الجزائر: النقابات المستقلة والانتقال الديموقراطي المتعثر

تنشر مبادرة الإصلاح العربي هذه الورقة ضمن سلسلة أوراق حول النقاقات المهنية المستقلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ممكن الإطلاع على الأوراق البحثية الأخرى هنا.

تقديم عام للدراسة وأهم الأسئلة

سننطلق في بداية هذا التحليل بتقديم تاريخي قصير للتجربة النقابية في الجزائر لقياس عمقها التاريخي، ومنطلقاتها العقائدية، وأهم محطاتها التاريخية. لنقدم بعد ذلك شروط ظهور النقابات المستقلة بالشكل الذي ظهرت فيه، وكيف تطورت مع الوقت، من حيث مطالبها وقواعدها العمالية، وما ميزها من أشكال مطلبية، كالإضرابات الطويلة المكررة، وعلاقاتها مع المحيط المؤسساتي السياسي الرسمي، الذي يحيل بشكل مباشر إلى الأدوار المنجزة من الفئات الوسطى الأجيرة المؤهلة في ظرف سياسي وأمني مضطرب، يعيش تحولات اقتصادية مهمة، أخافت هذه الفئات الوسطى التي تعودت على الاستفادة من حماية الدولة الوطنية الريعية، ما جعلها تتجه نحو العمل النقابي والمطلبي الجديد عليها.

فئات وسطى أجيرة، مؤهلة، اشتغلت منذ استقلال البلاد كـ"مخلب قط سياسي "و جزء مهم من القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي داخل مؤسسات الدولة الوطنية، عندما تعلق الأمر بالتجربة النقابية والحزبية والإدارية، باعتبارها جزءاً أساسيًّا من بيروقراطية الدولة. ناهيك على أدوار الترويج الأيديولوجي التي أنجزتها من داخل المنظومة التعليمة والدينية والإعلامية الرسمية التي احتكرت أجزاء أساسية من مهامها، نتيجة تأهيلها وتحكّمها في استعمال اللغتين العربية والفرنسية، في مجتمع غلبت عليه الأمية في سنوات الاستقلال الأولى، قبل أن ينتشر العليم لاحقاً، وتفقد هذه الفئات جزءاً من وظائفها هذه.

لنركز في الجزء الأساسي من هذه الدراسة على أدوار النقابات المستقلة والنقابيين كأفراد ونخب. وهي تبرز إلى السطح لاحتلال مواقع في المخاض السياسي الذي عاشته الجزائر، وهو يطالب بالتغيير الديموقراطي، بُعيد مرحلة الربيع العربي 2012 التي انطلقت بحركات احتجاجية في جانفي 2011 أعادت إنتاج الشكل السائد من الاحتجاج الشعبي التي عرفت به الحالة الجزائرية، لغاية انطلاق الحراك الشعبي في 2019، بما عرف به من تميز على أكثر من صعيد، وما تلاه من أحداث كانتشار وباء الكورونا والأزمة الاقتصادية بكل تداعياتها الاجتماعية والسياسية.[i]

مرحلة عرفت حيوية كبيرة على المستوى السياسي، بانطلاق تجربة ندوة زرالدا[ii] التي طرحت فيها مسألة الانتقال الديموقراطي، من قبل مجموعة كبيرة من أحزاب المعارضة، من كل أنواع الطيف السياسي والفكري، لأول مرة في التاريخ السياسي الجزائري، حول مطالب سياسية محددة.[iii] تعددت فيها أشكال مشاركة الحركة النقابية، من خلال تنظيمات نقابية، فيما فضلت بعض القيادات النقابية المشاركة كشخصيات عمومية، حفاظاً على دورها النقابي الذي يفرضه عليها القانون[iv]، وخوفاً على وحدة النقابات ذاتها التي تتشكل من مناضلين من مختلف الحساسيات السياسية، ليسوا متفقين بالضرورة على نفس الآراء السياسية.[v] موقف لم يمنع بعض النقابيين من المشاركة كشخصيات وطنية معروفة، من دعم هذا المسار الانتقالي، في وقت تحولت فيه النقابات المستقلة إلى فاعل جماعي مركزي، على مستوى المطالب الاجتماعية.

تمت هذه الفعاليات، في ظرف سياسي تميز باستفحال أزمة النظام السياسي، رفض أثناءها إصلاح نفسه، في وقت توفرت فيه شروط كثيرة، كان يمكن أن تُستغل لإنجاز انتقال ديموقراطي سلس، توفرت له على الأقل، ثلاثة شروط أساسية مهمة مساعدة، كتحسن الوضع المالي للبلد الذي كان يمكن أن تغطي كلفة الانتقال في جوانبها الاجتماعية، بما يمكن أن يتخذ من قرارات اقتصادية واجتماعية غير شعبية. إضافة إلى بروز توجه فكري جديد، ساد اجتماعياً، يركز على المطالب الاقتصادية الاجتماعية شعبياً، ذات القابلية للتفاوض والحلول الوسطى، بدل سيادة الطرح الثقافوي والديني الذي كان سائداً خلال فترة التسعينيات. تحول إلى حاجز فعلي أمام قدرة مختلف الأطراف على التفاوض والذهاب نحو حلول توافقية.[vi]

وكانت النتيجة الدخول فيما يشبه الحرب الأهلية، كلفت الجزائر الكثير بشرياً ومادياً. البعد الدولي والإقليمي الضاغط هو الآخر كان عاملاً مساعداً للذهاب نحو إصلاحات سياسية، أعطى النظام بعض المؤشرات للقبول بها بالإعلان عن تعديل دستوري وفتح الاستثمار في المجال السمعي البصري للقطاع الخاص، وإصدار قانون جديد للجمعيات والأحزاب. إصلاحات لم ترقَ إلى ما كانت تطالب به المعارضة، وما كان يقتضيه الوضع السياسي للبلد الذي بدأت إشارات كثيرة توحي بأنه ذاهب إلى الانفجار والقطيعة مع النظام. كما تؤكد سنوات قليلة بعد ذلك في فيفري 2019، ما يجعلنا نركز على هذه المحطة السياسية التي زاد فيها منسوب المطالبة بالانتقال الديموقراطي، للتعرف إلى دور النقابات ضمن هذا السياق الذي أكد استعصاء النظام السياسي الجزائري على التغيير، ورفضه الدخول في عملية انتقال ديموقراطي. اعتماداً على تجربته التاريخية، وما استخلصه منها من دروس، تحولت مع الوقت إلى عقيدة سياسية راسخة لدى المؤسسات والنخب السياسية والعسكرية الرسمية.

أهم الأسئلة وإشكالية الدراسة

سيكون من الصعب فهم التجربة التعددية التي انطلقت مع النقابات المستقلة، بالشكل الذي تمت به وشروط ظهورها، من دون العودة إلى تلك هذه التجربة النقابية التاريخية[vii] بما ميزها من قواعد اجتماعية-مهنية وأدوار داخل عالم الشغل وخارجه، في علاقات هذه التجربة النقابية بالمحيط السياسي المؤسساتي الرسمي، خلال مدة استمرار هذه التجربة 1962/1988، المتشابهة مع مثيلاتها العربية والإفريقية في الكثير من الجوانب، خلال هذه الفترة التاريخية التي تميزت بالأحادية الحزبية والنقابية.

فقد احتكرت النقابة الأحادية - الاتحاد العام للعمال الجزائريين (l’union générale des travailleurs algériens -UGTA) العمل النقابي في القطاعين القانونيين العام والخاص داخل كل قطاعات النشاط الاقتصادي-صناعة خدمات وإدارة عمومية، باستثناء القطاع الزراعي الذي تكفل به الاتحاد العام للفلاحين الجزائريين، تنظيم فقد طابعه المطلبي بعد التحولات التي عرفها القطاع الزراعي في الجزائر بعد سيطرة أصحاب الملكيات الصغيرة والمتوسطة، على حساب اليد العاملة الزراعية الأجيرة التي خفت روحها المطلبية، نتيجة التحولات العديدة التي عرفها عالم الفلاحة في الجزائر، وهو ينتقل من الملكية الخاصة الكبيرة والمتوسطة للمعمّرين الأوروبيين إلى التسيير الذاتي بعد الاستقلال، للوصول إلى مرحلة الثورة الزراعية، وأخيراً العودة إلى الخصخصة التي تمت في بداية التسعينيات.

انطلقت الممارسة النقابية في القطاعين الصناعي والخدماتي، بعد الاستقلال أساساً داخل القطاع الخاص الذي مثل القاعدة الأساسية للنشاط الاقتصادي لغاية منتصف السبعينيات. المرحلة التي بدأ فيها القطاع العام المملوك من قبل الدولة في البروز كقطاع اقتصادي منافس، نتيجة تأميم الشركات الاقتصادية الأجنبية التي زادت في توسيعه، أو بناء مؤسسات عمومية جديدة، بعد انطلاق مشاريع التنمية في منتصف سبعينيات القرن الماضي.[viii]

قبل هذا وخلال المرحلة الاستعمارية عرفت التجربة النقابية في الجزائر ممارسة تعددية على التراب الفرنسي وداخل الجزائر، شارك فيها العمال الجزائريون، بقوة كيد عاملة غير مؤهلة، تم اقتلاعها من أصولها الريفية في الغالب، زيادة على بعض أبناء المدن الذين التحقوا بقطاع الخدمات كالنقل بالسكك الحديد. تجربة سيطرت عليها نقابياً الكونفدرالية العامة للشغل cgt القريبة من الحزب الشيوعي.[ix] التي كانت الأكثر قرباً من العمال الجزائريين، بما ميزهم من ضعف تأهيل كأبناء ريف حديثي الالتحاق بالعمل الصناعي. واهتمام بالمطالب المادية الاقتصادية، على حساب المطالب النوعية، إضافة إلى التسييس الكبير للعمل المطلبي والارتباط بالحركات الاجتماعية السياسية الكلية. وهي التجربة التي كان لها تأثير عقائدي طويل المدى على التجربة النقابية الجزائرية، لغاية ثمانينيات القرن الماضي، استمرت لغاية الانطلاق في تجربة النقابات المستقلة. التي غيرت في هذه المطلبية.

النقابة الفرنسية CGT التي التحق بها العمال الجزائريون لأسباب سياسية كذلك، كانت الأقل عداوة لمطلب الاستقلال الذي كان في المقابل، على رأس أولويات العمال الجزائريين، حتى عندما تعلق الأمر بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية. ليحتل العمال الجزائريون مواقع مهمة في قطاعات صناعية كالميكانيك والمناجم في فترة قوة الحركة العمالية الفرنسية، بداية من خمسينيات القرن الماضي. إضافة إلى تلك التجربة النقابية التي تمت داخل التراب الوطني وداخل نفس الوعاء النقابي. والذي كان أكثر تنوعاً من الناحية السوسيولوجية، بما ميزها من مشاركة داخل قطاع الخدمات على غرار النقل بالسكك الحديد والصحة، ساهمت كتجربة في مد الحركة النقابية الوطنية بإطارات نقابية. كانت وراء تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، لما تمتع به أجراء هذه القطاعات من تأهيل، قرّهم من مواقع الفئات الوسطى الأجيرة.

زيادة على هذا الإرث العقائدي المستمد من التجربة النقابية الفرنسية على التراب الفرنسي وفي الجزائر في هذه الفترة التاريخية التي تميزت بقوة  التجنيد العمالي والنقابي في فرنسا والعالم، يجب ألا ننسى الدور الهام للبعد العقائدي الوطني السياسي هذه المرة، الذي أثر بشكل واضح على الفكر النقابي، منذ البدايات الأولى للحركة الوطنية في العشرينيات من القرن الماضي التي كوًن العمال في المهجر- فرنسا تحديدا – قاعدتها الاجتماعية الأساسية، وهي تمنح بعدا عمالياً للوطنية الجزائرية لفترة طويلة قبل أن تتنوع سوسيولوجياً لاحقاً بداية من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وثورة التحرير التي غلّبت الطابع الفلاحي والبرجوازي الصغير على الحركة الوطنية في إنتاج نخبها وصقل عقيدتها السياسية.

عقيدة سياسية أُعيد تبنّيها بعد الاستقلال، من قبل الدولة الوطنية ومؤسساتها. بما ميزها من شعبوية. في مجتمع ضعيف التمايز الطبقي، لم يتعود على مبدأ الدفاع عن الحقوق الاقتصادية للأفراد والجماعات، ما برّر على المستوى النقابي تكريس فكرة الأحادية النقابية كجزء من أحادية أشمل مسّت المجال السياسي كذلك.

كيف ومتى ظهرت النقابات المستقلة؟

كان لابد من انتظار صدور دستور 23 فيفري 1989 والقوانين المنظمة للعمل النقابي في 1990[x] لكي ينطلق تكوين النقابات المستقلة بشكل قانوني في هذا الظرف السياسي الذي تم فيه الاعتراف بحق تنظيم الإضرابات وتكوين الأحزاب السياسية. ليس غريباً أن يتم تكوين غالبية هذه النقابات في قطاع التوظيف العمومي كالتربية والصحة والإدارة العمومية التي تملكها الدولة كرب عمل. باستثناء نقابات قليلة تكونت في قطاع النقل الجوي والقطاع الصناعي العام الذي استمر كقاعدة عامة محتكراً من قبل الاتحاد العام للعمال الجزائريين. قطاعات الوظيفة العمومية التي تتميز بتأهيل اليد العاملة داخلها وشروط عملها التي تقربها من شروط عمل الفئات الوسطى الأجيرة، وبالأدوار المختلفة التي تؤديها خارج مكان العمل، والتي سنعود إليها بالتفصيل عندما يتعلق الأمر بالتمثيل النقابي والسياسي والمشاركة القوية في تأطير الانتخابات.

فقد عانى الموظفون والكثير من الفئات المؤهلة طويلاً داخل عالم الشغل، من تبعات تلك النظرة التي سادت للعامل الأجير، المكرسة نقابياً، طول فترة ما بعد الاستقلال وحتى قبله كإرث نقابي تاريخي. نظرة تركز على التجانس الذي يرفض التعامل مع الخصوصيات القطاعية والمهنية-الفئوية. تعلق الأمر بالتنظيم النقابي أو المطالب التي يتم التعبير عنها. تجربة جعلت الموظفين - بأعدادهم التي زادت مع الوقت - يفضلون مغادرة النقابة الرسمية في أول فرصة منحها لهم دستور 1989، لتكوين نقابات مستقلة تراعي خصوصيات مطالبهم وما يميزهم من تأهيل.

هم الذين اقتنعوا أنهم سيكتسبون قدرة تفاوضية أكبر، لو نظموا أنفسهم نقابياً بشكل مستقل، وركزوا على مطالبهم التي لم يتمكنوا من الدفاع عنها وعما يميزها لفترة طويلة، طغت فيها المطالب الجماعية داخل تنظيمهم النقابي القديم الذي سيطر عليه العامل الصناعي والفئات ضعيفة التأهيل. مطالب ذات طابع مادي كانت تخضع الزيادة فيها إلى قرار مركزي، يصعب التأثير عليه، قطاعياً. يتم التفاوض حوله مع السلطة العمومية مركزياً مع الحكومة أو حتى الرئاسة[xi] في بعض الأحيان. كما حصل عدة مرات بعد الإضرابات العمالية التي كان مسكوتاً عنها في القطاع العام وقانونية في القطاع الخاص.[xii]

تجربة نقابية تاريخية، احتل فيها موظفو الدولة كالمعلمين والأساتذة أدوار تأطير مهمة مرتبطة بتأهيلهم وقدرتهم على الكلام والكتابة، داخل هذه التجربة النقابية - السياسية كجزء من بيروقراطية الدولة التي تعاظم دورها مع الوقت، بتضخم الدولة[xiii] ليس على رأس الهياكل النقابية فقط، بل الحزبية كذلك. أدوار عبرت عن نفسها من جهة أخرى بالمشاركة القوية في تأطير والاستفادة من الانتخابات البلدية والتشريعية داخل الحزب الواحد وأحزاب التعددية لاحقاً وجمعيات المجتمع المدني. تحول داخلها المعلم إلى وجه معروف، أوصلته إلى القيام بأدوار متعددة منها التمثيل والتسيير، على المستوى المحلي- البلديات - والتشريعي الوطني. لسنوات قبل أن تنافسه فئات متعلمة أخرى، أكثر تأهيلاً وتنوعاً من الناحية السوسيولوجية، على هذه الأدوار التي تعوّد على احتكارها بشكل كبير. ما قد يكون أحد أسباب توجهه نحو العمل النقابي المستقل، بعد تدهور وضعه الاجتماعي المادي والرمزي، بعد وصول ادواره التقليدية عن طريق أداء أدوار التمثيل النقابي والسياسي إلى طريق مسدود، نتيجة هذا التنافس الذي وجده من فئات أكثر تأهيلاً.

نقابات عانت طويلاً من عدم الاعتراف بها على أرض الواقع، سنوات، بعد صدور القوانين المقننة لحق تكوين نقابات مستقلة والحق في الإضراب في 1990، الذي صدر من قبل حكومة مولود حمروش التي تبنت إصلاحات متعددة جاءت في سياق أحداث 5 أكتوبر 1988 والمصادقة على دستور 1989. وهي الحكومة التي واجهت وضعاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً صعباً عجل بذهابها ودخول البلد في أزمة سياسية أمنية كأحد تداعيات التسيير السيئ للمرحلة الانتقالية، كما أظهرته عملية إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية 1992. كما كان الظرف السياسي الأمني غير مساعد على بروز هذه التجربة النقابية المستقلة، بعد التدهور الأمني في الفضاءات الحضرية التي تنشط فيها هذه النقابات الجديدة.

لنكون بذلك أمام أول محاولة فاشلة للانتقال السياسي، حاول إنجازها النظام الجزائري، بعد استقلال البلاد في جو ساده الكثير من الغموض والصراع بين العصب المكونة للنخب السياسية والعسكرية. انتهت إلى مأزق سياسي فعلي، أخذ منحى ما يشبه الحرب الأهلية، بعد تدخل لاعبين سياسيين جدد خلطوا أوراق هذه النخب السياسية الرسمية التي تعودت على حسم الصراعات السياسية داخل مؤسسات النظام، بين عصب قليلة العدد، بعيداً عن المواطنين الذين استطاع هذا التيار السياسي الجذري تجنيدهم في فترة اضطراب أداء النظام السياسي وضعف شرعيته.

الظرف الاقتصادي هو الآخر لم يكن مساعداً على تطوير تجربة نقابية جديدة وهو يعيش حالة اضطراب، بعد الإعلان عن تبني خيارات واضحة لصالح اقتصاد السوق والمبادرة الخاصة، بكل تداعياتها السلبية على دور القطاع الاقتصادي العام ودور الدولة الاقتصادي ككل كأول مستثمر وموظف. وهي القرارات التي تأخر تنفيذها على أرض الواقع، في ظرف اقتصادي أكثر من سيئ، ظهر على شكل تسريح للعمال وخصخصة المؤسسات العمومية، لصالح مستثمرين خواص جزائريين وأجانب، إجراءات تمت في جو ساده الغموض وعدم الشفافية، وفي ظل أزمة ثقة سياسية زادها تعقيداً، حصولها في جو إعلامي جديد لم يتعود عليه الجزائريون. بعد ظهور إعلام مستقل، زاد فيه منسوب الشائعات والمعلومات المغلوطة وضعف المهنية لدى هؤلاء الصحافيين/ات الجدد على المهنة، عكس بقوة اضطراب النظام السياسي خلال هذه المحطة السياسية التي عرفت صراعاً كبيراً بين النخب السياسية والعسكرية داخل وخارج مؤسسات النظام السياسي، جعلت حكومة قاصدي مرباح التي دشنت مرحلة ما بعد أكتوبر لا تستمر أكثر من سنة واحدة - من 9 نوفمبر 1988 إلى 9 سبتمبر 1989، لتخلفها حكومة حمروش التي عرفت تحويرات وظروف سياسية غير مستقرة. غادرت في 4 جوان 1991 على وقع الإضراب العام الذي نفذته الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ضد مشروع تقسيم الدوائر الانتخابية الذي اتهمته بمحاباة جبهة التحرير، داخل نظام سياسي عوّل بشكل مبالغ فيه على الانتخابات كآلية لإنجاز انتقال سياسي لم يحصل حوله أي توافق سياسي جدي،[xiv] بعد أن أُفرغت من محتواها السياسي.

زيادة على هذا الجو السياسي والأمني المضطرب العام، وجدت النقابات المستقلة الكثير من عدم التفهم والتضييق على أرض الواقع حتى بعد الاعتراف القانوني بها. تضييق عادة ما يأخذ أشكالاً عدة تتراوح بين عدم تسهيل الحصول على قاعات لتنظيم الاجتماعات النقابية في أماكن العمل، ومنع تعليق المناشير النقابية وتقطيعها، وصولاً إلى تهديد ورشوة النقابيين والتضييق عليهم بشتى الطرق، جراء عقليات المسيّرين والنخبة البيروقراطية والسياسية التي تشكلت لوقت طويل في ظل الحزب الواحد. وهي تعيش اضطرابات وحالة تنافس داخلي وبينها وبين النخب الجديدة التي أفرزتها التعددية الحزبية والإعلامية. فقد كان من الصعب على هذه النخب الرسمية أن تتخلص من آثار تنشئتها السياسية، ما جعلها ترفض التعامل مع هذا الفاعل النقابي الجديد داخل مكان العمل، تعلق الأمر في المستشفى أو المدرسة أو الإدارة العمومية الذي خلط أوراق علاقات العمل في قطاع تسيّره الدولة مباشرة كرب عمل. في ظرف تميز بأزمة سياسية وأمنية.

كان لابد من وقت طويل نسيباً حتى تقبل بيروقراطية الدولة التعامل مباشرة مع هذه النقابات المستقلة، حتى وهي تتحول إلى المحرك الرئيسي للحياة الاجتماعية والسياسية، بعد عودة الاستقرار السياسي والأمني للجزائر بداية من الألفية الجديدة 2012، بعد انكماش على نفسها، عانت منه دام حوالي عقد كامل بعد الاعتراف القانوني بها 1992-2002، بسبب الأزمة السياسية الأمنية التي عانت منها الجزائر التي صعّبت كثيراً من شروط العمل المطلبي والنقابي. جعل الظاهرة النقابية تبقى لوقت طويل في منطقة رمادية.

من الاعتراف القانوني بالنقابات المستقلة إلى التفاوض معها

تمكنت النقابات المستقلة من فرض نفسها داخل الكثير من القطاعات؛ كالصحة والتعليم بمختلف مراحله والإدارة العمومية، بعد أن استطاعت تنظيم أعداد كبيرة من الموظفين داخل هياكلها الوطنية والمحلية، المنتشرة على المستوى الوطني، بعد ابتعادهم عن هياكل الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي استمر حاضراً من دون فعالية كبيرة داخل هذه القطاعات، وتوجه أثناءها أكثر لإنجاز الأدوار السياسية المرتبطة باستراتيجيات النظام السياسي الرسمي كعادته. حتى وهو يعيش حالة تنافس نقابي لم يتعود عليه في السابق من الداخل، بفعل الانشقاقات التي قامت بها إطاراته التي كانت وراء تكوين هذه النقابات المستقلة الجديدة التي ظهرت بشكل قوي.

قوة تجنيد عبرت عنه هذه النقابات الجديدة باللجوء إلى إضرابات قطاعية طويلة ومتكررة حول مطالب فئوية، في زمن تحسنت فيه الوضعية المالية لرب العمل أي الدولة الوطنية. ساهمت في تحسين ظروف حياة هذه الفئات المهنية بالحصول على زيادات معقولة في الأجور، ما أعاد الاعتبار للعمل النقابي جزئياً على الأقل وابتعد فيها عن الصورة السلبية التي كانت حاضرة في التجربة القديمة، ما منح شرعية أكبر للعمل النقابي، لدى هذه الفئات الجديدة على العمل المطلبي، أثارت اهتمام الصحافة الدولية والإعلام الوطني الذي بدأ في التعود على هذا النشاط النقابي اليومي.

تكرار مثل هذه الإضرابات داخل هذه القطاعات الحساسة اجتماعياً وسياسياً على غرار قطاع التعليم والصحة والنقل والإدارة العمومية، فرض على المسؤولين المسيرين الدخول في تفاوض مع هذه النقابات، بعد فشل أسلوب الردع القانوني الذي كان الاستراتيجية الأساسية لبيروقراطية الدولة، بعد المماطلة في الاعتراف بالوجود القانوني للنقابات بشتى الطرق، كرفض تسليم تأشيرة العمل النقابي، حتى بعد استيفاء كل الشروط القانونية. تسويف استمر لسنوات، ما جعل النقابة الجديدة تعيش حالة لا تعرف فيها إن كان وجودها قانونياً أم لا. كما جاء في تقرير لجنة التحقيق الفيدرالية لرابطات حقوق الإنسان الدولية التي لاحظت بعد عشر سنوات من الاعتراف الدستوري والقانوني بحق تكوين النقابات، الكثير من أشكال التجاوز للقانون والتمييز لصالح النقابة الرسمية لا تقتصر على الجانب المالي فقط. في نفس هذا الإطار وظفت العدالة للإعلان عن عدم شرعية الإضرابات، قبل الانطلاق فيها أو حتى بعدها، ما ساهم في التشكيك في حق الإضراب وإمكانية إعادة النظر فيه القائمة على الدائم في حال تغيير موازين القوى، كما تبين بعض المؤشرات على المستوى الدولي وليس في الجزائر فقط. وضع لم يمنع النقابات من العودة إلى الإضرابات كل مرة بشكل دوري،[xv] لفرض الوصول إلى القبول بالمفاوضات من قبل بيروقراطية الدولة الذي لم يكن سهلااً في الغالب داخل نظام سياسي يرفض التمثيل المستقل لفئات شعبية واسعة اعتقد النظام على الدوام أنه الوحيد المؤهل لتمثيلها والحديث باسمها. خاصة عندما يتعلق الأمر بهذه الفئات الوسطى التي كانت قريبة منه على الدوام.

لم يكن ممكناً بالنسبة لبيروقراطية الدولة الإصرار على رفض التفاوض لوقت طويل مع هذه النقابات التي نجحت في الكثير من الأحيان في شل الكثير من القطاعات المهنية، عن طريق إضرابات دامت في بعض الأحيان لعدة أيام تكررت أكثر من مرة داخل قطاعات حساسة من حيث أثرها الاجتماعي، كما هو حال قطاعات التعليم والصحة والإدارة العمومية.[xvi]

تجربة تفاوض لم يكن ممكناً حصولها لولا التغيير الذي حصل في العقليات لدى بيروقراطية الدولة ونخبها، نتيجة التعارف والاحتكاك الذي تم بين الفاعلين الرسميين والنقابيين بمناسبة هذه الإضرابات والحركات الاحتجاجية الأخرى. خاصة في حالة استمرار الوزراء في مواقعهم لمدة طويلة، كما حصل في وزارة التربية، مع بن بوزيد بوبكر[xvii] وحتى زميلته نورية بن غبريط التي دخلت النقابات المستقلة معها في صراعات اختلط فيها النقابي بالثقافي والقيمي[xviii] عمّقها التناول الإعلامي الذي ركز على بعض ما ميز الوزيرة من خصائص ومسار عائلي وثقافي فعلي أو متخيل،[xix] زاد في تشنج الجو الاجتماعي في وقت كانت تسمح فيه الوضعية المالية للدولة بتلبية بعض مطالب الإضرابات التي ركزت على الأجور وبعض المطالب الأخرى المتعلقة بعلاقات وظروف العمل.

الوضع المالي المريح للدولة هو الذي سهل انطلاق نوع من التفاوض القطاعي، بين الوزير المعني ونقابات القطاع دعمته رئاسة الحكومة في الغالب من بعيد. لم يصل إلى مستوى التفاوض الرسمي على مستوى الحكومة التي رفضت أن تشترك النقابات المستقلة فيه ليستمر الاتحاد العام للعمال الجزائريين في احتكاره كممثل للعمال في الجزائر، بحجة أنه نقابة متعددة التمثيل المهني – كونفدرالية، وهو ما كان غير ممكن بالنسبة للنقابات المستقلة التي لا تمثل إلا فئة مهنية واحدة في قطاع مهني، واحد كالصحة والتعليم والإدارة.

الليونة التي أظهرتها الحكومة في التفاوض مع هذه النقابات لم تكن متصورة لولا نجاح هذه النقابات في كسب  معركة الرأي العام لصالحها حتى وهي تلجأ إلى إضرابات متكررة، أثرت سلباً على تفاصيل الحياة العائلة للجزائريين عندما يرتبط الإضراب بقطاعات اجتماعية، مثل الصحة والتعليم خاصة. معركة نجحت فيها النقابات بفعل التأييد الذي وجدته لدى جزء من الإعلام المستقل، عكس الإعلام الرسمي وجزء من الإعلام الخاص القريب من طروحات الحكومة والقوى السياسية المعادية لهذه النقابات التي اتخذت مواقف معادية من الاحتجاجات النقابية.[xx]

علما بأن السلطات قد رفضت كل طلبات تكوين كونفدرالية عمالية مستقلة كانت قد انطلقت كمشروع، منذ بداية الألفية، كان يمكنها أن تشارك في المفاوضات الرسمية، مع الحكومات التي دأبت على تنظيمها بشكل دوري بحضور نقابات أرباب العمل[xxi] والاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي احتكر التمثيل العمالي رسمياً، رغم الضعف الذي اعتراه والتخبط الذي اعتراه في أداء وظائفه. تأكيداً لتخوف الحكومة من ظهور كونفدرالية عمالية مستقلة تنافس الاتحاد العام. في ظرف لم يكن بنفس النفس الإصلاحي، كما كان الوضع في بداية التسعينيات بعد أحداث أكتوبر 1988 التي هزت النظام السياسي وجعلته ينفتح سياسياً، كما ظهر على مستوى دستور 1989 الذي اعترف بالنقابات والأحزاب وحق الإضراب. وهو ما لم يكن حاضراً في 2002 عندما بدأت هذه النقابات الشابة في المطالبة بتكوين كونفدرالية كان يمكن أن تسمح لها بالتنويع في قاعدتها العمالية والولوج إلى القطاعات الصناعية والخدماتية الأخرى، الذي طالبت به الإدارة كشرط لقبول دخول النقابات المستقلة التفاوض المركزي مع الحكومة ونقابات أرباب العمل.

مشروع الكونفدرالية الذي كان يهدف إلى الحد من الصبغة الفئوية لهذه التجربة النقابية المستقلة ومحدودية مطالبها التي ركزت على الجوانب المتعلقة بالأجور داخل قطاع الوظيفة العمومية. كان يمكن أن تخلق موازين قوى جديدة ليس على مستوى عالم الشغل فقط، بل على المستوى السياسي كذلك. وهو ما تنبهت له الحكومة، وهي ترفض منح اعتماد تكوين الكونفدرالية التي تشكلت من 13 نقابة. حتى بعد الإعلان الرسمي عن تكوينها في نوفمبر 2018، كان يفترض أن يتم تكوينها قبل سنوات، لولا الموقف المعادي الذي اتخذته الحكومات المتعاقبة.[xxii] رفضٌ لم يمنع هذه النقابات من اللجوء إلى تنظيم احتجاجات وإضرابات مشتركة تحت تسمية تنسيقية نقابات التربية أو الصحة كما حصل في ماي 2021. وحتى قبل هذا التاريخ الذي صادف جواً اجتماعياً مشحوناً بمناسبة شهر رمضان تميز بتنظيم إضراب أعوان الحماية المدنية الذين لجؤوا إلى الزيادة في القيمة التعبيرية للإضراب، بتنظيم مسيرة توجهت نحو مقر رئاسة الجمهورية يوم الأحد 2 مايو، قوبلت بمنع من قبل الشرطة التي استعملت الغازات المسيلة ضدهم بالقرب من مقر رئاسة الجمهورية .

هذا الإضراب بمطالبه المهنية العادية، منع من قبل العدالة استناداً إلى قراءة ركزت على خصوصية سلك الحماية المدنية التي لا يحق لها الإضراب. ليتم الإعلان لاحقاً على عقوبات مست 230 عوناً تم توقيفهم عن العمل وملاحقتهم قضائياً لاحقاً، في جو تميز بمسلكين رسميين مختلفين، الأول ركز على توجيه اتهامات للحركة الاحتجاجية كما جرت العادة في المدة الأخيرة التي تفاقمت فيها هذه الحركات . في المقابل تمثل الاتجاه الثاني في دعوة رئاسة الجمهورية إلى فتح حوار مع الشركاء الاجتماعيين بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء الذي صادف انعقاده نفس يوم مسيرة أعوان الحماية وهم يتوجهون نحو مقر رئاسة الجمهورية، تكراراً لما قام به الأمن في أكتوبر 2014، ما منح بعداً سياسياً واضحاً لهذه الإضرابات العمالية التي تتم في جو سياسي واجتماعي مشحون يتميز بقرب تنظيم انتخابات تشريعية تحت ضغط الحراك الذي عاد بقوة بعد تعليقه، تحت تأثير جائحة الكورونا، ليجد نفسه أمام سلوكيات رسمية جديدة تميزت خلال هذه الفترة بمنع المسيرات واستعمال القوة ضد المتظاهرين كما حصل خلال المسيرات التي جرت أثناء رمضان.[xxiii] جو سياسي متشنج أكدته افتتاحية مجلة الجيش التي اتهمت هذه الحركات الاحتجاجية بأنها .....تحت غطاء الحركات الاحتجاجية والمطالب الاجتماعية تواصل الأطراف التخريبية عملياتها التخريبية والاستفزازية من خلال تحريض عمال وموظفي بعض القطاعات على تنظيم إضرابات ظاهرها المطالبة بالحقوق وباطنها إفشال الانتخابات التشريعية المقبلة، وبالتالي إدخال البلاد في متاهات هي في غني عنها. هذه الأطراف وتلك التي كانت حضرت للتفجيرات ضد المواطنين هما في الواقع وجهان لعملة واحدة. غايتها تركيع الجزائر واستغلال كل الوسائل وتنفيذ عدة خطط تخريبية تهدف إلى تهييج الشارع وتعميم الفوضى، من ندرة السلعة إلى غلاء الأسعار إلى الحث على الإضرابات .... موقف معادٍ لهذه الإضرابات العمالية لم يقتصر على مؤسسة الجيش من خلال هذه الافتتاحية، بل كان حاضراً كذلك لدى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ناهيك عن الإعلام الرسمي بمختلف وسائطه،[xxiv] الذي شن حملة معادية للعمل النقابي بحجة الوضع الاقتصادي الصعب والوضع الصحي المرتبط به، الذي تحاول بعض الحركات المغرضة إغراقه لتعفين الوضع وزرع الفتنة، كما جاء في بيان رئاسة الحكومة في 6 مايو 2021.

النقابات المستقلة ودورها في الحراك والانتقال الديموقراطي

الطابع المطلبي الذي ظهرت فيه النقابات المستقلة، جعلها تحتل موضوعياً موقع المعارضة من الأوضاع القائمة، حتى ولو لم تنادِ بمطالب سياسية محددة عند بداية عودتها إلى ساحة العمل النقابي، بعد التحسن في الوضع الأمني والسياسي بعد أكثر من عشر سنوات من الاعتراف بها، مع بداية الألفية الجديدة. لم يمنع هذا التركيز على المطالب المهنية بعض الوجوه النقابية من المشاركة في ندوة مزفران للانتقال الديموقراطي التي استمرت كفضاء تشاور بين قوى سياسية ونقابية وشخصيات عدة سنوات بين 2014-2017 طالب بشكل واضح بمسار انتقالي سياسي، تميز بمشاركة للنقابات[xxv] في لقائها الثاني المنعقد في 30 مارس 2016، تأكيداً لما جاء في اللقاء الأول المنعقد في 10 جوان 2014[xxvi] الذي تم فيه طرح عديد القضايا المرتبطة بمطلب الانتقال الديموقراطي الذي توافقت عليه قوى سياسية متنوعة فكرياً، تتراوح بين التيار الوطني، الديموقراطي والإسلامي، إضافة إلى شخصيات وطنية[xxvii] ونقابية. أدوار سياسية تفسرها حالة الغليان السياسي مع ظهور نذر الأزمة السياسية التي بدأ النظام السياسي يعيشها خلال هذه المرحلة وهو على أبواب انتخابات رئاسية وتعديل دستوري وانتخابات تشريعية -2017- كانت أحد الأسباب التي قسمت مسار هذه الندوة الأولى من نوعها في الحياة السياسية، بعد أن فشلت الأحزاب المشاركة في هذه الندوة في تنسيق موقفها من الانتخابات التشريعية التي دخلتها منقسمة، إذا ما استثنيا التحالف الحزبي الذي نجحت الأحزاب الإسلامية الأخوانية في الدخول فيه إلى هذه الانتخابات.[xxviii] الأول بقيادة جبهة العدالة والتنمية والثاني بقيادة حركة مجتمع السلم. يتكون في الأساس من أحزاب منشقة عن الحركات الأم. وهي الانتخابات التي ترشح فيها بعض النقابيين المنتمين إلى هذه الأحزاب السياسية. نجح منهم حوالي عشر نقابيين خلال العهدة الأخيرة للبرلمان التي تم تقليصها 2017-2021 ضمن قوائم حزبية مختلفة. كان من بينها جبهة التحرير والتجمع الوطني الديموقراطي، وحزب العمال، والنهضة، وحزب المستقبل، مثلوا الاتحاد العام للعمال الجزائريين والنقابات المستقلة التابعة لقطاع التربية في الغالب، من الكثير من الولايات، بما فيها الجنوبية كتمنراست. نقابيون غلبت عليهم انتماءاتهم الحزبية أكثر من أي انتماء نقابي آخر. لم يمنعهم من أن يكونوا قريبين في تدخلاتهم البرلمانية من الهم الاجتماعي والقضايا الاجتماعية التي تحيل إليها النقاشات داخل قبة البرلمان.

بموازاة هذه الأدوار السياسية ركزت النقابات كأولوية على الاعتراف بها على أرض الواقع[xxix] وعلى بعض المطالب الفئوية كرفع الأجور[xxx] وعلى حقها في الإضراب[xxxi] والتفاوض كطرف عمالي ممثل. لجأت النقابات إلى إضرابات قطاعية طويلة لفرض نفسها. وهي تتنافس فيما بينها كنقابات جديدة ظهرت في نفس الفترة تقريباً ومع الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يتواجد معها داخل نفس القطاعات وأماكن العمل، بين فئات لا تملك تجربة نقابية مطلبية سابقة، انضمت للعمل المطلبي النقابي في نفس الفترة.

بالفعل لم تلتحق هذه الفئات الأجيرة المؤهلة بالعمل النقابي المطلبي إلا في توقيت متأخر، عندما أحست بتدهور في مكانتها الاجتماعية والرمزية، في ظل التحولات التي عاشها المجتمع الجزائري وهي تفرز فئات متعلمة تعليماً عالياً، نافستها في الجاه والسمعة، بدأت في أخذ مكانتها لدى الدولة الوطنية التي بدأت تعرف هي الأخرى تحولات عميقة، كان من نتائجها بداية انتقال قاعدتها الاجتماعية نحو الفئات التي استفادت اقتصادياً من هذه التحولات أو تلك التي استفادت على مستوى التعليم العالي، ما أبعدها عن الفئات الوسطى الأجيرة الدنيا كالمعلمين وموظفي الدولة الصغار، نحو فئات أكثر يسراً كما هو حال رجال الأعمال الممثلين للقطاع الخاص والفئات الأجيرة العليا. تحول انعكس كذلك على المكانة السياسة والأدوار المرتبطة بالتمثيل السياسي، أبعد هذه الفئات التي تعودت لوقت طويل على العمل كمخلب يد سياسي للدولة داخل التجربة النقابية والسياسية الأحادية في ميدان التمثيل والتأطير، حتى قبل أن تكون نقاباتها المستقلة، ما حدا بها للتوجه نحو العمل المطلبي والنقابي لتعويض خسارتها على مستوى المكانة الاجتماعية.

علماً بأن هذا العمل النقابي المطلبي المستقل لم تتوجه له كل الفئات المؤهلة المتضررة من الخيارات الاقتصادية الجديدة ذات الطابع الليبرالي واقتصاد السوق التي انطلقت في بداية التسعينيات المحسوبة على الفئات الوسطى الأجيرة، كما حصل مع موظفي الدولة. كان هذا حال إطارات القطاع الصناعي العمومي من التكنوقراط الذين فضلوا التوجه نحو بناء جمعية مهنية لم تركز على الطابع المطلبي، لتوجه اهتمامها نحو الدفاع عن القطاع العام الذي أحست كل الفئات المتواجدة داخله بالتهديد نتيجة الخيارات الاقتصادية الليبرالية الرسمية الجديدة التي جاءت لصالح القطاع الخاص.

استراتيجية جعلت نخبة القطاع العمومي الصناعي التي تكون جزءاً مهماً من تكنوقراطية الدولة تستشعر بالخطر لتقترب أكثر من مؤسسات الدولة، عبرت عنها بالمشاركة في اجتماعات الثلاثية كممثل لإطارات القطاع الصناعي العمومي. موقف اقتربت فيه كثيراً من مواقف الاتحاد العام للعمال الجزائريين حاولت من خلاله إنجاز تحالف استراتيجي بين عمال القطاع الصناعي والنقابة التاريخية وإطارات القطاع العام، فشل في نهاية الأمر في التصدي لعملية تفكيك القطاع العمومي التي استمرت على نفس المنوال الذي عرفت به في الجزائر خلال هذه الفترة المضطربة سياسياً.

خيارات أدت عمليا إلى خلق عدم تجانس أكبر داخل هذه الفئة المهنية التكنوقراطية -يكون المهندسون ومسيري القطاع الصناعي الجزء الأساسي منها -التي افرزتها التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تولدت عن تكوين القطاع العمومي الاقتصادي، بعد انتشار التعليم العالي بمختلف فروعه في الجزائر. ما زاد في حدة عدم التجانس داخل هذه الفئة المكونة للفئات الوسطى الأجيرة العليا التي قد تكون السبب الرئيسي الذي أدى بها إلى عدم التوجه نحو العمل النقابي بالشكل الذي رأيناه عند الموظفين، كما كان حال المعلمين والأساتذة والأطباء الذين التحقوا بقوة بالعمل النقابي المطلبي، بعد التدهور الذي عاشته هذه الفئة المهنية في أوضاعها الاقتصادية والرمزية بعد التحولات التي عاشها القطاع العمومي الصناعي.[xxxii]

استراتيجيات متنوعة ميزت إطارات القطاع العمومي أكدت خصوصية القراءة التي قامت بها الفئات العمالية هي الأخرى باستمرارها داخل الاتحاد العام للعمال الجزائريين ورفضها التوجه نحو بناء نقابات مستقلة، كما كان الحال مع الموظفين. لا يمكن تفسيرها في حال الإطارات إلا بالمسارات المتنوعة التي ميزت هذه الفئة المهنية التي عرفت بعض مكوناتها استفادة فعلية من عملية الانتقال الاقتصادي والخصخصة، وهي تتوجه نحو العمل في القطاع الخاص الوطني والدولي كمسيرين، استفادت منه بعض الفئات المهنية التي استغلت فترة تفكيك القطاع العمومي لصالحها تماماً مثل الفئات المسيرة التي توجهت نحو بناء مؤسساتها الخاصة لتنتقل من موقع الأجير إلى موقع رب العمل، في القطاعات التي كانت تسيّرها في القطاع العام. في حين بقيت فئات أخرى داخل مواقعها في القطاع العمومي دون تغيير جوهري. تنوع في الاستراتيجيات قد يفسر عدم التوجه نحو العمل النقابي المطلبي الذي لم يكن حاضراً بقوة لدى هذه الفئة المهنية تاريخياً، قبل هذه التحولات الاقتصادية. هي التي كانت تتعامل داخل القطاع العام كرب عمل مسير، غير مالك، بكل الامتيازات المرتبطة بهذا الموقع، ما جعلها تدخل في صراعات كثيرة مع العمال ونقاباتهم، خاصة في القطاعات الاقتصادية التي كانت تعرف مشاكل تسيير ووضع مالي صعب.

لنكون أمام استراتيجية اعتمدت التركيز على الاستفادة من التعددية بمختلف صورها النقابية والحزبية لدى هذه الفئات الوسطى بمختلف مواقعها. هي التي سمحت لبعض النقابيين الالتحاق بالبرلمان كممثلين لتيارات حزبية مختلفة.[xxxiii] استغلت من جهة أخرى هذه النقابات الساحة الإعلامية التعددية بما فيها القنوات التلفزيونية الكثيرة لإبراز وجوه قيادية، تحولت إلى جزء من النخب الاجتماعية التي ظهرت بعد التعددية. وفتح المجال السمعي البصري الذي سمح بظهور تلفزيونات خاصة بعد 2012. إضافة إلى ما كان يوفره الإعلام التعددي المكتوب الذي غطى بشكل لافت الحركات الاحتجاجية التي قامت بها النقابات المستقلة. عكس في عمقه الصورة الإيجابية التي يحملها المجتمع الجزائري للعمل النقابي والمطلبي الذي أبرزته النقابات المستقلة، حتى وهو يقوم باحتجاجات وإضرابات، تمس بشكل مباشر استقرار العائلات، نتيجة اضطراب الخدمات الجماعية المقدمة لها. في مجتمع يشكو أصلاً من ضعف وتدهور الخدمات تعلق الأمر بالصحة النقل أم بالتعليم.[xxxiv]

تحولت النقابات المستقلة إلى فاعل جماعي مركزي خلال هذه الفترة التي حاول فيها النشاط الحزبي أن يعود كذلك فيها ولو بشكل باهت، ميزته المشاركة في الانتخابات كما حصل في 2017 التي لم تعد تغري الكثير من المواطنين بالمشاركة فيها، بعد أن استفحل الفساد المالي داخلها، إضافة إلى عدم قدرتها على التحول إلى وسيلة تغيير سياسي تحول إلى مطلب شعبي كما بينته الأحداث لاحقاً التي بادرت فيها قوى شعبية كبيرة بالخروج إلى الشارع وتجاوز كل التنظيمات للتعبير عن مطالبها في تغيير عميق للنظام السياسي. لم يكن الحزب حاضراً داخلها حتى ولو شاركت فيه القواعد الحزبية وحتى بعض القيادات بشكل متقطع. يخضع لاعتبارات سياسية لم تساعد هذه القيادات على التحول إلى فاعل رئيسي داخل الحراك باستثناء حالات قليلة، سنعود إليها بالتفصيل عند الحديث عن الحزب السياسي في علاقته بمطلب الانتقال الديموقراطي.

النقابات المستقلة. نقاط الضعف ونقاط القوة

التعرف إلى نقاط القوة والضعف التي ولدت بها النقابات المستقلة أو تلك التي ظهرت عليها لاحقاً من داخلها كمؤسسات أو محيط اجتماعي وسياسي، يمكن أن تساعدنا في التعرف إلى الأدوار التي أنجزتها كقوة اجتماعية منظمة فاعلة في مسار الانتقال الديموقراطي وتلك التي فشلت فيها.

قد يكون من نقاط الضعف الأساسية التي ظهرت مع ولادة النقابات المستقلة واستمرارها معها حتى الآن، اقتصارها على قطاع الوظيفة العمومية، بما عرف عن الموظفين من قلة تجربة نقابية، بعد فشلها في التوسع داخل القطاع الصناعي بشقيه العام والخاص الذي كان يعيش أزمة تحول لم يشهد مثيلها قطاع التوظيف العمومي وهو يحافظ على استقراره خلال بداية انطلاق التجربة النقابية المستقلة. نقطة ضعف تتأكد أكثر إذا عرفنا أن القطاع الخاص كان ولايزال يعاني فراغاً نقابياً مهولاً، توسع مع الوقت، عكس القطاع العام الذي حافظ الاتحاد العام على تواجد داخله خاصة في القطاعات الاستراتيجية كالنفط والكهرباء. كان يمكن أن تستغله النقابات الجديدة للتوسع داخله نظراً لانعدام المنافسة النقابية داخله. ضعف التوسع النقابي هذا ظهرت نتائجه للعيان أثناء فترة المطالبة بالانتقال الديموقراطي بعيد الربيع العربي وخاصة بعد انطلاق الحراك في 2019، عندما فشلت النقابات المستقلة في تجنيد فئات متنوعة للضغط عن طريق الإضرابات التي دعت إليها، لدعم الحراك في مطالبه. هي التي تتواجد داخل أماكن عمل عديدة متفرقة بأعداد قليلة من الموظفين، لا تسمح لها بالتجنيد القوي كما هو حال المستشفيات والمدارس والإدارات العمومية. عكس ما هو موجود لدى النقابات القوية في القطاع الصناعي التي تتواجد داخل تجمعات عمالية كبيرة خاصة عندما يتعلق الأمر بالمناطق الصناعية الكبرى كما هو حال منطقة رغاية -رويبة بالقرب من العاصمة.

نقطة ضعف يمكن أن نضيف إليها المبالغة في تكوين النقابات الفئوية داخل قطاع الوظيفة العمومية ذاته[xxxv] في كل قطاع كالصحة والتربية والإدارة العمومية، زادت في صعوبات العمل المشترك الذي حاول الوصول إليه مشروع تكوين الكونفدرالية التي بادرت بها النقابات المستقلة، مقابل لجوء النظام السياسي إلى الزيادة في عدد النقابات كما حصل في بداية 2021 عندما تمت المصادقة على تكوين نقابات فئوية جديدة[xxxvi] كتكريس لاستراتيجية التعويم والتشظي التي اختارتها الحكومة. استراتيجية ظهرت نتائجها السلبية خلال إضرابات ماي 2021. وعملية التفاوض مع وزير التربية وهو يستقبل النقابات مقسمة في جلسات عديدة.

نقاط ضعف يمكن أن نضيف إليها عدم قدرة هذه النقابات على التجديد العقائدي والفكري للتكيف مع المعطيات الوطنية والدولية في جوانبها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لتكتفي بالفكرة النقابية كما ورثتها من تجربتها الأم التي حصلت عليها داخل هياكل النقابة الرسمية، في وقت لم تعمل على بذل مجهود كبير في تكوين إطاراتها. كما ظهرت من خلال التركيز المبالغ فيه في الكثير من الأحيان على المطالب الاقتصادية المادية - الأجور- على حساب المطالب النوعية التي كانت حاضرة لكن باحتشام.

ضعف حضور المرأة على رأس النقابات المستقلة ومؤسسات تسييرها الدائم، منذ نشأة هذه النقابات، يمكن ذكره كنقطة ضعف مركزية في قطاعات نشاط تتميز بحضور كثيف للمرأة كيد عاملة كما هو حال قطاعات الصحة والتعليم كما يذكرها الديوان الوطني للإحصائيات، يعطل بكل تأكيد قدرة هذه النقابات على التجنيد في المستقبل، في وقت تؤكد كل التوقعات أن تواجد المرأة كيد عاملة في هذه القطاعات وغيرها من القطاعات الأخرى، سيكون هو الاتجاه السائد، رغم حضور المرأة كفاعلة في كل الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي قامت بها هذه النقابات في السنوات الأخيرة.

الانشقاقات وصراع النخب داخل وبين النقابات المستقلة، يمكن عدها كذلك من نقاط الضعف الأخرى التي مسّت أكثر من نقابة، بما تركته من حزازات شخصية بين المنشقين، أثرت سلباً على القدرة على العمل الجماعي والتكتل الذي يبقى ضعيفاً داخل هذه التجربة النقابية المستقلة. انشقاقات تزيد من حدتها الصراعات بين النخب المركزية التي وصلت إلى مراكز القيادة الوطنية وتلك التي بقيت على المستوى المحلي. صراعات عادة ما تبرز بمناسبة اتخاذ القرار داخل النقابات. تتهم بصدده القيادات الوطنية بقلة التشاور حوله مع القواعد العمالية وممثلي الهياكل المحلية، كما عكسته بعض الدراسات الاكاديمية. من خلال دراسات عامة[xxxvii] أو دراسات حالة تمت لأكثر من تجربة نقابية يمكن العودة إليها بالتفصيل،[xxxviii] أو حتى مقارنات دولية، كما جاء في هذه الدراسة التي شملت الجزائر .

تماما مثل ضعف الانفتاح على التجربة النقابية الدولية وهي تعيش تحولات كثيرة، تميزت بالضعف وانحسار دورها حتى في التجارب النقابية الدولية القوية. عدم تواصل نجد وراءه الانغلاق السياسي الحاصل في البلد بكل الصعوبات التي تجدها النقابات في تنظيم لقاءات دولية وتربصات لقواعدها، بحضور مكونين أجانب. ووفود أجنبية.

نقاط القوة

مقابل نقاط الضعف الأكيدة هذه، يمكن أن نذكر نقاط القوة التي تتمتع بها هذه التجربة النقابية الجديدة، كالتمثيل الفئوي القوي داخل القطاعات التي تنشط داخلها، على غرار قطاعات الصحة والتربية، كما يظهر بمناسبة الاحتجاجات والإضرابات التي نظمتها هذه النقابات في السنوات الأخيرة. وغطاها الإعلام الوطني، رغم التشكيك الذي وجدته كل مرة من قبل الوزارات المعنية،[xxxix] في اتجاه التقليل من قوة التجنيد، أخذت شكل حرب تصريحات إعلامية بين النقابات والوزارات المعنية بالإضراب وحتى الحكومة في حالة الإضرابات الطويلة. نقاط قوة يمكن أن نضيف إليها تلك النجاحات التي حققتها النقابات في الوصول إلى تحقيق مطالبها، كما كان الحال بالنسبة للزيادة في الأجور وتحسين بعض ظروف العمل خلال هذه الفترة التي تحسنت فيها الحالة المالية لرب العمل – الدولة، ما زاد في مصداقية النقابات واللجوء إلى الإضرابات كوسيلة احتجاج. لدى هذه الفئات التي لم تتعود تاريخياً المطالبة بكل أشكالها تحديد الأشكال الجذرية منها كالإضرابات الطويلة المتكررة التي كانت قريبة من خطاب السلطة إلى وقت قريب. ولم تعرف الاحتجاج قبل هذه التجربة.

القدرة على التفاوض[xl] يمكن من جهة أخرى حسابها من نقاط القوة لدى هذه النقابات التي كسبت قياداتها بسرعة، تجربة جديدة في العملية التفاوضية المعقدة والجديدة عليها، رغم أنها لازالت محرومة من المشاركة في التفاوض المركزي مع الحكومة ضمن الثلاثية المحتكرة، من قبل الاتحاد العام للعمال الجزائريين، كممثل رسمي لكل العمال.

يمكن أن نذكر ونحن نتحدث عن نقاط القوة التسيير المؤسساتي الذي يميز هذه النقابات من الداخل، ما يفترضه من تداول على السلطة بين مختلف النخب النقابية بمختلف حساسياتها الفكرية والسياسية وديموقراطية، أدت في الكثير من الأحيان إلى تغييرات على مستوى القيادات بمناسبة المؤتمرات التي لم تتأخر هذه النقابات في تنظيمها بشكل دوري، احتراما لقوانينها وخوفاً من تدخل الإدارة الذي قد تستغله ضدها. نخب كانت قد عانت في تجربتها السابقة على الأقل بالنسبة للإطارات الذين تملك تجربة سابقة خلال مرحلة الأحادية النقابية بكل ما عرفت به من تدخل للسياسي الرسمي وضعف التداول على السلطة. خاصة عندما يتعلق الأمر بالمراكز القيادية.

بروز نخبة نقابية تم تبنيها بسرعة من قبل المجتمع يمكن عدها هي الأخرى من نقاط القوة، بعد أن نجحت هذه الوجوه النقابية في فرض حضورها الإعلامي على المستوى الوطني وهي تعلن عن الاحتجاجات أو تشارك في عملية التفاوض الرسمي، بكل الحضور الإعلامي الذي تفترضه. وهي تواجه النخب الرسمية داخل مشهد إعلامي رسمي مغلق، سمح للمسألة الاجتماعية وعالم الشغل بالعودة واحتلال مكانة مركزية في النقاشات العامة، على حساب النقاش السياسي في بعض الأحيان، الذي غلب عليه الطابع الأيديولوجي والثقافوي في الجزائر خلال مدة طويلة، نتيجة الحضور القوي للتيارات الدينية السياسيةن عند بداية عملية الانتقال السياسي الفاشلة في بداية التسعينيات، التي سمحت في بدايتها بالاعتراف القانوني بالأحزاب والنقابات وحق الإضراب بعد المصادقة على دستور 1989.

النقابات السياسية والحزب

علاقة النقابة بالسياسة والحزب بالصفات التي ميزت العقيدة النقابية الرسمية بعد الاستقلال، استمرت معها طويلاً خلال فترة الأحادية النقابية، لغاية بداية تسعينيات القرن الماضي، رغم المقاومة التي أبدتها قيادات نقابية خلال السنوات الأولى للاستقلال، وهي تطالب باستقلالية العمل النقابي عن السياسي الرسمي.[xli] تيار منادٍ باستقلالية العمل النقابي لم يستطع أن يكسب الكثير من التأييد، لا بين النقابيين ولا النخب السياسية الرسمية في هذا الظرف السياسي الذي ترسخت فيه هذه العلاقة في الكثير من بلدان العالم الثالث، لغاية التغيير الذي حصل في الإطار الدستوري والقانوني في 1989، تاريخ الإعلان عن التعددية النقابية وبداية ظهور النقابات المستقلة. القانون الذي منع أي ارتباط تنظيمي بين الحزب السياسي والنقابة التي لا يمنع نفس القانون انخراط منخرطيها في الأحزاب السياسية كأفراد.[xlii]

وهو ما نجده حاصلاً على مستوى القيادات النقابية التي ترشحت ضمن قوائم حزبية للانتخابات التشريعية في أكثر من دورة. علاقة بين الحزبي - السياسي والنقابي لا يمكن فهمها إلا إذا تذكرنا ما قلناه حول الأدوار السياسية التي قامت بها الفئات الوسطى خلال فترتي الأحادية وبعد الإعلان عن التعددية، والتي وصفناها أنها كانت "مخلب قط سياسي" داخل دواليب النظام السياسي في مرحلة الأحادية على وجه الخصوص، استعملها النظام السياسي في الترويج لمشاريعه السياسية مثل الانتخابات التي تميزت بتأطيرها والمشاركة فيها طول فترة الأحادية. كما كان الحال بالنسبة للمعلمين الذين عُرفوا بانخراط ملفت داخل هياكل حزب جبهة التحرير، بعد أن زادت أعدادهم وتعربوا بشكل كبير جداً ما يكون قد قربهم فكرياً من التيارات السياسية المحافظة. قبل أن تقضي التعددية على هذا التميز للمعلمين، بعد وصول فئات أخرى أكثر تأهيلا للعمل النقابي المستقل، كما هو حال أساتذة الجامعات والأطباء.

ليكون المعلمون وموظفو الإدارة كجزء من بيروقراطية الدولة، على رأس المستفيدين من التعددية كما كان حالهم في فترة الأحادية، بالانخراط في الأحزاب السياسية التي ظهرت بكثرة بعد التعددية، خاصة الإسلامية منها، ما أدى إلى الربط لاحقاً بين هذه التيارات الإسلامية - على رأسها التيار الأخواني – والنقابات المستقلة التي "اتهمت" بقربها من هذا التيار السياسي الإسلامي الذي لم يكن معروفاً عنه تاريخياً الاهتمام بالعمل النقابي في الجزائر، عكس اهتمامه الكبير بالعمل الجمعوي والخيري. عكس التيار اليساري الذي عرف ضعفاً كبيراً خلال هذه الفترة، لم يعد قادراً على التنافس داخل عالم الشغل الذي كان يلعب داخله أدواراً مهمة لفترة طويلة، ليس في الجزائر فقط، بل في العالم. عكس التيار الوطني الذي حافظ على حضوره داخل عالم الشغل ولدى القيادات النقابية حتى وهو يعيش حالة انتكاسة فكرية، جعلته يفقد بريقه العصري الذي كان يتمتع به، عندما كان يستفيد من انفتاحه على الحركة العمالية الغربية. تيار دفع ثمن تسييره للدولة الوطنية منذ الاستقلال، بكل الخيبات المسجلة على مرً الوقت، زاد منها انغلاقه الفكري- السياسي وابتعاد الكثير من الفئات العصرية عنه، ليكتفي بالفئات الريفية، صاحبة التعليم المتواضع، الكبيرة في السن كقاعدة اجتماعية. كما تبينه نتائج الانتخابات المحلية والتشريعية التي يفوز فيها كل مرة.[xliii]

السيناريوات المستقبلية أمام النقابات المستقلة

يتوقف نجاح التجربة النقابية المستقلة على المديين القصير والمتوسط على إمكانية نجاح الانتقال الديموقراطي المعطل حتى الآن في الحالة الجزائرية، بهدف القطيعة مع آليات عمل النظام السياسي، نحو المزيد من الشفافية والمدنية، بما يفترض من إنتاج مؤسسات ونخب سياسية أكثر شرعية، تعتمد على آلية الانتخاب الدوري الشفاف الذي يشارك فيه المواطن بقوة. وضع سيقرب الجزائر من فكرة القبول بالانتقال الديموقراطي التي لازالت مرفوضة من قبل النخب الرسمية الحاكمة، كما يعبر عن ذلك خطابها السياسي والإعلامي، حتى وان اعترفت بالمشاكل التي يعاني منها النظام السياسي الذي تسيره، كما حصل أكثر من مرة بمناسبة استفحال أزماته.

رفضت فكرة الانتقال الديموقراطي من قبل النخب الرسمية، بعد أن تمت تسويتها بالفوضى وعدم استقرار مؤسسات الدولة، كما عاشتها التجربة الجزائرية الفعلية أكثر من مرة، كان آخرها ما حصل بعد أحداث أكتوبر والإعلان عن الإصلاحات السياسية والقانونية التي جاء بها دستور 1989. محطة تزامنت مع العنف السياسي والحرب الأهلية التي دامت أكثر من عشر سنوات، لم تخرج منها الجزائر الا بعد معاناة كبيرة، ارتبطت في المخيال السياسي الجمعي بعملية انتقال سياسي فاشلة، من الأحادية إلى التعددية، يتم التركيز في تبرير رفضها من قبل النخب الرسمية على الخوف من إمكانية التدخل الأجنبي، المرفوضة. كما حصل مع مبادرة سانت إيجيدو التي كانت وراءها المعارضة السياسية في منتصف التسعينيات بالتعاون مع الكنيسة الإيطالية . وما ساد لاحقاً من تدخل أجنبي في الحالتين السورية والليبية، اللتين يقدمهما الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي كنماذج فاشلة لانتقال سياسي عنيف، ساد فيه التدخل الأجنبي المرفوض.

نفس السيناريو كان حاضراً في المرحلة الأخيرة من حكم الرئيس بوتفليقة وهو يرفض ما اقترحته المعارضة، ضمن هيئة تنسيق الانتقال الديموقراطي بزرالدا 2014-2016. حتى و"يتبنى" بعض اقتراحاتها، بعد إفراغها من محتواها السياسي، كإنشاء هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات وإصدار إطار قانوني ودستوري جديد. دون إجراء أي حوار مع الأحزاب المشاركة في هذه الندوة، صاحبة الاقتراح. وهو نفس ما حصل بمناسبة محطة الربيع العربي. التي تعامل النظام مع تداعياتها بواسطة انفتاح جزئي، تم الاعتراف فيه بأحزاب جديدة كانت قد قدمت طلب الاعتراف بها سابقاً وتقديم وعود لتغيير الإطار القانوني والدستوري الذي تم لاحقا -2016- دون المس بجوهر تسيير النظام السياسي وآلياته وعلاقات القوى داخله الذي استمر على نفس الحال.

في وقت لازال الانتقال الديموقراطي مطلب الكثير من القوى السياسية الفاعلة داخل الحراك الشعبي، منذ انطلاقه في 2019. يبقى على رأس أولياته ضمان أكبر للحريات الفردية والجماعية للجزائريين، بما فيها الحريات النقابية التي لا يمكن تصور أن تتطور نحو الأحسن دون استقلالية فعلية للعمل النقابي. ليس في ما يتعلق بالنقابات المستقلة فقط، بل كذلك بالنسبة للاتحاد العام للعمال الجزائريين. استقلالية تبعدها عن الأدوار السياسية والإيديولوجية التعبوية التي تخصصت فيها لعقود لصالح النظام السياسي، أفقدتها قدرتها على التجنيد وشوهت صورة العمل النقابي لدى العمال والأجراء والكثير من القوى المجتمعية.

بالطبع هذا السيناريو الإيجابي لتطور العمل النقابي في الجزائر لا يتوقف فقط على هذا التغيير في الإطار العام السياسي والمؤسساتي، نحو شفافية أكثر وقدرة على إنتاج مؤسسات شرعية بالحريات الفردية الجماعية التي تفترضها.[xliv] الوضع الاقتصادي والاجتماعي هو الآخر عامل مهم في اتجاه هذا السيناريو المتفائل المتعلق بمستقبل العمل النقابي، رغم اختلافه من قطاع إلى آخر.

في مرحلة توحي بالكثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، فإن الوضع مرشح للتدهور أكثر لعدة أسباب على رأسها تقلص مداخيل المالية للدولة التي لازالت تعتمد بشكل شبه كلي على المحروقات، بعد فشل واضح في تنويع الاقتصاد، وتناقص احتياطات الصرف. وضع سيكون تأثيره واضحاً على المدى القصير، داخل جميع القطاعات، حتى تلك التي كانت بعيدة نسبياً عن الأزمة، كما هو حال الوظيفة العمومية التي تنشط فيها النقابات المستقلة، ما يمكن أن يؤدي إلى تشنج أكثر في علاقات العمل داخل هذا القطاع الذي تسيطر عليه الدولة كرب عمل.

تشنج، قد لا يساعد النقابات على تحقيق مطالبها التي تعودت على طرحها، في مجال رفع الأجور في هذا الظرف الاقتصادي الصعب. في وقت تعيش فيه كل الفئات الأجيرة تدهوراً كبيراً في قدرتها الشرائية، ما قد يؤثر سلباً على قوة تجنيد هذه النقابات في وقت لازالت لم تترسخ كتجربة نقابية وهي تعيش داخل محيط مؤسساتي رسمي معادٍ لها، يمكن أن يصل لدرجة التشكيك في وجودها بأشكال مختلفة، كما بدأت توحي بذلك، بعض المؤشرات في 2021،[xlv] في وقت تعيش فيه الحركة النقابية ككل في موقع دفاعي، في القطاع الصناعي العمومي والقطاع الخاص على وجه الخصوص الذي تكاد تختفي تماماً منه، رغم أهميته كقطاع مهم على أكثر من صعيد. موازين قوى لم تنجح النقابات المستقلة وقياداتها في التعامل معها بشكل استراتيجي وهي تركز على القراءة القطاعية التي اكتفت بها حتى الآن في الغالب. انطلاقاً من تجربتها الوحيدة داخل قطاع الوظيفة العمومية الذي كان ولايزال في موقع اقتصادي واجتماعي محمي نسبياً، مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى. وضع جعلها تلجأ إلى حركات احتجاجية وإضرابات جذرية تميزت بطولها وتكرارها، لا تراعي في توقيت الإعلان عنها إلا موازين القوى داخل قطاع الوظيفة العمومية وليس موازين القوى الوطنية الكلية.

ما يعطي أهمية كبيرة مستقبلاً لإنجاح مشروع بناء كونفدرالية نقابية، يمكن أن توسع من آفاق عمل هذه التجربة النقابية الحديثة، لا زالت السلطات العمومية تتخذ موقفاً معادياً منها خوفاً على المس بالاحتكار الذي لازال يقوم به الاتحاد العام للعمال الجزائريين كنقابة رسمية مقربة من السلطة. مشروع كونفدرالية يمكن أن يساهم في إخراج التجربة النقابية من هذه الفئوية التي لم تسمح لها بالتجنيد الواسع خارج قطاع الوظيفة العمومية، كما ظهر ذلك عندما حاولت هذه النقابات انجاز إضراب عام دعت له بمناسبة الحراك، قبيل الانتخابات الرئاسية -29 أكتوبر 2019.

الخلاصة وبعض الاستنتاجات

أكدت نتائج الانتخابات التشريعية التي نظمت في 12 جوان 2019، وقبلها الاستفتاء على الدستور في الفاتح من نوفمبر  2020 والانتخابات الرئاسية التي نظمت بعد انطلاق الحراك في 12/12/2019، ما قلناه حول صعوبة التغيير السياسي في الجزائر، الذي تأكد بعد عودة أحزاب السلطة القديمة إلى احتلال غالبية مقاعد البرلمان في غياب شبه كلي للمواطن الذي قاطع هذه الانتخابات بدرجة عالية، غير مسبوقة -23.02 فقط من المشاركة- ، كما كان قد قاطع قبلها الانتخابات الرئاسية التي أوصلت تبون إلى الحكم 39.8 والاستفتاء على الدستور 23.03، بعد إعلان جزء مهم من المعارضة[xlvi] عن مقاطعة هذه الاستحقاقات، هي التي نادت، على العكس بانتقال ديموقراطي توافقي، رفض من قبل النظام السياسي،، الذي اختار على الدوام التوجه بدل ذلك إلى انتخابات، كما جرت العادة لديه كل مرة، غاب المواطن[xlvii] عنها كل مرة ليجد نفسه فيها أمام أزمة سياسية تقتضي منه التغيير السياسي النوعي. لجأ بدل ذلك إلى انتخابات تشريعية، تمت في جو زاد فيه التضييق على الحريات من كل نوع، مست نشطاء الحراك والصحافيين والحقوقيين على شكل اعتقالات. بعد غلق أكبر للمجال السياسي والإعلامي وبداية بروز مؤشرات أزمة اقتصادية واجتماعية،[xlviii] زاد في تعميق نتائجها انتشار جائحة الكوفيد.[xlix] وضع لم يساعد هذه الانتخابات لكي تكون مفتاحاً لإصلاح سياسي للنظام الذي أكد مرة أخرى رفضه للتغيير وخوفه منه.

مستقبل سيكون أكثر تعقيداً أمام النقابات في هذا الجو السياسي والاقتصادي المؤهل لتدهور أكثر، بكل تبعاته الاجتماعية، رغم نقاط القوة الكثيرة التي تميزها كتجربة، كان يمكن البناء عليها للمساهمة في إنجاز انتقال ديموقراطي، لازال مطلوباً على مستوى الحراك الشعبي. ونقاط ضعفها التي لم تفارقها كتلك المتعلقة بضعف التمثيل النسوي على مستوى قياداتها في قطاعات تحتل فيها المرأة مكان الصدارة وعدم نجاحها في انجاز تجديد فكري أصبحت في حاجة إليه أكثر للتكيف مع التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعيشها المجتمع الجزائري. في وقت تعيش فيه الحركة النقابية على المستوى الدولي تحولات عميقة أثرت سلباً على أدائها. لم تعد تملك فيه التجربة النقابية الجزائرية نموذجاً إيجابياً يمكن أن تحتذي به لا دولياً ولا إقليمياً.

تجربة نقابية تأثرت سلباً بأزمة الدولة الوطنية وهي تعيش حالة تحول في قاعدتها الاجتماعية، تقربت فيها من الفئات المالكة الجديدة التي راكمت بسرعة مصادر الثروة والجاه، اعتمدت فيها على قربها من الدولة الوطنية التي ربطت معها علاقات متنوعة لإنجاز مهام جديدة استعملت فيها وسائل جديدة، كما هي حال القنوات التلفزيونية التي حولتها إلى بوق لصالح خطاب السلطة، لم تنافس القنوات العمومية فقط، بل نافست كذلك ما كانت تقوم به الفئات الوسطى المتعلمة تاريخياً في دفاعها عن مشاريع السلطة التي احتكرت الترويج لها سياسياً لدى الأوساط الشعبية، إيذاناً بتخلي السلطة عن الخدمات ذات الطابع السياسي التي كانت تنجزها لصالحها الفئات الوسطى. هي التي كانت دائمة الارتباط بها كراعٍ اجتماعي ورب عمل لاحقاً، بالنسبة للنقابات المستقلة الحاضرة في قطاع الوظيفة العمومية، ما يسمح لنا بالقول كاستنتاج أن هذه الفئات الوسطى ستتجه أكثر نحو العمل النقابي المطلبي الذي يمكن أن تربطه بالمطالب السياسية، كما عبرت عن ذلك بمشاركتها المتعددة الأوجه في الحراك الشعبي الذي فرضت في مرحلته الأولى على الأقل مطالب سياسية تمحورت حول المطالبة بشروط الانتقال السياسي. فئات وسطى يمكن أن تنجح بالتالي في التوليف بين السياسي والاجتماعي المطلبي داخل الحراك في ظل وضع اقتصادي واجتماعي مرشح للتدهور أكثر على المدى القصير لدى فئات شعبية واسعة من بينها الفئات الوسطى الأجيرة وحتى المالكة. ما يمنح أدواراً أكبر لنقابات الفئات الوسطى للتأثير على تطور الأحداث إذا عرفت كيف تنجح في بناء تحالف شعبي لقيادة المطالبة بالتغيير عن طريق انتقال ديموقراطي لازال ممكناً في الحالة الجزائرية رغم كل العثرات، والرفض من قبل السلطة.

[i] مليون منصب شغل تم القضاء عليها حسب معطيات رسمية، مسّت مناصب الشغل الهشة. انظر جريدة ليبرتي ليوم 28 مارس 2021: http://www.algerieinfo.com/

[ii]  انظر دراستنا حول المعارضة السياسية وأدوارها المنشورة في هذا الموقع: https://studies.aljazeera.net/en/node/4002

[iii] كانت اول ندوة داخل الجزائر بين أحزاب سياسية وشخصيات وطنية. عكس لقاء روما-1995- الذي تبنته مؤسسة سانت ايجيديو الذي انتظم خارج الجزائر لإيجاد حلول للازمة الأمنية والسياسية. رفضت السلطات هي الأخرى اقتراحات هذا القاء .في تلك الفترة المضطربة .انظر الموقع التالي للتعرف على تفاصيل الاتفاق.

[iv] انظر النص القانوني.

[v] زعموش فوزية، علاقة العمل النقابي بالعمل السياسي في الجزائر، أطروحة دكتوراه في القانون العام. جامعة قسنطينة 1، 2012. https://bu.umc.edu.dz/theses/droit/AZEA3945.pdf

[vi] طرحت الحركة الإسلامية الجذرية مسألة تطبيق الشريعة والدولة الإسلامية في جو زاد فيه الانقسام بين النخب حول قضابا لغوية وثقافية زادت في تعميق الشروخ بين النخب والكثير من القوى الاجتماعية المؤيدة لها .

[vii]  هذا ما حاولت القيام به هذه الدراسة الصادرة عن مجلة إنسانيات حول التجربة النقابية المستقلة للمعلمين في المنطقة الغربية من الجزائر للتعرف إلى تجنيد الموظفين من خلال المعلمين https://journals.openedition.org/insaniyat/15041

[viii] تمت الانطلاقة في مشاريع تنمية بالمخطط الثلاثي1967-69 الأول والرباعي 1970-74 الأول والثاني 1974-77، انظر للمزيد من التفاصيل.  د. عامر هني، قراءة في مخططات التنمية بالجزائر (1967-2014(Amir Hani, Lecture dans les plans de développement en Algérie (1967-2014) Reading in Développent Plans in Algeria (1967-2014) http://dspace.univ-msila.dz:8080/xmlui/bitstream/handle

[ix] Nacer Djabi, Kaidi Lakhdar, une histoire du syndicalisme algérien, éditions chihab Alger, 2005.

[x] لن نتكلم في هذه الدراسة عن تجربة النقابة الإسلامية للعمل القصيرة syndicat islamique du travail التي ارتبطت بمشروع الجبهة الإسلامية للإنقاذ. كتنظيم سياسي. نقابة كانت أقرب إلى الكونفدرالية نتيجة ضمها عدة فئات عمالية داخل نفس التنظيم النقابي. تم تعليق عملها في نفس الفترة والأجواء التي حلت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد فشل الإضراب العام الذي دعت اليه بعد إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في سنة 1992.

كما أننا لن نتكلم عن نقابة احسان التابعة لحركة حمس الإسلامية -الأخوان المسلمون - التي لم تتمكن من الصمود واختفت بسرعة.

[xi] الإضرابات العمالية في بعض القطاعات الحساسة كالنقل البحري وسكك الحديد كانت تصل إلى بومدين شخصياً الذي يبت في مطالبها.

[xii] قانون العمل كان يعترف بحق العمال في القطاع الخاص في الإضراب ويسكت عليه دون إجازته قانوناً في القطاع العام لغاية 1990، تاريخ الاعتراف به لكل العمال بمن فيهم موظفو الدولة باستثناء فئات قليلة كالشرطة وحراس السجون.

انظر: Koriche nasr-eddine, « Justice et règlement des conflits de travail »  https://journals.openedition.org/anneemaghreb/351?lang=en

[xiii] نزيه ن. الأيوبي، تضخيم الدولة العربية - السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط، ترجمة أمجد حسين، مركز دراسات الوحدة العربية، 2010.

[xiv] اتهم مشروع تقسيم الدوائر الانتخابية بمحاباة أحزاب السلطة الحاضرة في المناطق الريفية والصحراوية كجبهة التحرير - حزب رئيس الحكومة - على حساب الجبهة الإسلامية التي كانت حاضرة في المناطق الحضرية في شمال البلاد.

[xv] انظر تغطية جريدة الشروق اليومية لإضراب أساتذة التعليم بمختلف مراحله الذي بادرت به النقابات المستقلة في 8 كانون الثاني/نوفمبر 2009: https://www.echoroukonline.com%

[xvi] كما حصل في منتصف شهر رمضان حين أعلنت نقابات التربية عن نيتها الإضراب خلال أيام 9-11 مايو 2021. في نفس الوقت الذي قام به رجال الحماية المدنية بإضراب وطني ومسيرة نحو رئاسة الجمهورية تم التصدي لها من قبل الشرطة يوم 2 مايو 2021. وضع جعل رئيس الجمهورية يدعو إلى فتح حوار مع الشركاء الاجتماعيين في القطاعات التي تعرف حالة تذمر كالصحة والتربية. وقبلها قطاع البريد. انظر: https://www.france24.com/ar

[xvii] استمر أبوبكر بن بوزيد وزيراً للتعليم العالي بين 1994-97 ثم وزيراً للتربية الوطنية إلى غاية 2012. في وقت انطلاق التجربة النقابية التعددية في قطاعي التربية وقبلها التعليم العالي مع تجربة المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي الذي حرك الساحة النقابية خلال هذه الفترة.

[xviii] عدم تحكم نورية بن غبريط باللغة العربية وبعض ما روج من معطيات حول خلفيتها العائلية والسياسية جعل بعض النقابات تتخذ مواقف معادية منها أثرت على الجو الاجتماعي في القطاع خلال سنوات بقائها كوزيرة للتربية 2014-2019 التي عرفت اندلاع الكثير من الإضرابات.

[xix] تعيين نورية بن غبريط على رأس وزارة التربية لم يحترم القطاعية التي ميزت تقسيم المناصب الوزارية بين النخب المفرنسة والمعربة التي كانت وزارة التربية تقليدياً من نصيبها. انظر دراستنا حول موضوع النخب السياسية وعلاقاتها بالانقسامات اللغوية والقيمية. ناصر جابي، الجزائر: الدولة والنخب، دار الشهاب للنشر الجزائر، 2008.

[xx] غالبية القنوات التلفزيونية الخاصة التي ظهرت بعد 2012 مملوكة لرجال أعمال. اتهموا لاحقاً بالفساد وتم سجنهم بعد انطلاق الحراك الشعبي 2020. مثل علي حداد صاحب مجمع وقت الجزائر الذي كان يملك قناتين تلفزيونيتين لغاية سجنه وغلق القناتين. وهو ما حصل مع محي الدين تاحكوت صاحب قناة نوميديا.

[xxi] الحكومات المتعاقبة قبلت بتعددية نقابات أرباب العمل. لكنها أصرت على رفض تعددية الطرف العمالي الذي احتكر تمثيله الاتحاد العام للعمال الجزائريين.

[xxii] جرت محاولات كثيرة منذ ......

[xxiii] كما حصل خلال المسيرة رقم 114 و155 التي حصلت في شهر رمضان 2021 يومي 14 و21 مايو. وهو نفس المصير الذي لاقته مسيرات الطلبة خلال نفس الفترة.

[xxiv] انظر بيان رئيس الحكومة ليوم 6 مايو حول الإضرابات العمالية التي شهدتها هذه الفترة الأخيرة -رمضان 2021: https://www.elbilad.net/Article/

[xxv] انظر الإعلان التأسيسي لهيئة التشاور والمتابعة للمعارضة الوطنية: https://www.facebook.com/HmsDz/posts/976496609100288/

[xxvi] انظر أرضية مشروع الندوة الأولى للحريات والانتقال الديموقراطي الذي طرحته تنسيقية الانتقال الديموقراطي عقب لقاء مزفران الأول في 10 جوان 2014: https://hoggar.org/2014/06/01

[xxvii]  اشترك في الندوة التي ترأس جلساتها وزير سابق – عبد الزيز رحابي - خمسة رؤساء حكومات سابقين كأحمد بن بيتور وعلي بن فليس ومقداد سيفي وسيد أحمد غزالي ومولود حمروش زيادة على وزراء ومسؤولين سياسيين سابقين.

[xxviii] تحالف -النهضة العدالة والبناء - حصل بين أحزاب كانت في الأصل حزباً واحداً قبل انشقاقها على فترات من الحركة الأم - حركة النهضة التي كان يقودها الشيخ عبد الله جبالله. زيادة على حزب البناء الجديد المنشق عن حركة مجتمع السلم. حصل على 15 مقعداً، في حين حصل التحالف تحت قيادة حمس على 33 مقعداً، الذي دخلته مع جبهة التغيير الذي انشق تحت تسميتها القيادي السابق عبد المجيد مناصرة.

[xxix] حسب بيان لوزارة العمل الصادر في ابريل 2018لم يتم الاعتراف الا ب17 نقابة تنشط في اطار القانون. انظر: https://www.ennaharonline.com

[xxx] طالبت نقابة المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار cnapeste في بيان الإعلان عن تكوينها تحت مسمى التنسيقية المؤقتة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني. في 6 مارس 2003 بمطالب من بينها الزيادة في 100 بالمئة لأجور أساتذة التعليم الثانوي والتقني.. اصدار القانون الخاص بأساتذة التعليم الثانوي والتقني وبحق التقاعد بعد25 سنة من الخدمة الفعلية.

[xxxi] للزيادة في القيمة التعبيرية لحركاتها الاحتجاجية قامت النقابات بتنظيم مسيرات في الشوارع والساحات العمومية يوم 26 ماي في أكثر من مدينة جزائرية، مسيرات كانت القيادات النقابية على راسها وهي تتوجه إلى مقر وزارة التربية.

[xxxii] Harcène Merani, « Les cadres des entreprises publiques en Algérie. Des privilèges au déclassement », Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée [En ligne], janvier 2005, 105-106. http://journals.openedition.org/remmm/2729

[xxxiii] أكثر من عشر نقابيين التحقوا بالبرلمان كنواب مع أحزاب الإسلام السياسي وجبهة التحرير والتجمع الوطني الديموقراطي في اخر عهدة للبرلمان 2017-2021. مقابلة مع ع .م .نقابي نائب . مقابل اعداد اكبر في العهدات البرلمانية السابقة.

[xxxiv] انظر تفاصيل الإضرابات من حيث أسبابها ونتائجها في قطاع التربية تحديدا في دراسة منير صوالحية من جامعة تبسة حول الانتماء النقابي والاضرابات في الجزائر في هذا الموقع: https://platform.almanhal.com/Files/2/50506

[xxxv] داخل كل قطاع تكونت عدة نقابات جديدة لبعض الأسلاك المهنية تخوفت منها النقابات المعتمدة . كما حصل في قطاع التربية الذي تم فيه الاعتراف بـ23 نقابة في فترة وجيزة خلال سنة 2021، انظر : https://ultraalgeria.ultrasawt.com/

[xxxvi] لمزيد من التفاصيل حول تطور قطاع التعليم من حيث عدد المعلمين والأساتذة، انظر

[xxxvii] انظر: ليلى طمين، "سيرورة التحول البيروقراطي. في التنظيم النقابي"، للحصول على شهادة ماجستير من جامعة عتابة 1998 https://journals.openedition.org/insaniyat/8888

[xxxviii] انظر ما جاء في رسالة الماجستير للطالب عبد الواحد حسني من جامعة وهران حول حالة نقابة الكناباست لولاية عين تموشنت .التي تمت مناقشتها في سنة 2016.

http://www.univ-oran2.dz/images/these_memoires/FSS/Magister/TMSS-39/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9%20PDF.pdf

[xxxix] يحصل هذا التشكيك في كل الإضرابات التي تنظمها النقابات كما يعكسه الإعلام الوطني والبيانات المتضاربة حول نسب المشاركة الفعلية. كما يحدث في كل الإضرابات في العالم.

[xl] سمير صغير، "المفاوضات والإضراب في الجزائر بعد 1988. دراسة حالة نقابة المجلس الوطني المستقل"، رسالة دكتوراه، قسم علم الاجتماع، جامعة الجزائر 2، 2021 .

[xli] من القيادات التي دافعت عن هذه الاستقلالية للعمل النقابي عن السياسي، يمكن أن نذكر النقابي المعروف بكتابته حول الموضوع التي يمكن أن نذكر منها  Boualem bourouiba, « Le mouvement syndical algérien face aux luttes pour le pouvoir -1962-63 », Naqd, No. 4, 1993.  أو كتابه الصادر بعد وفاته تحت عنوان:  Bourouiba boualem, L’ u.g.t.a dans les premières années de l’indépendance 62-65

[xlii] المادة 5 من قانون الانتخابات التي جاء فيها. تتمايز التنظيمات النقابية في هدفها تسميتها وتسييرها عن أي جمعية سياسية ذات طابع سياسي ولا يمكنها الارتباط هيكليا او عضويا باي جمعية ذات طابع سياسي ولا الحصول على اعانات او هبات او وصايا كيفما كان من هذه الجمعيات ولا المشاركة في تمويلها .غير أن أعضاء التنظيم النقابي يتمتعون بحق الانضمام الفردي إلى الجمعيات ذات الطابع السياسي .

[xliii] ناصر جابي، الجزائر: الدولة والنخب، دار الشهاب للنشر الجزائر، 2008.

[xliv] الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 جوان اكدت مرة أخرى عدم قدرة هذا النوع من الانتخابات على التحول إلى وسيلة تغيير سياسي يساهم في إنجاح انتقال ديموقراطي. بعد أن قاطعتها فئات واسعة من المواطنين والكثير من الأحزاب السياسية. كانت نتيجتها عودة نفس القوى السياسية التقليدية المحافظ الرافضة للتغيير السياسي.

[xlv] افتتاحية الجيش المذكورة في هذه الدراسة كمرجع.

[xlvi] كل أحزاب القطب الديموقراطي المكونة من أحزاب يسارية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قاطعت هذه الانتخابات زيادة على جبهة القوى الاشتراكية.

[xlvii] لم تحصل جبهة التحرير على الموقع الأول داخل البرلمان إلا على 287 .828 صوتاً من مجموع 23 مليون مسجل في الانتخابات وهي الحاصلة على 98 مقعداً، مقابل 208 آلاف صوت لحركة حمس التي حصلت بدورها على 65 مقعداً، مقابل 58 مقعداً للتجمع الوطني الديموقراطي الذي لم يحصل إلا على 190 ألف صوت، و153.987 صوتاً لحزب جبهة المستقبل بـ48 مقعداً، وأخيراً حركة البناء بـ106 آلاف صوت سمحت لها بالفوز بـ39 مقعداً من مجموع 23 مليون ناخب لم يشارك منهم إلا 23 بالمئة في هذه الانتخابات، وأوراق ملغاة تجاوزت المليون ورقة.

لمزيد من التفاصيل انظر: إعلان المجلس الدستوري الصادر في الجريدة الرسمية: https://www.joradp.dz/FTP/jo-part123/A2021051.pdf

[xlviii] عرفت هذه الفترة حالة جفاف فرضت على السلطات اللجوء إلى تقليص توزيع المياه على مواطني المدن الكبرى مثل العاصمة التي لجأ سكان بعض أحيائها إلى قطع الطريق العمومي والخروج إلى الشارع. ظاهرة مرشحة للتفاقم في ظل استمرار عدم تساقط الأمطار لغاية فصل الخريف.

[xlix] Hafida Ameyar, (direction), l’Algérie dans la pandémie du coronavirus. Crises, Hirak et Décantations, éditions les Amis de Abdelhamid Benzine, 2020.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.