منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة؛ لم تتوان إندونيسيا عن إظهار تضامنها القوي وتأييدها العميق تجاه فلسطين، فقد ندّدت بالعدوان الإسرائيلي، ودعمت مشاريع القرارات الداعية إلى وقف إطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما توجهت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي إلى الأردن والمملكة العربية السعودية، ودفعت منظمة التعاون الإسلامي بشكل نشط لدعم وقف إطلاق النار.
إلى جانب هذا، تزايد دعم القضية الفلسطينية بين أفراد المجتمع المدني أيضاً؛ ففي 5 تشرين الثاني/نوفمبر، نظم المواطنون الإندونيسيون - إلى جانب المسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية الرئيسية - مسيرة حاشدة تضم مختلف الأديان لدعم فلسطين في جاكرتا، ونُظّمت مسيراتٌ مماثلة في مدن أخرى. كما دعمت وسائل الإعلام ذات الميول الليبرالية - مثل صحيفة جاكرتا بوست - القضية الفلسطينية، وهو ما فعله العديد من المثقفين في البلاد.
لإندونيسيا بتاريخٍ طويل في دعم فلسطين، حيث لم تعترف جاكرتا رسمياً بإسرائيل، ولم تُقِمْ علاقات دبلوماسية معها، إلى جانب أن العلاقات التجارية والسياحية محدودة بين البلدين. وفي عام 1958، رفضت إندونيسيا اللعب ضد إسرائيل في مباراة كرة قدم ضمن تصفيات كأس العالم. وفي عام 1962 - عندما استضافت إندونيسيا دورة الألعاب الآسيوية - رفض الرئيس سوكارنو آنذاك منح تأشيرات دخول للرياضيين الإسرائيليين. وفي الآونة الأخيرة، خسرت إندونيسيا استضافة بطولة كأس العالم تحت 20 سنة، عندما رفض العديد من الحكام الإندونيسيين البارزين ــ وعلى رأسهم حاكم جاوة الوسطى والمرشح الرئاسي الحالي: جانجار برانوو ــ المشاركة الإسرائيلية في البطولة.
ولعل أبرز مشاهد دعم إندونيسيا لسكان غزة يتمثل في المستشفى الإندونيسي الواقع في الطرف الشمالي من قطاع غزة؛ وقد تعرض هذا المستشفى – الذي جاء تمويل بنائه بالكامل في العقد الماضي من التبرعات الإندونيسية – للقصف من القوات الإسرائيلية في خضم الحرب الحالية.
يستند الدعم الإندونيسي لفلسطين إلى ثلاث سرديات رئيسية؛ الأولى هي مناهضة الاستعمار؛ حيث تنظر إندونيسيا إلى القضية الفلسطينية من خلال عدسة الحق في تقرير المصير، وكيف حُرم الفلسطينيون من هذا الحق منذ نهاية الانتداب البريطاني في عام 1948. كما تنظر إلى الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية – الذي اشتدت شوكته بعد الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967 – على أنه ممارسة استعمارية مستمرة، مقرونة بسياسات الفصل العنصري في الأراضي المحتلة.
تشكل هذه السردية المناهضة للاستعمار موقف الحكومة الإندونيسية من العدوان الإسرائيلي على غزة، إذ أكدت إندونيسيا باستمرار على حل الدولتين باعتباره المسار الأمثل لحل الصراع على المدى الطويل. وهذا يعني أن حق تقرير المصير – الذي طالب به القادة الفلسطينيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية – يمكن تحقيقه دون إنكار حق إسرائيل في الوجود، كما يشمل الحق في تقرير المصير حق العودة للفلسطينيين الذين هُجِّروا قسراً إلى بلدان أخرى.
أما السردية الثانية - والتي غالباً ما تصاحب المنظور المناهض للاستعمار في قضية فلسطين - فهي التضامن الإسلامي. إندونيسيا دولة ذات أغلبية مسلمة؛ ومن ثم فليس من المستغرب أن تلقي العناصر الإسلامية داخل المجتمع الإندونيسي - بما في ذلك الأحزاب السياسية الإسلامية - بثقلها نصرة للقضية الفلسطينية. على سبيل المثال، أصدر مجلس العلماء الإندونيسي فتوى تؤكد على مقاطعة المنتجات المؤيدة لإسرائيل، ونظّم تجمع الأديان الأخير في جاكرتا.
ومع ذلك، فإن هذا النوع من التضامن الإسلامي لم يمنع القادة المسلمين الإندونيسيين من التعامل مع نظرائهم الإسرائيليين. على سبيل المثال، تصدر عبد الرحمن وحيد - الزعيم السابق لأكبر منظمة إسلامية في البلاد، نهضة العلماء، ثم رئيس البلاد فيما بعد - عناوين الأخبار بعد زيارته لإسرائيل في عام 1994. وقد واصل الرئيس الحالي لنهضة العلماء، يحيى خليل ستاقوف، هذا المسعى، حيث تعامل مع القادة اليهود في إطار جهود بناء السلام.
أما السردية الرئيسية الثالثة التي تؤطر استجابة الحكومة الإندونيسية لقضية فلسطين فهي النزعة الإنسانية. فقد ساهم المنظور الإنساني في تشكيل التصريحات العامة لوزيرة الخارجية، التي أكدت على ضرورة التضامن والمساعدات الإنسانية باعتبارها جزءاً من حل النزاع. وأرسلت الحكومة الإندونيسية مؤخراً 21 طناً من المساعدات إلى غزة، نقلتها القوات الجوية الإندونيسية إلى مصر. كما أرسلت الحكومة السفينة البحرية KRI Radjiman Wedyodiningrat، كمستشفى عائم لتسهيل نقل مزيد من المساعدات الطبية.
وقد شارك المواطنون الإندونيسيون أنفسهم في هذه المساعدات الإنسانية. على سبيل المثال، شاركت منظمة MER-C – وهي منظمة إندونيسية إسلامية إنسانية وطبية – في مشروع المستشفى الإندونيسي في شمال غزة، من خلال إرسال مساعدات طبية إلى القطاع. وبعيداً عن المنظمات الإسلامية، فقد شاركت أيضاً عناصر مختلفة من الجمهور الأوسع في جمع التبرعات، بما في ذلك محبو موسيقى البوب الكورية.
ساهمت هذه السرديات جميعاً في تشكيل دعم إندونيسيا لفلسطين؛ ورغم أن إندونيسيا تفتقر إلى قدرة الوساطة التي تتمتع بها قطر ومصر، فإنها عكفت على حشد الدعم الدولي من خلال المؤسسات العالمية والجهود الدبلوماسية، بدعم من التضامن الشعبي من مواطنيها. وبهذه الطريقة، تضطلع بدور مهم في حشد الدعم عبر الجنوب العالمي لإنهاء الغزو.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.