مقدّمة
تهتم هذه الدّراسة بمُباحثة المشهد النّقابي في الجزائر، بالتركيز على نقابتي الصحة والتربية كنموذج للعمل النّقابي. نهدف إلى الإجابة عن سلسلة من الأسئلة المتعلّقة أساسا بالأدوار المنوطة بهذه النقابات وما تضطلع به داخل المشروع النّقابي والاجتماعي. ويتمّ ذلك في ضوء المتغيّرات السياسية وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية. على الرغم من التراكمات التاريخية، تنظر الورقة في بعض المفترقات التاريخية التي أسهمت في حضور النقابات وتعزيز نشاطها ونضالاتها. تهتم الورقة بالخصوص بما أنجزته النّقابات منذ صدور قانون 1990، والقطيعة ما بين مرحلة الحزب الواحد والتعددية الحزبية. فقد لعيت النّقابات المستقلّةi دوراً نضاليّاً هامّاً، برز من خلال نشاطاتها في الميدان، مما جعلها قوة يُحسب لها حساب كبير.
الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي عرفتها عدة قطاعات منذ سنوات التسعينيات إلى حدود 2018، تشهدت على الجهد المضني الذي تبذله النّقابات المستقلّة والمعاناة التي تواجهها بسبب التضييق من قِبل السلطات، سواء من خلال المراقبة أو سن قوانين تقيد حركِيتها وحريتها. ومع كل ذلك، لم يثنيها هذا عن تحقيق بعض المطالب وانتزاع بعض المكاسب.
منذ بداية التعددية النّقابية، شهد قطاعا الصحة والتربية تشكيل أكبر عدد من التنظيمات الوظيفية والخَدمية، حيث كانت تتفرّع بشكل مستمر. في قطاع التربية، وصل العدد إلى 23 نقابة، بينما ضمّ قطاع الصحة 13 نقابة - وفقاً لبيانات وزارة العمل – مع تنوّع كبير في فئات الموظّفين داخل هذين القطاعين. ساعد هذا التوسع على ظهورهما كأكثر النقابات حركية من حيث الاحتجاجات المطلبية. تتناول هذه الدراسة عن حضور هذه النّقابات في ظل المتغيِّرات الاجتماعية والسياق السياسي العام في الجزائر، متسائلة: ما هو دورها في المشروع النقابي في الجزائر؟ هل سيكون حُضور نقابتي الصحة والتربية في المستقبل شكليا مقارنة بفترة ما قبل حراك 2019؟ كيف ستتفاعل النّقابات المستقلة مع القانون الصادر في 2023 المتعلق بممارسة الحقّ النّقابي والوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب؟
وللإجابة على هذا المطلب العلمي، تتمحور الدراسة حول العناصر التالية:
- التعددية وظهور النقابات المستقلة، وتحديات قانونية.
- التداخل بين السياسي والنقابي في نقابات الصحة والتربية في خضم الربيع العربي والحراك الشعبي.
- نقابات الصحة والتربية كرائد المشروع النقابي بالجزائر.
- التحديات والانقسامات وتقديم مستقبل العمل النقابي.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.