مقدمة:
نحو حلقة وصل: ربط العمليات التشاركية بالنزاع والانهيار البيئي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
سامي كايد، وتوبياس زومبريغل، وحسام حسين
يجتمع صناع السياسات الدولية بمعدلٍ متزايد لمناقشة الانهيار البيئي —الناتج عن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والإفراط في استخراج الموارد الطبيعية والتلوث— سعيًا إلى تحقيق الالتزامات التي صاغها اتفاق باريس للمناخ في عام 2015، والتعهد الدولي الصادر عام 2022 بحماية 30% من اليابسة بحلول عام 2030، وقرار عام 2022 بشأن حق الإنسان في بيئةٍ نظيفة وصحية ومستدامة، في إطار موضوعات مثل "الاستثمار في كوكبٍ صالح للعيش للجميع" (مؤتمر الأطراف لتغير المناخ COP29)، و"فكر عالمي وإجراءات محلية" (قمة التنوع البيئي COP15)، و"الحلول الفعالة والشاملة" (الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة).
منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، سلطت الجهات الفاعلة المتضررة بدرجاتٍ متفاوتة من التدهور البيئي — بما في ذلك جماعات الشعوب الأصلية، ونشطاء البيئة المحليين، ومجتمعات خطوط المواجهة، وحركات المقاومة الشعبية— الضوء على أوجه الظلم وغياب المساواة المتأصلة في الأبعاد السياسية والاجتماعية والتوزيعية للانهيار البيئي. ومع ذلك لا تزال المشاركة الشاملة والتمكينية في العمليات الأممية تشهد تقدمًا طفيفًا .
تتجلى هذه المخاوف على وجه الخصوص في النزاعات المتعلقة بتوزيع الموارد وتقاسم الأعباء والحوكمة القابلة للتطبيق. رغم الانتقادات المتزايدة، لا تزال القمم والمفاوضات الأممية قاصرة عن دمج الآليات والأدوات لتحقيق الانتقال العادل على مختلف المستويات.
وبالرغم من تأكيد الباحثين على ضرورة صياغة أكثر وضوحًا لمبادئ العدالة والمشاركة الشاملة بوصفهما أسس عابرة لمختلف القطاعات لصنع سياسات قائمة على الأدلة، غالبًا ما يُعتبر التعامل العميق مع هذه القضايا خارج نطاق أنظمة الأمم المتحدة وأهداف التنمية المستدامة والكثير من منظمات المجتمع المدني التي تسترشد بها.
هذا التناقض يخلق فجوات كبيرة، حيث يتم باستمرار المطالبة بتطبيق النهج التشاركية لحل هذه التناقضات أو مواجهة هذه الانتقادات. لكن على مدار العقود الماضية، انتقد كثيرٌ من الباحثين ومنظمات المجتمع المدني التطبيق السطحي والاستعراضي وغير الصادق للنهج التشاركية، بحجة أنه ابتعد كثيرًا عن أصوله الراديكالية والتحويلية وإمكاناته.
كما تطالب بعض منظمات المجتمع المدني، وخاصةً المنظمات ذات التوجهات الشعبية، بإدماج حقيقي للجميع في عمليات صنع القرار لتحقيق نتائج تحويلية. يشمل ذلك إدراج معارف وممارسات وأهداف ورؤى الجهات الأكثر تأثرًا بالانهيار البيئي. ومع ذلك، فإن تأثيرها على الدوائر الداخلية للعمليات الدبلوماسية الرسمية لا يزال محدودًا.
بدلًا من ذلك، غالبًا ما تستجيب الجهات الدولية وصناع السياسات للانتقادات والضغوط بإشراك استعراضي، وأحيانًا استغلالي لمجموعات الخطوط الأمامية في محاولةٍ لإظهار الشمولية وبناء المصداقية. انتقل هذا النشاط أيضًا إلى الأوساط الأكاديمية، مما مكَّن من ممارسة الضغط على الدبلوماسية وعملية صنع القرارات الأممية نظرًا لتأثير الخبراء التقليديين. ولكن هذا أيضًا لم يؤدِّ إلى نتائج عادلة وتحويلية.
يمكن للصعوبات في العدالة التوزيعية والإجرائية والاعترافية والإصلاحية ─إلى جانب تقاطعاتها وتأويلاتها المختلفة وفقًا للمجتمعات المحلية المتضررة ─أن تصبح أكثر تعقيدًا وحدَّة وإلحاحًا في سياق حلقة الوصل بين الانهيار البيئي والنزاعات.
في هذا السياق، يُترَك الناجون من النزاعات لمواجهة واقع مليء بالتحديات، مثل السُمِّية المرتفعة والموارد الطبيعية المتضررة أو المهلَكة والخدمات العامة المتعثرة والأمراض المنقولة بيئيًا والتشريد والنزوح والعجز وهبوط المساعدات الأجنبية بشكل عشوائي، دون تنسيق كافٍ مع المجتمعات المحلية المتضررة، وتحقيق المصالح الخارجية على حساب المصالح المحلية في ظل الاضطرابات البيئية العالمية.
مع ذلك، تواجه هذه الجماعات المُهمَّشة تلك التحديات التي تمثِّلها حلقة الوصل هذه بالمقاومة والصمود والتكيف والنزعة الجماعية وإحياء التقاليد في صورة الابتكارات الشعبية وبيئات المقاومة. في حين يسلط الأكاديميون وصناع السياسات الضوء تدريجيًّا على أهمية هذه الصلة الحرجة ونطاقها المتسع، إلا أن البحث في هذا المجال لا يزال مجزأً من الناحية المنهجية، والمعرفية، والوجودية.
يؤدي هذا التجزؤ إلى الحد من التطبيق العملي للدراسات وعدم قدرتها على دمج الأبعاد المتداخلة للعدالة، مما يقلل من فعاليتها في معالجة التحديات الناشئة عن الانهيار البيئي والصراع.
مما يزيد من هذا الجمود، تمحورت الأفكار حول حلقة الوصل هذه عادةً ضمن "نماذج الأمن الكلاسيكية وفق معاهدات ويستفاليا". تحدد تعريف الأمن البيئي بالأساس من خلال عدسة واقعية أو نيوليبرالية، مع تركيز معظم الدراسات بصورةٍ تقليدية على ديناميكيات القوة العالمية. يشمل هذا التركيز غالبًا البنية السياسية للدول والتحالفات والأقاليم والمناطق، مفترضًا حتمية النزاع.
على الرغم من أن الدراسات الحديثة ركزت بشكل أكبر على التعقيد والنزاعات داخل الدول، والعنف بدلًا من محاولة إنشاء رابط سببي مباشر بين التغيرات البيئية والنزاعات، إلا أن المنظورات (النيومالتوسية) حول النزاعات مثل ─"حروب المناخ"، أو "الحروب على الموارد"، أو "حروب المياه" ─ لا تزال تجذب اهتمام العديد، خاصةً من خارج الأوساط الأكاديمية.
ومع ذلك، يمكن تقديم حجج قوية لفهم أسباب ونتائج النزاعات والانهيار البيئي فهمًا عميقًا من خلال منهجيات دورية، ومتبادلة، ومتسارعة في السببية. يمكن أن تصبح العوامل السببية داخل حلقة الوصل هذه آثارًا أو تنعكس أدوارها أو تعمل داخل حلقة أو أكثر من حلقات التغذية الراجعة.
يدعو هذا التعقيد الباحثين إلى التشكك أحيانًا في التحيزات ضد الحتمية الاختزالية. ومن خلال التعامل مع عدم التحديد الذي يتضمنه تحليل الأسباب والنتائج، قد تتجلى سبل تشاركية جديدة ومهمة لاستكشاف حلقات الصلة.
أسهم هذا الإدراك جزئيًّا في ظهور الدراسات النقدية ─ بدءًا من الدراسات العابرة للحدود وصولًا إلى مدرسة باريس─ مع التركيز المتزايد على الأمن البشري في العلاقات الدولية، مما حول الانتباه بعيدًا عن الدولة بوصفها المرجع الوحيد ووحدة التحليل الأساسية.
رغم ازدياد تركيز هذه الدراسات على الأفراد والجماعات المحلية، بما في ذلك قدرتهم على الصمود وهشاشتهم تجاه التغيرات في هذه الصلة ─بما في ذلك أشكالها الخفية، مثل "العنف البطيء" ─ إلا أنها لا تزال تقدم أدلة قليلة حول كيفية الاعتراف بالجهات الفاعلة المحلية والمهمشة ودمجها بوصفها مشاركين نشطين. هذا القصور يعيق تطوير عمليات متنوعة لتحسين صياغة المشكلات، والإنتاج المشترك للمعرفة، وإحداث التغيير البنَّاء.
إن الحاجة المعترف بها لتحسين دمج أبعاد العدالة المتداخلة وإشراك أفراد وجماعات خطوط المواجهة في عمليات الأمم المتحدة تحمل آثارًا أخلاقية وأمنية إنسانية وتقاسمًا للمنافع عند محاولة دراسة حلقة الوصل بين الانهيار البيئي والنزاعات، حيث يجري البحث والعمل في بيئات معقدة ومثيرة للجدل وعالية المخاطر. ترتبط العمليات التشاركية عادةً ببناء سبل أكثر تنوعًا للمعرفة وتحسين قابلية تنفيذ المعرفة المُنتجة، وتحديد فرص إحداث التغيير والتوصل إلى الإجماع عليها، وخلق بيئة تُمكن من صنع قرارات قرارات أكثر اطلاعًا وإنصافًا وتمكينًا. ولكن في مناطق النزاع والتفكك الاجتماعي، يمكن للشمول أن يُعرِّض المشاركين لخطرٍ أكبر متمثلٍ في المشقة والهجوم وتفاقم اختلالات توازن القوى، ويحث دون قصدٍ على الانهزامية.
تستكشف مجموعة الأوراق البحثية هذه تصورات حلقة الوصل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ودوافعها ونتائجها، كما تسلط الضوء على العمليات التشاركية للبحث والعمل في هذا المجال استجابةً لدعوة برنامج الأمم المتحدة الأخيرة "للمساعدة الشاملة" "والتعاون مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين" (UNEP/EA.6/RES.12)، إلى جانب الدعوات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "لإشراك المجتمعات المحلية المُهمَّشة.. في صنع القرارات" (UNSC SG/SM/22133). هذه الفصول ثمرة مجموعة عمل استمرت لمدة عام لدراسة حلقة الوصل هذه الصلة، شارك فيها خبراء من مختلف دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في هذا المنشور، يُفهَم النزاع على أنه حالة من العنف المُسلَّح أو البطيء الواقع على جماعات سكانية من طرفٍ أو أكثر ─سواء أكان العنف في طبيعته من الدولة أو من جهات غير حكومية أو بشكل أحادي الجانب. إضافةً إلى ذلك، فالنهج التشاركية، رغم جذورها المتمثلة في تمكين الفئات المُهمَّشة، تُفهَم بوصفها إجراء منظم يُشرِك بدرجات متفاوتة الأشخاص المتأثرين مباشرةً بأحد القرارات في عملية صنع القرارات لتحقيق نتائج أكثر صلةً ونفعًا لطرفٍ أو أكثر من الأطراف المعنية.
باستخدام الأبحاث النظرية والتجريبية المحدودة على هذا الموضوع، مع الفصل بين الخطاب التشاركي والنتائج على المستويين الوطني والدولي وأخذ المعرفة والممارسات المحلية في الحسبان، تقدم هذه المجموعة اعتبارات منهجية وأخلاقية نابعة من سلسلة من دراسات الحالة في مختلف دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهكذا، نطرح الأسئلة التالية:
- كيف ومتى تظهر النهج التشاركية وتعالج الفجوات في الآليات التقليدية لإدارة القضايا البيئية، وخاصةً في سياق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
- ما الاعتبارات الأخلاقية والمنهجية الرئيسية لدمج البحث والعمل التشاركي عند دراسة حلقة الوصل بين النزاعات والانهيار البيئي؟ وكيف يمكن تكييف هذه الاعتبارات مع السياقات السياسية والاجتماعية المتنوعة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
- كيف تُسهِم وجهات النظر المنطلقة من القاعدة إلى القمة في فهمٍ أدق لحلقة الوصل بين المناخ والنزاع وتأثيراتها على انعدام الأمن البيئي والأمن البشري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
يتمثل الهدف الرئيسي لهذا المنشور في إفادة الأوساط الأكاديمية والسياسية بشأن التصورات حول مفاهيم ونتائج حلقة الوصل بين النزاع والبيئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتطبيقات (الخاطئة) للعمليات التشاركية، والاعتبارات العملية التي قد تكون أكثر ملائمة لحلقة الوصل، على أمل تعزيز إمكاناتها التحويلية عبر مختلف المستويات.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.