فرضت الحكومة السودانية في يوم 13 أبريل/نيسان إغلاقاً كاملاً في ولاية الخرطوم واتخذت بعض الإجراءات الأخرى من أجل التصدي للجائحة. وفي ظل تولي حكومة انتقالية زمام الأمور في البلاد ومع وجود قطاع صحي مهمل منذ سنوات، كيف ستواجه الجهات الفاعلة السودانية الحكومية وغير الحكومية انتشار فيروس كورونا؟ وكيف ستؤثر الجائحة على التحول السياسي في البلاد؟
ما هو مدى انتشار كوفيد-19 في السودان حالياً؟
حتى يوم 25 مايو/أيار، سُجلت 4,146 حالة مؤكدة في البلاد من بينها 184 حالة وفاة، موزعة في الولايات على النحو التالي: (3,331) حالة في الخرطوم، (278) حالة في الجزيرة، (121) حالة في شمال كردفان، (114) حالة في القضارف، (91) حالة في سنار، (33) حالة في جنوب دارفور، (15) حالة في ولاية نهر النيل، (13) حالة في الولاية الشمالية، (37) في كسلا، (9) حالات في غرب كردفان، (28) حالة في شمال دارفور، (21) حالة في النيل الأبيض، (19) حالة في غرب دارفور، (10) حالات في البحر الأحمر، (11) حالة في شرق دارفور، حالتان في وسط دارفور، (5) حالات في جنوب كردفان، (8) حالات في النيل الأزرق. وهذا يعني أن جميع ولايات السودان الثمانية عشر قد تأثرت بالوباء. وقد أُجريت الفحوصات في المعمل القومي للصحة العامة في الخرطوم ومعهد النيل الأزرق للأمراض السارية في ولاية الجزيرة. وإلى الآن أُجري 7423 اختبار (حوالي 400 اختبار في اليوم).
ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتصدي لفيروس كورونا؟
بدأت وزارة الصحة الاتحادية في السودان عندما اندلعت الجائحة، مثلها في ذلك مثل بلدان أخرى عديدة، فحص المسافرين الواصلين إلى البلاد عبر منافذها المختلفة وجمع بياناتهم. وفي بداية مارس/آذار، شكل مجلس الوزراء الحاكم ومجلس السيادة الانتقالي "اللجنة العليا للطوارئ الصحية" لتنسيق الجهود الحكومية وغير الحكومية الرامية إلى مكافحة جائحة كوفيد-19. تألفت اللجنة من أعضاء من وزارة الصحة، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ووزارة الخارجية، ووزارة الداخلية، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ووزارة المالية وكذلك رئيس بنك السودان المركزي وممثلين عن الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، واللجنة هي المسؤولة عن إصدار جميع الإجراءات واتخاذ التدابير المتعلقة بجائحة كوفيد-19، وعادة ما تستند قراراتها إلى مشورة وزير الصحة السوداني والمعلومات التي يقدمها.
في 12 مارس/آذار، بدأت الحكومة في تشديد إجراءات دخول المسافرين من الدول المتضررة إلى السودان. وأرسلت وزارة الصحة فرقاً لمراقبة المعابر الحدودية مع دول الجوار ووفرت المعدات اللازمة لمراكز العزل في الولايات التي توجد بها تلك المعابر. وبدأت أيضاً في متابعة أوضاع السودانيين في الخارج، خصوصاً المتواجدين في الدول التي سجلت حالات إصابة بفيروس كورونا. وفي 13 مارس/آذار، سجلت الحكومة أول حالة إصابة (ووفاة) بمرض كوفيد-19، وأعلنت بعد يومين إغلاق جميع المدارس والجامعات. وفي 16 مارس/آذار، أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني حالة طوارئ صحية في البلاد، مع إغلاق الحكومة كافة المطارات والموانئ والمعابر الحدودية البرية باستثناء الرحلات التي تحمل المساعدات الإنسانية والدعم الفني ورحلات الشحن الجوي المجدولة مسبقاً.
منذ الإعلان عن أول حالة إصابة بمرض كوفيد-19، كثفت وزارة الصحة إجراءات مكافحة انتشار الفيروس من خلال نشر مزيد من الموظفين والمعدات في المعابر والمطارات. وخصصت أيضاً عدة مبانٍ في الخرطوم (برج الضمان وسط الخرطوم والمستشفى العالمي "مستشفى يونيفرسال" في الخرطوم بحري) وفي كثير من عواصم الولايات الأخرى لعزل الأشخاص القادمين من الدول المتضررة (خاصةً العائدين براً من مصر). وكان من المقرر عزل جميع الوافدين من الدول المتضررة دون إجراء فحص لهم. لكن هذا الإجراء لم يكن فعالاً مع عدم امتثال كثير من هؤلاء المعزولين للإجراءات. فقد هرب عدد كبير من الأشخاص (يُقدر بالمئات) من أماكن العزل أو رفضوا العزل أصلاً. فعلى سبيل المثال، استطاع كثير من العائدين براً من مصر الفرار من الحافلات التي تقلهم إلى مراكز العزل. واشتكت وزارة الصحة أيضاً من انخفاض معدلات المتابعة مع الأشخاص الذين دخلوا السودان لأن كثيراً منهم كتبوا أرقام هواتف مزيفة في استمارات الفحص.
لجأت الحكومة أيضاً إلى الشرطة لفرض حظر تجول جزئي من 8 مساءً إلى 6 صباحاً في الخرطوم، بدءاً من 24 مارس/آذار. وفي 30 مارس/آذار، قررت الحكومة تمديد حظر التجول ساعتين إضافيتين (ليبدأ من 6 مساءً وينتهي في 6 صباحاً) ومنحت جميع الموظفين الحكوميين الذين تبلغ أعمارهم 55 عاماً فأكثر وكذلك الحوامل والمرضعات أجازة مدفوعة الأجر حتى إشعارٍ آخر. واتخذت بعض شركات القطاع الخاص خطوات مماثلة لدعم العاملين لديها. وشكل وزير العمل والتنمية الاجتماعية لجنة لتلبية احتياجات الأشخاص الأكثر تضرراً من تدابير الحجر الصحي.
في 13 أبريل/نيسان، أعلنت السلطات فرض إغلاق كامل في ولاية الخرطوم وحظرت التجمعات ومنعت تأدية صلاة الجمعة في المساجد بالخرطوم وبعض المناطق مع تفشي الفيروس خارج العاصمة، ووصوله إلى ولايات سودانية أخرى.
اعتباراً من 25 مايو/أيار، أسست وزارة الصحة في ولاية الخرطوم ووزارة الصحة الاتحادية 5 مراكز لعزل وعلاج الحالات المصابة بمرض كوفيد-19، وهي: مستشفى الخرطوم التعليمي (110 سريراً)، ومركز عزل جبره جنوب الخرطوم (110 سريراً)، والمستشفى العالمي في الخرطوم بحري (319 سريراً)، ومستشفى المعلم في الخرطوم (250 سريراً).
ما مدى شفافية الحكومة فيما يتعلق بجائحة كوفيد-19؟
للمرة الأولى في تاريخ السودان، يشهد المواطنون هذا القدر من الشفافية من قبل وزارة الصحة، ووزير الصحة الذي لا يَهَاب قول الحقيقة. ففي ظل النظام السابق، كان وباء الكوليرا يُصيب السودان كل عام، وكانت وزارة الصحة تُسميه "الإسهال المائي الحاد". ولم يُقدم وزير الصحة على قول الحقيقة ويُعلن عن تفشي وباء الكوليرا في البلاد إلا بعد عام 2019، عندما تولت قيادة جديدة زمام الأمور في البلاد. تُصدر يومياً تقارير تتضمن المعلومات والمستجدات حول جائحة كوفيد-19 وتُنشر من خلال منصة مركز الإعلام والمعلومات التابع لوزارة الصحة. فضلاً عن توجيه وزير الصحة نفسه وأحياناً وزير الثقافة والإعلام، نداءات وتصريحات مهمة وتفاصيل عن التعليمات التي يتعين اتباعها.
ما هي استراتيجية الحكومة لمواجهة جائحة كوفيد-19 وما مدى نجاحها حتى الآن؟
في أبريل/نيسان، وضعت وزارة الصحة الاتحادية بدعم من منظمة الصحة العالمية استراتيجية لمواجهة الجائحة على مستوى البلاد، تتضمن عدداً من التدابير من قبيل ضمان التنسيق والتخطيط والمتابعة على الصعيد الوطني، بالإضافة إلى إعداد سبل الرقابة والإشراف، وتجهيز فرق الاستجابة السريعة، والتحقق من حالات الإصابة والتعامل معها، وإنشاء مختبرات وطنية للاختبار، وتقديم الدعم التشغيلي والخدمات اللوجستية.
بالرغم من أن الأمم المتحدة طلبت من الجهات المانحة تمويلاً كبيراً (نحو 47 مليون دولار أميركي) لتطبيق هذه التدابير، فإن تنفيذها بنجاح يواجه تحديات عديدة. ومن بين هذه التحديات، ضعف النظام الصحي المفكك إلى حد كبير والذي يفتقر إلى التمويل، ويعاني ضعف البنية التحتية للمرافق الصحية (المستشفيات، ومراكز العزل، ووحدات العناية المركزة)، ونقص الإمدادات والمعدات الأساسية، فضلاً عن ندرة أطقم العاملين المدربين والمؤهلين تأهيلاً جيداً، ولا سيما خارج العاصمة. علاوةً على ذلك، تعاني قطاعات كثيرة في البلاد من سوء النظافة الصحية وعدم القدرة على الوصول إلى المياه والافتقار إلى خدمات الصرف الصحي المحسَّنة. بالإضافة إلى ذلك، يُثير الحصول على التمويل المُقترح من المانحين لمكافحة جائحة كوفيد-19 في السودان العديد من التساؤلات، نظراً إلى أن البلاد لا تعتبر بؤرة لانتشار مرض كوفيد-19 مقارنةً بالبلدان الأخرى. وفي ظل النقص الحالي في التمويل الذي تواجهه وزارة الصحة الاتحادية، فإن التنفيذ الفعّال للاستراتيجية الوطنية سيكون على المحك.
سيشهد تنفيذ هذه الاستراتيجية مزيداً من التعقيد بسبب النزاع الداخلي الأخير بين وزير الصحة والعديد من كبار موظفيه والهيئات المهنيَّة الصحية. ففي غضون شهر واحد، أقال وزير الصحة أكثر من أربعة من كبار موظفي وزارة الصحة، من بينهم مدير المعمل القومي للصحة العامة، ومدير مدير إدارة الصحة الدولية، والأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم، ومدير مركز الإعلام والمعلومات التابع لوزارة الصحة، والمدير العام لوزارة الصحة بولاية الخرطوم، لأسباب متعلقة بعدم إطاعة الأوامر وعدم الكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، في 11 مايو/أيار، قدّم خمسة من كبار موظفي وزارة الصحة (مدير الرعاية الصحية الأولية، ومدير التخطيط، ومدير الموارد البشرية، ومدير قسم ضمان الجودة، ونائب رئيس اللجنة العليا للطوارئ الصحية) استقالاتهم إلى الوزير. وارجعوا قرارهم إلى ما وصفوه "الافتقار إلى القدرة على اتخاذ القرار على نحو مُنظم، وانعدام التشاور وغياب الديمقراطية، مما أدى إلى تخبط العديد من القرارات التي اتخذت بشكل فردي دون الرجوع إلى فريق الإدارة العليا ودون مراعاة لدورهم الاستشاري".
طالبت العديد من الهيئات المهنيَّة الصحية والكيانات النقابية للأطباء وزير الصحة بالاستقالة بسبب "سوء إدارته لأزمة الجائحة"، ففي 13 مايو/أيار، أعلن مجلس السيادة أنهم قدموا توصية إلى رئيس الوزراء باتخاذ "الخطوات الدستورية اللازمة لإقالة وزير الصحة". لاحقاً رفض مجلس الوزراء هذا الموقف رفضاً قاطعاً، مما يعكس هشاشة العلاقة بين مختلف أطراف المرحلة الانتقالية.
غنيّ عن القول إن الصراع المتصاعد بين وزير الصحة ومعارضيه في الوزارة والقطاعات الصحية وفي مجلس السيادة الانتقالي، سيؤثر سلباً على تدابير مكافحة جائحة كوفيد-19 في وقت تشتد فيه الحاجة إلى توحيد الجهود وإلى قيادة قوية وملتزمة.
ما هي الجهات الحكومية الفاعلة المختلفة في مواجهة جائحة كوفيد-19؟
منذ اليوم الأول، شاركت مختلف الجهات في الجهود الرامية إلى مكافحة مرض كوفيد-19 في السودان، ولكن دون تنسيق يُذكر. لاحقاً، عُقدت عدة اجتماعات بين وزارة الصحة، ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمعات المحلية، ومختلف هيئات ونقابات المهنيين العاملين في مجال الصحة، لتحسين تنسيق الجهود لوقف انتشار الجائحة. وإلى جانب وزارة الصحة ووزارات الصحة التابعة للولايات، تضطلع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية الأخرى أيضاً بدور هام في مواجهة البلاد للجائحة حتى الآن:
- تولت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية (الاتحادية وفي ولاية الخرطوم) مهمة توزيع الأغذية وتقديم الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة خلال الإغلاق الكامل. فقد حددت 600 ألف أسرة محتاجة وفقيرة في ولاية الخرطوم وبدأت في إيصال سلة تحتوي على 11 مادة غذائية والإحتياجات المنزلية الأساسية لكل منها.
- تنسق مفوضية العون الإنساني جهود المنظمات غير الحكومية وتيسر أنشطتها ذات الصلة بمكافحة جائحة كوفيد-19.
- شكلت وكالات الأمم المتحدة العاملة في السودان (منظمة الصحة العالمية، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصندوق الأمم المتحدة للسكان)، "مجموعة العمل المعنية بجائحة كوفيد-19" لتنسيق جهودها وتقديم الدعم لوزارة الصحة في تنفيذ استراتيجية البلاد.
- اضطلعت المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية، بما في ذلك منظمات المجتمعات المحلية، بعدة أنشطة لمكافحة جائحة كوفيد-19، ولا سيما في الولايات، وركزت على الوقاية من العدوى ومكافحتها، وتبادل المعلومات المتعلقة بالمخاطر، والمشاركة المجتمعية.
- كان لقوات الأمن، وخاصة قوات الدعم السريع، دور فعال في التصدي للجائحة في السودان. ومع أن قوات الدعم السريع لا تتمتع بسمعة جيدة بين السكان بسبب دورها في فض اعتصام الخرطوم بعنف في يونيو/حزيران 2019، إلا أنها أنشأت مراكز للعزل، وقدمت الإمْدادات والأموال، ودعمت العاملين في المجال الطبي، ربما في محاولة لتحسين صورتها.
ما الدور الذي قام به المجتمع المدني والقطاع الخاص حتى الآن؟
في مارس/آذار، تشكلت المنصة السودانية لمواجهة فيروس كورونا (SPCC) من خلال مبادرة قام بها ممثلون من المجال الطبي والعديد من شركات الهندسة ومجموعات من القطاع الخاص ومتطوعون من المجتمعات المحلية إلى جانب المنظمات المجتمعية. وتتبع المنصة السودانية لمواجهة كورونا توجيهات وزارة الصحة الاتحادية والبروتوكولات التي وضعتها وقد أثبتت المنصة جدارتها وفاعليتها في جمع التبرعات وتدبير المستلزمات والتنسيق بين الجهات التابعة للقطاع الخاص الراغبة في المشاركة. وتتولى المنصة أيضاً إدارة التبرعات سواء كانت أموال أو مواد أو خدمات لتعويض النقص في الأدوية والمعدات ومستلزمات المختبرات ومعدات الوقاية الشخصية ومعقمات الأيدي والصابون، شاركت المنصة أيضاً في تأهيل مراكز العلاج والعزل وتجهيزها.
هل بإمكان المنظومة الصحية تحمل انتشار أوسع لكوفيد-19؟
ورثت الحكومة الانتقالية الجديدة منظومة صحية ضعيفة ومتداعية للغاية، لم يخصص النظام القديم لها سوى 1% فقط من الموازنة، وكانت سعة المستشفيات السودانية 0.8 سرير لكل ألف شخص عام 2013. وعندما اندلعت الجائحة في السودان، كان عدد الأسرّة في وحدات العناية المركزة يُقدر بنحو 500 سرير فقط في البلد بأكمله. زادت الحكومة الانتقالية الإنفاق في قطاع الصحة بصورة ملحوظة ليصل إلى 9% من موازنة 2020 التي أُعلنت في 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، في خطوة بالغة الأهمية إذ تجاوزت الميزانية المخصصة للقطاع الصحي (51.4 مليار جنيه سوداني) للمرة الأولى منذ عقود ميزانية الدفاع (50 مليار جنيه سوداني) بنسبة قليلة. بدأت القيادة الجديدة لوزارة الصحة الاتحادية إعادة هيكلة المنظومة الصحية فيما يتعلق بالسياسات والبنية التحتية والموظفين، لكن هذه الجهود توقفت بسبب الجائحة. وتعاني المنظومة الصحية حالياً من نقص المختصين وقلة الإمدادات واللوجيستيات والعجز الشديد في أعداد الموظفين والمستلزمات في المنشآت الصحية.
وستكون فترة ما بعد أزمة كوفيد-19 فرصة جيدة للقيادة الجديدة لبناء منظومة صحية أقوى ولزيادة الاستثمار في المنشآت الصحية والمختصين. وإذا تمكنت المنظومة الصحية العامة في السودان من استيعاب صدمة الجائحة واحتوائها والحيلولة دون ازدياد أو انفجار عدد الحالات، عندها ستستفيد من الأموال والموارد واللوجيستيات التي خصصتها على عجل للاستجابة لأزمة كوفيد-19، الأمر الذي قد يساهم في تغيير السياسات الصحية وأولويات التمويل الحكومي. إذ إن أهم الدروس المستفادة من مأساة كوفيد-19 هو أن الطب الوقائي لا يقل أهمية عن الطب العلاجي، إن لم يكن أهم، وأن ثمة حاجة لمزيد من الاستثمار في هذا المجال لتعزيزه، لا سيما وأن معظم التمويل الشحيح أصلاً الذي خصصه النظام السابق لوزارة الصحة الاتحادية كان يذهب في الخدمات العلاجية.
هل ترى أن الوضع السياسي الراهن في السودان يؤثر على استجابة الحكومة لأزمة كوفيد-19؟
أعتقد أن الوضع السياسي لا يحول دون تقديم استجابة إيجابية وكافية لمكافحة الوباء. صحيح أن الحكومة الانتقالية أتت بعد 30 عاماً من الديكتاتورية التي تركت البلاد في حالة يرثى لها، إلا أن الشعب السوداني يثق كثيراً في هذه الحكومة ويعلق عليها آمالاً كبيرة، يتجلى ذلك بوضوح في سيل الدعم المنهمر من المجتمع والقطاع الخاص والمتمثل في التبرعات المالية وكذلك المساهمات التطوعية من أفراد المجتمع لمواجهة أزمة كوفيد-19. يشعر الشعب، للمرة الأولى، أن الحكومة ممثلةً، في وزارة الصحة الاتحادية، صادقة معهم وتزودهم بأخبار دقيقة عن كوفيد-19، وذلك بعد أن عانوا لمدة 30 عاماً من القمع وحجب المعلومات حتى تلك المتعلقة بالقضايا الصحية.
ومن جهة أخرى، أثر الإغلاق على الحياة السياسية في السودان وتسبب في توقف الفعاليات والجولات السياسية التي كانت تنظمها الأحزاب المختلفة استعداداً للانتخابات المقرر إجراؤها بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي ستستغرق ثلاثة أعوام. وأدت إجراءات الإغلاق أيضاً إلى إيقاف أو تقليل عدد المسيرات والاحتجاجات التي تحولت مؤخراً إلى ظاهرة شائعة في حياة العديد من السودانيين. وفي حين تلتزم القوى الثورية التي قادت انتفاضة ديسمبر/كانون الأول 2018 والتي تدعم الآن الحكومة الانتقالية بإجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي، حاول مؤيدو النظام السابق أكثر من مرة تنظيم مسيرات تطالب الحكومة بالتنحي. وقد فرقت قوات الأمن، التي اتخذت من حالة الطوارئ الصحية ذريعة للقمع، هذه المسيرات بسرعة.
ما هو وضع أزمة كوفيد-19 في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال؟
في 30 مارس/ آذار، واستجابةً لجائحة كوفيد-19، أصدر مالك عقار، قائد أحد فصيلي الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، بياناً يحث الجميع على اتخاذ أقصى الاحتياطات ويسلط الضوء على هشاشة مخيمات اللاجئين والنازحين داخلياً والمخاطر المرتفعة المعرض لها هؤلاء. وطلب من الناس تجنب التجمعات ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم خاصةً للأشخاص الذين تزيد أوضاعهم من تعرضهم للخطر. أما المناطق التابعة للحلو (قائد الفصيل الآخر التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال)، فقد عقدت السلطة الصحية الفعلية اجتماعات عديدة حول التصدي لجائحة كوفيد-19 ولمناقشة حملات التوعية والوقاية وكيفية إدارة الحالات المحتملة إذا تطلب الأمر. وكتدبير وقائي، أغلقت كافة المدارس مؤقتاً في المنطقتين.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.