الحرب على الحريات في ليبيا

© Stringer/Anadolu Agency الشعب الليبي يجتمع لإظهار العنف المستمر في البلاد في بنغازي ، 4 آب/أغسطس، 2014.

شهد العام الماضي زيادة تدعو للقلق في هجمات الجماعات المسلحة وقوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية والأمن الداخلي على المنظمات المدنية والنشطاء والصحفيين والمواطنين الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير والتجمهر. تلك الظاهرة المثيرة للقلق تعكس تنامي قوة وتأثير الجماعات المسلحة وحلفائها السياسيين، وهو ما يبين لنا اليوم إلى أي مدى استطاع الاستبداد المطلق ترسيخ أقدامه. يبدو الأمر كما وصفه جاك ماليه دو بان – أحد المفكرين المعاصرين للثورة الفرنسية – "تلتهم الثورة مشعليها، تماماً مثلما التهم زحل أطفاله"؛ وهو ما فعلته الانتفاضة الليبية بالضبط، فقد استنزفت مجتمعات بأكملها وأذكت نيران العنف والفوضى.

هذه الورقة ليست رثاءً لثورة 2011؛ لأنني إذ كنتُ طفلة أثناء اشتعال تلك الثورة، فما أسعى إليه هنا هو سرد قصة النهضة القوية ونضال المجتمع المدني في ليبيا، ولماذا يجب حمايته.

من أجل بناء تصور عن أهمية حماية المجتمع المدني، من الضروري النظر في الظروف التي ظهر فيها من جديد، والبيئة التي حاول العمل في ظلها بعد عام 2011، بعد فتح مساحة للنشاط المدني. ومن الأهمية بمكان أيضاً تسليط الضوء على كيف أن قلة خبرة الجهات الفاعلة في المجتمع المدني واهتمام المجتمع الدولي بتعجيل الانتخابات للتباهي بالتدخل الناجح كلها عوامل تؤثر على أجندة المجتمع المدني بشدة. وقد تجلى ذلك في الدعم المقدم للمجتمع المدني في الأشهر التي سبقت انتخابات المؤتمر الوطني العام، في الوقت الذي عززت فيه الحكومات الانتقالية الجماعات المسلحة لدعم مواقفها السياسية.

في السنوات التي أعقبت الانتكاس إلى هاوية الحرب الأهلية في عام 2014، تعامل المجتمع المدني الليبي مع أزمات مختلفة؛ من أجندة إنسانية تهيمن عليها المشكلات "الأوروبية" للهجرة من الجنوب، وسياسات مكافحة الإرهاب التي تؤدي إلى نتائج عكسية، ومئات من الجماعات المسلحة التابعة لحكومات مختلفة تمارس أفعالها في ظل إفلات تام من العقاب. ولكن رغم مواجهة العديد من المصالح المتضاربة والظروف القمعية العنيفة، لا يزال المجتمع المدني مستمراً في المساهمة بطرق مختلفة لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة، من خلال تقديم الخدمات التي تشتد الحاجة إليها، أو توثيق الانتهاكات، أو معالجة العديد من القضايا الاجتماعية مثل المصالحة والتنمية الاقتصادية والنزوح.

لا غنى عن استعادة الفضاءات المدنية وحمايتها إذا أريد لأي عملية سياسية أن تُفلِح أو أريد لتطوير محتمل يهدف إلى تحقيق الاستقرار أن ينجح؛ إذ يجب على الحكومات الانتقالية ضمان حرية التعبير. وفي ضوء هذه الاعتبارات، تختتم هذه الورقة بتوصيات لحماية وإدماج الفاعلين في المجتمع المدني.

ميلاد جديد في الحرب

عاد المجتمع المدني الليبي إلى الظهور في عام 2011 بعد عقود من القمع الذي تعرض له من نظام القذافي؛ إذ لم تكن هناك منظمات مدنية مستقلة. وبعد الانتفاضة، كان على المجتمع المدني الناشئ آنذاك أن يتعامل مع الحقائق المعقدة المتمثلة في ممارسة أنشطته مباشرة وسط النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية. في المرحلة المبكرة بين آذار/مارس وتشرين الأول/أكتوبر 2011، ركزت منظمات المجتمع المدني بشكل أساسي على تقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها للنازحين واللاجئين المتضررين من الحرب. كما نسقوا توصيل المساعدات الطبية والغذائية مع المناطق المحررة. وقد كان لهذا العمل دور فعال في ربط المعارضة بمجتمعات متنوعة في جميع أنحاء البلاد. لقد كانت تلك بداية صعبة ومليئة بالتحديات الكبرى؛ بيد أن هذا لم يمنع من تسجيل المئات من منظمات المجتمع المدني وحشدها لانتخابات المؤتمر الوطني العام المخطط إجراؤها في عام 2012.

ثم في 2012-2013، كانت أولويات المجتمع المدني هي التركيز على جهود إعادة الإعمار بعد الحرب، مع التركيز على صياغة الدستور، والعدالة الانتقالية، ومعالجة القضايا الاجتماعية المتمثلة في تهميش مجموعات السكان الأصليين، والدعوة لحقوق المرأة. شهدت السنوات التي تلت ذلك انتعاشة وصحوة جديدة للمنظمات المدنية؛ فوفقاً لتقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة، هناك ما يقرب من 1000 منظمة مجتمع مدني نشطة في مدن ليبيا الخمس: طرابلس وبنغازي ومصراتة وزوارة والزاوية. وهذا يدل على أن ليبيا كان لديها مجتمع مدني نشط وحيوي ومتنوع في ذلك الوقت،1Relief Web, “Libyan Civil Society Organizations Mapping launched: Joint Cooperation between UNDP and UNICEF – Libya” , 19 May 2015, https://reliefweb.int/report/libya/libyan-civil-society-organizations-mapping-launched-joint-cooperation-between-undp-and كما يعكس التزام الليبيين بالمساهمة في تنمية البلاد.

ورغم خبراتها المحدودة، استطاعت منظمات المجتمع المدني أن تضطلع بدور رئيسي في إجراء الانتخابات الأولى في ليبيا بنجاح؛ فقد شارك الأفراد والجماعات في مراقبة الانتخابات والتدريب ورفع مستوى الوعي بالمشاركة العامة. كما أظهرت المشاركة السياسية للمجتمع المدني الليبي في انتخابات عام 2012 إمكانات كبيرة وحققت نتائج جيدة، وكانت مدفوعة بجذور عميقة من الشعور بالأمل والانتماء لبناء بلد يحترم حقوق مواطنيه، ويضمن التحرر من الاضطهاد، ويعزز الازدهار الاقتصادي.

وخلال الفترة نفسها (2012-2013)، تمتع المجتمع المدني بإمكانية الوصول إلى الأماكن العامة، وكان يشهد نمواً متزايداً. وقد اتخذت أنشطته أشكالاً عديدة؛ منها الاحتجاجات وبرامج بناء القدرات وأعمال المناصرة وكسب التأييد.2Foundation for the Future, “Assessing the Needs of Libyan Civil Society: An Analysis of the Current Needs and Challenges of the Civil Society in Libya”, November 2011. https://www.icnl.org/wp-content/uploads/Libya_ASSESSING-NEEDS-OF-CIVIL-SOCIETY-IN-LIBYA.pdf كما ركزت العديد من المنظمات على القضايا السياسية، لا سيما مراقبة قرارات ومناقشات المؤتمر الوطني العام المنتخب. وهذا يسلط الضوء على الدور المهم الذي يضطلع به المجتمع المدني في مراقبة أداء الحكومة وضمان سير العملية السياسية بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية. بيد أن تلك المساحة لم تكن موحّدة في جميع أنحاء ليبيا؛ فقد ازدهرت بشكل رئيسي في طرابلس وبنغازي، في حين استمرت النزاعات في مناطق أخرى. كما اختفى أشخاصٌ أو اعتقلوا وانتُهكت حقوقهم لارتباطهم بنظام القذافي، وبدأت موجة الاغتيالات في بنغازي على قدم وساق مستهدفةً مجموعة متنوعة من الجهات والأفراد، منها شخصيات عسكرية ونشطاء ومدنيون، وسُجّل أكبر عدد من القتلى في عام 2014 بإجمالي بلغ 1471 قتيل.3Frederic Wehrey, “The Battle for Benghazi”, The Atlantic, 28 February 2014, http://www.theatlantic.com/international/archive/2014/02/the-battle-for-benghazi/284102/ بيد أن هذه البيئة العنيفة لم تمنع النشطاء والصحفيين من التحدث علانية، وتوثيق الانتهاكات التي ارتكبتها مختلف قوات الأمن التابعة للدولة، والقوات المسلحة العربية الليبية، والميليشيات الإسلامية، والجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. كما استمروا في المطالبة بالإصلاحات من أجل سن القوانين والأنظمة.

العودة للحرب

تبدلت حالة الانتعاشة التي عاشها المجتمع المدني إبان الحرب الأهلية عام 2014. فقد أسفرت التوترات المتصاعدة بين المعسكرات السياسية المتنافسة في طرابلس عن استئناف الصراع المسلح بعد انتخابات حزيران/يونيو 2014. ترسم العديد من الروايات عن أحداث ذلك الصيف صورة ثنائية للفصائل التي تصطف في معسكرين متعارضين؛ فجر ليبيا وكرامة ليبيا. ومع ذلك فقد كانت التحالفات خلال تلك الفترة متعددة الطبقات، ومؤقتة، ومدفوعة بمصالح مشتركة في صراعات محلية محددة. ففي 16 آيار/مايو 2014، أطلق خليفة حفتر - الضابط السابق في جيش القذافي الذي انشق خلال الحرب الليبية التشادية في السبعينيات وعاد في عام 2011 - عملية كرامة ليبيا في بنغازي لإنهاء العنف السائد في المدينة. تقدمت حملة حفتر وامتدت إلى ما وراء بنغازي مستهدفة العاصمة طرابلس في محاولة لتوطيد سلطته، ثم اقتحم أنصار حفتر برلمان طرابلس.4Daveed Gartenstein-Ross and Nathaniel Barr, “Dignity and Dawn: Libya’s Escalating Civil War.” Terrorism and Counter-Terrorism Studies 6(1), February 2015). http://dx.doi.org/10.19165/2015.1.01

ترتب على ذلك تقلص المساحة المتاحة لمنظمات المجتمع المدني بشكل كبير، مع استهداف واغتيال العديد من النشطاء. وقد دفع هذا منظمات المجتمع المدني إلى وقف عملياتها أو العمل في الخفاء، مما قلل لاحقاً من وضوح عملها في القضايا السياسية. ومن ثم تحول تركيز المجتمع المدني مرة أخرى إلى المساعدات الإنسانية، وأعمال الإغاثة، وتقديم الخدمات، وهو ما عزز تصوراً جديداً لدور المجتمع المدني في سياق حكومة مركزية فاشلة.5Jean-Louis Romanet, “Libya’s Untold Story: Civil Society Amid Chaos.” Middle East Brief, no. 93. 2015, https://www.brandeis.edu/crown/publications/meb/MEB93.pdf.

بجانب الهُوّة الجغرافية الشاسعة وضعف البنية التحتية، أدت حرب 2014 إلى تعميق الانقسام بين المنطقتين الشرقية والغربية في ليبيا. كما منعت المخاوف الأمنية الليبيين من السفر بين المناطق، مما زاد من عمق الانقسام. دفع هذا الواقع المجتمع المدني إلى تنفيذ مشاريع في تونس المجاورة، حيث يجتمعون لمناقشة عملهم واكتساب المهارات التي من شأنها أن تعود بالنفع على مشاريعهم داخل وطنهم. منظمات المجتمع المدني في الشتات إما تعمل جزئياً في الخارج، أو كانت أعضاء في شبكات حافظت على وجودها أثناء الإشراف أو المساعدة في تنفيذ مشروع. وقد سمح ذلك للجهات الفاعلة من جميع أنحاء البلاد بالاجتماع على أسس محايدة والتعاون في مختلف القضايا. ومع ذلك، قد يكون نقل مشاريع المجتمع المدني بعيداً عن بقية المجتمع قد ساهم جزئياً في انتشار المعلومات المضللة حول المجتمع المدني الليبي داخل الرأي العام الأوسع.

بيد أن وجود المجتمع المدني في تونس أتاح له فرصة للمساهمة في محادثات السلام في عام 2016، وهي عملية قادتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL). فقد كانت ممارسة الضغط والدعوة من منظمات وجماعات المجتمع المدني أمراً حيوياً للاتفاق غير السياسي الذي سعى إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع. كان للتوصيات التي قدمها المجتمع المدني تأثير كبير على الاتفاقية النهائية، فمن نتائج جهوده مثلاً، تضمين وحدة تمكين المرأة في مادة من الاتفاقية، بالإضافة إلى سلسلة من المواد المقدمة لمعالجة مظالم الشباب، بما في ذلك الأحكام المتعلقة بالفرص الاقتصادية والحاجة إلى نزع السلاح.6Libyan Political Agreement, 2015. https://unsmil.unmissions.org/sites/default/files/Libyan%20Political%20Agreement%20-%20ENG%20.pdf

القيود الرسمية والهجرة إلى الفضاء الإلكتروني

تتطلب أعمال المجتمع المدني الليبي وآثاره على مدى عقد من النزاع مزيداً من البحث والتحليل. ومع ذلك، من الواضح أن الجهات الفاعلة في المجتمع المدني اضطلعت بدور حيوي في سد الفجوات التي خلقتها الحكومات المتحاربة. وقد أثار ذلك مخاوف داخل السلطات الحكومية وأدى إلى اعتماد قائمة تنظيمية في عام 2016 تهدف إلى تقييد منظمات المجتمع المدني ومراقبتها. هذه التدابير، إلى جانب حالات الاختفاء القسري، وترويع المشاركات المدنية، والاتجاه داخل المجتمع إلى إلقاء اللوم على الطرف الخطأ فيما يخص قضايا الأمن القومي، ساهمت بشكل كبير في تراجع المجال أمام المجتمع المدني. واستغلت منظمات المساعدات الدولية مهام تقديم الخدمات التي يقوم بها المجتمع المدني، مما أدى إلى هيمنة الجهات الفاعلة الخارجية على الخطط الإنمائية. وقد تسبب ذلك في وجود بيئة تنافسية أعاقت إلى حد ما التضامن بين المنظمات المدنية وأدت إلى التنافس على التمويل، والتمييز تجاه المنظمات المعتمدة، مما أدى إلى أن يكون جزء كبير من منظمات المجتمع المدني مجرد منفذين وليسوا عناصر فاعلة للتغيير.

فضلاً عن عدم قدرة منظمات المجتمع المدني على الوصول إلى الفضاءات العامة أو العمل على القضايا التي تصفها مختلف الفصائل السياسية والجماعات المسلحة بأنها "حساسة"، بما في ذلك قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي والأيديولوجيات السياسية الليبرالية والحريات الفردية. وقد أدت هذه الرقابة إلى قيام العديد من المبادرات الشبابية بنقل أنشطتها إلى الفضاء الإلكتروني بين عامي 2016 و2019. أثارت المشاركة المدنية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي جدلاً حول قدرة وفعالية ممارسة الأنشطة عبر الإنترنت في تحقيق تغيير حقيقي. في ليبيا، قدمت وسائل التواصل الاجتماعي منبراً تشتد الحاجة إليه للعديد من مشاريع الشباب لمناقشة وزيادة الوعي بمختلف القضايا الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالحقوق والهويات. بيد أنه خلال الحرب التي قادها حفتر على طرابلس عام 2019، والتي أدت إلى استقطاب المجتمع المدني، سرعان ما تحول الفضاء الإلكتروني إلى مساحة تنتشر فيها المعلومات المضللة. استغلت حكومة الوفاق الوطني هذا السياق من النزاع لإصدار المرسوم التشريعي رقم 578 لعام 2020 الذي يهدف إلى مكافحة الإرهاب. وقد منح هذا المرسوم صلاحيات لـ “جهاز قوة الردع" الخاصة"، المعروفة أيضاً باسم "الردع"، لتحديد ما يشكل خطراً أمنياً على الإنترنت واعتقال المشتبه بهم على هذا الأساس.

في أيلول/سبتمبر 2022، وضع مجلس النواب الليبي إجراءات صارمة فيما يتعلق بالفضاء الإلكتروني بإصدار قانون "مكافحة الجرائم الإلكترونية". ويمنح هذا التشريع السلطات الليبية سلطة حجب ومنع أي محتوى رقمي ينشر "النعرات" أو "الأفكار" التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو المساس بسلمه الاجتماعي.7OMCT, “Libya: Law against cybercrime threatens human rights”, 21 November 2022, https://www.omct.org/en/resources/news-releases/libya-law-against-cybercrime-threatens-human-rights صيغة هذا البند من القانون غامضة وقابلة للتأويلات المختلفة، مما يترك مساحة كبيرة لتقديرات قوات الأمن في تنفيذه. وقد تكلل توقيت إصدار هذا القانون باعتقال الناشطين والصحفيين ومضايقتهم عبر الإنترنت.

اتخذت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا مزيداً من الخطوات لتقييد المجتمع المدني من خلال اقتراح لائحة جديدة لحرية إنشاء الجمعيات في تموز/يوليو 2021. وبموجب هذا الاقتراح الجديد، يُطلب من المنظمات غير الحكومية القائمة أن تسجل نفسها لدى الحكومة بدلاً من مفوضية المجتمع المدني التي كانت السلطة المسؤولة عن تسجيل المنظمات المدنية رسمياً بموجب القانون السابق 19/2001. وتتضمن اللائحة الجديدة بنوداً من شأنها أن تمنح الحكومة سلطة رفض تسجيل المنظمات غير الحكومية ومنعها من فتح حسابات مصرفية. ويُشترط على المنظمات غير الحكومية الحصول على إذن قبل قبول التبرعات والتواصل مع المنظمات غير الحكومية الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة.8Freedom House, Libya Country page, https://freedomhouse.org/country/libya/freedom-world/2022 ونتيجة لذلك، لم تمتثل لهذه اللوائح سوى منظمات المجتمع المدني التي تنفذ مشاريع للمنظمات الدولية. ونظراً إلى تقاعس الحكومة المركزية في تطبيق هذه الإجراءات، اختارت العديد من المنظمات عدم الامتثال لهذه اللوائح، على الرغم من خطر تعرضها للمضايقات والاعتقال.

في 8 آذار/مارس 2023، أصدرت إدارة القانون، بالمجلس الأعلى للقضاء، فتوى قانونية تنص على "عدم شرعية الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني" جميعاً، والتي جرى إنشاؤها بعد 2011، (باستثناء تلك المسجلة بموجب القانون رقم 19 لعام 2001 الذي صدر في عهد القذافي)، وبالتالي، فإنها تنهي فعلياً المنظمات المدنية المستقلة والحريات الفردية. وسرعان ما حذت الحكومة حذوها في 13 آذار/مارس عندما أصدر مدير إدارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بديوان رئاسة الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا التعميم رقم 5803، الذي طلب فيه من الإدارات المختصة بسحب تراخيص جميع المنظمات غير الحكومية التي أُنشئت منذ عام 2011.9"Libyan organizations call on authorities to stop draconian laws and civil society crackdown”, Libya Herald, 7 April 2023, https://libyaherald.com/2023/04/libyan-organizations-call-on-authorities-to-stop-draconian-laws-and-civil-society-crackdown/

محاولة البقاء من أجل التواجد

تزداد البيئة التي يحاول فيها المجتمع المدني في ليبيا البقاء عدائية وتحدياً. وتواجه حملة سياسية متعمدة للقضاء على الحريات، وتتسم بوجود مئات الجماعات المسلحة التي تعمل دون محاسبة، ودعم إنمائي دولي لا يتماشى دائماً مع احتياجات وأولويات المجتمع المدني المحلي. بالإضافة إلى ذلك التحدي الكبير المتمثل في الموقف السلبي للمجتمعات الليبية تجاه المنظمات المدنية، نتيجة لسنوات من حملات التشويه والثقة الضعيفة المستمرة منذ عهد القذافي والذي كان يشكك في أي شخص يتعاون مع جهات فاعلة أجنبية.

وبعد مضي اثني عشر عاماً على الحرب الأهلية، استمرت الحكومات المختلفة في ارتكاب الانتهاكات ضد المدنيين. وقد أدت منظمات المجتمع المدني، وستظل تؤدي، دوراً حاسماً في ضمان ألا تنسى مثل هذه الجرائم، وأن تتحقق العدالة في نهاية المطاف للضحايا، حتى في بيئة ينعدم فيها القانون مثل ليبيا.

ولتحقيق ذلك، لا بد من توفير الدعم والحماية العاجلين للمجتمع المدني الليبي من خلال إنشاء هياكل وآليات لمساءلة القادة السياسيين والعسكريين عن معاملتهم لمنظمات المجتمع المدني وأنشطتها. وعلى المجتمع الدولي أن يشترط لأي عمل يضطلع به في العمليات السياسية الحالية أو المستقبلية حماية المنظمات المدنية ودعمها. ويجب على المنظمات الدولية ومجتمع المانحين إعطاء الأولوية لسلامة وحماية الناشطين في برامجها ومبادراتها واستخدام نفوذها على الحكومة للدعوة إلى إطلاق سراح المحتجزين ووقف حملات الاعتقال. وينبغي معاملة المجتمع المدني الليبي على أنه شريك متساوٍ في الحوارات السياسية، بما يكفل إدماجه ومشاركته على نحو ملائم.

من الضروري أيضاً أن يتحد المجتمع المدني الليبي المتواجد في الشتات ويتعاون لحماية المنظمات والناشطين العاملين في ليبيا والدفاع عنهم. فضلاً عن التضامن بين مختلف الجهات الفاعلة المدنية الذي يُعد أمراً بالغ الأهمية، ولا بد من تبني إستراتيجية وطنية لمكافحة هذا التحدي الاستبدادي الذي يواجهه المجتمع المدني. وعلى الرغم من أن القلة القليلة قد يجادلون في أن التغيير يجب أن يكون مدفوعاً من الليبيين أنفسهم، يجب على الجهات الفاعلة التي تشارك في جهود تعزيز الاستقرار في البلاد إعادة تقييم نهجها وإعادة النظر في العوامل التي من شأنها أن تسفر عن استقرار دائم ومن يجب أن يكون على طاولة الحوار لمناقشة ذلك.

 

Endnotes

Endnotes
1 Relief Web, “Libyan Civil Society Organizations Mapping launched: Joint Cooperation between UNDP and UNICEF – Libya” , 19 May 2015, https://reliefweb.int/report/libya/libyan-civil-society-organizations-mapping-launched-joint-cooperation-between-undp-and
2 Foundation for the Future, “Assessing the Needs of Libyan Civil Society: An Analysis of the Current Needs and Challenges of the Civil Society in Libya”, November 2011. https://www.icnl.org/wp-content/uploads/Libya_ASSESSING-NEEDS-OF-CIVIL-SOCIETY-IN-LIBYA.pdf
3 Frederic Wehrey, “The Battle for Benghazi”, The Atlantic, 28 February 2014, http://www.theatlantic.com/international/archive/2014/02/the-battle-for-benghazi/284102/
4 Daveed Gartenstein-Ross and Nathaniel Barr, “Dignity and Dawn: Libya’s Escalating Civil War.” Terrorism and Counter-Terrorism Studies 6(1), February 2015). http://dx.doi.org/10.19165/2015.1.01
5 Jean-Louis Romanet, “Libya’s Untold Story: Civil Society Amid Chaos.” Middle East Brief, no. 93. 2015, https://www.brandeis.edu/crown/publications/meb/MEB93.pdf.
6 Libyan Political Agreement, 2015. https://unsmil.unmissions.org/sites/default/files/Libyan%20Political%20Agreement%20-%20ENG%20.pdf
7 OMCT, “Libya: Law against cybercrime threatens human rights”, 21 November 2022, https://www.omct.org/en/resources/news-releases/libya-law-against-cybercrime-threatens-human-rights
8 Freedom House, Libya Country page, https://freedomhouse.org/country/libya/freedom-world/2022
9 "Libyan organizations call on authorities to stop draconian laws and civil society crackdown”, Libya Herald, 7 April 2023, https://libyaherald.com/2023/04/libyan-organizations-call-on-authorities-to-stop-draconian-laws-and-civil-society-crackdown/

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.