مقدمة
تواجه تونس تحديات ملحّة باعتبارها نقطة ساخنة لمخاطر تغير المناخ. فهي واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم، وتحتل المرتبة 20 عالميًا في الإجهاد المائي. في العام 2023، كان نصيب الفرد من المياه المتوافرة في البلاد 400 متر مكعب سنوياً فقط، أي أقل بكثير من عتبة 1000 متر مكعب التي حددتها الأمم المتحدة للفقر المائي. ويُتوقّع أن يؤدي تغير المناخ إلى انخفاض هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 30 في المئة بحلول العام 2050، ما يؤثر في الزراعة التي تساهم بنسبة 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتُوظف 16 في المئة من القوى العاملة. ويُرجّح أن تشهد المناطق الساحلية ارتفاعاً في مستوى سطح البحر، وزيادة في درجات الحرارة والملوحة والحموضة، ما يُنتج آثاراً كبيرة، من ضمنها فقدان المناطق الحضرية والبنية التحتية وتدهور النظام البيئي. كما أن أكثر من 3100 هكتار من الأراضي الحضرية معرضة لخطر الغمر، و44 في المئة من الخط الساحلي يعاني بشدة من هذه الآثار. ويواجه قطاع السياحة تهديدات كبيرة من التآكل الساحلي وارتفاع مستوى سطح البحر، مع خسارة تقدر بـ 1000 وظيفة سنوياً بحلول العام 2030. وسيزيد التغير المناخي من الأمراض المنقولة بالنواقل، والأمراض المنقولة بالمياه والأغذية، وسيُفاقم المشاكل الصحية المرتبطة بتلوث الهواء، ويزيد مخاطر الفيضانات التي تضر بالبنية التحتية. هذه الآثار ملموسة بالفعل. ففي جزر قرقنة الواقعة قبالة الساحل الشرقي للبر الرئيسي، على سبيل المثال، يواجه الصيادون المحليون تراجعاً في المخزون السمكي وزيادة ملوحة المياه بسبب تغير المناخ، ما يهدد سبل عيشهم – وهي حالة تُظهر كيف يؤثر تغير المناخ بشكلٍ غير متناسب على الفئات المهمشة ويؤكد الحاجة الملحة إلى سياسات تعالج التحديات البيئية وأوجه عدم المساواة الاجتماعية (حفصي وعزوني، 2024).
وركزت معظم الأبحاث التي أجريت حتى الآن على السياسات المناخية في تونس والسياسات الحكومية لمواجهة التحديات المناخية، إلا أن هذه الدراسة، تركز على دور النشاط الشعبي، لا سيما الحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني، في تهيئة الظروف لاتخاذ الإجراءات المناخية في تونس بعد الثورة. ومن خلال عدسة نظرية الحركات الاجتماعية، نبحث في سؤالين أساسيين: كيف ساهمت الحركات الشعبية في اعتماد الحوكمة البيئية في تونس بعد الثورة؟ وكيف يتفاعل المجتمع المدني التونسي مع الأطر المناخية الدولية للتأثير في الإجراءات المناخية المحلية في تونس؟
تهدف الدراسة إلى:
- رسم خريطة لتطور الحركات المناخية ومنظمات المجتمع المدني في تونس، وتحديد الجهات الفاعلة الرئيسية ومساهماتها في أجندة العمل المناخي.
- تقييم تأثير هذه الحركات على السياسات المناخية الوطنية والوعي العام.
- دراسة التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك القيود المالية والعقبات السياسية والصعوبات أمام تعزيز التعاون بين القطاعات.
- استكشاف دور الحوكمة التشاركية والنشاط الشبابي في النهوض بالعدالة المناخية وتعزيز التغيير المستدام.
- تقديم توصيات عملية لتعزيز دور وفعالية منظمات المجتمع المدني في معالجة العدالة المناخية على المستويين المحلي والعالمي.
أُجري البحث على ثلاث مراحل، بدءًا بمسح أصحاب المصلحة الذي حددنا فيه أصحاب المصلحة الرئيسيين المعنيين بالعدالة المناخية في تونس وصنفناهم، ومن ضمنهم منظمات المجتمع المدني والهيئات الحكومية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص. وتضمن هذا المسح تحليلاً شاملاً لأدوارهم وأجنداتهم وتأثيرهم في المشهد المناخي. في موازاة ذلك، أجرى البحث مراجعة شاملة للأبحاث وأوراق السياسات التي راجعها الأقران والمنشورة منذ العام 2010 حول مواضيع العمل المناخي والنشاط والعدالة ودور منظمات المجتمع المدني - في تونس في المقام الأول، ولكن أيضًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أخيرًا، يستند البحث إلى جمع البيانات الأولية التي تكوّنت من 15 مقابلة معمقة وشبه منظمة مع مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة.
يقدم الجزء الأول من التقرير تحليلًا تاريخيًا ومعاصرًا للنشاط المناخي في تونس. نتتبع نشأة الحركات المناخية وتطورها، لا سيما في فترة ما بعد الثورة، ونسلط الضوء على المحطات الرئيسية والأحداث المحورية وظهور الجهات الفاعلة المؤثرة في المجالين الوطني والدولي. كما نُحلّل القيود المفروضة على القدرات، وقيود التمويل، والديناميكيات السياسية التي تقوّض غالباً جهود منظمات المجتمع المدني والمنظمات الشعبية. وفي الجزء الثاني، نتناول التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني والحركات الشعبية في البلاد، ونحدد العقبات المؤسسية والاجتماعية والسياسية التي تعيق فعالية هذه المجموعات في النهوض بالعمل المناخي. أما في الجزء الثالث، فنقيّم فعالية النشاط المناخي في التأثير بالسياسات المناخية في تونس، ونستكشف مدى انعكاس هذه الحركات على تشكيل الخطاب العام وتطوير السياسات والإجراءات المناخية الملموسة. وننتهي بتوصيات ملموسة للتغلب على هذه التحديات وتعزيز فعالية النشاط المناخي، مع التركيز على تحسين التعاون متعدد القطاعات وتعزيز النهج الاستباقي في صياغة السياسات المناخية في تونس.
1. رسم خريطة النشاط المناخي في تونس
1.1 تطور حركة المناخ في تونس
بدأ نشاط العدالة المناخية في تونس بشكلٍ جدي مع ثورة عام 2011. فقبل ذلك، ركزت منظمات المجتمع المدني على قضايا التلوث وبعض النضالات البيئية المحلية، لكنها كانت تعمل في ظل رقابة صارمة من الدولة وبيئة سياسية مقيدة تحدّ من المعارضة العامة وقدرة المجتمع المدني على المناصرة البيئية. وعلى هذا النحو، روّجت منظمات المجتمع المدني لمصالح النظام بدلًا من السعي إلى تمكين المشاركة المدنية الحقيقية. شهدت فترة ما بعد الثورة تحولًا حاسمًا وعودة النشاط، فاكتسبت القضايا البيئية مكانةً بارزةً في إطار حقوق الإنسان الأوسع نطاقًا، إلى جانب الدعوات إلى الحوكمة الديمقراطية (كريسبينو، 2023). وظهرت نماذج جديدة لمشاركة المواطنين، بما في ذلك شبكات الشباب غير الرسمية، النشاط الرقمي، والمنظمات المهيكلة رسميًا. بدأت الحركات ومنظمات المجتمع المدني التي اكتسبت حريةً أكبر في الدعوة إلى التغيير في المطالبة، ليس فقط ضد التدهور البيئي، ولكن أيضًا ضد أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ.
في البداية، تأثر النشاط المناخي في تونس بشكلٍ كبير بالحركات العالمية، خصوصاً بعد إطار اتفاق باريس في العام 2015. مثّل توقيع الاتفاقية لحظة محورية، إذ أدخلت حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي والهجرة في الحوار حول المناخ. دفع هذا الأمر الحركات المحلية إلى دمج هذه المواضيع في أنشطة المناصرة والعمل المناخي على المستويين الوطني والدولي.
ومع ذلك، اتخذ مفهوم العدالة المناخية أشكالاً محددة تتكيف مع المشهد الاجتماعي والسياسي في البلاد. ترتبط العدالة المناخية في تونس ارتباطًا وثيقًا بالتنمية المحلية والمرونة الزراعية وإدارة المياه، مع التركيز على الوصول العادل إلى الموارد وعمليات صنع القرار وحماية البيئة، لا سيما بالنسبة إلى المجتمعات الريفية المهمشة التي تعاني من ندرة المياه والظواهر المناخية القاسية وعدم الاستقرار الاقتصادي. وكإطار مفاهيمي، تربط العدالة المناخية في تونس أيضًا بين الاستدامة البيئية والإنصاف الاجتماعي وحقوق الإنسان، مع التركيز على معالجة التأثير غير المتناسب لتغير المناخ على الفئات السكانية الضعيفة (يركس وأركه، 2024). يعكس هذا التعريف نهجًا شاملًا يعترف بالتفاعل المعقد بين التحديات البيئية التاريخية والموروثات الاستعمارية ومواطن الضعف المناخية المعاصرة (كنشن، 2024؛ حموشين، 2023). ، يتطلب هذا النهج عمليات شفافة وتشاركية لصنع السياسات التي تدمج بفعالية المعرفة المحلية ووجهات نظر المجتمع المحلي في استراتيجيات التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره. من خلال تسليط الضوء على التوزيع غير المتكافئ لتأثيرات تغير المناخ، تدعو العدالة المناخية في تونس إلى حلول شاملة تراعي الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المترابطة للتحول البيئي. ويتجاوز هذا النهج أيضًا الأضرار البيئية المحلية، ويربط بين النضالات المحلية والحركات العالمية الأوسع نطاقًا في مجال العدالة المناخية ويؤكد حقوق السكان الأكثر عرضة للخطر.
علاوة على ذلك، ترتبط العدالة المناخية بشكلٍ جوهري بالمعاملة العادلة لجميع الأفراد وحقهم في المشاركة في صنع القرار في ما يتعلق بالسياسات المناخية (المنظمة الدولية لقانون التنمية، 2021). إن تأطير العمل المناخي ضمن خطاب حقوق الإنسان الأوسع نطاقًا يسلط الضوء على الحق في بيئة صحية، المدرج في الدستور التونسي لعام 2022. وينص الفصل 47 على أن "تضمن الدولة الحق في بيئة صحية ومتوازنة وتساهم في حماية البيئة"، ما يتماشى بشكلٍ وثيق مع الأحكام الواردة في دستور 2014. تعزز هذه الاستمرارية التزام تونس بالحقوق البيئية وتلفت إلى مسؤولية الدولة في مكافحة التلوث وضمان التنمية المستدامة. ويتماشى هذا المنظور أيضًا مع الأطر الدولية مثل اتفاق باريس الذي يدمج اعتبارات حقوق الإنسان في السياسات المناخية، ويؤكد الحاجة إلى معالجة الآثار غير المتكافئة لتغير المناخ على السكان والمناطق الضعيفة (الشبكة الدولية للعمل المناخي، 2015). وتدعو منظمات مجتمع مدني عديدة بإصرار إلى الاعتراف بالحقوق البيئية كحقوق أساسية من حقوق الإنسان. وتجادل منظمات مثل "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" بأن الوصول إلى بيئة صحية أمر ضروري لرفاهية الفرد والمجتمع. وكان لهذه المجموعات دور فعال في زيادة الوعي بالآثار البيئية للممارسات الصناعية. ومن خلال التأكيد على حقوق الإنسان، يعتقد نشطاء المناخ أن هذا النهج قادر على معالجة الآثار غير المتناسبة للتدهور البيئي على المجتمعات المهمشة بفعالية (مقابلة مع ناشط بيئي).
إن الآثار العملية لهذا المفهوم عميقة، وتدعو إلى تقديم الدعم الموجه إلى المجتمعات الريفية والمهمشة، وتعزيز استراتيجيات التواصل بشأن المناخ، وآليات قوية لتمكين المجتمعات المحلية وبناء القدرات، ويمثل إطاراً شاملاً لا يعترف بتغير المناخ كتحدٍ بيئي فحسب، بل كقضية عدالة اجتماعية معقدة تتطلب استجابات دقيقة وشاملة ومنصفة. ويسعى دعاة العدالة المناخية في تونس عبر إعطاء الأولوية لتجارب وأصوات الفئات الأكثر تضررًا، إلى تحويل السياسة البيئية من نهجٍ تنازلي إلى استراتيجيةٍ تعاونية تصاعدية تحترم الواقع المحلي وتعزز الحلول المستدامة والعادلة.
يعكس الخطاب حول العدالة المناخية في تونس الواقع المحلي، لكنه يكشف أيضًا عن صراع بين المقاربات الحكومية ومناصرة المجتمع المدني. تدعو منظمات المجتمع المدني إلى التعبئة الشعبية ودمج المعرفة المحلية في استراتيجيات المناخ. وتؤكد الشمولية في عمليات صنع القرار لضمان تمثيل مصالح المجتمع المحلي (الشيباني، 2023). وتعرضت الحكومة التونسية لانتقادات بسبب عدم استجابتها للاحتياجات المحلية، وفشلها في إشراك المجتمعات المحلية بشكل كافٍ في صنع السياسات (بن ناصر، 2022) . يسلط هذا الانفصال الضوء على اتجاه أوسع نطاقاً، فقد لا تتماشى المبادرات الحكومية مع المطالب الشعبية بالمساواة والإدماج.
منذ العام 2017، ارتفع مستوى الوعي والنشاط حول تغير المناخ في تونس، مدفوعًا بالاعتراف المتزايد بالقضايا البيئية التي تم تجاهلها سابقًا. ويرجع هذا التحول جزئياً إلى عدم كفاية التواصل حول المساهمات المحددة وطنياً في مختلف المدن. كما حفزت جائحة كوفيد-19 عام 2020 على إعادة تقييم السلوكيات والممارسات المتعلقة بالاستدامة البيئية.
1.2 الجهات الفاعلة الرئيسية والقضايا الرئيسية في حركة المناخ في تونس
يعود الفضل في المشاركة بحركة المناخ في تونس إلى منظمات المجتمع المدني المحلية، والجهات الفاعلة الإقليمية (مثل الشبكات البيئية في شمال إفريقيا)، والمنظمات الدولية (مثل غرينبيس). بينما تركز المنظمات المحلية على التعبئة المجتمعية والدعوة، وتقدم المنظمات غير الحكومية الدولية الدعم المالي والخبرة الفنية للمشاريع واسعة النطاق (جامع وصفير، 2014).
تأسست أكثر من 1000 جمعية بيئية، ولا تزال نحو 200 منها نشطة؛ 50 منها تعكس ازدهارًا أوليًا أعقبه استقرار في مشهد النشاط المناخي (بن يوسف، 2021) .
وفي طليعة النشاطات المحلية، تدعو العديد من المنظمات الشعبية، من ضمنها منظمة "أوقفوا التلوث" و"شباب من أجل المناخ تونس" و"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" و"جمعية حماية واحة شط السلام"، إلى الانتقال العادل للطاقة المتجددة وإنهاء التلوث الصناعي في المناطق الساحلية، وزيادة المشاركة العامة في عمليات صنع القرار في مجال المناخ. وتوجه المنظمات البيئية الراسخة، ومنها "جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان" في قابس وجمعية "أزرقنا الكبير" جهودها لحماية النظم البيئية، وإدارة الموارد المائية، وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة. وتضغط العديد من المنظمات والحركات والنشطاء والخبراء في سبيل وضع أطر قانونية أقوى تحمّل الحكومة والشركات الخاصة المسؤولية عن الأضرار البيئية. وتركز هذه المنظمات والحركات دعوتها على المشاركة المجتمعية والشراكات التعاونية لإيصال أصواتها حول قضايا العدالة المناخية مع تعزيز الروابط مع المجتمعات المحلية.
يُشكّل تقاطع التغير المناخي مع العديد من القطاعات الحيوية في تونس بما في ذلك الزراعة وإدارة المياه والطاقة والصحة العامة، محور عمل العديد من منظمات المجتمع المدني التي أدركت بشكلٍ متزايد أن معالجة تغير المناخ بمعزل عن غيره من القطاعات غير فعالة. على سبيل المثال، يلعب القطاع الزراعي في البلاد، وهو قطاع شديد التأثر بالتغيرات المناخية مثل الجفاف ودرجات الحرارة القصوى، دورًا رئيسيًا في اقتصاد البلاد وأمنها الغذائي. وتجد هذه المنظمات العاملة في قضايا المناخ نفسها في أحيانٍ كثيرة في مواجهة التحديات الزراعية، وتدعو إلى ممارسات زراعية أكثر مرونة واستدامة تتماشى مع أهداف التكيف مع المناخ. وبالمثل، أدت أزمة المياه المستمرة التي تفاقمت بسبب تغير المناخ وسوء الإدارة على حد سواء، إلى تعبئة العديد من الحركات البيئية في تونس. فالعدالة المائية، كما تصوغها الحركات، لا تعالج التدهور البيئي فحسب، بل تعالج أيضًا عدم المساواة الاجتماعية، إذ تتأثر المجتمعات الفقيرة بشكلٍ غير متناسب بنقص المياه وتلوثها.
من خلال مبادرات مثل "أيام الجمعة من أجل تونس المستقبل"، أصبح الشباب قادة بارزين في حركة العدالة المناخية مدفوعين بإلحاحهم على التغيير ووجهات نظرهم الجديدة حول التحديات البيئية. وتشدد المنظمات التي يقودها الشباب مثل "شباب من أجل المناخ تونس" و"تونسيون للتأثير الشبابي" على أهمية العدالة المناخية والحوكمة المحلية والنهج الشامل للنوع الاجتماعي في تمويل المناخ. وعلى الرغم من أن النشطاء الشباب يلعبون دورًا حاسمًا في تعبئة المجتمعات المحلية وزيادة الوعي حول التحديات البيئية الملحة، إلا أن مشاركتهم الرسمية في عمليات صنع السياسات لا تزال محدودة، الأمر الذي سنناقشه في القسم 3.
وقد كانت منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء، مثل "منظمة النساء من أجل المياه"، في طليعة الداعين إلى سياسات مناخية تراعي الفوارق بين الجنسين، على الرغم من أن هذه الجهود لم تُدمج بعد بشكلٍ كاملٍ في الخطط الوطنية للمناخ. إن الدافع وراء هذا العمل هو الاعتراف بأن تغير المناخ يفاقم الفوارق بين الجنسين في تونس، لا سيما بين النساء الريفيات اللواتي يشاركن بشكلٍ كبير في إدارة الموارد المائية والزراعة، وبالتالي يتأثرن بشكلٍ خاص، ويواجهن أعباء عمل متزايدة بسبب تأنيث العمل وتراجع مناطق الرعي. ويؤثر ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه بشكلٍ غير متناسب في قدرة النساء على زراعة المحاصيل، ما يهدد سبل عيشهن وأمنهن الغذائي. فتتحمل هذه النساء العبء الأكبر من المهام المنزلية التي تشمل جمع المياه ورعاية الماشية، في حين أن فرصهن محدودة في الوصول إلى سلطة صنع القرار أو الموارد أو التدريب على التعامل مع الضغوط المناخية. كما أن ندرة المياه النظيفة تشكل مخاطر صحية كبيرة، ما يزيد تعقيد أدوارهن المطلوبة أصلاً. وتؤدي القيود الاقتصادية، بما فيها محدودية فرص الحصول على الائتمان وانخفاض قيمة الماشية التي يمتلكنها، إلى تفاقم ضعفهن. وتدعو منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء إلى وضع سياسات مناخية تراعي الفوارق بين الجنسين، مع تأكيد ضرورة معالجة تجارب النساء واحتياجاتهن الفريدة في إدارة المياه والزراعة واستراتيجيات التكيف مع المناخ. وتعمل هذه المنظمات على ضمان ألا يُنظر إلى النساء كضحايا لتغير المناخ فحسب، بل كعوامل رئيسية للتغيير يمكن أن تسهم في إيجاد حلول مناخية مستدامة حين تتاح لها الأدوات والدعم اللازمين.
تلعب وسائل الإعلام أيضًا دورًا محوريًا في تشكيل الخطاب المناخي في تونس. وباعتبارها وسيلة إعلامية رقمية متخصصة، تقدم "كوسموس ميديا" تغطية معمقة وعالية الجودة للقضايا البيئية وتدعو إلى تغيير السياسات. كما أن قدرتها على الوصول إلى جماهير متنوعة جعلتها مصدر قوة في الجهود المبذولة للتصدي لتغير المناخ.
1.3 التعاون داخل الحركة المناخية
يعد التعاون بين منظمات المجتمع المدني في مجال العمل المناخي في تونس أمرًا حيويًا لتعزيز الفعالية والتأثير في السياسات. وأدى هذا التعاون إلى مشاركة متنوعة وبناء القدرات وجهود التشبيك، ومن الأمثلة على ذلك منتديات التحول في مجال الطاقة، مبادرات التدريب، والمشاركة في المفاوضات الدولية بشأن المناخ. ومن أنجح الأمثلة على التعاون بين القطاعات هو الاستجابة للأزمة البيئية في غابات رادس، إذ عملت منظمات المجتمع المدني الرسمية والحركات غير الرسمية معًا لتعبئة المجتمعات المحلية والتأثير في السياسات. وينشأ هذا التعاون غالباً في لحظات الأزمات البيئية، ما يؤكد إمكانية العمل الجماعي.
وشكلت منظمات المجتمع المدني التونسية على نحوٍ متزايد (بشكلٍ رئيسي غير رسمي) تحالفات وائتلافات داخل البلاد وعبر الحدود. تسمح هذه التحالفات بمشاركة المعرفة وقوة المناصرة. على سبيل المثال، دخلت حركات مثل ائتلاف "أوقفوا التلوث" الذي نشط تاريخياً في الاحتجاج على التلوث الصناعي في جنوب تونس، في شراكات مع منظمات ونشطاء آخرين لتكثيف مطالبهم على الساحة العالمية. وساعدت هذه الشراكات في وضع النضالات البيئية التونسية ضمن سردية أوسع للعدالة المناخية.
تؤثر الديناميات بين المنظمات الرسمية وغير الرسمية بشكلٍ كبير على طبيعة الشراكات والتحالفات في حركة المناخ في تونس. فالمنظمات الرسمية، بأطرها المنظمة وعلاقاتها الدولية الراسخة، تقود غالباً التعاون القائم على المشاريع قصيرة الأجل. وفي حين توفر هذه الشراكات إمكانية الوصول إلى التمويل والخبرة الفنية، تعوقها كثيراً الأولويات غير المتوائمة والاعتماد المفرط على التمويل الخارجي، ما يحد من استدامتها. وعلى الرغم من قدرتها على أن تكون أكثر تنظيماً، إلا أنها تعاني غالباً من تحديات الحوكمة، مثل تركز القيادة داخل الأسر أو الدوائر المتقاربة.
وعلى العكس من ذلك، تتميز الشراكات غير الرسمية بعفويتها وتركيزها على احتياجات المجتمع المحلي الفورية. وتتفوق هذه الشراكات في حشد الدعم المحلي وتعزيز المشاركة الشعبية. وتكمن واحدة من أعظم نقاط قوتها في التشبيك غير الرسمي الذي يحدث بين هذه المنظمات، ويعزز التعاون عبر مناطق وقطاعات بيئية حيوية متنوعة. ومع ذلك، فإن افتقارها إلى الهيكلية والموارد يُصعّب الحفاظ على هذه الجهود مع مرور الوقت. وتفشل عمليات التعاون المدفوعة بالأزمات غالباً، على الرغم من فعاليتها على المدى القصير، في التحول إلى تحالفات استراتيجية طويلة الأجل. ولا يزال توسيع نطاق هذه المبادرات لتتجاوز الجهود التفاعلية إلى تعاون أكثر استدامة واستراتيجية يشكل تحديًا، لا سيما في ضوء عدم الاستقرار السياسي والمؤسسي.
وتتجلى الانقسامات داخل الشبكة بشكلٍ خاص في ضعف الروابط بين المنظمات الشبابية والمؤسسات الرسمية. فالاختلاف بين الأجيال والانقسامات الهيكلية تخلق حواجز تعيق اندماج المبادرات التي يقودها الشباب في عمليات صنع القرار الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي ندرة الموارد غالباً إلى تعزيز المنافسة بدلاً من التعاون بين منظمات المجتمع المدني، ما يقوض جهود المناصرة الجماعية. ويؤدي غياب منصات مشتركة لصنع القرار إلى تفاقم هذه المشاكل. تواجه الحركات الشعبية والجهات الفاعلة غير الرسمية عقبات كبيرة في التعامل مع الكيانات الأكثر رسوخًا مثل المنظمات الدولية والهيئات الحكومية. وهذا الانفصال يحد من قدرتها على التأثير في السياسات والدعوة إلى التغيير المنهجي.
يؤدي الافتقار إلى منصة مركزية لتنسيق العمل المناخي المشترك بين القطاعات، إلى جهود متعددة تفشل في توسيع نطاقها أو إحداث تأثيرٍ طويل الأجل. ومع ذلك، هناك فرص كثيرة في مجالات مثل الزراعة المستدامة والطاقة المتجددة وإدارة المياه. على سبيل المثال، لا تزال إمكانات تونس في مجال الطاقة الشمسية غير مستغلة حتى الآن، وهناك مجال كبير لمنظمات المجتمع المدني للدعوة إلى الاستثمار في هذا القطاع الذي يتماشى مع الأهداف الاقتصادية والبيئية على حد سواء.
ولتحسين هذا الوضع، من الضروري إقامة شراكات أكثر رسمية أو منصات مشتركة لصنع القرار. يمكن أن يؤدي إنشاء منتديات شاملة للحوار إلى سد الفجوات بين الجهات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية، مع تعزيز الثقة والتعاون عبر المستويات المختلفة للحركة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التحول من الاستجابات المحددة إلى التحالفات الاستراتيجية طويلة الأجل، إلى تعزيز المرونة داخل حركة المناخ في تونس.
أما على المستوى الإقليمي، فأثبتت التحالفات بين منظمات المجتمع المدني التونسية وغيرها من منظمات المجتمع المدني في شمال أفريقيا أو المتوسط، كتلك التي شُكّلت خلال المنتديات الأوروبية المتوسطية، فعاليتها في تبادل أفضل الممارسات والتعامل مع قضايا المناخ العابرة للحدود مثل التصحر والهجرة وندرة المياه (الاتحاد من أجل المتوسط، 2016).
وعلى الرغم من هذه النجاحات، فإن التعاون الإقليمي والدولي لا يخلو من التحديات. فالاختلافات في هياكل التمويل والأولويات السياسية وحتى المقاربات الثقافية للنشاط، يمكن أن تتسبب أحيانًا باحتكاكات داخل التحالفات. على سبيل المثال، قد تكافح منظمات المجتمع المدني التونسية للحفاظ على المشاركة المستمرة مع الشركاء الدوليين بسبب محدودية الموارد المالية والبشرية. علاوة على ذلك، يمكن أن تحد التوترات الجيوسياسية في المنطقة من فعالية التعاون الإقليمي في مجال المناخ.
ويمكن للمنظمات غير الحكومية الدولية دعم منظمات المجتمع المدني المحلية في الدعوة إلى تغيير السياسات عبر توفير الخبرة الفنية والمشورة الاستراتيجية والوصول إلى المنتديات الدولية التي تناقش فيها قضايا السياسات. ويمكنها مساعدة المجموعات المحلية على بناء حملات مناصرة تتماشى مع الاتفاقيات المناخية العالمية أو الضغط من أجل تشديد اللوائح البيئية. ومع ذلك، فإن التحدي يكمن في ضمان أن تتجاوز هذه الشراكات العمل القائم على المشاريع والمساهمة في تغيير منهجي أوسع نطاقاً. في بعض الحالات، يمكن للمنظمات غير الحكومية الدولية أن تساعد منظمات المجتمع المدني المحلية في بناء شبكات تسمح بالضغط المستمر على الحكومات، لكن يتطلب ذلك التحول من الأهداف قصيرة الأجل إلى التعاون طويل الأجل الذي يركز على التأثير في السياسات والتغيير المؤسسي. ومع ذلك، كانت التحالفات مع المنظمات الدولية غالباً مفيدة في دفع أجندات المناخ التي كانت ستُهمش على المستوى الوطني (مجموعة البنك الدولي، 2021). ويُعدّ وجود النشطاء التونسيين في المنصات الدولية، مثل مؤتمرات الأطراف، دليلاً على التأثير المتزايد لهذه التحالفات.
هناك أيضًا تعاون متزايد بين منظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية. فعلى سبيل المثال، عملت منظمات المجتمع المدني المدافعة عن الطاقة المتجددة مع المؤسسات الأكاديمية لتقديم توصيات بحثية وسياساتية حول إمكانات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في تونس. هذا التعاون حاسم في الدفع نحو انتقال عادل للطاقة، لا يقلل من الانبعاثات فحسب، بل يضمن أيضًا أمن الطاقة والفوائد الاقتصادية للمجتمعات المحلية.
وبالمثل، فإن القطاع الخاص، على الرغم من أن الناشطين غالباً ما ينظرون إليه بعين الريبة، لكنه يُدمج ببطء في المناقشات المتعلقة بالمناخ، لا سيما في ما يتعلق بمبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات. وبدأت بعض الشركات الخاصة في تبني ممارسات أكثر استدامة، غالبًا بسبب ضغوط من الشركاء الدوليين أو كجزء من سلاسل التوريد العالمية التي تتطلب الالتزام بالمعايير المناخية والبيئية. مع ذلك، وفي حين بدأت العديد من الشركات بتنفيذ مبادرات خضراء، إلا أنها تقتصر غالباً على تغييرات سطحية لا تتماشى مع الإصلاحات المنهجية الأوسع نطاقًا التي تطالب بها حركات العدالة المناخية.
1.4 كيفية مشاركة المجتمع المدني التونسي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ
يتشكل المشهد التفاوضي في تونس في مجال العمل المناخي عبر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من خلال تحالف متنوع من المجتمع المدني وممثلي الجامعات والنشطاء والفنيين الذين يتعاونون لدعم المبادرات الحكومية في المسائل المتعلقة بالمناخ. ويضمن هذا الجهد الجماعي إدراج مجموعة متنوعة من وجهات النظر في عملية صنع القرار. تقترب تونس من مفاوضات مؤتمر الأطراف بهدفين أساسيين: المشاركة في المناقشات التقنية والقانونية مع البحث عن الفرص المالية وتبادل الخبرات، ما يسلط الضوء على أهمية كل من التأثير السياسي والدعم المالي في العمل المناخي الفعال.
من خلال المشاركة الفعالة في تحالفات إقليمية أوسع، مثل المجموعة الإفريقية التي تضم 54 بلداً، تعزز تونس قوتها التفاوضية بشأن القضايا العالمية، خصوصاً عبر التوافق مع مجموعة الـ77 + الصين. وتمتد المشاركة في مؤتمر الأطراف إلى ما بعد الحدث نفسه، ما يتطلب تفاعلاً مستمراً على مدار العام لبناء علاقات بين مختلف أصحاب المصلحة وتأمين نتائج تفاوضية ناجحة.
ويلعب المجتمع المدني دورًا حيويًا في هذه العملية، ففهمه للدبلوماسية الدولية ومشاركته الفعالة يمكن أن يعززا بشكلٍ كبير فعالية تونس في مفاوضات المناخ. وانطلاقاً من موقعها كداعية للعمل المناخي، تدافع تونس عن مصالحها ضمن الأطر الإقليمية والدولية، وتسعى إلى التوافق مع الدول الأخرى لإيصال صوتها. وتُعطى الأولوية للتواصل وتبادل المعلومات خلال فعاليات مؤتمر الأطراف، ما يمكّن الممثلين التونسيين من تحديد الشركاء المحتملين وضمان توافق المشاريع المحلية مع الأولويات الوطنية والدولية. ومع ذلك، يواجه المجتمع المدني تحديات في إرساء المصداقية، ما يستلزم إظهار نتائج مبادراتهم لكسب ثقة ودعم كل من الحكومة والجهات المانحة الدولية.
واعترافاً بتقاطع تغير المناخ مع القضايا الاجتماعية، لا سيما تلك التي تؤثر على النساء والأطفال، تبذل تونس جهوداً لدمج هذه الأبعاد في إطار العدالة المناخية، مع التركيز على اتباع نهج شامل للسياسة المناخية. واستشرافًا للمستقبل، تهدف تونس إلى تعزيز التعاون، لا سيما مع وسائل الإعلام، لترسيخ الوعي العام ومناصرة القضايا البيئية بشكلٍ أكثر فعالية. تؤكد هذه الاستراتيجية ضرورة تشابك العمل المناخي مع جداول الأعمال الاجتماعية الأوسع نطاقاً لضمان التأثير الدائم والمشاركة من جميع قطاعات المجتمع.
وتلعب منصات مثل مؤتمر الأطراف دورًا محوريًا في سد الفجوات بين المعرفة العلمية واحتياجات المجتمع، وتوفر فرصًا للدعوة نيابة عن مواطن الضعف المناخية الفريدة في تونس، لا سيما في مجالات مثل ندرة المياه والتصحر والتلوث الصناعي. وانحازت منظمات المجتمع المدني التونسية، ومن ضمنها "المجموعة التونسية الشبابية لمفاوضي تغير المناخ"، إلى المطالب العالمية للتعويض عن الخسائر والأضرار والتمويل المناخي وتدابير التكيف. وتسعى هذه المنظمات إلى ضمان الاعتراف بمَواطن الضعف المناخية في البلاد ومعالجتها ضمن الإطار الدولي، بما فيها الدعوة إلى تقديم الدعم المالي لمشاريع التخفيف والتكيّف.
قدمت مؤسسات ما بعد مؤتمر الأطراف، مثل آليات تمويل المناخ ومجموعات عمل التكيّف، مستويات متفاوتة من الدعم لمنظمات المجتمع المدني التونسية. وبينما وجهت بعض الآليات الدولية الأموال إلى مشاريع محلية، وجدت منظمات المجتمع المدني نفسها غالبًا مهمشة في عمليات صنع القرار بعد المؤتمر، ما يحد من قدرتها على التأثير في كيفية تخصيص هذه الأموال أو كيفية تنفيذ السياسات على أرض الواقع.
ويعكس التحول في تركيبة الوفد التونسي ليشمل المجتمع المدني وممثلي القطاع الخاص والمفاوضين الشباب اتجاهاً أوسع نطاقاً معترفاً به في مناقشات مؤتمر الأطراف، وهو أن العمل المناخي الفعال يتطلب وجهات نظر وخبرات متنوعة. ومن خلال إشراك منظمات المجتمع المدني والشباب بنشاط، تتماشى تونس مع الدعوات العالمية للحوكمة التشاركية في العمل المناخي، ما يضمن إشراك أصوات الأشخاص الأكثر تضررًا من تغير المناخ في عملية صنع القرار.
إن المشاركة المستمرة "للمجموعة التونسية الشبابية لمفاوضي تغير المناخ" في الفعاليات والاجتماعات في بون تسلط الضوء على الاعتراف المتزايد بأصوات الشباب في المناقشات المتعلقة بالمناخ. وتشير مشاركتهم الاستباقية إلى استراتيجية طويلة الأجل لبناء القدرات وضمان مشاركة الشباب المستدامة في دبلوماسية المناخ في تونس. ويتماشى هذا الجهد مع الاتجاهات الدولية التي تدعو إلى تعزيز مشاركة الشباب في حركة المناخ العالمية. الحاجة إلى بناء القدرات المستمر بين المفاوضين أمر بالغ الأهمية. فمؤتمرات الأطراف لا تقتصر على حضور الاجتماعات فحسب، بل تتطلب فهماً عميقاً لتكتيكات التفاوض والديناميات السياسية وعلوم المناخ. ومع تطور الوفد التونسي، يمكن لدمج خبرات المفاوضين الشباب أن يعزز فعاليته في المفاوضات، لا سيما في مجالات مثل التمويل والتكيف كمواضيع رئيسية لمؤتمر الأطراف المقبل. كما تنعكس فعالية أعمالهم في المناصرة التي يُطلقونها داخل الهيئات الرسمية، وزيادة الوعي بالقضايا المحلية في التجمعات الدولية، وتكييف الأعمال الناجحة مع السياق المحلي.
وعلى الرغم من هذه المكاسب، تواجه منظمات المجتمع المدني التونسية والمفاوضون الشباب عدة معضلات. فبطء وتيرة المفاوضات الدولية بشأن المناخ، لا سيما في ما يتعلق بقضايا مثل الخسائر والأضرار، وعدم الاتساق في ترجمة الأهداف المناخية الدولية إلى سياسات محلية قابلة للتنفيذ، لا تزال عقبات كبيرة.
ويشير استمرار غياب الاعتراف الرسمي والدعم الرسمي "لـلمجموعة التونسية الشبابية لمفاوضي تغير المناخ" إلى وجود مشاكل منهجية أوسع داخل المشهد السياسي. وكانت مشاركة شخصيات داعمة، مثل السيد محمد الزمرلي – المنسق الوطني السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في تونس، حاسمة في توفير فرص المشاركة والتدريب، ما يسلط الضوء على أهمية الإرشاد والدعم المؤسسي في تمكين أصوات الشباب.
ويظل التحدي الحاسم هو مسألة التمويل، إذ يشارك العديد من المفاوضين الشباب من دون دعمٍ مالي. ويؤكد هذا التباين الحاجة إلى توزيع أكثر إنصافاً للموارد لضمان تمثيل الأصوات المتنوعة تمثيلاً كافياً في المناقشات المتعلقة بالمناخ.
1.5 ملخص التحديات داخل الحركة المناخية
- قيود التمويل: تواجه الحركات المناخية في تونس صعوبات كبيرة في تأمين تمويل ثابت. فمعظم النشاطات تطوعية، ويميل التمويل الدولي المتاح إلى أن يكون قصير الأجل وقائماً على المشاريع، ما يحد من استدامة الجهود الشعبية. وتعتمد العديد من مبادرات المجتمع المدني بشكلٍ كبير على التمويل الخارجي الذي يكون غالباً غير متوقع وقصير الأجل. ويحد هذا الاعتماد من نطاقها وقابليتها للاستمرار على المدى الطويل.
- شراكات غير متسقة: في حين كان التعاون بين المنظمات الدولية والمجموعات المحلية حاسماً، إلا أنه لا يزال غير متسق. وتعطل الحواجز السياسية والاقتصادية غالباً هذه الشراكات، ما يحد من فعاليتها. ويعد التعاون الأقوى والأكثر استدامة بين منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والجهات الفاعلة الدولية أمرًا ضروريًا للنهوض بالعمل المناخي.
- التشتت وغياب التنسيق: أدى تكاثر المنظمات البيئية في تونس بعد الثورة إلى جهود غير منسقة وغالبًا زائدة عن الحاجة. هذا التشتت يقلل من التأثير العام للمجتمع المدني، إذ تفتقر العديد من المبادرات إلى نهج استراتيجي موحد.
- الحاجة إلى التخصص: هناك اعتراف متزايد بضرورة تخصص منظمات المجتمع المدني في قضايا بيئية محددة - مثل إدارة المياه أو الطاقة المتجددة - لتعزيز فعاليتها. ومن شأن التخصص أن يمكّن النشطاء من تطوير خبرات أعمق وتقديم تدخلات أكثر تأثيرًا.
- إضفاء الطابع المهني على منظمات المجتمع المدني: تفتقر العديد من منظمات المجتمع المدني في تونس إلى القدرة الإدارية والتشغيلية لضمان استدامة عملها. وتؤدي معدلات الانتقال المرتفعة من منظمة إلى أخرى ومغادرة الأعضاء الرئيسيين لأسباب شخصية، مثل الزواج أو الهجرة، إلى إضعاف هذه المنظمات.
2. العقبات المؤسسية والسياسية التي تحول دون تحقيق العدالة المناخية
تحوّلت السياسة الرسمية في تونس من المشاركة الدولية الأولية – مثل التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في العام 1993 والتوقيع على اتفاقية باريس في العام 2015 – إلى سياسات مناخية أكثر تنظيماً تستند إلى المساهمات المحددة وطنياً. في العام 2012، أطلقت تونس استراتيجيتها الوطنية للتغير المناخي، وفي العام 2014، اعتُمد دستور جديد أدرج التغير المناخي كسمة دائمة. وتحدد المساهمات المحددة وطنياً لتونس نهجاً مزدوجاً يركز على التخفيف من آثار تغير المناخ والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 45 في المئة بحلول العام 2030، والتكيف مع التركيز على تعزيز مرونة البلد عبر الحد من مواطن الضعف وتعزيز القدرة على التكيف.
وتماشيًا مع هذه الالتزامات، اتخذت تونس خطوات هامة لتعزيز إطارها المؤسسي لحوكمة المناخ. وفي إطار وزارة الشؤون المحلية والبيئة، أُنشئت الوحدة الوطنية التنسيقية في مجال التغيرات المناخية في آذار/مارس 2018 لتنسيق العمل المناخي بين أصحاب المصلحة في القطاعين العام والخاص والإشراف على تنفيذ المساهمات المحددة وطنياً، وتعزيز إدماج الاعتبارات المناخية في جميع السياسات العامة. وجرى إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الجهود عبر وحدات الإدارة القائمة على أهداف تعزيز القدرات المحلية لمواجهة التحديات المناخية.
ومع ذلك، فإن قدرة هذه المؤسسات تكون محدودة غالباً، فيعاني الكثير منها من عدم كفاية الموارد والدعم السياسي المقنّن. وتطور نظام الحكم في البلاد الذي كان في البداية نظامًا جمهوريًا برلمانيًا، إلى نظام رئاسي في السنوات الأخيرة. ومنذ ثورة 2011، واجهت البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي ساهم في تقنين عملية صنع السياسات، ما أعاق صياغة سياسات مناخية متماسكة وتنفيذها بشكلٍ فعال. وعلاوة على ذلك، فإن التبعية الاقتصادية لتونس، لا سيما في قطاعات مثل صناعة الفوسفات، تعقّد عملية اتباع سياسات مستدامة بيئياً، فلا تزال هذه الصناعات مصدراً هاماً للتوظيف والناتج الاقتصادي.
من الناحية النظرية، توفر نماذج الحوكمة التشاركية في تونس سبلاً لمنظمات المجتمع المدني للمشاركة في وضع السياسات. فبعد سقوط نظام بن علي، سُنّ القانون رقم 88-2011 لإرساء إطار قانوني للمجتمع المدني، وتعزيز حرية واستقلالية المنظمات، والسماح بتأسيسها وعملها من دون إذن مسبق من الدولة. ويؤكد هذا القانون استقلالية هذه المنظمات، وتمكينها من الانخراط في أنشطة مختلفة، من ضمنها الدعوة البيئية والمناخية، مع فرض متطلبات المساءلة والشفافية، مثل إعداد التقارير المالية. واستكمالاً لهذا القانون، أقر دستور 2014 صراحةً المبادئ التشاركية. يكرس دستورا 2014 و2022 الحق في بيئة صحية، ويفرض على الدولة ضمان هذا الحق وحماية الموارد الطبيعية لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية. وتعمل هذه الأحكام القانونية مجتمعة على تمكين المجتمع المدني من الدفاع عن القضايا البيئية، ومساءلة الحكومة، والمشاركة الفعالة في تعزيز الاستدامة البيئية. وعلاوة على ذلك، ومنذ العام 2015، دعت عمليات المساهمات الوطنية للبيئة وخطط التكيف الوطنية في تونس إلى تقديم مدخلات من مختلف المجموعات البيئية والحركات الشبابية والأوساط الأكاديمية. وتعد هذه المشاورات خطوة حاسمة نحو ضمان شمولية السياسات المناخية ومراعاتها لاحتياجات المجتمعات المتنوعة.
ومع ذلك، فإن التأثير العملي لمنظمات المجتمع المدني في السياسة المناخية في تونس وقدرتها على تشكيل أو تنفيذ السياسات التي تعالج بشكلٍ مباشر التحديات المناخية الخاصة بالمجتمع المحلي كان محدودًا، فلا تزال التوجيهات الحكومية من أعلى إلى أسفل تهيمن على عملية صنع السياسات. وبينما يمكن لمنظمات المجتمع المدني المساهمة في حوار السياسات، فإن التنفيذ الفعلي لتوصياتها يعوقه التأخير البيروقراطي، ومركزية صنع القرار على المستوى الوطني، والتحولات السياسية المتكررة (مناصرة، 2016). هذه الأمور تظهر تصورًا بأن المشاورات هي مشاورات رمزية، مع احتفاظ الحكومة بالسيطرة النهائية على عملية صنع القرار، ما يحد من الإمكانات التحويلية لهذه العمليات التشاركية. إن تعزيز هذه الآليات وضمان تقاسم حقيقي للسلطة، أمر بالغ الأهمية للنهوض بالحوكمة المناخية العادلة والفعالة في تونس (صبري، 2024).
شهدت وزارة البيئة، وهي الجهة الفاعلة الرئيسية في تنفيذ السياسة المناخية في تونس، عدم استقرار مؤسسي كبير اتسم بعمليات إعادة التنظيم الهيكلي المتكررة. تنقلت حقيبة البيئة كثيراً بين مختلف الهيئات الحكومية، ما أدى إلى تعقيد استمرارية الحوكمة البيئية. وتأسست في الأصل في العام 1991 وزارة البيئة والتخطيط العمراني، وخضعت لتحولات متعددة حتى العام 2011، فكانت تتنقل بين وضعٍ مستقل ودمجٍ مع حقائب أخرى مثل الزراعة والتجهيز والشؤون المحلية. بعد الثورة، دُمجت في البداية مع الزراعة، ثم أعيدت كوزارة للبيئة والتنمية المستدامة في أواخر العام 2011، قبل أن تُخفض إلى هيئة تابعة لوزارة التجهيز في العام 2013. وفي العام 2014، أصبحت جزءًا من وزارة التجهيز والتخطيط والتنمية المستدامة، واستعادت استقلاليتها في العام 2015، ثم اندمجت مع الشؤون المحلية في العام 2016، وأعيدت كوزارة مستقلة في العام 2020. وفي الآونة الأخيرة، وفي أعقاب التغييرات السياسية التي جرت عام 2021، وُضعت مؤقتًا تحت إشراف وزارة التجهيز قبل أن يعاد إنشاؤها كوزارة مستقلة. وقوضت عملية إعادة التوزيع المستمرة هذه التخطيط طويل الأجل والتنفيذ الفعال للسياسات البيئية، ما أجبر المسؤولين على التركيز على الإدارة الفورية بدلاً من المبادرات الاستراتيجية (كردوس، 2024). وأدت إعادة الهيكلة المتكررة لوزارة البيئة إلى تعطيل قانون المناخ لعام 2020 الذي يهدف إلى تعميم المرونة المناخية في جميع القطاعات.
ووفقًا للنظرية المؤسسية، يعكس هذا التجزؤ عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات، ما يؤدي إلى فشل التنسيق بين الوزارات. حين تُدمج وزارات مثل البيئة والفلاحة، كما هو الحال في تونس، فإن أهدافها المتضاربة - الحفاظ على الموارد مقابل الاستغلال الاقتصادي - تخلق شللاً في السياسات. وتؤدي هذه الاختصاصات المتداخلة إلى إضعاف قدرة الوزارة على إنفاذ اللوائح البيئية، فتعطي القطاعات المختلفة الأولوية للتنمية الاقتصادية على الاستدامة البيئية طويلة الأجل. كما أن الهياكل الحكومية المتعددة تعوق عملية صنع القرار المتماسك. تتماشى هذه الديناميكية مع نظرية الحوكمة التي تسلط الضوء على أن فعاليتها تتطلب أطر عمل متماسكة تدمج السياسات المشتركة بين القطاعات لتجنب تضارب الأهداف. فتدفع الوزارات ذات الأولويات المتضاربة غالباً نحو أجندات متباينة، ما يقوض إنفاذ اللوائح البيئية. هذا التباين هو أحد أعراض التحدي الأوسع نطاقًا داخل أنظمة الحوكمة المتعددة، إذ تُعطى الأولوية للأهداف الاقتصادية قصيرة الأجل على الاستدامة البيئية طويلة الأجل. كما أدت التغييرات المتكررة أيضًا إلى تعطيل العلاقات مع منظمات المجتمع المدني، التي اضطرت غالباً إلى إعادة بناء الثقة والتعاون مع كل وزير جديد، ما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة لمعالجة القضايا البيئية الملحة (مقابلة مع خبير في التكيف مع المناخ).
ويزيد القصور البيروقراطي داخل مؤسسات الدولة المسؤولة عن إدارة المناخ من تعقيد الوضع. ويمكن أن يؤدي نقص الموارد وعدم كفاية القدرات والأولويات المتنافسة إلى إبطاء تنفيذ القوانين القائمة (المعشر وبيريني وجيراسي، 2016). وتفتقر وحدة التغير المناخي المنشأة حديثاً داخل وزارة البيئة إلى القدرات الكافية وآليات التنسيق لمعالجة قضايا التغير المناخي بفعالية في مختلف الوزارات والقطاعات. وتفتقر الوحدة إلى السلطة القانونية اللازمة لإنفاذ توصياتها أو مساءلة الوزارات الأخرى عن التقاعس عن العمل. ومن دون موارد مالية وتقنية وبشرية كافية، تكافح الوحدة لسد الفجوة بين الاستراتيجيات رفيعة المستوى وتنفيذها على أرض الواقع. وتؤدي هذه القيود المتعلقة بالقدرات، إلى جانب ضعف التنسيق بين الوزارات، إلى إعاقة مواءمة السياسات القطاعية مع الأهداف الوطنية المتعلقة بالمناخ، ما يُبطئ التقدم في الاستراتيجيات المناخية الحاسمة.
بالإضافة إلى ذلك، أعاقت التقلبات السياسية التي تشهدها تونس منذ العام 2011 واتسمت بتغيرات متكررة في القيادة وهياكل الحكم، وضع سياسات مناخية وبيئية شاملة. ويؤدي عدم الاستقرار هذا غالباً إلى إهمال قضايا المناخ لصالح شواغل اجتماعية واقتصادية أكثر إلحاحاً، مثل البطالة والفقر (من مقابلات مع خبراء من الأوساط الأكاديمية). وتوقفت الإصلاحات التشريعية الرئيسية، مثل قانون المياه وقانون المناخ، بسبب التحولات السياسية المتكررة والافتقار إلى الاستمرارية المؤسسية.
يمكن أن يُعزى بطء التقدم في مجال العدالة المناخية أيضًا إلى المصالح السياسية والاقتصادية المختلفة التي تعارض القوانين البيئية الأكثر صرامة. وداخل الحكومة، يرى أصحاب المصلحة المرتبطون بصناعات مثل التعدين والزراعة والبناء غالباً أن اللوائح البيئية الأكثر صرامة تشكل تهديدًا للنمو الاقتصادي وعملياتهم التجارية. فهم يجادلون بأن اللوائح الأكثر صرامة قد تؤدي إلى فقدان الوظائف، أو تعوق التنمية الاقتصادية، أو تقلل من قدرة تونس التنافسية في الأسواق الدولية. وتعطي هذه الصناعات عادةً الأولوية للمنافع الاقتصادية قصيرة الأجل على الاستدامة البيئية طويلة الأجل، ما يؤدي إلى مقاومة تطبيق أقوى للحماية البيئية. وتتجلى هذه المقاومة في التأخير في تمرير التشريعات، أو إضعاف القوانين البيئية المقترحة، أو تنفيذ اللوائح التي لا تُنفذ بشكل كافٍ (من مقابلة مع أحد العاملين في منظمة مجتمع مدني).
علاوة على ذلك، قد تعتبر بعض الفصائل السياسية الحقوق البيئية ثانوية مقارنةً بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحة، ما ينتج عنه إهمال السياسة البيئية الشاملة على الرغم من دورها الحاسم في التنمية المستدامة. ويؤدي التفاعل بين عدم الاستقرار السياسي والتبعية الاقتصادية – مثل الاعتماد على صناعات الفوسفات – إلى خلق عنق زجاجة لتنفيذ استراتيجيات مناخية فعالة.
كما أن القيود المفروضة على حرية الإعلام تحد من تأثير المجتمع المدني في السياسات. وفي سياق الصحافة البيئية، توجد مبادرات إعلامية، لكن الشراكات الفعالة مع هياكل الدولة نادرة. وتجد منظمات مثل "كوسموس ميديا" نفسها غالباً ما تعمل في عزلة، وتواجه عوائق كبيرة في الوصول إلى المعلومات والمشاركة في مناقشات صنع السياسات (من مقابلات مع عاملين في وسائل الإعلام). على سبيل المثال، تكافح المنظمات الإعلامية في بعض الأحيان للحصول على تصاريح للعمل الميداني، مثل تصوير السدود، ما يعكس صعوبة أوسع في تسهيل التغطية البيئية. ويتضح عدم وجود حوار مفتوح، إذ تميل السلطات إلى الترحيب بالتغطية الإعلامية فقط حين تتماشى مع إنجازاتها، بينما تُقابل الصحافة الاستقصائية أو المناقشات النقدية بالمقاومة. يلفت هذا الانفصال إلى أنه على الرغم من وجودهم على أرض الواقع يوميًا، لكن رؤى وتجارب الصحافيين يجري غالبًا تجاهلها من قبل صانعي السياسات.
وتحد القيود المفروضة على إعداد التقارير البيئية من قدرة المنظمات المحلية على توثيق آثار تغير المناخ وإبرازها، مثل ندرة المياه أو تعطل البنية التحتية. فعلى سبيل المثال، يعوق عدم القدرة على تصوير أو توثيق حالة الموارد الحيوية مثل السدود، قدرة الحركة على نقل التحديات المتعلقة بالمناخ بشكلٍ مرئي. هذا النقص في إمكانية الوصول لا يعرقل دور وسائل الإعلام في تثقيف الجمهور فحسب، بل يقيد أيضًا الجماعات الشعبية من تعبئة المواطنين والضغط من أجل تغيير السياسات. علاوة على ذلك، تعتمد الدعوة في مجال تغير المناخ غالباً على البيانات والأدلة التي تُجمع عبر العمل الميداني، سواء من خلال رصد مستويات التلوث أو الموارد المائية أو آثار الظواهر الجوية المتطرفة. حين تواجه المنظمات المحلية عوائق أمام هذا النوع من العمل، يحد ذلك من قدرتها على بناء قضايا قوية من أجل العدالة المناخية وإصلاح السياسات.
3. تقييم تأثير منظمات المجتمع المدني التونسية في السياسات العامة
إن تقييم نجاح هذه الإجراءات المناخية عملية متعددة الأوجه تنطوي على تقييمات داخلية وخارجية. وتقيس الحركات عادةً نجاحها من خلال مجموعة متنوعة من المؤشرات، من ضمنها المشاركة العامة (مثل المشاركة في الإضرابات والعرائض ونشاط وسائل التواصل الاجتماعي)، والتأثير في السياسات (ينعكس على التغييرات في اللوائح البيئية)، وتعبئة المجتمع (تُقيّم من خلال الحملات المحلية وتمكين المواطنين)، والشراكات مع المنظمات الأخرى، والتغطية الإعلامية. أما التقييمات الخارجية، بشكلٍ رئيسي في حالة المشاريع الممولة من الخارج، فتجريها كيانات مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تركز على التقدم الذي أحرزته تونس نحو الالتزامات الدولية المتعلقة بالمناخ وفعالية التدخلات المحلية. وفي الوقت نفسه، تُجري الحركات تقييمات ذاتية من خلال جمع التقييمات من المجتمعات المحلية، وتتبع نتائج المناصرة، وإجراء مراقبة داخلية لأنشطتها. وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال التحديات التي تواجه التقييم الفعال قائمة، بما فيها محدودية الوصول إلى البيانات المناخية الشاملة، الحواجز السياسية والمؤسسية، والقيود على الموارد التي تواجهها المجموعات الشعبية. وتؤكد المقابلات التي أجريت مع النشطاء المحليين أهمية التقييمات الداخلية والخارجية على حدٍ سواء، مع تسليط الضوء على دور الحركات الشبابية في دفع عجلة التغيير والاعتراف ببطء وتيرة التحول في السياسات بسبب المصالح السياسية والاقتصادية الراسخة.
3.1 تأثير الشباب في السياسات
إن العلاقات بين منظمات الشباب والمؤسسات الرسمية، مثل وزارة البيئة، ضعيفة بشكلٍ ملحوظ (بايرز ورونسيري وبوسويت، 2021). تواجه المنظمات الشبابية عوائق كبيرة عند التعامل مع الهيئات الحكومية مثل وزارة البيئة، ما يُضعف نتائج المناصرة (من مقابلة مع شخص من منظمة غير حكومية). في السابق، كان الشباب يشاركون في حملات المناصرة والتوعية، لكن الآن يجري التركيز على ضمان حصولهم على دور مباشر في تشكيل السياسات المناخية. إن إشراك الشباب في نشاط يعني منحهم مقعداً على الطاولة حيث تُتخذ القرارات المتعلقة بتغير المناخ - سواء من خلال المشاركة في وضع السياسات أو المفاوضات المتعلقة بالمناخ أو الأدوار القيادية داخل المنظمات. ويعكس هذا التغيير الاعتراف بأن الشباب، لا سيما من يواجهون عواقب تغير المناخ، يُحضرون وجهات نظر جديدة وملحة ضرورية لإيجاد حلول فعالة. إنه تحرك نحو عمل مناخي أكثر شمولاً وتأثيراً يضمن سماع أصوات الشباب ومراعاة مستقبلهم في عملية صنع القرار. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، مثل الاعتماد على التمويل والافتقار إلى الثقة المؤسسية، فإن مشهد النشاط آخذ في النضوج، مع التركيز المتزايد على المقترحات الملموسة والمشاركة المستمرة مع الواقع المحلي. وتجسد مبادرات مثل "المجموعة التونسية الشبابية لمفاوضي تغير المناخ" هذا الالتزام، فتسعى إلى ترجمة النشاط إلى تأثيرات ملموسة في إطار سياسة المناخ.
أطلقت وزارة البيئة التونسية في آب/أغسطس 2021 "المجموعة التونسية الشبابية لمفاوضي تغير المناخ"، وهي مبادرة تركز على الشباب وتهدف إلى تسريع استجابة البلاد لحالة الطوارئ المناخية. يهدف هذا البرنامج إلى إدماج وجهات نظر مستنيرة وموجهة من الشباب في عمليات التفاوض بشأن المناخ في تونس، ما يضمن اتباع نهج أكثر تمثيلاً وطموحاً. تتألف المجموعة من ناشطين شباب ذوي خلفيات مهنية متنوعة وخبرات ذات صلة، كل منهم متخصص في مجال محدد من مجالات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وتهدف المبادرة، عبر إشراك الشباب، إلى طرح وجهات نظر جديدة وحلول مبتكرة على طاولة النقاش، ما يساهم في وضع سياسات مناخية أكثر فعالية وشمولية. وكان الدافع وراء إنشاء هذه المجموعة الاعتراف بأن الشباب هم عوامل تغيير حاسمة ولديهم مصلحة كبيرة في مستقبل الكوكب (من مقابلة مع شخص من وكالة حكومية). ومن خلال تزويدهم بالمهارات والمعارف اللازمة، تأمل مجموعة المفاوضين التونسيين الشباب في تعزيز جيل جديد من القادة المناخيين الذين يمكنهم الدعوة إلى حلول مستدامة ومنصفة. ولعبت هذه المجموعة دورًا مهمًا في تعزيز مشاركة الشباب في العمل المناخي والنشاط والعدالة المناخية. وانطلاقًا من الحاجة إلى سد الفجوة بين الشباب وعمليات صنع القرار الرسمية المتعلقة بالمناخ، تحولت المجموعة من مجرد مراقبة المفاوضات المناخية إلى المساهمة الفعالة فيها. ومنذ العام 2015، شاركت المجموعة في مؤتمرات المناخ الدولية، مثل مؤتمر الأطراف الذي جرى خلاله الاعتراف بجهودهم على الصعيد العالمي. وكان لمشاركة المجموعة دور محوري في إدماج القضايا الحرجة مثل الخسائر والأضرار والنوع الاجتماعي والتمكين المناخي في سياسات تونس المناخية. وعبر العمل التطوعي والتعاون مع المجتمع المدني، تمكنوا من الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات، فقدموا مقترحات ودعموا الوفد الرسمي التونسي في مفاوضات المناخ. وتشمل إنجازاتهم الاعتراف بهم من قبل رئاسة مؤتمر الأطراف في دولة الإمارات العربية المتحدة كأحد أكثر الوفود شبابًا، ومشاركة خبراتهم مع دول أخرى مثل مصر والأردن وفلسطين والمغرب، وتدريب الجيل القادم من الناشطين والمفاوضين في مجال المناخ.
3.2 نجاح منظمات المجتمع المدني على المستوى المحلي
على المستوى المحلي، حققت منظمات المجتمع المدني البيئية في تونس العديد من الإنجازات. فعلى سبيل المثال، حققت "جمعية مواطنة وتنمية مستدامة" في قابس إنجازات هامة عبر إطلاق أول خطة عمل مناخية لمنطقة بني خداش، وهي نسخة محلية من المساهمة المحددة وطنياً. واختيرت هذه المنطقة نظرًا لقابليتها العالية للتأثر بتغير المناخ. إذ يعتمد اقتصادها اعتماداً كبيراً على القطاعات الحساسة للمناخ مثل الزراعة والسياحة، المعرضة بشدة للتأثيرات المناخية مثل الحرارة الشديدة والجفاف. علاوة على ذلك، تواجه المنطقة زيادات متوقعة في درجات الحرارة، وانخفاضاً في هطول الأمطار، وزيادة في فقدان المياه، ما يزيد إجهاد الموارد المائية والإنتاجية الزراعية. وتحدد هذه الخطة التي وُضعت بمشاركة قوية من أصحاب المصلحة (ومن ضمنها السلطات المحلية والشباب والنساء وغيرهم)، 75 مشروعاً تركز على كل التخفيف والتكيّف، بما يتماشى مع الأهداف الوطنية التونسية المتعلقة بالمناخ. وتستهدف المبادرة 10 أهداف (هدفان للتخفيف وثمانية للتكيف). نتيجة لذلك، أصبحت بني خداش واحدة من سبع بلديات نموذجية اختيرت لمشروع تغير المناخ الممول من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إذ تتلقى تمويلاً سنوياً يتراوح بين 100,000 و150,000 دولار أمريكي لمدة أربعة أعوام لتنفيذ استراتيجيتها المناخية. كما طورت الجمعية قائمة بثمانية أعمال قصصية تسلط الضوء على الممارسات المناخية التقليدية مثل جمع مياه الأمطار والأمن الغذائي المحلي. بالإضافة إلى ذلك، وضعت الجمعية خطة انتقالية ذكية تدمج التكنولوجيا لتعزيز المعرفة والممارسات التقليدية للمجتمع المحلي مثل مراقبة مستويات الأكسجين في حصاد مياه الأمطار. وسلطت وزارة الزراعة الضوء على هذا النهج المبتكر من قبلها، ما يدل على مدى تأثير المبادرة.
لعبت حركة "أوقفوا التلوث" دورًا رئيسيًا في الضغط من أجل تفكيك الوحدات الصناعية الملوثة في قابس، ونجحت في الحصول على قرار حكومي في العام 2017 بعد ضغوط متواصلة. تأسست الحركة في قابس العام 2012 للتصدي للتلوث البيئي عبر التعبئة المجتمعية. ونظمت الحركة في البداية حول اليوم العالمي للبيئة، وسرعان ما اكتسبت زخمًا سريعًا، فجذبت 2000 مواطن خلال فعاليتها الأولى. وبمرور الوقت، تطورت من حملة إلى حركة منظمة تضم مجموعة أساسية من الناشطين الذين ينسقون الأعمال البيئية ويتواصلون مع الجمهور. وتشمل إنجازاتها البارزة تنظيم أكبر مسيرة بيئية في تونس في العام 2013 التي شهدت مشاركة نحو 7000 شخص ودفعت الأحزاب السياسية إلى إصدار بيانات داعمة. ومنذ العام 2012، حشدت الحركة الآلاف من المواطنين للاحتجاج على التلوث الصناعي الناجم عن مصانع الفوسفات، وحققت نجاحًا ملحوظًا مثل التزام الحكومة في العام 2017 بالحد من الانبعاثات. وتُظهر قدرتها على توحيد النقابات العمالية ومنظمات حقوق الإنسان والجماعات البيئية ريادتها للحركة المناخية الأوسع في تونس. وتجمع استراتيجية الحركة بين النشاط الشعبي وبناء التحالفات التي تضم منظمات مثل "الاتحاد العام التونسي للشغل" و"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان". كما وسعت نطاقها لمعالجة قضايا بيئية أوسع، مثل إدارة النفايات وتغير المناخ، وتعمل على تعزيز التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
وعلى الرغم من الموارد المالية المحدودة، تجسد حركة "أوقفوا التلوث" سعة الحيلة، إذ تعتمد على التعبئة الشعبية والالتزام بدلاً من التمويل الواسع، ما يدل على أن النشاط المؤثر يمكن أن يزدهر من دون دعمٍ مالي كبير.
ومن المعالم الهامة الأخرى إنشاء لوبي للطاقة المتجددة في العام 2016 بالتعاون مع نقابة المهندسين التونسيين ومنتدى الاتحادات لتعزيز التحولات في مجال الطاقة، على الرغم من أن عدم الاستقرار السياسي عطل هذه الجهود من حينٍ إلى آخر.
وتسلط جهود المناصرة المحلية، مثل الإغلاق الناجح لمصنع الفوسفات الملوث في قابس، الضوء على فعالية الحركات الشعبية في معالجة قضايا بيئية محددة. فأظهرت حركة "أوقفوا التلوث" كيف يمكن للجهات الفاعلة المحلية الاستفادة من قربها من المجتمعات المحلية المتضررة لمواءمة جهود المناصرة مع اهتماماتها المباشرة. وتفسر نظرية الحركات الاجتماعية هذا النجاح من خلال "إطار تعبئة الموارد" الذي يؤكد الاستخدام الاستراتيجي للموارد المحلية، ومن ضمنها شبكات المجتمع المحلي والمعرفة المحلية والثقة. وتمكنت الجهات الفاعلة المحلية في قابس من تعبئة هذه الموارد بسرعة وكفاءة، ما يضمن أن تكون حملة المناصرة هادفة ومستجيبة. علاوة على ذلك، توضح عملية التأطير كيف يمكن للحركات المحلية تأطير القضايا بفعالية بطرق تتوافق مع قيم المجتمع المحلي، ما يعزز الدعم واسع النطاق والعمل الجماعي.
في ما يأتي العوامل التي جعلت المناصرة على المستوى المحلي من قبل منظمات المجتمع المدني فعالة:
- التوافق مع مصالح المجتمع المحلي: تتمتع الجهات الفاعلة المحلية بفهم مباشر لاحتياجات وأولويات مجتمعاتها المحلية، ما يسمح لها بتأطير القضايا بطرق تلقى صدى لدى السكان المتضررين. على سبيل المثال، سلطت حملة قابس الضوء بشكل فعال على المخاطر الصحية للتلوث الصناعي، ما أدى إلى حشد الدعم المجتمعي.
- التعبئة السريعة: يمكن للحركات الشعبية تعبئة الموارد والدعم العام بسرعة أكبر من الحملات الوطنية. تتخطى الجهات الفاعلة المحلية الجمود البيروقراطي الذي يبطئ غالباً الجهود الوطنية، ما يمكنها من الاستجابة الديناميكية للقضايا الناشئة.
- الثقة والشرعية: تستفيد منظمات المجتمع المدني المحلية من العلاقات الراسخة مع المجتمعات المحلية، ما يعزز الثقة ويضمن المساءلة في جهود المناصرة التي تبذلها.
- الأهداف المركزة: تكون الحملات المحلية غالباً أكثر استهدافًا، وتتناول قضايا محددة بدلًا من جداول الأعمال الأوسع والأكثر تعقيدًا للحركات الوطنية.
3.3 دروس للمناصرة على المستوى الوطني
تواجه الحملات على المستوى الوطني في تونس تحديات أكبر بكثير. فتعطلت الجهود المبذولة لتمرير تشريعات حاسمة، مثل قانون البيئة ومجلة المياه، بسبب التأخيرات البيروقراطية والهياكل الحكومية المتعددة والصراعات السياسية. على عكس المناصرة المحلية التي تعمل في سياقات أكثر سهولة وأقل تراتبية، يجب أن تنتقل الحركات الوطنية في نظام مركزي وغير شفاف لصنع القرار. فوزارة البيئة، على سبيل المثال، تفتقر إلى الولاية القضائية على قطاعات رئيسية مثل إنتاج الفوسفات الذي يقع تحت إشراف وزارة الصناعة، ما يخلق تضاربًا في المصالح وجمودًا في السياسات.
وتفسر نظرية الحركة الاجتماعية هذا التباين استنادًا إلى هيكل الفرص السياسية الذي يسلط الضوء على كيفية تشكيل الحواجز المؤسسية لفرص المناصرة. فعلى المستوى الوطني، يعوق نموذج الحكم المركزي في تونس، وإعادة الهيكلة الحكومية المتكررة، والأولويات المتنافسة بين الوزارات قدرة منظمات المجتمع المدني على التأثير في السياسات بفعالية. وتؤدي هذه العوائق المنهجية غالباً إلى حملات متعددة وتأثير ضعيف، فتكافح الحركات الوطنية من أجل مواءمة أصحاب المصلحة المتنوعين تحت أجندة متماسكة.
وفي حين أن المناصرة المحلية أثبتت فعاليتها، فإن ترجمة هذه النجاحات إلى المستوى الوطني تتطلب تنسيقاً استراتيجياً وإصلاحات منهجية:
- تعزيز الشبكات المحلية والوطنية: يمكن أن يضخّم بناء تحالفات بين منظمات المجتمع المدني المحلية والوطنية الإنجازات على مستوى القاعدة الشعبية، ما يوفر زخمًا للحملات الوطنية.
- الاستفادة من قصص النجاح المحلية: يمكن تسليط الضوء على الحالات في المحافل الوطنية والدولية بمثابة دليل على جدوى وفوائد الإصلاحات البيئية المستهدفة.
- تعزيز الحوكمة التشاركية: يمكن أن يؤدي إضفاء الطابع المؤسسي على الآليات التي تدمج الأصوات المحلية في عمليات صنع القرار الوطنية إلى سد الفجوة بين الحركات الشعبية والحوكمة المركزية.
- معالجة العوائق الهيكلية: تُعد الإصلاحات الرامية إلى تبسيط العمليات البيروقراطية، والحد من التجزئة بين الوزارات، وتوضيح الاختصاصات أمراً بالغ الأهمية لتمكين المناصرة على المستوى الوطني.
وللتحول من التعبئة البيئية إلى التعبئة المناخية، يجب أن تعيد المناصرة تأطير القضايا المحلية في السياق الأوسع للعدالة المناخية، مع التركيز على المرونة والتكيف والإصلاح المنهجي. إن بناء تحالفات متعددة القطاعات، بما فيها أصحاب المصلحة المتنوعون، يضمن التوافق مع الأهداف المناخية الوطنية. ويمكن للمجتمع المدني إعطاء الأولوية لدمج الاعتبارات المناخية في جميع القطاعات، متجاوزاً المشاكل المحلية إلى معالجة العوامل المنهجية لتغير المناخ. ويمكن لتعزيز التعاون، والحوكمة التشاركية، والوصول إلى التمويل العالمي للمناخ أن يضاعف التأثير ويدفع عجلة الانتقال نحو العمل المناخي الشامل.
4. توصيات للعمل المناخي
إن عمليات صنع القرار المتماسكة والمتكاملة والمتعددة القطاعات مهمة للتغلب على شلل السياسات. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى حلول طويلة الأجل وشاملة وعادلة للعقبات المناخية. يجب أن يركز مسار تونس نحو التنمية المستدامة على اعتماد نهج استباقي - استباق التحديات، والانخراط في التخطيط طويل الأجل، ودمج أفضل الممارسات الدولية في مجال التمويل المناخي والمشاركة المجتمعية بدلاً من الاعتماد على تدابير رد الفعل لمعالجة الآثار الفورية لتغير المناخ. ولتحقيق ذلك، ينبغي على تونس:
الإصلاح المؤسسي
- وضع أطر حوكمة واضحة: ينبغي أن تعالج تونس التشتت داخل الوزارات، لا سيما وزارة البيئة، عبر إنشاء أطر مؤسسية واضحة ذات أدوار ومسؤوليات متميزة. وهذا من شأنه أن يحسن التنسيق ويمكّن الوزارات من العمل بشكلٍ متماسك نحو تحقيق الأهداف المناخية طويلة الأجل. ومن شأن هيكل حوكمة أكثر تكاملاً أن يتجنب تضارب الأولويات بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
- تطبيق اللامركزية في إدارة المناخ: تمكين السلطات الحكومية المحلية ومنظمات المجتمع المدني من وضع خطط عمل مناخية محلية مصممة خصيصاً لتلائم القيود البيئية الخاصة بها (مثل الجفاف والفيضانات)، ما يعزز قدرة المجتمع المحلي على الصمود مع المواءمة مع الاستراتيجيات المناخية الوطنية.
- تحسين التنسيق بين الوزارات: تعزيز التنسيق بين وزارة البيئة ووزارة الفلاحة والقطاعات الأخرى ذات الصلة. ومن شأن ذلك أن يضمن تنفيذ السياسات المناخية الوطنية بفعالية ومواءمة السياسات القطاعية مع الأهداف المناخية لتونس.
بناء القدرات وتخصيص الموارد
- تعزيز القدرات داخل وزارة البيئة: يجب تزويد وحدة التغير المناخي المنشأة حديثاً بالموارد الكافية - المالية والتقنية والبشرية - لأداء دورها بفعالية. ويشمل ذلك تحسين آليات التنسيق بين الوزارات وتوفير السلطة القانونية لضمان التزام الوزارات بالسياسات المناخية.
- تمكين منظمات المجتمع المدني من خلال بناء القدرات: يجب أن تتلقى هذه المنظمات دعمًا متسقًا للتدريب على الدعوة إلى سياسات المناخ، وإدارة المشاريع، والأطر القانونية. وستزيد البرامج التي تركز على تعزيز الخبرة الفنية في قضايا مناخية محددة (مثل إدارة المياه والطاقة المتجددة) فعالية منظمات المجتمع المدني في صياغة السياسات وتنفيذ المشاريع واسعة النطاق.
- تنويع مصادر تمويل منظمات المجتمع المدني: بالإضافة إلى التمويل الدولي قصير الأجل القائم على المشاريع، يجب على تونس استكشاف آليات لتوفير الدعم المالي المستدام وطويل الأجل لمنظمات المجتمع المدني، ربما من خلال صناديق المناخ المدعومة من الحكومة أو الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ما يمكن أن يقلل من الاعتماد على التمويل الخارجي ويحسن الاستقرار التشغيلي لهذه المنظمات.
بناء الثقة وتعزيز المنصات التعاونية
- إنشاء منصات حوار رسمية: ينبغي أن تنشئ تونس منصات لأصحاب المصلحة المتعددين تسهل الحوار المنتظم بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والشركاء الدوليين. تعزز هذه المنصات الشفافية والثقة والتعاون في اتخاذ القرارات، ما يضمن الاستماع إلى جميع الأصوات، لا سيما من الفئات المهمشة مثل المجتمعات الريفية والنساء.
- تعزيز العلاقات بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني: يجب بذل الجهود للتغلب على انعدام الثقة السابق بين منظمات المجتمع المدني والمؤسسات العامة. ويمكن لإنشاء قنوات رسمية ومؤسسية للتعاون أن يشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة بفعالية في عملية صنع السياسات وضمان إشراكها في إدارة المناخ.
- التعاون مع وسائل الإعلام لزيادة الوعي العام: من الضروري بناء تحالفات أقوى مع وسائل الإعلام لزيادة الوعي بقضايا المناخ ومبادرات منظمات المجتمع المدني والإجراءات الحكومية. ويمكن أن تؤدي زيادة التغطية الإعلامية إلى زيادة ظهور الجهود الشعبية وتعزيز وعي الجمهور بقضايا المناخ.
تعزيز القيادة الإقليمية في العمل المناخي
- التعاون الإقليمي من أجل القدرة على التكيف مع المناخ: يمكن لتونس أن تقود العمل المناخي الإقليمي عبر إقامة شراكات مع دول شمال إفريقيا المجاورة. ويمكن لتونس أن تتعاون في مواجهة التحديات المشتركة مثل ندرة المياه والتصحر وتطوير الطاقة المتجددة. ومن خلال إنشاء آليات تعاون إقليمية، تمهد البلاد الطريق لاستراتيجيات مشتركة للتكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ، والاستفادة من تبادل المعرفة عبر الحدود والموارد المشتركة.
- الريادة في آليات تمويل المناخ: يمكن لتونس أن تتبوأ مكانة رائدة إقليمياً في مجال التمويل المناخي من خلال الدعوة إلى زيادة الوصول إلى الصناديق الدولية (مثل صندوق المناخ الأخضر وصندوق التكيف) وضمان تخصيص الموارد المالية بفعالية لمشاريع التكيف والتخفيف. كما يمكن للحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص العمل معًا لضمان الشفافية في إدارة هذه الصناديق، ما يعزز مصداقية تونس كمركز للتمويل المناخي.
الشراكات الاستراتيجية طويلة الأجل والتخصص
- التركيز على التخصص داخل منظمات المجتمع المدني: يجب أن تركز منظمات المجتمع المدني التونسية على التخصص في مجالات معينة من العمل المناخي، مثل إدارة المياه والطاقة المتجددة واستعادة النظام البيئي. وسيساعد التخصص هذه المنظمات على تطوير خبرات عميقة في القطاعات الحيوية، ما يزيد من تأثيرها وقدرتها على الدعوة لسياسات ومشاريع محددة.
- بناء شراكات استراتيجية طويلة الأجل: تعزيز العلاقات بين منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وضمان أن تكون مبنية على أهداف مشتركة طويلة الأجل بدلاً من الاستجابات المخصصة التي تحركها الأزمات. ستسمح هذه الشراكات بتنسيق العمل وتعزيز مرونة حركة المناخ.
- دمج التغير المناخي في خطط التنويع الاقتصادي: لمعالجة اعتماد تونس الاقتصادي على إنتاج الفوسفات، يجب أن تعطي تونس الأولوية لاستراتيجيات التنويع الاقتصادي الأخضر. ويشمل ذلك تعزيز قطاعات مثل الزراعة العضوية والسياحة البيئية والتصنيع الأخضر. ويجدر على الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص العمل معًا لضمان استدامة النماذج الاقتصادية الجديدة وخلق فرص عمل خضراء طويلة الأجل.
الشفافية والمساءلة والإرادة السياسية
- تنفيذ آليات مساءلة أقوى: لضمان الوفاء بالتزامات تونس في مجال المناخ، يجب أن تكون هناك آليات مساءلة أقوى. ويمكن أن يشمل ذلك هيئات رقابية مستقلة لتتبع التقدم المحرز في سياسات المناخ، وتقييم فعاليتها، ومساءلة الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها الوطنية للمناخ.
- ضمان الإرادة السياسية للعمل المناخي: يجب أن يكون التغلب على التشرذم السياسي وإعطاء الأولوية للعمل المناخي جزءًا أساسيًا من الأجندة السياسية في تونس. ويجب على القادة السياسيين دعم إصلاحات السياسات المناخية والدفع باتجاه الاستقرار المؤسسي طويل الأجل لتجنب شلل السياسات وضمان استمرار التقدم في الحوكمة المناخية.
تعزيز النماذج الاقتصادية البديلة
- وضع وتنفيذ سياسات للحد من اعتماد تونس على صناعة الفوسفات، لا سيما في المناطق المتضررة بشدة من التلوث. وتعزيز النماذج الاقتصادية البديلة والمستدامة التي تركز على استعادة البيئة وخلق فرص عمل خضراء. والتركيز على قطاعات مثل الطاقة المتجددة والزراعة العضوية والسياحة البيئية ليس فقط للتخفيف من الأضرار البيئية ولكن أيضًا لتوفير فرص اقتصادية طويلة الأجل للمجتمعات المحلية.
- تنفيذ سياسات تعزز التنويع الاقتصادي من خلال تعزيز الوظائف الخضراء في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة واستعادة البيئة، وضمان مساهمة هذه القطاعات في المرونة الاقتصادية على المدى الطويل، وحماية الصحة العامة والنظم الإيكولوجية من الآثار السلبية لتغير المناخ.
معالجة قضايا العدالة المناخية الشاملة لعدة قطاعات
- إدماج العدالة المناخية في السياسات المناخية في تونس عبر معالجة الترابط بين تغير المناخ وقضايا العدالة الاجتماعية الأوسع نطاقًا مثل فقدان التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي وندرة المياه. تعزيز التعاون بين منظمات المجتمع المدني لبناء تحالفات إقليمية مع المناطق المهمشة في تونس وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لإنشاء جبهة موحدة لحماية البيئة والعدالة الاجتماعية.
- إعطاء الأولوية لإشراك المجتمعات المهمشة، مثل المزارعين الريفيين وسكان المناطق الساحلية والفئات ذات الدخل المنخفض، في عمليات صنع السياسات المناخية. تصميم سياسات مصممة خصيصًا لتلبية نقاط الضعف الخاصة بهم، مثل الأمن الغذائي والحصول على المياه والحقوق في الأراضي. بالإضافة إلى ذلك، تعزيز السياسات المناخية التي تراعي الفوارق بين الجنسين وتعالج التأثير غير المتناسب لتغير المناخ على النساء، لا سيما العاملات في الزراعة.
تعزيز اللوائح البيئية
- فرض قوانين ولوائح بيئية أقوى لمعالجة التلوث والتدهور البيئي الناجم عن الأنشطة الصناعية. وتنفيذ لوائح أكثر صرامة على الصناعات التي تساهم في الإضرار بالبيئة مع تعزيز المشاركة العامة في عمليات صنع القرار. وضمان سماع أصوات المجتمعات المحلية في وضع السياسات وإعطاء الأولوية للعدالة البيئية في تصميم وتنفيذ السياسات المناخية.
المرفق: قائمة الأشخاص الذين جرت مقابلتهم
- مدير سابق في وزارة البيئة (تونس)، ومنسق سابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في تونس، ومنسق مشروع "محلي" مع مكتب الأمم المتحدة في تونس.
- خبيرة في التكيف مع تغير المناخ والموارد المائية.
- أستاذ في جامعة فرنسية، خبير في التغير المناخي، مؤلف منشورات حول دور المنظمات غير الحكومية في السياسات المناخية والإجراءات المناخية في المدن التونسية.
- صحافية وإعلامية بيئية ورائدة إعلامية، مؤسسة منصة إعلامية مكرسة للقضايا البيئية، وصحافية في منصات أخرى.
- منسقة "المجموعة التونسية الشبابية لمفاوضي تغير المناخ".
- عضو في "المجموعة التونسية الشبابية لمفاوضي تغير المناخ".
- ناشط بيئي ومؤسس حملة ضد التلوث، وأحد منظمي مخيم المناخ في تونس.
- ناشط، ومهندس إدارة الموارد الطبيعية.
- رئيس جمعية إقليمية حول المواطنة والتنمية المستدامة.
- ناشط بيئي أدرجه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمناخ في العام 2022 ضمن خمسة من القادة الشباب في العالم العربي الذين يعطوننا الأمل في التصدي لتغير المناخ، وسفير منظمة تعمل على العدالة الغذائية.
- مقدم بودكاست بيئي، ومؤسس منظمة تركز على الاستدامة، وخبير اتصالات في مجال التنمية المستدامة.
- مؤسسة ومنسقة منظمة وطنية للشباب معنية بالمناخ، ومديرة تنفيذية لمبادرة خضراء، ومسؤولة إعلامية لتحالف نسوي إقليمي، وناشطة رقمية في مجال المناخ، ومندوبة للشباب في مجال التكيف مع تغير المناخ.
- ناشطة بيئية.
- ناشط بيئي.
- ناشط بيئي وعضو في حركة عالمية للعدالة المناخية تركز على الديون والعدالة المناخية.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.