتداءً من عام 2025 لتلبية الاحتياجات المالية المتزايدة. وُسلّط الضوء على عدم كفاية الهدف السابق البالغ 100 مليار دولار، المُتفق عليه في العام 2009 الذي لم يتحقق بالكامل، باعتباره مصدر قلق كبير. وأعربت البلدان النامية، لا سيما في مناطق مثل إفريقيا، عن إحباطها من محدودية التمويل الذي يُقيد قدرتها على تنفيذ خطط التكيف الوطنية التي تعتبر حاسمة لإدارة المخاطر المناخية.

على سبيل المثال، أشارت دول إفريقية، مثل ملاوي والسودان، إلى أن نقص التمويل يعيق قدرتها على حماية المجتمعات المحلية من الجفاف الشديد والفيضانات، ما يُفاقم انعدام الأمن الغذائي وفقدان سبل العيش. وأكدت مقارنة فجوات التمويل بحسب المنطقة هذا التفاوت. فتكون الدول الإفريقية غالباً من بين الدول الأقل تمويلاً في مجال تمويل التكيف، فمستويات التمويل الحالية بعيدة كل البعد عما هو مطلوب لمواجهة التكاليف المتزايدة للأضرار المرتبطة بالمناخ.

وقاومت البلدان المتقدمة الدعوات إلى جعل المساهمات في صندوق الخسائر والأضرار إلزامية، ودافعت عن المساهمات الطوعية، فحدث خلاف كبير في المفاوضات. وفي الوقت نفسه، كان يُنظر إلى دول مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنها معرقلة للمفاوضات، إذ شدد بعض ممثليها على المسؤولية المالية بدلاً من قبول الالتزامات المالية الملزمة. من ناحية أخرى، كانت دول مجموعة الـ77 والصين في طليعة الدول التي دعت إلى زيادة التمويل عبرالمساهمات الإلزامية. وتضمن النص النهائي الذي جرى التفاوض عليه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين التزامًا بمراجعة مجموعة الحوكمة الوطنية كل خمس سنوات، بما يتماشى مع عملية التقييم العالمي لاتفاقية باريس. وجاء إدراج دورة المراجعة الخمسية هذه نتيجة لمفاوضات مكثفة، بهدف توفير الوضوح وضمان أن تبقى الالتزامات طموحة ومتوافقة مع الاحتياجات المناخية المتطورة.

لم يمرّ قرار إنشاء الفريق الوطني المعني بالالتزامات المناخية ومراجعته كل خمس سنوات من دون نقاش، فضغطت الدول النامية من أجل تمويل طويل الأجل يمكن تحقيقه، بينما سعت الدول المتقدمة إلى مزيد من المرونة. وتقرر إنشاء هذه الآليات من خلال مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، مع مدخلات من مجموعة الـ77 والصين والاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى، ما يعكس توازنًا في المصالح سيستمر في التطور في اجتماعات مؤتمر الأطراف في المستقبل.

الخسائر والأضرار: تفعيل الصندوق

مع استمرار تصاعد الكوارث الناجمة عن المناخ، إذ يُتوقع أن تتجاوز التكاليف الـ400 مليار دولار سنويًا بحلول العام 2030، أكدت البلدان المعرضة للخطر في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين على الحاجة الملحة إلى تفعيل صندوق الخسائر والأضرار. يهدف هذا الصندوق الذي أُنشئ للمرة الأولى في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، إلى توفير الدعم المالي للذين يعانون من الآثار المدمرة لتغير المناخ، مثل الفيضانات والجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر.

وجرى تسليط الضوء على مثال خاص ببلدان محددة للخسائر والأضرار خلال المناقشات: تجسد فيضانات باكستان في العام 2022 التي تسببت بأضرار تجاوزت الـ30 مليار دولار، الحاجة الملحة إلى آليات تمويل يمكن تحقيقه قد تساعد في جهود التعافي. فدمرت فيضانات باكستان ملايين الأشخاص، وشرّدت المجتمعات المحلية وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية والزراعة والمنازل، ما يؤكد ضرورة وجود صندوق الخسائر والأضرار. ومع استمرار بلدان مثل باكستان في مواجهة الكوارث المناخية، يصبح تفعيل الصندوق أكثر أهمية لتوفير الإغاثة المالية وضمان التعافي على المدى الطويل.

ويمهّد هذا التفعيل الطريق لآليات الحوكمة المناخية المستقبلية، مثل أطر المسؤولية والتعويض التي يمكن أن تحمّل البلدان الملوثة المسؤولية عن الأضرار التي تسببت بها. وأرست المفاوضات التي جرت في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الأساس لمثل هذه الأطر، فأكدت الدول النامية ضرورة أن تكون صناديق المناخ المستقبلية قابلة للتحقق وشفافة ويمكن الوصول إليها.

التحولات العادلة: ضمان الإنصاف والشمولية

كانت التحولات العادلة موضوعًا محوريًا في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، مع تأكيد الحاجة إلى تحقيق التوازن بين العمل المناخي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما بالنسبة إلى الاقتصادات التي تعتمد بشدة على الوقود الأحفوري. قادت مجموعة الـ77 والصين الدعوات إلى عمليات الانتقال العادلة، ودعت إلى تقديم الدعم المالي والتقني لمساعدة البلدان على التحول نحو بدائل أكثر اخضرارًا مع تقليل فقدان الوظائف والصعوبات الاقتصادية.

في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، اعتُمد إطار عمل لتوجيه عمليات الانتقال العادل، مع الاعتراف بأهمية النهج المصممة خصيصًا للسياقات الوطنية المختلفة. لا تتعلق عمليات الانتقال العادل بتحويل أنظمة الطاقة فحسب، بل أيضًا بضمان أن تكون العملية شاملة ومنصفة ومفيدة للمجتمعات الأكثر ضعفًا. ويمكن أن يشمل ذلك خلق وظائف خضراء جديدة، وإعادة تأهيل العمال، وضمان حصول الجميع على الطاقة النظيفة.

ومن الأمثلة الناجحة على هذا الإطار، شراكة التحول العادل للطاقة في جنوب إفريقيا التي تركز على الدعم الدولي المنسق لمساعدة البلاد على التخلص التدريجي من الاعتماد على الفحم مع خلق فرص عمل جديدة في قطاعات الطاقة المتجددة. وتوضح هذه الشراكة كيف يمكن للتعاون الدولي أن يمكّن الاقتصادات المعتمدة على الوقود الأحفوري من الانتقال بسلاسة من دون التخلي عن العمال.

كما تناول مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون التحديات التي تواجهها الاقتصادات المعتمدة على الوقود الأحفوري في المنطقة العربية، إذ تواجه دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها تحديًا مزدوجًا يتمثل في خفض الانبعاثات مع الحفاظ على النمو الاقتصادي. وأكدت المجموعة العربية الحاجة إلى الدعم المالي ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات لمساعدة هذه الاقتصادات على الانتقال إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون. وأقر المؤتمر بأن هذه التحولات يجب أن تكون تدريجية ومنصفة، مع إدراج إطار عمل لتوجيه هذه العمليات مع ضمان توفير الموارد المالية لدعم المجتمعات الضعيفة خلال عملية الانتقال.

مواقف المغرب ومساهماته

أبرزت قيادة المغرب في الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف التزامه القوي بالعمل المناخي، مع التركيز الواضح على الدعوة إلى التمويل المناخي العادل والطاقة المتجددة واستراتيجيات التكيف ومشاركة الشباب. ولعب المغرب دوراً حاسماً في حشد الدول الإفريقية والعربية الأخرى، مستخدماً موقعه الفريد كجسر بين جداول الأعمال العالمية المتعلقة بالمناخ لمناصرة دول الجنوب، لا سيما في مجالي التمويل والتحول العادل.

الريادة في الدعوة لتمويل المناخ

وضع المغرب نفسه كقائد حاسم في الدفع من أجل تمويل المناخ، فربط أجندات إفريقيا والمنطقة العربية والمجتمع الدولي الأوسع. وبصفته عضوًا في مجموعة الـ77، لعب دورًا محوريًا في الدعوة إلى زيادة التمويل من أجل المناخ، وتحديدًا دعم هدف تأمين 1.3 تريليون دولار سنويًا بحلول العام 2025. يعكس موقف المغرب الحاجة الملحة إلى تمويل كافٍ ويمكن تحقيقه لتلبية الاحتياجات المناخية للبلدان النامية.

بالإضافة إلى الضغط من أجل تحقيق هذا الهدف، دعا المغرب باستمرار إلى اتباع نهج أكثر شمولاً في تمويل المناخ، بما يضمن وصول المبادرات المحلية والمبادرات التي يقودها الشباب إلى الموارد من دون عوائق تمثلها غالباً إجراءات التقديم المعقدة. وكان دوره كجسر بين الأجندات الإفريقية والعربية والعالمية فعالاً في مواءمة مصالح هذه المناطق مع الأولويات العالمية الأوسع نطاقاً. فعمل على سبيل المثال على لفت الانتباه إلى احتياجات التمويل المناخي للدول الإفريقية والعربية التي تعاني غالباً من نقص التمويل على الرغم من كونها من بين أكثر الدول عرضة لتغير المناخ.

يتماشى موقف المغرب من إعلان تمويل المناخ بقيمة 300 مليون دولار مع استراتيجيته الأوسع نطاقاً. وعلى الرغم من أن الالتزام كان خطوة إيجابية، إلا أنه لا يزال متمسكًا بأنه جزء بسيط مما هو مطلوب حقًا لمواجهة نطاق التحديات التي يفرضها تغير المناخ. ويواصل الدعوة إلى زيادة الالتزامات التي تتناسب مع الاحتياجات المالية المتزايدة لبلدان الجنوب.

 نموذج للطاقة المتجددة والتحولات العادلة

قطع المغرب أشواطاً كبيرة في مجال تطوير الطاقة المتجددة، سواء كنموذج لإفريقيا أو في مساهماته الدولية الأوسع نطاقاً. ويجسد مشروع نور للطاقة الشمسية، وهو أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، نجاح البلاد في قطاع الطاقة المتجددة. وهو يسير على الطريق الصحيح للوصول إلى 52 في المئة من طاقته من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030، مع التركيز على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية. ومع ذلك، على الرغم من هذه النجاحات، واجه المغرب تحديات، مثل النزاعات على الأراضي وعقبات التمويل. فعلى سبيل المثال، واجه مشروع نور انتقادات بسبب عدم كفاية المشاركة مع المجتمعات المحلية خلال مراحل التخطيط، ما خلق مخاوف بشأن التوزيع العادل لفوائد المشروع.

يستفيد المغرب من خبرته في مجال الطاقة المتجددة على الساحة الدولية عبر التعاون بين بلدان الجنوب. فقد أقام شراكات مع دول أفريقية أخرى لتبادل الخبرات في مجال تطوير الطاقة المتجددة، ما يساعد على بناء القدرات وتنفيذ مشاريع مماثلة في جميع أنحاء القارة. ولا يعزز هذا التعاون مكانة المغرب كبلد رائد إقليمياً فحسب، بل يؤكد أيضاً التزامه بتعزيز حلول الطاقة المستدامة في الجنوب العالمي.

ومن الأمثلة على طموحاته الأوسع نطاقاً في مجال الطاقة المتجددة إمكانات تصدير الهيدروجين الأخضر الذي يهدف إلى أن يصبح رائداً عالمياً في إنتاجه. ويُجري مناقشات مع الدول الأوروبية لتصدير الهيدروجين الأخضر، مستفيداً من موارده الهائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتزويد هذا القطاع الناشئ بالطاقة. إن تطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر لن يساهم فقط في التحول الطاقي في المغرب، بل سيساعد أوروبا أيضًا على تحقيق أهدافها في إزالة الكربون.

الالتزام بالتكيف والمرونة

كان تركيز المغرب على استراتيجيات التكيف جزءًا لا يتجزأ من دبلوماسيته المناخية، لا سيما في معالجة آثار تغير المناخ على ندرة المياه. ومن المشاريع البارزة في هذا المجال برنامج التكيف مع تغير المناخ في قطاع المياه في المغرب الذي يهدف إلى تعزيز قدرة البلاد على التكيف مع الإجهاد المائي عبر تحسين إدارة المياه وزيادة كفاءة أنظمة الري. ومع تكرر موجات الجفاف التي تؤثر على الزراعة، تسلط هذه المبادرة الضوء على الحاجة الملحة إلى تمويل التكيف لضمان قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع نقص المياه والاستمرار في الازدهار.

علاوة على ذلك، نفذ المغرب العديد من المبادرات التي تستهدف القدرة على التكيف مع المناخ في المناطق المعرضة للخطر. ويشكل مخططه الأخضر الذي يركز على المشاريع المناخية المجتمعية، إطاراً قوياً لتوسيع نطاق جهود التكيف. ومكّنت الخطة البلاد من تعزيز الإنتاجية الزراعية مع ضمان أن تكون المجتمعات الريفية أكثر قدرة على التكيف مع التأثيرات المناخية. وأكدت مناصرة المغرب لتمويل التكيف في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين على ضرورة مثل هذه المشاريع التي تتطلب دعماً تقنياً ومالياً على حد سواء لتوسيع نطاقها.

الدعوة إلى آليات الخسائر والأضرار

كان انخراط المغرب في تفعيل صندوق الخسائر والأضرار كبيراً، ما يعكس التزامه الطويل الأمد بالعدالة المناخية. وانضم إلى الدول النامية الأخرى في الدعوة إلى وضع هياكل حوكمة واضحة ومساهمات إلزامية في الصندوق، مع تأكيد أهمية ضمان توجيه الموارد المالية إلى المجتمعات الأكثر ضعفاً.

ويستند هذا الالتزام بآليات الخسائر والأضرار إلى تجربة المغرب الخاصة مع الكوارث المرتبطة بالمناخ، مثل الجفاف الذي أثر بشدة على الزراعة وسبل العيش في المناطق الريفية. ويواصل الدعوة إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه التحديات، بما يضمن حصول الدول الضعيفة على الموارد المالية اللازمة للتعافي من آثار المناخ.

مشاركة الشباب وقيادة العمل المناخي

كانت مشاركة الشباب في المؤتمر التاسع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قوة مؤثرة في الدفع نحو التزامات مناخية أقوى. وشاركت منظمات شبابية من جميع أنحاء العالم في جهود المناصرة، ما ضمن الاستماع إلى أصواتهم في المناقشات حول التمويل المناخي والتكيف والخسائر والأضرار المناخية. وقادت هذه المنظمات حملات تطالب بزيادة الدعم المالي للمبادرات المناخية التي يقودها الشباب وإشراك ممثليهم في هيئات صنع القرار. كما أبرزت مناصرتهم أيضاً الحاجة إلى آليات تمويل مناخية أكثر شفافية تعطي الأولوية للمشاريع المحلية والمشاريع التي يقودها الشباب التي تواجه غالباً عوائق في التمويل.

وكانت إحدى المساهمات البارزة حملة "العدالة المناخية الآن"،  إذ قدم الشباب من مختلف المناطق دعوة موحدة إلى قادة العالم للعمل بسرعة على تغير المناخ والوفاء بالتزاماتهم المالية. بالإضافة إلى ذلك، قدمت وفود الشباب مقترحات تتناول التحديات المناخية المحددة التي تواجهها مجتمعاتهم المحلية، داعين إلى إيجاد حلول أكثر استهدافاً في مجال تمويل التكيف. وتمثَّل أحد الإنجازات الهامة في إدراج ممثل عن الشباب في لجنة رفيعة المستوى لمناقشة تمويل المناخ، ما يُشكل علامة فارقة لمشاركة الشباب في مفاوضات المناخ.

كما نجحت المنظمات الشبابية أيضاً في الضغط من أجل إدماج التثقيف في مجال المناخ في المناهج الدراسية الوطنية، ما يضمن تحضير الأجيال القادمة بشكل أفضل لمواجهة التحديات المناخية. وأدت مناصرتهم إلى تضخيم أصوات الدول الضعيفة، من ضمنها الدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نمواً، داعين إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن الخسائر والأضرار. ومن خلال التأثير المباشر على المفاوضات، أظهر الشباب دورهم الحيوي في تشكيل حوكمة المناخ، ما حوّل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين إلى منصة أكثر شمولاً وإنصافاً للعمل المناخي في المستقبل.

تحليل مؤتمر COP29 كعلامة فارقة في مفاوضات المناخ

شكّل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون نقطة تحول مهمة في الحوكمة العالمية للمناخ، فشكّل مسار المفاوضات المناخية المستقبلية وعمّق التركيز على المجتمعات الأكثر ضعفًا وتهميشًا. وفي حين تركز معظم اهتمامه على احتياجات البلدان النامية، إلا أنه كان لنتائجه أيضًا آثار بعيدة المدى على الفئات المهمشة، ومن ضمنهم السكان الأصليون والشباب والنساء. وتماشى التركيز على التمويل المناخي والتكيف في هذا المؤتمر مع الحاجة إلى أطر أكثر شمولاً تضمن وصول الموارد إلى هذه المجتمعات الضعيفة.

على سبيل المثال، عالج تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الحاجة الملحة إلى تمويل يمكن تحقيقه والوصول إليه للبلدان والمجتمعات الأكثر تضرراً من تغير المناخ. وهذا يعود بالنفع المباشر على الفئات المهمشة التي تكون في الغالب أول من يتحمل وطأة الكوارث المناخية، مثل الدول الجزرية الصغيرة والمجتمعات الريفية ذات الدخل المنخفض. ومن خلال ضمان إشراك هذه المجموعات في المفاوضات المناخية والآليات المالية، ساعد هذا المؤتمر على تعزيز هدف تحقيق العدالة المناخية. كما وفّرت النقاشات حول عمليات الانتقال العادل وتمويل التكيف آليات مهمة لضمان وصول السكان المهمشين إلى الموارد اللازمة لبناء القدرة على الصمود في مواجهة الآثار المناخية.

وتتماشى نتائج مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين مع التقييم العالمي لاتفاقية باريس، لا سيما مع إنشاء الهدف الكمي الجماعي الجديد للتمويل المناخي، من خلال مزامنته مع الجرد العالمي لاتفاقية باريس. عزز هذا المؤتمر آليات المساءلة، ما يضمن مراجعة التزامات التمويل المناخي بانتظام وتعديلها لتعكس الاحتياجات المتطورة للدول الضعيفة. هذه المواءمة أمر بالغ الأهمية لضمان بقاء العمل المناخي على المسار الصحيح لتحقيق الأهداف العالمية، لا سيما المتعلقة بالحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.

كانت الديناميكيات الجيوسياسية في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين معقدة، فلعبت الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل والهند أدوارًا رئيسية في سد الفجوات بين الشمال والجنوب. واستخدمت هذه الدول التي تتمتع بنفوذ إقليمي كبير، منصاتها للدعوة إلى التزامات مالية أكبر وتوزيع أكثر عدلاً للموارد. فسلطت البرازيل، على سبيل المثال، الضوء على أهمية الحفاظ على التركيز على إزالة الغابات الاستوائية وحماية التنوع البيولوجي، في حين دفعت الهند باتجاه التزامات أكثر قوة بشأن نقل التكنولوجيا وبناء القدرات للدول النامية. وساعد كلا البلدين، إلى جانب الاقتصادات الناشئة الأخرى، على تشكيل تحالفات لموازنة تأثير الدول المتقدمة التي تقاوم غالباً الالتزامات المالية الملزمة.

في المقابل، ثبت أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تمويل الخسائر والأضرار كان نقطة خلاف كبيرة في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين. فعلى الرغم من اعترافها بضرورة معالجة الخسائر الناجمة عن المناخ، إلا أنها تمسكت بموقفها في شأن المساهمات الطوعية وليس الإلزامية، فقاومت الدعوات إلى تقديم تعهدات مالية ملزمة. وأظهر هذا التردد استمرار الانقسام بين الدول المتقدمة والدول النامية، فسعت الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة إلى آليات أكثر مرونة، بينما طالبت دول الجنوب بتمويل أكثر قابلية للتحقق وملزم قانونًا.

وفي الوقت نفسه، لعبت الصين دورًا مزدوجًا في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين. وباعتبارها رائدة داخل مجموعة الـ77، دعمت الضغط من أجل تعزيز التمويل المناخي وتمويل التكيف مع تغير المناخ، بما يتماشى مع أولويات البلدان النامية. ومع ذلك، وباعتبارها أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، فكان دورها في المفاوضات معقدًا بسبب موقعها كدولة نامية ومساهمة رئيسية في الانبعاثات العالمية. وأثرت هذه الثنائية على المفاوضات، فواجهت الصين ضغوطًا من الدول المتقدمة لتحمّل المزيد من المسؤولية عن خفض الانبعاثات، بينما كانت تدعو في الوقت نفسه إلى تقديم الدعم المالي والتكنولوجي الذي تحتاجه الدول النامية الأخرى. وأصبح هذا التوازن سمة رئيسية لمشاركة الصين في المفاوضات الدولية بشأن المناخ، ويُرجح أن يستمر في تشكيل مشهد الحوكمة العالمية للمناخ.

وبشكل عام، عزز هذا المؤتمر الحاجة إلى العمل الجماعي للتصدي لتغير المناخ، مع التركيز بشكل أقوى على الفئات المهمشة والالتزام بالمساءلة من خلال آليات مثل مجموعة الحوكمة الوطنية للمناخ. كما سلّط المؤتمر الضوء على الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة التي لا تزال تشكل المفاوضات المتعلقة بالمناخ، إذ تلعب الاقتصادات الناشئة والولايات المتحدة والصين أدوارًا محورية في دفع القرارات الرئيسية أو عرقلتها. ومع اشتداد أزمة المناخ، مهدت نتائج مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين COP29 الطريق للمفاوضات المستقبلية، مع إمكانية زيادة التعاون، لكن التحديات مستمرة أيضاً في سد الفجوة بين الشمال والجنوب.

نظرة ثاقبة لمواقف مجموعة الـ77 والصين والمجموعة العربية

مجموعة الـ77 والصين

لعبت مجموعة الـ77 والصين دورًا حاسمًا في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في الدفاع عن مصالح الدول النامية. وأكدت الحاجة إلى دعم مالي وتقني شامل لتحقيق الهدف العالمي للتكيف، خصوصاً أن تغير المناخ يؤثر بشكلٍ غير متناسب على الفئات السكانية الضعيفة في جنوب الكرة الأرضية. وضغطت هذه المجموعة من أجل تقديم المنح بدلاً من القروض، مع الاعتراف بالأثر الضار للديون على الاقتصادات النامية. كما دافعت مجموعة الـ77 والصين أيضًا عن الحاجة إلى التزامات مالية أكبر من البلدان المتقدمة لدعم التكيف والخسائر والأضرار، بحجة أن هذه البلدان يجب أن تتحمل مسؤولية انبعاثاتها التاريخية.

وكان دور الصين داخل مجموعة الـ77 ملحوظاً بشكلٍ خاص. ففي الوقت الذي دعت فيه إلى زيادة التمويل المخصص للمناخ، وضعت نفسها أيضًا كقائد لبلدان الجنوب، داعية إلى نقل التكنولوجيا وبناء القدرات لدعم التحولات الخضراء في الدول النامية. ومع ذلك، وبصفتها أكبر مصدر لانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، واجهت الصين أيضًا دعوات لتحمل المزيد من المسؤولية عن خفض الانبعاثات، ما يسلط الضوء على تعقيدات موقفها كدولة نامية وكدولة رئيسية في الانبعاثات.

المجموعة العربية

لعبت المجموعة العربية دورًا مؤثرًا في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، مع التركيز على تأمين الدعم المالي والتقني لتحولات الطاقة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، لا سيما في المناطق القاحلة حيث تكون آثار تغير المناخ أكثر وضوحًا. وفي حين تركزت الكثير من أنشطة المناصرة التي تنفذها هذه المجموعة تقليدياً على معالجة الاعتماد على النفط وتأمين الموارد المالية اللازمة لتحولات الطاقة، إلا أن مساهماتها في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين تجاوزت هذه القضايا. فكان لها دور فعال في الدعوة إلى زيادة نقل التكنولوجيا، مع تأكيد أهمية تمكين بلدان المنطقة من الوصول إلى التكنولوجيات المتقدمة التي يمكن أن تدعم تطوير الطاقة المتجددة وجهود التكيف مع المناخ.

كما دعت المجموعة العربية إلى وضع استراتيجيات أكثر شمولاً لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وخطت العديد من الدول الأعضاء، مثل المغرب، خطوات كبيرة في مجال تطوير الطاقة المتجددة، وأقرت المجموعة العربية مجتمعة بإمكانية أن تصبح الطاقة المتجددة مصدراً رئيسياً للنمو الاقتصادي والتكامل الإقليمي. ولم تكن جهود المجموعة الرامية إلى تسليط الضوء على أهمية مصادر الطاقة المتجددة تهدف فقط إلى تحسين أمن الطاقة داخل المنطقة، بل أيضاً إلى وضع العالم العربي كلاعب رئيسي في الانتقال العالمي إلى الطاقة المتجددة. ويشمل ذلك إمكانات إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تقود دول مثل المغرب والإمارات العربية المتحدة الجهود الرامية إلى استكشاف هذا القطاع الناشئ وإقامة روابط مع الأسواق العالمية، لا سيما في أوروبا.

بالإضافة إلى ذلك، لعبت المجموعة العربية دورًا رئيسيًا في تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، إدراكًا منها بأن التعاون الإقليمي ضروري لمواجهة التحديات المناخية المشتركة. ومن خلال دعم المبادرات التي تسهل تبادل المعرفة والتبادل التكنولوجي، دعت المجموعة إلى اتباع نهج أكثر تكاملاً في التصدي لتغير المناخ في المنطقة. هذا النهج لا يعزز المرونة الإقليمية فحسب، بل يضع المجموعة العربية أيضًا في مكانة مؤثرة في النقاش العالمي حول المناخ.

العوائق الرئيسية والفائزون في مناقشات مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين

الرابحون: البلدان النامية والدول الضعيفة

مثلت نتائج الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ مكاسب ملحوظة للدول النامية، لا سيما دول مجموعة الـ77 والصين التي نجحت في الدفع باتجاه التزامات أقوى بشأن تمويل التكيف والخسائر والأضرار. وكان أحد الإنجازات الرئيسية هو التفعيل الرسمي لصندوق الخسائر والأضرار، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى البلدان التي تواجه العواقب الوخيمة للكوارث الناجمة عن المناخ. ونجحت الدول الضعيفة، من ضمنها الدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نمواً، في تأمين زيادة فرص الحصول على تمويل التكيف وآليات أوضح لصندوق الخسائر والأضرار. كما خرجت هذه الدول منتصرة في مطالبها بدورة مراجعة مدتها خمس سنوات للهدف الكمي الجماعي الجديد، ما يضمن مراجعة الالتزامات المالية وتعديلها بانتظام، بما يتماشى مع عملية الجرد العالمي لاتفاقية باريس. لا يسلط هذا الفوز الضوء على أهمية ضمان استمرار الدعم للدول الضعيفة فحسب، بل يؤكد أيضًا الحاجة إلى المساءلة والشفافية في توزيع التمويل المتعلق بالمناخ.

ومع ذلك، في حين يمكن اعتبار هذه النتائج انتصارًا لبلدان الجنوب، إلا أنها تأتي أيضًا مصحوبة بتعقيدات أدت إلى توتر الثقة بين الدول الضعيفة والبلدان المتقدمة. وبعد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، أعربت عدة دول من أقل البلدان نمواً عن خيبة أملها من النتائج، ووصفتها بأنها غير كافية ولا تلبي توقعاتها. وسلطت بياناتهم الضوء على الفجوة المستمرة بين ما وُعدوا به وما تحقق، خصوصاً في ما يتعلق بمستويات التمويل المطلوبة لمواجهة الآثار المتصاعدة لتغير المناخ. وعلى الرغم من أنه خطوة إلى الأمام، اعتبر البعض تفعيل صندوق الخسائر والأضرار غير كافٍ  في الحجم وإمكانية الوصول إليه. وفاقم استمرار الاعتماد على المساهمات الطوعية بدلاً من الالتزامات الملزمة المخاوف، فترى العديد من الدول الضعيفة أن الصندوق يفتقر إلى القدرة على التوقّع والاستدامة طويلة الأجل اللازمة لمعالجة الأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية بشكل فعال.

إن مقاومة الدول المتقدمة للالتزامات الملزمة من قبل الدول المتقدمة ليست مجرد مسألة تردد مالي، بل هي متجذرة بعمق في التوترات الجيوسياسية والقيود المالية المحلية. فتتردد غالباً البلدان المتقدمة، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في الموافقة على الالتزامات المالية الملزمة قانونًا بسبب الضغوط السياسية والمخاوف بشأن الميزانيات المحلية. وتجري في العديد من البلدان  معارضة كبيرة لزيادة مخصصات التمويل الدولي للمناخ التي ينظر إليها البعض على أنها عبء مالي، خصوصاً في سياق التحديات الاقتصادية المحلية. كما يعكس التردد في قبول الالتزامات الملزمة أيضًا انقسامًا جيوسياسيًا أوسع نطاقًا، فتعطي الدول المتقدمة الأولوية للمسؤولية المالية وترى أن التمويل المناخي يجب أن يكون طوعيًا، تاركة مسؤولية توفير الأموال للقطاع الخاص. ولا يزال هذا الانقسام يشكل عائقاً أمام اتخاذ إجراءات مناخية أكثر قوة.

علاوة على ذلك، لا تزال إعانات الوقود الأحفوري تشكل عائقاً كبيراً أمام جهود إزالة الكربون. وعلى الرغم من الحاجة الملحة إلى خفض الانبعاثات، لا تزال إعانات الوقود الأحفوري أداة سياسية رئيسية للعديد من البلدان المتقدمة، والاقتصادات المعتمدة على النفط. وتخلق هذه الإعانات - التي تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات على مستوى العالم - حافزًا قويًا للإبقاء على الوضع الراهن وإعاقة جهود التحول إلى الطاقة النظيفة. واستمرار هذه الإعانات يقوض الجهود العالمية لإزالة الكربون، لأنها تشجع على استمرار استخراج الوقود الأحفوري واستهلاكه. وفي هذا السياق، في حين حققت الدول الضعيفة بعض المكاسب في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، إلا أن عدم إحراز تقدم في إصلاح دعم الوقود الأحفوري يسلط الضوء على التحدي المستمر في مواءمة الحوافز المالية مع أهداف العمل المناخي.

العوائق: الدول المتقدمة وتردد القطاع الخاص

على الرغم من التقدم الكبير الذي أُحرز في تطوير آليات تمويل المناخ، إلا أن إحجام الدول المتقدمة عن الالتزام بالمساهمات المالية الإلزامية كان نقطة خلاف رئيسية في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين. فقاومت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، الدعوات إلى تقديم التزامات ملزمة لتمويل المناخ، من ضمنها صندوق الخسائر والأضرار. وتواصل هذه الدول المتقدمة الدعوة إلى إشراك القطاع الخاص في تمويل الحلول المناخية، مفضلة الآليات المالية الطوعية على الالتزامات الملزمة. وتتفاقم الشكوك المحيطة بالالتزامات الملزمة بسبب الاعتبارات السياسية، مثل التحدي المتمثل في تأمين الموافقة المحلية على زيادة المساهمات المالية في الصناديق الدولية للمناخ.

كما أدى تردد القطاع الخاص في المشاركة الكاملة في تمويل خسائر وأضرار تغير المناخ، واستمرار دعم إعانات الوقود الأحفوري، إلى إعاقة تقدم مناقشات مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين. ولا تزال إعانات الوقود الأحفوري التي بلغت 1.7 تريليون دولار على مستوى العالم في العام 2022، واحدة من أكبر العقبات التي تحول دون تحقيق إزالة الكربون على مستوى العالم. وتشوه هذه الإعانات ديناميكيات السوق من خلال جعل الوقود الأحفوري رخيصًا بشكل مصطنع، ما يثبط الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة. كما أن استمرار هذه الإعانات يقوض جهود الدول الضعيفة للانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون، ويؤدي في الوقت نفسه إلى إدامة التدهور البيئي الذي صُممت آليات التمويل المناخي لمعالجته.

وتكشف هذه المقاومة المستمرة من الدول المتقدمة، إلى جانب إحجام القطاع الخاص عن القيام بدور أكثر فاعلية في تمويل الخسائر والأضرار، عن التوتر المستمر بين التحفظ المالي والحاجة الملحة إلى تحقيق العدالة المناخية. ويسلط الصراع على الالتزامات الملزمة وعدم إحراز تقدم كبير بشأن إعانات الوقود الأحفوري الضوء على الانقسامات العميقة التي لا تزال قائمة في عملية المفاوضات المناخية.

خاتمة

شكّل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون علامة فارقة في المفاوضات المناخية العالمية، فقطع أشواطاً في معالجة قضايا حاسمة مثل التمويل المناخي والخسائر والأضرار وعمليات الانتقال العادلة. وفي حين يمثل تفعيل صندوق الخسائر والأضرار وإنشاء الهدف الكمي الجماعي الجديد لتمويل المناخ إنجازين مهمين للدول الضعيفة، إلا أن الفجوات المستمرة بين الوعود والوفاء الفعلي تبقى مصدر قلق. ويستمر إحجام الدول المتقدمة عن الالتزام بالمساهمات المالية الملزمة في إعاقة إحراز تقدم ملموس، ولا يزال التأثير المستمر لإعانات الوقود الأحفوري يشكل عائقاً رئيسياً أمام تحقيق أهداف إزالة الكربون العالمية.

وتسلط التوترات التي ظهرت خلال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29) لا سيما حول التزامات التمويل ودور القطاع الخاص الضوء على الحاجة إلى نهج أكثر توحيدًا ومساءلة للعمل المناخي. وللمضي قدمًا، سيكون مؤتمر الأطراف الثلاثين فرصة أساسية للبناء على التقدم المحرز في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين ومعالجة التحديات الحرجة المتبقية. وإحدى القضايا الرئيسية التي يجب حلها هي توسيع نطاق التمويل المتعلق بالمناخ، وضمان حصول الدول الضعيفة على الموارد التي تحتاجها لتنفيذ استراتيجيات فعالة للتكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ. ولا يتطلب هذا الأمر زيادة التمويل فحسب، بل أيضًا التحول نحو آليات مالية أكثر قابلية للتحقيق ويمكن الوصول إليها.

بالإضافة إلى ذلك، تجدر معالجة التردد المستمر للدول المتقدمة في قبول الالتزامات الملزمة. ولكي يحقق اتفاق باريس أهدافه، يجب أن تكون هناك مواءمة أكبر بين التعهدات المالية والمساهمات الفعلية، لا سيما في سياق المراجعة الجارية للمجموعة الوطنية للتكيف. كما يجب على المفاوضين في مؤتمر الأطراف الثلاثين أن يركزوا على النهوض بتفعيل صندوق الخسائر والأضرار، وضمان إتاحته بالكامل وقدرته على تقديم الدعم الفوري للبلدان التي تواجه كوارث مناخية.

ومن المجالات الحاسمة الأخرى لمؤتمر الأطراف الثلاثين إصلاح إعانات الوقود الأحفوري. إذ تستمر هذه الإعانات في تقويض الجهود الرامية إلى الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون وتفاقم التحديات التي تواجهها الدول الضعيفة. ويجب أن يشهد مؤتمر الأطراف الثلاثين اتخاذ خطوات ذات مغزى نحو التخلص التدريجي من هذه الإعانات، وخلق حوافز مالية تتماشى مع أهداف العمل المناخي العالمي.

في نهاية المطاف، سيكون مؤتمر الأطراف الثلاثين لحظة حاسمة لتسريع التقدم في إطار اتفاقية باريس. ويجب أن يوفر خطوات واضحة وقابلة للتنفيذ لسد الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، وتعزيز الدعم المالي للبلدان الضعيفة، وضمان أن يكون التمويل المناخي كافياً ومنصفاً في آن واحد. وبينما يتصارع العالم مع التأثيرات المناخية المتزايدة الحدة، يجب على المؤتمر المقبل أن يدفع باتجاه التزامات أقوى وسياسات أكثر شمولاً وتعاوناً أكبر لتحقيق مستقبل عالمي عادل ومستدام.

المراجع

Carbon Brief, “COP29: What Is the New Collective Quantified Goal on Climate Finance?”, available at http://www.carbonbrief.org/cop29-what-is-the-new-collective-quantified-goal-on-climate-finance/

IISD, “Inside COP29”, available at https://www.iisd.org/inside-cop-29/

UN News, “COP29 Climate Talks: UN Climate Conference Agrees to Triple Finance for Developing Countries, Protecting Lives”, November 2024, available at https://unfccc.int/news/cop29-un-climate-conference-agrees-to-triple-finance-to-developing-countries-protecting-lives-and

UNFCCC, “Document on the G77 and China's Stance on Climate Finance, Adaptation, and the Role of Just Transitions”, November 2024, available at https://www4.unfccc.int/sites/SubmissionsStaging/Documents/202411151338---G77%20and%20China%20COP29.pdf

UNFCCC, “Outcomes of the Baku Climate Change Conference – Advance Unedited Versions (AUVs)”, November 2024, available at https://unfccc.int/cop29/auvs

World Economic Forum, “COP29: 4 Key Takeaways”, November 2024, available at https://www.weforum.org/stories/2024/11/cop29-4-key-takeaways/

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.