ملخص تنفيذي
من هو المندرج في "المجتمع المدني" والوظيفة التي يفترض أن يؤديها - لا سيما في مجال العمل السياسي - لا يزالان محل جدل كبير (إدواردز، 2024). فمن ناحية، أصبح تحقيق التغيير السياسي، والدمقرطة على وجه الخصوص، عنصرًا أساسيًا من عناصر المجتمع المدني في الأنظمة غير الديمقراطية بعد ما يسمى "الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي" (إبراهيم 2015: 46-47). من ناحية أخرى، فإن سيطرة الدولة المتزايدة على مساحة عمل المجتمع المدني لفتت الانتباه إلى حقيقة أن الدول تعتمد على هذه المساحات لتثبيت نظام سياسي معين (بوب وولف، 2017). حتى في الديمقراطيات الراسخة، كان "التسييس" المتزايد لعمل المجتمع المدني محركًا رئيسيًا للقيود المفروضة على مساحة عمله (كما أظهر هومل 2022 في حالة ألمانيا على سبيل المثال).
في المغرب، أقل ما يقال عن موقف النظام الملكي تجاه المجتمع المدني أنه كان ملتبسًا. وبعيدًا عن الرؤى التحليلية التي تؤكد جهود النظام لترويض هذا القطاع، تقر هذه الورقة البحثية بأن تنامي قدرة المجتمع المدني على التدخل في المجال العام دفع إلى إعادة تعريف استراتيجية النظام الملكي تجاهه (ساتر 2007). وفي هذا السياق، لا تشهد مبادرات تنمية المجتمع المدني التي يقودها القصر الملكي مثل "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" (التي أطلقت في عام 2005) على الأهمية التي توليها الدولة لهذا القطاع من المجتمع فحسب، بل سمحت للدولة بتعزيز سيطرتها على المجتمع المدني على المستوى المحلي (بيرغ 2012). ومع وجود أكثر من 240 ألف جمعية مسجلة رسميًا في المغرب، فإن خطة الحكومة لوضع "استراتيجية" رسمية جديدة للمجتمع المدني تؤكد اهتمام الدولة القوي والمستمر بهيكلة مساحة عمل المجتمع المدني والسيطرة عليه (وائل القرموني 2023).
ومن ناحية أخرى، فإن سيطرة النظام الملكي على المجتمع المدني بعيدة كل البعد عن أن تكون راسخة، وقد تعرضت لتحديات متكررة. فمن المشاكل المنهجية إلى المشاكل الأكثر تواترًا، كانت التحديات التي تواجه النظام من الأسفل إلى الأعلى، جزءًا ثابتًا من السياسة المغربية حتى قبل "ولادة" المجتمع المدني في التسعينيات، كما نعرفه اليوم، وإحياء السياسة على مستوى الشارع في أعقاب الربيع العربي. وقد شككت التعبئة واسعة النطاق التي شهدها حراك الريف عام 2017 في تلك التحليلات التي أعلنت أن النظام تمكن من ركوب موجات الاحتجاج المتتالية، وأعاد تركيز الاهتمام على مطالب الشارع المغربي (ماتيو ديستي وفيليو 2023). وعلى الرغم من القمع الشديد الذي تعرض له قادة حراك الريف، واصلت كوكبة واسعة من الفاعلين في الفضاءات العامة التعبير عن همومهم. ومن بين هؤلاء نجد المحامين والأطباء والأطر الطبية وأساتذة التعليم الثانوي وحتى موظفي الإدارات المحلية الذين يتصرفون بشكل جماعي، إما على أساس انتمائهم المهني، أو ضمن شبكة فضفاضة من الجمعيات والنقابات العمالية وهيئات التنسيق غير الرسمية. وعلى رأس الفئات المهنية كانت هناك تعبئة واسعة النطاق قائمة على أساس القضايا التي وحدت المغاربة من مختلف الفئات السكانية. وهذا هو حال الاحتجاج ضد إدارة الموارد المائية المحلية التي ظهرت في مناطق من البلاد، بما في ذلك فكيك وزاكورة وورزازات. لكن أوضح الأمثلة على الاعتراض على سياسات الدولة هي الاحتجاجات المتعلقة بالوضع في فلسطين، والتي بلغت أرقامًا قياسية منذ التصعيد المتواصل للعنف الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتشكك هذه الاحتجاجات بشكل أساسي في سياسات الدولة المغربية تجاه إسرائيل واستجابتها الشاملة للصراع الدائر - أو عدم وجودها.
ولم تمر هذه التعبئة المتزايدة دون رد من النظام. وضمن السياق الأوسع لـ"تصاعد القمع"، أثار مختلف المراقبين المحليين والدوليين مخاوفهم بشأن القمع المتزايد لمن يعتبرون معارضين سياسيين - بما في ذلك داخل المجتمع المدني (انظر على سبيل المثال هيومن رايتس ووتش 2022). قد لا يكون هذا الأمر مفاجئًا، خاصة وأن عجز الأحزاب السياسية عن تحقيق التغيير عزز الانطباع بأن المجتمع المدني يحتل مساحة المجتمع المدني كوسيلة للتحول السياسي (منى 2020: 83).
ومع ذلك، فقد أولي اهتمام أقل بكثير للطرق التي تتعامل بها الجهات الفاعلة في المجتمع المدني مع الدولة. وبالنظر إلى البعد السياسي الشديد لتنفيذ الإصلاحات وقبضة الدولة المُحكمة على الأولويات السياسية للبلاد، يتساءل هذا البحث: ما الذي يمكن أن نتعلمه من عقد من التعبئة ونشاط المجتمع المدني حول كيفية تعزيز الإصلاحات التقدمية وتفعيلها في المغرب؟
الهدف من هذا البحث هو فهم الدروس الرئيسية المستفادة من الجهود التي تبذلها الجهات الفاعلة التقدمية في المجتمع المدني لإحداث التغيير في المغرب. وللقيام بذلك، يركز البحث على تفاعل هذه الجهات الفاعلة مع أجهزة الدولة وعلى التأثير النسبي للبيئة الاجتماعية والسياسية الأوسع التي تتم فيها هذه التفاعلات. وسيتم تفكيك هذه المسألة على مراحل مختلفة. أولاً، سيستعرض البحث التطور في موقف الدولة تجاه المجتمع المدني. فمن التطورات المبكرة للمجتمع المدني إلى التحرير التدريجي للقطاع في أوائل التسعينيات، تهدف هذه المراجعة إلى فهم أين رسمت الدولة الخطوط الحمر لإدماج المجتمع المدني في اللعبة السياسية.
ولتحقيق ذلك، سيستعرض هذا البحث السياسات التي تنظم الحق في التجمع لجمعيات المجتمع المدني، لتسليط الضوء على الحدود التي يسهل اختراقها بين الجهات الفاعلة التي تسمح لها الملكية وأجهزتها بالمشاركة في المجال العام وتلك التي تواجه عقبات مستمرة. كما سيكون هذا الاستعراض فرصة لتقديم لمحة عامة واسعة عن قطاع المجتمع المدني في المغرب. وفي حين أن هذه النظرة العامة لا يمكن أن تكون إلا توضيحية في طبيعتها، فإن دراسة تطور المجتمع المدني ورسم خريطة لمكوناته المختلفة لهما هدف مركزي يتمثل في توضيح أن المجتمع المدني ليس قطاعًا متجانسًا. ولا يقتصر الأمر على أن الجهات الفاعلة في المجتمع المدني تشغل أدوارًا مختلفة وتؤدي وظائف مختلفة، بل إن لها أيضًا علاقات مختلفة مع سلطات الدولة وشرائح المجتمع الأخرى.
في الأساس، سيركز هذا البحث بشكل أساسي على دور الجهات الفاعلة التقدمية في المجتمع المدني ونضالاتها لإحداث التغيير. وعلى وجه الخصوص، ستسلط دراسات الحالة المختلفة الضوء على العلاقة بين الإجراءات التي يتم تنفيذها لتعزيز الإصلاحات التقدمية، والموقف النسبي للدولة تجاه هذه المبادرات، والبيئة الاجتماعية والسياسية الأوسع التي يتم فيها تنفيذ هذه الإجراءات. ستكشف دراسات الحالة هذه عن استراتيجيات هذه الجهات الفاعلة وتطورها عبر الزمن، كما أنها ستكون فرصة لصقل فهمنا لنظريات التغيير التي تعتمدها هذه الجهات الفاعلة.
يُظهر هذا البحث أن موقف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني من الخطوط الحمر للنظام الملكي يؤثر إلى حد كبير على استراتيجياتها ومجال المناورة لديها. فمن ناحية، تكتسب الجهات الفاعلة التي تقبلها إمكانية الوصول إلى الساحات الرسمية للمشاركة، بما في ذلك الهيئات الاستشارية المكلفة صراحةً بتطوير الإصلاح التدريجي. ويمكن أن يمكّنهم ذلك من إضافة قضية جديدة على جدول الأعمال العام والتأثير على سردية الإصلاح في مواجهة مقاومة المحافظين، سعياً إلى إحداث تغيير تدريجي. ومع ذلك، فإن هذه المشاركة المؤسسية تمنعهم أيضًا من توجيه انتقاداتهم إلى جوهر اللعبة السياسية - أي النظام الملكي نفسه. ومن ناحية أخرى، تقصى الجهات الفاعلة التي لا تقبل الخطوط الحمر للملكية من هذه المساحات، وعليها أن تستعرض قوتها عبر الاستيلاء على المساحات العامة - الرقمية والمادية على حد سواء. ويسمح لها هذا الإقصاء بالمطالبة بمزيد من التحولات الجذرية، بما في ذلك في المجالات المحجوزة للنظام الملكي، لكنه يرفع أيضًا من تكلفة مشاركتها
والأهم من ذلك، أظهر هذا البحث أن تجاوز الخطوط الحمر للنظام الملكي ليس بالمهمة السهلة. فبالإضافة إلى حقيقة أن انخراط المجتمع المدني في الإصلاحات التي تقودها الدولة يمكن أن يساهم في تعزيز التفوق السياسي للنظام الملكي، فإن أي تحدٍ مباشر لسلوك النظام الملكي يمكن أن يعرّض صاحبه لعقوبات شديدة. هذا لا يعني أن المجتمع المدني لم ينجح في التأثير على هذه الخطوط الحمر، بل يعني أن هذه العملية بعيدة كل البعد عن أن تكون مباشرة. فهي عرضة للتغيير بسبب اعتبارات محلية (مثل الحاجة إلى إعادة تأكيد شرعية النظام، أو الاستجابة لمطالب شعبية واسعة)، وكذلك بسبب اعتبارات خارجية محددة (مثل موجة الاحتجاج الشعبي في 2011 أو العدوان الإسرائيلي على غزة في 2023-2024). وعلى الرغم من أن عمل الفاعلين التقدميين في المجتمع المدني يبدو بعيدًا عن إحداث تغيير جذري في بنية النظام السياسي المغربي، إلا أن استمرارهم ونضالهم المستمر لتحسين أوضاع المغاربة يظلّان مدعاة للأمل.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.