تعليق البرلمان الكويتي: فرص أكبر وخسائر أقل

arab-reform-initiative-With Parliamentary Suspension, Kuwait Has More to Gain Than Lose
منظر جوي لمبنى البرلمان الكويتي (C) شترستوك

(ملاحظة المحرر: تم الانتهاء من هذه الورقة في 30 مايو/أيار 2024، قبل تعيين الشيخ صباح خالد الحمد الصباح وليًا للعهد)

في 10 مايو/أيار 2024، علَّق الأمير مشعل الأحمد عمل البرلمان الكويتي قرابة أربع سنوات، وهو البرلمان الذي كان يعد رمزاً للحرية السياسية في منطقة الخليج العربي. في منطقة تزخر بالأنظمة الاستبدادية، يتمتع البرلمان الكويتي بصلاحيات حقيقية، حيث يمتلك القدرة على سن القوانين واستجواب الوزراء. جاء إعلان تعليق البرلمان  بعد أسابيع قليلة من انتهاء انتخابات أبريل/نيسان لاختيار مجلس تشريعي جديد في عهد الأمير مشعل. هذا الحدث هو الثالث من نوعه في التاريخ السياسي للكويت، بعد حقبتي 1976 و1986 التي شهدت فيها البلاد فترات من الحكم غير الدستوري. من المنظور المؤسسي، عمليات حل البرلمان ليست غريبة على مسرح الأحداث السياسية، وعادة ما تؤدي عمليات التعليق إلى إجراء انتخابات لمجلس جديد بعد 60 يوماً من الحل وفقاً للمادتين 83 و107 من الدستور. ولكن هذه المرة، تضمّن مرسوم الحاكم تعليق العمل بأحكام الدستور، مع تبعات تتضمن اقتراح تعديلات من قبل لجنة خبراء خلال ستة أشهر، ويجب أن تحصل التعديلات على موافقة مجلس الوزراء والأمير، قبل طرحها للاستفتاء العام أو لمجلس الأمة المقبل في السنوات الأربع المقبلة.

لم تأت تلك الخطوة الجريئة من الأمير من فراغ؛ فمنذ وفاة الأمير صباح الأحمد في سبتمبر/أيلول 2020، فشلت البرلمانات اللاحقة في إتمام فترة ولايتها البالغة أربع سنوات؛ وفي السنوات الخمس الماضية حصلت أربعة انتخابات. والأسوأ من ذلك أن مجلس الوزراء أيضاً كان أشبه بساحة الانتظار التي يقضي فيها الناس فترات وجيزة ثم يرحلون، حيث كان أعضاء البرلمان يحاولون التأثير على التعيينات الوزارية؛ وهو امتياز أميري. علاوة على ذلك، تعاني الكويت من النزاع البيروقراطي الذي شهد اندلاع مشاجرة بالأيدي في قاعة البرلمان ومقاطعة مجلس الوزراء لجلسات مجلس النواب. وقد شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2023 – التي كانت نهاية عهد الأمير الراحل نواف الأحمد – بوادر المصالحة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولم يقتصر الأمر على العفو عن المعارضين بموجب مرسوم فحسب، بل نجا رئيس الوزراء آنذاك أحمد النواف - نجل الأمير الراحل - من اقتراح تصويت لسحب الثقة دشنه النواب، وأشرف على موافقة البرلمان على خارطة طريق تشريعية أعطت الأولوية للإصلاحات السياسية ورفعت مستوى المعيشة.

ولكن مع وفاة الأمير نواف في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تضمّن الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه الأمير مشعل - الذي أدى اليمين الدستورية مؤخراً - انتقادات لاذعة إلى كلٍ من الحكومة والبرلمان بسبب تواطؤهما في استصدار "قرارات تضر بالمصالح الوطنية". لم تكن تلك "الصفعة" اللفظية تعني ضمناً أن إعادة ضبط الأوضاع السياسية الظاهرية هي بالأساس صفقة دنيئة فحسب، بل كانت تومئ أيضاً إلى أن المشاكل الأعمق لا تزال قائمة. يشير تغير اللهجة إلى تجدد التوترات السياسية، حيث شدّد النهج الجاد الذي اتبعه الحاكم على أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية قد تأخرت. وفي حين نظر العديد من المراقبين إلى الإجراءات الأخيرة باعتبارها ارتداداً عن الديمقراطية، فالأحرى تفسيرها باعتبارها فترة توقف لمعالجة المشاكل النظامية (القضاء على الفساد، والإصلاحات الإدارية، وإصلاحات البنية التحتية، والتعديلات الدستورية)، وتمهيد الطريق للتقدم الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، كما تناقش المقالة أدناه، فإن سؤال "التتابع على كرسي الحكم" الذي لم تُحسم الإجابة عليه يعقّد السياسة الكويتية، وهو ما يُذكي التدافع على النفوذ خلف الكواليس.

الأمير يضع بصمته بمنهجية مباشرة

إن صعود الأمير مشعل يمثل مباينةً لنهج سلفه الأمير نواف - الملقب بأمير العفو - ويبشر بعصر جديد يهدف إلى تصحيح المشاكل المزمنة الأساسية. فبصفته ولي العهد سابقاً، فُوّضت إليه العديد من الصلاحيات الدستورية في وقت مبكر من عهد سلفه، مما أوجب عليه التعامل مع نواب المعارضة قبل إصدار تحذيرات في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بأنه سيحاسب البرلمانيين إذا حرضوا على مزيد من الفرقة والانقسام. وفي وقت لاحق من يونيو/حزيران 2023، أعرب عن أسفه على إهدار الوقت في "تصفية الحسابات واختلاق الأزمات والممارسات غير المسؤولة التي كانت موضع استياء". وفي نهاية المطاف، نفد صبره تجاه قرارات العفو السابقة، مشيراً إلى "تداعيات" ذات صلة على "النقل في بعض الوظائف والمناصب بما لا يتفق مع أدنى معايير العدالة والإنصاف" وما حدث في "ملف الجنسية من تغييرٍ للهوية الكويتية"؛ وقد قاد كل هذا إلى ما سماه "الإضرار بمصالح البلاد". ولمنع المشرعين من استغلال المناصب الحكومية لتحقيق مكاسب سياسية، جُمّدت جميع التعيينات والترقيات والتنقلات الجديدة داخل القطاع العام.

تبلور المنهج الذي يتبناه الأمير مشعل - والذي تجسد في خطاب أداء اليمين - في خطة عمل تقوم على ثلاثة محاور. أولاً: استئصال الفساد الذي وصفه الأمير بأنه وصل إلى "مرافق الدولة"، بما في ذلك "المؤسسات الأمنية والاقتصادية"؛ فقد هزت البلاد فضائح على أعلى المستويات الإدارية، منها: سوء إدارة الأموال العسكرية، مثل فواتير التضخم الخاصة بطائرات يوروفايتر تايفون واختلاس وزير دفاع سابق ما يقرب من 240 مليون دينار (800 مليون دولار) من أموال المساعدة العسكرية. كما أميط اللثام عن اتهامات بغسيل الأموال في قضية "الصندوق السيادي الماليزي/1 ماليزيا ديفلوبمنت بيرهاد" التي تورطت فيها أيادي كويتية، حيث أدين فيها نجل رئيس وزراء سابق. تقوم السلطات الكويتية الآن بمراقبة نظائر هذه القضايا عن كثب، حيث استُدعي النائب العام للتدخل. كما صرح فهد اليوسف – الذي عاد إلى الحكومة في منصب وزير للدفاع والداخلية (ونائب أول لرئيس مجلس الوزراء) – بشكل قاطع في خطاب ألقاه مؤخراً أنه "لا أحد فوق القانون، مهما كان منصبه ووضعه"، مسلطاً الضوء على أن مزيد من الجهود سوف تُبذل لحماية الأموال العامة. ويبقى أن نرى مدى "نزاهة" هيئة مكافحة الفساد في البلاد وديوان المحاسبة وقدرتها على تطبيق الرقابة الفعالة.

المحور الثاني - الذي يتقاطع مع القضاء على الفساد - هو معالجة الاحتيال في ملف المواطنة. تعود ممارسات التجنيس إلى الستينيات، وقد استُخدمت على نطاق واسع خلال السبعينيات والثمانينيات لضمان الدعم السياسي من الفئات الاجتماعية الجديدة للحكومة. بيد أن التلاعب المتفشي في ملف الجنسية الكويتية يعني تكاثر حالات ازدواج الجنسية، والتي يقال إنها تهدد النسيج الاجتماعي وربما تزعزع الاستقرار السياسي. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، حبس مواطن سعودي زوّر امتلاكه للجنسية الكويتية وعمل في وزارة العدل في البلاد واستحوذ على 315 ألف دينار من الأموال العامة. وأوضح الأمير أنه لن يتغاضى عمن "انتفعوا من خيرات البلاد بغير حق"، بعد أن أسقط جنسية أكثر من 50 شخصاً منذ مارس/آذار الماضي. يعكس هذا اعترافاً بأن مزايا المواطنة عرضة للاستغلال والتدخل الأجنبي. وقبل انتخابات أبريل/نيسان 2024، اندلع جدل عام حول إمكانية منع المواطنين المتجنسين من التصويت أو خوض الانتخابات؛ ومنذ تعليق البرلمان، تحركت الحكومة بقوة أكبر لمواجهة هذه المشكلة من خلال إنشاء خط ساخن للإبلاغ عن حالات تزوير الجنسية. وتعتزم السلطات على متابعة قضايا المواطنة - بما في ذلك أهلية المواطنين المتجنسين للترشح للانتخابات - من خلال لجنة تحقيق شكّلتها حديثاً.

المحور الثالث: منع تكرار حدوث شلل سياسي آخر في البلاد، وهو الأمر الذي من المتوقع أن تتضمنه التعديلات الدستورية. أشار خطاب الأمير المتلفز الأخير في 10 مايو/أيار إلى استغلال الديمقراطية من خلال ممارسة "الضغط البرلماني" الذي أدى إلى "انتهاكات خطيرة" من قبل بعض الحكومات. ومن خلال استحضار فشل محاولة الكويت السابقة مراجعة دستورها عام 1980 في عهد الراحل جابر الأحمد؛ أكدت تصريحات الأمير مشعل أن التغييرات الواجبة متأخرة عن أوان صلتها مع الوقائع الراهنة. في الوقت الحالي، تعيد المواد المعلقة في الدستور توجيه السلطات التشريعية إلى الأمير وتسمح لمجلس الوزراء بإدارة الأمور؛ بيد أن التساؤلات تدور في المقام الأول حول درجة السلطات التشريعية التي سوف يتمتع بها المجلس، إذا ومتى أعيد تشكيله. من الناحية النوعية، يتمتع البرلمان الكويتي بسلطة أكبر من المجالس التمثيلية الأخرى في المنطقة لأنه يستطيع: (1) التصويت على التشريعات؛ (2) تجاوز حق النقض الذي يستخدمه الأمير بالأغلبية البسيطة؛ (3) سحب الثقة من الوزراء (حسب المادة 101). إلا أن الاستخدام المتواصل لهذه الأخيرة قد جعل الشخصيات المتخصصة تنأى بنفسها عن قبول التعيينات الوزارية؛ ومن المرجح أن يخضع هذا الأمر للتغيير.

عالقون في رياح التغيير: السلطتان التشريعية والتنفيذية

لم يُتخذ الإجراء الصارم المتمثل في سحب الثقة من البرلمان إلا بعد أن رفض أعضاء المجلس الاستجابة لتحذيرات الأمير منذ توليه منصب ولي العهد. إن الجمود السياسي - الذي تجسد في حقيقة أن مجلس 2016 فقط هو الذي تمكن من إتمام ولايته الكاملة منذ عام 2003 - يعني أن الوضع الحالي أصبح مستنزِفاً. هناك سابقتان لتعليق العمل بالدستور وقعتا في عامي 1976 و1986 ولكن في ظل ظروف مختلفة إلى حد كبير. بعد ذلك، حاول البرلمان مراراً وتكراراً الحصول على معلومات دقيقة عن الوضع المالي للكويت - وخاصة الأنشطة المتعلقة بالنفط - وهو ما قوبل بحكومة عنيدة وتهديدٍ بالحل (الذي تحقق لاحقاً). وفي الوقت الحاضر، يهتم المجلس أكثر بتحقيق المكاسب قصيرة المدى لمختلف الدوائر الانتخابية؛ وقد كتبت كريستين ديوان - الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن - في تعليق لها أن الأولويات البرلمانية الأخيرة تنطلق من "منهجية شعبوية واضحة"، تتراوح بين زيادات رواتب موظفي الدولة إلى إصلاحات في قانون المناقصات العامة لرفع شرط كون الوسطاء التجاريين محليين. وإن قصر النظر هذا يعني أن البرلمان أغفل دوره الأهم؛ وهو ممارسة دور المراقب الموثوق للحكومة.

وعلى الرغم من الإشارات المتكررة من الأمير بأنه لن يتسامح مع أي تجاوزات، إلا أن النواب المنتخبين حديثاً في انتخابات أبريل/نيسان 2024 تجاوزوا حدودهم، وأصبح واضحاً في إعلان الأمير للجمهور في وقت لاحق أن البرلمانيين كانوا يتدافعون خلف الكواليس للتأثير على التعيينات الوزارية، وعلى اختيار من يخلف الأمير في الحكم؛ وهو الأمر الأكثر إثارة للقلق. وإذا كانت القيادة قد عقدت الآمال في أن تسفر الانتخابات الأخيرة عن نظام جديد للأمور، فعلى الأرجح أن هذه الآمال قد خابت بسبب أن التركيبة البرلمانية لم يتغير منها سوى 22%. هذه النتيجة تعني أن البرلمان الجديد كان بالروح الصدامية نفسها مثل سابقه، العزاء الوحيد في الأمر هو نسبة المشاركة الجيدة للناخبين، والتي بلغت 62.1%. وبما أنني كنتُ مراقباً دولياً مدعواً لانتخابات هذا العام وانتخابات يونيو/حزيران 2023، أستطيع القول إن جو الإرهاق والانزعاج قد أثر عليّ بشكل كبير.

كانت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما اجتمع 30 نائباً لرفض عودة وزير الدفاع والداخلية فهد اليوسف علناً؛ وهو الأمر الذي اعتبره الأمير تحدياً لصلاحياته الأميرية في تعيين وزرائه، وهي المسألة التي تعرض لها لاحقاً في خطابه الذي أعلن فيه حل البرلمان، علاوة على ذلك؛ استنكر الأمير محاولات التدخل في حقه الحصري في اختيار ولي العهد. كتب حمد البلوشي - الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة الكويت - في فصل من كتاب بعنوان "نظام سياسي في أزمة" أنه بما أن الحكم في الكويت ليس وراثياً، بل يتحرك أفقياً، فإن "التنافس داخل الأسرة الحاكمة […] كان ظاهرة واضحة داخل وخارج البرلمان"، ومن الواضح أن هذه المنافسة قد تفاقمت وأثارت غضب الأمير؛ وتجلت خطورة الموضوع في الاتهامات الأخيرة الموجهة إلى النواب (مساعد القريفة، وحمد العليان، وأنور الفكر) بتهمة تحدي السلطات الأميرية والطعن بمسند الإمارة، كما ينص عليه الدستور.

أسفر هذا الوضع الآن عن حكومة تعمل دون تأييد انتخابي، ويتعين عليها أن ترقى إلى مستوى التوقعات العامة العالية. تقدم الحكومة المشَكّلة حديثاً أربعة وجوه جديدة، مع مراعاة الحصص التمثيلية؛ وتحت قيادة أحمد العبد الله ذي الخبرة الواسعة - الذي شغل منصب رئيس ديوان ولي العهد، ومناصب وزارية أخرى - فإن التشكيل الحكومي يثير الدهشة؛ ففي حين أن تلك الحكومة تتكون من عدد قياسي من حاملي الدكتوراه، إلا أنها تضم ​​أيضاً أقل عدد من وزراء آل صبّاح؛ ذلك أن التقليد يقضي بأن يتولى أعضاء آل صباح ثلاث حقائب وزارية رئيسية، إلى جانب حقيبة رئاسة الوزراء: الداخلية والدفاع والشؤون الخارجية. لكن هذه المرة، يرأس واحد فقط من آل صباح – فهد اليوسف – وزارتي الداخلية والدفاع، وهو ليس مرشحاً مؤهلاً للخلافة الأميرية بسبب نسبه. إن استبعاد العديد من أعضاء آل صباح من الحكومة الحالية يدل على أن عملية التدقيق الداخلي جارية لاختيار وريث لكرسي الحكم؛ ومع ذلك، فإن حكومة التكنوقراط ليست كافية؛ بل لا بد من اتخاذ تدابير جريئة وحاسمة لانتشال الكويت من حالة الركود.

الانتعاش الاقتصادي مطلبٌ عاجل

بمجرد التخلص من الجمود السياسي، تظهر الحاجة الماسة إلى الإصلاحات على الجبهة الاقتصادية. يشير تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في سبتمبر/أيلول 2023 إلى أن "التغييرات المتكررة للحكومة، والمأزق السياسي بين الحكومة والبرلمان؛ قد أعاقت إصلاحات مالية وهيكلية مهمة"، وينصح التقرير نفسه بإدخال مراجعات واسعة النطاق مثل "تقليص فاتورة الأجور [العامة]"، "والإلغاء التدريجي لدعم الطاقة"، وتحسين "النمو الذي يقوده القطاع الخاص غير النفطي" لاستيعاب القوى العاملة الشابة التي تدخل إلى السوق حديثاً. وقد ردد صدى هذه النتائج عصام الطواري - الأكاديمي الكويتي والشريك الإداري في شركة نيوبري للاستشارات الاقتصادية - حيث قال لكاتب المقال في محادثة شخصية إن "برنامج خصخصة القطاعات الحكومية المستهدفة قد توقف، وهو ما أدى إلى ضياع العديد من الفرص"، واستشهد بأمثلة مثل تعطيل رفع مستوى الخدمات البريدية والتأخير في خصخصة الخطوط الجوية الكويتية، وعزا ذلك إلى "الافتقار إلى الإرادة السياسية" و"رفض البرلمان أي خطة حكومية من شأنها أن تهز قاعدة ناخبيهم".

كما أن هناك خطة رئيسية أخرى فقدت زخمها؛ وهي المنطقة الاقتصادية الشمالية (مدينة الحرير) التي تضم ميناء مبارك الكبير المخصص للاستثمارات الصينية. كان ناصر الصباح – نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق – هو الذي يقود هذه المبادرة، لكنها واجهت في وقت لاحق عراقيل برلمانية، وتم تجميد المشروع الآن. إن مشروعاً ضخماً بهذا الحجم إذا عُرض الآن سوف يزود القيادة الكويتية بزخم متجدد لدفع البلاد إلى الأمام، وفي الوقت نفسه سيعمل على تعظيم الاستفادة من السنوات الأربع التي لن يتوقف خلالها الأداء الحكومي على موافقة البرلمان. ومن المفيد هنا أن نلاحظ أن الأمير مشعل قد عاد مؤخراً من جولته في الشرق الأوسط، ومن الممكن أن تكون النجاحات الاقتصادية التي حققها جيرانه قد شجعته على المضي قدماً، للخروج من الركود الذي تعيشه بلاده.

لغز ولي العهد

يظل السؤال الأكبر في السياسة الكويتية هو مسألة التتابع على الحكم. لا يزال منصب ولي العهد شاغراً، وهذا الأمر له آثاره على طبيعة الحكم - خاصة الحياة البرلمانية - حيث يبلغ عمر الأمير الحالي 83 عاماً. ودون الحاجة إلى موافقة البرلمان على ترشيح ولي العهد، يتمتع الأمير بمساحة أوسع لالتقاط الأنفاس والقيام باختيار دقيق ومضمون. لم تستغرق بداية ولاية الأمير مشعل السابقة في منصب ولي العهد سوى سبعة أيام بعد وفاة المغفور له الشيخ صباح الأحمد. وبالانتقال سريعاً إلى الوقت الحاضر، فقد مر نصف عام على حكم الأمير الحالي دون إشعار بوجود خليفة له، مع ملاحظة أن القيادة الكويتية تعتبر الآن هي الأكثر تقدماً في السن على مستوى منطقة الخليج. وقد قال أحد أفراد عائلة الصباح الحاكمة والمقرب من دائرة القيادة الداخلية للكاتب في محادثة شخصية - بشرط عدم الإفصاح عن هويته - إن هناك معارضة قليلة بين كبار أعضاء الأسرة الحاكمة – على الأقل أولئك الذين هم رجال دولة سابقين أو حاليين - بشأن اختيار ولي عهد شاب؛ وإن انتظار الأمير مشعل للحظة المناسبة في عملية صنع القرار يدل على أن النظر في ولي عهد أصغر سناً - خروجاً عن تقليد الأقدمية - أمرٌ جدي.

أما بالنسبة لأعضاء محددين من آل صباح الذين تشتعل بينهم المنافسة، فمن الممكن أن يكون هناك حصان أسود بينهم. فربما يكون للاقتصادي محمد الصباح – الذي درس في جامعة هارفارد، والذي ترك منصب رئيس الوزراء مؤخراً – فرصة أكبر من الآخرين بالنظر إلى مؤهلاته المتميزة. بيد أن رفضه الخدمة في الحكومة دون ضوابط تشريعية قد يكون له عواقب وخيمة؛ مع ملاحظة أن منصب ولي العهد في مأمن من الاستجوابات الوزارية التي قد يتعرض لها رئيس الوزراء. هناك مرشحون آخرون محتملون – لكن فرصهم ضعيفة – مثل أحمد النواف؛ نجل الأمير الأخير، ورئيس الوزراء السابق، إلى جانب أحمد الفهد، الذي جاءت المفاجئة بتعيينه في منصب وزير الدفاع السابق. أقول إنهم مستبعدون بالنظر إلى دورهما في الحكومة المستقيلة التي حمَّلها الأمير مشعل تبعة تخريب المصالح العامة. وإذا ظلت الأقدمية شرطاً أساسياً، فإن ناصر المحمد (83 عاماً)، ابن شقيق الأمير الذي شغل منصب رئيس الوزراء من عام 2006 إلى عام 2011، سيكون خياراً معقولاً. أما المرشح الأصغر سناً فهو صباح الخالد (71 عاماً)، الذي أدار حقائب مختلفة تتراوح بين الأمن والدبلوماسية قبل أن يصبح رئيساً للوزراء من عام 2019 إلى عام 2022. عادة ما تكون المهارات في الحنكة السياسية هي المفضلة، على الرغم من أن خلفية الأمير مشعل في مجال الأمن والاستخبارات هي استثناءٌ من القاعدة. وبغض النظر عن ذلك، يجب أن ينحدر ولي العهد من سلالة مبارك الصباح، الحاكم الثامن للبلاد.

معاناة صغيرة لتحقيق مكاسب كبيرة؟

من الواضح أن هناك مشاكل مزمنة يجب على القيادة الكويتية معالجتها؛ سيكون الاستقرار السياسي الآن بمنزلة شرط أساسي للتنمية الاقتصادية. ومن الأهمية بمكان أن عدم وجود مؤسسةٍ ما – مجلس الأمة – لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه إغلاقٌ للباب أمام التجربة الديمقراطية في الكويت. إن السوابق المعروفة للبرلمان الحالي - مثل مجلسي 1921 و1938 - أمثلة على أن البلاد قطعت شوطاً طويلاً. أما حل البرلمان فإنه يمهد الطريق نحو إجراء إصلاحات إدارية طال انتظارها، والتي ستؤثر على مستوى المعيشة، مثل صيانة الطرق. وإن الاستجابة العامة الصامتة نسبياً تجاه التدخل الأميري تشير إلى الارتياح. إن ما نحتاجه بشكل عاجل هو خطة شاملة تدفع البلاد إلى الأمام.

إن الطريق الديمقراطي في الكويت يتلخص بشكل أفضل في الحكم المشترك بين الحاكم والمحكوم. فعندما عُلّق عمل البرلمان عام 1986، ظهرت حركة ديوانيات الاثنين بعد ثلاث سنوات، وكانت بمنزلة تذكير بأن الضوابط على السلطة التنفيذية تتجاوز مجرد وجود هيئة منتخبة. وبمرور الوقت، وبينما يتوقع الكويتيون بشكل متزايد استئناف الحياة البرلمانية، يجب عليهم أيضاً ألا ينسوا معايير الحريات المدنية التي تشمل حرية الصحافة والحق في عقد تجمعات عامة. وفي نهاية المطاف، فإن الدستور نفسه يوفر الأمل بهذا الصدد؛ حيث تنص المادة 175 على أن أي تعديل يجب أن يعمل على "زيادة ضمانات الحرية والمساواة".

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.