كارثة خزان صافر البحرية المحتملة: أخطر أزمة بيئية تُهدد اليمن

يصرف الصراع الدائر في اليمن الانتباه عن حوادث التلوث البيئي التي وقعت أو يمكن أن تحدث على الأراضي اليمنية. ولعل أهم قضية تلوث تثير قلق اليمن والمناطق الساحلية المجاورة له هي خزان النفط العائم “صافر” الذي ان أُضرّ ستشهد المنطقة أزمة ايكولوجية وبيئية غير مسبوقة. تعالج هذه الورقة آثار الصراع على السياسات الخاصة بالخزان “صافر” وتقدم طرق ممكنة لتخفيف كارثة مقبلة.

FSO Safer installation 1988 - location off Hodeidah - Yemen ©Wikimedia

تقع الجمهورية اليمنية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية وتبلغ مساحتها نحو 550 ألف كيلومتر مربع، وتحدها من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الشرق سلطنة عمان. ويحدها أيضاً خط ساحلي طويل يبلغ طوله نحو 2,250 كيلومتر1Nagi, H.M. 2021. Delineating and Calculating the Length of Yemen’s Mainland Shoreline; International Journal of Alternative Fuels and Energy; Vol: 5(1): 1-9. يطل على مياه البحر الأحمر من الغرب وخليج عدن وبحر العرب من الجنوب. ويعيش حوالي 83٪ من سكان اليمن في المناطق الريفية حيث تشكل الزراعة وصيد الأسماك المصدر الرئيسي للدخل.

تتسم الطبيعة الجغرافية لليمن بتنوع التضاريس. وهي تنقسم إلى خمس مناطق رئيسية: المرتفعات الجبلية، والهضاب، والسهول الساحلية، والصحاري، والجزر. وقد منح هذا التنوع في الطبيعة الجغرافية البلاد مجموعة متنوعة من البيئات الطبيعية ودرجة عالية من التنوع البيولوجي البيئي. وقد تعرض اليمن للعديد من الضغوط التي تسببت في مشاكل بيئية يرتبط معظمها بالزيادة المطردة في النمو السكاني، وتركز السكان في المدن نتيجة الهجرة الداخلية والفقر والبطالة، بالإضافة إلى القصور في تنفيذ التشريعات البيئية، ونقص الوعي البيئي والتصحر والتلوث.

يُعتبر اليمن من أفقر الدول في العالم. فهي دولة ذات دخل منخفض يعيش نحو 40٪ من سكانها تحت خط الفقر. وتعيش فئة كبيرة من السكان فوق خط الفقر بشكل هامشي ولكنها عرضة للصدمات الاقتصادية والطبيعية. ويعاني اليمن من مشاكل داخلية عديدة، منها الفساد والبطالة وندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي.

أثر الصراع على البيئة

انخرطت الحكومة اليمنية في الفترة بين عامي 2004 و2010 في ست موجات قصيرة من الصراع مع الجماعة الحوثية المسلحة في محافظة صعدة الشمالية. بيد أن هذا الصراع عاد للظهور مجدداً في أواخر عام 2014 وأوائل عام 2015 عندما بدأ الجماعة الحوثية المسلحة في الانتشار والسيطرة تدريجياً على العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات أخرى. وقد أدى هذا إلى تدخل تحالف بقيادة السعودية اضطلع بشن غارات جوية ضد أهداف تابعة للحوثيين، وعقب ذلك تصاعدت الحرب الأهلية في جميع أنحاء البلاد.

وقَّعت الجمهورية اليمنية العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية البيئة، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تحد من التلوث البحري، وتضع إطار قانوني لجميع الأنشطة البحرية والملاحية، والاتفاقية الدولية لمنع التلوث الناجم عن السفن (MARPOL). وقد سعت الحكومات المتعاقبة إلى المشاركة في الجهود الدولية الرامية إلى حماية البيئة البحرية اليمنية.

قبل الحرب، شهدت الجهود اليمنية لحماية البيئة تحسناً بطيئاً نتيجة لنقص الوعي العام، وعدم امتثال المنشآت الصناعية الخاصة والحكومية للقوانين البيئية القائمة، وضعف الرقابة الحكومية. وقد تفاقمت الرؤية غير الواضحة وعدم التزام الحكومات المتعاقبة بالسياسة البيئية بسبب الآثار غير المرغوب فيها للأنشطة البشرية.

على الرغم من وجود قوانين تهدف إلى حماية البيئة (على سبيل المثال، القانون رقم (26) لسنة 1995م بشأن حماية البيئة؛ والقانون رقم (16) لسنة 2004م بشأن حماية البيئة البحرية من التلوث)، كانت الحكومة أضعف من أن تتمكن من تنفيذها أو إنفاذها على النحو المطلوب. فضلاً عن أن الدعم المالي للحكومة هو أهم عامل يؤثر على القدرة المؤسسية على حماية البيئة في اليمن. ويعتمد اليمن على تبرعات المنظمات الدولية (مثل البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق البيئة العالمي، ومنظمة الأغذية والزراعة) من أجل تقديم الدعم لمواجهة المشاكل البيئية. وقد أدت الحرب الأهلية الحالية إلى تفاقم البيئة المتدهورة بالفعل وتحول الدعم الدولي من القضايا البيئية إلى القضايا الإنسانية. وقد أثر ذلك سلباً على الموائل البيئية المهددة، وأوقف جميع الجهود والمشاريع الرامية إلى حماية البيئة في اليمن.

خلال فترة الحرب، تضعف القدرة على إنفاذ التشريعات بسبب غياب مؤسسات الدولة أو إدارتها الحد الأدنى من الخدمات، نظراً إلى أن الحرب تؤدي إلى حشد معظم موارد الدولة وقوتها العاملة.2 Cutter, S.L. 1999. Environmental Risk and Hazards; Printice-Hall, India; 412 pages. وتكرس جميع موارد البلاد المالية والاهتمام بالحرب بدلاً من الاضطلاع بأنشطة من شأنها حماية البيئة. وقد أدى ذلك إلى التهاون في تنفيذ السياسات البيئية الوطنية وخطط العمل الاستراتيجية. فضلاً عن أن ذلك يؤثر على موظفي المؤسسات والحوافز المالية للعاملين في مجال حماية البيئة.

خزان صافر: كارثة على وشك الحدوث

يصرف الصراع الدائر في اليمن الانتباه عن حوادث التلوث البيئي التي وقعت أو يُحتمل أن تحدث على الأراضي اليمنية. ولعل أهم قضية تلوث تثير قلق اليمن والمناطق الساحلية المجاورة له (المملكة العربية السعودية، والسودان، وإريتريا، وجيبوتي، والصومال، ومصر، والأردن، وفلسطين) هي خزان النفط العائم "صافر" الذي يرسو على بعد 8 كيلومترات قبالة ميناء رأس عيسى على الساحل الغربي لليمن، ويبعد 60 كيلومتراً شمال مدينة الحديدة. شيدت اليابان الناقلة أحادية الهيكل عام 1976 واستخدمتها لمدة 10 سنوات كناقلة عملاقة للنفط الخام تحت اسم "إيسو جابان".3 IMO (International Maritime Organization). 2021. FSO Safer Oil Spill Risk; https://www.imo.org/en/MediaCentre/HotTopics/Pages/FSO-SAFER-oil-spill-risk.aspx. وفي عام 1986، تحولت الناقلة التي تبلغ سعتها 3.1 مليون برميل إلى وحدة تخزين وتفريغ عائمة تحمل اسم "أف أس أو صافر".4Joseph Hincks. 2021. A Rusting Oil Tanker off the Coast of Yemen is an Environmental Catastrophe Waiting to Happen. Can Anyone Prevent it?; https://time.com/6048436/fso-safer-yemen-oil-tanker-disaster/

كان خزان صافر يستقبل ما يربو من 100 ألف برميل من النفط الخام يومياً من حقول نفط مأرب قبل أن يتم تحميلها إلى ناقلات التصدير. وتقع هذه الناقلة بالقرب من أهم الموائل البحرية اليمنية وأكثرها حساسية من الناحية البيئية. ومن المعروف أن الشعاب المرجانية وأشجار المانغروف والشواطئ الرملية وموائل أحواض الملح الطبيعية هي من أهم خصائص هذه المناطق الساحلية. ويشمل ذلك غابات المانغروف الكثيفة التي تمتد بطول 3.5 كيلومتر مربع في شمال جزيرة كمران، التي صنفت باعتبارها محمية طبيعية عام 2009.5Nagi, H. M.; Khanbari, K. M. and Al-Sameh, A. 2012. Estimating Total Area of Mangrove Habitats in the Republic of Yemen Using Remote Sensing and GIS; Faculty of Science Bulletin, 24: 75-84. ،6Nagi, H. M.; Al Khirbash, B. S.; Taher, M. A. and Al-Shwafi, N. A. 2021. Management of Populated Islands of Yemen (Case Study of Kamaran Island); Tehama Journal; 13: 1-16.

في الوقت الراهن، يتم تخزين حوالي 1.1 مليون برميل من النفط الخام في خزان "أف أس أو صافر" الذي بدأت علامات خطيرة من الصدأ تظهر عليه، على الرغم من أنه منذ بداية الحرب عام 2015 لم يجرى عليه أي صيانة. وقد أفادت التقارير أن شركة "صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج"، المالكة والمشغلة لخزان "أف أس أو صافر" العائم، خفضت نفقات الصيانة في عام 2013 لأنها كانت تخطط لبناء خزانات تخزين أرضية من شأنها أن تصبح جاهزة للعمل بحلول نهاية عام 2015، والتخلص من الناقلة التي استمرت في العمل على مدار 45 عاماً.7Medary. 2020. Safer Floating Oil Tanker, Path and Challenges; Medary Centre for Strategic Studies and Research. ومن ثم، يعتبر خزان "أف أس أو صافر" غير مؤهل منذ عام 2016 نتيجة عدم إجراء الصيانة والفحوصات اللازمة.8IMO, FSO Safer Oil Spill Risk (see footnote 3 )

ومن شأن وقوع أي حادثة تسرب أن يتسبب في بقعة نفطية يمكن أن تتسع لتصل إلى الموائل البحرية والساحلية الحساسة المجاورة. وتشير التقديرات إلى أن التسرب النفطي يفوق أربع أضعاف حادثة التسرب النفطي التي وقعت عام 1989 بسبب ناقلة النفط "إيكسون فالديز" بولاية ألاسكا في الولايات المتحدة الأميركية.9 Ahmed El Droubi. 2021.  Yemen’s FSO SAFER: it’s not if, it’s when, and the impact could be huge; https://www.greenpeace.org/international/story/ 48350/yemen-fso-safer-oil-spill-red-sea/ عندما يتسرب النفط من الناقلة، فإنه ينتشر على سطح البحر ويشكل طبقة رقيقة تسمى بقعة نفطية. وتتحكم درجة حرارة البحر وطبيعة النفط في كثافة تلك البقعة وكذلك في سرعة انتشارها.10Clark, R. B. 2001. Marine Pollution. 5th Edition; Oxford University Press Inc. وبالرغم من أن جزء من البقعة النفطية سيتبخر، لا سيما المكونات الخفيفة ذات الوزن الجزيئي المنخفض؛ فإن أجزاء أخرى ستذوب في الماء أو تتحول إلى مُستحلب وتتشتت في عمود الماء كقطرات المياه. أما البقية فستصل إلى الساحل مما يسبب مشكلة بيئية خطيرة.

الآثار البيئية لخزان صافر

يتميز الشريط الساحلي في اليمن بمجموعة متنوعة من الموائل التي تدعم المجتمعات الساحلية نظراً لأهميتها البيئية والاقتصادية الكبيرة. ويمكن أن تتسبب الكمية الهائلة من النفط المتوقع تسربها في كارثة إنسانية وبيئية تلقي بظلال وخيمة على التنوع البيولوجي لحوالي 115 جزيرة يمنية في البحر الأحمر وتؤثر على الشعاب المرجانية وأشجار المانغروف والشواطئ الرملية والطينية ومزارع الأسماك وغيرها من الموائل البرية والبحرية، إضافةً إلى مئات الآلاف من المجتمعات اليمنية الساحلية.11حلم أخضر (تقرير خاص)، 2020. اليمن: أضرار الناقلة صافر على البيئة البحرية https://holmakhdar.org/reports/2474/ فبسبب البقعة النفطية الطافية تلك، لن يحدث تبادل في الأكسجين بين الهواء والماء (وهي عملية مهمة للحياة البحرية)، وسيتعذر وصول الضوء إلى الكائنات المنتجة التي تعتمد إنتاجيتها الأساسية على عملية التمثيل الضوئي، وهو ما سيؤثر بدوره على الكائنات المستهلكة أيضاً التي تعتمد سلسلتها الغذائية على تلك الكائنات المنتجة. وعندما تصل بقعة النفط إلى شواطئ البر الرئيسي أو الجزر المنتشرة في  البحر الأحمر، فسوف تتسبب في أضرار فادحة بالموائل البحرية الساحلية، بما في ذلك أشجار المانغروف والشعاب المرجانية.

ستتأثر كائنات عديدة إما بسبب امتصاصها للمعادن النفطية السامة الموجودة في المياه أو لأنها ستصبح مغمورة كلياً بالنفط. وسوف يتعرض 3,441 نوع تقريباً (ملايين الأصناف البحرية) من الكائنات الحية الساحلية في اليمن للخطر بسبب التلوث النفطي المتوقع، ناهيك عن العدد الهائل من الأنواع الموجودة في المناطق الساحلية للبلدان المجاورة. يتضمن ذلك حوالي 283 نوعاً من العوالق النباتية، و139 نوعاً من العوالق الحيوانية، و300 نوع من الشعاب المرجانية، و485 نوعاً من الطحالب، و283 نوعاً من الطحالب الكبيرة، و9 أنواع من الأعشاب البحرية، و21 نوعاً من النباتات الملحية، و168 نوعاً من شوكيات الجلد (من بينها 20 نوعاً من خيار البحر)، و625 نوعاً من الرخويات، و53 نوعاً من القشريات، و4 أنواع من السلاحف البحرية المهددة بالانقراض، و969 نوعاً من الأسماك، و102 نوع من الطيور البحرية، كل هذه الأنواع باتت مهددة بسبب التسرب النفطي الذي قد ينتشر على طول ساحل البحر الأحمر في اليمن.12وكالة حماية البيئة، 2014. التقرير الوطني الخامس حول تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي (2010-2014)، الهيئة العامة لحماية البيئة، اليمن.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية للتسرب النفطي

يُعد قطاعي الأسماك والزراعة مصدرين رئيسيين للاقتصاد اليمني وسبل العيش. وكلاهما من أكثر القطاعات الواعدة التي توفر فرص عمل وتحقق تنمية اقتصادية للمجتمعات الفقيرة. إذ تعتبر سهول تِهامة على الساحل الغربي (بمحاذاة البحر الأحمر) إحدى المناطق الزراعية المهمة على الصعيد الوطني. وقال عبد القادر الخراز إن أكثر من ثلاثة ملايين مزارع في تهامة سيتأثرون بسبب بقعة النفط التي قد تلوث أراضيهم الزراعية.13عبد القادر الخراز، 2020. الأخطار البيئية المتوقعة للناقلة صافر (قنبلة عائمة على ساحل البحر الأحمر في اليمن). علاوة على ذلك، تعتمد نسبة كبيرة من سكان اليمن على قطاع الأسماك وفي حال وقوع الكارثة سوف تواجه هذه الفئة مخاطر اجتماعية واقتصادية.

يعمل أكثر من نصف مليون يمني في القطاع السمكي، منهم 83 ألف صياد ممثلون في 135 جمعية صيد. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 18,500 من العاملين في هذا القطاع (بما في ذلك 17 ألف صياد تقريباً) قد يخسرون وظائفهم إذا حدثت الكارثة.14مريم طاهر، الآثار المحتملة لتسرب النفط من الناقلة صافر (في ميناء رأس عيسى). تقرير غير منشور. وفقاً لإحصاءات منصة "حلم أخضر"، فإن حوالي 126 ألف صياد وعامل من المجتمعات الساحلية في اليمن سوف يفقدون وظائفهم ومصدر دخلهم بعد تدمير موائل 850 ألف طن من المخزون السمكي اليمني في مياه البحر الأحمر.15حلم أخضر، 2021. أزمة صافر: تهديدات اقتصادية وإنسانية محتملة. https://holmakhdar.org/reports/3802/ ,16BBC. 2020. Yemen: Decaying oil tanker in Red Sea threatens disaster; https://www.bbc.com/news/world-middle-east-53417464 سيعاني قطاع السياحة أيضاً بشدة بسبب كارثة التلوث تلك، وهو ما سيسفر عن فقدان آلاف الوظائف الأخرى. وسيؤدي كل ما سبق إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم المجاعة، وانهيار الأوضاع الاقتصادية للمجتمعات الساحلية.

تكلفة التعافي الباهظة

بمجرد حدوث الكارثة، ستكون هناك حاجة لمزيدٍ من الجهد والمال والوقت لمنع بقعة النفط من الوصول إلى الموائل الساحلية ولمعالجة وإعادة تأهيل هذه الموائل. فمن أجل التصدي لِبقعة النفط في البحر، يمكن اللجوء إلى السفن والطائرات لرش مشتتات كيميائية لتسريع عملية الاستحلاب الطبيعية. تجدر الإشارة هنا إلى ضرورة استخدام المشتتات منخفضة السمية لتجنب تسمم الكائنات البحرية. مع ذلك، فإن هذه العملية ليست فعالة في حالة النفط الخام الثقيل أو مساحات التسرب الكبيرة التي تتطلب مزيداً من السفن والطائرات.17Medary, Safer Floating Oil Tanker (see footnote 7 ) لذا، يمكن احتواء  بقعة النفط الطافية، أو تحويل مسارها، من خلال استخدام حواجز عائمة ثم البدء في رش المذيبات على المنطقة التي يتم جمعها فيها. أما ثالث طريقة يمكن اللجوء إليها لمعالجة الانسكابات النفطية في البحر فتتمثل في استخدام الأجهزة الساحبة لبقع النفط (slick-lickers)، وهي عبارة عن طوق متصل مغطى بمادة ماصة يتم غمسه في البقعة النفطية لاستخراج النفط من البحر. لكن هذه الطريقة لا تجدي نفعاً أيضاً في حالة تسرب كميات كبيرة من النفط. قبل الحرب الدائرة حالياً في اليمن، كان لدى شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج مروحية معتمدة وزورقي سحب تتضمن مهامها المشاركة في رش المشتتات في حال وقوع حوادث تلوث نفطي. لكن كل هذه الزوارق غادرت البلاد حينما اندلعت الحرب. وتم التخلص من المشتتات الكيميائية بعد انتهاء مدة صلاحيتها. 18شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج، 2020. خطاب رسمي من الشركة إلى هيئة حماية البيئة لِحصر الإمكانات والاستعدادات المتاحة لمواجهة احتمالية حدوث تسرب نفطي من خزان صافر.

عندما يصل النفط إلى الساحل، يجب على السلطات والهيئات التابعة للحكومة المسارعة إلى تنفيذ إجراءات طارئة أخرى لتجنب الوصول إلى وضع كارثي. قد تلحق الخصائص السامة للنفط أضراراً بالكائنات الساحلية وقد تتسبب في اختناقها. تتطلب عملية تطهير الشواطئ من البقع النفطية عدداً كبيراً من الاختصاصيين والمتطوعين إضافة إلى تكاليفها الباهظة. وتعتمد أساليب تطهير الشواطئ على طبيعة الساحل نفسه (سواء أكان صخري أم رملي أم طيني)، ولا تسفر الإزالة المادية للنفط نفسه من الشاطئ سوى عن تطهير جزئي فحسب، وينتج عن تلك العملية كمية كبيرة من المخلفات الملوثة بالنفط. علاوة على ذلك، فإن إزالة الشواطئ الملوثة تعني أن العديد من الموائل الساحلية التي تعد موطناً لآلاف الكائنات الساحلية سوف تتدمر. لذا يمكن اللجوء أيضاً إلى المعالجة الحيوية من خلال استخدام بكتيريا تقوم بتحليل المواد النفطية.

تتطلب الانسكابات النفطية، سواء أكانت في البحر أم عندما تصل إلى الساحل، تكاليف مرتفعة للغاية من أجل معالجتها، ولا يمكن لكثير من الدول -كاليمن- تحمل هذه التكاليف حتى في أوقات السلم. حالياً، استنزفت الحرب معظم موارد البلاد المالية، حتى تلك المخصصة لمواجهة أيّ حوادث غير مسبوقة. وفقاً لتقديرات مركز الخراز للاستشارات البيئية، تصل التكلفة الإجمالية لِتطهير وإعادة تأهيل الموائل الساحلية المتضررة واستعادة تنوعها البيولوجي إلى ما يزيد عن 51 مليار دولار أميركي. وقد أضاف الخراز، الرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة، أن خزان صافر كان مؤمناً عليه بمبلغ 100 مليار دولار لمواجهة أيَّ حوادث مستقبلية. لكن اليمن لم يدفع أقساط التأمين منذ اندلاع الحرب، مما أدى إلى خسارة مبلغ التأمين الذي كان يمكن استخدامه للمساعدة في مواجهة هذه الكارثة المحتملة.

إضافة إلى ذلك، يقع خزان صافر والموائل المعرضة للخطر المحيطة به في منطقة مواجهة حاسمة بين طرفي النزاع. ولهذا، سيكون من الصعب تطبيق أيَّ إجراءات طارئة ينبغي اتخاذها مستقبلاً، في حال وقوع أيَّ حوادث محتملة، لأن أحداً لن يخاطر بالذهاب إلى المناطق الملوثة التي تقع في دائرة النزاع. يمكن استنباط هذه الصعوبة عندما نعلم أن أيّاً من طرفي النزاع لم يسمح لفرق الأمم المتحدة المتخصصة بالوصول إلى الخزان لتقييم وضعه وإيجاد طريقة أفضل لتجنب أيّ كارثة محتملة، أو السماح بالاستعانة بخزان آخر لنقل النفط من الخزان صافر إليه. ادعى كلا الطرفين المتحاربين أنهما منحا تلك الفرق التصاريح اللازمة، لكن لا يزال النزاع محتدماً حول من يجب أن يحصل على الأموال المُحصَلة من النفط المباع. قد يؤدي التأخر في الوصول إلى المناطق المتضررة إلى امتداد التلوث النفطي ليصل إلى البلدان المجاورة، وهو ما يزيد من مساحة البيئة البحرية التي يمكن أن تتضرر بفعل الانسكابات النفطية.

وعليه، فثمة حاجة ملحة لتوجيه كافة الجهود نحو تجنب وقوع كارثة قد تنتج عن الحالة المتدهورة لخزان صافر الذي لم يخضع للصيانة. ويجب البدء بإجراء فوري يتمثل في نقل النفط المخزن في الناقلة إلى ناقلة أخرى ثم الشروع بعد ذلك في أعمال الصيانة على وجه السرعة. وينبغي على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى الضغط على أطراف النزاع لإجبارها على احترام الجهود الدولية والوطنية المبذولة للحيلولة دون وقوع كارثة وشيكة.

شكر وامتنان

أود أن أُعرب عن بالغ امتناني للدكتور عبد القادر الخراز، الرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة، والدكتور عبدالغني جغمان، الخبير الجيولوجي البارز، والدكتورة مريم طاهر، التي تشغل منصب مدير عام التخطيط والإحصاء في وزارة الثروة السمكية، على المعلومات القيِّمة والوثائق الضرورية التي قدموها لدعم هذه الورقة.

Endnotes

Endnotes
1 Nagi, H.M. 2021. Delineating and Calculating the Length of Yemen’s Mainland Shoreline; International Journal of Alternative Fuels and Energy; Vol: 5(1): 1-9.
2  Cutter, S.L. 1999. Environmental Risk and Hazards; Printice-Hall, India; 412 pages.
3  IMO (International Maritime Organization). 2021. FSO Safer Oil Spill Risk; https://www.imo.org/en/MediaCentre/HotTopics/Pages/FSO-SAFER-oil-spill-risk.aspx.
4 Joseph Hincks. 2021. A Rusting Oil Tanker off the Coast of Yemen is an Environmental Catastrophe Waiting to Happen. Can Anyone Prevent it?; https://time.com/6048436/fso-safer-yemen-oil-tanker-disaster/
5 Nagi, H. M.; Khanbari, K. M. and Al-Sameh, A. 2012. Estimating Total Area of Mangrove Habitats in the Republic of Yemen Using Remote Sensing and GIS; Faculty of Science Bulletin, 24: 75-84.
6 Nagi, H. M.; Al Khirbash, B. S.; Taher, M. A. and Al-Shwafi, N. A. 2021. Management of Populated Islands of Yemen (Case Study of Kamaran Island); Tehama Journal; 13: 1-16.
7 Medary. 2020. Safer Floating Oil Tanker, Path and Challenges; Medary Centre for Strategic Studies and Research.
8 IMO, FSO Safer Oil Spill Risk (see footnote 3
9  Ahmed El Droubi. 2021.  Yemen’s FSO SAFER: it’s not if, it’s when, and the impact could be huge; https://www.greenpeace.org/international/story/ 48350/yemen-fso-safer-oil-spill-red-sea/
10 Clark, R. B. 2001. Marine Pollution. 5th Edition; Oxford University Press Inc.
11 حلم أخضر (تقرير خاص)، 2020. اليمن: أضرار الناقلة صافر على البيئة البحرية https://holmakhdar.org/reports/2474/
12 وكالة حماية البيئة، 2014. التقرير الوطني الخامس حول تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي (2010-2014)، الهيئة العامة لحماية البيئة، اليمن.
13 عبد القادر الخراز، 2020. الأخطار البيئية المتوقعة للناقلة صافر (قنبلة عائمة على ساحل البحر الأحمر في اليمن).
14 مريم طاهر، الآثار المحتملة لتسرب النفط من الناقلة صافر (في ميناء رأس عيسى). تقرير غير منشور.
15 حلم أخضر، 2021. أزمة صافر: تهديدات اقتصادية وإنسانية محتملة. https://holmakhdar.org/reports/3802/
16 BBC. 2020. Yemen: Decaying oil tanker in Red Sea threatens disaster; https://www.bbc.com/news/world-middle-east-53417464
17 Medary, Safer Floating Oil Tanker (see footnote 7
18 شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج، 2020. خطاب رسمي من الشركة إلى هيئة حماية البيئة لِحصر الإمكانات والاستعدادات المتاحة لمواجهة احتمالية حدوث تسرب نفطي من خزان صافر.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.